سنبكي بيوتتنا وتبكينا
الجزء الثاني
نعم انها الهجرة ستجعلنا نبكي على بيوتنا وبيوتنا تبكي علينا وقد وضحنا كثيرا في الجزء الاول
من مقالنا وبإلحاح أن تعالج أسباب هجرتنا وإلا فستكون الهجرة سبيلنا الوحيد وملاذنا الامن شئنا ام ابينا ...!!!
نعم إن جميع المؤتمرات التي تعقد لمعالجة الهجرة نعم تعطي الأولوية لمعالجة هذه الكارثة والتي تشبه كزلزال دائم أصاب مجتمعنا بصورة عامة والأقليات بصورة خاصة وهنا قمة العجب نعم وقمة العجاب حيث الكل يقف موقف المتفرج من أيجاد حل فعلي وعملي لهذه الكارثة سواء رجال الدولــة ووجهاء المجتمع لإبل وحتى رجال الدين جميعهم من دون استثناء فأين الحل يا السادة الأجلاء الكرام نعم كل مؤتمراتكم تشخص الداء وتوصي أيضا بالدواء بالمعنى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني وغيرها لإبل وتقر أيضا وبكل صراحة ووضوح --
(لا استقرار للعراق بدون ضمان حقوق أقلياته ))وأيضا نعم تقر كل مؤتمراتكم على ضرورة وعلى عجل قيام المصالحة الوطنية رغم معرفتي الأكيدة بأن هذا الأمر مرهون ومقترن بالدرجة الأساسية بمدى شعور الكيانات السياسية والاجتماعية والدينية ذات النفوذ الواسع على أرض الواقع وبالمسؤولية الكبرى وبعد مطالبة جماهيريا ووطنيا ملحا كي يتم التعايش السلمي بين جميع مكونات مجتمعنا المسلوب الإرادة والقرار ----!!!!ولكي لأطيل كثيرا لابد لي إن أقول عسى أن يرن صوت هذا المقال وأمثاله الكثيرة جدا أذان المسئولين كل المسئولين الحكوميين بالدرجة الأولى وجميع ممثلي الكتل السياسية والاجتماعية لتحمل هذه المهمة بكل صدق وأمانة ونكران الذات بغية بناء عراق مزدهر اقتصاديا ومستقرا أمنيا وديمقراطي فدرالي موحد وإلا المصير نعم المصير مجهول وهذا ما ينتظره أعداء العراق العزيز وشعبه الكريم الأعداء التاريخيين وآلا نيين ومن المحتلين الجدد وبعض دول الجوار المتربصة به أيضا -----!!!!!؟؟؟؟
يا لها من كارثة انسانية شعب اصيل يقلع من جذوره وينتشر في ارض الله الواسعة مسلوب الإرادة والقرار ...!!
*من المعلوم ان الانسان يعيش بين سعادتين في حياته الاولى يكفلها العدل و الثانية يحرسها الامل لذلك يحب الناس القاضي او الحاكم العادل ورجل الدين الصالح او الكاهن لان الاول هو اساس العدل والثاني مثال الرجاء الصالح . فاليوم عندنا في بلدي انقلب العدل ظلما والامل ياس فلا يبقى امامنا سوى ان نلوي وجوهنا عنهما فنقول للحاكم لا نريد قانونك ولرجل الدين الصالح او الكاهن لانؤمن بك ناهيك عما تفعله بنا احزابنا القومية من تجزئة وتفرقة ...!!! ليس فقط نهاجر لا بل و حتى...!!!
والله اقولها بكل ثقة عالية بالنفس ان الله سبحانه وتعالى مع العراقيين عموما وشعبنا الكلداني السرياني الاشوري خصوصا ومنحنا مزايا كثيرة وفي مقدمة تلك المزايا الصبر العنيد والايمان الثابت في الصدور لان الذي حل بوطني ارض ابائي واجدادي الوطن الام العراق العزيز من 1958 وبلغ اوج عظمة احداثه ما حصل في 2003 والى يومنا هذا لو حل بدولة اخرى او باية دولة اوربية ما حل بنا او حصل لنا لكان 50% من شعب تلك الدولة في القبور و 30% منه في مستشفى الامراض العقلية و 20% الباقية في المستشفيات الاخرى مصابين بامراض السكر والضغط ... الخ
وكما ذكرت سلفا انني استغنيت عن تفاصيل معاناتنا في الوقت الحاضر فقط أريد أن ألخصها باختصار( حالنا أصبح أشبه بحال أبو حازم حيث في بداية الستينات وفي مسقط رأسي يومها كنا بعمر الأطفال حصل شجار بين الطفلين حازم وسالم من محلتنا وهم أيضا أطفال اصغر منا سننا بخمس سنوات تقريبا وحازم اسقط سالم أرضا فبدأ يصرخ ونهض مسرعا إلى بيته القريب نوعا ما من بيت حازم فخرج أبو سالم ووقف إمام باب بيته وكان أبو حازم قد خرج إمام الباب على اثر الصياح والشجار الذي حصل فنادي أبو سالم على أبو حازم قائلا شوف أنت اذا بقيت في مكانك تموت وإذا تحركت تموت وإذا ركضت أيضا تموت وانأ جايك فأجابه أبو حازم إذن ماذا اعمل أطير !!!!!!!!؟؟؟وإلا حالنا نحن إذا بقينا في مكاننا فنحن نعاني وإذا تحركنا إلى قرانا أو مدن أخرى أيضا فيها معانات لاسيما في قرانا لايوجد غير البطالة ----الخ وإذا هاجرنا إلى بلاد الغربة فهي قمة المعانات لإبل الضياع بعينه (ضياع كل شيء ) و لأنها معاشة ومعروفة ومعلنة على الملا لكن من حقي القول انها استمرار لمعاناة اباؤنا واجدادنا في هذه البقعة من المعمورة ومن يتعمق في قراءة تاريخ العراق حقا يقف عاجزا حائرا غاضبا من ايجاد مبرراو سببا لماذا حصل كل ذلك لاسلافنا في الماضي ولنا في الحاضر ما هو الذنب الذي اقترفوه ؟ وارتكبتاه نحن الكل له بصمة واضحة لمعاناتنا
حيث لم يبقى واحدا يعتب علينا كما يقال من دون بصمة واضحة في معاناتنا والامنا وتهجيرنا بحيث اصبحت معاناتنا كانها قدرنا وعلينا ان نؤمن بها ونتقبلها وانتم تعلمون أن من يدخل اليأس إلى قلبه ماذا يعني ...؟ يعني انتهاء حياته...؟
وما قصة (عمي عيسى ) التي قرأتها قبل ما يقارب عشر سنوات للكاتب والأديب الاخ لطيف بولا الا واحدة من آلاف القصص كشواهد حيـــة ----------!!!!!؟؟؟؟
نعم الشواهد الحية على معاناة آباؤنا وأجدادنا ...!!ولا يزال الحبل على الجرار ------!!!!
عليه نناشد جميع أصحاب الشأن والعلاقة دول كانت ام رجال سياسة أصحاب اليد الطويلة لوضع حد ومعالجة لهذه الكارثة الإنسانية والعمل بجدية وإخلاص وبنكران الذات لكي تستقر الأوضاع لنتوجه جميعا لبناء بلدنا العزيز وبمشاركة الجميع حتى المهاجرون بعد أن يعودا إلى أحضان وطنهم الدافئ الجميل والعزيز العراق الحبيب .والذي لايعَمره سوى أبناءه ألغياره والمخلصون وهم آهلا لذلك ----
أما قصة عمــــي عيـــــسى فأقصها عليكم ------!!!!!
كبر عمي عيسى ليس بسبب عدد سنوات عمره التي بلغت اثنان وتسعون عاماً بل بما كان يشعر بداخله ويقاسي منه ويتألم ايضاً..!!!
كان ذات يوم مستلقيا على الارض واضعا حذاءه القديم تحت راسه وبجانبه عصا طويلة وامامه قطيع النعاج المتبعثر على تلك الرابية .حاول ان ينادي كلبه ،الهرم ،وانيسه الوحيد المنشغل بالنباح على اشخاص يمرون في الطريق القريبة من المرعى ،الا ان صحته المعتلة لم تمكنه من الصياح .فراح يسعل وكان اضلعه تطبق على رئتيه ،وبات نفسه يتحشرج في صدره .وجسمه مثقل كانه ملتصق بالارض التي جبل منها ..راح يلقي اخر نظراته على الجبل والسهل والتلال ويرنو بالم الى ازقة القرية العتيقة ،ولا يتراى له اشباح من الماضي البعيد والاليم والجميل ..وذكريات تحت ركام اثنين وتسعين عاما ..ثم وجه نظره صوب مقبرة اجداده على تلك الرابية العالية فتخيل له وكانهم جميعا ينتظرونه عاى حافة الرابية ..فاغرورقت عيناه الضامرتان بالدموع ..
-عمي عيسى !عمي عيسى !.(استفاق من غفويه وسمع صوت حسن يناديه كانه قادم من الغيب ادار عينيه الغائرتين في محجريهما نحو حسن لاحظ حسن ولاول مرة ،قطرات الدموع تسلك عبر اخاديد وجه العم عيسى ،نايه رفيق حياته والصديق الذي تغفو على انغامه جروحه القابعة في اعماق قلبه عشرات من السنين العجاف حاول ان يحرك يده المتخشبة وراحت اصابعه النحيلة المرتجفة تتلمس طريقها لتبحث عن الناي في الكيس المعلق في رقبته ، لكنه فشل .
..اذ خارت قواه ..وضلت اصابعه طريقها ..شعر حسن بان الشيخ عيسى لم يعد قادرا على العزف كما كلن يغمر الافق بصوت الناي الذي الفه الناس والنعاج ..نظر حسن الى عيني الشيخ عيسى كبصيص راح يخبو وسط رماد بارد .وتفرس وجهه فراه ككتاب عتيق عبث الدهر بسطور فصعب عليه قراءته ..لاحظ حسن صوت شخير في صدر الشيخ يعلو ويزداد ) .
-عمي عيسى ارسلني والدي كي اكون بجانبك لانه يعلم بانك لست على ما يرام ..
( صوب الشيخ عيسى بقايا نظراته الحزينة نحو حسن وقال بتهدج بعد انين ..) .
بعثك كي تكون قريبا من النعاج ..لانني انتهيت ويخشى على النعاج من الذئاب..!
لكنه يحبك يا عمي عيسى.. (اومأ الشيخ عيسى رأسه وقال.)
***كلنا نحب الكلاب والحمير عندما تكون في خدمتنا ولكن عندما تكبر وتصبح عاجزة عن العمل نتركها لتواجه مصيرها..(فهم"حسن" مغزى كلام الشيخ فأستدرك قائلا )***
- انك راعي اغنامنا منذُ طفولتك يا عم عيسى , كما يقول ابي ونحن جميعا..(قاطعه الشيخ عيسى
- الزمن الذي جعلني راعياً يا حسن يمكن ان يجعلني حمارا او .. (راح يسعل بصعوبة وكان حسن يسترق السمع والحيرة تغلب أفكاره كأن الشيخ بحر بدا يلفظ اسراره بعد انحسار غوره بفعل قيظ الشيخوخة والاحتضار .راح يتمتم وانفجرت دموعه كالينابيع المحبوسة ) .
- ماذا بك يا عم عيسى هل لديك شي تريد ان تقوله ؟ ( اطلق الشيخ حسرة وقال بصعوبة)
- اجل يا حسن ثمة حقائق لاتعرفها مدفونة في قلبي اكثر من تسعين عاماً .. هل تدري ان هذا القصر الذي يسكنه والدك الشيخ عبد الجبار هو بيتي وبيت اجدادي ؟! ( انتفض "حسن" كأن الشيخ القى بكلامه هذا ماء بارداً على راسه)
- ماذا تقول يا عمي عيسى؟ والدي شيخ وهذا قصره وانت راعي مسكين ...
- نعم يا حسن هذا ما حصل .. وتلك الشجرة في وسط الحديقة كنا نجلس انا وابي وامي وجدي وجدتي واخواني واخواتي جميعاً تحت ظلالها ونحتسي الشاي .
- أي شجرة ؟ شجرة الرمان ؟
- اجل شجرة الرمان العتيقة, زرعها جدي قبل مائة وعشرون عاما..
- سمعتك يا عمي عيسى تغني اغنية عن شجرة الرمان, هلا اسمعتنا اياها فقد شوقتنا اليها..
حالا اسمعها لك اخر مرة بشرط ان تكتبها .. حسناً اكتب ..
ياشجرة الرمان لم انت حزينة اين اهل الدار ابي وامي المسكينة
تركوني للعوادي لاتبكي لا تنادي هذا جرحي للابد ينزف بلا ضماد
قفلوا الباب تركوا العذاب والدمع صار زادي
(بدأ صوت الشيخ عيسى يخفت مع استرساله بالاغنية , حتى بدا لحسن كأنه ينتحب من شدة وقعها عليه . مسح حسن دموع الشيخ المنهمرة على لحيته , وبلل غليله بقطرات من الماء من مطارةً كانت بجانب الشيخ عيسى .. راح الشيخ ينظر ملياً بالمطارة ..اثار انتباه حسن فتسائل )
- ماذا يا عم عيسى ؟ هل تذكرت شيئا ما (قال الشيخ بصوت خافت فيه حشرجة )
- هذه مطاردة جدي لأمي ورثتها بعد مماته واني في السادسة من عمري , ساتركها لك يا حسن اعتني بها (عرف حسن بأن للشيخ عيسى اسرار كثيرة لم يفصح عنها طوال مدة خدمته كراعي في بيت الشيخ جبار ابو حسن . فسأله حسن مستفسراً)
- اين اهلكك يا عم عيسى ؟ ومتى كانوا هنا اسياد هذا الدار
- هل تعلم يا حسن ما اسم هذه البلدة ؟ (التفت حسن صوب القرية مندهشاً فقال )
- نحن نسميها (بيت بخيا) وانت تسميها ((فردوس)) لماذا يا عم عيسى
- لانها ستظل تبكي اهلها الى ابد الابدين..
- عدتُ يوماً من الاسر فوجدتهم قد رحلوا ..
- كيف نسوك طيلة هذه المدة وانت لم تنساهم
- من ينسى وطنه ينسى كل شيء حتى زوجته وأباه واولاده..(بداء الشيخ يتكلم بصعوبة. يبس حلقه لكن عينيه مبتلتان بالدموع تنظر الى الناحية الشرقية من البلدة )
- يا عمي عيسى لم اراك تبكي من قبل كانك اليوم تذرف دموعاً حبستها طوال عمرك .
(نظر الشيخ الى حسن نظرة التماس فقال والشخير يغالب كلامه )
- يا حسن اترى تلك المقبرة امام الجبل ؟
- نعم انها مقبرة الـ...
- اجل يا حسن انها مقبرة اجدادي وانا منهم . لوكنت تحبني حقاً وان عرفت حقيقتي , تدفنني بعد موتي , خلسةً في مقبرة جدي ..
- لكن كيف لي ان اعرف مقبرة جدك؟ هل اسمه مكتوب عليها
- نعم لكنك لا تعرف كتابتهم ..
- وهل كانت لهم كتابة ؟ ( اجهش الشيخ في البكاء وقال مجيباً حسن)
- اه لو ان هذه الشمس الخرساء تكلمت !!
- لماذا يا عم عيسى ؟
- لاخبرتك بأن اجدادي هم من علموا البشرية القراءة والكتابة ..وكانت تسير خلفهم اينما ساروا ..
- الشمس ؟!
- اجل الشمس لان اجدادي هم الذين اوقدوا مشعلها واذكوها بمعارفهم ..
- واليوم ؟
- اليوم اصبحت خائبة ..
- لماذا يا عمي عيسى ؟
- لانها تركتهم بعدما رحلوا وشرعت توجف لغيرهم ليلاً ..
- هل سيعودون يوماً ما ثانية يا عم عيسى؟
- سوف يطول ليلي يا حسن . اليوم ساذرف اخر الدموع ((على بيث بخيا)) وانتم تسمونها ((الفردوس)).
- واهلك ماذا كانوا يسمونها يا عمي عيسى
- كان اسمها ((بيث أيل..بيت الاله..بيت الاله))..(راح الشيخ عيسى يبكي بكاءً مراً حتى اختنق بحشرجه, واصفر لونه واتضحت مسحته شحوب الموت)
- عمي عيسى! عمي عيسى ! ماذا بك .؟ (فتح عينه وقال بتلعثم وصوت خافت وكلمات منقطعة)
- يا حسن هذه ماصولتي , انها لك لتذكرني . اعزف بها الحاني تحت شجرة الرمان وعلى المقبرة وعلى قمة الجبل وفي السهل وفي الوادي حيث اورثت لنا ذكريات لاتمحى .
- سافعل والله يا عم عيسى.
- في الغرفة التي اصبحت اسطبلاً لفرس والدك الشيخ جبار ..
- نعم ماذا بها ؟
- في صدر الغرفة توجد غرفة صغيرة اخرى ..
- صحيح جعلناها كنيفاً ..
- فوق بابها يوجد نفق في الجدار قد احكمت سداده بالصخر والجص .
- نعم ماذا به ؟
- لاشي سوى حاجيات تخصني انا واهلي واجدادي , تركوها لي لانفع لكم بها . فهي ملابسنا وذكرياتنا في صور ولوحات وكتب قديمة تخفي ماضينا .
- ماذا افعل بها يا عمي عيسى ؟
- لاشي اتركها في محلها ..اذا جاء احد من اهلي وسأل عني اعطها له وقل له هذه ما تركها لنا ((خوشابا))
- من هو خوشابا يا عم عيسى ؟؟
- انه انا ..!!
وهكذا إن لم يجدوا (أصحاب الشأن واليد الطويلة ) حلا ومعالجة لأسباب هجرتنا فلن يكون حال البقية الباقية من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الأشوري أفضل من حال عمي عيسى لا بالتأكيد سيكون أسوأ بكثير من ذلك ولن يبقى لنا سوى
(ان نبكي بيوتنا وبيوتنا تبكي علينا )عادل فرج القس يونان