هل سيعيد البابا فرنسيس الصلاحيات والإمتيازات والحقوق التي سلبها الفاتيكان من بطاركة المشرق الكاثوليك
ليون برخو
جامعة يونشوبنك
السويدمقدمة يجتمع في روما اليوم الخميس المصادف 21 تشرين الثاني بطاركة المشرق الكاثوليك مع البابا فرنسيس (رابط 1). وهذا إجتماع مهم ربما يوازي في أهميته الإجتماع الذي عقده أسلافهم في روما في منتصف القرن التاسع عشر مع البابا بيوس التاسع الذي فيه إستخدم الفاتيكان الدهاء والنفاق السياسي والمال والحيلة جرد بموجبها بطاركة الشرق الكاثوليك من كل صلاحياتهم تقريبا وصاروا بمثابة موظفين لدى القاصد الرسولي (السفير) والموظفين اللاتين في المجمع الشرقي في الفاتيكان والبعثات التبشيرية اللاتينية الكاثوليكية. (رابط 2)
ملاحظات مهمةوقبل أن أدخل في خضم الموضوع اود الإشارة إلى أنني أكتب هذا المقال المهم مستندا إلى وثائق تاريخية كنسية كتبها البطاركة الكلدان وأساقفتهم (أنظر الهامش لا سيما رابط 2) وكذلك أستند إلى تواجدي في الدير وقراءتي للمخطوطات السريانية وما سمعته من كثير من رؤساء الأديرة التي ترعرعت فيها ومن بعض الرهبان الذين كانوا شهود عيان لهذه الأحداث.
وكذلك أود الإشارة إلا أنني أكتب وأنا منتم إلى الكنيسة الكاثوليكية وأحد أعضائها مستفيدا من هامش الحرية الكبير الذي تمنحه اليوم للأكاديميين من أمثالي. وانا لست وحدي في هذا حيث كتب قبلي الأكاديمي الكاثوليكي الليبرالي هانس كونك مننقدا تصرفات الفاتيكان وطريقة إداءه وتعامله مع الأخرومشبها أياه بالحكم المستبد في المملكة العربية السعودية ونشرت مقالته النيويورك تايمز وفورين بوليسي وغيرهما من المجلات والصحف العالمية. (رابط 3). ولدي أيضا فصلا كاملا في كتاب حول الإعلام والتعصب (نشر 2010)– وهو حاليا مادة تدريسية – تناولت فيه الكثير من المسائل التي يثيرها هانس كونك في مقاله الأخير والمؤسسة الكنسية على علم بالكتاب وقد أهديتها نسخة منه فور صدوره.
ولم يتهم أي كاثوليكي إكليركي وغيره هانس كونك بأنه يهاجم الإيمان المسيحي ولم يدينه أي كاثوليكي متنور بل ايده الكثيرون لأنه يشير إلىى المؤسساتية الكنسية ولم يمس الإنجيل الذي هو أساس الدين والكنيسة. وهنا أنا أيضا أتكلم عن المؤسسة الكنيسة وليس الكنيسة كرسالة إنجيلية همهما ممارسة الإنجيل على أرض الواقع.
ولكي أقطع دابر بعض الأخوة من الذين يجعلون المذهب والطائفة والعقيدة قبل الإنجيل ويحكمون على الناس ويكفرونها بينما أعلى السلطات الكنسية اليوم تسمح بالنقد وحرية التعبير لا بل تشجعه فقد قمت بإرسال هذا المقال أيضا إلى المسؤولين الكنسيين الكاثوليك في الدول الإسكندنافية مع ترجمته وطالبا منهم تحويله إلى الفاتيكان ذاته.
اللقاء ضمن سياقه التاريخيوحسب علمي فإن البطاركة سيطالبون البابا بإعادة سلطاتهم التي سلبها منهم الفايتكان في عهد البابا بيوس التاسع وهذا حق لأن الوضع الحالي لا يحتمل من حيث العنف المفرط الذي بدأ يدب في كافة الأمصار التي يقطنها المسيحيون في الشرق. إن إعادة صلاحياتهم المسلوبة والمغتصبة أمر مهم لتمشية الأمور الإدارية والمؤسساتية وغيرها المتعلقة بكنائسهم وعلاقتها مع الكنائس الشقيقة غير الكاثوليكية. (رابط 4)
وهناك نقطة أساسية أخرى وهي ان البطاركة المشاركين في هذا الإجتماع كلهم لهم كنائس شقيقة يرأسها بطاركة لهم كامل الحقوق والصلاحيات على كنائسهم ورعيتهم وإكليروسهم. وبطاركة المشرق الكاثوليك والأرثذوكس وغيرهم صامدون في أرض يجتاحها العنف والإرهاب والحروب والتعصب الأعمى والفتنة الطائفية.
هؤلاء البطاركة الأجلاء بإختلاف مذاهبهم يرغبون في الوحدة وطي صفحة الفرز المذهبي والطائفي المسيحي ولكن حجر العثرة هي الفاتيكان التي تريد لغير الكاثوليك منهم ان يتنازلوا عن كل صلاحياتهم شأنهم شأن البطاركة الكاثوليك ويعترفوا بعصمة الفايتكان كشرط مسبق للوحدة.
واقول هنا إن البطاركة غير الكاثوليك محقون في رفضهم لهكذا شروط مهينة ومن حقهم الإحتفاظ بكل صلاحياتهم التي ورثوها منذ تأسيس كنائسهم في القرن الأول الميلادي.
وللعلم فإن البطاركة الكاثوليك أنفسهم لم يعترفوا بعصمة الفاتيكان التي فرضها البابا بيوسس التاسع عنوة في منتصف القرن التاسع عشر على الكل ولم يقبلوا بها لا بل قاموا مقاومة شديدة التنازل عن أي من صلاحياتهم ومنهم بطريركنا الكبير يوسف أودو. وأفقوا فقط تحت الضغط الشديد والتهديد والإغراء والتحايل والمكر وليس طوعا وقناعة وهذا ما يكتبه بطريركنا يوسف أودو في أحد رسائله من روما (ص 92 - 93):
"من يوسف أودو الذي بنعمته الجاثاليق بطريك بابل: إعلم، أنه من جهة أعمالنا قد إنتهينا، والـتأم المجمع برفض المائة والستون (عقيدة) العصمة، وبعدم تنازلهم عن صلاحياتهم، وكذلك نحن (البطريرك أودو) وبطاركة الروم والموارنة والسريان، لم نحضر (الجلسة الختامية) ويعلم الجميع. والمائتين من المؤيدين، وافقوا لأنهم يعتاشون على مساعدات البابا والباقون وافقوا خوفا ورياءً وطمعا بالمال والهدايا التي ينالونها بسبب مناصبهم ... هذا السَفَر يكلفنا مصاريف ونفقات كثيرة وفي روما لم نعط شيئا، لأننا لم نعمل بما طلب منا."
ويضيف البطريرك الجليل في رسالته (ص 105) أنه كان من المعارضين الأشداء لمنح العصمة للبابا والتنازل عن صلاحياته كرئس أعلى للكنيسة الكلدانية وكرسي قطيسفون وبابل. ولكنه يكتب بعدئذ ما يظهر مكر وتحايل الفاتيكان البعيد كل البعد عن الروج الإنجيلية التي يجب أن تأتي قبل العصمة وقبل إي صلاحيات:
"ولكن كتبنا إلى ... البابا بأننا قبلنا العصمة بشرط أن تبقى كافة الإمتيازات بدو تغيير ...تحت شرط بقاء الإمتيازات والحقوق والتقاليد كما كانت سابقا ... إن باليوس (الزائر الرسولي اللاتيني الذي أرسله الفاتيكان إلى الموصل لإقناع البطريرك بالعصمة والتنازل عن صلاحياته) تعهد لنا فيما وافقنا على العصمة، فإن الملبار ستعود لنا."
التعهد نكثوا به لا بل إزدادوا في غيّهم ومارسوا عنفا مفرطا لفصل الكلدان عن كرسي بابل وتأليب الأخرين من خلال بعثاتهم التبشرية على سلطة البطريرك وذهبوا بعيدا في تطبيق محاكم تفتيشهم اللعينة مما جعل البطريرك وأحباره ومناصريه يطلقون عبارات مثل "الأشرار، ورعاة غرباء ودخلاء ودجالين وماكرين فاسدين أعداء الإنجيل والمسيح" على سفراء االفاتيكان وبعثاتهم التبشرية من الدومنيكان وغيرهم، وتسترسل إحدى الرسائل في خطابها للشعب الكلداني وإكليروسه وتحذيرهم من المبشرين الكاثوليك الغربيين وممثلي الفاتيكان بالقول (ص 123):
"فعلة فاسدون ماكرون، أعداء الإنجيل ويسوع المسيح، وأنانيون لا يحبون غير ذواتهم وبطونهم/ وسراق ومبتزوا (أموال) الكنائس وبيوت المسيحيين بحجة ان قداسة البابا يحلهم من أثامهم ... إن غايتهم وغاية مرسليهم ليست إلا تغيير الطقوس الشرقية وإبطال رئاسة البطريركية والمطرانية، لينفردوا هم بالسطلة .. فإنهم لا يتوانون من حرق كتبنا التي وضعها الرسل الأطهار ... لذا إخوتي إحذروهم ولا تسمعوا كلامهم لأنه كلام لبق معسول ظاهرا،غير أنه في الحقيقة مملوء سما قاتلا .. ما أن تستتب لهم الأمور حتى يلدغونكم كالحية الخبيثة وينفثوا سمومهم بلا شفقة ورحمة."
هناك المزيد المزيد ولكن!!!لا أريد أن أسترسل كثيرا في المأسي التي وقعت على كنيستنا المشرقية المجيدة لا سيما الفرع الكلداني منها. إنه ظلم لا بعده ظلم ويرقى كما قلت وبشهادة البطاركة والأحبار وكل الكلدان الغيورين على هويتهم المشرقية وطقسهم الكلداني بلغته الساحرة في كثير من تفاصيله إلى جريمة ضد الإنسانية.
الذي يقرأ ما كتبه بعض بطاركتنا من المدافعين عن هويتنا الكلدانية المشرقية وطقسنا الكلداني المجيد ليصاب بالهول لشدة الفاجعة.
واليوم لا يستطيع أي بطريرك شرقي كاثوليكي رسامة مطران او خلعه والأمور برمتها تقريبا بعهدة اللاتين واساقفتهم وكهنتهم ورهبانهم إلى درجة ان بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم ليس بإستطاعته اليوم الطلب من كاهن راهب هارب من رهبنته العودة إلى ديره او حتى الكف عن معادة البطريركة لأنه يحتمي بمطرانه ومطرانه يحتمي بموظف بالفاتيكان. هذه حقيقة. والأنكى فإن الراهب الهارب هذا يتجرأ من على المنبر في الكنيسة القول إنه ليس تحت سلطة البطريرك الذي ومنذ منتصف القرن التاسع عشر جردته الفاتيكان تقريبا من كل صلاحياته الجاثاليقية.
فرصة ذهبيةهذا أفضل زمن كي يطالب بطاركة المشرق الكاثوليك بإسترجاع صلاحياتهم وحقوقهم التي سلبها منهم الفاتيكان. لماذا؟ لأن الفاتيكان يمر اليوم في عصافة من التجديد والتغير يقودها البابا فرنسيس دون كلل حيث وضع الإنجيل قبل العقيدة وقبل الصلاحيات الإدراية والسلطة والجاه والعصمة.
هذا أفضل زمن لبطاركة المشرق الكاثوليك أن يعيدوا ترتيب بيتهم ويطالبوا بكافة صلاحياتهم التي سلبت منهم وهم أمام حضرة الحبر الأعظم الذي يبدو ان لا نهاية لسعيه لإصلاح الفاتيكان وتخليصه من الفساد المزمن والمحسوبية والنفاق التي كنا نحن أنباء كنيسة المشرق من الكلدان اول وأكبر ضحاياها.
البابا الذي اليوم يقبل ويرفض أن يدين حتى مثلي الجنس (اللوطي) والذي قبل ان يعطي أكبر جائزة يمنحها الفاتيكان لكاتب لوطي ( رابط 5 ) والذي منح الخلاص حتي للملحدين والذي غسل أرجل نساء ومنهن مسلمات ضمن واحدة من أقدس أقداس المسيحية وهو عيد الفصح، أي جعل من النساء والمسلمات ضمن الأثني عشر، لا أظن أنه لن يسمع لكم ولا أظن أنه لن يلبي طلبكم.
إنها فرصة تاريخية كي تعيدوا مجد المسيحية المشرقية بشراكة إنجيلية إيمانية فقط مع الكنيسة الجامعة وتسترجعوا كامل صلاحياتكم وتبسطوا سلطتكم الجاثاليقية عل كافة المناطق في العالم التي يتواجد فيها رعاياكم وتسترجعوا ما تم سلبه من كنائس وأديرة وأوقاف ومناطق.
وهذه الصلاجيات ستسمح لكلم الدخول في نقاش ومفاوضات مباشرة مع الكنائس الشقيقة بروح مسكونية إنجيلية – وليس من أجل السلطة وإلغاء الأخر وصلاحياته – من أجل وحدة هذه الكنائس المشتتة والتعويض عما أصابها من ظلم بإسم الإنجيل والتبشير- الذي أساسه المسرة وليس الظلم – كي تستطيع هذ الكنائس المقاومة والحفاظ على وجودها في خضم شرق أوسط فوضوي تتداخل فيه الفتنة الطائفية والإرهاب والعنف والصراع الإقليمي والدولي على المصالح.
---
رابط 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,711836.0.htmlرابط 2
أنظر الرسالة الخامسة والعشرين والسابعة والعشرين والثامنة والعشرين للبطريرك الكداني يوسف أودو والتي يوضح فيه ما جرى له من إهانة في روما وكيف تحايلوا عليه للتوقيع على أمور لم يرغب فيها وكيف سلبوا منه ومن بعده خلفائه كل صلاحيات. الرسائل موجودة بالعربية في كتاب "رسائل مار يوسف السادس أودو بطريرك الكلدان. تعريب وتحقيق المطران إبراهينم إبراهيم والشمساس خيري قومية: مشيغن 2010.
كل الإقتباسات والإشارات في هذا المقال من رسائل البطريرك ما يتم ذكر غيره.
رابط 3
http://www.nytimes.com/2013/02/28/opinion/a-vatican-spring.htmlhttp://www.foreignpolicy.com/articles/2013/11/15/does_the_world_need_a_vatican_springرابط 4
http://www.saint-adday.com/index.php/permalink/5240.htmlرابط 5
http://www.elephantjournal.com/2013/11/gay-teen-scientist-honored-by-vatican-for-developing-early-test-for-pancreatic-cancer/