عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - د.عبدالله رابي

صفحات: [1]
1
                           قراءة في كتاب “تأريخ كرمليس / الطبعة الثانية"
                                      لمؤلفه "حبيب حنونا"
د. عبدالله مرقس رابي

 تعدُ الكتابة عن البلدات والتجمعات السكانية بصورة عامة من الاعمال التي تتطلب جهوداً كبيرة، وثم التأني والصبر وسعة الاطلاع على الحقول المعرفية التي تتناول المجالات المتعددة المرتبطة بدراسة البلدة تاريخياً، آثارياً، اجتماعياً، اقتصادياً، انثروبولوجياً، ديمغرافياً، سياسياً ودينيا، إضافة لما يتمتع به الباحث من النباهة والنزاهة والقدرة على التحكم في العواطف والمشاعر، واخص بالذكر، لو أراد الولوج في أعماق التاريخ وتغطية الحياة الاجتماعية والحضارية من النواحي المتعددة لسكان البلدة.   
تبين لي من مراجعة الكتاب المُشار أعلاه، ان الباحث المهندس (حبيب حنونا) تمتع بما ذكرت من المزايا الشخصية التي أهلته ان يكتب كتاباً شاملاً عن بلدته (كرمليس) ويغطي المجالات الحياتية المتعددة لسكانها، عبر المراحل التاريخية التي مرت عليها. وقد تجلت موهبته منذ عمر الصبا عندما كان يجول مع أصدقائه في حقول قريته ويندهش من تلك التلول التي انتشرت حولها، ويشاهد الغرباء من القرية وفدوا اليها ليبحثوا عن بقايا قطع الاواني والفخاريات ليجمعوا ما يستطيعوا جمعه من تلك التلول، مما دفعه الفضول الى معرفة ما الذي يعمل بها هؤلاء البحاثة الغرباء وما هي قيمتها.
طُبع الكتاب في طبعته الثانية المنقحة والمزيدة في ولاية مشيكن الامريكية عام 2023، ويقع في (188) صفحة من الحجم الكبير للورق 28x21سم. يتكون من المقدمة وكلمة تقديمي للكتاب، واثني عشر فصلاً، خصص الباحث الفصول الاربعة الأولى للحديث عن جغرافية وتاريخ البلدة والاكتشافات الأثرية منذ العصور التاريخية القديمة، بينما عرض في الفصل الخامس المسيرة الكنسية في كرمليس منذ ظهور المسيحية في المنطقة، واما الفصل السادس احتوى على تفاصيل مما عانته البلدة من الغزوات والتخريب ابان الحكم العثماني، وتحدث في الفصل السابع عن ما كُتب بخصوص كرمليس في مذكرات الرحالة والمستشرقين، ووصف في الفصل الثامن اديرة وكنائس البلدة، بينما تناول في الفصل التاسع، مخطوطات كرمليس، وذكر في الفصل العاشر شهداء البلدة عبر التاريخ، وخصص الفصل الحادي عشر لوصف الحالة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لسكان البلدة، عنون الفصل الأخير (داعش تحتل الموصل وسهل نينوي) ليوثق ما تعرضت المنطقة وبلدته كرمليس في عام 2014 الى القتل والويلات والاضطهادات والتهجير والترهيب وما لحقها من الدمار.
وقد تضمنت فصول الكتاب على عشرات الخرائط والصور التي توضح المواقع الاثرية والمكتشفات والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، وتعكس الطبيعة والعمران في البلدة، واخرى تبرز ما لحق بها من دمار عام 2014، وكما احتوى ملخص باللغة الإنكليزية.   
فالكتاب القيم المتميز هذا في طبعته الثانية، شخص الكثير من الظواهر التاريخية والحضارية، وعالج العديد من التساؤلات عن تاريخ القرية الموغلة بالقدم. حيث كشف بشكل تفصيلي عن الأصول التاريخية والحقب التي مرت بها كرمليس وما جرى من تغيرات سكانية واجتماعية ودينية وسياسية، وقد أبدع في الوقوف على العمق التاريخي لنشأة القرية الذي يرجع الى عصور ما قبل التاريخ، وبل من المستوطنات البشرية القديمة جداً في العالم بحسب الجمعية الجغرافية البريطانية. ولما كان مولعاً لاكتشاف خفايا تلك التلول، فجاب متاحف العالم ليعثر عن اية نصوص أثرية تُشير محتوياتها الى تاريخ قريته، وزار مختلف المكتبات العالمية ليبحث عن المصادر والمراجع العلمية الاكاديمية، وراجع كتب الرحالة الذين زاروا القرية لعله يكتشف شيئاً عنها بين صفحاتها، إضافة الى المعلومات التي حصل عليها من كبار السن في القرية وما احتوت المخطوطات الكنسية من اخبار عنها.
اكتشف ان تلك التلول تكومت على أثر اندثار مستوطنات بشرية منذ العصر الحجري وشهدت حضارات عريقة متعددة منذ عصور ما قبل التاريخ ومروراً بالعهد السومري وخضعت للدولة الاكدية وثم الاشورية، وبعدها خضعت للدولة الكلدانية. وتبين بان كرمليس كانت مدينة دينية منذ أواخر الالف الثالث قبل الميلاد، وان واحدة من الفرضيات تؤكد في تسميتها باسم أحد الالهة الوثنية، كانت مدينة عامرة عند تأسيس الدولة الاشورية عام 1813 قبل الميلاد، مما يؤكد ذلك عدم ارتباط وجودها مع قيام الدولة الاشورية، بل سبق ذلك الاف السنين. ولما كانت منطقة التقاء الشعوب المختلفة الطامعة في بلاد الرافدين في مختلف العصور، أصبحت مسرحاً للمعارك بينها، فهدمت لعدة مرات وعُمرت من جديد وهكذا.
اكتشف مدى تمتع كرمليس بشأنٍ تاريخي حضاري وديني لأهمية موقعها الجغرافي وموضعها وطبيعة الأراضي المحيطة بها، وازدهرت وتعاظم مركزها ابان العصر الاشوري الحديث، لاستمرارها كمركز ديني، وقربها من العواصم الاشورية، وأصبحت مركزاً للولاية في القرن الثالث عشر والرابع عشر في العصر المغولي، ومركزاً لكنيسة المشرق في القرن الرابع عشر الميلادي.
تمكن الباحث من تحليل التطور الايكولوجي السكني وعلاقة الانسان مع البيئة الطبيعية، موضحاً بدقة كل التفاصيل عن طبيعة البناء للأبنية العامة والدينية والسكنية، وربط المتغيرات مع بعضها ليطلع القارئ على التطور الاقتصادي بمختلف مجالاته التجارية والإنتاجية والحرفية، والتغير الاجتماعي، والتبدل الديمغرافي والديني والمذهبي والثقافي والتعليمي في القرية، وما جرى من تغيرات عامة على مر الزمن، متوجاً الكتاب في تحليل جميل وميداني رائعٍ عن الحياة الاجتماعية متمثلة بالأنشطة الاجتماعية من حيث التقاليد والقيم الاجتماعية والعادات والممارسات اليومية لأهالي القرية وتبدلها زمنياً، مشاركةً مع الأستاذ (بهنام سليمان متي) ليغطي كل المجالات لتكون دراسة شاملة لتبعث صورة تكاملية عن قرية كرمليس. فسعى الباحث جاداً ومثابراً لكشف ما لم يكن معروفاً عن قريته والتلول المحيطة بها بعمق ودقة متناهية قلما نشاهدها عند غير المختصين في هذه الحقول المعرفية.
يرقى الكتاب الى الكتب المهمة والنادرة التي أبدع المؤلف في تأليفه، اذ كما ذكرت آنفاً من الصعوبة الكتابة في تاريخ التجمعات السكانية موضوعياً ما لم يكن الباحث ملماً في مجالات متعددة من حقول المعرفة. وقد اتقن استخدام أدوات البحث العلمي من حيث الملاحظة المقننة والمقابلات والوثائق والرسومات والمخطوطات المتوفرة واستخدام الدقيق للمصادر وتنوعها، وطريقة التعامل مع النصوص بمنطقية وجدارة وثقة بالنفس العالية المقرونة بالرغبة والإرادة في البحث، مجنباً التأثيرات العاطفية في التحليل ومناقشة الافكار، مما نقل المعلومة لنا لا كما يريدها ويفضلها هو، بل كما هي في واقعها الطبيعي.
 يعد الكتاب وثيقة بالغة الأهمية لما بذله المؤلف من جهود كبيرة في جمع المعلومات ليجعل من هذا العمل الثقافي العلمي مهماً للمهتمين في التاريخ واجتماعيات البلدان وحضاراتها. ويرفد المكتبات للقراء باللغة العربية بمصدر أساسي بليغ ذو قيمة علمية ليضعه في متناول ايدي الباحثين. ولما وجدت في الكتاب من معلومات قيمة لمختلف المجالات المعرفية، أرى ان اقتنائه وقراءته سوف تدر بأهمية للقارئ والباحث في شؤون البلدات اجتماعياً وحضارياً.
وقد أجاد الكاتب في تأليف الكتاب، مثلما أبدع في مؤلفاته السابقة التي اطلعت على معظمها وهي:
تاريخ كرمليس الطبعة الأولى عام 1988، كنيسة المشرق في سهل نينوى / ساندياكو 1992، لمحات من تاريخ كلدو وآثور /ساندياكو 1994، سفر الخروج الكلداني بطبعتيه الأولى والثانية على التوالي، 2013، 2022، والكتب المخطوطة: السورث والاكدية بغداد 1990، ديمغرافية الكلدان 2004 منشور على حلقات في الصحافة، وسهل نينوى – لمحة تاريخية ودراسة ميدانية. إضافة الى عشرات المقالات المنشورة في العديد من المجلات والصحافة الورقية والإلكترونية والمقابلات التلفزيونية والمحاضرات التاريخية، وما قدمه من برنامج خاص عن بلدات سهل نينوى في إذاعة صوت الكلدان في مشيكن.

تمنياتي للباحث المهندس (حبيب حنونا) المزيد من العطاء المعرفي العلمي، ووافر الصحة والعافية.


 

2
                                   قراءة في كتاب
                            (اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع)
                                 للدكتور نزار ملاخا

  د. عبدالله مرقس رابي

                          يعد الكتاب المعنون" اللغة الكلدانية في المصادر والمراجع" السادس من بين الكتب التي انجزها الدكتور نزار ملاخا، اذ سبق وألّف: الكلدان في المجتمع العراقي/ القرى والمدن الكلدانية في بلاد النهرين/ الكلدان في كتابات الاخرين / شذرات مخفية من تاريخ المسيحية في العراق/ موجز في تاريخ الحجاب والنقاب والبرقع. إضافة الى العديد من المقالات المنشورة في الصحافة الالكترونية والورقية.
يقع الكتاب في (297) صفحة من الورق المتوسط الحجم 21x15 سم. يتكوّن من المقدمة وثلاث فصول، خصص الأول للتعريف باللغة بشكل عام وخصائصها ومراحل تطورها، واما الفصل الثاني تحدث فيه عن اللغة في الكتب المقدسة. والفصل الثالث، خصصه للتعريف باللغة الكلدانية من حيث، زمن ظهورها، وابجديتها، وذكْرها في الكتاب المقدس، وثم اللغة الكلدانية في المصادر العراقية والعربية، ونظمها بحسب
تسلسل الحروف الهجائية العربية لأسماء المؤلفين، ليكون بيبليوغرافية تقود القارئ والمهتم الى معرفة المصادر والمراجع التي جاء في محتوياتها ذكر (اللغة الكلدانية) بيسرٍ. كما يحتوي الكتاب على ملحق يتكون من (33) صورة توضيحية عن المصادر والنصوص، وثم الفهرست المنظم بالأحرف الهجائية للمصادر وآخر للصور.
اتقن المؤلف عملية الاستخدام الدقيق للمصادر بالطرق المعتادة اكاديمياً، وطريقة التعامل مع النصوص بموضوعية وجدارة وثقة بالنفس المقرونة بالرغبة والارادة في البحث، مٌجنباً التأثيرات العاطفية والانتمائية في التحليل للأفكار ومناقشتها، مما نقل المعلومة لنا، لا كما يريدها ويفضلها، بل كما هي في واقعها الطبيعي، وكما جاءت في المصادر المذكورة.
يرقى الكتاب الى الكتب المهمة والنادرة، وبل الأول من نوعه الذي أبدع المؤلف في تأليفه جراء نباغته ونباهته وفطنته، اذ يعد وثيقة متميزة بالغة الأهمية، يمحى الكثير من الإشكالات والشكوك القائمة والنفي عند البعض وبالأخص أصحاب الاجندات السياسية والمتأثرين بذهنيات مقولبة أيديولوجياً، لا يمكنهم التحرر منها في موقفهم وافكارهم عن ذكر "اللغة الكلدانية" في المصادر والمراجع قديماً وحديثاً. وقد أجاد في الكشف عن أبرز المصادر والمراجع والمخطوطات التي أكدت على وجودها. 
ولما كان أصحاب الشكوك والنفي يعتمدون على الكتب القديمة سواء أُلفت من قبل رجال الدين او غيرهم من غير الاختصاصيين لاعتبار تلك الكتب وثائق تشير الى عدم وجود ذكر للغة الكلدانية، فجاء ابداع الدكتور ملاخا في كتابه رداً بالغاً ومُثيراً ودامغاً ليبرهن بموضوعية وبجهودٍ متميزة على وجود واضح جدا على ذكر "اللغة الكلدانية" سواء كعنوان للكتاب او ذكرها ضمن محتوى الكتاب عند حديث الكاتب عن لغة القوم او اشارته الى مصدر آخر قد ذكر اللغة الكلدانية، وذلك من خلال مراجعته وفحصه لعناوين ونصوص  لأكثر من ( 400) كتاب ومخطوطة لفترات زمنية مختلفة، من مؤلفين متنوعين في خلفيتهم الدراسية والمهنية، أكاديميين وعاديين، عرب ومسيحيين من الكنائس الشرقية، ومستشرقين. اشتملت على مواضيع مختلفة في عالم المعرفة، فمنها، الدينية، التاريخية، الجغرافية، الاجتماعية، اللغوية، الاثنوكرافية، الحضارية والبلدانية، بعضها مترجمة الى العربية وبعض الاخر مكتوبة باللغة الإنكليزية.
اثبت المؤلف البارع بان اللغة الكلدانية جلية في وجودها منذ القدم، فهي لغة الكلدان الذين عاشوا في وسط وجنوب بلاد النهرين وعلى سواحل الخليج الكلدي (العربي اليوم) ومنهم من (عاش في أعالي ضفاف نهر الفرات الذين سُميوا بالآراميين نسبة الى الأراضي المرتفعة. وهم من الاقوام القدامى أصحاب حضارة متقدمة، لاتزال آثارها العلمية بارزة في الفكر البشري من العلوم الفلكية والزراعية والكيميائية والفيزيائية والرياضيات والقانون والاجتماع والعلوم التربوية والعسكرية والدينية). ويؤكد في كتابه الدكتور ملاخا على تطور اللغة الكلدانية كتابة وتحدثاً في المراحل التاريخية، وتأثرت وأثرت في لغات الشعوب الوافدة الى بلاد النهرين جراء غزواتها، وأصبحت في التاريخ القديم أكثر اللغات انتشاراً في بلاد النهرين لوجود الكلدان بمرور الزمن في كل نواحيها شمالًا وجنوباً، وبل اجتازت حدود البلاد لتشمل مناطق مختلفة. وهي اللغة التي يتحدث بها كلدان اليوم في الوطن الام العراق وفي بلدان الانتشار.
استنتج المؤلف ان اغلب المصادر تُميز بين اللغتين الكلدانية والسريانية، اذ تذكرها لغتين منفصلتين والقليل منها تدمجها مع بعضها، بينما قسم منها تؤكد ان السريانية هي نفسها اللغة الكلدانية القديمة وسميت السريانية لان المسيحيين الاوائل تكلموا بها بدلالة ان كلمة السريان تعني المسيحية. ولهذا تعد اية تسمية تُطلق على لغتنا غير الكلدانية في العصر الحديث خطأٌ شائعٌ. وهذا يحدث حتى في المصطلحات في الدراسات الاكاديمية لسبب وآخر. وعليه دعا المؤلف الى استخدام مصطلح (اللغة الكلدانية) في الكنيسة والمطالبة بالتعميم على الاكليروس جميعاً عدم تسمية لغتنا بتسميات أخرى، والتعاطي مع الجهات الرسمية وفقاً لهذه التسمية اللغوية بخصوص الكلدان.
واخيراً أرى ان الكتاب يعد وثيقة بالغة الأهمية لما بذله المؤلف من جهود كبيرة ليجعل من هذا العمل الثقافي العلمي للمهتمين في العديد من العلوم المعرفية مثل علم اللغة، علم اللغة الاجتماعي، علم اجتماع اللغة، التاريخ والدراسات الحضارية والأنثروبولوجيا مصدراً مهما يمكن الاعتماد عليه. وتأتي أهميته من رفده المكتبات للقراء باللغة العربية بمصدر أساسي قيم ليضعه في متناول ايدي الباحثين، فاقتناء الكتاب وقراءته سوف تدر بأهمية للقارئ والباحث في الشؤون المعرفية المذكورة.
تمنياتي للدكتور نزار ملاخا المزيد من العطاء الفكري العلمي، بنفس المستوى من الاتقان، وكما أتمنى ان يُعيد طبع الكتاب الحالي لإضافة العديد من المصادر التي فاتته ولم تُتاح الفرصة له للحصول عليها، واخصها مصادر المستشرقين وغيرهم، فمثلاً على سبيل المثال، لا الحصر، أطروحة الدكتوراه لعالم اللسانيات الأمريكي العراقي الكلداني، القس اليسوعي شليمون صارا المعنونة (وصف الكلدانية الحديثة، مقاربة بنائية ووظيفية) في جامعة جورج واشنطن الامريكية، ونشرها عام 1969 بكتاب تحت عنوان (وصف للكلدانية الحديثة)، فاصبح من الباحثين الأوائل الذين درسوا لغته الام الكلدانية اكاديمياً، علماً انه امضى اكثر من أربعين عاما في التدريس في الجامعة نفسها، والف عدة معاجم وقواميس وابرزها الذي لاقى شهرته به تأليفه القاموس الثلاثي، قاموس عن لغة (امبيرا) وهي لغة سكان أمريكا الوسطى بعنوان (قاموس ثلاثي، للغات امبيرا، إنكليزي، اسباني) ومساهمته بفصل  في دليل أكسفورد، اللغة العربية الذي حرره (جوناثان اوينز). وايضاً، ما جاء به المستشرق (تشارلس واطسون برات) عام 1758 اثناء زيارته لقرية كرمليس، اذ جاء في كتابه في وصفه للقرية (سكانها يتكلمون اللغة الكلدانية الاصلية، كما يتكلمون اللغة التركية والعربية). وهناك العديد من المصادر التي تذكر الكلدان واللغة الكلدانية في مئات من الدراسات التي جمعها وحللها (ميشيل شفاليه) للمستشرقين الذين زاروا المنطقة.     


3
                           جرائم ذوي الياقات البيض وكارثة عرس بغديدا (قرقوش)
   د. عبدالله مرقس رابي
في البدء اود اعلام القاريء العزيز اني لا اقصد شخصا محددا في محتويات هذه المقالة، بل اعتبرها درساً في علم الاجتماع الجنائي موجها لاصحاب الشأن في السلطات الثلاث في العراق، التشريعية والتنفيذية والقضائية وبعض من افراد الأحزاب السياسية المتنفذة والمتورطة منهم في ارتكاب الجرائم، لعله تخلق ولو شيءٌ من الوعي في مجالي مكافحة الجريمة والوقاية منها والوعي القانوني، أو قد يتحسس المتورطون بمثل هذه الجرائم ويصحون لمراجعة الذات وفحص الضمير، ويتعرف العامة من افراد المجتمع العراقي مخاطر هذا النوع من الجريمة من حيث اسبابها وابعادها وتاثيراتها المجتمعية على كافة الأصعدة.
قد يكون العديد من المهتمين لأول مرة يصادفهم مصطلح (جرائم ذوي الياقات البيض) وبالاخص في البلدان النائمة التي لا يهمها التنمية، وذلك لاستخدامه اكاديمياً من قبل ذوي الاختصاص في العلوم ذات العلاقة في دراسة الجريمة تحديداَ، فهو غير متداول او معروف لدى اغلبية السياسيين وافراد المجتمع. وقد استخلصتُ هذه المقالة من عدة بحوث اكاديمية عن الجريمة اعدتها للاغراض العلمية والتخطيطية، ومن تدريسي لمادتي علم الاجرام واصلاح المجرمين، وثم من خبرتي الميدانية للاتصال المباشر مع المجرمين البسطاء والخطرين المحكومين بالسجن لأغراض اعداد البحوث الاجتماعية فترة خدمتي التدريسية في الجامعة.
تعرف الجريمة قانونيا: هي كل فعل يقرر له النظام القانوني العقوبة وفقاً لقانون العقوبات المعمول به في البلد، أوهي كل سلوك يعاقب عليه بموجب القانون. وأما اجتماعيا تعرف بأنها ذلك السلوك الانحرافي الموجه ضد مصالح المجتمع ككل، أو هي خرق للقواعد والمعايير الاخلاقية للجماعة او المجتمع. وأما سايكولوجيا فتعني الجريمة اشباع لغريزة انسانية بطريقة شاذة لا ينتهجها الانسان العادي في ارضاء الغريزة نفسها وذلك لخلل كمي أو شذوذ كيفي في هذه الغريزة مصحوبا بعلة أو اكثر في الصحة النفسية.
أما جريمة (ذوي الياقات البيض) فهي الجريمة التي يرتكبها اصحاب النفوذ السياسي والوظائف ذات الشأن الرفيع والمتقدم في الدولة باستغلال الامتيازات الوظيفية المناطة لهم واصحاب الثروات والمصالح ذوي القدرة العالية لتكوين العلاقات مع المتنفذين في الدولة، مكونة في ذلك اكثر من شخص يتورط في مثل هذه الجريمة، وقد اطلق هذه التسمية لأول مرة عالم الاجرام الأمريكي (أدوين سذرلاند 1883-1950) لاعتبار ان مرتكبيها هم من طبقة المتنفذين والاغنياء الذين يرتدون القمصان البيضاء تمييزاً عن جرائم افراد الطبقة الفقيرة والعاملة في المجتمع الذين غالبا ما يرتدون القمصان الزرقاء ذات الدلالة على العمل اليدوي.
كانت النظريات العلمية قبل (سذرلاند) تفسر عملية ارتكاب الجرائم الاقتصادية بمؤشر عامل الفقر، استناداً على النظرة السائدة في عالم الجريمة المعروفة، ان الجرائم تُرتكب من قبل افراد الطبقات الفقيرة دون الطبقات المتنفذة والثرية في المجتمع. انما (سذرلاند) اثار انتباه العلماء والباحثين لدراسة الجرائم التي يرتكبها ذوي الياقات البيض الاثرياء التي تعد اكثر خطورة من الجرائم المرتكبة من قبل الفقراء البسطاء، فهناك فرق كبير بين جريمة سرقة بعض النقود من قبل عامل بسيط لحاجته اليها في تأثيرها على المجتمع وتلك التي يرتكبها صاحب معمل للمواد الغذائية بسبب الغش المتعمد في صناعة حليب الاطفال مثلا او الغش المتعمد في المواد المكونة لتشييد الابنية او الجسور او عدم تطابق مواصفات الادوية المصنعة في شركة الادوية لنظم القياس والسيطرة، اوتلك العقود التي يبرمها صاحب النفوذ في الدولة مع شركات قد تكون وهمية بمليارات الدولارات التي تسحب من اموال الشعب.
لا يمكن ان تحدث مثل هذه الحالات ما لم يكن هناك ايدي خفية من قبل بعض المتنفذين في السلطة بانواعها مع الأثرياء وأصحاب المشاريع، مما تعد مشاركتهم او تسترهم على هكذا جرائم بمثابة جريمة. يكون الفعل الاجرامي لهذا النوع من الجرائم مُركّب من عدة جرائم تُرتكب لتكتمل العملية، اذ لبناء العلاقات مع المتنفذين في الدولة لابد من تعاطي الرشوة، وتخوفاً من الرقابة يرتكب المتنفذ احياناً جريمة التزوير للمستمسكات، كما يستخدم المتنفذ جرائم التهديد بالطرد من الوظيفة للمؤظفين الصغار في حالة عدم المطاوعة لتنفيذ أوامره او تطال افراد الشرطة والدوائر القضائية، وغالباً ما تحصل التهديدات والتراشقات الإعلامية بين السياسيين المتورطين في هذه الجرائم وتصل الحالة الى ارتكاب جرائم القتل المتعمد او تشويه السمعة عبر وسائل الاعلام، إضافة الى ما تخلفه العملية حالة من الاختلافات بين المشاركين في الجريمة حول الأموال او التخلص من طرف ما، فتحصل جرائم القتل او اشعال الحرائق في ممتلكات الخصم او تخريبها او تعطيلها من العمل، لابل تحدث حالات التسمم المتعمد ايضاً، ولاخفاء معالم الجريمة الاصلية او ابعاد الشكوك عن مرتكبيها، يلجأ المجرم الى ارتكاب جريمة غسل الأموال عن طريق إخفاء الأموال المستحصلة بوسائل مالية فنية لتهريبها خارج البلاد، او ابتكار حيل وخدع مالية لاضفاء الشرعية القانونية على الأموال، وهنا ايضاً لابد من توريط آخرين في الجرائم لتتم العملية برمتها.
احياناً ما يكون هناك ضحايا مجموعة من الافراد او مجموعة متجمهرة لغرض ما لا علاقة لهم بالعملية.  تُرتكب هذه السلسلة من الجرائم من قبل ذوي الياقات البيض الأثرياء بالتعاون مع بعض المتنفذين في الدولة، ولكن في النهاية لتمتعهم بمكانة اجتماعية واقتصادية وسياسية وعلائقية واسعة مع جهات متنفذة في الدولة، فمن السهولة التخلص من ملاحقة القانون والعقاب، فيبقى طليقاً في المجتمع، بينما تكتظ السجون بالمجرمين من الطبقات الفقيرة والمؤظفين البسطاء المخدوعين. اما عن الأسباب المؤدية الى ارتكاب هكذا جرائم فالحديث عنها لا يمكن تغطيته في المقال.
بعد هذه المقدمة التوضيحية عن ما هية جرائم ذوي الياقات البيض وآلياتها التنفيذية، أحاول تطبيقها في المجتمع العراقي المعاصر واحتمالية ان تكون حادثة عرس بغديدا والضحايا من آثارها المأساوية. تعتبر الاحوال السياسية والإدارية في مؤسسات الدولة سواء التنفيذية او القضائية او الرقابية أفضل بيئة حاضنة لهكذا نوع من الجرائم منذ عام 2003 جراء الفوضى العارمة التي لم يشهد لها مثيل في تاريخ العراق جراء التغيير السياسي الذي تقلد على أثره اشخاص لا خبرة لهم في إدارة شؤون الدولة وتسلط الأحزاب الدينية ذات التوجه المذهبي على زمام الحكم وبناء كل منها ميليشية عسكرية تجول وتصول في العراق كما يتناسب مع تطلعات حزبها السياسي وتدخلها السافر في إدارة شؤون الدولة، حيث خلقت المحاصصة الادارية وطغت المفاهيم الطائفية على الوطنية، فتدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتعليمي وكل نواحي الحياة الاجتماعية مع الفقدان التام لقوة القانون وضعف الجيش والشرطة لحماية الوطن والشعب. في كل المقاييس الدولية اصبح العراق الحالي في مقدمة البلدان المتخلفة والفاسدة. اذ تشير التقارير المقدمة خلال الوسائل الإعلامية ومن الجهات الرسمية سنوياً الى التدهور المالي واختلاس مليارات الدنانير العراقية من المال العام، ومؤشرات متعددة على تورط بعض أصحاب النفوذ السياسي والإداري في الدولة بجرائم الفساد الإداري والمالي بالتعاون مع أصحاب المصالح الذين هم خارج المنظومة الإدارية الحكومية التي تعد من جرائم ذوي الياقات البيض بالمقاييس التي أوردتها في المقدمة وبحسب مفهومها وآليات تنفيذها. 
ان حالة الصراع على السلطة هي رسالة واضحة عن تفشي الفساد الاداري والمالي الذي يعرف - بسوء استخدام النفوذ العام لتحقيق ارباح خاصة - فكل كتلة سياسية تحاول السيطرة على أجهزة الدولة لتحقيق مصالحها، حتى ولو بطرق غير شرعية للاستحواذ على المشاريع العملاقة وابرام العقود سواء الوهمية او تلك التي تنفذ دون ان تحقق شروط السيطرة النوعية لكسب الأرباح الضخمة وبالتعاون مع أصحاب المصالح من الأثرياء او ذوي الميول الاجرامية المستعدين للمساهمة في تنفيذ المشاريع غير الشرعية. والكل يعلم ان العديد من المتنفذين السياسيين امتازوا بحياة اقتصادية رديئة أو متوسطة قبل مجيئهم الى سدة الحكم، بينما الان يتمتعون بحياة من الترف والبذخ والانفاق والرفاهية في المعيشة، فتلك هي قصورهم واموالهم تشهد على ذلك داخل العراق وخارجه، ذلك الثراء الفاحش والمثير للاعجاب الذي لايتمكن من يماثلهم من المواطنين العراقيين اقتصاديا ومهنيا واجتماعيا ان يكتسبه بل اصبح يتراوح في مكانه، فمن اين هذا الثراء ياترى ان لم يكن جراء ارتكاب سلسلة الجرائم التي ترتبط مع بعضها كما اشرت في المقدمة لتكوّن جرائم ذوي الياقات البيض. 
وهناك امثلة متعددة على تورط هؤلاء في هذه الجرائم لامجال لذكرها هنا، فالمشاريع الصناعية والتجارية والخدمية الضخمة لابد ان تمر من خلال مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها الكتل السياسية، اذ تجري اتفاقات مضاعفة في القيمة ومخالفة لقيمتها الحقيقية لكي تذهب الاموال غير المعلنة الى حسابات هؤلاء المسؤولين. فكثيرا ما تُسلّم المشاريع الى الدولة بعد الانجاز بمواصفات هزيلة لاتتطابق مع شروط العقود المبرمة لانجازها، او تفتقد الشروط السليمة والمتفق عليها لتحقيق السلامة والأمان لمستخدميها.
 ومن المتابعة اليومية لما يُنشر من المعلومات اعلامياً وما يحدث في الواقع من الصراعات والتراشقات والاتهامات المتبادلة بين بعض الاطراف المشاركة في الفساد الإداري وتسلط الميليشيات بدعم من احزابها والاستحواذ على ممتلكات المواطنين، وفقدان المشاريع التنموية المستدامة، وتخلف الخدمات والمشاريع الصناعية في البلد، والتزايد اليومي لما يمتلكه المتنفذون من العقارات والمشاريع وما يتمتعون به من حياة مترفة وحسابات مصرفية ما هي الا دلائل لتفاقم الجريمة.
من الأدلة الواضحة على تورط بعض من المتنفذين السياسيين وافراد السلطة التفيذية من أعلى المستويات الادارية في جرائم ذوي الياقات البيض، الاكتفاء بالوعود دون تحقيق شيءٌ ملموس في الواقع، فلا بإمكانهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لانهم شركاءٌ في العمليات الاجرامية، والا ما هو واجبهم الأساسي؟ والأخطر ما يدور في عراق اليوم هو اختراق، السلطة القضائية من قبل أصحاب النفوذ المشاركين مع منفذي هذه الجرائم من خلال الضغوط السياسية التي تتلقاها، كما هناك إختراق للمؤسسة الدينية من كل الاديان والمذاهب جراء الاغراءات المالية التي يتلقاها بعض رجال الدين من بعض المتنفذين واصحاب رؤوس الاموال، مما يؤدي بهم الالتزام بالحيادية او السكوت تجاه حدث ما. وبل يتم اختراق (الكتاب الهواة) غير الاختصاصيين من قبل ذوي الياقات البيض والسياسيين المتنفذين والاحزاب السياسية لترويج كتابات ومنشورات تتناسب مادتها مع اجندات وايديولوجيات تلك الاحزاب، مع استعداد الكاتب او المؤلف التزوير في المادة المكتوبة او المنقولة مقابل اغراءات مالية لنشر الكتب وترويجها. هذا هو حال العراق اليوم.
 ولعل اخطر جرائم ذوي الياقات البيض تلك التي تترك آثاراً مأساوية جماعية من الضحايا الأبرياء كما حدث مؤخراً في مدينة بغديدا (قرقوش) مركز قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى في قاعة الاحتفالات الاجتماعية اثناء إقامة حفلة عرس، اذ نجم عن الحادث اكثر من مئة حالة وفاة واكثر من (150) حالة من الاصابات المختلفة بين الخطيرة والبسيطة، وما تركته من آثارٍ اجتماعية ونفسية وعائلية على ذوي الضحايا آنياً وما ينجم على نحو تلك الاثار مستقبلاً، جراء فقدان شروط السلامة والأمان لتشغيل المشروع الخدمي المذكور من حيث جودة وصلاحية المواد الداخلة في البناء التي يستوجب على أجهزة الدولة ذات العلاقة فرضها لغرض الحصول على إجازة العمل، ولكن يبدو ان تلك الأجهزة الإدارية مخترقة من قبل بعض أصحاب النفوذ من السياسيين وكبار المسؤولين في الدولة لكي تمرر طلبات الحصول على الاجازة تحت ضغوط علائقية سلطوية دون توفر الشروط المطلوبة للمشروع لطموحهم المفرط لكسب الأموال وعدم الاكتراث لما سوف يحدث مسقبلاً جراء هكذا اعمال مُشينة إذ أصحابها مُسيرين بحسب نوازعهم المريضة لضعف المنظومة الأخلاقية في تصرفاتهم. فاذن هناك ميل واحتمالية في رأيي بحسب المعلومات المتسيرة التي كُشفت مبدئياً وتطرقت اليها وسائل الاعلام المختلفة وشهود عيان من الموقع تورط جماعات متنفذة من الأجهزة الإدارية المختصة ومتنفذين سياسيين في ارتكاب جرائم من نوع ذوي الياقات البيض التي باتت من الجرائم المنتشرة والسائدة في العراق اليوم دون ردعها لبقاء منفذيها طلقاء في المجتمع، وفي كل حادثة او فعل اجرامي يُكتشف من هذا القبيل اما يُغض النظر عنه جراء الضغوط وفقاً للعلاقات المقرونة بالاغراءات المالية التي يتسارع البعض لتلقيها كلما سنحت الفرصة، او يكون الضحايا بعضٌ من المؤظفين التنفيذين البسطاء.
طالما تستمر الحالة الشاذة السياسية وتعدد الحكومات داخل الدولة الواحدة متمثلة بالاحزاب السياسية المدعومة من ميليشيات مسلحة التي تؤدي الى ضعف السلطة التنفيذية والقضائية، اللتان اساساً كما ذكرت مخترقتان سوف لن يتم ردع جرائم ذوي الياقات البيض. فما الإجراءات الوقائية التي تدعو اليها الحكومة بعد وقوع الجرائم ما هي إلا مؤقتة وهشاشة لا قيمة لها وتظل حبر على الورق. كما ان وعود المسؤولين في الكشف عن المجرمين ايضاً لن يتحقق بدليل العديد من الجرائم السابقة وقعت ولا يزال منفذيها احرار طلقاء، بل كما ذكرتُ سينال بعض البسطاء العقاب.



4
                                   دور الجامعة في ترسيخ ثقافة السلم
                                       جامعة الموصل أنموذجٌ

د. عبدالله مرقس رابي
         
                 يعد موضوع الثقافة من المواضيع الأساسية المحورية التي تهتم العلوم الإنسانية والاجتماعية في دراستها لارتباطه الوثيق بالمجتمع والمشكلات الاجتماعية والسياسة الاجتماعية للتنمية البشرية، واهمها علم الاجتماع والانثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية. والثقافة كمفهوم علمي هو الكل المركب من القيم والتقاليد والعادات والسلوكيات الاجتماعية والدينية والفنون واللغة والقانون والأعراف والعلوم وكافة أنواع المعرفة، ووسائل الإنتاج، وفي ممارسة هذه العناصر لمجموعة بشرية تمنح لها هوية مجتمعية تميزها عن غيرها من المجتمعات البشرية.
ولما كانت النفس البشرية مركبة من مجموعة دوافع وراِثية تختلف من فرد الى آخر في قوتها وعمقها بحسب نظرية الفروق الفردية تدفعها لإشباع حاجات مختلفة لأجل البقاء والاستمتاع من خلال تحقيق لذة ما في ممارسة سلوك معين، ولهذا قد تكون لبعض الدوافع التي تخص قسم من الافراد ذات سمة عدوانية  لها وقعتها المؤثرة سلباً على المجتمع عند الممارسة، وعليه فان العنف ظاهرة قديمة في المجتمع البشري لوجود في المكنونات النفسية للبشر دوافع او نزعات تصقلها التنشئة الاسرية وبعض وكالات التنشئة المجتمعية الأخرى كالسياسية والإعلامية، والتعليمية، واحيانا الدينية لتقويتها وتبريرها، وقد تظهر وتختفي أحيانا في المجتمع الواحد بحسب طبيعة العناصر الثقافية التي يتزود بها الافراد وصقل ممارسة اشباع الدوافع باتجاه اللاعنف او العنف بحسب الرؤى التي يهدفها المجتمع، ومن هذا المنطلق اذن يمكن للجامعة كمؤسسة تعليمية او غيرها ان توجه تلك الممارسات نحو اللاعنف لإحلال السلم المجتمعي او ترسيخ ثقافة السلم. 

ثقافة السلم: الثقافة التي تحمل في طياتها اللاعنف، أي يسودها الحوار والمناقشة مع الاخر المختلف سواء على مستوى الافراد او الجماعات او المجتمعات، بمعنى قبول التعددية على ما هي سائدة في المجتمع جراء عوامل تاريخية واجتماعية ودينية وسياسية، وليس كما يريد الفرد او جماعة ما وتفرض قيمها وتطلعاتها على الجماعات الأخرى. وفي ثقافة السلم يعم السلم المجتمعي والاستقرار للتوافق بين الجماعات والعيش حياة مشتركة على ارض جغرافية معينة، وتنبذ مفهوم التصادم الحتمي جراء أسباب التباين.
كلما ينشط الوعي الإنساني باتجاه الموضوعية والمفاهيم الإنسانية كلما تجنح مواقف المجتمعات الى ثقافة السلم ونبذ العنف، فالمواثيق الدولية للتأكيد على حقوق الانسان ما هي الا مؤشرات هذا الوعي المتنامي من حيث حرية التعبير عن المعتقدات الدينية والسياسية والانتمائية، واحترام حقوق المرأة والطفل وترسيخ قيم التسامح والحوار والعدل وسيادة القانون، أي احترام حقوق الانسان الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والانتمائية.

دور جامعة الموصل: لتكتمل الفكرة من المقال، سوف أشخص آليات وعناصر ثقافة السلم بربطها مع ما تقدم اليه جامعة الموصل في هذا الإطار، تلك الجامعة التي تعد اليوم من أكبر المراكز التعليمية والبحثية في العراق وثاني أكبر جامعة حكومية بعد بغداد والتي تأسست عام 1967 وتاريخها حافل بالعطاء العلمي في مختلف المجالات المعرفية وتفاعلها مع المجتمع المحلي.
تعد المؤسسة التعليمية بمختلف مراحلها الدراسية من اهم وكالات التنشئة الاجتماعية بكل ابعادها التي يتعرض لها الفرد مباشرة بعد المؤسسة الاجتماعية الاسرية، ولما كان موضوع المقال، المرحلة الجامعية، سأركز على دورها في ترسيخ ثقافة السلم.
لا تهدف الجامعات اليوم تخريج عدد من الطلبة المؤهلين لممارسة اختصاصات معرفية علمية وزجهم في المجتمع فحسب، بل من أهدافها الأساسية التفاعل المباشر مع المجتمع المحلي الذي تقع الجامعة ضمن حدوده الجغرافية والاجتماعية لمواجهة الازمات والمشاكل المختلفة التي يتعرض اليها، ومنها ازمة ما تخلفه الحروب الداخلية الاهلية، فتساهم في إعادة التأهيل للمجتمع المحلي لخلق ثقافة الاستقرار والسلم والتضامن وقبول التعددية لفئات المجتمع واحترام الاخر المختلف وتوفير سبل التنمية المستدامة في مختلف نواحي الحياة. كما انها تحاول محو الاثار النفسية والاجتماعية والاقتصادية للحرب، ووضع برامج لتشخيص مآسي الحروب ونتائجها المدمرة، وثم وضع برامج لمواجهة الصراعات الداخلية المستقبلية. ولمجرد متابعة الأنشطة والفعاليات الاجتماعية والثقافية لجامعة الموصل يدرك المتابع مدى مساهمتها الإيجابية الفعالة لتحقيق الأهداف المُشار اليها.
إضافة الى توعية الطلبة في توجيه مواقفهم الشخصية نحو ممارسة القيم والسلوكيات التي ترسخ ثقافة السلم من خلال مناهجها وندواتها ومؤتمراتها والبحوث الميدانية المطلوبة كجزء من متطلبات نيل الشهادات الدراسية العليا. تقوم جامعة الموصل بممارسات تفاعلية في المجتمع المحلي وليس فقط عن طريق تزويدهم بالمعرفة والمعلومات بل التدريب على ممارستها. فهي توجه برامج اعداد البحوث لمواضيع تخص ترسيخ ثقافة السلم والسلم المجتمعي، والمتمثلة بالدرجة الأساس في الدراسات الإنسانية والاجتماعية واخص بالذكر في علم الاجتماع والانثروبولوجيا وعلم النفس والاعلام والتاريخ والقانون ومن هذه الدراسات الميدانية بعد تحرير الموصل من (داعش) كأمثلة في قسم الاجتماع عن السلم المجتمعي الذي هو أحد اركان ونتاج ترسيخ ثقافة السلم.
الاندماج الاجتماعي للثقافات الفرعية وعلاقته بالسلم المجتمعي. الجريمة وانعكاساتها على الامن المجتمعي. السلم المجتمعي وانعكاساته على التنمية الاجتماعية. تحويل النزاع وبناء السلام. اعمار المناطق المحررة وانعكاساته على السلم المجتمعي. بناء السلام الرقمي، دراسة تحليلية. التكامل الاجتماعي ودوره في تعزيز السلم المجتمعي، العدالة الاجتماعية وانعكاساتها على السلام، مشاريع تنمية الأقاليم ودورها في تعزيز السلم المجتمعي.
وعلى صعيد الندوات العامة العلمية، عقدت في 17/ 1/2019 جامعة الموصل/ كلية الآداب / قسم الاجتماع بالتعاون مع (بيت الحكمة للدراسات) في بغداد، المؤتمر العلمي السابع للقسم تحت عنوان (المشكلات الاجتماعية والنفسية للمجتمع الموصلي لما بعد داعش، الواقع والمعالجات)، شارك العديد من أساتذة القسم من كلا الجنسين في بحوثهم الميدانية المقننة التي تناولت المشاكل الاجتماعية والتداعيات النفسية للعديد من الظواهر السلبية التي خلقتها الأوضاع السياسية الحالية ما افرزته سيطرة الإرهاب على المدينة من أوضاع مأساوية بعد التحرير. ركزت تلك الدراسات على تحقيق السلام المجتمعي والمصالحة الوطنية، وتعزيز هيبة الدولة واحترام الحقوق الأساسية للإنسان. ومن اهم نتائجه:
لا يتم الاعمار والتنمية دون إعادة الاستقرار وضمان الامن والطمأنينة لأفراد المجتمع المحلي في مدينة الموصل وفي محافظة نينوى التي تضم تنوع لثقافات فرعية دينية ومذهبية واثنية.
ان إعادة الاعمار هي اشمل من بناء الجسور والطرق وغيرها، بل تعني بالدرجة الأساس بالإنسان المتضرر الأكبر، بالتأكيد عن طريق إعادة بناء وتأهيل شخصيته من خلال محو الأثار النفسية والاجتماعية التي خلفتها الحرب.
ومن نتائجه، ان عملية طرد التنظيم الإرهابي ربما لن يكون كافياً مالم يتم تأسيس نظام تشاركي يقوم على تمثيل الجماعات والطوائف والقوميات المختلفة وتبني مبادرات تضمن السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة القوية المسلحة بالقانون ومحمية من جيش وقوات امنية نظامية.
ان التنمية والسلام والامن وحقوق الانسان أمور مترابطة يعزز كل منها الاخر، فهناك حاجة الى اتباع منهج منسق ومتكامل لبناء السلام والمصالحة في مرحلة ما بعد انتهاء داعش، يهدف الى تحقيق السلام المستدام ويصبح فعالا باتجاه عدم ارتداد المجتمع للعنف مرة أخرى، بعد اخذ بنظر الاعتبار جملة من المعايير اهمها: القبول المجتمعي، عدالة التسويات السلمية وتوازنها واشتراك الجميع في بناء السلام، ومعالجة الهواجس والمخاوف والشعور بالظلم لمختلف المكونات القومية والدينية والمذهبية والاثنية والثقافية.

وتعد زيارة رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور (قصي كمال الدين الاحمدي) لغبطة الكاردينال مار لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في 23/ 12/ 2021 مؤشراً هاماً لدور الجامعة في ترسيخ ثقافة السلم وقبول التعدد، كما تأتي أهميتها في إطار النشاطات الفكرية والميدانية لغبطته في سياق ترسيخ ثقافة السلم والانتماء الوطني وقبول التعدد، ولهذا أكد الطرفان على ترسيخ هذه الثقافة واشادة بعضهما بالبعض لتماثلهما في انشطتهما الفكرية والإنسانية ودورهما في المجتمع.
 ومن ابرز الممارسات العلمية التي تخص ترسيخ ثقافة السلم على مستوى المجتمع البشري هو المؤتمر العلمي العاشر لكلية الآداب، تحت عنوان (ثنائية الشرق والغرب واثرها في التواصل الحضاري) الذي عُقد في 1-3 / 2022 الذي شاركت فيه معظم الأقسام العلمية في الكلية، إضافة الى أساتذة من الجامعات العراقية ومصر والجزائر وفرنسا وكان المؤتمر برعاية ودعم من الفرنكوفونية، وكان لي الشرف للمشاركة في المؤتمر تجاوباً للدعوة الموجهة، فتم قبول بحثي الموسوم (دور الاعلام المعاصر في ترسيخ ثقافة قبول الاخر/ تحليل سوسيولوجي)، الا انه بعد انهاء البحث حالت ظروفي الصحية دون المشاركة الفعلية لوقائع المؤتمر.
 واليوم، الثامن من أيار لعام 2023 عقدت كلية الآداب ممثلة بقسم الاجتماع وبالتعاون مع بيت الحكمة -بغداد وكرسي اليونسكو- جامعة الموصل، ضمن فعاليات ونشاطات أسبوع كرسي اليونسكو في قاعة المنتدى الثقافي والادبي تحت عنوان (آفاق تعزيز المصالحة والسلم المجتمعي في المناطق المحررة) وعلى إثر الدعوة الموجهة لي للمشاركة، ولعدم تمكني، ارتأيت كتابة هذه المقالة اكراماً لهذه الجامعة العريقة ودورها الفعال في المجتمع.
تتضمن الفعاليات الفكرية والميدانية لجامعة الموصل العديد من الآليات والمقومات التي ترسخ ثقافة السلم، ولعل أبرزها:
ترسيخ مفاهيم الثقافة الوطنية والانتماء الوطني التي هي جزء من الثقافة العامة لتوحد التنوع الثقافي في المجتمع العراقي في مسارات فكرية واجتماعية مشتركة، لتكون المرجع الأساسي لبناء منظومة أخلاقية وقيمية وسلوكية ومواقف موحدة بغض النظر عن الانتماء للثقافات الفرعية الدينية والمذهبية والاثنية والجغرافية الإقليمية والطبقية لمواجهة التحديات. تسود قوة القانون وحمايته وطنياً بواسطة الجيش والقوات الأمنية ذات الولاء الوطني وليس الطائفي او الاثني. كما انها تنبذ الممارسات الولائية الطائفية والسياسية المحدودة الممثلة بالأحزاب. تساهم جامعة الموصل في تعزيز الروح الوطنية على مستويين، أولهما في اعداد الطلبة فكرياً وعملياً لترسيخ الثقافة الوطنية ليكونوا جيل المستقبل الذي ينخرط في رسم السياسة الاجتماعية في البلد في مختلف جوانبها، وثانيا من خلال الممارسات الميدانية الانية وتفاعلها الديناميكي مع المجتمع المحلي لتجاوز ازماته وترسيخ مفاهيم ثقافة السلم التي احدى عناصرها هي الثقافة الوطنية.

مشاركتها مع منظمات المجتمع المدني ومراكز البحث المحلية والدولية التي تخطو خطوات هي الأخرى في ترسيخ قيم ثقافة السلم المتمثلة في توعية أهمية الحياة المشتركة للثقافات الفرعية في المجتمع وقبول الاخر على ما هو عليه، وليس كما يتطلع المختلف لوحده وما يؤمن به. ونبذ العنف وتشخيص آثاره المأساوية في تخلف المجتمع، وتحقيق هذه الثقافة والسلم المجتمعي يحقق الانسجام والتضامن والتماسك الاجتماعيين والاستقرار والحد من الجرائم والاضطهادات والنزاعات الداخلية وتحقيق العدالة الاجتماعية وحوار الحضارات، كلها تساهم في تعزيز عملية ازدهار المجتمع وتطوره.
 تسعى جامعة الموصل من خلال فعالياتها في هذا الشأن الى تغيير الاتجاهات والمشاعر والسلوكيات لتتوافق مع ثقافة السلم والى جانب غرس المفاهيم، تقوم بالممارسة الفعلية من خلال مشاركة افراد من الثقافات الفرعية المختلفة وليس تزويد المتلقي والممارس بالمعلومات النظرية فقط.

تحقق جامعة الموصل التنمية المستدامة للمجتمع المحلي من خلال وضع سبل الوقاية من نشوء النزاعات المستقبلية، ومن خلال انعكاس فعالياتها في تعزيز الثقة بالنفس لجميع الأطراف وضبط النفس، وتحسين البيئة، وترسيخ مفاهيم حقوق الانسان في المساواة والتعايش السلمي، وتنمية المهارات التي تمحو صدمة الحرب الاهلية.
تساهم في تعميق فكرة اعتماد على الذات في ترسيخ ثقافة السلم والتعايش محلياً واقليمياً، أي عدم الانتظار في عملية التغيير ما بعد الحرب على الحكومة المركزية، بل على الذات المحلية في ضوء التشريعات القانونية.
يتجلى دور جامعة الموصل في ترسيخ ثقافة السلم في تعميق دور الأقسام العلمية المتمثلة في علم الاجتماع والانثروبولوجيا والخدمة الاجتماعية والاعلام والتاريخ والقانون والسياسة لكونها فروع المعرفة العلمية التي تمكنها من تشخيص عوامل الترسيخ لهذه الثقافة وممارستها في ضوء المواد المنهجية التي يتلقاها الطلبة، إضافة الى تشجيع حركة التأليف والبحث ووضع البرامج المنوعة ميدانيا والاعمال الفنية التي تعكس عناصر ثقافة السلم التي تصب في عملية بناء الانسان.
وبناءً على هذا الدور الكبير الذي تؤديه جامعة الموصل في ترسيخ ثقافة السلم وبناء السلم المجتمعي، وقد حصلت على كرسي اليونسكو.

أتمنى من الحكومة المحلية في محافظة نينوي والحكومة المركزية وحكومة الاقليم ان لا تخطو كما هي حكومات البلدان النامية التي تعتمد على افكار السياسيين المحدودة والضيقة التي تمثل احزابهم في وضع برامج التنمية والسياسة الاجتماعية في البلد وعلاقاتها الدولية، بل اعتمادها على النتاجات الفكرية للباحثين والأكاديميين في المؤسسات التعليمية الجامعية ومراكز البحوث، مثلما تعمل الحكومات في الدول المتقدمة، وقد اكدت الدراسات في هذا الشأن ان أحد اسرار تقدمها هو الاعتماد على نتائج بحوث الجامعات والمعاهد المختصة، وتخلف البلدان النامية وتراوحها في مكانها هو اعتمادها على السياسيين وتطلعاتهم الضيقة فقط. كما أتمنى ان تدع هذه المؤسسات ان تستمر في مشوارها دون التدخل في شؤونها وبرامجها التنموية. 

تحية لكادر جامعة الموصل من الأساتذة والطلبة والاداريين والفنيين في مختلف كلياتها واقسامها العلمية، مع تمنياتي لها بمزيد من التقدم العلمي والازدهار لأجل التنمية المستدامة لمجتمعنا وبلدنا العزيز العراق.

د. عبدالله مرقس رابي
كندا في 7/ 5/ 2023


 


 


5
                                 غبطة البطريرك (ساكو) عملتَ حسناً
                                 وسوف يلاحق المسببين الشعور بالذنب

   د. عبدالله مرقس رابي

اطلعت على الرسالة التاريخية التي بعثها غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو اليوم الى رئاسة جمهورية العراق، ورئيس الوزراء والمسيحيين والشعب العراقي قاطبة، موضحاً فيها أسباب انسحابه من مقر بطريركيته في بغداد العاصمة والإقامة في أحد الاديرة في إقليم كوردستان العراق حيث الأمان والعلمانية والتحضر والاستقرار السائد.
انكشفت اللعبة وكانت معروفة للجميع منذ افتعالها من الجهات المذكورة في الرسالة والمساندين لهم في الإدارة الفاسدة في العراق اليوم ولكن - دون تعميم فهناك الخيرين جداً وواقعيين ومتحضرين- تلك اللعبة التي أسبابها هي لأجل الاستحواذ على الممتلكات والأموال والمناصب. لعبة أُحيكت ضده من قبل اعلى المستويات الحكومية في الدولة العراقية وأصغرها وبل اشخاص نكرة في وجودهم ضمن المجتمع العراقي. لعبة لأجل طمس المواقف والروح الوطنية وترسيخ ضعف القانون وفقدان الأمان والطائفية والمحاصصة المتخلفة في نظام وآليات الحكم ونحن في عصر التقدم وحقوق الانسان والتحضر، تلك الأفعال التي انتجت الفساد في مختلف جوانبه وعدم الاستقرار فتحولت العراق بأفعالهم الى أكثر الدول المتخلفة في العالم وبل على قمتها بحسب المعايير الدولية.
 تلك الظواهر التي يدعو غبطته الى عدم ترسيخها في عقل الانسان العراقي بل همه ان يشعر العراقي بالانتماء الوطني وقوة القانون والجيش وحل الميليشيات، وحصر السلاح بيد الجيش ولا للطائفية. هذه هي دعوات غبطته وانتقاده للواقع، حاله حال أي مواطن عراقي او مؤسسة عراقية يشعر بالغبن ومأساة شعبه. فدبرت المؤامرة لان مواقفه ودعواته لا تصب في مصلحتهم ولا تروق لهم لتحقيق طموحاتهم المريضة والاستمرار في مشوارهم الفاسد، وفي هذه المحاولة تبين جلياً ان الفساد هو في القمة، أي هم قادة الفساد والمخططين له ليستمر، وليس في الوسط والقاعدة في أجهزة الدولة، إذ لا نجد احد منهم قُدّم للمحاكمة، بل يبقى المتورطون من بعض المدراء العامين او الموظفين البسطاء لقمة سائغة لهم، مما يدل ايضاً فقدان القضاء العراقي لهيبته وانتشار الفساد فيه لانهم يعملون من اجل كتلهم واحزابهم وليس من اجل القانون وفرض العدالة.
 هناك العديد من مسؤولي الكتل والاحزاب التي تتراشق وتنتقد الحكومة اعلامياً، ولكن لا يتجرأ احد من المساس بهم، كم من المرات نعتت المرجعيات الدينية الإسلامية الأجهزة الادارية بالفاسدين واحدثهم بيان هيئة علماء المسلمين في العراق/ قسم الاعلام الأخير مشكورين لدعم البطريرك ساكو، الذي جاء فيه عبارات مؤثرة وواقعية وحقيقية لتصرف وأداء الحكومة، اذ ذكر (وقد جاء هذا القرار بعد الخلافات بين البطريرك (لويس ساكو) و (ريان الكلداني) زعيم ميليشيا بابليون المسيحي المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية في مناطق سهل نينوى، وهي احدى المليشيات المنضوية في الحشد الشعبي، وجاء فيه أيضا (ندعو هو والمقصود (رئيس الجمهورية) وغيره ممن تسلط على رقاب العراقيين ويعرف القاصي والداني مشاريعها الخطيرة والمضرة بالعراق وشعبه والتوجه لمعالجة المشاكل الحقيقية التي يعاني منها البلاد من الفساد المستشري وانهيار البنية التحتية وارتكاب المجازر بحق العراقيين وتشريد المواطنين وانتشار الفوضى وسرقة ثروات العراقيين والتلاعب بالقوانين ونسبها لصالح دول عدوة للعراق وشعبه) أ ليست هذه عبارات قوية ومؤثرة ومباشرة لنقد أداء الحكومة، فهم نطقوا الحقيقة والواقع كما ينطقها كل محبي الخير والاستقرار للبلد، ليتجرأ احدهم ان يرد الهيئة الموقرة وغيرها ممن يكشفون يومياً فسادهم في الاعلام. 
نعم غبطة البطريرك قررت الأفضل وعملت حسناً في الانسحاب من مقر البطريركية في بغداد، انه موقف بطولي وتاريخي، وليس انهزامي كما يحلو لبعض فاقدي البصيرة وأصحاب الأفق الضيقة تسميته، انها محاولة حكيمة وعقلانية للاستمرار في إدارة الكنيسة في منطقة آمنة في إقليم كوردستان العراق المتحضر، وهي خطوة لتجنب المساس بشخصكم دون سبب واقعي وعادل، بل الوقاية من انياب الأشرار ومن يساندهم لحين ان ترجع الأمور الى طبيعتها وبل لحين ان تتحسن. انها خطوة لمحو أحلام الذين أرادوا منك التقاعد، كأنما وجودك هو بيدهم، وتوهموا ان لا سلطة لاحد عليك ان يلزمك الى التقاعد الا فيما إذا تقرر غبطتكم بنفسك، فذهبت احلامهم في مهب الريح والسراب. 
اقتبس قول الأخ (لوسيان) في احدى تعليقاته (غبطة البطريرك يسجل الان بطولة تاريخية). نعم انها بطولة تاريخية الحقت بالبطولات التي سجلها اسلافه من بطاركة كنيسة المشرق الذين تحولوا من مكان الي آخر لحكمتهم ودرايتهم وعقلانيتهم جراء الاضطهادات من بعض السلاطين والحكام التعسفيين. فالمتابع لتاريخ كنيسة المشرق يلاحظ ان كورسي البطريركية تحول ابان تعرض المسيحيين ورئاسة الكنيسة بقوة الى الاضطهادات من بعض الحكام والسلاطين على مر العهود، بعد تأسيسه في قطيسفون (المدائن حالياً شرق بغداد)، انتقل الى بغداد عاصمة الدولة العباسية حيث الاستقرار والأمان بالقرب من الخليفة ومُنح للبطريرك البراءة والدعم من الخليفة بأمر رسمي وسار مفعوله عند كل الخلفاء، ليس وفقاً لنظام اهل الذمة كما فسر بعضهم، بل كان دعم للبطريرك واعتراف رسمي به وديانته ولتسنح الفرصة له لإدارة الكنيسة وممتلكاتها في انحاء البلاد الشاسعة، ومنحه الامكانية للتشريع وتنظيم شؤون المؤمنين دون تدخل الدولة، فكان بمثابة حماية المسيحيين وليس لأجل جمع الأموال، لو كان لأجل ذلك لم يكن الخليفة بحاجة الى البطريرك، بل ممكن لجهازه المالي جمع ما هو في ذمة المسيحيين او يشرع كما شرعت داعش حديثاً، فهو الحاكم الوحيد الذي يحكم بأمر من الله، فالدعم كان لأجل التنظيم والحماية، وهنا استثني فترات متقطعة من بعض الحكام في تعصبهم واضطهادهم للمسيحيين، ولكن نحن بصدد البراءة الرسمية، فاصبح من ذلك الحين تقليداً للحكومات المتوالية.
وبعد سقوط الدولة العباسية واضطهاد الالخانيين تحول كورسي البطريركية الى كرمليس وثم الى دير الربان هرمزد بالقرب من القوش وتارة الى الموصل، وحتى في سنا ومراغا في إيران، وفي ديار بكر لسلسلة أخرى من البطاركة واستقر في الموصل وثم رجع الى بغداد، واستقر في قوجانس بطاركة الشق الاخر من الكنيسة وثم في العراق وبعدها في المنفى في كاليفورنيا والان في أربيل، كل هذه التنقلات جاءت للبحث عن الأمان من جراء الاضطهادات المتوالية لبعض الحكام.
والان يعيد التاريخ نفسه، وظهر لنا في التاريخ المعاصر في عالم حقوق الانسان والتحضر حكام متسلطون طائفيون، يتصارعون على السلطة وكسب الأموال بشتى الطرق، وفاجأنا ومع الأسف نقول حامل شهادة الدكتوراه رئيس جمهورية العراق عبداللطيف رشيد الذي يتوقع منه ان يكون اكثر تحضراً ووعياً ومحايداً واقلهم تأثيرا يايديولوجيات احزابهم وضغوط الاخرين الأقل شاناً منه ليصحو ويصدر مرسومه الجمهوري المشؤوم الذي الغى فيه مرسوم سلفه ورئيسه الأسبق ادارياً وسياسياً بخصوص الاعتراف الحكومي بسلطة البطريرك رسمياً وتوليته لممتلكات الكنيسة تنازلاً لرغبات الاخرين المشاركين في اللعبة القذرة.
 علماً هكذا مرسوم كما اشرت مُنح للبطريرك منذ نشوء الدولة العباسية ومروراً بالحكومات الأخرى التي حكمت بغداد والدولة العثمانية والحكومات المتعاقبة بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وان تغير المضمون وتسميته من عهد الى آخر بحسب الثقافة السائدة في كل مرحلة تاريخية فالهدف واحد. والان للأسباب المذكورة آنفاً يلغى المرسوم، ليبقى البطريرك دون درع وحماية من الأشرار الذي يخططون المكايد كما شاهد العالم والشعب العراقي للإيقاع به واهانته واهانة الكنيسة الكلدانية والمسيحيين قاطبة في العراق، أ لم يفكر رئيس الجمهورية بان المرسوم والتقليد السابق المستمر من الدولة يكون بمثابة رسالة موجهة لاطمئنان المسيحيين واثبات استقرارهم وحمايتهم ودعم مسؤوليهم الروحانيين وتكريماً لمقامهم، ورسالة الى العالم توحي بان العراق اليوم هو بلد متحضر مسالم، لا كما يظن البعض، لكن يبدو وقع في ورطة، وجراء عمله قد يؤنبه ضميره ومعه الاخرين المشاركين معه ويظلون يشعرون بالندم والقلق طوال حياتهم لأقدامه الغاء تقليد مر عليه الاف السنين.
هكذا محاولة كانت ضربة موجعة لكل المسيحيين وفرصة أخرى ومن حقهم للتفكير لمغادرة البلاد، فهل هذا جزء من مخطط ومرسوم وتم تنفيذه الان؟ أ لم يكن من طريقة أخرى أكثر حضارية التعامل مع البطريرك ساكو؟ لكن بعد يومين انكشفت اللعبة ولم يؤيد المرسوم الا كتلة بابليون وممثليهم الأربعة في البرلمان العراقي، ومن ثم اصدار مذكرة لاستقدام غبطته للمثول امام القضاء.
قرارك صائب جدا غبطة البطريرك وكنت أتمنى طوال هذه الأيام مع نفسي ان يخطو غبطتكم هذه الخطوة، ليتسنى كما اشرتُ الى التمكن من إدارة الكنيسة الكلدانية من موقع آمن ومستقر في كوردستان العراق المتحضر، فالكل يدرك تماماً لا دولة في العراق اليوم بمعنى الكلمة، بل دويلات تحكمها ميليشيات ومعها السلاح المنفلت. فامكث هناك لحين توفر فرصة الاستقرار في بغداد، فالمسببون زائلون عاجلاً ام آجلا. ومرسوم الدعم والاعتراف والحصانة يرجع بعد انتكاستهم، والرب يوفقك في مسعاك لخدمة الكنيسة وبلدنا العراق وشعبه بكل اطيافه.
 ومن واجبنا ان نشكر في هذه المناسبة الأليمة التي تحسسها كل الخيرين العراقيين من الذين تضامنوا مع غبطته وكنيستنا الكلدانية والمسيحيين وفي مقدمتهم الاخوة المسلمين قبل غيرهم منذ بداية الازمة ولا سيما هيئة علماء المسلمين في العراق، واليوم مكتب المرجع الديني الشيعي الأعلى من مكتب الامام السيستاني والشخصيات الرسمية في الدولة العراقية وإقليم كوردستان العراق والإعلاميين. ومن أبناء شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني من الكتبة والإعلاميين والمتابعين وعامة الشعب في كل مكان.


[/size]

6
                              ظاهرة التضامن مع البطريرك “ساكو"
                                المعنى والدلالة/ رايٌ وتحليلٌ


د.عبدالله مرقس رابي
   
               تعرض غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية مؤخراً الى هجمة إعلامية غير مبررة للإساءة لشخصيته ومكانته في الكنيسة الكلدانية والكنيسة الكاثوليكية في العالم من قبل حركة بابليون ممثلة برئيسها "ريان صادق دودا" الملقب الشيخ (ريان الكلداني). قام ببث اخبار في مختلف الوسائل الإعلامية ومنها منافذ التواصل الاجتماعي مفادها اتهام غبطته في بيع ممتلكات الكنيسة الكلدانية والتزوير، وتلفيق اتهامات أخرى لا أساس لها من الصحة.
بالمقابل ومن جهته، نفى البطريرك ساكو تلك الاتهامات صراحة وعلنا عبر وسائل الاعلام المختلفة، وبحجج منطقية وقانونية، وطالب الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه استناداً الى القانون العراقي الذي يمنع الإساءة الى الرموز الدينية ومكانتهم والتشهير بهم باي شكل من الاشكال. وعن طبيعة رد غبطته إعلاميا، (كنت متحفظاً وتمنيت لو اقتصر على مطالبة رسمية من الحكومة العراقية، واما إعلاميا ان يتحدث ناطق قانوني باسم البطريركية الكلدانية للرد على ما بث الطرف الاخر وتفنيد ذلك قانونياً).

يتميز البطريرك ساكو بنزاهة عالية ورقي مبادئه الإنسانية والوطنية، وبشهادة كل من عمل معه وكان قريبا منه سواء من المدنيين او الاكليروس، وشخصيا هذا الذي لمست وسمعت عنه طيلة فترة وجودي في مدينة الموصل عندما كان كاهنا في كنيسة ام المعونة. حافظ غبطته وهو كاهن واسقف ولا يزال على هذه النزاهة والتصرف، وعليه أرى حالياً ما نُسب اليه زوراً من اخبار، عارية من الصحة.
بعد تسلم غبطته السدة البطريركية للكنيسة الكلدانية عام 2013 في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مضطربة وقاسية في العراق، لم ينام له جفنٌ وهو يرى حالة بلاده المتدهورة ومعاناة الشعب العراقي برمته وأخصهم المسيحيين جراء الاضطهادات المتوالية متمثلة بالقتل والتهجير والسطو على ممتلكاتهم والاستيلاء عليها وتشريدهم في ظل غياب الدولة وسلطة القانون وتناحر الأحزاب السياسية فيما بينها على السلطة لتحقيق مصالحها وانتماءاتها الطائفية والقومية. وتلبيةً لواجبه الديني كمسؤول كنسي كبير وحرصاً على المؤمنين ولمشاعره الإنسانية تجاه الشعب العراقي، ووفقاً للقوانين واللوائح الكنسية الكاثوليكية التي تُجيز لرجال الدين ان يكون لهم كلمتهم ودعواتهم ومناشداتهم للجهات المختصة لتحقيق العدالة بين الناس ومنح حقوقهم المسلوبة ومناهضة الاضطهادات والظلم، منطلقاً من هذه اللوائح، لم يتوان غبطته كل هذه السنين والى اللحظة من تكرار مناشدته لكل الجهات الدولية والإقليمية الرسمية والإنسانية سواء من خلال اللجوء اليهم في الداخل او الخارج، او اثناء زيارتهم له في الدائرة البطريركية لغرض الوقوف على رايه. يناشدهم لتحقيق الأمان والركون الى دولة ذات سيادة قانونية وفرض النظام عن طريق أجهزة امنية وبدعم من جيش منظم وليس كما هي الحالة عليها من السلاح المنفلت والميليشيات السياسية الموالية للأحزاب المتنفذة، ورفع الغبن والظلم عن الجميع دون استثناء، ومنها دعوته لإعادة النظر في قضية وآلية الانتخابات البرلمانية بخصوص الكوتا المسيحية لتظل محصورة عند المسيحيين لاختيار ممثليهم، لكي لا تستحوذ الكتل الكبيرة عليها (شخصياً اتحفظ من الكوتا ولا اعيرها أهمية من حيث وجودها من عدمها). ولكون مثل هذه الدعوات والأفكار تصدر من شخصية ذات مكانة عالمية، فلا يستسيغها او لا تتوافق مع اهداف البعض في الحكومة او من السياسيين في البلد. عليه كانت احدى العوامل الاساسية في خلق الازمة التي نحن بصددها، ولا غرابة من بعض سياسي العراق اليوم المساهمة في خلق هكذا مشاكل اجتماعية لاعتبارات متعددة واهداف تصب في تحقيق المصالح الذاتية.

ولما تفاقمت الازمة الحالية، وتزايد التطاول الذي لا يتوقعه الانسان المسيحي الا من القلة تجاه الرئيس الروحي للكنيسة واخص بالذكر في المجتمعات النامية التقليدية، فأبدى العديد من الشخصيات والمؤسسات المتنوعة عبر ممثليها حول العالم من الكلدان وغيرهم، وبل من المسلمين ايضاً ومن مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية والحكومية الرسمية تضامناً رائعاً للتعبير عن تعاونهم واتفاقهم مع غبطته واستنكارهم لما نُسب اليه من أفعال لا يقرها العقل البشري.
والتضامن كمفهوم، يُستخدم اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً على المستويات الفردية والجماعية والمجتمعية، وهو وسيلة لتحقيق العدالة والحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه من قبل طرف إزاء الشخص المستحق الذي قد تعرض لمشكلة او ازمة ما، دون مبرر والوقوف الى جانبه. يحقق التضامن التعاون والتماسك ويتجلى ذلك في تقديم المساندة، كما يعد عملاً مشتركا دون تمييز على أساس الدين او الاثنية او الجغرافية او اللون والجنس او العمر او المعتقدات السياسية.
ومن مراجعة للبيانات التضامنية والحوارات التي جرت بين الوفود الزائرة وغبطته يمكن استنتاج دلالات ومعاني التضامن، واهمها:
 يتبين من الإحصائية ادناه يظهر التنوع في مصادر التضامن، سواء على مستوى الافراد او الجماعات، مما يدل ان مختلف الفئات والمكونات من شعبنا العراقي أبدت تضامنها متمثلة بالتنوع المهني والتعليمي، والسياسي والديني والمذهبي والقومي والمؤسساتي.
ان ما ورد من كلمات التعبير في مضامين البيانات المرسلة تدل على القناعة التامة لأصحابها عن وجود تطاول على غبطة البطريرك من الطرف الاخر.
أدرك المتضامنون جيدا مدى نزاهة البطريرك ساكو، وان ما اسند اليه باطل وافتراءات، اذ تضامنْ رئيس وزراء الإقليم ورئيس وزراء الأسبق للعراق وحقوقيين وأكاديميين واعلاميين وسفراء دول ليس الا تعبير عن المكانة الدينية الرفيعة لغبطته محلياً واقليمياً ودولياً، والادوار الوظيفية المناطة اليه في حاضرة الفاتيكان تُشير الي تمتعه بنزاهة وإخلاص ونشاط، فهي أدوار أساسية ومهمة وترتبط بالنزاهة الشخصية، فهو، عضو مجلس الاقتصاد الفاتيكاني ومستشار في المجلس البابوي لحوار الاديان في الفاتيكان، وعضو في مجمع التربية الكاثوليكية الفاتيكاني.
يتضح من محتوى كلماتهم وأحاديثهم انهم، يدركون جيداً التطلعات الإنسانية والوطنية المتمثلة في تأكيده على بناء دولة ذات سيادة وقانون لتحقيق العدالة دون تمييز.
الوضوح التام لنزاهة البطريرك وصدق اعماله في التصرف بأموال الكنيسة الكلدانية وممتلكاتها من خلال كلمات الاقربون اليه في العمل من السادة الأساقفة الكلدان والقريبين منه من طوائف اخرى، واللجنة المالية للبطريركية، ومستشاريه، ومجلس الكهنة ومجلس الرهبنات.
دليل واضح آخر للنزاهة تبين في كلمة رئاسة الديوان للأوقاف الديانات ذات الصلة والمسؤولية الرسمية المرتبطة بالكنائس وأماكن العبادة في البلد.
 البيانات التضامنية للأعداد الكبيرة من الجمعيات الكلدانية ومؤسسات المجتمع المدني والصلوات التضامنية للمؤمنين هي دلالة واضحة على مدى تقبلهم وحبهم وارتباطهم وتأييدهم على دور غبطته وانه الشخص المناسب في المكان المناسب، وما يمسه من سوء، يمس الكنيسة الكلدانية.
بيانات الاشخاص والمؤسسات غير المسيحية من كل الأديان الإسلامية والايزيدية والصابئة، ومجلس الشيوخ العراقي، ليست الا دلالة واضحة على مدى مقبولية المكانة الرفيعة لغبطته شعبياً ورسمياً عندهم وقناعتهم بنزاهته ووطنيته، وانه يعمل للجميع دون تمييز تحت يافطة العراق. 
زيارة مستشار الامن القومي العراقي لغبطته منفرداً، لها دلالة على مدى الاهتمام في الازمة رسمياً ولها مغزى وبعد كبيرين. كما ان زيارة السفير الفرنسي ونائب الفرنسي في البرلمان الأوربي والوفد المرافق مؤخراً لها بعد كبير في الاهتمام الدولي لما تعرض اليه غبطته.
   
وفيما يلي إحصائية اجريتها لهذه المبادرات التضامنية، حيث بلغت أكثر من (108) حالة لحد هذا اليوم مصنفة كالاتي:
المؤسسات الكلدانية الدينية ممثلة بالأبرشيات بواقع (6) إضافة الى المدبر البطريركي لأبرشية مصر والمدبر البطريركي في الأردن. فضلا عن الوكيل البطريركي ومطران فخري آخر.  وكنائس بغداد جميعها ممثلة ببيان مجلس كهنة بغداد وكلية بابل للفلسفة واللاهوت، ومجلس الرهبنات الكلدانية للرهبان والراهبات. وكان يستوجب على المطارنة المتبقين ابداء تضامنهم طالما هم أعضاء متقدمين في المؤسسة الكنسية، كما تضامن ثلاث مطارنة من الكنائس الشقيقة الشرقية ممن عملوا عن قرب مع غبطته ولهم المعرفة الكاملة عن شخصيته، والبيان التضامني لأباء الدومنيكان في العراق.
واما المؤسسات الكلدانية المدنية، تمثلت بواقع (60) جمعية كلدانية قروية واتحادات ثقافية وفروع الرابطة الكلدانية والجمعيات الخيرية في مختلف بلدان العالم، إضافة الى المجلس التنسيقي الموحد للتجمعات الكلدانية في كاليفورنيا لم يحدد عدد الجمعيات. علماً هناك (9) مؤسسات غير كلدانية سياسية وثقافية واجتماعية واكاديمية موقعة ضمن البيانات الصادرة. إضافة الى موقع مانكيش الالكتروني، ومسيرة الصلاة للتضامن التي أقامها أهالي مانكيش في بلدتهم، وتضامن مسيحي قرقوش وكرمليس، ومسيحي بغداد. والتجمعات الكلدانية في اور/ الناصرية، ومدارس الكلدانية في بغداد. وهيئة مستشاري البطريركية الكلدانية، واللجنة المالية في البطريركية.

المؤسسات الرسمية والمستقلة وتمثلت في: رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور البارزاني- اتصال هاتفي- مستشار الامن القومي العراقي، (12) سفير ونائب السفير للدول الاوربية، السفير الفرنسي والنائب الفرنسي في البرلمان الأوربي والوفد المرافق لهما، المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني، الأمانة العامة لشيوخ عشائر العراق، وفد من الصحفيين العراقيين العاملين في وكالات إعلامية محلية واجنبية، رئاسة ديوان اوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية. البرنامج الوطني لحماية التعايش السلمي في العراق، منبر تشرين، المؤسسة الايزيدية الدولية المناهضة للإبادة الجماعية، الكفاءات العلمية العراقية في بلدان الاغتراب من مختلف القوميات والأديان المنضوين تحت خيمة (شركة الحكمة للمشاريع التكنولوجية والعلمية)، مديرية الثقافة السريانية في أربيل. إضافة الى العديد من المحطات الفضائية العامة والشخصية التي أشادت بغبطته.

الأحزاب السياسية، وتمثلت في: الحركة الديمقراطية الاشورية، حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني.

الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية وهم:
 الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق، خلف سنجاري مستشار رئيس الوزراء، آنو جوهر وزير المواصلات في إقليم كوردستان، سركون لازار وزير سابق، حسو هورمي رئيس المؤسسة الايزيدية الدولية، الدكتور سعد سلوم أستاذ جامعي ورئيس مؤسسة مسارات. مارينا عزريا من الشرطة الاجتماعية، القاضي السابق والباحث القانوني هادي عزيز علي، الأستاذ الدكتور علي كاظم الرفيعي عميد كلية القانون في جامعة اوروك / بغداد، الخبير الاقتصادي باسم جميل، مؤيد الجحيشي، مثقفين واعلاميين مستقلين وقع عنهم حسن البغدادي اعلامي ومخرج، البروفيسور رعد سلام عربو أستاذ في جامعة الرسول بولس في مدريد، مصطفى قيتواني. إضافة لمن اتصلوا هاتفياً.
وكُتبت عدة مقالات تهدف مواضيعها التضامن مع غبطته من قبل المتابعين والمهتمين من الكتاب.

وأخيرا أتمنى واناشد المعنيين والجهات المختصة الرسمية وغير الرسمية للتدخل لاحتواء هذه الازمة للصالح العام ليعم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي وفسح المجال للتنمية المستدامة في بلدنا العزيز العراق باستخدام المنطق السليم واستقراء واقع المجتمع العراقي الذي هو بأمس الحاجة للتغيير نحو الأفضل.   


 

     

7
                               شتان ما بين فكر وخطاب البطريركين
                          (مار ساكو ومار آوا) في كلمة تهنئتهما بمناسبة اكيتو


د. عبدالله مرقس رابي

         بين حين وآخر تشتد الصراعات الفكرية حول التسمية الاثنية في وسائل التواصل الاجتماعي لمن يعتقدون انهم بقايا سكان حضارات بلاد النهرين القديمة من الكلدان والاشوريين والسريان المعاصرين، وغالباً ما تشتد وتطفو على السطح بين المهتمين عندما تقترب الانتخابات البرلمانية في العراق، او عندما يدلي أحد المسؤولين الروحانيين او السياسيين بتصريح قد يحتوي شيئاً من هذا القبيل. الصراع الفكري الحالي بدا مع احياء ذكرى اكيتو، وكلمة غبطة البطريرك (مار آوا الثالث روئيل) بطريرك كنيسة المشرق الاشورية بمناسبة الإعلان عن كلمته بهذه المناسبة الموجهة لتهنئة الامة الاشورية في 26/3/2023، وذلك لما احتوتها من عبارات لم تكن متوقعة من غبطته في مثل هذه الأيام عن موقفه من التسمية، كما سيتبين ادناه، وتلتها كلمة غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية في 28/3/2023 الموجهة لتهنئة الشعب الكلداني التي اختلفت في سياقها الفكري والخطابي عن الاولى. ولما أصبحت مملة ودون منفعة ونتيجة تُذكر كما قال بعض من المهتمين، الا ان المسالة جديرة بالاهتمام لمقارنة ما جاء في الكلمتين لصاحبي الغبطة والاحترام لاعتبارهما النموذج الذي يقتدي بهما الشعبين، وتبيان وجهة النظر عن الموضوع. بعد قراءة الكلمتين بتمعن، سيدرك القارئ تماماً هناك فرق كبير بينهما من حيث اللغة المستخدمة لما احتوت من مفردات وعبارات عند كل منهما، مما يتجلى الاختلاف في النمط الفكري الذي يحدد الغاية من الكلمة الموجهة.
فالبطريرك ساكو يوجه كلمته ببساطة ووضوح الى الشعب الكلداني دون ان يدخل بتفاصيل تاريخية تمجيديه معمقة ومُبالغ بها باتت معروفة للجميع، بل اكتفى بعبارة (أُهنئ قلبياً بنات وأبناء الشعب الكلداني العزيز باكيتو راس السنة البابلية الكلدانية الذي يوافق الأول من نيسان في كل عام) ولو كان من الاجدر ذكر العام الذي هو 7323. وقدم التهنئة للشعب الاشوري الذي يتزامن احتفالهم براس السنة الاشورية نفس اليوم، تهنئة تعبر عن روح المحبة واحترام الاخر باستقلالية ودون اثارة اية اختلافات في الموقف من التسمية. احترم الشعب الاشوري كشعب حي موجود كما هو الشعب الكلداني في الواقع، لا كما يرى الاخر. ولو كان من الممكن استبعاده لهذه التهنئة طالما لم يقدم البطريرك آوا الذي سبقه بكلمته التهنئة بنفس الروح والسياق الفكري، الا ان غبطته يدرك تماماً انه قائد واب روحي ينطلق من المحبة والاحترام للاخر كما اوصاه معلمه الأول يسوع المسيح.
حالا، عرج في كلمته ليربط تزامن المناسبة مع الأسبوع المقدس وعيد القيامة المجيدة، والتوجيه النفسي والروحي من حيث تجديد الانتماء والعزم في التضامن وترسيخ الاخلاق الحميدة والاخوة والعيش المشترك مع الاخرين في الوطن، مع تأكيده على ان الكنيسة الكلدانية اليوم تفتخر بجذورها القومية والتاريخية واللغوية والتراثية وعلى استقلاليتها لتقود مسؤوليتها دون التأثر بأية ضغوطات او اغراءات.
يدعو الشعب الكلداني والكنيسة الكلدانية الى الوحدة من اجل التشبث بأرض الإباء، كما يدعو التكاتف والتعاون بين الكلدان في بلدان الاغتراب لمناصرة اخوتهم الكلدان في الوطن الام. ولكي تكتمل مسؤوليته الروحية المسيحية، ينتهز هذه المناسبة ليدعو مسيحي العراق لتوحيد الصفوف وتضامنهم ورفع صوتهم عاليا وتوحيد القوى الكنسية والاجتماعية والفكرية والسياسية في هذه المرحلة المليئة بالتحديات. توجيه روحي أخوي دون التدخل بشؤونهم الكنسية او السياسية او القومية، بل ان تحافظ كل جماعة اثنية او دينية على خصوصيتها وهويتها. نلاحظ بوضوح عبارات توجيهية تخص أحوال الكلدان اليوم وكنيستهم ومسيحي العراق يطلقها بثقة عالية بالنفس.

بينما من متابعة لكلمة البطريرك (مار آوا) استنتجت، ان السياق الفكري المتأثر بالأمجاد التاريخية والقومية كما يتأثر السياسي هو الغالب في كلمته لما احتوت من عبارات وفقرات تخص الشأن القومي والسياسي والتمجيد والعظمة، لو أخفينا لقب غبطته ومسؤوليته المشار اليها في الكلمة، يوحي للقارئ تماماً ان كاتبها سياسي قومي مخضرم. في حين المفروض ان يربط المناسبة بالروحانيات والاكتفاء بتشخيص واقع الشعب الاشوري اليوم طالما انه رجل دين. وأكثر الأفكار بعداً عن الروحانيات هي اثارته لعدة مرات في الكلمة لعبارات تعكس التدخل بشؤون الكنائس والانتماءات الاثنية القومية للجماعات الأخرى، تلك الأفكار التي تعد افتراضات وهمية مؤدلجة (ملينا منها فعلا) ودُحضت تماماً من قبل المفكرين الكلدان والسريان ببراهين علمية ومنهجية ويكررها دون جدوى ومنفعة كما كان المرحوم سلفه البطريرك ماردنخا.
 ومن هذه العبارات التي تعكس السياق الفكري لغبطته: قوله: (الى أبناء وبنات كنيسة المشرق الاشورية، وجميع أبناء امتنا الاشورية)، واضح جدا من إضافة وجميع أبناء الامة الاشورية المقصود الكلدان والسريان.
(تاريخ يمتد الى سبعة الاف سنة في الوجود على الأرض) معلومة مستوحاة من الاساطير والخيال، لا يمكن تحديد تاريخ بدء وجود اية جماعة بشرية على الأرض بالضبط ولا أصولها العرقية ولا الجغرافية ولا تسميتها، وانما كل ما جاء به المؤرخون هي تخمينات وفرضيات لم تحسم لحد اليوم بدليل ما نتفاجأ باكتشافات اثارية جديدة بين حين وآخر تفند القديمة من خلال تطور وسائل التشخيص وتوفير فرص الاكتشافات والتنقيب حول العالم. علماً ان اول ظهور لحضارة مسماة بالآشورية لا تعدو سنة 1816 قبل الميلاد وثم سقطت على يد الكلدان والميديين عام 612 قبل الميلاد. (مصادر رقم 1، 2، 3 ادناه).
نسب كل المخترعات العلمية التي انجزها الكلدان بحسب تأكيد كل المصادر الى الحضارة الاشورية، وهذا خطأ كبير، ولكن لديه ليس ذلك لأنه يعد الكلدان وكل شعوب بلاد النهرين اشوريون!!
عبارة لا تُقر علمياً الا في الخيال في قوله: انهم نسل أولئك الاشوريين الذين بنوا الحضارة الأولى في الخليقة!! بينما اسم الحضارة الاشورية لم يُعرف تاريخياً الا العام المذكور أعلاه، اما إذا خلق الله في البدء اشوريين فقط، او تكوّن اول البشر واستقر بحسب النظرية التطورية هم اشوريون، فهذه مسالة أخرى، ولكن هل يمكن البرهان والتصديق؟ فذلك من نسج الخيال الإنساني. علما ان الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية الحديثة تؤكد قطعاً ان وجود عرق بشري نقي في يومنا هذا ضرب من الخيال والسراب، فكيف ارجع غبطته الشعب الاشوري المعاصر لهذا التاريخ العميق منذ خلق البشرية. (المصدر4).
يقول: (ظل تفكيرنا محصوراً في القرن السابع قبل الميلاد عندما سقطت نينوى على يد اعدائها سنة 612 ق م. أولا أوقع نفسه في تناقض كيف الكلدان الذين تضامنوا مع الميديين أسقطوا نينوي وفي فلسفته يعتبرهم اشوريين؟! اما عن عملية انحسار التفكير القومي في التاريخ المذكور، من يقول بان الانتماء والولاء كان عند الشعوب القديمة قومياً او وطنياً؟ كل المصادر تُشير ان الشعور القومي لم يكن قائماً، بل بحسب الدراسات الانثروبولوجية التي درست الشعوب البدائية المعاصرة التي تأخذ من الطوطم عاملا للشعور بوحدة الانتماء (مصدر 5)، تماما تلك الفكرة الانتمائية كانت سائدة عند الشعوب القديمة، أي كانت فكرة الانتماء الى الجماعة البشرية او القبيلة بعد استقرار البشر هي تجاه الاله والملك الذي يستمد قوته من الاله نفسه، فكل ما جرى في المجتمعات القديمة من الحروب والاحتفالات وكل العمليات الاجتماعية كانت من اجل الاله والملك وليس الشعب، فالشعب لم يندفع للقتال عندهم من اجل الوطن، بل لأجل الملك للغزو واقتناء الموارد والثروات من المجتمعات الخاسرة للحرب. وكانت تصد الهجمات والاعتداءات من الاقوام الأخرى لعامل الخوف من بطش وجبروت الملك وليس لشعورهم للانتماء القومي او الوطني، وهناك امثلة متعددة من حوليات الملوك الاشوريين أنفسهم كيف يصرحوا ان الاله امرهم بالغزو. (مصدر 6). كما لا نعثر على لقى اثرية ابدا تحتوي على نص مكتوب وفيه القيام بالعمليات العسكرية لأجل الوطن او الشعب ولا نعثر على شيء اسمه القومية.
فمفهوم القومية والأمة حديث جداً وان كان بعض المفكرين يعزون ظهوره الى القرن الثالث عشر في اوربا، انما معظمهم يؤكدون ان مفهوم الانتماء القومي ظهر في القرن التاسع عشر. وبعدها دخل الى منطقة الشرق الأوسط عن طريق الدولة العثمانية واستخدمه لأول مرة المفكرون العرب للنهوض القومي ضد العثمانيين، وأصبح معتاداً في المنطقة سياسياً اما علميا يعبر عنه بمفهوم الاثنية. (مصدر 7). وعليه ان فكرة استخدام مفهوم الشعور للامة او القومية للآشوريين او غيرهم منذ القدم ليست علمية، وان المسيحية ما أحيت شعب بلاد النهرين عندما انتشرت بينهم بالمفاهيم القومية، بل المسيحية وكنيسة المشرق كانت عابرة القومية وتحتوي العديد من الاقوام، وجعلت من المؤمنين ان ينبذوا تسمياتهم القديمة لارتباطها بالوثنية، وركزت على تعاليم سيدنا المسيح، وجاءت وعادت تلك التسميات من الكلدانية والاشورية والسريانية المعاصرة بعد الانقسامات الكنسية المذهبية، بدليل ان تسميتها كانت بأسماء مؤسسيها او تسميات جغرافية. وترسخت حديثاً هذه التسميات بفعل العامل السياسي.
(بالرغم ان القسم الأكبر منا يقبل بهذا الانقسام ...الخ) وهنا يقصد غبطته الكلدان، وبهذا الصدد أقول: ومن قال ان اتباع كنيسة المشرق كانوا اشوريين، وتغيرت تسمية من دخلوا الى الكثلكة بالكلدان؟ ولماذا لم يكن أولئك الاتباع هم الكلدان؟ فالعديد من الرحالة والمصادر يسمون (نساطرة الكلدان) او عند حديثهم عن قرية معينة في ذلك العهد يصفون سكانها (نساطرة كلدان) (مصدر 8 ). فهل هناك دليل قاطع انهم كانوا من الاشوريين؟ كل ما وجدت في المصادر الأجنبية التي اعتمدتها في مؤلفاتي لم اجد الا انهم أناس اختلطت دمائهم منذ القدم لتكالب أكثر من عشرين حضارة كبرى في بلاد النهرين واحدة تلوة الأخرى، ولعوامل متعددة انتشرت الشعوب على إثر الحروب والاسر والهجرة القسرية او الطوعية للنجاة بحياتهم وبحثاً عن الغذاء في كل الاتجاهات.(لمزيد من المعلومات عن عدد الأسرى الذين جاء بهم ملوك الاشوريين في حروبهم من الكلدان واقوام أخرى الى الأراضي المحيطة بالمدن الاشورية القديمة، يرجى مراجعة مصدر(9) وتفاصيل عن الحضارات والحروب وتغير الحضارات واندماجها في مصدر 10).
 ومن عباراته الالغائية المثيرة قول غبطته: (انه من الضروري ان يجتمع جميع طوائف امتنا بمختلف تسمياتهم بروح اخوية وبمحبة حقيقية غير منقسمة خصوصاً في ارض اجدادنا لأنه يجب ان نتحد كأبناء وبنات امة نينوية واحدة). ناقشت الفقرات أعلاه التي اكدت على دمج الاثنيات الثلاث، فلا اكرر ذلك هنا، لكن من المُثير والعجيب اعتبارهم نينويين كلهم ليتحدوا تحت هذه التسمية!  يبدو غبطته اعتمد على الفرضيات الوهمية التي يطلقها السياسيون من الاشوريين المعاصرين المتعصبين ان الذين يسكنون الان على ارض اشور هم اشوريون او ان مسيحيي ولاية حكاري التركية كانوا من نينوى. بالنسبة للفرضية الأولى وهمية لا أساس علمي لها وذلك اعتماداً على الحركة الديمغرافية للشعوب واستقرارهم على انقاض قرى اندثرت وهم غير القدامى، كما ان بلاد اشور احتوت شعوب متعددة قبل واثناء وجود الإمبراطورية الاشورية وبعد سقوطها، وفقاً لمدخل الانثروبولوجي لا يشتركون بصفات جسمية واحدة كل التجمعات البشرية الحالية التي تعيش في سهل نينوى، وبل في القرية الواحدة، فاني اعتبر مثلا قسم كبير من أهالي القوش وبيقوفا وبطنايا انثروبولوجيا لا كلدان ولا سريان ولا اشوريين وهكذا العديد من البلدات المسيحية الحالية الاشورية والسريانية، وغيرها من الأديان الأخرى. واما عن مسيحي حكاري قد اثبتت الدراسات الاثنوكرافية للرحالة في رحلاتهم المكثفة للمنطقة عدم الاتفاق على الأصول الجغرافية والاثنية لتلك العشائر النسطورية التي عاشت فيها، وبل اكدت على الاختلاف الانثروبولوجي بين أبناء العشائر جسمياً، وحتى فكرياً وتقاليد المعيشة، والازياء ولم يعرفوا شيئاً عن الاشورية، هكذا يؤكدها (كورش يعقوب في مؤلفه تاريخ الاشوريين من اورمي الذي عاصر تلك الفترة وكيف ان بعض الأشخاص روجوا الفكرة بين سكان المنطقة واستغربوا لها في بادئ الامر. (مصدر رقم 11، ويمكن مراجعة مصدر ميشيل شفاليه عن التفاصيل في دراسة سكان حكاري معتمدا على زيارته ودراسات العشرات من الرحالة وحلل آرائهم) فضلا ان العلامة الشهير (هنري لايارد مكتشف بقايا نينوى يؤكد عند زيارته مع فريقه الى قوجانس قدم البطريرك النسطوري مار شمعون نفسه عندما التقوا معه بلقب (بطريرك الكلدان المشرقيين). (مصدر 12). لو قالها غبطته اننا أبناء وبنات بلاد النهرين لكانت أجمل وأكثر موضوعية، لأننا فعلا ثلاث قوميات معاصرة تمتد جذورنا الى بلاد النهرين لان ببساطة لا يشترط في دولة واحدة او امبراطورية واحدة ان تعيش قومية واحدة وهذا ما تؤكده المصادر عن بلاد النهرين.
وقوله: (لسنا ثلاث أمم مختلفة بل امة واحدة ولنا جذور واحدة وميراث مشترك)، بصدد امة واحدة لا اكرر تنطبق التحليلات السابقة على الفقرة، واما مسالة الجذور فلا أحد يمكن ان يحسمها دموياً واجتماعياً وفكرياً، فهناك اختلافات، ولو ان تلك الأمم الثلاث وحدتهم المسيحية في الايمان واللغة التي فرضتها الكنيسة عليهم، ولكن من جوانب متعددة من حياتهم مختلفة فكريا ودموياً وبيولوجيا وشعورياً ليس بينها بل أيضا بين افراد الاثنية الواحدة. فضلا انها ليست مشتركة في التقاليد والقيم مع بعضها بل مشتركة أيضا مع اثنيات أخرى من العرب والكورد والترك والفرس بحكم الاحتكاك وانتقال العناصر الحضارية الثقافية.

غبطة البطريرك مار آوا الموقر:
كباحث اجتماعي نفسي ارى
مناشدتك ليكون القادة الروحانيين والكنسيين مثالاً صالحاً وجميلا من اجل الوحدة والمحبة الأخوية والتقارب، مع تقديري واحترامي لكم لا تجدي نفعاً ولا جدوى منها طالما ان ما تحمله من أفكار وفلسفة عن هذا الموضوع الذي غبطتكم بصدده كما وردت في كلمتكم. لماذا؟
قبل فترة لا تعدو شهرين اختزلتم ومع بطاركة اجلاء آخرون تراث الاثنيات الثلاث تحت تسمية سريانية، وكل بطريرك منكم ينتهز الفرص لتقديم طلب تثبيت تسمية معينه رسمياً، وفي كلمتكم الحالية التي بينت الفرق الكبير بينها وبين كلمة الكاردينال ساكو الموقر في الأفكار والمواقف والرؤى، فكيف تتوحدون ياترى؟
الوحدة ليست بالاندماج والانصهار في فئة معينة على حساب الفئات الأخرى وخصوصياتها وهويتها التاريخية، بل هي وحدة الموقف والكلمة والتعاون واحترام الاخر ورص الصفوف للتخطيط لصالح الاثنيات الثلاث مجتمعة والمطالبة بحقوقهم.
ان القومية او الشعور بالانتماء اليها او الى الامة ليست بضاعة تُباع او تُشترى، او تفرض بقانون رسمي او بالقوة او التأثير العاطفي المؤدلج، بل هي ظاهرة ترتبط بالمكنونات النفسية العميقة للفرد التي تدفعه للشعور بالانتماء الى قومية ما ويعتز ويفتخر بهذا الانتماء ليكون موحداً مع جماعته بعقلها الجمعي الموحد، ولا يمكنه ان يتنصل منها لانها حاجة (بايونفسية اجتماعية مركبة) تكونت وفقاً لغريزة اثبات الذات والميل النفسي متأثرة بالتنشئة الاجتماعية الاسرية مثلما تكونت لديكم وتراكمت عبر التمركز السلالي، وعليه تؤكد النظريات الاجتماعية الحديثة لا جدوى من كل المقومات والعناصر المشتركة بين مجموعة بشرية معينة ما لم يقترنها دافع الشعور بالانتماء. وقد يقول البعض وماذا عن الكلدان او السريان الذين يشعرون انهم اشوريين او بدأت مشاعل الشعور القومي عند الاشوريين على يد نخبة من السريان في تركيا؟ نعم هناك من هذا القبيل وهذه حالات شاذة ترجع مشاعرهم الى تحقيق منافع شخصية وبالأخص عند السياسيين منهم، او لحالات التأثر العاطفي عن طريق الاحتكاك، او لفقدان إمكانية اثبات الذات عند جماعته فيرى نفسه ومكانته الاجتماعية وتعكسها كالمرآة عندما ينتمي الى جماعة أخرى، وهناك عامل اللادري، او الجهل بأهمية دافع الانتماء لأنه في حالة الكمون عندهم، فهؤلاء لا يمكن قياس انتماء جماعة متكونة مثلا من مليون نسمة الى ما هم يشعرون.
ان الكلدان، ولأني كلداني اتحدث عن جماعتي القومية، لهم مشاعرهم القومية الانتمائية الكلدانية، وخطأ الذي يعتقد ان الكلدان ليست لهم مشاعر قومية كلدانية، فهم لا يميزون بين الشعور والوعي الذي  يزداد ويترسخ عند الجميع ويزداد ترسيخاً كلما يسمعون ويقراون عن هكذا مواقف من إخوانهم الاشوريين، فضلا عن اختلاف شخصية الكلداني عن الاشوري المتعصب اذ اكثر قبولا بالواقع وادراكا له فلا تسبح في سراب الامجاد وإعادة الامبراطوريات بل يتكيفوا مع واقعهم أينما وجدوا في تكامل اجتماعي مع الاخرين سواء في الوطن الام او في الاغتراب وفقاً للاحترام المتبادل والمحبة والتعاون ويشاركون في تنمية المجتمع بكل ابعاده مع الاحتفاظ بمشاعرهم واعتزازهم وافتخارهم للانتماء الكلداني، فاليوم للكلدان علمهم الذي يميزهم في احتفالاتهم ونشيدهم القومي واغانيهم القومية، ولغتهم وافكارهم المشتركة، وكنيستهم وسياسييهم، وفعالياتهم الاجتماعية حيثما يعيشون، لهم مشاعرهم الانتمائية المشتركة لتقودهم الى التعاون ومساندة بعضهم عند الحاجة ولهم مؤسساتهم ومراكزهم الثقافية والاعلامية واتحاد الادباء والكتاب ورابطتهم واحزابهم ومناسباتهم القومية ومؤتمراتهم القومية العالمية وندواتهم، وبلداتهم وقراهم كلها تحمل تسميتهم القومية، ولهم مفكريهم فهم يعرفون بانتمائهم وتاريخهم وقوميتهم، وليسوا بحاجة الى مواعظ  الاخرين لتعريفهم بقوميتهم التي لا تنفع ولا جدوى منها سواء من الروحانيين او من السياسيين.
اناشدكم غبطة البطريرك مار آوا الموقر، ان تكون رمزا لترسيخ سياق فكري لدى الاخوة الاشوريين ينصب في التفاعل الإيجابي واحترام الاخر في انتمائه والتعاون وتوحيد الكلمة والموقف امام التحديات التي تواجهها الاثنيات القومية الثلاث في الوطن وضع يد على يد دون المساس بمشاعر الاخرين وخصوصيات ثقافتهم وتفكيرهم، فأرجو ان تكون غبطتكم رمزاً لنبذ التعصب القومي الاشوري الالغائي المبني على الأوهام وعلى ما كتبه المؤدلجون السياسيون والمنتفعون، بل الرجاء مراجعة ما كُتب من قبل الاكاديميين المستقلين واخص بالذكر الأجانب الذين لا ناقة لهم بالاثنيات الثلاث، بل همهم هو العلم وتطوير المعرفة وكشف الحقائق. والابتعاد عن التزوير الذي تفشي عند بعض الكتاب الاشوريين والسياسيين المتعصبين للحقائق التاريخية وقد لاحظت شخصيا الكثير منها لا مجال هنا لذكرها، فالمفكرون الكلدان منتبهون لكل ما يحدث وهم يرصدون ذلك ويكشفونه.
مع بالغ تقديري لصاحبي الغبطة الكاردينال مار لويس ساكو ومار آوا روئيل الموقران، فاملي ان يلتقيا على روح المحبة المسيحية والتضامن في سياق فكري موحد يحترم خصوصيات الاثنيات القومية.

https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1043054.0

https://chaldeanpatriarchate.com/2023/03/28/10099/



8
                                          الاختزال الثقافي
                                  في ضوء بيان بطاركة الكنائس الشرقية

  د. عبدالله مرقس رابي

  اختتم مجموعة من بطاركة الكنائس الشرقية اجتماعهم المنعقد في لبنان / العطشانة في 16/12/2022 ببيان تحت عنوان (البيان الختامي الصادر عن اللقاء الأول لبطاركة الكنائس ذات التراث السرياني في المقر البطريركي للسريان الأرثوذكس) بدعوة من بطريرك انطاكية وسائر المشرق للسريان الارثوذكس). بيان اثار ردود أفعال متباينة من اتباع الكنائس المذكورة فيه. لا اعتقد هناك من يعترض لوحدة الكنائس عقائدياً، فالكل يتمنون وينتظرون ذلك اليوم، لكن دون المساس بالخصوصيات غير العقائدية للكنائس الموحدة. وقد ينتاب الفرد لسماعه عن هكذا اجتماع للكنائس المذكورة مع بعضهم قبول نفسي بالفرح والارتياح والانشراح لانفتاحهم على بعضهم والجلوس على طاولة واحدة لمناقشة أوضاعهم، بالرغم من المواقف التاريخية السلبية تجاه بعضهم، عقائدياً واثنياً.
كوني كباحث اجتماعي نفسي من المتابعين لأحوال الاثنيات الثلاث الكلدان والسريان والاشوريين وكنائسهم لفترة طويلة، اثار اهتمامي محتوى البيان المذكور، وعليه أرى بعد قراءته هناك اختزال لثقافة اثنيات متعددة في ثقافة واحدة على إثر استخدام غير الواضح والمربك للمفاهيم وعدم التمييز بينها، إضافة لمسألة التعميم وعدم احترام الخصوصيات الثقافية لاتباع بعض الكنائس، والتناقضات بين الواقع وما جاء في البيان.
من المشكلات الأساسية التي يتعرض لها غير الاختصاصيين في كتاباتهم او منشوراتهم الخطابية ونقاشاتهم هي عدم التمييز بين المصطلحات، فهي تعد المفتاح الذي يساعد المتابع في فهم وإدراك ما الذي يقصده الباحث او المناقش او الكاتب من تداوله للمصطلحات الواردة، وطالما ان عملية تحديد المفاهيم هي معقدة في العلوم الاجتماعية لأنها تتعامل مع المجردة منها، وعليه لابد تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بمحتوى البيان قبل التحليل، وهي استنتاج من المفاهيم التي وردت في نظريات ودراسات متعددة واهمها:
  الثقافة او الحضارة: غالباً ما يُستخدم المصطلحان مرادفان لبعضهما، وقد تُرجمت كلمة culture اللاتينية عند بعض المفكرين العرب بمعنى الحضارة، وعند الآخرين بمعنى الثقافة، وذلك تأثراً بالكتابات الغربية والجامعات التي تلقوا دراساتهم فيها. والمعنى اللغوي للمفهوم هو، حرث الارض وزراعتها، فأستخدمت مجازا في العلوم الانسانية والاجتماعية بمعنى تثقيف العقل وتنميته.
اختصر مفهوم الحضارة بما جاء به الانثروبولوجي البريطاني ( ادورد تايلور ) سنة 1871 في كتابه الموسوم (الحضارة البدائية) حيث يُعتبر الاكثر شمولية ولا يزال المرجع الاساسي  لعلماء الاجتماع والانثروبولوجيين، حيث يعرفها:
(ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والاخلاق والقوانين والعادات والقيم والتقاليد واللغة والقدرات التي يكتسبها الفرد باعتباره عضوا في المجتمع، وتشمل النتاجات المادية من حيث وسائل الانتاج بانواعها والفنون والكتابة، واللاماديات المجردة، فهي نمط للحياة وطريقة العيش خاصة بمجتمع معين). وكلا النمطين من العناصر تتغيرا زمانياً ومكانياً في المجتمعات البشرية بحسب التفسير الاجتماعي.
وهناك من يستعمل مصطلح (الحضارة) مرادفاً لمصطلح المدنية (Civilization) لتشمل الجوانب المادية من حضارة المجتمع، بينما يتم وضع العناصر المجردة او اللامادية منها تحت مصطلح الثقافة، وعليه تُعرف الثقافة في هذه الحالة: مجموعة القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية والدينية والأفكار واللغة والمواقف التي يكتسبها الفرد منذ الولادة وتؤثر فيه وتتحول الى اللاشعور، وتصقل شخصيته ليتوافق سلوكه ومواقفه مع أسلوب الحياة او طريقة الحياة في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهي جزء مهم واساسي من عناصر الحضارة التي تمثل الشق المعنوي. واعتقد وهو المقصود به من مصطلح الثقافة الذي ورد في البيان واُختزلت بالثقافة السريانية.
 ومما هو جدير بالذكر ان مصطلح التراث، كمصطلح عام لا تختلف عناصره عن الثقافة او الحضارة بمفهومها العام، وفقاً للدراسات فهي متطابقة، فالتراث هو ما يبتكره المجتمع من العناصر الحضارية بشقيها المادي والمعنوي اللامادي ويعتز بها وتتغير وفقاً للمستجدات من جيل لآخر. اذ يقول عالم الاجتماع الأمريكي (وليم اوكبرن) (الفكر الذي يستطيع إدراك الواقع الاجتماعي والمستجدات، لا يستوعب ظاهرة البقاء على التراث الذي لا ينسجم مع متطلبات الحياة). وفيما يأتي تحليل لفقرات البيان:
اتجنب تحليل ما يتعلق بالروحانيات التي تم الإشارة اليها في الفقرة الأولى من البيان لأنها لا تخص اختصاصي المعرفي، بالرغم من قيامي بإجراء عدة مقابلات فردية هاتفية مع عدد من الشمامسة والكهنة للاستفسار عما إذا كانت الطقوس او الليتورجيا واحدة في الكنائس المجتمعة، جاء الجواب منهم: مراحل القداس متقاربة عند كل الكنائس وليست عند الكنائس المذكورة فقط، وهناك اختلاف في تفاصيل الطقوس وبالأخص بين الكنيسة السريانية بشقيها والكلدانية والاشورية من جهة اخرى. الذي يهمني هو تأكيد البيان على استخدامه عبارات اثارت اهتمامي واهتمام القراء والمتابعين وهي:
 (تعتزّ كنائسنا بتراثها السرياني العريق الذي يجمعها ويشكّل إرثاً تاريخياً مقدّساً غنياً ينبع من وحدتنا التاريخية ولغتنا السريانية الواحدة وطقوسنا الكنسية والليتورجيا المشتركة) (وسعياً لنشر التراث السرياني) (الحضور السرياني في الشرق الأوسط) (الحضور السرياني في بلاد الانتشار) بالطبع المقصود كشعب وليس لغة او طقس ديني، (اننا شعب واحد بتراثه السرياني) (سعياً لنشر التراث السرياني) (تشجيع تعليم اللغة السريانية) (اعادة احياء مؤتمرات التراث السرياني في الشرق الأوسط) ( إقامة ندوات ولقاءات ونشاطات تهدف نشر الوعي بين أبناء كنائسنا في بلاد الشرق وعالم الانتشار عن الهوية السريانية) (مباركة جهود المؤسسات التي سعت وتسعى لدراسة الإرث السرياني المشترك)، واثنوا بشكل خاص على المؤتمر السرياني العالمي ومؤسساتهم دون شمول المؤتمرات الاشورية والكلدانية ومؤسساتهم التي تسعى لإحياء تراثهم.
هنا تصريح واضح على اختزال تسمية التراث لاتباع الكنائس المجتمعة بالسرياني، نعم اللغة التي استخدمت في الطقوس الكنسية المجتمعة هي الآرامية او السريانية فيما بعد، ولكن السؤال هل الآرامية كانت لغة الكلدان والاشوريين والمارونيين؟ تشير المصادر المقننة الاكاديمية وليس تلك المؤلفة من قبل رجال الدين في الطوائف المذكورة ولا السياسيين ولا المتطفلين من الاختصاصات الأخرى، ان اللغة التي ظهرت منذ ألاف السنين واستخدمتها شعوب بلاد النهرين هي الاكدية بعد السومرية وبكتابة مسمارية واستخدمها سكان بلاد بابل وغالبيتهم العظمى من الكلدان في منطقة السهل الجنوبي وضفاف خليج الكلدي (العربي حاليا)، علماً بعض الباحثين يعتبرونها اللغة الكلدانية، كما استخدمها الاشوريون في المنطقة الشمالية منها بلهجة مختلفة. كما هو معروف تاريخياً ان موطن الاراميين هي البلاد المعروفة الان (سوريا).
 وفقاً لأسس نظرية الاقتباس الحضاري الثقافي بدأت تتوغل الآرامية الى بلاد النهرين واُستخدمت احرفها للتعامل الرسمي، وليس للتداول اليومي، ورسخت الكنيسة تداولها في كنيسة المشرق منذ البدء وذلك لأنها كانت لغة الرسل وتلاميذهم الذين بشروا بالمسيحية، والقادمين من سوريا الكبرى، فأصبحت بمثابة لغة مقدسة عندهم. فإذن هي لغة مفروضة على الكلدان والاشوريين والعرب والفرس والهنود والافغان والأتراك وغيرهم من اتباع كنيسة المشرق تاريخياً لأداء طقوسهم الدينية منذ دخولهم بالمسيحية، تماماً مثلها كاللغة اللاتينية التي فرضتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على كنائس الشعوب الاوربية، وثم تخلصت منها في منتصف القرن الماضي. اما لغة الاثنيات الثلاث المعاصرة في بلاد النهرين (العراق حاليا) فهي تلك اللغة الناجمة من التلاقح بين اللغة الاصلية لهم الاكدية وتلك التي ظهرت مع قيام الحضارات المختلفة لسكانها الأصليين والغرباء الى يومنا هذا، وتشكلت اللغتان الكلدانية والاشورية المعاصرتين وفقاً لأسس علمي اجتماع اللغة واللغة الاجتماعي وتطور اللهجات وحيوية اللغة، اذ تتسع الفجوة بين اللهجات زمنياً الى ان تصبح لغة مستقلة غير مفهومة بكل مفرداتها الا لأهلها.
اذن لغتنا ليست السريانية المتداولة في الكنائس لأداء الطقوس، بدليل واضح جداً هو عدم إدراك المؤمنين لها الا بعد ترجمتها الى اللغتين الكلدانية والاشورية المعاصرتين او الى العربية التي بدأ اجدادنا بترجمتها منذ أواخر القرن التاسع عشر الى لغتنا الحالية. وان كانت لغة أداء الطقوس واحدة، لكن لا يعني ذلك اننا سريان وتراثنا وثقافتنا سريانية، فعليهم عدم خلط المفاهيم، ويجب التمييز بين اللغة والاثنية وبالأخص العرق، ليس كل من مارسوا الطقس السرياني في كنائسهم هم بالضرورة سريان، فالهنود الحاليين المنضمين للكنيسة السريانية هم هنود عرقاً  وثقافة والعرب سابقاً وحاليا في الكنيسة الارثوذكسية وفي كنيسة المشرق المسماة أحيانا النسطورية كانوا عرباً، بينما ثقافة وعرقاً هم عرب، مثلما ليس كل من يمارس الطقس اللاتيني حالياً في أمريكا الجنوبية واسيا وفي البلدان الكاثوليكية في اوربا هم لاتين، او لكونهم اتباع لكنيسة الرومان الكاثوليكية هم من الرومان او ايطاليين مثلا، علما ان الاسبان والايطاليين والفرنسيين وغيرهم هم من جذور واحدة، ولكن اليوم لكل منهم لغتهم وانتمائهم الاثني القومي.
 ترتبط اللغة في الثقافة ارتباطاً وثيقاً وفي علاقة متبادلة، اذ يعتبر (سابير) في نظريته عن اللغة والثقافة (ان الثقافة مجموعة معانٍ في التفاعلات الفردية، فهي اساساً نسق اتصال ومن خصائص اللغة نقل الثقافة، وهي ذاتها مطبوعة فيها) ويقول (ليفي ستراوس: ان علاقة اللغة بالثقافة من اعقد المشاكل، فاللغة هي نتاج الثقافة، واللغة المستخدمة في مجتمع ما تعكس ثقافته الافراد، واللغة في نفس الوقت شرط لوجود الثقافة). وعند تطبيق النظرية على إشكالية اللغة السريانية عندنا، نرى طالما لا يتحدث  كل من الكلدان والاشوريين ومعظم السريان بها، وانها محصورة في الكنائس لأداء الطقوس لأسباب ذكرتها أعلاه، ونفس اللغة المستخدمة لا يفهما العامة من الناس الا بعد ترجمتها، فإذن من المنطق القول ليست لغتنا، بل لغتنا هي التي نتحدث بها في التواصل الاجتماعي وبدورها تنقل عناصر الثقافة لكل اثنية من حيث الأفكار، أي بعبارة أخرى ان اللغة السريانية المستخدمة في الكنيسة لا تؤدي وظيفتها في نقل ثقافتنا المعاصرة بتاتاً وحتى لا تؤدي وظيفتها في نقل وعكس العلاقة بين المؤمن والله في صلواته لأنه يرددها أي الصلاة دون ان يعرف المعنى، عكس ذلك لو تم أداء الصلوات باللغة الكلدانية او الاشورية المعاصرتين وبالعربية للمتحدثين بها لأدت وظيفتها في فهم وادراك الصلاة. (ارجو عدم الفهم إني أشجع التعريب وما شابه، بل أداء الطقوس والصلوات والأنشطة الكنسية الروحانية الأخرى بلغتنا المحكية بعد الترجمة). ومن جهة أخرى تلك اللغة لا تعكس ثقافتنا وذاتنا للآخر المشاهد لعدم استخدامها في الحياة اليومية. فاللغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية هي التي تعكس هويتنا وثقافتنا للآخر المختلف. مثلما تماماً تعكس العربية ثقافة المارونيين اليوم.
الثقافة هي في حالة  ديناميكية، ولا ثقافة بشرية في الحالة الاستاتيكيية تاريخياً، الا تلك المعزولة تماماً عن المجموعات البشرية الأخرى، فهي في حالة تغير دائمة وفق المعطيات الدراسية العلمية، فإذن في ضوء العلاقة المذكورة أعلاه بين اللغة والثقافة في ترابطهما، اللغة هي الأخرى كعنصر من عناصر الثقافة تتغير تاريخياً، ولهذا فان جمود وبقاء اللغة السريانية محصورة تحت قباب الكنائس و تدريسها في الأقسام العلمية في الجامعات فقط دون استخدامها في التفاعلات الاجتماعية والتنشئة الاسرية للأبناء فقدت وظيفتها في الثقافة ولا تعكس ثقافتنا. فلا توجد ممارسة او تواصل اجتماعي فني مثل الأغاني، وكتابات ونقاش وندوات ومؤتمرات وحديث عائلي وتنشئة اسرية للأطفال ولا في الاعلام يتم استخدام السريانية القديمة. والنتيجة في رأيي من الخطأ حصر ثقافتنا باللغة السريانية المحصورة في الكنيسة.
يقول بعض المهتمين: هناك اقسام علمية تدرّس اللغة السريانية في الجامعات وبعضها تحت مسمى الآرامية، طيب وما علاقة ذلك بثقافتنا؟ هل هي اللغة التي نتحدث بها في حياتنا اليومية؟ لو قارنا انفسنا مع الإنكليز او الاكراد او العرب او غيرهم، بالطبع هناك فرق فهم يتحدثون نفس اللغة الرسمية والاكاديمية وان كان هناك بعض المفردات القليلة لا يستعملونها، عكسنا تماماً لا نستعمل الا القليل من المفردات اللغوية للغة السريانية التي تدرس في الجامعات، فتدريسها اكاديمياً لا اظن لأنها مهمة لكونها لا تزال تؤدي وظيفتها الثقافية، بل مهمتها لتأدية وظيفتها في دراسة التاريخ والمخطوطات واللقى الاثرية المكتوبة عليها حالها حال اللغات التي انقرضت او على وشك الانقراض، وكان لها دوراً ثقافياً في مكان وزمان معينين. وفي هذا الصدد لماذا لا يتم تطوير لغتنا المحكية ولكل اثنية في صياغتها وصرفها وبنائها وتُدرس بدلاً عن السريانية القديمة التي لا تفي بالغرض في المعاهد الدينية وفي مدارس التعليم في الكنائس؟ وهذا يتطلب ايضاً عدم حصر تسمية ثقافة المسيحيين في العراق رسمياً بمديرية الثقافة السريانية، بل يتطلب استحداث مديريات التعليم الكلداني والاشوري ومديريات الثقافة الكلدانية والاشورية. لا توصف مشاعري بالارتياح عندما اقرأ كتاب المدائح المنسوب (لداويذ كورا) المؤلف بلغتنا الكلدانية المحكية، وكم انشرح عند سماع قداس عن أحد كهنة ابرشية مارتوما في مشيكن بلغتنا المحكية. واعتقد هكذا هو شعور أي كلداني او اشوري وسرياني اليوم.
 ومن المسائل التي اثارت انتباهي هي: مشاركة الكنيسة المارونية في الاجتماع، فقط شاركت حسب ما وصلني لمشاركتها نوعاً ما في طقسها مع الكنيسة السريانية الانطاكية. غريبة جداً هل لو فرضنا جدلاـ ان المارونيين سريان سيعيدون اللغة السريانية بدلا العربية التي اقحمت كل تفاصيل حياتهم وتعكس هويتهم الثقافية التي تختلف عن سائر الاثنيات القومية في الشرق الأوسط المسيحية؟ كانت معلوماتي عن الموارنة واصولهم الثقافية والمذهبية سطحية لانهم ليسوا موضع اهتمام عندي، ولكن دفعتني مشاركتهم في الاجتماع المذكور الى دراسة مستفيضة هذه الأيام عنهم، وتبين لي باختصار حالهم حال كل الاثنيات التاريخية في الشرق الأوسط  من حيث التباين في أصولها المذهبي والاثني، وكل ما كُتب عنهم أيضا هو من قبل رجال الدين غير المختصين والسياسيين المؤدلجين وكل منهم يكتب بحسب اهوائه ومواقفه المذهبية، وان كان تشكيل هذه الطائفة الدينية جاء اصلها من احد الرهبان السريان (مارون) ولم اعثر على اسمه الكامل، وكما هناك تباين في الآراء وعدم الاتفاق على سنة وجوده ومكان ديره بالضبط، بل يُعتقد في نواحي حلب السورية، والتباين في الظروف التي أدت الى نشوء الطائفة، كما قرات وجود عدة رهبان باسم مارون وبل احدهم أشار وجود راهب باسم مارون نسطوري في سوريا الداخلية اشتهر في القرون الأولى، وكل ما هو متداول تاريخياً ان تلاميذ هذا الراهب لأسباب الصراعات العقائدية في انطاكية السورية توجهوا الى جبال الارز في لبنان ونشروا عقائدهم هناك بين القاطنين في المنطقة وتكونت الطائفة. بالطبع يؤكدون ان الطقس الكنسي لهؤلاء الرهبان كان على الطقس السرياني، طيب لو سلمنا بصحة الطقس، ولكن ماذا عن الاثنية القومية لمن اتبعوا تعاليم أولئك الرهبان يا ترى؟ المعروف تاريخياً ان جبل الارز وسواحل البحر المتوسط الشرقية سكنها الكنعانيون الذين سموهم الاغريق بالفينيقيين، أ ليس هؤلاء الموارنة جزءٌ من سليلي هؤلاء الفينيقيين؟ بالتأكيد، الا في حالة مرافقة مجموعة كبيرة من السريان لتلاميذ الراهب مارون الى جبل الأرز، وهذا لم يتم ذكره تاريخياً. ولا يعني ان من يمارس الطقس السرياني فهو سرياني الأصل او الاثنية، فهناك حالياً الهنود الذين يمارسونه في الهند ومارسه العرب في القرون الأولى قبل دخولهم الإسلام كما ذكرت اعلاه. فاعتقد لو يبقى المارونيون على ثقافتهم العربية الحالية أفضل لهم من دوخة الراس.   
وفقا لما قدمت في رايي، ان اجتماع البطاركة سوف لا يحقق مستقبلاً ما يسعون اليه طالما هكذا كانت اللغة الخطابية لبيانهم الختامي من جهة، ومن جهة أخرى، قد يكون هناك اهداف معينة مبطنة مكبوتة في العقل الباطني لكنيستي المشرق الاشورية والسريانية لتحقيق الذات والوجود من خلال وجودهم جنباً الى جنب مع الكنيسة المارونية والكنيسة الكلدانية اللتان هما اكثر كنائس الشرق الأوسط وجوداً ونشاطاً وتأثيرا في الساحة السياسية والاجتماعية محلياً في بلدانها واقليمياً في الشرق الأوسط وعالمياً، او توقعاً من رئاسة الكنيسة السريانية الارثوذكسية والكاثوليكية بإمكانهم اقناع اتباع الكنائس الأخرى بما جاء في البيان كأهداف استراتيجية واعتبار كل الطوائف المسيحية بحسب فلسفتهم في الشرق الأوسط سريانية الأصل. او اعتقاد من رئاسة الكنيسة المشرقية الاشورية انه من خلال هذا التجمع وهذه الالية يمكن كسب اتباع الكنائس الأخرى عدداً وقومياً لاعتبار في فلسفتهم اكليروساً وشعبا ان كل الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط هم اشوريون ولغتهم سريانية. والا لماذا هذه المشاركة من رئاسة الكنيسة الاشورية بالرغم من تأكيداتها اننا كلنا اشوريون وهذا ما جاء في خطابات المرحوم البطريرك مار دنخا وهكذا اكدها ثلاث مرات في كلمته البطريك مار آوا مؤخراً في تهنئة العيد حينما يقول (كل أبناء كنيستنا وامتنا جميعاً) فمن هم جميعاً بالطبع يقصد الكلدان والسريان والا اكتفى بأبناء كنيستنا! وكان من الأولى على الكنيسة السريانية الارثوذكسية، أولا الغاء هرطقة اتباع كنيستي الاشورية وكنيسة المشرق القديمة لترسيخ حسن النية، وهل تتمكن الكنيسة المذكورة ان تتخلى من الانضمام والمشاركة في موقف مجموعة الكنائس الارثوذكسية وبالأخص القبطية تجاه كنيستي المشرق في هرطقتهما التي تكونت لأسباب سياسية وصراعات وتهديدات ومغالطات لغوية منذ أكثر من 1500 سنة؟ سؤال اضعه امام رئاسة الكنيسة السريانية الارثوذكسية. 
 ختاماً:
أرى ان رؤساء الطوائف المسيحية المجتمعة ومعهم السياسيين وبعض الكتاب من كل الاثنيات يتخبطون كثيراً في مسالة الأصول الاثنية لاتباع الكنائس وتراثهم وثقافتهم دون جدوى، وذلك باعتقادي، تاريخياً، كل اثنية من الاشوريين والكلدان والسريان المعاصرين اخذت مكانتها الانتمائية الاثنية والثقافية ولا اعتقد سوف تزحزح اية محاولة من المشاعر الانتمائية القومية لأفرادها، هكذا ترسخت، وكل ما يكون هناك محاولات من هذا القبيل تُثار عملية الترسيخ أكثر فأكثر، فلا جدوى منها.
بالنسبة الى الاشوريين محسومة سياسياً قناعتهم لانتمائهم الاثني الاشوري، وذلك يتجلى خلال مؤتمراتهم وانشطتهم القومية والسياسية، سواء عند الروحانيين او عامة الشعب وحققوا وعياً قومياً عميقاً. وهكذا حُسمت العملية عند الكلدان، انهم كلدان اثنيا وقومياً تجلى ذلك من خلال مؤتمراتهم العالمية التي جمعت الاكاديميين والسياسيين ووضعت أسس تحفيز الوعي القومي تحت رايتهم (العلم) المتفق عليها في مؤتمر ساندييكو وجٌدد الاتفاق في مؤتمر ديترويت ولهم مؤسساتهم الكلدانية، كما ان الرئاسة الدينية وكما هو معروف عن مساعي البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو في تأكيداته الرسمية في العراق على ادراج التسمية الكلدانية مستقلة في الدستور الكوردستاني والمركزي في بغداد، وتشجيعه على ترسيخ الانتماء للهوية الكلدانية عبر مؤسساتها الاجتماعية والثقافية، وقبله المرحوم البطريرك عمانوئيل دلي، وهكذا يناشدون اغلب اعضاء الاكليروس من الأساقفة والكهنة الكلدان، نعم هي محسومة من قبل الكلدان ولهذا بحسب تحليلي ومتابعتي عدم مشاركة الكنيسة الكلدانية برئاستها قد يكون لقناعتهم قد حسموا موضوع التراث وينطلقون دائماً من لغة احترام خصوصيات الاخر والتعاون والتعاضد والتماسك، ولكي لا تقع في التناقض كما وقع رؤساء الكنائس المجتمعة فيه. وهذا أيضا ينطبق على السريان شعباً واكليروساً، فلهم مؤسساتهم السريانية الثقافية ومؤتمراتهم وتأكيداتهم على الهوية السريانية، ومطالبتهم الأخيرة في ادراج اسمهم الى جانب الكلدان والاشوريين. ولكل من الاثنيات لها مفكريها من الأكاديميين وغيرهم يبحثون في الموضوع قد تكون متفقة او مختلفة في نتائجهم.   
فالعملية تقولبت وتمركزت في اذهان الافراد ولا يمكن تفكيكها في رأيي، وعليه ادعو الى انهاء التشاور والنقاش في هذه المسالة واثارتها. ان سمينا كلنا اشوريين او كلدان او سريان ماذا ستكون النتيجة وما الذي نحققه؟ القوة كما ظن الاخرين، لا ابداً كلنا لا نساوي نقطة في بحر بالنسبة للآخرين في الشرق الأوسط، هل يمكننا ان نحقق حقوقنا الاجتماعية والسياسية في ظل سياسات تتبنى في دساتيرها الشريعة وتحكمها أحزاب دينية متنفذة؟ لا اعتقد طالما يكون هناك غياب القانون وغياب المفاهيم الوطنية، وهل سوف تقف هجرة أبناء الاثنيات الثلاث لو تسموا بتسمية واحدة؟ كلا لان للهجرة عوامل متعددة منها تكون خارج إرادة الانسان.
فإذن، لتكن محاولات الاثنيات الثلاث قومياً توحيد خطابهم والعمل المشترك واتخاذ المواقف السياسية المشتركة، ودينيا تسعى المذاهب الى احترام خصوصية بعضها البعض الاثنية والعقائدية، وحتى لو توحدت عقائدياً لتبقى على خصوصيتها الاثنية لكي لا تتفاقم المشكلة. فمسالة الانتماء الاثني والعقائدي معقدة جداً ومتشابكة ولها عواملها الحضارية والتاريخية والنفسية والاجتماعية المتداخلة والمترابطة لا يمكن حلها كما يسعى اليها البعض، ليحترموا انتماء بعضهم البعض ويقبلوا الاخر كما هو لا كما يريدون هم، واقصد كل الأطراف، قبول بعضهم عقائدياً وفكريا وسياسيا واجتماعيا، وتترك الحرية للفرد لانتمائه الاثني، فالأثنية القومية ليست طبيعية مثل العرق البشري بل مكتسبة وفق المعطيات العلمية في علوم الاجتماع والنفس والانثروبولوجيا، فضلا ان تشخيص العرق النقي الخالص للبشر وهو ضرب من الخيال كما يقول الانثروبولوجيون. فلماذا كل هذه المحاولات التي لا تجني نفعاً. فالإنسان حر في تحديد انتمائه الاثني وتحديد تسمية هويته.   
   
 ملاحظة: ارجو الانتباه ما كتبته لا يخص التاريخ، ولا بناء وصرف وقواعد اللغة، بل في ضوء دراسات علم الاجتماع الحضاري والنفس، واجتماع اللغة والانثروبولوجيا الثقافية، لدراسة ما الاحظه اليوم من موجود اثني وثقافة ولغة، وعليه ارجو من الاخوة القراء ان لا يأتي بقال وقيل من مصادر تاريخية، وقال رجل الدين وغيره، وبالأخص عندما تكون كتاباتهم قديمة ومتناقضة وغير اكاديمية، او من المتطفلين في اختصاصات غيرهم. فلا وقت لي لمناقشة مهزلة التاريخ. واني اكن كل الاحترام للاثنيات الثلاث، ولكل الاراء الموضوعية وشكرا.

رابط البيان الختامي
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1040294.0.html




9
                                   طروحات اعلام الرابطة الكلدانية
                                      عناوين بلا مضامين


  د. عبدالله مرقس رابي

                         ظهر مؤخراً في وسائل التواصل الاجتماعي رد من قبل اعلام الرابطة الكلدانية بخصوص المقابلة التي اجراها الإعلامي (هيثم ملوكا) معي، وما يخص السؤال الذي أراد الوقوف على وجهة نظري في أداء الرابطة وعوامل الإخفاق ومستقبلها. ومن حقي طالما انتمي الى الشعب الكلداني ان اطرح آرائي تجاه مؤسساته المدنية والروحية وفق منظور اختصاصي المعرفي وكباحث اجتماعي يدرس الظاهرة الاجتماعية التي تختلف في مضامينها وخصائصها عن الظواهر الطبيعية، حيث يقول علماء الاجتماع ومنهم عالم الاجتماع الوردي، ان لا يتقولب بفكرة ثابتة وينطلق من مبدا اما معنا او علينا او يتأثر بأيديولوجيات فكرية او دينية او مذهبية او جغرافية معينة، هذا لا يجوز بل على الباحث ان يتابع المتغيرات المستجدة ويربطها ببعضها ليكون موضوعياً، ولا يوجد شيء عند الباحثين يسمونه ثابت، ذلك يدخل في اطار الفكر العاطفي الساذج، وهذا ينطبق على المثقف اذا يحسب نفسه في خانة المثقفين، والا لثبتت العلوم على حالها دون ان تتقدم. ومن هذا المنطلق أني على مئة وجه وليس وجهين.
 من قراءتي لبيانهم او ردهم استخلصت ما يأتي:

اولاً: الاعلام الناجح يتوخى الدقة عن مصدر المعلومة، وهنا اعلام الرابطة أخفق حين ذكر (المقابلة التي اجرتها مجلة بابليون معه) مجلة بابليون لا علاقة لها بالموضوع، بل الإعلامي المستقل هيثم ملوكا هو الذي أجرى الحوار دون ارتباطه بأية جهة. ولم يقدم نفسه مندوباً عن المجلة المذكورة.

ثانياً: لغة البيان عبارة عن بيان سياسي انشائي تسقيطي يخلو من الرد المنطقي، ولم يعتمد على ابسط قواعد واسس الرد العلمي والفكري، كانت واضحة جداً فيه آلية الدفاع النفسية التي تؤكد عليها المدرسة التحليلية في علم النفس "الاسقاط الشخصي" وهي ظاهرة نفسية يلجأ اليها الفرد في ردة فعله تجاه المواقف الاجتماعية التي يتعرض لها بأسلوب لا شعوري بسبب الفشل والإحباط الذي يُصيبه ولا يملك منفذاً طبيعياً للخروج من مازقه او التخفيف من احباطه وقلقه، لذا يحاول وضع اللوم في اخفاقه على الاخرين واستخدام مظاهر سلوكية او لفظية لإسقاطها على الشخص الاخر، ليظهر ان الحقيقة معه، او ليثير انتباه الاخرين بدلا ان توجه الأنظار اليه يغيرها نحو الاخر، ومن تلك المظاهر، الانفعال، والغضب والصياح والفاظ الإساءة، وتُهم غير واقعية وغير مدعومة ببراهين، وعلى اثرها يشعر بالارتياح والانشراح النفسي. تنطبق هذه الحالة على محرري بيان الرابطة، في المقابل ليس من شيمتي ومكانتي ان اهبط الى نفس المستوى اعلامياً في الرد لثقتي بالنفس وثقتي في القراء والمتابعين الأعزاء وبمن يعرفني من قريبٍ او بعيد. 

 مما يدل بوضوح ان اعلام الرابطة بعيد كل البعد عن الأسس التي تتعامل مع غيرها منظمات المجتمع المدنية حتى وان اختلفوا معها، بل هكذا خطاب يطلقه السياسيون للنيل من غيرهم. وهذا أحد البراهين لما جاء في حواري بأنهم غير مؤهلين للإدارة، كما انهم يعانون من الارباك وعدم الوضوح في عملهم ما بين السياسة والعمل في منظمات المجتمع المدنية.

كما يحتوي البيان او الرد طروحات ذات عناوين بلا مضامين، أي لا معنى وتفسير لها ولا تستند الى البراهين والأدلة، بل حشو وسرد وتوجيه الاتهامات، فلا فائدة منها طالما لا تفسر المعنى فكرياً وعلمياً، ولم تختلف عن خطابات الأحزاب والتكتلات السياسية المحتوية على عبارات مثل، تقدم وإصلاح وعزم وغيرها، بيد في مضمونها لا تحمل سواء الفشل والويلات والمآسي، وهي عناوين تختفي في باطنها إخفاقات وترهلات كما سيتضح من النقاط اللاحقة.
 
ثالثاً: تعريفهم الرابطة انها منظمة مجتمع مدنية، خطأ كبير، اذ لا توجد اية دلالات، بل كل المؤشرات تدل انها حزب سياسي او ما يشبه، فمن مقارنة طبيعة عمل اية منظمة مجتمع مدنية معها نلاحظ: من حيث الهيكلية، هناك فرق شاسع، فمنظمات مجتمع مدنية ليس لها قيادة عليا او هيئة عليا، وقيادات فرعية، بل مجلس اداري محدد بعدد قليل من الأشخاص، وقد يكون لبعضها فروع ولكن ليس بالصيغة المعروفة في الرابطة وغالبيتهم من ذوي الاختصاصات الإنسانية والاجتماعية كي تعتمد على الدراسة في التخطيط لتحقيق أهدافها، كما انها لا تحمل تسمية قومية اثنية، لأنها تعمل من اجل الإنسانية بشكل عام وليس لجهة محددة، ان كانت لفئة اجتماعية معينة، لكن دون ان تركز على قومية او مذهب او دين ما، ليس لديها سياسة كسب الأشخاص ودفع الاشتراكات، لا تفكر بان تشارك في سياسة البلد، ولا ترتبط في اية جهة سياسية او دينية، بل أحيانا قسم منها تدعم جهات معينة عندما ترى انها تحقق الأهداف التي تسعى اليها المنظمة، تسعى دائما لجمع الأموال لتمويل برامج انسانية لخدمة المجتمع المحلي في المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والبيئية. عند تطبيق هذه الخصائص على الرابطة الكلدانية، سوف نستنتج انها تفتقدها ميدانياً، ونظرياً في نظامها هناك إشارات اليها مع بقائها حبر على الورق.

رابعاً: لا يُلاحظ القارئ اية إنجازات مذكورة، بل مجرد ادعاء، فلا شيء قد ذُكر عن التساؤلات التي وضعتها امام القارئ في الحوار، سوى التنسيق الفاشل مع الأحزاب الأخرى، وهذا اعتراف ذاتي لعدم توفر الامكانية لإقناع الاخر، او الطرف الاخر لا يقر أهمية لدعوتهم، اما علاقتهم مع الأحزاب الكلدانية، سببها ضعف تلك الأحزاب ميدانياً وسياسياً وتوقعاً منهم ان الرابطة التي يدعمها البطريرك الكاردينال ساكو سوف تحقق آمالهم وطموحاتهم الشخصية، ولكن لم ينالوا غير الإحباط في الآونة الأخيرة.

خامساً: الرابطة لا تقبل النقد سوى الإيجابي الذي يغض النظر عن اخفاقاتها، التخطيط والنجاح لا يتحققان الا عن طريق الكشف عن الأخطاء كي تتجاوزها المؤسسة، ولم اذكر في الحوار سوى الإشارة الى بعض الإخفاقات دون ان اتهجم او استخدم مفردات سوقية كما في ردهم.

سادساً: مغالطة واضحة، متى نكرت عدم وجود مسودات أخرى للنظام الداخلي، نعم هناك مسودات عديدة وشاركت ايضاً في مناقشة بعضها، مثل تلك التي نوقشت في ديترويت برعاية المطران القدير مار إبراهيم إبراهيم، ولكن أصر ان المسودة الأولى التي تلقاها غبطة البطريرك ساكو هي التي وضعتها، (بحسب رسالته وهي محفوظة). وان ملاحظاتي وتحليلي هو ما نتج عن المؤتمر التأسيسي واللاحق من النظام الداخلي الذي استوجب مراجعته من قبل مختص في القانون لتجاوز تناقضاته، وقد اشرت اليها في مقال خاص منشور (ابحثوا عنه).

سابعاً: لم يكن يوما ما اسلوبي متعالياً هذا من خيالكم واسقاطكم، الكل كانوا على اتصال معي في الهيئة العليا ورؤساء الفروع لمناقشة العديد من الأمور دون ان يذكر أحدهم إني متعالي، كنت اطرح وجهة نظري دون الإشارة الى أي فرض ودائما أقول في النهاية هذا رأيي وأنتم احرار. لو كنت ذلك لما طلب غبطة البطريرك مني شخصياً وبدليل موثوق ان أكون ناطقاً رسمياً للرابطة، ولما كثرت اتصالاتكم معي هاتفياً ونصياً كتابةً، ولكن رفضت طلب غبطته لسببين هما ما كنت منتسباً للرابطة، اذ شخصيا لا اريد ان اتقيد وارتبط بأية مؤسسة لكي لا اقيد فكرياً، وثانياً الناطق الرسمي، لابد ان يكون قريباً لرئيس المؤسسة ومتابعاً لأعماله وتصريحاته او يكون متواجداً في اجتماعات الرابطة وهذا لا اقدر عليه. ولَمّا تابعت الرابطة عملية طبع كتابي الأخير في العراق بواقع (1000) نسخة ايضاً. بمعنى ان وجودي مع الرابطة كان مرغوب به وليس متعالياً.

 ومغالطتكم الكبرى هي اتهامي البدء بالتهجم والإساءة كتابياً الى رئيس الرابطة، كل أعضاء الكروب الفيبري يعرفون ذلك، ولا يزال يؤكدون ان من اعتدى الأول هم ثلاثة اشخاص في هيئة اركان القيادة! واحدهم رئيسها، وذلك بعد ان كرر الأخ (اديب) مسؤول فرع المانيا وأعضاء اخرون تساؤلهم عن عدم استجابة القيادة لمقترحاتهم، فنفذ صبري وكتبت، ماذا تترجى من القيادة الفاشلة ان تجاوب عن استفساراتكم ومقترحاتكم، طبعاً نعتُّ القيادة بالفاشلة ولا زلت على رايي بعد مرور فترة زمنية لتراكم الإخفاقات تلو الإخفاقات وتراجع نشاط الفروع دون اتخاذ أي إجراءات وتذمر مسؤولي الفروع منهم ولم يحركوا ساكنا، بدليل واضح ان مسؤولي الفروع الداخلية والخارجية هم في وادي والهيئة العليا في وادي آخر لحد الان وبالأخص الداخلية في العراق من السنة الاولى، باستثناء اثنين منهما لتوافق مصالحهم واهدافهم معهم ولهذا سأسميها مجموعة ( 5+2)، ولم يكن أي اتصال بينكم الا في الأشهر الأخيرة بعد فشل الرئيس في الانتخابات البرلمانية، فبدا التشاور من اجل اجراء مؤتمر انتخابي لانتهاء دورتكم من زمن بعيد وهذه تعد مخالفة للنظام الداخلي.
 وايضاً بعد ان بدا غبطة البطريرك ساكو نعت قيادة الرابطة بوجود بينهم غير مؤهلين وفاشلين في عدة مناسبات سواء في المقابلات الاعلامية او في لقاءات معينة ولست متأكدا ان ظهر ذلك في كتاباته (ابحثوا عنها) ولما كتبت ذلك وجه احدهم نار غضبه يصفني بكلمات سيئة وبذيئة جداً، واستغربت من هكذا كلمات من شخص قيادي وسبق كان يتصل معي هاتفياً ونشارك المناقشة من حين لآخر وبيننا الاحترام المتبادل، وجاء الثاني كتب ونعتني اكثر منها سوءاً، علماً كنت اكن له كل الاحترام وفي نفس الوقت كتبت للادمن اخراجي من الكروب عدة مرات، ولم اكن اعرف بحسب خبرتي ممكن ان اخرج دون اللجوء اليه، وجاء دور القائد الأعلى ليختم اساءاتهم بكلمات اترفع من ذكرها هنا احتراماً للقارئ الكريم، كلمات لا تُليق بمن لهم مناصب متقدمة وعلى راس الرابطة الكلدانية، فهل من المعقول وانا بشرٌ مثلهم ان تبقى اعصابي باردة تجاههم؟ صحيح ان عبارة الفاشلة واتركوا المجال لغيركم ثقيلة على مسامع الانسان، لكن كان الاجدر بهم ان تكون كلماتهم بالمثل ويشاركونني بالفشل ايضاً لا بكلمات لا اخلاقية.
 هكذا هي قيادة الرابطة التي تعد نفسها منظمة مجتمع مدنية إنسانية، فأي انسان بارد الاعصاب يقف مكتوف الايدي امام هكذا موقف دون ان لا يقابلهم بالمثل؟ ولمجرد كتبت قيادة فاشلة واتركوا المجال لغيركم، وليس من استنتاجي فقط كما ذكرت، بل ما توصل اليه غبطة البطريرك ومعظم مسؤولي الفروع والأعضاء الاخرين ايضاً.
واما انكم قدمتم الاحترام لي في البدء بسبب كبر العمر بحسب رأيكم إني تماديت لعدة مرات، أقول بصددها: من منكم عمره اقل من ستين سنة، بل اكثركم أكبر مني عمراً، ومن جهة هل يعقلها عاقل، النقاشات العلمية او الإدارية تتأثر بفارق العمر بين اعضاء فريق العمل، لو كان ذلك ممكن، بمعنى لم يصل أحد للنتيجة ولم يحصل التقدم لأننا لابد ان نحترم الاخر لفارق العمر حتى وان كان رايه خاطئاً، هذا الشعور لا يوحي نفسياً لشيء، الا إذا انكم تشعرون أنتم شباب يافعون لا خبرة لكم وعليه لم تعترضوا على الاخر لكبر سنه.

ثامناً: الكل يعرف الغريب قبل القريب ان الرابطة مرتبطة مباشرة في مواقفها بمواقف غبطة البطريرك ساكو ولا تحتاج الى برهان، اكتفي بهذه الأمثلة، وبصمتٍ أقول لكم، من وجهكم على تأجيل المؤتمر المزمع عقده بعد انتهاء دورتكم الحالية عبر الزوم؟ من وجهكم للانضمام الى أطراف أخرى لأجل الانتخابات البرلمانية؟ من متابعتي للأحداث، لم تكن الرابطة بإمكانها ان تعبر عن موقفها من الحدث الا بعد اعلان غبطته عن موقفه والكل يعرف ذلك، ليس غبطته هو السبب ابداً، بل الإدارة غير المؤهلة لاتخاذ القرارات وتحديد المواقف واتكاليتها وعدم وضوح العلاقة والارباك وافتقارهم لسرعة البديهية والتجاوب لمعرفة ما الذي يفضله البطريرك دون الانتظار او الطلب منه التدخل، كثيرا ما أكد غبطته ان تعتمدوا على أنفسكم ولكن دون جدوى.
 وماذا عن تبعيتكم في الفروع ايضاً، كم من المشاكل حدثت بين قيادات الفروع والأساقفة والكهنة لعدم تمكن من السير في العمل دون اللجوء الى الكنيسة؟ ولحلحلة بعض من تلك المشاكل تدخلت شخصياً بتوصية من رئيس الرابطة الكلدانية. وتؤكدون ان علاقتكم مع الكنيسة جيدة، ماذا عن علاقتكم أنتم القياديين مع أساقفة الابرشيات في العراق؟

تاسعاً: مغالطة أخرى، اين ذكرت في الحوار ان الرابطة قدمت دعوات للمشاركة في المؤتمر التأسيسي؟ ما ذكرته ان أحد أسباب الإخفاق هو عدم توجيه دعوة لبعض الناشطين الكلدان المعروفين ولهم باع طويل في متابعة شؤون الكلدان، أولئك الذين كانت لهم ولا يزال مواقف مختلفة في موقف الكنيسة وغبطة البطريرك من القضية الكلدانية. اعرف جيدا لا توجد اية دعوة تحريرية، وان وجدت فحدثت هاتفياً بشكل واخر وليست من قبلكم لان ذلك لم يخصكم ولا من مسؤوليتكم.

عاشراً: مغالطة أخرى، افتراء في قولكم المقصود عدم سماعكم لذوي الخبرة، (ويقصد هنا نفسه طبعاً)، لم اذكر لكم سوى امثلة بسيطة، هل استمعتم الى خبرة المرحوم (دكتور جيرالد بيداويذ)؟ تلك الخبرة التي امتلكها في العلاقات الدولية وفي منظمات المجتمع المدنية، وأردتم فصله، ولكن انسحب هو تلقائياً وهل يوما نظرتم في مقترح أحد أعضاء الرابطة الفاعلين وذو خبرة تخطيطية (فوزي دلي) عندما وضع عدة مقترحات عن تامين الأموال، وأنتم نكرتم ذلك في ردكم. عدة مرات قدم (الدكتور نوري بركة) مقترحات لتطوير الرابطة، ومثله رئيس فرع بغداد الإعلامي والقانوني المعروف (ظافر نوح) والمفكر الذي لا يهدأ له بال لحرصه على الرابطة وشعبنا (يوحنا بيداويذ) والاخ (اديب) مسؤول مكتب المانيا والاخ (منير هرمز) مسؤول فرع كندا، ومداخلات (بسام السناطي)، ولا تزال معظمها مكتوبة في نقاشات الكروب، وعلى ما اعتقد قدم (قيس ساكو) و (سمير يوسف) صاحب الخبرة الاكاديمية في إدارة المؤسسات من أعضاء الهيئة العليا مقترحات، وأين مقترحات الدراسة التي أجرتها اللجنة من ثمان أعضاء قبل أكثر من سنة كما ذكر في رده (يوحنا بيداويذ) هل تُركت على الرفوف، كل هذه المقترحات لم تلق آذاناً صاغية. (في الإمكان الاتصال بهم، باستثناء المرحوم جيرالد). لماذا تلكأ كل رؤساء الفروع باستثناء اثنين عن العمل، أ ليس السبب عدم تقبلكم اية مقترحات منهم وهم أصحاب خبرة أكثر منكم في العمل المؤسساتي؟ ام اثنان منهم فقط هما الحريصان على الرابطة؟!! إضافة الى العديد من المتابعين والمهتمين غير المنتمين الى الرابطة طرحوا أفكارهم ومقترحاتهم في الصحافة. هذا ما كنت اقصده لم تسمعوا أصحاب الخبرة وليس عن نفسي كما يحلو لكم لأجل التسقيط.

 أحد عشر: افتراء ومغالطة أخرى ربطتم موقفي بالرابطة من حيث ان يكون ايجابياً او سلبياً في طبيعة علاقتي مع غبطة البطريرك ساكو، مغالطة واضحة وضوح الشمس، منذ ان تسلم غبطته السدة البطريركية علاقتي معه جيدة جداً وخلالها كنت انقد الرابطة في سلبياتها وايجابياتها، ومنها عندما حدثت تلك المناقشات الفايبرية المؤلمة، واثناء قطع علاقتي مع الرابطة، واثناء كتابتي اعلامياً عن بعض الظواهر السلبية لدى الاكليروس او إدارة الكنيسة ايضاً. ظلت علاقتي قائمة مع غبطته وليس لي مع غبطته أي موقف شخصي، بل كل ما موجود هو الاختلاف في الآراء عن مواضيع علمية تخص إدارة الكنيسة مثل رأيي حول مسالة تغيير عنوان البطريركية برفع (بابل) ودائماً أكن له كل الاحترام، ومن حقه ان يقبل الفكرة او يرفضها وهذا شيء طبيعي في المناقشات. فإذن ما ذكرتم بهذا الخصوص باطل.

 ثاني عشر: ادعاء ومغالطة تسقيطية أخرى، عن اتهامي بتسويق خطاب الكراهية، في حين كل متابعي كتاباتي من الاخوة الاشوريين والسريان والكلدان يؤكدون على ما اتمتع به من التوافقية والهدوء والرزانة في الردود، ولم يشك أحد، انه يوما ما تعرض للإساءة من قبلي. وهل تعتقدون ان تأييد آراء عضو في الرابطة والاختلاف مع غيره هي بث الكراهية؟ كيف تفهمون المناقشة والاختلاف في الراي!! ومن المضحك جداً ان ابحث عن الشهرة في الكتابة عن الرابطة او الكنيسة او مواقع التواصل الاجتماعي، شهرتي واشكر الرب بدأت منذ عام 1985 في بلدي، وأنتم لحد الان لم يسمع بكم الا نفر ضئيل، وبل بعضكم لا أحد يعرفهم، شهرتي في كتبي وبحوثي العلمية وتدريسي الجامعي وعملي الميداني خارج الجامعة، شهرتي عند الاف الطلبة النجباء الذين اليوم يقلدون ادواراً ومراكز علمية ووظيفية بأرقى المستويات، ومع علاقتي الطيبة مع اعداد من الأساقفة والكهنة من كل الطوائف، إضافة لقراء نتاجاتي الفكرية في الصحافة الالكترونية. يبدو انكم قلقون من عدد الكبير من الاخوة القراء الذين يتابعون ما اكتبه، انهم يتابعون ما اكتبه في مختلف المجالات وليس فقط حين اكتب عن الرابطة، أ ليس هذا تسقيط بعينه لفشلكم في الرد بأجوبة مقنعة.

 ثالث عشر: انا لم اتدخل لأحدد من يقود ومن لا يقود، شخصيا جاوبت على سؤال الاعلامي عن الحلول، فذكرت رأيي كما هو مطروح في الحوار، ومن حق كل شخص ان يبين رايه في كل مجالات الحياة.
 في الحوار هناك أسئلة واجوبة، ولا مجال لدراسة اكاديمية، وقد نشرت مقالاً عن النظام الداخلي ممكن مراجعته. عجيب هل أنتم تقبلون ما يُكتب بأخوة؟ طبعاً تقبلون المدح والتمجيد، اما إذا طرح أحد رايه بسلبيات الرابطة، فذلك عندكم يعرقل مسيرة الشعب، لا بل المدح يعرقل المسيرة ويجعل الممدوح واثقاً من نفسه ولا يتجاوز اخطائه، الشعوب والمؤسسات تتقدم عندما تكشف اخطائها وتتأخر عندما تتستر عليها.
 
ملاحظة: هذا الرد غيض من فيض، ولكن جاء ردي ليس لأهمية ما كتبتم او يهمني ما تكتبون، بل لأبين للقراء الافاضل مدى مستواكم وامكاناتكم، وطبيعة اسلوبكم ولبيان ان ردكم ليس الا للتسقيط ومغالطات، بالضبط مثل ما نشر رئيس الرابطة مقالته التهجمية على النشطاء والكتاب الكلدان قبل بضعة أشهر، ولا تزال كلماته البذيئة التي فقدت كل الاحترام في ذاكرة الجميع، فهل يُعقل ادارة منظمة مجتمع مدنية التي لابد منها ان تعترف بالحقوق الفكرية وابداء الراي ان يكون ردها هكذا أسلوب؟ كما يبدو من بينكم أطباء نفسيين ومحللين اجتماعيين وقانونيين وصفوا بها شخصيتي!.

10
                                كلدان الشتات ونعتهم بما لا يستحقونه
د. عبدالله مرقس رابي

                         من متابعتي المستمرة اعلامياً، الاحظ تكرار عبارة "كلدان الشتات والداخل" في مناسبات متعددة اما شفاهية او في بيانات ومقالات المسؤولين الروحانيين وبعض الكتاب. وذلك في سياق الحديث بالدرجة الأساس عن النقد الذي يتعرضون له من بعض الكتاب الكلدان في المهجر. والعبارة عادة تكون مُلحقة بعبارات أخرى كما سأُبين ادناه. مما تترك أثراً كبيراً في نفوس الكلدان المنتشرين في بلدان الشتات، وبالأخص عندما يطلقها الرؤساء الروحانيون، وهي تعبر عن مغالطات وتفهم غير واعٍ لواقع كلدان الشتات كما سأوضح. لا يمكن تغطية واقعهم في المهجر في مقالة مثل هذه، بل نحتاج الى مجلدات، لكن سأقدم مؤشرات مقتضبة تعكس واقعهم من خلال قياس متغيرين يمكن اعتمادهما في التفسير هما، بناء الذات ودعم لكلدان الوطن.
حقائق عن واقع كلدان المهجر في اثبات الوجود والذات
                                                      من استقراء المعلومات عن الكلدان في بلدان الشتات، تبين وجود حقائق أساسية وواقعية شاهدة للعيان تعكس مدى قدرة وقابلية الكلدان في تحقيق وجودهم واثبات شخصيتهم كأفراد او مجموعة بشرية اثنية في مختلف المجالات الحياتية منذ ان وطأة اقدامهم الأرض في هذه البلدان، مما ثبت تفوقهم ونجاحهم في مختلف المجالات الحياتية. وكما يلي:
على المستوي الاقتصادي والعلمي:
نرى اليوم الكلدان أصحاب اعمال كبيرة لها تأثيرها الاقتصادي في بلدان المهجر، فهم يساهمون في نهضة وحركة الاقتصاد المحلي، ففي مشيكن الامريكية وتحديدا في ديترويت هناك الاف من اصحاب المخازن التجارية للبيع المفرد ومخازن البيع بالجملة، ومحطات تعبئة الوقود، والمطاعم، والمخابز، مذاخر الادوية، وعيادات الأطباء، ومكاتب الهندسية والاستشارات في مختلف الميادين، وأصحاب الشركات الكبرى تقدم اعمالاً منوعة. اذ تشكل مساهماتهم 60٪ من الأنشطة الاقتصادية في الولاية. وفي ساندييكو وصلت مساهمات الكلدان الاقتصادية في السوق المحلي لتفوق عشرين مرة قياساً لمساهمة الأمريكيين في المدينة وهكذا في ملبورن وسدني وتورنتو وويندزر وغيرها.
 للكلدان حضور كبير في الجامعات، علماء وأساتذة في كافة فروع المعرفة العلمية، كما وجودهم جليٌ في كافة المؤسسات الأخرى ومنها الحكومية، فمنهم كبار الحكام، الأطباء، المحامين، المهندسين والباحثين والاعلاميين في مختلف الشؤون الاجتماعية والإنسانية والطبيعية وأعضاء في الجمعيات العلمية العالمية، ولهم وجود في الأحزاب السياسية المحلية، ولهذا نلاحظ من هم في مجالس البلدية والبرلمانات المحلية للولايات والفيدرالية. فهم يؤدون ادواراً مؤثرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية حيثما وُجدوا.   
 اما على المستوى الديني: حرص الكلدان منذ بدء حياتهم في المهجر على ايمانهم الديني وعلى مواصلة طقوسهم الدينية وتعلقهم بكنائسهم التي ورثوها من الإباء في الوطن الام، فمتى ما وُجدت مجموعة منهم في مدينة معينة، تبادر الى التفكير في بناء الكنيسة واحياء المناسبات الدينية، فوجود الابرشيات الكلدانية الكبرى الأربعة في المهجر وكنائس أوربا الكلدانية هي ثمرة تلك الجهود التي بُذلت من قبلهم. دشن الكلدان اساسات كل كنيسة في المهجر دون أي مساعدات خارجية، مثل الفاتيكان وبطريركية بابل للكلدان او الدولة، بل من أموالهم، وتخطيطهم، وثم مطالبتهم بكهنة لأداء واجباتهم الدينية.
 نشأت ابرشية مارتوما في ديترويت بعد ان زاد المؤمنون وكثرت الكنائس فتتطلب تحولها لأبرشية، فاختير سيادة المطران (إبراهيم إبراهيم) راعياً لها، ولإدارته الناجحة المتميزة وبالتعاون مع أبناء الكلدان الغيارى وصل عدد كنائسها اليوم الى احدى عشرة، بالإضافة الى الكنائس التي أسسها في غرب أمريكا في ولاية كاليفورنيا، وقد بلغت تكاليفها ملايين الدولارات. ولما حدث زخم كبير لإدارة الأبرشية الواسعة الأطراف والممتدة عبر الولايات الامريكية، أصبحت الحاجة الى تأسيس ابرشية مار بطرس في كاليفورنيا، وتسلم ادارتها سيادة المطران (سرهد جمو) وهي الأخرى ازدهرت ازدهاراً كبيراً في عهده على كافة الأصعدة، ولا تزال.
 تمكنت الابرشيتان في السنوات الأخيرة من تهيئة كهنة ومنهم الشباب المولودين في المهجر سواء من خلال تلقي علومهم الدينية في المؤسسات الدينية الأخرى مع تزودهم بالمعرفة لطقوس الكنيسة الكلدانية واللغة الكلدانية من قبل السادة المطارنة والكهنة القدامى، او تهيئة كهنة ابرشية مار بطرس عن طريق دير (مار أبا الكبير) الذي انشأه المطران (سرهد جمو) في ساندييكو.
بعد ان زاد عدد الكلدان في كندا، وكل مجموعة في مدينتها أقدمت على بناء الكنيسة او شرائها، وثم طلبت كاهن لإدارة شؤونها الدينية، صمم مثلث الرحمات المطران (حنا زورا) منذ قدومه الى كندا عام 1991 لبناء كنيسة، فبذل جهوداً استثنائية لبناء مطرانية ضخمة وجميلة تستوعب أكثر من ألف مؤمن في مدينة تورنتو (كنيسة الراعي الصالح) وافتتحت عام 2011، وصلت تكلفتها اربعة ملايين دولار من تبرعات المؤمنين، اضافة الى العمل التطوعي لابناء الرعية في كافة المراحل البنائية والاعمال الفنية والتجهيزات، فتحولت الى ابرشية مار ادي وتتكون من اثنتي عشرة كنيسة.
 بالطبع هكذا تأسست ايضاً ابرشية مار توما في سدني الأسترالية بهمة الكلدان الغيارى وكهنتهم هناك، وتتكون حالياً من سبع كنائس مزدهرة. وكذلك كنائس الكلدان المنتشرة في المدن الاوربية على هذا النحو بُنيت بسواعدهم.
تقدم الكنائس الكلدانية المنتشرة في الشتات خدماتها الدينية للمؤمنين، وتعليم اللغة الكلدانية في صفوف منتظمة مجازة من قبل الحكومات المحلية، على سبيل المثال، أسس المطران يوحنا زورا المدرسة الكلدانية لتعليم الكلدانية كإحدى اللغات المُعترف بها ضمن وزارة التعليم في مقاطعة اونتاريو، وكان يتراوح عدد الطلبة في عهده ما بين 250-300. تضم الصفوف من الروضة الى انهاء التعليم الثانوي، ولا يقف البرنامج الدراسي فيها عند حدود تعليم ابجديات اللغة فحسب، بل يتعداها الى تعليم الصلوات الطقسية لكنيستنا الكلدانية.
 كما شاهدت شخصياً قبل سنوات الصفوف الدراسية في ابرشية مار بطرس في ساندييكو، وزحمة النشاطات الروحية والاجتماعية والثقافية والتعليمية المنوعة، كتعليم اللغة والطقس، كما لا تخلو اية كنيسة في ابرشية مارتوما في مشيكن من نشاطات تعليم اللغة والطقوس ايضاً، إضافة الى الأنشطة الاجتماعية والثقافية. وكذلك الحال في ابرشية مار توما في سدني، حيث الدروس المنتظمة لتعليم اللغة الكلدانية بإدارة الكنيسة وتمويل من الدولة، ودروس تقوية القراءة للشمامسة المبتدئين وتعليم الالحان الكنسية والطقس الكلداني.
 اما على المستوي الاجتماعي: وقد استطاع الكلدان الحفاظ على قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، تلك التي تنسجم مع واقع المجتمعات الغربية المتحضرة، كما حافظوا على لغتهم المعاصرة في الحديث داخل الاسرة الى جانب اللغات الأجنبية، حتى الأجيال الحالية. وبالطبع لا يمكن الجزم اطلاقاً لدى كل الاسر، هذا لا يجوز.
تقوم المجاميع الكلدانية في كل مدينة بإحياء مناسباتهم الدينية من التذكارات بحسب شفيع قريتهم، وكما أسست جمعيات خيرية ونوادي اجتماعية تحمل أسماء قراهم لتلبية متطلبات الحاجات الاجتماعية والنفسية وتعريف الأجيال الحديثة بتقاليدهم وعاداتهم. على سبيل المثال حرص كلدان مشيكن ان تكون العديد من أسماء مؤسساتهم تحت تسمية كلدانية، منذ السبعينات من القرن الماضي، وأبرزها الجمعية الكلدانية العراقية الامريكية (شنندوا) أكبر تجمع كلداني ضخم في العالم، نادي الشبيبة الكلداني، مؤسسة الجالية الكلدانية، المركز الكلداني الأمريكي، جمعية نساء الرحمة، سان جود الكلدانية للطلبة والشبيبة، ومتنزه الكلدان الكبير البالغ مساحته 150 ايكر، المتحف الكلداني، المصرف الكلداني، برنامج (تبني عائلة) الكلداني، وبرنامج بسموثا (الصحة) الكلداني، وجمعية المحامين والأطباء الكلدان وغيرها.
وهكذا في مدينة شيكاغو حيث المركز الكلداني، وفي ساندييكو المركز الكلداني الأمريكي، وفرع مار توما لمنظمة فرسان كولمبس الامريكية. وفي كندا الصالون الثقافي الكلداني، وفي استراليا جمعية الثقافة الكلدانية، اتحاد الكلداني الأسترالي، جمعية الحضارة الكلدانية، إضافة الى اتحاد ادباء وكتاب الكلدان. والرابطة الكلدانية العالمية في بلدان المهجر.
 اما على المستوى الإعلامي، هناك العديد من المؤسسات والأنشطة الإعلامية بكل أنواعها السمعية والمرئية، تقدم خدماتها الثقافية والاجتماعية والقومية، ففي ديترويت الكلدانية مثلاً، مجلة شمس الكلدان، نجم الكلدان، إذاعة صوت الكلدان التي تبث برامجها المنوعة لأكثر من أربعين سنة، فضائية (ام، ي، أي) بإدارة وملكية لشخصية كلدانية. وقد قُدمت في ديترويت مئات الأغاني الكلدانية وعشرات المسرحيات والمهرجانات السنوية لأزياء القرى الكلدانية وتراثها وامسيات كلدانية سمفونية وأخرى خاصة بالشعر والقصة وكلها تقدم باللغة الكلدانية.
 وفي ساندييكو أيضا هناك حركة إعلامية نشطة، فهناك، راديو الكلدان وعدة إصدارات إعلامية من المجلات والصحف تخص الكلدان، وتُقام مهرجانات تراثية كلدانية سنوية، كما هناك فضائية القيامة بإدارة كلدانية. وفي كندا بدأت قبل جائحة كورونا مهرجانات كلدانية في مدنها، ويندزر، فانكوفر واوكفل وتورنتو، وقدمت أنشطة منوعة، وتوقفت للوقاية الصحية، كما هناك صحف يمتلكها الكلدان، جريدة اكد سابقا وتوقفت عن النشر، صحيفة نينوي في تورنتو ومجلة ميسوبيتميا في ويندزر. ومثل هذه الأنشطة تُقام في مدينتي سدني وملبورن الأستراليتين في كل المناسبات السنوية التي تخصهم، وهناك مؤسسة حديث فكتوريا الاعلامية، وسيتم قريباً تأسيس الراديو الكلداني، ومجلة تصدرها جمعية الثقافة الكلدانية ومجلة بابيلون. ولا تخلو تجمعات الكلدان منها في المدن الاوربية.
 دعم كلدان الوطن (الداخل):
يبادر كلدان الشتات بمساهمات فعالة لدعم ومساعدة كلدان الداخل. تتجلى هذه المساهمات في:
 الدعم المالي النقدي المتدفق باستمرار من المجاميع الكلدانية في المهجر.
 لم تتوان ابرشية مار توما في مشيكن في دعمها المستمر بمبالغ نقدية بين حين واخر لبطريركية بابل للكلدان والابرشيات المحتاجة الأخرى في العراق. وتقوم الكنيسة وبمعية المؤسسات الكلدانية بالعمل لجمع التبرعات من أبناء الكلدان. وبرزت هذه المساعدات لأهلنا في البلد الام بعد عام 2003 حينما تعرض المسيحيون العراقيون الى الاضطهادات والتهجير والعوز المعاشي، سواء في العراق او في دول الجوار.
بادرت المطرانية منذ بداية الازمة، فوصل المبلغ ما يقارب المليون ونصف المليون دولار في حينها، ولا تزال تتدفق المساعدات. لعل أبرز برنامج ساهم في دعم المسيحيين في العراق ودول الجوار، هو برنامج (تبني عائلة)، حيث من بداية عام 2012 ولغاية 2018 أرسل أكثر من أربعة عشر مليون دولار، ولا يزال البرنامج قائماً. كما تعد إذاعة صوت الكلدان من المؤسسات البارزة التي ساهمت في جمع التبرعات، فوصل ما جمعته الى (300000) دولار.
 شُكلت لجان، مثل لجنة الرحمة، من الأطباء الاختصاصيين والصيادلة، فتمكنوا من فتح سبعة مراكز طبية للمهجرين. بالإضافة الى لجنة التعليم التي تكفلت في مد احتياجات المدارس المستحدثة للمهجرين. وتم إنفاق المبالغ المذكورة في توفير المسكن والغذاء والكساء والأدوية والتجهيزات الطبية ومستلزمات ضرورية أخرى من خلال التواصل مع اللجنة المشكلة برئاسة المطران بشار وردا والمطران اميل نونا.
واشتملت المساعدات المسيحيين المهجرين الى جورجيا ولبنان وتركيا.
اما كلدان ساندييكو الامريكية، قدموا الكثير لمساعدة مسيحي العراق. تمكنت لجنة مُشكلة من تامين وارسال 620 ألف دولار عام 2014 للمهجرين. بالإضافة الى تامين مبلغ 400000 دولار وارسالها بوجبات شهرية للمهجرين في العراق ولبنان والاردن.
ومنذ عام 2014 ارسلت منظمة (امل) للمسيحيين في العراق التي هي ثمرة فرسان كولمبس فرع مار توما في كنيسة مار بطرس مساعدات بحدود 2.6 مليون دولار، لها برنامج (تبني عائلة) بمبلغ 100 دولار شهرياً حيث تقوم عائلة كلدانية في ساندييكو بتبني عائلة في العراق. حالياً تقوم بأرسال مساعدات الى قرى سهل نينوى ودهوك وزاخو وبغداد لتغطية 400 عائلة مسيحية محتاجة.
 وبحسب معرفتي، ساهم الكلدان في كندا وأستراليا واوربا بمئات الالاف من الدولارات نقداً ومساعدات عينية للمسيحيين في العراق، ناهيك عن المساعدات الفردية التي ساهم بها اهل القرى في المهجر لأخوتهم المهجرين في قراهم، فعلى سبيل المثال بادرت لجنة من أبناء مانكيش في المهجر وبمبادرة من موقع مانكيش الالكتروني عام 2014 بتامين وارسال مبلغ 80000 دولار امريكي الى بلدتهم خُصصت لتوفير احتياجات ضيوفهم المهجرين من سهل نينوى، كما ساهموا ايضاً في جمع مبلغ قدره 20000 دولار لترميم كنيسة مار كوركيس الشهيد في بلدتهم. وهكذا عمل كلدان دهوك في المهجر بترميم كنيستهم القديمة.
وهناك كما هو معروف مساعدات مالية يقدمها المهاجرون الى ذويهم بشكل خاص في العراق، وهي أيضا تعد مساهمات فعالة من كلدان الشتات بالإضافة الى مشاركتهم في التبرعات المذكورة أعلاه.
مساهمات فعالة أخرى:
إضافة الى الدعم المالي الذي فاق كثيرا، بل لا مثيل له، مساعدات اية دولة او مؤسسة كنسية كالفاتيكان مثلاً وبطريركية بابل للكلدان، او اية كنيسة أخرى، هناك مساهمات فعالة في المهجر من قبل الشخصيات الكلدانية المؤثرة والجمعيات والمؤسسات الكلدانية المتنفذة تخص المسيحيين في العراق عن طريق طرح معاناتهم لحكومات الدول الغربية وفي المحافل والمنظمات الدولية. ومن جهة اخرى تسهم في مساعدة القادمين من العراق سواء شخصيات دينية او مدنية سياسية لتقدمها لجمعيات ومؤسسات وأصحاب القرار في الحكومات الاجنبية، سواء للدعم المالي او السياسي، على سبيل المثال ما تقوم من أدوار فعالة جمعية (الجالية الكلدانية) المؤثرة وذات السمعة الرفيعة في ديترويت. وكذلك فرع مارتوما لجمعية فرسان كولمبس لكلدان ساندييكو ومن اهم ما حققته، تأثير على الحكومة الامريكية للاعتراف بالإبادة الجماعية ضد المسيحيين والايزيديين في العراق. وهكذا مساهمات للكلدان قائمة في كل أماكن تواجدهم.   
 هل يا ترى بعد هذا العرض من المساهمة لكلدان الشتات في اثبات ذاتهم والهوية الكلدانية شعبياً ورسمياً لرفع مكانتهم ورايتهم، ودعم ومساعدة كلدان الداخل والمسيحيين قاطبة في البلد الام، يستحقون ان ينعتوا بعبارات مثل: (ما الذي عمله كلدان الخارج لنا، وماذا قدموا، وهم بعيدون عن واقعنا، لا يرون غير الماضي الذي يتباكون عليه من دون ان يقدموا شيئاً للكلدان، لا عمل لهم غير انهم جالسون امام الكومبيوتر وينقدون الكنيسة ماذا قدموا لكلدان الداخل، عليهم ان لا يتدخلوا بشؤون كلدان الداخل، قوميون متعصبون، وبعضهم لا يعرف يكون جملة مفيدة ونعوت أخرى تمادت لشخصية الكتاب) وما شابه من العبارات غير اللائقة تجاه كلدان الشتات من قبل الرئاسة الكنسية وغيرها في تعميم دون الشعور بما يطلقون. لا بل تعرضوا الى الاهانات والشتائم والازدراء من قبل بعض الكتاب.
 نعم عملت بطريركية بابل للكلدان ميدانياً، والابرشيات الكلدانية الأخرى في شمال العراق وغيرها لمساعدة المهجرين في محنتهم، ولكن لو لا هذا الامداد المالي الضخم من قبل كلدان الشتات لما تمكنوا ان يحققوا إلا شيئاً محدوداً على الأرض. ولهذا المحصلة هي ثمرة التعاون بين كلدان الشتات وكلدان الوطن الام. فإذن لماذا هذا التقسيم المفترض للكلدان الذي يعكس سلباً على نفسيتهم في المهجر، وهم جزءٌ من كلدان العراق، الا يستحقون الوقوف لهم اكراماً واجلالاً لما يبذلونه من جراء أعمالهم الشاقة تجاه أهلهم الكلدان شعباً وكنيسةً في العراق؟ بدلاً من الانكار والنعوت غير اللائقة. أ ليس من حقهم المشاركة في ابداء الرأي في شؤون الكلدان او المسيحيين في العراق بما يستوجب مصلحتهم في العراق أو فيما يخص الكنيسة بجوانبها غير الروحانية؟
 عبارات عُممت وبوضوح على كلدان الشتات، طالما تم ذكر (كلدان الشتات) في سياق الحديث او الكتابة. هذا الأسلوب في التعبير، ان دل على شيء، فهو يدل على ضعف روحية تقبل الراي الاخر المختلف، وضعف الحجج المنطقية للرد على من ينقدهم، بالرغم انهم يدعون ويوجهون الاخرين باحترام الراي الاخر وتقبل النقد، وتشبثهم بفرض الآراء لتصورهم ان النقد غير بناء، يا ترى هل النقد البناء هو التمجيد والمديح فقط؟ النقد البناء بحسب المنهجية العلمية هو، تبيان الجوانب السلبية لتجاوزها مستقبلاً وتبيان الجوانب الإيجابية لدعمها. ولا يستثنى أحد من السلبيات مهما علا شأنه منصباً او علماً، وطالما نعيش في عصر الاعلام المفتوح، لابد ان يكون النقد اعلامياً ليطلع الراي العام ويكون أكثر تأثيرا. ونعتهم بالجلوس امام الكومبيوتر غير مقبول، لان الكومبيوتر أصبح اليوم هو أداة طرح الراي والتعبير عنه امام الكل ومن منا لم يجلس اليوم، أنفسهم الذين يؤكدون في كل مناسبة على هذا الموقف، هم جالسون امام الكومبيوتر أكثر من غيرهم بدليل كتاباتهم اليومية فينسون حالهم وينعتون الاخرين في ذلك، ما هذه المفارقة؟ وهل من كاتب يستغني عن الكومبيوتر اليوم؟ اللذان ينقدان ايجاباً او سلباً كلاهما يجلسان امام الكومبيوتر!!
 لو تم التبرير ان المقصود هم الناقدون من الكتاب الذين من وجهة نظر المتلقي كتاباتهم مُسيئة، لابد من التساؤل لماذا هكذا نوع من المقالات؟ ويُفترض التعاطي معهم بأسلوب تفاهمي هادئ غير متشنج وانفعالي والرد بالمثل من قبل شخصية تتمتع بمنصب كنسي عالٍ. فهذا مبرر غير كافٍ وصحيح طالما هناك كما اشرت أعلاه عبارة تدل على التعميم (كلدان الشتات وتكرارها في كل مناسبة) فالكُتاب هم ضمن مجاميع الكلدان في الشتات ويساهمون بما ذكرته أعلاه من دعم كلدان الداخل. نعم كلهم مساهمون وبشكل فعال سواء كأفراد او ضمن المؤسسات التي ينتمون اليها في المهجر. يساهمون في رفع شأن الكلدان عراقياً وعالمياً في مناطق تواجدهم، كل وبحسب قدراته الفكرية وامكاناته المالية. وهم أعضاء في الكنيسة ولا يتهربون من اداء واجباتهم تجاه كنيستهم، لهم كامل الحقوق في النقد وتبيان الخطأ الفكري والعملي الصادر من أي شخصية وباي مركز ديني وسياسي بشرط عدم المساس بشخصية المعني. وهم يقولون، أي المتذمرون من كتاب كلدان الشتات: ان الكنيسة هي الجماعة!! فالكتاب هم أعضاء في هذه الجماعة.
 وفي ضوء ما تقدم، من ينعت كلدان الشتات بكذا تعابير فهو على خطأ لان واقعهم ليس كما يتصورون، بل المعطيات والحقائق الواقعية تشير الى عكس ذلك كما قدمت اعلاه.     

11
                          السينودس الكلداني لم يُوفّق في تسمية كنيستنا
                                     لماذا؟ وما هو البديل؟

د. عبدالله مرقس رابي
                         
                      جاء في البيان الختامي للسينودس الكلداني المنعقد للفترة 9-14 من اب 2021، وفي الفقرة التاسعة تحديداً (تسمية البطريركية الكلدانية عوض عن بطريركية بابل على الكلدان، وعبروا بحماس عن اعتزازهم بهويتهم الكلدانية). على أثر هذا التغيير لتسمية كنيستنا. اتصلت للتشاور هاتفيا مع العديد من اعلاميين ومفكرين ومؤرخين ومهتمين بشأن الشعب الكلداني، وبعد ان طرحت الفكرة التي سأوضحها كانت استجابتهم بالتأييد لها، ومن جانب اخر عبروا عن خيبة أملهم مما أقدم اليه المجتمعون واعتبروه اخفاقاً بدلا ان يكون منجزاً إيجابيا.

 جاء التغيير استجابة لمقترح غبطة البطريرك الكاردينال ساكو الذي اقترحه قبل عدة أشهر بتسمية (بطريركية بغداد على الكلدان) حسناً عملوا وتداركوا انهم لم يتفقوا على تلك التسمية الغريبة البعيدة عن المنطق والحالة التسموية، وكان اقرارهم بالتسمية الجديدة. ويبدو انه قد وصلت اعتراضات على المقترح الاولي لغبطته.

 من المعلوم منطقياً ومنهجياً ان أي مقترح او فكرة يقدمها الشخص او الباحث، تعد فكرة أولية وفرضية في السياق البحثي وتحتاج الى برهان واختبار ولا يعني مناقشتها من قبل مجموعة معينة تفتقر الى الاختصاص والخروج بالقبول او الرفض بانها فكرة سليمة، فهكذا مقترحات يجب ان تخضع لدراسة مستفيضة ومن مختصين أصحاب الشأن، وما تتوصل اليه دراستهم ستكون المقرر النهائي. بينما هنا في هذه الحالة لم نسمع او نقرأ عن دراسة أجريت لهذا الغرض. او لأغراض أخرى.

 لماذا عدم التوفيق؟
                  نلاحظ من متابعة تاريخية، ان كل كنيسة رسخت وجودها تدريجياً من حيث الإدارة والتنظيم منحت لنفسها تسمية تتضمن دلالات جغرافية وتاريخية واثنية والتزمت بها، والامثلة عليها متعددة، كنيسة المشرق، وعرفت بكنيسة كوخي في قطيسفون وساليق، كنيسة البيزنطية، وثم كنيسة الروم بشقيها الكاثوليكي والأرثودوكسي، وحديثاً كنيسة المشرق الاشورية، حسناً عملوا والا ماهي حدود كنيسة المشرق الجغرافية؟ وكنيسة انطاكية للسريان بشقيها، كنيسة الكرازة المرقسية للأقباط في الإسكندرية بشقيها، كنيسة الرومان اللاتينية، كنيسة روسيا الأرثدوكسية، كنيسة أرمينيا وهكذا، مع تغيير مكان إقامة البطريرك بحسب الظروف الأمنية عبر العصور دون المساس بالتسمية الأساسية. وتتضمن اغلب هذه الكنائس أقوام مختلفة.
يتبين ان الابعاد الثلاث، التاريخية والجغرافية والاثنية هي اهم عناصر او دلالات تحديد التسمية الكنسية، وان كانت تسمية كنيسة المشرق جغرافية لأنها جامعة لكل الاقوام الشرقية في المنطقة، الا انه اقترن ذكرها ببطريركيتها بكنيسة كوخي. الدلالات الثلاث المذكورة لو اجتمعت في التسمية الكنسية، لأعطت بعداً شعورياً نفسياً اجتماعياً متكاملا للانتماء للهوية والاعتزاز بها عند اتباع الكنيسة أكثر مما لو اقتصرت على رمزية واحدة.

فالتسمية المقررة حالياً (البطريركية الكلدانية)، تفتقر الى الابعاد والدلالات الأساسية لكي تُعرف الاخر بهوية الكنيسة الاثنية التي تربط الكلدان ببعضهم كما وُرد في تصريح البيان الختامي للسينودس (من الأهمية بمكان تقوية حضور كنيستنا في العراق، بسبب الارض واللغة والتاريخ والتراث....) كيف اذن تُعرف الاخر او حتى الكلداني ان مشاعرهم الانتمائية واحدة من حيث انتمائهم الكنسي ولا يعرف ارضه جغرافياً وجذوره التاريخية الاثنية بحسب ما حُدد من مقومات الهوية الانتمائية، وبالأخص لكلدان الشتات الذين لم يبق لهم شيءٌ من هذه المقومات الانتمائية الا الشعور بالانتماء لان كل شيء قد تغير، الأرض، اللغة، التراث بما يحتوي من تقاليد وقيم وسلوكيات، اي مجمل محددات الهوية الثقافية؟
كثيراً ما يصادفنا نحن في الغرب أحدٌ يسألنا عن اصولنا او تبعيتنا، فالإجابة تكون كلداني، يبقى ساكتاً لان الجواب غير شافٍ بالنسبة له، اذ سبق لم يسمع بالكلدان الا في حالة وجود كثافة سكانية عالية منهم في مدينة معينة فعن طريق التفاعل الاجتماعي اليومي يصبح الكلدان معروفين على المستوى الشعبي، وهكذا بالنسبة الى الاثنيات الأخرى من الكورد او الاشوريين او السريان او الفرس وغيرهم. بينما عندما نستطرد في الجواب ونقول من بابلون فيستسيغ ذلك أكثر. حيث ان بلاد بابل مألوفة لدى الشعوب الأخرى وحتى عند العرب والكورد الذين نشاركهم الوطن من أي تسميات أخرى. وهكذا لو طبقنا المثال على كل الاثنيات ذات الأصول التاريخية في بلادها تبقى غير معروفة على المستوى الشعبي وحتى الرسمي، باستثناء بعض المختصين المتقدمين في دراسة الشعوب القديمة. الا كما قلت في حالة تواجد كثافة سكانية منهم في منطقة معينة، مثلما يتم التعرف للكلدان بشكل واضح في ديترويت وسانديكو وتورينتو وسدني وملبورن، والاشوريين في شيكاغو وبعض مدن كاليفورنيا وملبورن وهكذا.
اذن عندما تُلحق دلالات تاريخية جغرافية في تسمية الكنيسة، فمن السهولة يتم إدراك المتابع وحتى الباحثين والمهتمين، ماهية الكنيسة واصولها وتبعاتها وهويتها الثقافية. مثلما نشخص بسهولة كنيسة الاقباط والرومان اللاتينية وغيرها.
 
 ما هو البديل؟
              لغرض تكامل ابعاد المثلث للدلالات الرمزية في التسمية الكنسية، التاريخ والجغرافية والاثنية، اقترح ان تسمي (بطريركية بابل الكلدانية) في هذه الحالة سنرسخ الشعور الموحد للانتماء للهوية الكنسية والاثنية التي حدد أهميتها السينودس الكلداني كما ذكرت آنفاً بالنسبة لاتباعها، وتعريف هويتها للأخرين من حولهم أينما كانوا.
 ورود بابل سيرسخ بُعديْ التاريخ والجغرافية، أي من هم تاريخياً وما هي جغرافيتهم، وذكر الكلدان بالطبع سيرسخ الانتماء الاثني. أي ان الكلدان المعنيين ينتمون تاريخياً وجغرافياً الى بلاد النهرين وعند الشعوب الأخرى ( ميسوبوتيميا) ووجودهم في بقاع أخرى غير بلاد بابل المعروفة يرجع الى عوامل متعددة، أهمها، التهجير القسري اثناء الحروب منذ القدم و التشتت بسبب التمييز الديني والعنصري والاضطهادات المتكررة فلجأوا الى حيث الأمان، وايضاً منذ وجود الكلدان في بلادهم بابل التي اقترنت عند الآثاريين عندما يتحدثون عنها، يكون المقصود الكلدان لارتفاع نسبتهم السكانية فيها وممالكهم التي ظهرت تاريخياً على ارضها واخرها الدولة الكلدانية للفترة 613- 539 قبل الميلاد.
 ولا مجال هنا للخوض في التاريخ، بل هناك مصادر رصينة أكاديمية، اثبتت تشتت الكلدان منذ القدم في بلاد النهرين وما حولها من البقاع، وأبرز تلك المصادر المختصة والتي ركزت على عملية التهجير قسراً للكلدان القدامى، هما: (الآثاري بوستين اودد، في كتابه المعنون " التهجير الجماعي والمهجرون في الدولة الاشورية الحديثة" والآثاري دانييل ديفيد لوكنيل في كتابه "المدونات القديمة للدولتين الاشورية والبابلية") باستقراء البيانات من حوليات الملوك الاشوريين الموجودة في المتاحف بالدرجة الأساس ومصادر أخرى. وقد اعتمد عليهما في تأليف كتابه المؤرخ (حبيب حنونا والمعنون سفر الخروج الكلداني) إضافة لعشرات المصادر. واستعان بالجداول المنظمة فيها عن أماكن التهجير من والى اين) بالتفصيل، واطلعت عليها شخصياً اثناء اعداد كتابي الأخير في مكتبة جامعة ماك ماستر الكندية، ففيه معلومات مذهلة عن تهجير ما يقارب مليون وربع كلداني الى بقاع أخرى من بلاد النهرين وما حولها شمالاً وغرباً وشرقاً مع تسمية أماكن الخروج وأماكن الاستيطان في تلك الازمنة القديمة. وكما هو معروف، في الازمنة المتلاحقة تشتتوا بسبب الاضطهادات التعسفية ولا يزال الى يومنا هذا.

فإذن ورود اسم بابل في تسمية كنيستنا وترابطه مع ذكر الكلدان هو دلالة رمزية لانتمائنا الجغرافي وعمقنا التاريخي في العراق اليوم وفي الحضارة البشرية، ومن هذا المنطلق اناشد وادعو أعضاء السينودس الكلداني، إعادة النظر بما اتفقوا عليه من تسمية في اجتماعهم الأخير، وتشكيل لجنة اختصاصية من المفكرين الأكاديميين والإعلاميين والنفسيين والاجتماعيين والاساقفة لإثبات صحة ما وضعت من مقترح الحالي وصواب التحليل، والا ما معنى تأكيدكم على دور العلمانيين في الكنيسة، فهل يقتصر دورهم على حمل (التبسية) لجمع الحسنات والهبات؟ علينا عندما نقول دور العلمانيين في الكنيسة وادارتها ان يكون دوراً جدياً وليس هامشياً كما نرى اليوم ومستنداً على لجان تخصصية، وان لا يكون شعاركم (ليس شغلكم، كما يرد على لسان معظمكم، ليلي شولو خن) وقد ولى ذلك الزمان القروي، اذ انفتحت الاذهان، وبات يُعرف ما في الخفايا لأي مؤمن في عصر الاعلام المفتوح والثورة المعلوماتية.
 ارجو من غبطة البطريرك والسادة الأساقفة الكلدان ان ينظروا الى الموضوع المطروح بجدية، مما له من انعكاسات نفسية واجتماعية وانتمائية للهوية الثقافية عند اتباع الكنيسة. مع الشكر لكم وللأخوة المتابعين والمهتمين والقراء.
 كندا في 18 اب 2021                 
  رابط البيان الختامي للسينودس الكلداني
http://saint-adday.com/?p=44932
                     
                     

12
                    رسالة الكاردينال اول خطوة على الطريق الصحيح وليس النكبة
                     وتحوير اعلامي لخبر لقاء أساقفة أربيل مع نائب البرلمان




د. عبدالله مرقس رابي
                         
                             من العناوين التي تصدرت اخبار موقع الالكتروني لبرلمان إقليم كوردستان خبر جاء عنوانه الصحيح "نائب رئيس برلمان كوردستان يستقبل رئيس كنائس الكلدان والسريان والاشوريين" (الرابط ادناه). كتب مؤخراً السيد " اوشانا نيسان" المستشار السابق مقالا عن الخبر، تحت عنوان "رسالة الكاردينال اول خطوة على طريق النكبة". وكما يبدو من متابعتي وهو أحد المهتمين والمتابعين لشؤون القوميات الثلاث لسكان بلاد النهرين الأصليين من الكلدان والاشوريين والسريان، والقومية المركبة المستحدثة" قومية "المجلسيين".
 قرات المقال، وشخصت من خلال مقارنته بنص الخبر المنشور على موقع البرلمان، عدم نقل الخبر او تحليله بأمانة ونزاهة، مما جرى في اللقاء، او في تحوير المفاهيم والعبارات التي وردت في نص الخبر بدقة. واولها عنوان الخبر الذي جاء كما ذكرت أعلاه بدون فارزات ولا اقواس ولا التسمية المجلسية المركبة، اما هو ذكر في مقالته (وفد مشترك من كنائسنا الثلاث الكلدانية السريانية الاشورية) بالطبع بحسب التسمية المجلسية.
إضافة لتشويه عنوان الخبر لأجل اجندات سياسية معروفة، ما ذكره في كلمته من تعابير مغايرة لما جاءت في خبر البرلمان، حيث ان الدكتور (هيمن هورامي) نائب البرلمان استخدم مفهوم المكون المسيحي، وكل ما جاء ذكره هو عن المسيحية وليس بالتسميات القومية، وقد ذكر النائب (المسيحيون مكون اصيل ومهم من مكونات عاشوا منذ القدم على ارض كوردستان وشاركوا المسرات والمضرات).
 كما جاء في خبر البرلمان على موقعه (وأبلغهم بوجود ممثلين عن جميع المكونات في اللجنة المختصة اثناء كتابة مسودة الدستور)، بينما حضرة السيد اوشانا يذكر في كلمته (وأبلغهم بوجود ممثل عن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري).
 ويؤكد خبر البرلمان (وطالبوا بمراعاة حقوق المكونات ومن بينها المكون المسيحي، وتباحث الجانبان عدداً من القضايا المتعلقة بالمسيحيين في مجالات مختلفة). الغريب ان مجلس الأساقفة لم يصدر بياناً، لربما لان الهدف كان لتقديم التهنئة لمجلس البرلمان بمناسبة تشكيله، مما أتاح للسيد اوشانا ان ينفرد بنشر الخبر وعلى مزاجه وتطلعاته.
 لاحظ وقارن أيها القارئ الكريم والمتابع، كيف تم التحوير والتشويه لخبر لقاء وفد مسيحي من الكنائس الكلدانية والسريانية والاشورية مع نائب البرلمان الكوردستاني! ممكن ان نستنتج من خبر البرلمان على الرابط، ان ما دار من حديث بينهما يخص المسيحيين، كمكون مسيحي وليس قومي في الإقليم، وتمحور اللقاء على الحقوق لكل المكونات، والتأكيد على التعايش السلمي بين مكونات إقليم كوردستان وشؤون الاقليات، وعملية كتابة مسودة الدستور وضمان حقوق المكونات الاقلية. وليس هناك اية إشارة للتسمية في حوارهما، ولا شيء يوحي التطرق لها، الا في حالتين أنك كنت مرافقاً للوفد وهناك حديث سري في اللقاء، او هناك حديث سري وتسرب اليك من مصدر ما، والا تفقد المصداقية. علما لدي معلومات موثوقة لاتصالي بأحد الأساقفة الموقرين الحاضرين انهم لم يبحثوا موضوع التسمية ابداً، وتفاجئوا الأساقفة بوجود النواب معهم، فترتيب اللقاء هو لتقديم الأساقفة التهنئة وليس لغرض اخر.
 فإذن لماذا حشر الاخ " اوشانا نيسان" غبطة الكاردينال ساكو في كلمته لتحليل ما جاء في اللقاء، ويصف رسالة غبطته انها اول خطوة على طريق النكبة؟ فلا صلة بين العنوان ونص تحليله ونص الخبر بحسب اعلام البرلمان.  أ ليست هذه النكبة بمعناها الحقيقي في الاستمرار بالتشويه والتحوير وقلب الحقائق وتضليل الاحداث للراي العام؟ والغرابة ان الكاتب كان معتدلا في مقالاته ويشيد بمبادرات البطريرك ساكو وتحول الان الى ناشط اشوري متزمت!
 يتهم الاخرين (انهم جعلوا السياسة حرفة، ولهذا تراجعت الثقة كثيراً بين المواطنين والفاعلين السياسيين)، وينسى حاله هنا، انه اول من جعل من السياسة حرفة لتحقيق اجندات سياسية ومنفعة شخصية وعشائرية. فمن الذي يقسم الشعب افقياً النخبة ام الأحزاب السياسية؟
 لا يمكن تفسير هذا الحشر لرسالة غبطة البطريرك ساكو لتضع عنوان كلمتك هذه الا لغايتين أساسيتين أولهما لترسيخ الموقف المعارض من الاشوريين والمجلسيين تجاه غبطته والإساءة لسمعته ومكانته امام الراي العام، وثانياً لترسيخ الالغائية في تأكيدك لتوحي للقارئ ان الحوار جاء بصيغة الحديث القومي، بينما الحقيقة الجلية جاء بالصيغة المكون المسيحي، كأنما تحاول إيصال رسالة الى الراي العام، مفادها انظروا ولاحظوا كيف ان الكلدان والسريان والاشوريين قومية واحدة لان وفد جماعي منهم التقى بنائب البرلمان بمعية ممثليهم.
تأكيدي، ومعي الكثيرين، نطلب من رجال الدين لكنائسنا واحزابنا السياسية ان يعملوا بتكاتف وتضامن والسعي لتوحيد القرار والمواقف في تعاملهم مع الحكومات وفي كل المناسبات، وهذا ما يؤكد عليه غبطة البطريرك ساكو والأحزاب الكلدانية والمتابعين من الكلدان والسريان، وهكذا مبادرات تصب أهدافها في مصلحة اقوام العراق الأصليين، ويجنبوا الحديث او النقاش حول التسمية وترسيخ ثقافة الكره والالغاء، وليتركوا كل واحد يعتز بتسميته. فوجود الأساقفة الموقرين من كل مذهب ونواب في البرلمان سوية لمناقشة حقوقهم مع المسؤولين هو موضع اهتمام وتقدير، كما ذكر في مقدمة تعليقه ايضاً نيافة الاسقف مار عبديشوع اوراهم أسقف كنيسة المشرق الاشورية، بالرغم ان في متن تعليقه مغالطات في المفهومين، القومية والشعب واللغة قديماً وحديثاً، وعبر في حديثه بالتسمية المركبة الغريبة. نعم كلنا نريد هكذا لقاءات ودون ان يُسحب الحدث للتسمية وإلغاء الاخر.
 لكن أنا واثق ومن مصدر مسؤول، ان السريان كنيسة وشعباً واحزاباً يؤكدون على التسمية المنفردة لأجل تثبيتها في الدستورين، مثلما يؤكد الكلدان كنيسة وشعباً واحزاباً، واولهما حزب المجلس القومي الكلداني الذي يرأسه النائب (جنان جبار) وهو ضمن الوفد المذكور في اللقاء. وجميعهم يرفضون السياسة الالغائية والتسمية المجلسية المركبة من الأحزاب والمتعصبين الاشوريين والمجلسيين.
 رسالة البطريرك ساكو الرئيس الروحي للكلدان ليست خطوة على طريق النكبة، بل هي خطوة رائعة تاريخية موضوعية تعكس مطالب الكلدان للتصحيح عن الغبن الذي تلقوه من جراء تضليل وخُدع الأحزاب الاشورية والمجلس الشعبي لهم وللسريان. غبطته عندما يصرح ويقر بموضوع ما، لا يأتي اعتباطاً، بل مدروساً وواثقاً مما يقوله، لان كلمته بكل مناسبة هي انعكاس لما يمتلك من خبرة ميدانية عن مجريات الأمور المختلفة في المجتمع العراقي على كل الأصعدة، وخبرته النظرية المتراكمة عبر مسيرته الدراسية والعلمية والتأليفية والبحث. فغبطته يدرك تماماً ما يقدم اليه. فهو لا يتدخل بالسياسة كما يدعي البعض، بل يدافع عن المظلومين، ويرسخ ثقافة التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، كما يرسخ مفاهيم احترام الاخر المختلف ونبذ التعصب والعصبية.
 لا يقبل أحد، ولا تقبل مجموعة بشرية ان يفرض عليها تسمية ما، فهذه مهزلة ولا يجوز انسانياً وحقوقياً وسياسياً وقانونياً، فكل جماعة تعرف ذاتها وهويتها لتُعرّف نفسها. وبالنسبة الى القوميات الثلاث لسكان بلاد النهرين التي عُرفت الحضارات قديماً بأسمائها، الكلدان والاراميين "السريان" والاشوريين، تواجدوا قديما وتزامناً على ارض بلاد النهرين، ولا تزال تسميتها معروفة ولكل منها خصوصيتها القومية، فأية مراجعة موضوعية بعيدة عن الشحنات العاطفية والأيديولوجية السياسية يمكنها التعرف بوجودها، علماً انها كانت في صراع دائم لأجل السيطرة على الأرض والغنائم. فالاختلاف في التسميات القومية لسكان العراق الأصليين ليس نتاج مذهبي كما يروجون لها، بل لها وجود تاريخي قديم منذ الاف السنين. (لا أفضل الخوض في الموضوع لتجنب التكرار ولكي لا اخرج عن موضوع الحدث الحالي).
 بات واضحاً، من ردود الأفعال غير المسؤولة والانفعالية من قبل الاشوريين في وسائل التواصل الاجتماعي ومنها كلمة اوشانا، ماهي الا الشعور بفقدان الثقل الديمغرافي على جراء تثبيت التسميات المنفردة، وثم فقدان للمناصب والدور السياسي، فنلاحظ حالياً في الإقليم، نائب محافظ دهوك اشوري، مدير الثقافة السريانية اشوري، رئيس لجنة الاجتماعية وحقوق الانسان في البرلمان اشوري، ورئيسة دائرة حقوق الانسان اشورية، وغيرها من المناصب في حكومة الإقليم والحكومة المركزية، عجباً لو كنا قومية واحدة وشعب واحد، الا يستحق ان يكون من بينهم كلداني او سرياني؟ وهم الأكثرية الساحقة في الإقليم وعموم العراق. والكل يعرف كيف تم ترشيحهم واختيارهم ومن ساندهم، اسوة بالأخرين في البرلمان جراء الوضع الانتخابي والسياسي الشاذ في العراق. فالكلدان لا يقبلون بهم.  فحتما ستتغير المعادلة لو ثبتت التسميات المنفردة لصالح الأكثرية وينعدم الدور الرئيسي للأشوريين والمجلسيين. ولهذا تستمرون بالإصرار والتشبث، إما الكل اشوريين او التسمية المركبة المجلسية.
لم تأت هذه الكلمة من حضرة المستشار السابق الا إضافة خدعة على ما سبقها من خدع ارتكبوها سياسييكم، فالا تتعظ الأحزاب الاشورية ومؤازريهم ومنظريهم من دروس الماضي؟

رابط الخبر المنشور على موقع برلمان كوردستان العراق
رابط الخبر المنشور على موقع برلمان كوردستان العراق


رابط مقال اوشانا نيسان
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1020707.0

رابط تعليق نيافة المطران مار عبديشوع اوراهم
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1020724.0



13
                                      لا للاستفتاء ولا للدراسات
                              الكلدان يعرفون قوميتهم/ كيف ولماذا؟

د. عبدالله مرقس رابي

                 بعد الإعلان عن طلب غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو في رسالة موجهة الى رئاسة برلمان إقليم كوردستان العراق، في 20 من الشهر الماضي، يؤكد فيها ادراج تسمية الكلدان في دستور الإقليم، مفضلاً ان يكون نص الفقرة: الكورد والتركمان والكلدان والسريان والاشوريون والارمن. ظهرت ردود فعل متباينة في موقفها، برفض الاشوريين والمجلسيين، وترحيب الكلدان قاطبة. وفي ضوء تلك الردود سأوضح رأيي الشخصي منطلقاً من عنوان المقال لتحليل ما يجري. 
 يعد هذا مطلب كل الكلدان في بلدان الشتات، وفي داخل البلد، ايماناً منهم بانتمائهم القومي الكلداني وان كان نفر منهم لم يعجبهم هذا الانتماء لأسباب شخصية، لارتباطهم بأجندات سياسية تدر عليهم منافع ومصالح شخصية، او عدم قدرتهم لاستيعاب دراسة الحضارات، فهؤلاء لا يمثلون الا أنفسهم.
 لا أفضل الخوض في مسالة الاثنية بتفاصيلها، الا ان تعريف الأثنية او الجماعة الاثنية علمياً التي يرادفها عند السياسيين القومية، علما لا يوجد هكذا مفهوم او كلمة في المعاجم العربية. مجموعة بشرية لها مشتركات اجتماعية، ولغة موحدة، وتصور عرقي واحد وتراث موحد على ارض مشتركة تميزها عن غيرها من الجماعات، لترابطها بالشعور الموحد للانتماء، أي ان كل المقومات التي تُذكر عنها دون وجود شعور الانتماء لا تجدي بالغرض لتميزها عن الجماعات الأخرى. هذا الشعور ترسخه الاسرة في ذهن الفرد منذ ولادته، فيظل يلازمه مدى حياته فهو حالة طبيعية استعدادية عند كل انسان. وهذا يُستخدم في لوائح الأمم المتحدة، فكل التعاريف التي لا ترتبط بالشعور هي تقليدية عفي عليها الزمن.
 غالباً ما يخلط ذوي الخبرة الناقصة بين مفهومي الشعب والقومية، وبل استغرب من بعض ذوي الاختصاص لا يفرقون بينهما، بقولهم نحن شعب واحد، ولكن لا يعني ذلك باننا قومية واحدة، لماذا؟
 تعريف الشعب هو: مجموعة من الافراد ينتمون الى رقعة جغرافية محددة سياسياً ويخضعون لسلطة سياسة، وهو من الأركان الأساسية للدولة يتحدد بقانون، أي مصطنع، ويتكون من عدة اقوام، او قوم واحد وهذا نادراً ما يحدث واما القومية، فهي ظاهرة اجتماعية تنمو مع نمو الفرد وطبيعية في كينونته ولا تُحدد بقانون، بل بشعور شخصي للانتماء. فالكلدان والأشوريون والاراميون شعب واحد لانتمائهم الجغرافي بلاد النهرين قديماً، ولكنها قوميات مستقلة تطبيقاً لتعريف الاثنية عليها.
لا نحتاج لدراسات لتحديد التسمية، لماذا؟                                     
                 لو طبقنا معيار تعريف القومية الحديث، الذي يرتبط بالأساس في الشعور بالانتماء، فكل من الجماعات البشرية الثلاث لأفرادها مشاعر انتمائية لتسميات مختلفة بغض النظر عن مصدر او حجة تسميتها قديماً، قبيلة، دينية، مهنية، جغرافية،اله، او اسم الجد الأعلى لها، بغض النظر عن متى حدث ذلك. يتوهم من يرى اليوم الجماعات الثلاث قومية واحدة، لعدم تطابق المقومات القومية وحتى عند الاثنية الواحدة، كيف؟
 من حيث الارض وان كانت مشتركة في البلد، ولكن تتباين مشاعرهم الانتمائية لتسميتهم، ولا يُشترط من يعيش على رقعة جغرافية محددة هم من قومية واحدة، وبات أبناء القومية الواحدة لا يشتركون في الأرض لانتشارهم على بقع جغرافية مختلفة في العالم، ولكن مع ذلك يبقى الشعور بالانتماء هو الذي يربطهم ببعضهم وليس الأرض، وبالأخص الأجيال القديمة، بينما الحديثة منها قلما لها هذا الشعور، بل شعورها هو الانتماء للبلد الذي تعيش فيه.
 اما من حيث الأصول العرقية الواحدة، باختصار، توصل الانثروبولوجيون الطبيعيين والحضاريين، عدم وجود عرق بشري نقي فمن يعتقد في ذلك، يعد وهم واسطورة.
وعن اللغة المشتركة. باختصار ايضاً، لا يشترط ان الذين يتحدثون لغة واحدة، يشتركون بنفس المشاعر القومية، والأصول العرقية المفترضة من قبلهم، فهناك في المجتمع البشري اقوام مختلفة في مشاعرها الانتمائية، لكنها تستخدم نفس اللغة والامثلة عليها متعددة.كما ان ابناء القوم الواحد احيانا يتحدثون اكثر من لغة ولكن مشاعرهم القومية موحدة.
 اما من حيث المصير، ليس مصيرهم مُشترك، الا ان انتمائهم الى نفس الدين، يتعاطى معهم المتعصب المختلف دينياً على هذا الأساس، وليس لأنهم اشوريين او كلدان او سريان. ويدلنا التاريخ على احداث مثل هذا القبيل والتعامل.
 ومن حيث المواقف والتفكير لكل من الجماعتين نموذج  من التفكير، ترسخ عبر التنشئة الاسرية وتمركزه في ذهن الفرد. فالكلدان، جل تركيز اهتمامهم وتفكيرهم مقترن بالحكمة، ودراية الواقع الذي يمرون به سياسياً واجتماعياً، فهم أكثر تفهما للوضع ومشاركة في المجالات الحياتية المختلفة في المجتمع العراقي، وتنمية مشاعر الانتماء الوطني في ظل التنوع الديمغرافي فيه، والتكيف مع الواقع.
 فانخرطوا في الاحزاب السياسية الوطنية، منذ ظهورها وبدرجات متقدمة، وتقلدوا ادواراً وظيفية واجتماعية عالية، ونبذوا المعطيات التاريخية من تفكيرهم، لأنها لا تحقق لهم شيئاً، ولهذا لم يفكروا يوماً ما التمتع بحكم ذاتي او إقليم، ليس لضعف الشعور القومي عندهم كما يظن بعض السذج، بل لإدراكهم للواقع وتفاصيله ومدى الخطورة التي تشكل الفكرة على وجودهم.
ولهذا نلاحظ ان مطالبهم من الحكومات المتعاقبة تنحصر في الحقوق المدنية، المساواة امام القانون للشعب العراقي، إعادة النظر بقانون الأحوال الشخصية، الحق في ممارسة الاعمال التي تُجيزها الديانة المسيحية، وممارسة التقاليد الدينية، وتوزيع الادوار والمناصب الحكومية بعدالة قانونية وحسب الكفاءة دون تمييز والمطالبة بتحقيق الأمان للمسيحيين وممتلكاتهم، وكافة أبناء الشعب العراقي، والتأكيد على التنمية الشاملة.
 مقارنة مع الأشوريين الذين ترسخت احلام السلطة والامبراطوريات في تفكيرهم، منذ بداية القرن الماضي على إثر تصورهم انهم أبناء نينوى والحضارة الاشورية. وظل هذا التفكير الأسطوري الذي لا يساعد الواقع تحقيقه، جزءاً من شخصيتهم يلازمهم عبر الأجيال المتعاقبة، لدرجة يحدثنا التاريخ في مناسبات عديدة استخدامهم الكفاح المسلح الذي ادى الى فقدان أنفس كثيرة منهم من جراء تأثير محبي السلطة منهم.
 ولا يزال الى يومنا تراودهم هذه الاحلام، في التمتع بإقليم وحكم ذاتي، وأكثر من ذلك لا يرضى سياسييهم في بلدان الانتشار ومنظماتهم السياسية الا العمل من اجل إعادة امجاد الدولة الاشورية، بحسب تصريحاتهم التي تُنشر هنا وهناك اعلامياً، في حين لا تُزيد الا الطينة بلة، لردود الفعل من الأكثرية الديمغرافية في البلد للضغط لتهجير ما تبقى منهم في البلد. وامتد تأثيرهم السلبي على الكلدان وكل المسيحيين.
العقلية التي تربى عليها الكلدان لا تلغي الاخرين، بل تحترم مشاعر غيره الانتمائية، سواء على مستوى العامة او الرئاسة الروحية، او الأحزاب السياسية، وان جاءت المشاعر الالغائية من بعض المفكرين والكتاب والسياسيين، ليست الا كرد فعل لما تلقوه من الجانب الاخر. بينما نجد الاشوريين في كل مناسبة يؤكدون على ان الكلدان طائفة دينية، وهم اشوريون بالأصل، وهذا استنتاج وهمي وغير علمي لعدم استيعاب التلاقح الحضاري الذي جرى لعوامل متعددة لأقوام بلاد النهرين.
 اذن يبقى الشعور الفردي هو الحاسم للانتماء القومي، ومن السذاجة التأكيد على المقومات المار ذكرها انها مشتركة بين الاثنيات الثلاث، كما ليس منطقياً ان نقول حالات الزواج المتداخلة والعلاقات الاجتماعية هي مقوم للقومية، فهذه الحالات تظهر ليس لسبب القومية الواحدة، بل للأيمان العقائدي الديني المشترك كمسيحيين، وهذه تظهر مع جماعات أخرى. وعليه عندما يتحدث بعض الكتاب والسياسيين كأنهم وكلاء الاثنيات الثلاث (قولهم ان المسيحيين العراقيين قومية واحدة)، هذا مجرد افتراض لا يمس الحقيقة بتاتاً، لو نشخص الواقع بموضوعية.
لماذا يلجأ الكلدان الى الدساتير لتثبيت تسميتهم المنفردة؟
                                                            بعد سقوط النظام الأسبق عام 2003 وتعاقب حكومات، ونظام سياسي مختلف تماماً، اثار النعرات الطائفية والقومية بين أبناء العراق، فحدث تغير جذري في المجالات الحياتية كافة، ولعبت الحركة الديمقراطية الاشورية التي اثارت بأيديولوجيتها السياسية الالغائية للكلدان والسريان كقوميات مستقلة بالرغم من انخراط بعد تواجدها عام 1992 في إقليم كوردستان نفر من الكلدان اليها لأسباب ذكرتها سابقاً، واعتبرتها طوائف دينية اشورية، وأول ما بدأته اعلامياً، هو طبعها كراس يبين موقفها تجاه الكلدان والسريان، وانتشر في محافظات الإقليم في العام المذكور اعلاه وتلتها الأحزاب الاشورية الأخرى في سياستها المماثلة. وليس منطقياً مقارنة حزب قومي كالحركة مع حزب يتبنى تسميات حديثة كحزب العمال او الديمقراطي او المحافظ او العدالة وما شابه.
 حدث رد فعل من الكلدان سواء في بلدان الانتشار، او في الداخل، فظهرت أحزاب كلدانية سياسية تؤكد على استقلالية الكلدان بتسميتهم القومية، كحزب الديمقراطي الكلداني، والمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد، في أمريكا، والمجلس القومي الكلداني، ولما تيقنت الحركة لهذا الرد، تماثلت للنقاش حول التسمية، فظهرت التسمية الثنائية كلدواشور واللغة سريانية، وثم تلاشت بعد ان تيقن الكلدان اللعبة السياسية للحركة انها خدعة غطائية لكسب الكلدان.
وما الا سنوات قليلة تأسس المجلس الكلداني السرياني الاشوري عام 2007 بدعم كامل من الحزب الديمقراطي الكردستاني للعلاقة الحميمة مع مؤسسه سركيس اغاجان الرجل الذي تقلد وزارة المالية في حكومة الإقليم، وتوليه عملية الاشراف على كيفية صرف الأموال التي خصصتها حكومة الإقليم الواردة من أمريكا بحسب الاعلام لإعمار قرى المسيحيين، فتولت لجنة شؤون المسيحيين هذه المهمة التي اساساً كانت قد شُكلت من قبل رئاسة الإقليم.
 فانتهز هذه الفرصة لنفوذه وعلاقاته مع المسؤولين القياديين الكورد، فصرف من تلك الاموال لأجل اقناع محبي المال من الاحزاب السياسية وبعض من رجال الدين وحتى بعض المفكرين البسطاء في داخل العراق لاستحداث تسمية غريبة وشاذة لسكان بلاد النهرين الاصلاء على صيغة (الكلدان السريان الاشوريين) بحجة انها تسمية مرحلية ولتكون تسمية موحدة لتتعاطى الحكومة مع الاثنيات الثلاث، واعتبار انهم شعب واحد وقومية واحدة، ودونت في مسودة دستور الإقليم.
 انخرطت الأحزاب الاشورية وحزبين صغيرين من الكلدان ولم يكن لديهما شعبية كبيرة عند الكلدان، كما انخرطت الأحزاب السريانية في المجلس المذكور، ولكن تدريجياً، وبعد ضعف التمويل المالي، بدأت تسحب الاحزاب من تحت لواء المجلس، ولكن ظلت تستخدم التسمية الثلاثية، باستثناء المجلس القومي الكلداني بعد ان تيقن، بان تلك المحاولة ايضاً كانت خدعة سياسية اشورية وغطائية بتصريح من بعض مسؤولي المجلس، وتصريحات الأحزاب ومن يلف في فلكهم من الكتاب المنتفعين وتأكيدهم ان التسمية الاشورية خط احمر، أي انهم غير مقتنعين بالتسميات الثلاث مستقلة. علما ان النطق بهذه التسمية المركبة يعني جلياً هو اعتراف على وجود ثلاث قوميات موجودة في الواقع، طالما يتم ذكرها، فما هو الضرر لو حُذفت الاقواس والفارزات!!؟ لتكون أكثر توافقاً مع مشاعر أبناء القوميات الثلاث.
 ظهرت ردود فعل قوية من الكلدان للتسمية المركبة الشاذة، الا انه في الدستور الاتحادي في بغداد جاء ذكر التسمية الكلدانية والاشورية مستقلتين، وقدمت مقترحات اخرى، وكلها باءت بالفشل، لتصميم الكلدان في الخارج والداخل لتثبيت تسميتهم مستقلة في الدستورين، وعلى ضوء هذا الموقف، جاء طلب غبطة البطريرك الكاردينال ساكو لأدراج تسمية الكلدان منفردة في دستور إقليم كوردستان اسوة بالدستور العراقي وعلى الصيغة المذكورة أعلاه.
عوامل إصرار الكلدان
                        كما ذكرت أعلاه، الشعور القومي والوعي القومي كان قائما لدى الكلدان حالهم حال الاشوريين، ولكن لم يبادروا لترسيخ وتحفيز هذا الوعي، لأسباب ذكرتها أعلاه، انما ظهور الأحزاب القومية الكلدانية في العقود الأخيرة وتبني كلدان المهجر إقامة مؤتمرات قومية، وضعت اجندات وجدول اعمال في مختلف الشؤون الكلدانية، كمؤتمر ساندييكوعام 2011 الذي نضمه مجموعة من الناشطين الكلدان ومؤازرة الكنيسة ممثلة بأبرشية مار بطرس الكلدانية، فوضع الأسس الثابتة والراسخة لمواقف الكلدان في الساحة السياسية في العراق وتلاه مؤتمر ديترويت عام 2013 برعاية المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد، ونظم جدولا للأعمال في الشأن القومي. بالإضافة الى الندوات المستفيضة تخص الشأن القومي.
 حضر للمؤتمرين الأحزاب السياسية الكلدانية الرافضة للتسمية المركبة ومفكري ونشطاء الكلدان من العراق ومن بلدان الانتشار، وتمخضت في كلا المؤتمرين توصيات متعددة ومقررات كان لها التأثير الكبير في نهضة قومية كلدانية وترسيخ الانتماء القومي للكلدان، وثم تأسست الرابطة الكلدانية العالمية لتحقيق مجموعة من الأهداف بحسب دستورها كمقترح من البطريرك ساكو، ولعبت دوراً كبيرا في لاستمرار النهضة القومية الكلدانية هي الأخرى من خلال فروعها.
 يتوهم من يقول ان هذه المؤتمرات والأحزاب السياسية فشلت لم تحقق شيئاً، لو لا نجاحها لما ثبت إصرار الكلدان من خلال رئاستهم الروحية واحزابهم السياسية على تثبيت التسمية المنفردة لهم في الدساتير والإصرار على المطالبة بحقوقهم كما ذكرت أعلاه التي تختلف عما يطالب به الاشوريون، ولا يعني عدم اتفاق الأحزاب في ائتلاف موحد هو فشل المؤتمر، حيث كما هو معروف هناك اجندات متعددة لكل مؤتمر، ولا يُشترط تحقيقها كاملة، علماً في المقابل لا يوجد أي اتفاق يذكر عند الأحزاب الاشورية، بل حدة الصراع متفاقمة بينها ايضاً.
 وعند تشخيص دور الأحزاب السياسية، يجب ان لا يكون من نظرة أحادية لكي تتحقق الموضوعية، أي لابد من تشخيص دور الأحزاب الاشورية ايضاً، فما الذي حققته غير الصراعات على الكرسي في البرلمان او منصب ضعيف في الحكومة، ويتوهم البعض بان الحركة الديمقراطية الاشورية او المجلس الشعبي حققا تواجد أعضاء في البرلمان بجهودهما، ابدا لم يتحقق ذلك لو لا اسناد واضح من القوى المتنفذة سواء في بغداد او الإقليم، ومهما يبررون ذلك، انما الواقع يُشير الى العكس، و لا مجال للخوض في التفاصيل، وبدليل ضعف دورهم تدريجياً وصعود الكلدان ممثلين بكتلة بابليون وما حققته الأحزاب بالتعاون مع الرابطة الكلدانية لصعود نائب اخر، حتى وان كان بمؤازرة القوى المتنفذة حالهم حال الأحزاب الاشورية.
 وعليه علينا ان نقول على الأحزاب الاشورية والمجلس الشعبي ان تتعظا من دروس الماضي وتتقنا أسلوب احترام مشاعر القومية للأخرين، ولا يكون الكلام موجه للأحزاب الكلدانية فقط.
لا للاستفتاء، ولماذا؟
                      الاستفتاء أداة لقياس الراي العام تجاه موقف معين، وان يكون أداة لقياس تحديد تسمية مجموعة بشرية، فهذه غير منطقية، لان تسمية المجموعة موجودة عند افرادها تلقائياً لا تحتاج استفتاء، ومن العيب ان اجراء هكذا استفتاء، فماذا يقول الاخرون، يا مصيبة سكان العراق الأصليين لا يعرفون قوميتم!!! أصبحنا اضحوكة امام الاخرين بالتسمية المركبة الشاذة، ونزيدها بالاستفتاء عن تسميتنا.
 من يضمن انها ستكون عملية نزيهة في ظل الأوضاع الشاذة في العراق؟ حتماً ستوثر قوى متنفذة لصالحها في العملية، ويتم التلاعب بالنتائج كما تحدث في الانتخابات البرلمانية بالرغم من ان مفوضية الانتخابات مستقلة، وما الفائدة من الاستفتاء طالما لا يوجد احتمال التسميات المنفردة المستقلة عن بعضها، فالنتيجة مهما تكون في هذه الحالة هي نفسها لا تتغير. وطالما ان الرئيس السابق لإقليم كوردستان (مسعود البارزاني) أكد ان أي مكون مهما كان قليل فلابد ان نعترف به كقومية. فاذا لماذا الاستفتاء وهناك الالاف من الكلدان يصرون على تثبيت تسمية قوميتهم في الدستور، فالعملية المفروض وفقاً لهذا الموقف ان تتم تلقائياً. وهل ترضى المنظمات الاشورية المتقاطعة في افكارها التعصبية الالغائية في الخارج بنتائج الاستفتاء؟ فلا فائدة منه مهما ستكون النتائج.
 لا، واني مسؤول عن كلامي، الكلدان ليسوا بحاجة الى تحديد تسميتهم باستفتاء شعبي، لأنهم ببساطة يعرفون تسمية قوميتهم، وهي مغروسة في عقولهم عبر التنشئة الاسرية، ويعرفون تاريخهم منذ ظهورهم على ارض الرافدين، وليست مطالبتهم بأدراج تسميتهم القومية في دستور إقليم كوردستان من رئاستهم الروحية، ومن احزابهم السياسية ومنظماتهم الا رد الفعل للأوضاع الشاذة السائدة في العراق عموماً وما يخلقه الأحزاب الاشورية من فوضى في موضوع التسمية، ويتوهم من يرى غير ذلك.
وادعو الرئاسة الكنسية الكلدانية والسينودس الكلداني والأحزاب والمنظمات الكلدانية عدم قبول هكذا فكرة وحتى التفكير بها.
واختم مقالي هذا بما أكده المفكر الكلداني الزميل (يوحنا بيداويذ) في رده على أحد المتعصبين الإلغائيين قائلاً: هيهات، هيهات، هيهات، سوف لن يبقى كلدانياً او اشورياً، او سريانياً في البلاد إذا ظلت الالغائية والعصبية قائمة. فالتعصب طريق مسدود، على كل الأطراف ان تعي ذلك.

 
 
 




14
                         تقديم كتاب "قرابين الملكوت في بلاد ما بين النهرين"
                                هدية لأطفال العراق/ للاب "وسام متي"                             

د. عبدالله مرقس رابي
                           
                   وصلني الكتاب المعنون (قرابين الملكوت في بلاد ما بين النهرين، ارتحال يومي مع شهداء وقديسي كنيسة بلاد ما بين النهرين، حياتهم، استشهادهم، روحانيتهم واعمالهم). كهدية من مؤلفه الاب "وسام متي" قبل بضعة أيام من ديترويت، وقد دفعني عنوان الكتاب الذي اثار انتباهي لأول وهلة، للصياغة الدقيقة والمعبرة والهادفة التي وضعها المؤلف لكتابه، لقراءة الكتاب لاطلع على ما يحتوي من مضمون، ومن هم هؤلاء القرابين. ارتأيت لتقديمه وعرضه للقراء والمهتمين والمتابعين.

 التعريف بالمؤلف
                     لابد قبل عرض الكتاب وتقديمه، ان أقدم فكرة عن مؤلف الكتاب القس وسام متي:
وهو من مواليد 1971 في البصرة، بالأصل من قرية كرمليس.
دخل المعهد الكهنوتي في بغداد، وتخرج منه عام 1997، ورسم كاهناً في كرمليس للخدمة في ابرشية الموصل.
خدم في كنائس الموصل لغاية عام 2002، حيث نُقل الى ابرشية مار توما في مشيكن الامريكية. وحالياً يخدم في خورنة كنيسة مار توما في (ويست بلو فيلد) في مشيكن.
 له شهادة الماجستير في اللاهوت الرعائي من سينمير القلب الاقدس في ديترويت.

 اهم نشاطاته الثقافية:
                      ترجمة كتاب (شفرة دافنشي) عن الإنكليزية. كما ترجم كتاب (كسرة خبز روحية) عن الإنكليزية، لكاتبه الاب اليسوعي (هنري نووين).
ألف البوم تراتيل (سيدة العراق)، وهي تراتيل للام العذراء والعراق، ومواضيع ايمانية متعددة، بالاشتراك مع الفنان العراقي (اسماعيل الفروجي).
اعد وقدم برنامج ديني ايماني ثقافي إذاعي، لمدة ست سنوات، تحت عنوان (أحبوا بعضكم بعضاً) وقد نال شعبية كبيرة في وسط الجالية في مشيكن.
وله مقالات منشورة في المواقع الالكترونية في اللاهوت والروحانيات المسيحية، بالإضافة الى النشاطات الكنسية المختلفة، من محاضرات، ودروس في الكتاب المقدس.
 ومن اهم ما أقدم اليه الاب وسام متي، إضافة للخدمة من اجل نقل كلمة الرب للخلاص الروحي، أسس جمعية (سان جود العراق) عام 2015 بعد احتلال داعش لمنطقة سهل نينوى، وهي جمعية غير ربحية ورسمية مجازة من الحكومة الامريكية لمساعدة أطفال العراق، وخاصة الايتام منهم، لتلبية احتياجاتهم الحياتية. ومسؤول الجمعية الحالي في العراق هو الإعلامي والحقوقي (ظافر نوح).

المحتوى الفكري للكتاب
                          يتضح من العنوان الفرعي للكتاب في الصفحة الداخلية (ارتحال يومي مع شهداء وقديسي كنيسة بلاد ما بين النهرين، حياتهم، استشهادهم، روحانيتهم واعمالهم)، المحتوى الفكري للكتاب، الذي يدور حول مَن نالوا الشهادة والقداسة، من الاكليروس والرهبان والراهبات، والشباب والشابات ومن النساء والرجال الذين أعطوا حياتهم من اجل ايمانهم المسيحي، كما ايضاً اشتمل على غير الشهداء الذين خدموا في كرم الرب، وكانت شهادتهم للمسيح من خلال أعمالهم وواجباتهم اليومية، من رؤساء ومعلمين لاهوتيين، قدموا حياتهم مكرسين خدمتهم للكنيسة، او رهبان لهم معجزات. فهم كما يُشير المؤلف قناديلٌ للنور الإلهي، وجعلوا نور المسيح يلمع في ارجاء بلاد ما بين النهرين، قديماً وحديثاً، ففي كل الازمان هناك نفس الاندفاع للشهادة، وفي كل الازمان للقاتل نفس الدوافع التي يدعيها.
 يكشف لنا الكتاب، وقوع المسيحية في بلاد ما بين النهرين تحت ثقل الاضطهادات القاسية، بسبب الهوية الدينية على مر العصور وبتعاقب الإمبراطوريات والحكومات، أدت الى فقدان وخسارة كبيرة على الواقع الكنسي والاجتماعي من جهة، ولكن من جهة أخرى أدت هذه الاضطهادات الى تعميق وترسيخ وثبات الكنيسة عبر الأجيال، حتى أُطلق عليها (كنيسة الشهداء). فالمسيحية في بلاد ما بين النهرين كما يصفها المؤلف، هي كالعطر الخالص لا يفقد خصوصيته، بل بالعكس فان رائحته تفوح باستمرار وزمنه يتعدى الالفي سنة، وبسبب فوحان هذا العطر، فان البشارة المسيحية باقية في هذه الرقعة الجغرافية.
وعليه جمع في الكتاب كل الشهداء والقديسين في الكنائس المعروفة اليوم منذ القدم وفي العقود الاخيرة، ايماناً منه كلها كانت كنيسة واحدة مسيحية: الكلدانية الكاثوليكية، المشرق الاشورية، المشرق القديمة، السريانية الكاثوليكية، السريانية الأرثدوكسية.

تنظيم الكتاب
              أجمل وأبدع ما اعطى من خصوصية هذا الكتاب، هو تنظيمه المقنن الذي يُسهل للقارئ المتابعة والاستيعاب، والحصول على مبتغاه من القراءة، كما يأتي:

  أولا: وضع سير حياة هؤلاء الشهداء والقديسين على مدار أيام السنة، بدأً من اليوم الأول من كانون الثاني، بواقع 10-20 سطر لكل منهم، وتضمنت سيرة الحياة المختصرة:
يوم وتاريخ الاحتفال به او التذكار.
اسم القديس، والاشارة الى صفته مثل: ناسك، راهب، درجته الكهنوتية، جاثاليق، لاهوتي، متوحد، مؤسس دير، شهيد، وغيرها.
مسقط الراس وتاريخ الميلاد، ومعلومات عن الاسرة، خلفيته الدينية قبل دخوله المسيحية، تاريخ دخوله الرهبنة بالنسبة الى الرهبان، تلقيه للعلوم، معجزاته، وروحانياته ومؤلفاته، تاريخ ومكان استشهاده او وفاته، وطريقة التعذيب والاهانة والتمثيل بجسمه.
الصلاة: وضع المؤلف بعد عرض مقتضب لحياة المُحتفل به صلاة مستنبطة من حياة الشهيد او القديس، كي تعطينا الامل والتفاؤل والبشرى السارة في عيش البشارة الحقة في الأيام العصيبة.
 الفكرة: وضع ايضاً فكرة لكل يوم من اجل التجديد الداخلي الذاتي الذي علينا ان نعيشه، فهو كالغذاء لجسدنا الروحي.
وقد أدرج حياتهم على مدار السنة وفقاً للمجاميع الاتية:
المجموعة الاولي، التواريخ الثابتة في الاحتفال بحياة القديسين حسب التقويم الكنسي.
المجموعة الثانية، التواريخ غير الثابتة التي تقع في الجمع والاحاد المتغيرة تواريخها حسب السنة الطقسية.
المجموعة الثالثة، تذكارات غير الشهداء، ووضعهم في الأيام الشاغرة.
ووضع تاريخ الاحتفال بالقديس الذي له احتفال شعبي محلي لأبناء القرية حسب ما يحتفل به اهل القرية.
لم يدون الاعياد الكنسية الرسمية للقديسين المعروفة للكنيسة الجامعة، مثل، القديس يوحنا المعمذان ومار اسطيفانوس وغيرهما.
ثانياً: وضع المؤلف فهرست للمصادر والمراجع لحياة القديسين والشهداء حسب التسلسل اليومي لتذكاراتهم على مدار السنة، مع معلومات تفصيلية عن المصدر، فمن السهولة بإمكان القارئ الرجوع الى المصدر الأصلي الذي اعتمده.
ثالثاً: نظم المؤلف فهرست أعياد وتذكارات قرابين الملكوت في بلاد ما بين النهرين حسب الحروف الابجدية، تضمن الاسم، ويوم التذكار والصفحة، ليتيسر للقارئ الرجوع للقديس او الشهيد الذي يبحث عنه.
رابعاً: وضع قائمة عامة بالمصادر المعتمدة لتأليف الكتاب.

هدف الكتاب واهميته ومزاياه:
 وقد بذل القس وسام متي جهداً كبيراً في تأليفه للكتاب، تتضح من الطريقة المتكاملة المبتكرة الإبداعية لتحقيق الهدف منه، فالكتاب يعد مصدر تأمل في حياة القداسة المسيحية، ومصدر يقربنا من حياة القديسين أنفسهم لتعطينا الامل والتفاؤل ولأجل التجديد الذاتي الداخلي. بالرغم من احتواء المصادر الأخرى في طياتها لسير الشهداء، الا ان أهمية هذا الكتاب تأتي لتميز الطريقة المتبعة لعرض حياتهم بالتقنين والاختصار والسلاسة، فاتبع طريقة فريدة جديدة مشوقة، لتبقى ذكرى المعنيين في ذهن القارئ او المؤمن على مدار السنة.
وتميز الكتاب، بوضوح الهدف منه، لتطابق ما جاء من محتوى مع الهدف المتوخى منه، وكما ان العنوان الرئيسي توافق مع المضمون، وعنوانه الفرعي يعرفنا بوضوح محتوى الكتاب، أي سوف لن يجد القارئ اية زيادات او نواقص بحيث يفقد الكتاب لأهميته وهدفه. وقد أضاف معرفة نوعية بخصوص الموضوع لإعطائه أهمية لكل من كرس نفسه لخدمة الكنيسة، والمسيحية سواء من الشهداء او غيرهم، وخصص يوما لمن لم يكن لهم للاحتفاء بذكراه.
تبقى وظيفة الكتاب الحفاظ على دينامية التفكير ووسيلة للاتصال وحفظ الذاكرة لاحتوائه على معلومات ناجمة من القدرات الخلاقة للمؤلف، فالكتاب خرج بمعنى متكامل عن الموضوع المطروح، يمكن الاستفادة منه على المستوى الشخصي للفرد الذي يقتنيه، او على مستوى الكنيسة لما فيه من الإضافات والتوضيحات والخطة المتبعة.
وقد أهدى المؤلف كتابه الى روح اخته الشهيدة (وسن خضر متي)، والى أولئك الذين يعانون من الاضطهادات المختلفة من اجل ايمانهم المسيحي.
يتكون الكتاب من 419 صفحة من القطع الكبير. طُبع في مطابع ميترو في ولاية مشيكن الامريكية/ ستيرلنك هايتس، وحقوق الطبع محفوظة للمطابع نفسها.
 خصص ريع الكتاب لجمعية سان جود العراق، وهي جمعية غير ربحية تقوم بمساعدة الأطفال المحتاجين وبالأخص الايتام في العراق، للحصول عليه الاتصال رجاءً على الارقام في مشيكن الامريكية
2482501428
2485627465
Stjudeiraq.org الايميل
شكرا للقراءة




                   
                     

15
                                 دلالات المواقف السلبية المتكررة
                            تجاه الكنيسة الكلدانية والبطريرك “ساكو"

  د. عبدلله مرقس رابي
                         

               في البدء لابد من توضيح السبب في استخدامي لعبارة "أعراض مرض نفسي" في التحليل. كثيراً ما الاحظ من بين كتاب وسائل الاتصال الاجتماعي وبما فيها المواقع الإلكترونية، وفي تصريحات بعض السياسيين في كلماتهم عبر وسائل الاعلام يستخدمون مصطلحات ذات علاقة بوصف وتحليل شخصية الاخرين، وهذا الوصف بالطبع هو اجتهاد شخصي غير مبني على أسس علمية، وخبرة عملية في دراسة الشخصية والنفس البشرية وسبر غورها. وحتى الذي يكوّن خبرة نظرية او يقرأ شيئا عن الشخصية وبالأخص المريضة منها لا تكفي للوقوف على ماهيتها او وصفها مريضة ام سوية.

 وقد أدركت ذلك، بعد ان درست الشخصية السوية والمريضة اثناء دراستي الجامعية، لم أصل الى ماهية الشخصية، الا بعد ان تدربت لمدة سنة كاملة ميدانياً لإكمال متطلبات الدراسة عام 1979 في مستشفى مدينة الطب/ قسم الامراض النفسية، تحت اشراف استاذي الذي شجعني الدكتور عدنان الفضلي الأستاذ في كلية الطب ومحاضراً في قسم الاجتماع لمادة الصحة النفسية، وزاد ادراكي بعد العمل في المراكز الاجتماعية كباحث اجتماعي، إضافة للتدريس. ذكرت المثال، لأبين للقارئ، بان كتابتي للعبارة المذكورة لم يأت اعتباطاً ولمجرد قراءة عن المرض النفسي او لاجتهاد شخصي.

يُشير المرض النفسي الى اضطراب في شخصية الفرد، يسبب عدم التحكم في المشاعر والسلوك والتفكير، ويفقد المصاب حالة التكيف الطبيعية في حياته الاجتماعية والعلائقية مع الاخرين في الاسرة او المجتمع الذي يعيش فيه. ويستوجب هنا التمييز بين الحالة النفسية والمرض النفسي، فهناك من يعاني من صحة نفسية سيئة ولكنها ليست مرضاً نفسياً، وقد تكون طارئة او لحالة جسدية او اجتماعية يمر بها الفرد كأن نقول الحالة النفسية للمراهق، فنصف حالته النفسية ولكنه ليس مريضاً نفسياً.

 انما تكمن الخطورة في سوء الحالة النفسية عندما نلاحظ تكرار الفرد لسلوكه والتعبير الفكري الذي يعرّض الشخص لإصابة بالمرض النفسي. حيث تلازمه هواجس وأفكار تدفع الفرد لتكرار بعض الأنشطة السلوكية والفكرية، وهنا تظهر بوادر الصعوبة في التحكم، وتتحول الحالة الى الإصابة بمرض الأوهام "البارانويا" او الهلوسة، لعدم القدرة على مواجهة المشاكل اليومية او الضغوطات فيعكسها بحالة فكرية انفعالية غاضبة او سلوك عدواني وعنف تجاه الاخر، سواء عملياً او في الكتابة للتعبير عن ما يدور في ذهنه الذي لا يمس الحقيقة، ظناً منه انه السبب في حالته الصحية النفسية هذه ومُضطهد وهناك من يتآمر عليه ويكرهه، وذلك لأنه يكون واعياً لحقيقة تصرفاته الوسواسية غير المنطقية، ولكن يحاول تجاهلها، او تغيير مسار التفكير بها في وضع اللوم على الاخرين وانتقادهم المتكرر منطلقاً من نقطة ضعف معينة لدى المعني دون الاكتراث لمجموع الأنشطة والاعمال الإيجابية التي عملها ويعملها، فيغض النظر عنها ويتشبث بنقطة لتكون حجة التنفيس ضد المتآمر بحسب رؤيته، ليشعر بالراحة النفسية من تصرفه.

 ليس بمقدوري تشخيص اية حالة بانها مصابة بمرض نفسي، بل احذر أصحاب هذه المواقف بانها مؤشر نحو الإصابة، لان تصرفاتهم هي اعراض للمرض النفسي، ولماذا لست قادراً، لأني تعلمت من عملي المشار اليه اعلاه في قسم الامراض النفسية، ان تشخيص الحالة المرضية النفسية، تحتاج الى مقياس قد يتكون من مئات الأسئلة بحسب الحالة لكي يتمكن المختص للوصول الى التشخيص. وليس لمجرد نظرة معينة تجاه الشخص او من خلال سلوك معين.

 تظهر المواقف السلبية المتكررة تجاه الكنيسة الكلدانية وغبطة البطريرك الكاردينال ساكو من نفس الأشخاص سواء في الانتقادات الفكرية، او عبر سلوكيات بعض السياسيين اعلامياً وعملياً، وغالباً ما تُستغل ايضاً تلك المواقف السلبية للسياسيين من قبل الكتاب للإيقاع، والإساءة للمؤسسة الكنسية الكلدانية ورمزها الذي هو موضع احترام وفخر سواء من قبل اتباع الكنيسة نفسها او من قبل المجتمع برمته.

 وقد تكررت مواقف سلبية من بعض السياسيين تجاه الكنيسة الكلدانية في العراق، سياسيون يعتبرون أنفسهم مسيحيون، او قد يكونوا من بعض الملحدين الذين يفقدون أي احترام للرموز الدينية، بينما نلاحظ ان غير المسيحيين لم يتجرأ أحدهم لتوجيه انتقاد او المحاولة للإساءة لسمعة الكنيسة والبطريرك، سواء من السياسيين او غيرهم. وكثيراً ما يكون توقيت هذه الاساءات تجاه الكنيسة الكلدانية ورئيسها عندما تقترب الانتخابات البرلمانية، وتوزيع المناصب، وكأنما البطريرك مار لويس منافساً قوياً لهم.

هنا تنطبق حالة المشاعر والتصورات الوهمية التي اشرت اليها انفاً في عقولهم، أي تلازمهم أوهام تآمر من قبل الكنيسة عليهم تحيل دون تحقيق أهدافهم، وبعبارة أخرى اسناد فشلهم المتوقع في النجاح على الاخرين، عليه لكي يشعر بالراحة النفسية، يحاول إيذاء الاخر بشتى الطرق، فما محاولة الأخيرة لاتهام البطريركية والبطريرك مار لويس والتشهير به اعلامياً وزوراً محاولة ناجمة عن تلك المشاعر الوهمية التسلطية على عقولهم والتعبير عن احتمالية فشلهم في التكيف وكسب الاخرين.
 فهم يعرفون الحقيقة، كما ذكرت أعلاه، وهنا أيضا يعرفون جيداً، وبحسب ما ورد في تصريح البطريركية الأخير الواضح (بيع أملاك وقف يتطلب موافقات رسمية، الفاتيكان، البطريرك المتولي، موافقة الحكومة العراقية، وتكون عن طريق الاستبدال، والبطريرك هو رئيس الكنيسة يتمتع بشخصية معنوية وله حجة تولية من فخامة رئيس الجمهورية باعتباره متولياً على عموم اوقاف الكنيسة الكلدانية، نؤكد ان البطريرك لم يبع ارضاً ولا داراً ولا شيء). نعم يعون الحقيقة ولكن يحاولون تجاهلها او تغيير مسار التفكير بها ووضع اللوم على الاخرين وايذائهم.
 يدعي بعض ساستنا من المسيحيين، ولو صح التعبير بأنهم ساسة، وبعض الكتاب ان البطريرك "ساكو" يتدخل في السياسة، هذه ايضاً تأتي في سياق الفشل لتحقيق الأهداف الشخصية او فشل جماعته في تحيق ما هو مطلوب منها، أي الجهة السياسية التي يؤازرونها، فيعكسون أفكارهم السلبية تجاه البطريرك، ولكن يدركون تماماً متى يعد الفعل تدخلا بالسياسة، ومتى يكون النشاط هو الدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين الذي يعد اسمى الاعمال التي تقوم بها المؤسسة الدينية لاتباعها، بينما يتجاهلون ذلك، ويعكسون تصرفاتهم لإيذاء البطريرك والكنيسة والإساءة لسمعتهما.

 طيب لو كان جدلا ان البطريرك يتدخل بالسياسة، لماذا لا تطلب الحكومة العراقية او حكومة الإقليم منه بان لا يتدخل وليس من مهامه القيام بما يقوم به وبما يصرح به؟ ولماذا لا تلجأ تلك الجهات الى الحكومة وتعترض على تدخلات البطريرك؟ فهم يدركون تماماً سيواجهون فشلاً ذريعاً. لان الحكومة تدرك تماماً انه ليس تدخلاً بالسياسة، بل مطالبة بحقوق اتباع كنيسته، والمسيحيين عموماً ورفع الغبن عنهم.

 وهذا ينطبق على تصرفاتهم حينما يصفون موقف البطريرك "ساكو" بالكنائس الأخرى متعالياً، فهي نابعة من أوهام، والا لماذا لم يصرح يوماً ما أحد رؤساء تلك الكنائس عن موقف البطريرك كما هم يتصورون؟ بمعنى ان طبيعة العلاقة بين الكنائس ليست كما يحلو لهم، ولم تسبب زيارة البابا فرنسيس الى العراق التفريق بين الكنائس في العراق، ولكن هم كانوا أدوات لتوسيع الفجوة بين الكنائس، لأفكارهم الهدامة والوسواسية القهرية.

 وهكذا الذين يتصورون ان غبطته يسعى لتحقيق طموحاته ويتفرد بالعمل، طيب وهل محروم الانسان من تحقيق طموحاته؟ لا اعتقد انه يسعى لتحقيق طموحاته البطريرك "ساكو" مُستغلاً وضع ما او سينعكس ذلك الطموح المتوقع تحقيقه على الصالح العام، لأنه يدرك تماماً كيف يعمل ومتى يعمل وما هو للصالح العام. ماذا يطمح غبطته أكثر من ان يكون رئيساً لأكبر كنائس العراق، ومرتبطة بأكبر كنيسة كاثوليكية عالمياً؟ ماذا يطمح أكثر من ان يكون كردينالاً في أكبر كنيسة عالمية؟ فهو حقق بجهوده ومثابرته وأعماله ما هو عليه من مكانة، وحقُ مشروع لكل أسقف وكاهن في الكنيسة اذا يرغب في ذلك، ولم يعمل أكثر مما يفكر كل اكليروسي به.

 فكل تصرفاتهم تُفسر كما اشرت أعلاه من عدم تمكنهم التكيف في المجتمع، والحصول على قبول من المجتمع او الشك في حالتهم بان تلك المناصب التي يقلدونها جاءت بطرق او في سياقات هم أنفسهم غير راضون عنها، بدليل تقلباتهم في تعاطيهم مع جهات متعددة لأغراض تحقيق الغايات. او فشلهم في تحقيق غاياتهم للمرة الثانية لتقليد منصب او كرسي في البرلمان، فتتكالب الأفكار الوهمية التسلطية الوسواسية والغيرة الجامحة على عقولهم، ولا يرون الا البطريرك والكنيسة الكلدانية وسيلة للتنفيس عن حالتهم.

 ختاما أقول: هل يمتلك من يكرر انتقاده السلبي ويحاول الإساءة للبطريرك الكاردينال مار لويس ساكو الشجاعة والجرأة كما امتلكها ويمتلكها دائما بكل مناسبة في قوله اخيراً في كلمة له بمناسبة ذكرى رسامته الكهنوتية 47 (اعترف إني عصبي، لا اقبل الاعوج، لكني قدرت خلال السنوات ان أروض نفسي قدر الإمكان، اطلب المعذرة ممن قد اسأت إليهم). هل يمتلك أحد السياسيين او الكتاب الذين يحاولون الإساءة الى غبطته دائما وبكل مناسبة ويترصدون كل مواقفه ان يقدموا نفس الاعتذار لتتبين المصداقية عندهم وفي كتاباتهم واعمالهم؟ أ لم يقرأ أحدهم هذه الكلمة؟ ام انهم يغضون النظر عما هو إيجابي عند البطريرك "ساكو" منذ تسلمه السدة البطريركية في الكنيسة الكلدانية، والتي لا تُعد ولا تُحصى، ويعجز القلم من وصف مشاعره ومواقفه تجاه أبناء كنيسته والكنائس الأخرى والمجتمع العراقي بكل مكوناته في حالة المحن، ويركزون على هفوة او فلتة لسانية هنا وهناك في حالة انفعالية قد تكون ناجمة لرد فعل سلبي متكرر تجاهه وهو كبشر؟ وسبحان الذي لا يخطأ، وهنا لا ادعي بان غبطته معصوم من الخطأ ابدا، ولكن تبصير الانسان بالخطأ لا يكون كما يتصرفون كتابنا وساستنا، بحيث توحي انها اعراض مرضية. بل بأساليب وقنوات خاصة لا تعكس الإساءة للكنيسة التي يدعون انهم حريصون عليها، او الإساءة لشخصه كرمز ديني كبير على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.

http://saint-adday.com/?p=42970
 
http://saint-adday.com/?p=42962

16


                          تقديم كتاب/ مسيرتي الحياتية على درب الرب
                                   للمونسينيور داود بفرو
  د. عبدالله مرقس رابي


كتابة السيرة الذاتية للمرء في غاية الاهمية، بالاخص لهؤلاء الذين تقلدوا أدواراً قياديةً في مجتمعاتهم المحلية، والمبدعين في المجتمع، وذوي التأثيرات الواضحة لتغيير المجتمع أو المؤسسة التي يعملون فيها نحو الافضل في مختلف الميادين الحياتية، الاجتماعية والدينية والسياسية والاقتصادية وغيرها. حيث تدوين المسيرة الحياتية تعد وسيلة  لكشف العبر والخبرات والتجارب والمهارات والكفاءات التي تمتع بها صاحب السيرة، وكانت سبباً لنجاحه وتفوقه والتغلب على المواقف الصعبة وأجتياز المحن، لتكون دليلاً للقارىء لغرض الاستفادة منها والاقتداء بها في تطلعاته العملية والفكرية.
السيرة الحياتية لاتخص صاحبها فقط، بل تتعدى الى المجتمع ككل أو المجتمع المحلي أو المؤسسة التي يعمل فيها، ذلك لعدم وجود كائن بشري يعيش لوحده معزولا عن الاخرين. لكي يستمر الانسان في الحياة لابد أن أن تكون حياته عبارة عن تفاعلات أجتماعية متنوعة على كافة الاصعدة الحياتية من خلال الأخذ والعطاء، وتبادل الخبرات، وأكتساب السمات الموجبة التي تروق لحياته العملية والاستفادة منها.
بالاضافة الى أن الانسان نفسه يحمل سمات وراثية ودوافعَ، يتمكن من خلالها التأثير على البييئة الاجتماعية التي تحيط به سواء كانت بيئة العمل أو غيرها، فالشخصية المؤثرة في مجريات الامور تتميز بخصال وقدرات ذاتية تتفاعل بدورها مع ما يكتسبه الانسان، وبهذا كل ما أنجز الفرد من عمل أو تفوقٍ لابد أن يكون من خلال ذاته مقروناً بالتفاعل مع الاخرين، أي المسيرة الحياتية ليست ملك صاحبها فحسب، بل لكل من أحاط به.
عزيزي القارىء، ستقرأ في هذا الكتاب صفحات مُشرقة ومحطات من سفر الحياة الكهنوتية لكاهن سميته بعد أن راجعتُ مسيرته (كاهن المهمات الصعبة). وذلك لخدمته في كنائس لثلاث مناطق مختلفة في ظروفها السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية والطبيعية، ولما أحتوت من أحداث مؤلمة ومواقف مُثيرة ومُدهشة، ولتمتعه بشخصية تتميز بالحيوية والنشاط والكفاءة والمهارة وحُسن الادارة والقابلية لاتخاذ الاجراءات المناسبة في خضم الاحداث، والمثابرة والصبر والفطنة، كلها مكنته من التغلب على الصعاب والاحباطات والمآسي التي واجهته من جهة، ومن جهة أخرى مكنته من تحقيق النجاح والتفوق والجودة في العمل والادارة التي كُلف لادائها. بالاضافة الى أن أتقانه اللغات: الكلدانية والعربية والكوردية والفرنسية والانكليزية ساهم في التكيف وتسهيل عملية بناء العلاقات الاجتماعية مع الاخرين في المجتمع وأنجاز نشاطاته الروحية.
تعرض المونسينيور داود بفرو في  مسيرته على درب الرب بين فترة وأخرى الى أكثر من ثلاث مواقف خطرة ومأساوية، تكاد تُنهي حياته، ولكن مشيئة الرب كانت حاضرة لانقاذه. ولم يفقد الامل في تواصله لتقديم رسالته الكهنوتية، بل زادته أيماناً وعزيمةً وصبراًوقوةً. وعليه بالرغم من ذلك سنلاحظ  أينما حل من مركز ديني أو كنيسة لاداء واجباته كانت آثار نشاطاته واضحة للعيان، إذ بذل جهوداً استثنائية في أدارتها روحياً لاحياء والنهوض بتلك المراكز الدينية التي أستلمها، وهي تعاني من نواقص متعددة من حيث المستلزمات والمتطلبات التي تُساعد الكاهن لتأدية دوره الروحي.
 كما سيتبين من قراءة الكتاب، ما بذل المونسينيور بفرو من جهود إستثنائية قلَّ مثيلها، في رئاسته لاخوية المحبة (الكاريتاس العالمية) فرع العراق بين عامي 1991-2001، وفي نفس الوقت مارس خدمته الكهنوتية في كنيسة مارتوما الكلدانية في النعيرية/ بغداد، والتي بلغ عدد العوائل المشمولة بالخدمة اكثر من 3000 عائلة، لتكون اكبر خورنة في العراق.
 حقق في الفترة المذكورة في كلا الخدمتين، اهداف نقل البشرى لكلمة الله روحياً ومادياً للإنسان الذي اوصانا به الرب، فالكل بحاجة الى معرفه الله وطريقه، ووصاياه، وسبل الخلاص، وهذه تحققت بالخدمة الكهنوتية، وكما هناك الكثير الذين افتقروا الى لقمة العيش والكساء والمسكن والدواء واوصانا الرب لزيارتهم ورعايتهم وتلبية حاجاتهم، وهذه تحققت من خلال اهداف اخوية المحبة، محبة الجميع، محبة الفقير المحتاج في احلك الظروف واقساها، مثل الظروف التي افرزها الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق آنذاك لاكثر من عشر سنوات.
سرد الاب داود بفرو كل الوجوه في سيرته الكهنوتية وفي كل مراحلها الزمنية وأماكن تأديتها، فذكر ما أفرحه وأبهجه، وما ألمه وأحزنه وأقلقه وأحبطه نفسياً، وما تعرض له من مواقف أيجابية أو سلبية مع من عمل بشكل عام، ومع بعض من رؤسائه الروحانيين. تحدث عن كل المواقف التي تعرض أليها في حياته سواءً التي أعجبته وأدهشته أو تلك التي أثبطته أحياناً وتألم من جرائها، ومبيناً ردود افعاله الشخصية لتلك المواقف المُثيرة. وعليه أستنتجتُ من طرحه أنه لم يُجمِّلْ مسيرته الحياتية الكهنوتية، بل كتب بكل أمانة وثقة بالنفس كل الاحداث الجميلة والمؤلمة، المُفرحة والمُحزنة.
تبين أن المسيرة الحياتية على درب الرب للمونسينيور بفرو ليست مجرد سرد تاريخي للأحداث والمواقف أو سيرة شخصية للأطلاع، بل هي رسالة روحية وعملية جراء الدور المؤثر الذي لعبه في ممارسة واجباته ونشاطاته منذ تسلم مهامه الكهنوتية بدليل النتائج المثمرة والايجابية التي خلفها جراء عمله الروحي. وعليه ممكن أن يصلح الكتاب مصدراً للاخرين ورسالة واقعية لكل فرد لتفهم معنى الكهنوت وما يتميز به الكاهن من سمات شخصية تساعده وتؤهله للعمل الكهنوتي.
 يتكون الكتاب من 142 صفحة من الحجم المتوسط، ويحتوي على خمسة فصول غطت محطات حياته الكهنوتية، الفصل الأول، تناول فيه نبذة مقتضبة عن قريته منكيش حيث مسقط راسه، وطفولته، وقصته الطريفة عن تلبيته الدعوة الكهنوتية، وثم دراسته في معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل والى يوم رسامته. اما الفصل الثاني، فاشتمل، خدمته في ابرشية العمادية، وقصة الحادث الماساوي الذي تعرض له، ورحلته الى بغداد للعلاج.
بينما احتوى الفصل الثالث مسيرته الكهنوتية الحافلة في كنائس بغداد/ ابرشية البطريركية، ويطلعنا في الفصل الرابع على مزاولته رئاسة اخوية المحبة الكاريتاس العالمية، فرع العراق، الى جانب الخدمة الروحية في كنيسة مارتوما، والاحداث التي تعرض لها، وأخيرا الفصل الخامس، عرض مسيرته الكهنوتية من يوم مباشرته في كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور الكندية/ ابرشية مار ادي الكلدانية والى يوم تقاعده عن الخدمة. ويحتوي كل فصل، صور جميلة تعبر عن وقائع مسيرته الكهنوتية على درب الرب.
وأخيراً لي الشرف الكبير أني تلمذتُ على يده لاعدادي للتناول الاول في كنيسة ماركوركيس الشهيد الكلدانية في منكيش عام 1966. واليوم لي فخرٌ كبير لتقديمي ومراجعة وتنقيح كتاب سيرته الكهنوتية على درب الرب.
 الكتاب متوفر حالياً في مكتبة كنيسة مار يوسف في مدينة ديتروت الامريكية، وفي مكتبة كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور الكندية.

17
                              "مني ياقو" تشكو من الغاء الاشوريين
                                 لكنها تُلغي الكلدان والسريان!




   د. عبدالله مرقس رابي
                           

                          في لقاءٍ مع الاكاديمية الدكتورة منى ياقو المختصة في القانون الدولي في فضائية الميادين اللبنانية/ برنامج أجراس المشرق في 20 من الشهر الجاري، حصل تجاوز من قبلها، ومن قبل معد البرنامج الإعلامي غسان الشامي بحق الاثنيتين (القوميتين بالمفهوم السياسي) الكلدانية والسريانية من خلال حديثهما المتبادل. وقد يُثير هكذا خطاب الاستغراب من اكاديمية وتعمل في مجال حقوق الانسان وتدعي بحقوق الاقليات في مجانبة الحقيقة، لعدم احترامها لمشاعر الاثنيات الأخرى الاصيلة من بلاد النهرين، الكلدان والسريان لتعميم التسمية الاثنية القومية على مسيحي العراق بأنهم اشوريين. كما انها توحي في طرحها وتثير انطباعاً لدى العرب وكل المشاهدين ان مسيحي العراق كلهم اشوريين. لكن الواقع يُشير الى غير ذلك.
بدلا من ان تكون الدكتورة منى ياقو حيادية ومنصفة لما هو في الواقع من الانتماءات الاثنية وتسميات قائمة تاريخياً، وكما نشأ عليها الفرد، لجأت في خطابها الى بث روح التفرقة والالغاء العنصري القومي الذي لا يتطابق ابداً مع ما تدعي به من انها تعمل في مجال حقوق الانسان، فأي حقوق للإنسان قد شرعتها الأمم المتحدة وتلغي الاخر!!!
انها قانونية، والمفروض منها ان تكون في مقدمة الكل في بث خطاب يتسم بقبول الاخر واحترام مشاعره الانتمائية الاثنية، ولكن هنا عملت العكس تماماً. ومن حقها وحق كل الاخوة الاشوريين ان يفتخروا بانتمائهم الاثني القومي، وهذا حق طبيعيي ومشروع وانساني للشعور بالانتماء كغريزة بشرية، وهكذا من حق كل كلداني ان يفتخر بكلدانيته وانتمائه الكلداني، وكل سرياني يفتخر بسريانيته وانتمائه السرياني، ولكن الضيفة في برنامج أجراس المشرق الغت هذه الحقوق، وليست هذه المرة الأولى تبث مثل هكذا خطاب، بل في معظم خطاباتها ولقاءاتها تحتوي وتعبر عن مشاعر الاقصاء للأخرين. علما انها مرشحة سابقة للبرلمان في إقليم كردستان ضمن قائمة حزب (أبناء النهرين) بمعنى ان الحزب المذكور يؤيد هكذا أفكار الغائية.

 اذا كان مقدم البرنامج يعاني من نقص في المعلومات عن التركيب الاثني لشعب بلاد النهرين والعراق الحالية، كان الواجب، لو تملك نية من الاحترام وقبول الاخر عليها تصحيح من تعميمه بتسمية الاشوريين على مسيحي العراق، وكما ورد ايضاً في المقطع الوثائقي الذي قدمه قبل بدء المحادثة وصورّ الفيلم في محتوياته بان كل الاحداث التي وقعت لحقت بالاشوريين، انما لم يكن للأشوريين وجود في سهل نينوي الحالي، بل القرى والبلدات معروفة للجميع انها كلدانية وسريانية باستثناء عدد ضئيل من الاشوريين في تلكيف والشرفية قياساً للأخرين، او عبر التاريخ الذي كان الاضطهاد موجهاً  ضد الكلدان والسريان والاشوريين والارمن .الا اذا انها تعرف مُسبقاً او انها اعدت الفيلم الوثائقي.

تحدثت الدكتورة منى ياقو عن حقوق الاشوريين وتشكو من تهميشهم واقصائهم من قبل العرب والكرد، بالرغم من ان هناك انصاف في المواد الدستورية كما قالت في الدستور المركزي وفي دستور الإقليم، ولكنها تأتي وتلغي حقوق الاخرين بعدم ذكر الوقائع كما هي على ارض الواقع، وتعمم بحديثها بان الاشوريين هم في الواقع ولا غيرهم، فهذا اجحاف بحق الكلدان والسريان.
تحدثت عن الأقليات ككل عند ذكرها لأقليات العراق ولكن لم يعجبها ان تذكر الكلدان والسريان وتضيفهم الى الأقليات. بمعنى انها مصممة على الإلغاء والاقصاء، وان كانت تتحدث بشكل عام في بعض الأمور عما يجري في العراق، ولكن ان تقصد في حديثها وتعمم بتسمية الاشوريين، فهذا غير مجدي بحق الكلدان والسريان.
في سؤال الإعلامي عن موضوع التسمية ومدى تأثيره في نيل الحقوق، اخفقت لعدم ذكر الحقيقة، قالت نحن شعب واحد، نعم نحن شعب واحد من بلاد النهرين، ولكن انت كقانونية تعرفين جيداً ان مصطلح الشعب مطاطي ومصطنع يمكن استخدامه في حالات متعددة، وقد يكون الشعب واحد كالشعب العراقي ولكنه متكون من عدة اثنيات قومية، وممكن ان يستخدم مفهوم الشعب ويطلق على حالات مثل ان نقول الشعب المسيحي، ولكن الشعب المسيحي يتكون من عدة اثنيات، ولهذا ممكن ان نقول شعب بلاد النهرين ولكن تاريخياً متكون من عدة اثنيات، بينما مفهوم الاثنية هو مفهوم طبيعي يقترن بالمشاعر الانتمائية الغريزية للفرد بالإضافة الى ما ترسخ الاسرة في اذهان الفرد منذ الطفولة للمشاعر الانتمائية، فمفهوم الشعب، سياسي ويحدد بقانون اكثر مما هو غريزي واجتماعي يحدد بالتنشئة الاجتماعية. وعليه لو نريد احترام الاخرين ونقبلهم، علينا ان نسميهم كما هم في الواقع وليس كما نريد.

 قالت ان موضوع التسمية واشكالياته قائمة، وذكرت ان التسمية الرسمية قبل 2003 كانت واحدة هي الاشورية، هل هذه حقيقة؟ وأين كانوا الكلدان والسريان يبدو انهم بعد 2003 هبطوا من المريخ!! علما ان الاشوريين في العصر الحالي هم اقل من 5٪ من مسيحي العراق، ما هذا التخبط؟  ا لا تشعري انت وغيرك أنتم السبب في استمرارية إشكالية التسمية؟ في مثل هكذا مواقف وفي كل مناسبة، كما قلت من حق الفرد ان يقرر انتمائه الاثني، اما يأتي الاخرون ويفرضون عليه انتماء ما، كما ظهر في حديثك، فهذا تعدي صارخ ضد حقوق الكلدان والسريان لمشاعرهم الانتمائية.

الكلدان والاشوريون والسريان المعاصرين، واقع في الوجود لا محال، وإذا يرغب من هو على نفس سياق الدكتورة منى في خطابه، عليه ان يقر بذلك لكي يتم السيطرة على إشكالية التسمية، مع بقاء وتفضيل خطاب التضامن واحترام خصوصيات الاخر التي تكمن في المشاعر الانتمائية الاثنية وتوحيد الكلمة والموقف تجاه ما يجري بحق الاثنيات الثلاث، والا مادام الإلغاء قائم، الإشكالية ستظل كما تشير اليها كل المعطيات في الواقع السياسي والاجتماعي، لم يكن جوابك صائباً في جوابك للإعلامي، بان إشكالية التسمية لا تمثل شيء عملي في خطاباتنا، بالعكس تماماً أساس التلكؤ والاخفاق في الخطاب وايصال ما تريدون من أحد اسبابه الرئيسية هي إشكالية التسمية.

لم تقبلِ بالتسمية الثلاثية، فهل تقبلي بفرض التسمية الاشورية على الاثنيات الثلاث؟ وهكذا ان في حديثك هذا وكالمعتاد تجعلي من المهتمين بهذا الشأن الرجوع الى المربع الأول، بعد ان حصل نضج ووعي، وأدراك كما تؤشر المعطيات بقبول التسمية كما هي في الواقع الكلدان والاشوريين والسريان، وهذه الرؤية المفروض ان تنال الدعم منك كأكاديمية، لان الأكاديمي وفقاً للمفاهيم العلمية، يؤكد على الظاهرة كما هي لا كما يريد لتحقيق الموضوعية، فهنا خرجتِ عن القاعدة وأردت الظاهرة كما ترغبين. والذي يرى الظاهرة كما يريد هو سياسي أيديولوجي بعيد عن الموضوعية.

انت متوهمة جداً بان من هم في الخارج يسعون لدعم من هم في الداخل الذين يسيرون في خط الالغاء، لا تتصوري ابدا، ان كلدان وسريان الخارج يدعمونكم وأنتم ملتزمون في السياسة الالغائية القومية. الكلدان والسريان يدعمون من يحترم مشاعرهم الانتمائية، فهم لا يفرقون، بل مشاعرهم تجاه الكل واحدة بشرط الاحترام المتبادل في كافة المجالات. وكلما تسعون لبث هكذا خطابات، أني على ثقة بحسب المؤشرات تلقون رد فعل سلبي.

تحدثت عن أعضاء البرلمان كأنهم اشوريون جميعهم، ونست ان واحد فقط في المركز اشوري ومثله في البرلمان الكردي، واما البقية فهم كلدان، او من اتباع التسمية المركبة.

 ذكرت كنيسة النجاة، وهي تتحدث عن الاشوريين، ولكن الذين استشهدوا في كنيسة النجاة هم سريان وليس غيرهم، كما انها تحدثت عن تهجير وتشريد سكان سهل نينوى، وهي تتحدث عن الاشوريين، ولكن سكان سهل نينوى كما بينت أعلاه هم من الكلدان والسريان، باستثناء نفر قليل من الاشوريين.

اذكركِ واذكر الجميع المهتمين بالموضوع سواء من السياسيين او غيرهم، ان موضوع الانتماء الاثني لا يمكن ان يحدد بقانون ابدا ولا يمكن ان يلزم الانسان لتبني تسمية معينة، وذلك لان الانتماء ظاهرة غريزية تنميها الاسرة عبر التنشئة الاجتماعية بمساعدة عمليات اجتماعية أخرى. واذكّر ان من يقول لنا جميعاً سواء كلدان او سريان او اشوريين صلة عرقية مباشرة ونقية بكلدان واراميين واشوريين القدامى فهو متوهم جدا، وليقر ذلك، فالمختبرات مستعدة لفحص انتمائه البيولوجي العرقي، وليجرب، بل نعم وكما توصلت في دراستي المستفيضة ونشرتها في كتاب، اننا من سكان بلاد النهرين بالانثنيات الثلاث، ولكن بعد تلاقح حضاري وبيولوجي وثقافي، تكونت على مر العصور الاثنيات الثلاث المعاصرة، الكلدان والاشوريين والسريان، ولا يمكن لأي واحد ان يهز شعرة من راس الاخر لترسّخ هذا المبدأ في ذهنه، اما ان يختار أي واحد انتمائه بحسب اهوائه ومصالحه فهو حر ولكن لا يحق له ان يفرض ارادته على الاخرين.
 
ففي ضوء الدراسات الأنثروبولوجيا والاجتماعية الحديثة التي ادعو الدكتورة منى ياقو وغيرها الرجوع اليها، يؤكد العلماء عدم وجود جماعة بشرية اثنية او قومية تتميز بدم نقي لأبنائها دون ان يدخلها دم غريب، اذ السلالات البشرية بدأت بتداخل واختلاط الدم منذ القدم، فانقرضت سلالة وظهرت أخرى مكانها، فاختلطت في السابقة، وهكذا، وان اعتبار وجود جماعة بشرية ذات دم نقي، هو ضرب من الخيال. وهنا ادعوها وادعو من يكتفي قراءة الكتب التاريخية وبالذات غير المكتوبة من قبل الاختصاصيين او المكتوبة من قبل السياسيين ان يراجع كتب التي تفسر الاقتباس الحضاري وتأثيراته في المجتمع من الأنثروبولوجيا والاجتماع، ومن هذا المنطلق كمختصة في القانون اكاديمياً، دون المام بكورس واحد في دراساتك عن التاريخ والدراسات ذات الاختصاص في تفسير الظواهر الاجتماعية، مثل علم الاجتماع والنفس لا يحق لك ان تُثيري هكذا مواضيع، الا في حالة كونك سياسية مؤدلجة تبحث عن مصالحها ومصالح حزبها الضيقة.

 اختم هذا المقال بما اكد وتوصل اليه المفكر الكبير الشهير (جون فييه) وشخصياً اتفق معه في قوله لوصف الاشوريين المعاصرين (ان تضارب الآراء وكثرة الادعاءات الحاصلة خلال القرن العشرين لعبت ادواراً قاتلة في مجرى تطور حضارة هذه الجماهير، لأنها جعلت تعيش الخيال بأسماء رنانة اتخذوها اسماء لأحفادهم المتأخرة من أسماء ، سركون وسنحاريب واسرحدون واشور وشميران التي صبغت تاريخ الاشوريين القدماء بطابع العظمة والافتخار، انها مأساة حقيقية خلقت الانتساب الأسطوري الخرافي لاختلاق قومية اشورية او كلدو اشورية ، فسببت التشرذم لهؤلاء من عام 1918). " المصدر، ميشيل شفاليه، المسيحيون في حكاري وكردستان الشمالية" وهذا حقاً ما نلاحظه من تحقيق في تنبؤ هذا العالم الكبير الذي اختص في دراسات مجتمعات الشرق الوسط.

 الى متى يستمر السياسيون في نشر وبث الكراهية، والاقصاء للأخرين، أ لم يردعوا وتلقوا دروساً عبر التاريخ وبالأخص ما بعد 2003 من مسالة الغاء الاخر؟ ومن هنا ادعو من الإعلامي غسان الشامي والدكتورة منى تقديم الاعتذار للمكونين الكلدان والسريان العراقيين.
 وادعو كافة التنظيمات، مجتمع مدني والسياسية والكنائس وممثلي في البرلمان المركزي واقليم كوردستان من الاثنيتين الكلدانية والسريانية في الداخل والخارج استنكار وشجب مثل هذه الخطابات في الاعلام العربي والعالمي التي تقود الى التفرقة والتمييز.

18
                         القس اليسوعي الاكاديمي العالمي البروفيسور شليمون صارا
                                            من منكيش

د. عبدالله مرقس رابي
                                       ولد في منكيش بتاريخ 1/5/1930، والديه ايشو واشو من عشيرة صارا احدى عشائر منكيش، اكمل دراسته الابتدائية في القرية، ولتفوقه قُبل في كلية بغداد الثانوية التي ادارها الإباء اليسوعيين الامريكان. بعد ان شعر انه مدعو من الرب للانضمام الى الكهنوت وبعد تفاعله مع العديد من الإباء اليسوعيين عندما كان طالباً، سافر الى الولايات المتحدة الامريكية في شهر أيلول من عام 1950، ( شادوبروك في لينوكس، ماساتشوستس) ليكون اول منكيشي يصل أمريكا، للالتحاق بجمعية رهبنة الإباء اليسوعيين، وهي جماعة كاثوليكية عالمية، أسسها (القديس اغناطيوس دي لويولا) في القرن السادس عشر. درس لمدة سنتين دورات تحضيرية في اكليريكية الناشئين، وثم الفلسفة في كلية (ويستون) في (نيوانكلاند) عام 1957.
عاد الى العراق، ودرّس في كلية بغداد لمدة ثلاث سنوات، ورجع الى أمريكا لدراسة اللاهوت في كلية (ويستون). وثم بدأ دراسة الدكتوراه في جامعة (جورج تاون) في واشنطن العاصمة. وتخرج عام 1967، وكانت اطروحته بعنوان (وصف الكلدانية الحديثة، مقاربة بنائية ووظيفية، وتم نشرها عام 1969.A (Description Of Modern Chaldean: A Functional Structural Approach  فاصبح من الاوائل الذين درسوا لغته الام الكلدانية.
درّس اللسانيات في جامعة (جورج تاون) للدراسات الاولية والعليا من الماجستير والدكتوراه، واشرف على عدة اطاريح علمية، وشغل منصب كرسي، أي الاستاذية. وكان خبيرا متميزاً في اللغويات. فاعتبر من احد اعظم اللغويين في العالم. حيث اشتهر بدراساته اللغوية في:
نشر اول كتابه 1974 بعنوان (وصف للكلدانية الحديثة)Description Of Modern Chaldean بعد نشر اطروحته الدكتوراه كما بينت آنفاً.
 نشر كتاباً سنة 2008 بعنوان (سيبويه، نص وترجمة وملاحظات وتحليل)، وساهم بفصل في دليل اكسفورد، اللغة العربية، الذي حرره (جوناثان اوينز) بعنوان (التقليد المعجمي العربي الكلاسيكي).
 الف كتاب (معجم الصوتيات والتعبير والصوت والسمعيات، الإنكليزية العربيةعام 1999.
 وله كتاب (ابن سينا، رسالة في الصوتيات العربية) لعام 2009.
 ومن ابرز ما اشتهر به هو تاليفه قاموس عن (لغة امبيرا)، وهي لغة هندية في أمريكا الوسطى، يتحدث بها في بنما وكولومبيا والاكوادور، بعنوان (قاموس ثلاثي، اللغات امبيرا والاسبانية والانكليزية).
 وثم قام بتاليف قواميس عن اللغات الافريقية من خلال طلبته الافريقيين في الدراسات العليا، بعد ان حصل على مفردات اللغة منهم.
 وقد نشر عدة مقالات في مجلة (تقاليد اللغوية العربية الدولية (JALT) . كما أنتج دورات تعليمية متعددة الأجزاء في اللغة العربية الفصحى الحديثة باللهجة العراقية لمعهد اللغة التابع للجيش الأمريكي (DLI) في (مونتيري - كاليفرونيا). وتقاعد عن عمله عام 2013.
 التقى الكاتب المهتم في الكتابة والتأليف عن التراث من أبناء منكيش (فرنسيس خوشو موكا) مع الاب شليمون صارا، أثناء زيارته العاصمة واشنطن لغرض جمع المعلومات لكتابه من مصادر مكتبة الكونغرس لعدة مرات منذ عام 1986 والمعنون (فهرست الكتب للنهرين التوأم، الاشورية والكلدانية والسريانية، الماضي والحاضرTwin Rivers Bibliography: Assyrian, Chaldean and Syrian   وقدم للكتاب الدكتور الاب شليمون بمقدمة رائعة. وكتب مقالاً عن زياراته باللغة الانكليزية الموسوم (From my Town Mangeshi: Dr. Solomon Eshoo Sara, S .J .
وعبر عن مشاعره تجاه الاب شليمون ووصفه، انه كان شخصاً ذكياً، أكاديمياً نشطاً عالماً عالمياً، مولعاً بالعلم والمعرفة، اذ امتلك ثروة من المعرفة العلمية في الدين والفلسفة واللسانيات، لطيفاً كريماً، متعاوناً، مرحاً، محباً ومتواضعاً، وذات مرة اخذ فرنسيس معه كمية من رمان حديقة بيته في كاليفورنيا للقس صارا، فتذكر أيام طفولته الجميلة الهادئة في قريته منكيش التي لا تفارق ذاكرته، وتذكر كل شيء من بساطة الحياة وتنوع الفاكهة وناسها الطيبين وازقة القرية والكنيسة والمدرسة والعابهم.
 ويستطرد ويقول: اخذني في جولات في الحرم الجامعي ورحب كل الترحيب كلما كنت أزوره، وكانت غرفته في الجامعة، بسيطة ومريحة جدا وجذابة، لم يكن فيها تلفزيون ولا اية وسيلة الهاء حديثة أخرى، بل أربع جدران مغطاة برفوف فوق أخرى من الكتب، قال له: تعيش مع الكتب، فأجابه، أحب الكتب لا اترك الكتاب فهو كل شيء بالنسبة لي، ذكّره بهذا الاقتباس من الكاتب الكندي (روبن شارما) (الناس العاديون لديهم تلفزيونات كبيرة، لكن الأشخاص غير العاديين لديهم مكتبات كبيرة). وهكذا ايضاً وصفته ابنة فرنسيس (شانون) التي كانت طالبة جامعية هناك، اخذها ذات يوم الى مخزن للهدايا في الجامعة وقال: لها اختاري أية هدية لتبقى ذكرى عندك، ولم يختلف انطباع ابنه (اندرو) عن القس صارا، حينما تواجد هو الاخر في واشنطن لأجل الدراسة والتقي معه.
كان القس الأكاديمي شليمون صارا يعمل بجد ساعاته المقررة في العمل، ويحضّر المحاضرات لطلبة الدكتوراه والماجستير والدراسات الاولية، وشغوف في مساعدة الطلبة، ويكتب ويؤلف لخدمة البشرية ويصلي يومياً، ويقيم القداس كل أسبوع، ويحضر تناول الطعام مع أبناء مجتمعه المحلي.
توفي الاب اليسوعي شليمون صارا في 8/8/2016 عن عمر يناهز 86 سنة في مركز كامبيون الصحي في ويستون، ودُفن في مقبرة الإباء اليسوعيين في جورج تاون، تاركاً ارثاً علمياً زاخراً للبشرية في اللسانيات والفلسفة والدين. فهو فخر لنا لهذه المساهمات في المعرفة العلمية عالمياً ومن الأكاديميين البارزين.

19
                                          مظلوم مروكي
                                   عضو منظمة العفو الدولية/ كندا   
                                        كيف ولأجل من يعمل؟


  د. عبد الله مرقس رابي

                       كنت اتصفح جريدة نينوى الصادرة في كندا/ تورينتو لأطالع اخبار الجالية العراقية بمختلف مكوناتها في كندا. اثار انتباهي الخبر الذي يخص شعبنا، المعنون (في اجتماعها الافتراضي في كندا، العفو الدولية تناقش واقع الأقليات الدينية والاثنية والنازحين في العراق) في 20 من شباط 2021. عنوان مهم بارز يثير انتباه القارئ ليطلع ما الذي تم مناقشته في اجتماع العفو الدولية كمنظمة دولية مهمة في المجتمع العالمي، ومن هي الجهة التي شاركت العفو الدولية لمناقشة الموضوع.
تبين من الخبر ان الناشط في منظمات المجتمع المدنية (مظلوم مروكي) من المشاركين في الاجتماع لاعتباره عضوا في منظمة العفو الدولية فرع كندا، كما انه رئيس جمعية المكونات العراقية الخيرية في كندا. ترأست الاجتماع (لانا فيران) رئيسة منظمة العفو الدولية/ فرع كندا في دورتها الحالية 2020-2021.
كان للناشط الإنساني المدني (مظلوم مروكي) مداخلة مستفيضة بحسب الخبر لنقل هموم ومعاناة الشعب العراقي، وخاصة ما تعانيه الأقليات الدينية والاثنية، في ظل حكومات متعاقبة من احباطٍ كبيرٍ لنيل حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمدنية والقانونية، وما تعرضت له الأقليات من اضطهادٍ وتعدٍ في ظل غياب سلطة القانون والصراع الطائفي المتفاقم يوماً بعد يوم. داعياً منظمة العفو الدولية لرفع تلك المعاناة ومساعدة الأقليات وايصال صوتها الى كافة المنظمات الدولية لاتخاذ الإجراءات الكفيلة لتنال العيش الكريم في ظل حياة آمنة ومستقرة في بلدها الأصلي.
ويمكن تلخيص ما طرحه بما يأتي: 
أولا: تامين الاحتياجات الأساسية للنازحين من جراء الاضطهاد على أساس الهوية الدينية واجبارهم لترك منازلهم وممتلكاتهم، لضمان عودتهم الى قراهم وبلداتهم المدمرة، متسائلاً عن طبيعة الخدمات التي ممكن ان تقدمها هذه المنظمات لهذه الشريحة من العوائل النازحة، سيما ان معظمهم من بلدات وقرى سهل نينوى، حيث لا تزال دورهم دون اعمار، البنى التحتية مدمرة، و ينتابهم عدم الشعور بالأمان لفقدان الثقة في إمكانية الحكومات الضعيفة المتعاقبة في ضبط الامن وفرض القانون في المنطقة، كما ان فرص العمل غير متوفرة لانعدام مشاريع التنمية في مختلف مجالات الحياة.
ثانياً: أكد على معاناة النازحين المضاعفة من جراء وباء كورونا في المخيمات داخل العراق والتسريع لإيجاد سبل الوقاية والعلاج.
ثالثاً: طرح موضوع التجاوزات على ممتلكات المسيحيين سواء في السابق او الان، وما يحدث من تجاوزات متواصلة على القرى واراضي شعبنا في إقليم كوردستان وبلداته في سهل نينوى، مطالباً بوضع حد لهذه الانتهاكات المتكررة، ومعالجتها قانونيا.
رابعاً: أكد على تفعيل دور العفو الدولية لضمان حقوق الأقليات وفق الدستور ولوائح حقوق الانسان العالمية، لينال الانسان في العراق بغض النظر عن انتمائه الاثني والديني والمذهبي حق معاملته كانسان له قيمة في الحياة اسوة بالأخرين. كما أكد على عملية تمثيل الأقليات الاثنية والدينية في العراق استناداً الى حضورهم التاريخي واصالتهم وتضحياتهم في تشكيل وبناء العراق الحديث.
خامساً: شدد على معاناة المسيحيين الذين اجبرتهم ظروف الاضطهاد والقمع في بلدهم العراق للهجرة الى البلدان المجاورة، حيث تعد محطة انتظار لهم لحين بدء رحلتهم الأخيرة الى البلدان التي سيشعرون فيها بالأمان والاستقرار، فالكثير منهم لم يحصلوا على حق اللجوء اليها على الرغم من مرور فترة طويلة.
وهم يتعرضون الى: عدم الحصول على الإقامة في تلك البلدان، حرمان أولادهم من مواصلة الدارسة في المدارس الحكومية المجانية، عدم حصولهم على العلاج الصحي المجاني، إضافة الى عوزهم المالي المستمر والشعور بالضياع والخوف من المستقبل.
وعدتْ رئيسة العفو الدولية/ فرع كندا بالعمل في منظمة العفو الدولية وكافة منظمات حقوق الانسان العالمية الأخرى التابعة لمنظمة الأمم المتحدة لتفعيل ما طرحه الناشط الإنساني من قضايا راهنة ذات العلاقة بحقوق الأقليات الاثنية والدينية في العراق والمهجرين منهم المقيمين في البلدان المجاورة.
بعد ان قدمتُ عرضاً مقتضباً لهذا النشاط الفردي، لابد الاجابة على التساؤل الذي طرحته كعنوان للمقال، كيف ولأجل من يعمل؟ وهو الهدف الرئيسي من المقال.
أكثر المطلعين على هكذا نشاط يقوم به شخص ما، يعتقدون ان الناشط مرتبط بمؤسسة سياسية او حزب سياسي او وكالة حكومية تعني بشؤون المواطنين وحقوقهم، لكن الناشط المعني في المقال، ليس الا شخصاً مستقلا غير مرتبط حالياً بأية جهة سياسية او حكومية بحسب علمي. انه كان منذ تأسيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ممثلاً له في كندا، وعرف في تحركاته المستمرة للمشاركة في طرح هموم ومعاناة شعبنا للمنظمات والحكومات العالمية وفقاً لارتباطه بالمجلس المذكور، ولم ابالغ عندما أقول انه كان أكثر ممثلي المجلس نشاطاً وشعبية وحضوراً في اللقاءات الحكومية ولقاءات المنظمات الدولية في حينها. لم يترك باباً دون ان يطرق عليه لإيصال كلمة المسيحيين والمضطهدين عامة من الشعب العراقي.
كان دؤوب الحركة والاتصالات، ليس لأجل تحقيق مصلحة شخصية، انما لغرض رفع المعاناة من أبناء شعبه وبلده بقدر الإمكان مُستغلاً وجوده في المهجر، وكانت السنين التي قضاها ممثلاً للمجلس الشعبي تهدر كل طاقاته وتؤثر على سير اعماله الشخصية في كندا. نفذ كل جولاته لمسافات طويلة على حساب عمله ووقته وراحته وراحة عائلته وحياته الاجتماعية ككل.
استقال من المجلس الشعبي عندما تحول الى حزب سياسي قبل ثلاث سنوات تقريباً، لأسباب غير معروفة عندي شخصياً، بل الذي اعرفه لا يرغب بالعمل السياسي أكثر من ولعه بالعمل الإنساني الخيري. ولما كانت جهوده استثنائية في عمله ضمن سياق تطلعات المجلس الشعبي، ولم يبحث حينها على منصب او جاه، لأنه متمتع بمكانة اجتماعية مقبولة جدا في محيطه الاجتماعي الحالي وبين أبناء قريته (شيوز) واقربائه ومعارفه، ويمتلك من اعمال شخصية لها مردوها قبل الانضمام الى المجلس، مما يدل بوضوح ان ما قدمه حينها لم يكن لأجل تحقيق مصالح ذاتية، بل ابتغى تحقيق مصالح شعبه من الاثنيات الثلاث وكافة المظلومين من أبناء الشعب العراقي.
وليست عملية تصميمه ومواصلته لمتابعة معاناة شعبنا والعراقيين الى مختلف الجهات ذات العلاقة دولياً، الا دليلا واضحاً على انه لا يبحث عن مصالح شخصية، ولكن لدافعه الإنساني وغلبة ميوله الذاتية للتعاون ومشاركة آلام الناس والحرص عليهم وتقديم المساعدة اثناء تعرضهم للمآسي والظلم والكوارث بأنواعها. وقد تفاعلت قدراته الشخصية ودوافعه الإنسانية في استعداداته الذاتية مع خبراته العملية المتراكمة، ومع ما تلقاه من تنشئة اجتماعية عائلية اهلته ليكون دائماً محباً ومندفعاً لمساعدة الاخرين المعوزين والبحث عن حاجاتهم.
 وهكذا سمعنا وشاهدنا عن شقيقه الدكتور (شمعون مروكي) مدير مستشفى زاخو في الثمانينات من القرن الماضي الذي توفي على إثر حادث سيارة، فتألم وحزن أبناء زاخو ومحافظة دهوك من الكورد المسلمين والمسيحيين وكل من سمع عنه في كوردستان العراق، وذلك لما تميز به من حسن الطيبة ومساعدته وحبه للأخر بغض النظر عن انتمائه، وما تمتع به من مشاعر انسانية خيرية تجاه الكل، فتلك الميول المشتركة لهما صقلتها تنشئتهما الاسرية.
وعليه، قدم جهود استثنائية (مظلوم مروكي) في العمل بمنظمات المجتمع المدنية في المهجر، وعلى إثرها تمكن الانضمام الى منظمة العفو الدولية/ فرع كندا ليكون عضوا فيها، تلك المؤسسة الدولية التي تعني بشؤون حقوق الانسان. فينطلق من خلالها الى بذل قصارى جهده من اجل الاستمرار لإيصال معاناة شعبنا بأثنياته الثلاث ومآسي كافة أبناء العراق الذين تعرضوا للظلم والاضطهاد، دون ان يرتبط بجهة سياسية او حكومية، بل دوافعه الذاتية الإنسانية هي وراء هذه المساعي على المستوي الدولي. فهناك القلة من يطالب دولياً بالنظر في شؤون المسيحيين المقيمين في دول الجوار ويتحسس مشاكلهم وما يعانون منه في أماكن اقامتهم.
فهكذا مبادرات شخصية وبجهود ذاتية اراها شخصياً أفضل وأجدر من أي عمل يقدم اليه حزب سياسي ما، اذ الأحزاب السياسية تبحث عن مصالحها الحزبية الضيقة، والمنتمون اليها لا يمكنهم تقديم أي نشاط الا في ضوء فلسفة حزبهم الفكرية وطموحاته او لمصلحته الذاتية، فالانتماء الى اية جماعة منظمة لابد للفرد ان يأمل تحقيق غايات شخصية وطموحات ذاتية قد تكن مناصب او غيرها. وهذا ما نلمسه بوضوح مما تقدمه الأحزاب السياسية للاثنيات الثلاث من شعبنا او غيرها في العراق انها تصب لتحقيق المصالح الحزبية الضيقة والصراع على المصالح، وهم في وادٍ والشعب في وادٍ اخر.
بينما النشاط الذي ينجزه الفرد من تلقاء ذاته دون العمل تحت اجندات حزب معين هي اعمال تنفذ بإخلاص، وناجمة عن نكران الذات، وراؤها دوافع إنسانية لتحقيق مصالح المتألمين والمضطهدين دون تمييز..
ولهذه الأسباب اندفعت للكتابة عن هذه المناسبة لأجل التمييز بين العمل الفردي دون تبعية سياسية والعمل تحت وطأة الأيديولوجية الحزبية من خلال هذا النموذج الانساني. وتعريف القارئ العزيز على (كيف ولأجل من يعمل مظلوم مروكي عضو منظمة العفو الدولية/ كندا) فهو يعمل دون ارتباط بحزب سياسي، بل منطلقاً من مشاعره الانسانية، ومن اجل المضطهدين والمعوزين من أبناء العراق، متمنياً له النجاح الدائم والتواصل نحو الأفضل.
ومما هو جدير بالذكر هناك نماذج عديدة من هذا القبيل بين أبناء شعبنا في المهجر، ولا يمكن نكران دورهم.
أثمن جهدهم وحرصهم، فالف تحية لكل من خطى ويخطو هكذا خطوات من اجل الانسانية والبشرية جمعاء.






20
                        عرض كتاب "قواعد اللغة الآرامية"
                                للشماس سامي ديشو


د. عبدالله مرقس رابي
                         
                         في سياق حديثي مع الشماس الإنجيلي "سامي ديشو" يوم عيد الميلاد لعام 2020  لتبادل التهاني بالمناسبة، سألني الشماس فيما وصلني إصداره الجديد الموسوم "قواعد اللغة الآرامية" أجبته كلا، فاستفسرت عن الكتاب، فوضح لي إنه مكتوب باللغة الآرامية (نحن الكلدان نسميها الكلدانية، والاشوريون الاشورية، والسريان السريانية) فأجبته مع الأسف لست متمكناً من قرائه، إذ اعرف القليل عن اللغة الآرامية القديمة، والا لكتبت عنه عرضاً اعلامياً لتعريف القُراء بالكتاب ومحتوياته، في سياق اهتماماتي بعلم اجتماع اللغة، بالتأكيد انه مهم، ولكن داركت هذه المشكلة على الفور، فطلبت منه الاستئذان لعرض الكتاب بطريقة خاصة، سألني كيف؟ اجبته، سأُقدم لك مجموعة من الاسئلة عن الكتاب وفي ضوء الإجابة سأكتب العرض، فرحب الشماس مشكورا.

التعريف بالمؤلف
                  تعلم الشماس الإنجيلي سامي ديشو خنجرو اللغة الآرامية في كنيسة قريته منكيش منذ الصغر، وتعلم قواعدها في معهد ماريوحنا الحبيب في الموصل لمدة ست سنوات، دراسة أكاديمية منتظمة ومنهجية، من عام 1971-1977، وكان من الطلبة المتميزين في المعهد المذكور.
المؤلف خريج كلية الهندسة من جامعة بغداد سنة 1981. وحصل على شهادة الماجستير في الهندسة الكيمياوية من جامعة سدني الأسترالية سنة 1998.
له مقالات ومساهمات متنوعة بخصوص اللغة الآرامية، منها الترجمة من الآرامية الي العربية واللغة المحكية.
درسّها في السابق، محلياً في منكيش في العطل الصيفية لتنشئة الشمامسة ولمدة ست سنوات.
درسّها في مدرسة اورهاي للكلدان في مدينة سدني الاسترالية لعدة سنوات في منتصف التسعينات من القرن الماضي.
درسّ قواعد اللغة الآرامية في كلية اللغة الاشورية في سدني، قرابة ثلاث سنوات، منذ 2017 والى منتصف عام 2019.
درسّ قواعد اللغة الآرامية والالحان الطقسية الكنسية في كاتدرائية مار توما وكنيسة الانتقال للكلدان من 2016 ولا يزال.

محتويات الكتاب
        يقع الكتاب في 250 صفحة من القطع الوسط. طُبع الكتاب في سدني، تموز من عام 2020، وفي مدينتي شيكاغو وديترويت الامريكيتين في تشرين الأول من نفس العام، وسيطبع في كندا بإذن الرب.
يحتوي الكتاب على خمسين فصلاً، وينقسم الى قسمين رئيسيين وهما:

الصرف
 يشمل: الالفاظ المفردة من أقسام الكلام، من الحروف والحركات والاسماء بأنواعها، والصفات والظروف وكل ما يرتبط بهما. إضافة الى النسبة والتصغير والضمائر والافعال بأنواعها وتصريفها وصياغة المشتقات.

النحو
      أو ما يسميه اللغويون، تركيب الكلام ويشمل: الفاعل وأنواع المفعول، والمبتدأ والخبر، والحال والتمييز والتفضيل والتوكيد والبدل والعطف وغيرها. كل ذلك مع أحكامها في التقديم والتأخير والحذف وجوازها أو وجوبها على غرار اللغة العربية. مثلما أتى في كتاب قواعد اللغة الآرامية للعلامة القس "البير أبونا" المنشور باللغة العربية، حيث لم تشمل كتب قواعد السابقين الاقدمين هذا القسم المهم، أو اشتملت جزءاً يسيراً يكاد لا يُذكر. كما يشمل النحو في الأجزاء الأخيرة منه، الروابط بأنواعها ومعاني الحروف واستخدامها واسماء الأفعال واحكامها.
أُلحق في الأخير، جداول مهمة من الأسماء المؤنث بدون علامات التأنيث، وتلك التي تأتي مذكراً ومؤنثاً أيضاً. إضافة الى جمع الأسماء والصفات الشاذة والتي لا تتبع القواعد المعروفة. كما تحوي الجداول جميع الأفعال المجردة وأوزانها، على اعتبار حركة عين الفعل في الماضي والمضارع اوزان الأفعال هذه، أخذها من كتاب القواعد للقس "فيلبس الراهب". والجداول مُرتبة حسب الحروف الأبجدية لسهولة المتابعة.
وقد ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب أبرز المؤلفين واللغويين من الخط الشرقي والخط الغربي منذ نشوء قواعد اللغة الآرامية. أخذ الشيء الكثير مما أتي في كتاب القس "البير ابونا" خصوصاً ما يرتبط بالنحو. كما اعتمد المؤلف على اللغويين في العهود المتأخرة، منهم:
جبرائيل قرداحي، المطران اوجين منا، المطران توما اودو، المطران اقليمس يوسف داود، عبدالمسيح قره باش، المطران ايرميا مقدسي، القس فيليب الراهب، واللغوي بنيامين حداد.
في سؤال عن هدف الكتاب، أجابني المؤلف: الكثير يسال لماذا الاهتمام باللغة الآرامية القديمة التي باتت شبه منقرضة؟ هذا صحيح، لكن لا ننسى ان مؤلفات آبائنا الاقدمين جميعها أتت بهذه اللغة، فكيف لنا (او على الأقل الباحثين والمهتمين) ان نفهم تلك الكنوز المعرفية المختلفة والطقوس الدينية المدفونة في تلك المصنفات ونترجمها الى اللغات الاخرى لتعميم الفائدة ونحن لا نجيدها. عليه بادرتُ في تأليف كتاب قواعد اللغة الآرامية، ليسر الطريق أمام الباحثين والمهتمين.
وفي سؤال آخر، عن مدى فائدة غير المتقنين للغة الآرامية كتابة وقراءةً، أجاب المؤلف: نعم هناك مهتمين محدودين في هذه اللغة، كما هناك المحدودين من يتقنها كتابة وقراءةً وادراكاً كما يفهم اللغة المحكية. وعليه أقوم حالياً بترجمة الكتاب الى اللغة العربية، بوضع الترجمة في صفحة تقابل النص الآرامي لتعم الفائدة لجميع الفئات والمستويات.
في ضوء ما توصلت اليه من معلومات من المؤلف، ومحتويات الكتاب المعروضة، يبدو جلياً إن الشماس سامي ديشو بذل جهوداً استثنائية كبيرة في تأليفه للكتاب، عن لغة قديمة، تكاد تنقرض، تُعرف في الأوساط الاكاديمية، اللغة الارامية او اللغة السريانية. تلك اللغة التي ظهرت في منتصف الالف الثاني قبل الميلاد في سورية وثم انتشرت في بلاد النهرين على مر العصور، فاستعارت اللغة الاكدية بلهجتيها الجنوبية والشمالية حروفها وابجديتها بدلاً من الحروف المسمارية لسهولتها، وامتزجت مع الاكدية والسومرية. واستخدمها الفرس لغة دواوين الدولة لإدارة مقاطعاتها الغربية، كما استخدمها العرب في دواوين الدولة الى عهد الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان 685-705م.
 بعد دخول سكان بلاد النهرين في المسيحية، كانت قرون عديدة لغة الطقوس في الكنائس الشرقية السريانية والكلدانية والاشورية، ولا تزال. الا أنه أصبحت لغة غير مفهومة للمصلين في الكنائس، وبل حتى بعض الشمامسة لا يدرك معانيها، فبدأ دورها يضعف تدريجياً بمرور الزمن في التواصل في الكنائس التي استخدمتها منذ القدم. كما شعبياً لم نر جماعة بشرية تستخدمها للتواصل الاجتماعي والحضاري، وعليه تعرضت للانقراض، ذلك يعد السبب الأساسي الذي دفع بالمؤلف لتأليف الكتاب، كما ذكرنا أعلاه.
 لشمولية الكتاب في محتوياته عن قواعد اللغة الآرامية القديمة، وما كُتب عنها الا يسيراً، ومن النادر توفر مثل هكذا كتاب في المكتبات وبين أيدي المهتمين بها في أوساط الاثنيات الثلاث المعاصرة السريانية والكلدانية والاشورية، وغيرهم، كما إن الدقة والموضوعية التي يتميز بها المؤلف، جراء خبرته الطويلة في الاهتمام باللغة دراسة وتدريساً وممارسته لها في الكنيسة وبعض المراكز التعليمية لأمد طويل، لكل هذه الأسباب، بلا شك يعد الكتاب مهم، وجدا اساسي للاعتماد عليه واستعارته من قبل المراكز والمؤسسات التعليمية المهتمة باللغة الآرامية القديمة في مختلف مستوياتها الدراسية، سواء من قبل المؤسسات التعليمية الرسمية في العراق اوأقسام الجامعات التي تُدرّس هذه اللغة في كافة البلدان. كما إنه يعتبر كتاباً مهماً لكي يُقتنى من قبل الكنائس التي تمارس طقوسها بهذه اللغة. فهو يسد الفراغ، وحاجة المعلمين والباحثين واللغويين والأساتذة الملمين بها والطلاب في المراحل المتقدمة من دراستهم، كما يُفيد الذين لا يجيدون اللغة العربية.
أتمنى التوفيق والنجاح للمؤلف الشماس القدير سامي ديشو في مشاريعه الثقافية والعلمية المستقبلية، ولي أمل كبير في ترويج الكتاب بين الأوساط المهتمة، مؤسسات وافراد للأسباب الانفة الذكر. وستزداد أهميته وانتشاره الواسع لمستويات مختلفة بعد طبع النسخة الثانية التي ستحتوي على ترجمة عربية لنصوص الكتاب.
فالف مبارك وألف تهنئة للمؤلف الذي يساهم مساهمة فعالة لإدامة اللغة الآرامية القديمة في متناول ايدي المهتمين لكشف كنوز الاقدمين التي كُتبت بها.
للاستفسار: الاتصال بالمؤلف على العنوان الإلكتروني:
samdesho@hotmail.com


       
 


21
     ببالغ الحزن والاسى تلقينا صباح اليوم خبر مؤلم، انتقال غازي ميشو الى الامجاد  السماوية في مدينة ويندزور الكندية،  والد زميلنا العزيز زيد ميشو. على أثر إصابته بفايروس كورونا .
                نسال الرب أن يسكنه في ملكوته السماوي ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
                         تعازينا القلبية للاخ زيد ولجميع الاهل والاقارب والاحبة
                          الراحة الابدية إعطه يارب وبنورك الدائم أشرق عليه
                                          آمين
فوزي دلي وعبدالله رابي


22
                             البطريرك ساكو وعصرنة التراث الديني
                                   مكامنُ الصواب والتساؤل
 د. عبدالله مرقس رابي
                                منذ أن تسنم البطريرك الكاردينال لويس ساكو السدة البطريركية عام 2013، تصب إحدى إهتماماته الراعوية في تجديد التراث الديني في الكنيسة الكلدانية. وعلى أثر ذلك تظهر بعض ردود الافعال في وسائل التواصل الاجتماعي علنية من قبل بعض الروحانيين والعلمانيين في الكنيسة على السواء. ولما كان موضوع التراث في المجتمع أحد أبرز حقول علم الاجتماع  في الدراسة، فأنطلقت من أُسسه والدراسات السابقة لتسليط الضوء على ما يقدمْ اليه من محاولات التحديث،في محاولة لتشخيص مكامن الصواب والتساؤل. 
مفهوما الحضارة والتراث
                   يتفق علماء الاجتماع على تعريف الحضارة، بأنها : الكل المركب من الانجازات في مختلف المجالات الحياتية، المعرفية والعلمية بأنواعها، اللغة، الفن، القيم، الاعراف، القوانين، التقاليد، المعتقدات الدينية، وسائل الانتاج، وكل ما ينتجه الانسان من الماديات المحسوسة والمعنويات المجردة في مجتمع معين، وهي مترابطة ومتفاعلة مع بعضها وتتواصل بين الاجيال في سياق المتغيرات المستجدة. وقد تكون بعض الجوانب المعنوية مكتوبة أو منقولة شفاهاً من جيل الى اخر. ولايختلف وفقاً للدراسات السابقة مفهوم التراث عما تحتويه الحضارة من العناصر.
علاقة التراث بالتغير الاجتماعي والحضاري وتطبيقاته
                                ظاهرة التغير ليست وليدة العصور الحديثة، فهي قديمة، تناول الفلاسفة دراستها، وثم وضع علماء الاجتماع نظريات كثيرة عنها، ومنها توصلت الى قوانين علمية لا تزال ثابتة. لاجل توضيح العلاقة، إنطلقتُ من أسس إحدى أكثر النظريات الاجتماعية انتشاراً في الاوساط العلمية التي تعد حالياً قانوناً اجتماعياً، وهي نظرية" الفجوة الحضارية " أو التلكؤ الحضاري" لعالم الاجتماع الامريكي " وليم أوكبرن" 1886 – 1959، مفادها أن : (التغيرات في العناصر المادية الحضارية تحدث بسرعة أكبر من التغيرات في العناصر اللامادية في المجتمع، فيُحدث هذا التفاوت في السرعة فجوة حضارية تُصيب المجتمعات مشاكل إجتماعية مختلفة). وبيّن أن هذه العملية تحدث جراء تأثير النتاج الفكري المادي أو القيمي، تلك العملية التي تبدأ بظهورها، وثم إنتشارها، وأخيراً تعديل أو تكييف الانساق القيمية بناءً على التاثير الجديد، وبما فيها النسق الديني .
أولى " وليم اوكبرن" إهتماماً كبيراً بالتراث، فيعرفه بكونه( نتاج الانسان المتبقي منذ زمن بعيد، استطاع أن يدوم لينتقل من جيل الى آخر ). ولكن ما الذي يحصل وفقاً لقانونه في التغير؟ تحدث في المجتمع تغيرات مادية وفكرية بحكم حتمية التغير، ( تُحرك وتضغط على النموذج الحضاري القديم في المجتمع، حيث العناصر القائمة لا تستقبل بسهولة ويُسرٍ الافكار الجديدة) وأخص بالذكر تلك التي تعد من المقدسات لدى الأفراد. لان ما يُستحدث في المجتمع من عنصر حضاري لا يتوقف على طريقة استعماله وممارسته، بل تتبعه مجموعة من الممارسات والتعديلات تمس القيم والتقاليد بانواعها ومنها الدينية.
لا يمكن صد العناصر المستحدثة في المجتمع، أنها ستولّد حاجات جديدة وتؤدي الى فقدان التوازن في النظام الاجتماعي ككل. فالمستجدات قد تتطلب إيجاد أنماط جديدة، قد لايتلائم الافراد معها لعدم إستيعابها وإستساغتها وعدم التعود على ممارستها، فتظهر المقاومة من بعضهم، لكونها غير قائمة على الاطار الفكري والعملي المألوف عليه سابقاً، عندما تصبح إلزامية للممارسة. (والاراء المتباينة حول الاصالة والعصرنة، لاتختلف عن التخلف والتحديث، كما أكد عليه " اوكبرن "، فالفكر الذي يستطيع إدراك الواقع المجتمعي والمستجدات، لايستوعب ظاهرة البقاء على التراث الذي لا ينسجم مع متطلبات العصر).
ولما كان التحديث في الكنيسة يجري في جانبيه المادي والمعنوي التجريدي. نلاحظ أن المادية منه تتغير بسرعة دون أية مقاومة إجتماعية شديدة، مثلا، تغيير هندسة البناء، تأثيث الكنيسة بتجهيزات معاصرة، الازياء وغيرها. ولكن تبقى عملية تغيير الطقوس وطرق ممارستها، وبعض النصوص التي وضعت من قبل الروحانيين القدامى بطيئة. وأية محاولة تجديدية تتعرض الى إعتراضات متباينة من قبل بعض الاتباع، لعدم التقبل العقلي لها، لاسباب ترتبط بالبنية الشخصية للفرد.
ظاهرة الدعوة( اذ لم نقل عقدةالدعوة) للاكتفاء بالتراث، والتفكير من خلاله للعيش، والحال فأن ممارسة طقوسنا ونظامنا الديني أو اي مجال آخر هي مناقضة لطبيعة الحياة المتغيرة، طالما هناك حتمية التغير وضرورة خلق التوازن في النظام الاجتماعي. فالعمل على أحياء التراث باكمله يعتبره علماء الاجتماع " نكوص فكري"، لاعتباره عملية الارتداد للماضي، فقوة المحافظة على الموروث وتقديسه يؤول الانسان أن يكون وراثياً خاملاً إتكالياً وتابعاً ويُبعد عنه عنصر الابداع.
لا أقصد هنا نبذ التراث برمته، بل إقتباس الجوانب المشرقة من تراثنا الديني والارتقاء به الى مستوى الحياة المعاصرة ومتطلباتها ومؤاومته، مع إنتاج فكري حداثوي،وذلك تحوطاً وأحتواءاً لكل ما يعترض تحقيق الكنيسة لوظيفتها الروحية، هي الطريقة التي نحافظ من خلالها على هويتنا الكنسية. فهل من المعقول أن نمضي فترة طويلة في التعبد والصلاة في ظل الجهد الجسدي والفكري والانشغالات المتعددة للانسان المعاصر جراء طبيعة أنساق العمل التي يكون الانسان فيها مُلكاً لغيره، وفي ظل التشعبات الفكرية ؟ مقارنة مع الماضي الذي لا يعدو عمل الانسان الا  في كونه منشغلاً في الزراعة وبعض الحرف والخدمات البسيطة في المدينة والوقت مُلكٌ له.
ابناؤنا، وبل نحن ايضاً أعضاء في عدة مؤسسات إجتماعية ورسمية مفروضة علينا وأيضاً إختيارية، دخلت المرأة مجال العمل الى جانب الرجل، بدلا من تقوقعها في الدار. اصبحت متطلبات الحياة المعاصرة متعددة، كانت بعض الحاجات في الماضي كمالية، لكن اليوم اصبحت حاجات اساسية مطلوبة لتنمية قدراتنا العقلية، ولنتمكن من التكيف والانسجام مع المجتمع الحديث، وهي تتطلب نفقات كبيرة، مما يضطر الوالدين بذل قصارى جهدهما في العمل لكسب الاموال والحصول عليها.
اليوم لنا علاقات والتزامات متشعبة لا حدود لها، فقضاء فترة طويلة في الكنيسة للصلاة لا يناسب طبيعة المجتمع المعاصر، وبعض النصوص والالحان لا تتناسب مع طبيعة التفكير للاجيال المعاصرة، الوعظ الديني القديم بمفرداته التخويفية والعنيفة والتهجمية وما شابه لا تنسجم مع فكر الفرد المعاصر. لعدم تجانس كل المتلقين اليوم كما كانت الاجيال السابقة في السياق الفكري والعقلي.
علينا ان لا نستغل التراث كآداة لترسيخ فكر معين، والتمعاكس مع الاخرين، انما يُفترض بمن يؤمن بالحداثوية وواقعية التغيرات في كافة المجالات الحياتية والفكرية، أن ينصب موقفه على التوفيق بين الوجه المفيد من التراث وربطه بالتحولات المذكورة لتسنجم مع الواقع لتجاوز الفجوة الحضارية. فحتمية التغير قانون اجتماعي طبيعي، وعلى أثره مظاهر التحديث هي أقوى من كل الارادات والمحاولات لاحياء التراث بمجمله.
 فلابد من انتقاء العناصر التراثية التي تترابط مع العناصر المستجدة وتتكامل معها، وليكن الهدف إقرار الفائدة من التراث وليس رفضه ونبذه بالكامل. فهل من المعقول أن لا نشاهد التلفاز ولا نستخدم الحاسوب، ووسائل التواصل الاجتماعي ولا المركبة، لانها ليست من تراث أجدادنا؟ بل نكتفي بالقصص، والحكايات الشعبية، ونعد الاشياء باصابعنا، ونستخدم الحيوانات للنقل لانها من تراثهم!
ليس من المنطق التشبث في إستمرار التراث وجودته الشمولية، وكانما هو قالب صالح لكل الازمنة، دون ربطه بالمستجدات، لان كل العناصر الحضارية مترابطة ببعضها، أي عندما يطرأ تغير في عنصر معين لابد أن يتبعه تغيير في عناصر اخرى لتنسجم معه لخلق التوازن. فنحن بحاجة الى ابتكار الافكار لتلائم العصر. إذ تؤكد الدراسات الاجتماعية ( إن التراث يتجدد عبر الإنتقال من جيل الى آخر، تحت إبداعات الجيل الجديد، وتسقط منه عناصر لا تتناسب مع حاضرها، وتضيف اخرى تجعله أكثر صحياً للجيل الجديد ).
يعكس التراث حالة خاصة للمجتمع أوالمؤسسة، وهي الذات، ويُعرّف الاخرين بتلك الذات وخصائصها. ولكن السؤال الذي يُطرح: هل الابقاء على التراث القديم وممارسته بالرغم من التغيرات، يحدد هويتنا؟ ليس المقصود التشبث بالتراث، سيقودنا لمعرفة ذاتنا أو يعرفنا الاخر، بل بعملية إستخلاص المعاني والافكار التي تخص حياتنا اليوم والاستفادة منها، ومن جهة اخرى إحياء التراث ووضعه في الواجهة، ليبقى رمزاً للترابط الاجتماعي والانتماء المشترك للجماعة الدينية او الاجتماعية، ويعزز روح المشاركة بين أعضائها، وجعله عاملاً للتنمية الاقتصادية. وليس الموضوع بممارسته اليومية، بل حفظه في أماكن خاصة، كالمراكز الثقافية، والمتاحف، وممارسته وعرضه في مناسبات وطنية ودينية وسياسية، كما تعمل المجتمعات المتحضرة.
أين هي مكامن الصواب والتساؤل؟
                           بعد التحليل الموجز اعلاه عن التراث والتغير الحضاري المُستخلص من الدراسات الميدانية والتنظيرية، لابد الاجابة على السؤال المطروح عن مكامن الصواب والتساؤل في محاولات البطريرك ساكو التجديدية في الطقوس الكنسية، والنصوص التي وضعها الاجداد الروحانيين، هل في ضوء ما طرحتُ تعد هذه المسالة صائبة؟ هل عملية تعامله وتعاطيه مع التراث الكنسي تتناقض مع المفاهيم المطروحة عن التراث وعلاقته بالتغير؟
لو تجردنا من الاحكام المُسبقة، والتفسير العاطفي الذي يشدنا بالتراث، وتقديس الاجداد وتعظيم إنجازاتهم الفكرية، ونركن وبهدوء الى العلاقة المنطقية بين التراث والتغير الاجتماعي، الذي يحصل جراء تطور العقل البشري وإنجازاته، ونسأل انفسنا بروح موضوعية ونقول:" هل تتناغم وتنسجم أفكار الاجداد مع عصرنا ومتطلاباته والمتغيرات المتلاحقة ؟ لو تكن نظرتنا موضوعية ومجردة من العواطف، سيكون الجواب، مكامن الصواب في ما يقدم عليه البطريرك ساكو هي متوافقة ومتطابقة مع التفسير المنطقي الحديث للعلاقة بين التراث والتغير الحضاري. فمثلما يتغير المجتمع بسرعة، فالطقوس لا محال ستتغير آجلاً أم عاجلاً لكي تتناسب والتغيير الحاصل.
فهل يُعقل أن نبقى أسرى لافكارالاجداد وانجازاتهم وتعظيمهم وتقديسهم ومنحهم صفة الافضل تفكير منا، لنتراوح في سياق الجمود الفكري، وقتل المواهب وروح الابداع للاجيال الحالية واللاحقة. هل كانوا أكثر ذكاءً وفطنةً منا، لكي نبقى أسرى إنجازاتهم قبل مئات السنين بل الالاف؟ المتابع لتاريخ الطقوس وتاليف وتثبيت نصوص الصلوات والقوانين، سيلاحظ بوضوح انها لم تحصل بدفعة واحدة، بل تجددت واضيف عليه او حذف منها تباعاً من قبل البطاركة في الكنيسة.
 إذن لماذا نرفض ما يستجد لدى البطاركة الحاليون، فهل القدامى على صواب والحاليون على خطأ؟ لماذا نرسخ في ذواتنا نزعة الشعور بالنقص حيال القدامى؟ أ ليس بمقدور الاجيال المعاصرة، الابداع في وضع نصوص للصلاة تتناسب لهذا اليوم وخصائصه ؟ وما الضرر لو أحتوى نص الصلاة اليوم بدلا من ان نقول: خلصنا من الجراد، يارب أنر عقولنا لنستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لفائدة البشر، أو لنقول: خلصنا من التطرف والارهاب، أو أنرعقول اطفالنا ليواكبوا تعليمهم، أو خلصنا من الحكومات الفاسدة، أو أبعدنا عن الغش والرشوة والمحسوبية، تلك المفاهيم التي لم تكن سائدة في الثقافة القديمة.
كما هو معروف إن الكثير من الطقوس الدينية التي تمارسها الكنيسة، وهنا أعني كل الكنائس والاديان، جاءت  جوانب كبيرة من افكارها من الميثولوجيا، من الديانات الوثنية، وتم صياغتها لتسنجم مع واقع الحال في القديم، ولا تنسجم مع المفاهيم الحياتية السائدة اليوم، أ لم تكن ستائر المذبح هي عينها كانت تعزل الكهنة في المعابد القديمة، وبعد تراويح وصياح من قبلهم هناك، يخرج الكهان أمام المؤمنين ويهددهم بالطاعة الى الالهة والا سينالون العقاب؟ أ ليست قِبلة الصلاة  نحو الشرق في كنائسنا متاثرة بقبلة الزرادشتية التي كانت الديانة السائدة في المنطقة، ولكونها تعد الشمس نور الاله وتبدأ الصلاة مع شروقها؟ وهناك مثل ذلك مئات الامثلة، لماذا نستمر بما لاينسجم مع فكرتنا عن الدين والتخلص مما هو وارد في النصوص من حالات غريبة ؟ يسوع المسيح له المجد، في العشاء الاخير لم يفرض القيام باية حركات مُثيرة وانعزالات واختفاءات، كما يحدث في طقوس قداس العديد من الكنائس حالياً، بل كل ما قاله، خذوا أكلوا، وخذوا أشربوا .... وأعملوا هذا لذكري. بمعنى يكفي بالكلمة المحيية التي يُلقيها الكاهن المفوض من يسوع المسيح ويتم كل شيء. والبقية من الطقوس هي من وضع الانسان، بإمكانه أن يلغي منها ويتبنى ما يجده مناسباً للعصر.
هل يُعقل أن نحضر الكنيسة دون أن نتفاعل مع الصلاة ونفهمها؟ وأن نكون مثل الرهبان القدامى الذين وضعوا معظم هذه الطقوس والنصوص الطويلة لنبقى ساعات طويلة في الصلاة والتامل بعد جهد نهاري أنهك قوانا الجسدية والفكرية؟ هل نبقى نردد التراتيل أو المدائح التي لا تنسجم بعض الحانها او كلماتها مع فكر الجيل الحالي الذي يستمتع بالاغاني الخفيفة وبحركاتها وايقاعاتها، ولا تنسجم مع الحان وكلمات الاغاني القديمة. نعم كجيل قديم عاش تلك الالحان والكلمات، أستمتع بها وتقبلها، ولكن الاجيال الحالية هي غير ذلك، وعليه يجب ان لا نكون انانيين. وهنا لا اعني رفض كل ما وضع، وانما تتم عملية الانتقاء والاستمرار بتلك التي تنسجم مع الحياة اليومية ومع الفكر والذوق والحس العاطفي الذي يشد الانسان لما يسمع ويمارس.
 خلاصة القول:وفقاٌ للمعطيات اعلاه، ما لم نواكب التغير في العقل البشري، وما يجري من مستجدات في الحضارة البشرية، سوف تبقى الكنائس متقوقعة على ذاتها وتنكمش تدريجياً من مؤمنيها، فتبقى كفكرة المتاحف البشرية، ولم تؤد وظيفتها الروحية المطلوبة. يتحمل مسؤلية ذلك التلكؤ الجيل الذي يرى ما هو مناسب له ولا يرى ما هو مناسب للجيل الجديد. ولما كان أتباعها  يتميزون بتباينات فكرية، عليه ارى من الافضل، إيجاد آليات تُنظم عملية التغيير وتتحكم بها وتوجهها وفقاً لمخططات مُسبقة لتحريك المؤسسة نحو الاتجاه الامثل والانسب، وهذه لايمكن أن تحدث بفعل فردي، بل لجان مختصة فنية مؤهلة لوضع الخطط السليمة.

ملاحظة للقراء الاعزاء:  وأخيراًاود الاشارة هنا ،ان المقال لايخص موضوع اللغة ،لانها تختلف في أهميتها وتداعياتها وعلاقتها في التغير.
رجاءً، إعتمدت على ثمان مصادر عربية وانكليزية في إعداد المقال، وهي بحوزتي، لمن يرغب، ساكتبها. وشكرا للقراءة.       
 
   










23
                                أحذروا من طروحات رجال الدين
                                          عن لغتنا
  د. عبدالله مرقس رابي
                        أحتدم  النقاش في الاونة الاخيرة حول تسمية لغتنا، وتطورها، وعلاقتها بالتراث الديني والاجتماعي بين الكُتاب المهتمين بالموضوع. أردت كمتابع وباحث أجتماعي المشاركة في أبداء رأيي عن الموضوع ، فبدأت البحث وأستقصاء المعلومات.لاحظت أن الغالبية من المهتمين في موضوع اللغة كانت أستعانتهم بالمصادر والاراء التي تنحصر في ما كتبه أو طرحه الكُتاب الروحانيين بمختلف درجاتهم الكهنوتية. كما يتخذ المهتمون تلك الكتابات مبرراً مقدساً، تأثرا بعقلية تقديس رجل الدين على اساس مبدأ " التفويض الالهي"، وان كل ما يكتبه او يتفوه به مقدس وحقيقي لا يمكن مناقشته. بالرغم من ان بعضهم لا يقرون بهكذا عقلية الا انها تبقى حجة للتاثير على الاخرين. ويصر كل واحد على أن ما توصل أليه هو الحقيقة المطلقة. فأصبح تخبط وعدم وضوح تسمية اللغة عند هؤلاء متأثراً بتخبط وعدم وضوح نتاجات رجال الدين. وعليه شرعت في دراسة ما كتب رجال الدين بما تيسر عندي من كتب تعود لهم كعينة وأمثلة.
فما الذي أستنتجته من قرائتي لكتبهم ولماذا أطالب المهتمين بالحذر منها؟ لغرض تبسيط الفكرة والمقصود من تحليلي أقتبس ما يتعلق بالموضوع من تلك الكتب المُختارة كعينة.
قاموس المعنون أصلا" دليل الراغبين في لغة الاراميين" لمؤلفه المطران " يعقوب أوجين منا" المطبوع عام 1900 في الموصل.
وهو القاموس الذي لاحظت التكرار عند الكُتاب للأستعانة به. وقد أعاد طبعه البطريرك روفائيل بيداويذ سنة 1975 . لنتابع ما يثُير الانتباه من غرائب وتناقضات في الطرح الذي وُرد في مقدمة الطبعتين. تبين في مقدمة الناشرعند أعادة طبعه :
 عنونه في طبعته الثانية " قاموس كلداني – عربي" فيدل من العنوان، الترجمة هي من اللغة الكلدانية الى العربية، أي أن اللجنة المكلفة باعادة طبع القاموس تقُر بأن القاموس هو باللغة الكلدانية. بينما العنوان الاصلي هو كما وُرد اعلاه.
 عند قراءة المقدمة نرى التناقضات والتخبط في تحديد اللغة، فيقول: "كان بودنا وضع معجم جديد متطور للغة السريان من المشارقة وهم الكلدان، والمغاربة وهم السريان".
ويقول أيضا: "فشكلنا لجنة من الضالعين باللغة السريانية برئاستنا، فوجدنا (دليل الراغبين في لغة الاراميين) والمقصود به قاموس منا. ويستطرد قولا: وبتاريخ 14 تموز من عام 1972 أصدرت لجنتنا كتابا عممته على اساتذة اللغة السريانية وعلمائها من شرقيين ومستشرقين أعلنت فيها عن عزمها على اعادة طبع قاموس منّأ مع ملحق جديد يكمل هذا السفر الجليل لياتي بداية مفيدة لطالبي اللغة السريانية ويساعد في دراسة كتب (اللغة والتراث السرياني الاصيل) ويقول: (وهو من المصادر الجليلة في اللغة السريانية).
نلاحظ تكرار " اللغة السريانية" في الفقرة اعلاه ،بينما يعنون القاموس بتسمية اخرى كلداني- عربي، هل يُعقل ذلك ومنطقية؟!..
وأكثر تخبطا وغرابة للمُختارين، ما جاء أيضا في المقدمة "نظرا الى طبعه بالحرف الكلداني وباللهجة السريانية الشرقية (الكلدانية) اللهجة الاكثر أستعمالاَ في الكنيسة الكلدانية والكنيسة المشرقية الاشورية". لاحظ ايها القارى الكريم يقولون " الحرف الكلداني" والحرف هو ارامي ! ولهجة سريانية شرقية وغربية. ما هذا التخبط؟
 صاحب القاموس لم يذكر اللغة السريانية ولا الكلدانية في مقدمة قاموسه بل "الارامية". وناقض نفسه حين وضع العنوان نفسه باللغة الفرنسية على القاموس بهذه الصيغة "كلداني – عربي" فقامت اللجنة بوضع العنوان المذكوربحسب ما مذكور في مقدمة الناشر. يبدو أن المؤلف نفسه المطران يعقوب منّأ لا يعرف عن أية لغة يتحدث، والا لماذا يعنون كتابه باللغة الفرنسية بهذه التسمية، والعنوان هو "دليل الراغبين في لغة الاراميين"؟  فهو نفسه قد أخفق في التمييز بين الاراميين والكلدان أثناء تحليل أسباب وضعه لهذا القاموس. فيقول في وصفه اللغة الارامية:
"فضلا عن كونها لغة لهج بها اقدم الشعوب اصلا ونبلا وتداولها أعظم الممالك صولة وبأسا وتهذبا من الكلدان والاثوريين والسريان". فهنا لم يميز بين اللغة والاصول الاثنية العرقية، علماً بحسب الكتب واللقى الاثرية القديمة بينت بوضوح أن الكلدان والاشوريين القدامى كانت لغتهم " الاكدية " والكتابة مسمارية ولم يكن لها أبجدية كالارامية وقد اختلفت عن الارامية كتابة ولفظا، واللغة الارامية دخلت الى مناطق تواجدهم في بلاد النهرين في منتصف القرن التاسع عشر قبل الميلاد .
   أليس هذا التفسير غريبا ويدل على مدى أفتقار المطران "منّا" للمعلومات التاريخية والدراسات الانثروبولوجية والحضارية؟ فهو قد أعتمد بالدرجة الاولى على ما وُرد في العهد القديم من الكتاب المقدس الذي يحتوي أخطاء تاريخية وجغرافية وتسموية للشعوب والمناطق مقارنة لما وُرد في الدراسات التاريخية والحضارية، فكل ما جاء به واضع القاموس وما ذكره في مقدمته مُناقض لما جاء في الكتب الاخرى. 

ويعتبر الاب "ألبير أبونا" من كُتاب رجال الدين المحدثين الاكثر تخبطا وتناقضا وتأثيرا على المفاهيم الاثنية والقومية والتسمية وتحديد اللغة، وهذه مقتطفات مختارة من بعض مقالاته ومؤلفاته وسنرى التناقض والتخبط الذي وُرد فيها.
 لو تفحصنا هذه العبارات من كتابه المعنون "الاراميون في التاريخ" لنرى التناقض الواضح في تحليلاته عن أصل الاراميين والاثنيات الثلاث المعاصرة حيث يقول في مقدمة الكتاب: (ألا يكون هؤلاء الناس من أجدادنا الذين خلفوا لنا لغتهم الارامية؟) كيف برهن أنهم أجدادنا؟ هل بعبارته (وربما خلف لنا الاراميون الكثير من صفاتهم وعاداتهم وتقاليدهم أيضا، الا تكون هذه العناصر من مكونات القومية الحقيقية؟).
ويقول (ولنفهم الارامية ما تزال لغتهم خير شاهد لدى التاريخ الثقافي لا سيما في بلاد النهرين). أية لغة يقصد الاب ألبير؟ هل التي أنحسر تداولها في الكنائس ولم نفهم منها شيئا؟ فالعامية أو الاغلبية الساحقة من افراد الاثنيات المعاصرة لا يتقنون هذه اللغة تحدثا وكتابة ؟ ولا يعني من يُحدثها ارامي أثنياً وعرقياً.
وعبارة اخرى له (ومن يدري لعل الاشوريين والبابليين الذين أختفوا عن المسرح السياسي قد ذابوا بين الشعوب الجديدة التي استولت على بلاد بين النهرين أو لعلهم واصلوا استمرارهم عن طريق الشعوب الارامية متبنين عادات هذه الشعوب ولغاتهم عبر الاجيال).
 وتتبين تناقضاته أيضا فيما لو تابعنا بعض من كتبه الاخرى، فمثلا يقول في أحدى هوامش كتاب "الرؤساء" لتوما المرجي الذي ترجمه الى العربية (والاب بولس بيجان الذي أعاد طبعة النص الكلداني وغيرها ممن كتبوا بالاداب السريانية. وجاء في سنة 1893م، قام العلامة المستشرق الانكليزي السير ي، أ بدج  بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية، وأيضا حتى أن المرء ليعجب من سعة أطلاع هذا العالم على دقائق اللغة الكلدانية). 
بينما في مقالِ له بعنوان (تطور الفكر اللاهوتي في كنيسة المشرق) جاءت عبارة (كانت لغة التعبير عن الديانة المسيحية هي الارامية في معظم مناطق بين النهرين ... الخ). وعنون أحد كتبه (آداب اللغة الارامية) فتارة يعتبر اللغة كلدانية وأخرى آرامية أو سريانية فليس هناك أستقرار على راي ثابت.
 يُلاحظ أحتواء كتبه العديد من التناقضات، ومن ثم كثيرا ما أستخدم عبارات و مفردات تدل على عدم اليقين مثل ربما ولعل ومن يدري وغير معروف ونتخيل. مما يدل على أن الافكار التي جاء بها هي عبارة عن فرضيات ،حيث لا يمكن استخدام مثل هذه المفردات في الكتابات العلمية الموضوعية المنهجة. وقد أنعكست حالة الافتقار الى الدراسة الاختصاصية الممهدة للبحث العلمي بأتباع المنهجية المقررة في دراسة الحضارات انثروبولوجيا وتاريخيا، فقد كتب معتمدا على خبرته الشخصية.

وأما المطران "سرهد جمو" راعي أبرشية مار بطرس الكلدانية في غرب أمريكا -  ساندييكو والفخري لاحقاً .في بحث له ورد المقتبس الاتي:
مذكرات (ريكولدو دي مونتي كروجين) الذي كتبها سنة 1292، حيث وُردت عبارة (مع ذلك فان هؤلاء النساطرة الشرقيين هم جميعا كلدان وبالكلدانية يقرأون ويصلون ).

وفي الكتاب الموسوم "آشوريون أم كلدان" لمؤلفه الاسقف "عمانوئيل يوسف"، تكفي الاشارة الى هذه  العبارة( فأن مفهوم تسميات "السريان" و"اللغة السريانية" كانت تعني بالنسبة لموجدي التسميتين من اليونانيين القدماء "الاشوريون" و "اللغة الاشورية" حصرا) .
 
ويبدو جليا التشويه والتخبط في مؤلفات رجال الدين في العناوين المستخدمة لكتبهم وتسمية اللغة، وذلك كما وصفها الاب حبيب النوفلي (المطران لاحقا) في كتابه المعنون (معجم الكُتاب الكلدو آشوريين الصادر سنة 2003) ففي وصفه للغة الكتاب يضع لغة" آرامية " وبين قوسين يضع (كلداني، سرياني، أشوري).
وفيما يأتي بعض الكتب المختارة من المعجم والعناوين وتسمية اللغة:

قواعد اللغة الكلدانية، مؤلفه جرجس عبديشوع الخياط الموصل 1869.
مؤلفات أقليمس يوسف الذي يذكر اللغة السريانية في كتبه، مثل، اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية على كلا مذهبي الشرقيين والغربيين، 1873.
مبادىء القراءة السريانية، الموصل، 1879.
نحو اللغة الكلدانية، أيرميا طيماثاوس مقدسي، الموصل 1889. ولنفس المؤلف كتاب بعنوان: قواعد اللغة الارامية، 1889 (أليست غريبة وعجيبة !!!) .
وأما يعقوب أوجين منا فله:
الاصول الجلية في نحو اللغة الارامية، الموصل 1896
المروج النزهية في اداب اللغة الارامية ج 2 سنة 1902
الاناشيد الروحية، اللغة سورث، داود كورا الموصل 1896
قاموس اللغة الكلدانية، توما أودو، الموصل1897، وله كتاب آخر بعنوان "كنز اللغة الارامية بجزاين، 1897.
وله مخطوطة أخرى بعنوان "قاموس اللغة الكلدانية - كنز اللغة السريانية" الموصل، 1907.
قواعد اللغة الارامية أو مفتاح اللغة الارامية، الفونس منكنا، الموصل 1905.(ومما هو جدير بالذكر أصبح أكاديمياً لامعاً.)
ذخيرة الاذهان في تواريخ المشارقة والمغاربة السريان ج 1 بطرس نصري، الموصل  1905.
كتاب التعليم المسيحي باللغة الكلدانية (سورث) الموصل 1908.
اللغة الارامية، يوسف كوكي، الموصل 1924.
مقطتفات من حياة القديسة ترازيا (سورث) 1931.
قواعد سورث وفرنسي، 1937 الموصل.( غريبة سورث اربع مرات من ذلك الزمن)
مبادىء القراءة الكلدانية، فرنسيس حداد، الموصل 1939.
دروس في القراءة السريانية، نعمة الله دنو، الموصل 1939.
اللغة السريانية، ماضيها وحاضرها، غريغوريوس صليبا، الموصل، 1973.
القراءة السريانية، ستة أجزاء الاب البير أبونا1983.
تواريخ سريانية، يوسف حبي 1983.
قاموس عربي سرياني، الاب شليمون أيشو وعمانوئيل، دهوك 2000.
قواعد اللغة الارامية، للاب فيلبس أسحق، بغداد. 2002

 ويذكر الاب حبيب النوفلي في كتابه المعنون (فهرست مخطوطات مكتبة بابل الحبرية للفلسفة واللاهوت) في وصفه للغة المخطوطات: اللغة كلدانية، الحروف سريانية شرقية، وهذه بعض الامثلة:
مخطوطة العهد الجديد وأعمال الرسل ورسائل بولس:  يصف المحقق اللغة (كلدانية، الخط كلداني سرياني شرقي) الناسخ القس هرمز بن القس خوشابا سنة 1705.
مخطوطة: اسفار: الامثال والجامعة ونشيد الاناشيد والحكمة، للناسخ القس عبدالمسيح سنة 1825، ويقول المحقق في وصفه اللغة (كرشوني وكلدانية، حروف سريانية غربية) .
مخطوطة صلوات الساعة في مدار الاسبوع للناسخ الشماس حنا شمعون سنة 1953، ويصف اللغة (كلدانية، الخط سرياني شرقي) .

ويعنون المطران شليمون وردوني وبمشاركة الشماس حبيب هرمز كتاب بعنوان (فهارس المخطوطات السريانية والعربية في خزانة معهد شمعون الصفا الكهنوتي) ويذكر المحققان في وصف اللغة لكل المخطوطات: سرياني شرقي أو سرياني غربي وبعضها سورث). وهذا يختلف عن ما وصف به الاب حبيب النوفلي الكتب في كتابه (معجم الكُتاب الكلدو آشوريين) المار ذكره حيث يصف اللغة كلداني، سرياني، آشوري.

وفي مقال للاب بطرس حداد الموسوم (أرشيف البطريركية الكلدانية) جاء (أن السلف الصالح كان يعتز باللغة الكلدانية، فالمراسلات بين البطريكية والاكيليروس كانت تتم بهذه اللغة الشريفة، وتراجعت تدريجيا في عهد البطريرك عمانوئيل). وأما في مقدمة مقالته المنشورة في مجلة نجم المشرق عدد 3/4 أستخدم عبارة (بمناسبة احتفال الطائفة الكلدانية) وفي المقال نفسه كتب (السجل مكتوب بالكلدانية). وله مقال معنون أيضا (الكتابات السريانية في ديارات المشارقة). وله بالاشتراك مع الاب جاك أسحاق الكتاب الموسوم (المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد). يُلاحظ أزمة المفاهيم لدى الاب حداد، فيؤكد أن اللغة هي الكلدانية، أي هناك شعب يتكلمها وهو الكلدان، بينما يسمي هذا الشعب بمناسبة أخرى طائفة، ويغير اللغة الى السريانية وهكذا.

يقول القس " منسى يوحنا " القبطي في كتابه الموسوم " النور الباهر في الدليل الى الكتاب المقدس":(أما قبولنا أن العهد القديم،كتب بالعبرانية ،فهو لاينبغي وجود بعض فصول من بعض اسفاره كُتب باللغة الكلدانية وهي لغة شبيهة بالعبرية.)
ويستطرد قولا:( عزرا لم يكن يجهل العبرية ،أنما بمكوث كل تلك المدة الطويلة بين الكلدانيين أمتزجت لغته بلغة الكلدان ،ولهذا تجده يكتب سفره بعضه بالكلدانية وبعض بالعبرانية) .
وجاءت عبارة اخرى في كتابه( قال بعضهم أن الكلدانيين أظهروا الشفقة لنبي دانيال ،لذلك كافأهم الله بأن جعل لغتهم تحوز الشرف بها جزء من الكتاب المقدس).
بينما يقول في فصل آخر( ان اللغة الارامية التي كانت مستعملة في فلسطين في عصر المخلص هي الارامية او السريانية ويسميها بعضهم الكلدانية لان اليهود تعلموها عندما سُبيوا الى بابل وظلوا يستعملونها بعد رجوعهم من السبي). ما عرفنا هي ارامية ام كلدانية؟

ومن الامور المدهشة قيام بعضهم بوضع عناوين لكتبهم تخص نتاجات من سبقوهم وينعتوهم بالسريان أو اراميين أو اشوريين حتى لو كانوا اشوريين او كلدان  او سريان او عرب أو فرس أو ترك او هنود، لان تلك النتاجات هي باللغة السريانية. وأدرج مثالان واضحان، كتاب الاب لويس ساكو" البطريرك لاحقاً" المعنون " آباؤنا السريان". وكتاب " اداب اللغة الارامية"  للاب " البير أبونا"حيث يذكر ادباء كتبوا بالارامية كأنما هم اراميون. وهناك العديد من الكتب التي الفها غيرهم ويتحدثون عن من كتب بالارامية انه ارامي أو سرياني أو آشوري الاثنية.
  نعم انها لغة ارامية وثم سميت سريانية التي أستخدمت في الكنيسة وعُممت على كنائس المشرق برمتها، فأصبحت لغة الطقوس، فكتب الروحانيون بها، ولكن من المعلوم تاريخياً، ان اتباع هذه الكنائس من اثنيات مختلفة، وهذا لا يعني جميع من كتب بالسريانية هم سريان، قد يكونوا كلدانا اواشوريين او فرسا أو عربا أو سريانا. والصح أن يكون مثل هكذا عناوين بهذه الصيغة" اباؤنا الذين كتبوا كتاباتهم بالسريانية " أو مثلاً "نتاجات كُتاب الكلدان أو السريان او الاشوريين الذين كتبوا بالعربية في القرن العشرين" لتصبح اكثر موضوعية.
 فهل مثلا بطاركة الكنيسة الشرقية الذين كانوا من اصول فارسية مثل، شمعون برصباعي، وشاهدوست، وبربعشمين من السوس عاصمة الفرس، وأبا المجوسي الاصل، وسبريشوع من فيروز آباد ، ويبهالا الثالث المغولي ،واليشوعياب الارزني عربي الاصل ،وغيرهم الاف الكهنة والاساقفة على مر العصور،هل هؤلاء كانوا سرياناً؟ لانهم كتبوا نتاجاتهم الدينية بالسريانية؟ بالطبع كلا.
 وهذه الحالة تنطبق على كتابنا المعاصرين سواء من الروحانيين او العلمانيين من الاثنيات الثلاث الذين يكتبون بالعربية ومنهم بالكوردية أوالتركية والفارسية والانكليزية وبلغات مختلفة. وهذا لا يعني هم عربا او كورد او فرنسيون او انكليز أو ترك.
 عليه، لابد من التمييز بين اللغة التي يتقنها الكاتب ويكتب بها وانتمائه الاثني. وكلنا الذين نكتب هنا نكتب بالعربية التي أصبحت لغتنا في الكتابة بحكم الظرف باستثناء " الاخ قشو ابراهيم" فهل يعني الوحيد هو سرياني وكلنا عرب لاننا نكتب بالعربية؟ علماً لا أحد بامكانه أن يجرده من انتمائه الاشوري. وهذه أيضاً تنطبق على أجيالنا الحالية والقادمة من كل الاثنيات التي تكتب وستكتب بلغات البلدان التي ولدوا فيها وتعلموا لغتها. وهذا لا يعني ان اصولهم هي كأصحاب تلك اللغات.

أ ليس تخبطا وأرباكا ونقصا في المعرفة لاسس العلوم الاجتماعية واللغوية عنما تظهر عندهم هذه المفاهيم وأحيانا عند الكاتب الواحد؟ ألا تُثير الدهشة والاستغراب والحيرة لدى العامة من الاثنيات الثلاث؟:
 الكلدان، الاشوريين، السريان، الاراميين، اللغة الكلدانية، اللغة الاشورية، اللغة السريانية، لغة السورث، اللغة الارامية، الكلدانية النسطورية، الشعب الاشوري بكنائسه الكلدانية والسريانية، السريان هم الكلدان والاشوريين والسريان بجميع كنائسهم، السريان هم العرب ، الكلدو اثوريين، الاداب السريانية، الاداب الارامية، الناطقين بالسريانية، الطائفة الكلدانية. الحرف الكلداني، الحرف السرياني، الحرف الاشوري واخرى غيرها.
فالكتبة الروحانيون لهم دور كبير في تشويه الموضوع .وذلك لانهم غير مختصين باللغة وأصولها، نعم هم اهل للكتابة عن الطقوس واللاهوت وتاريخ الكنيسة ،وهذا لا يجعل بامكانهم تقرير تسمية اللغة لمجرد اتقانهم لها، ونحن نستعين بأفكارهم المتناقضة لانها مقدسة لاتقبل النقاش، فهذا وهم وهراء. فمن كتب منهم من الجيل الاول، كتبوا وفق اجتهادهم وخبراتهم الشخصية دون الالمام باسس العلوم ذات العلاقة باللغة. واما الجيل المعاصر والذين كتبوا من أصحاب الشهادات العليا أو دونها ،لا أظن ان دراستهم اهلتهم للكتابة عن اللغة والاثنية وانما جل تركيز المعاهد الفاتيكانية أو الدينية الاخرى التي تخرجوا منها هو اللاهوت وتاريخ الكنيسة وافكار الروحانيين فيها،علماً أن اعدادهم ضعيف في البحث العلمي ومناهجه، بدليل ضعف المنهجية والرصانة فيما يطرحونه.
في رايي أضافة لهذه المشكلة هناك مسألة اخرى ترتبط باللغة الارامية المستخدمة في الكنائس، لا أحد ينكر انها ارامية كتابة ولفظاً وثم سُميت سريانية وهاتين التسميتين تستخدمها الجامعات والابحاث الرصينة، ولكن ماذا عن التي تتحدث بها الاثنيات الثلاث وأخص بالذكر في العراق؟ وهذه الاشكالية ساتناولها في مقال قادم وفق اسس علم اجتماع اللغة وعلم اللغة الاجتماعي وتطبيقاتها على لغتنا لتكتمل الفكرة.



 

24
                          الاجراء الحالي للبطريرك ساكو
                                خطوة متميزة من نوعها
 د. عبدالله مرقس رابي
                     نشر موقع البطريركية الكلدانية في 15/7/2020 كلمة لغبطة البطريرك الكاردينال لويس روفائيل ساكو تحت عنوان " مراعاة حقوق المسيحيين في خصوصيتهم بموضوع الاحوال الشخصية" ويعد نص الكلمة بحسب ما وُرد في مطلعه، بمثابة نص اولي يُقدم للجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية بعد أغنائه من قبل رجال الدين والقانونيين من خلال أبداء ارائهم بشكل علمي وقانوني. ومن المفارقة الجميلة أن مضمونها يتماهى ويتناظر مع مضمون مقالي السابق.
جاء في الكلمة مناشدة الحكومة لمراعاة حقوق المسيحيين على أساس تعديل قوانين الاحوال الشخصية السائدة في العراق لتتماشى مع خصوصية المسيحيين وفقاً لعقيدتهم الدينية دون فرض عام لقوانين مستنبطة من التشريع الاسلامي عن الارث والنفقة وحق حضانة الاطفال. منبهاً ان مثل هذه الاجراءات القانونية السائدة هي مُناقضة لبعض مواد الدستور العراقي وحقوق الانسان الرسمية والصادرة من الامم المتحدة بالرغم من ان العراق عضوا فيها.
وضع غبطة البطريرك الخطوط العامة الاساسية للمناشدة لتكون مُنطلقاً وطريقاً لاضافات من قبل رجال الدين والقانونيين الاختصاصيين لتُغني الموضوع بتفاصيل أكثر وبصيغة متكاملة لتكون في متناول الجهات المختصة الحكومية للوقوف بجدية وموضوعية على أن لتلك القضايا مردودها السلبي تجاه المسيحيين. وستكون مؤشرا حقيقياً لتبيان فيما اذا كانت الحكومة العراقية جادة للسير نحو منح الحقوق القانونية والاجتماعية للاقليات في العراق، كما الكشف فيما أنها جادة أيضاً في معالجة التناقضات في المواد الدستورية من عدمه. لتلحقها خطوة التعديل بمواد الدستور العراقي الخاصة بحقوق الانسان والتعاطي مع الاقليات.
تعد هذه الخطوة  أجراءاً موضوعياً علمياً ومنطقياً  وفكرة متميزة نوعية، وذلك  للاسباب الاتية:
ستكون بعيدة عن مزايدات الاحزاب السياسية التي دعاها غبطته للتضامن والاجتماع من أجل وضع صيغة للنظر في قضايا المسيحيين ومشاكلهم. وهنا أكرر ماجاء من فكرة رئيسية في مقالي السابق، مفادها، لا جدوى من محاولة الاستعانة بالاحزاب السياسية التي هي نفسها تعاني من أنشقاقات وصراعات خارجية أو داخلية جلها تتمحور حول المناصب، وخير مثال أنشقاق حزب أبناء النهرين المتجاوب من الحركة الديمقراطية الاشورية لاجل المناصب والقيادة، ولو انشقاقه بحسب تصريحاتهم جاء من أجل الاصلاح الاداري لكن الحقيقة جلية لكل متابع. فكيف يمكن الاعتماد على عناصر هكذا حزب قد ثار على الاصل من أجل المنافع.
 بالاضافة الى أمكانات الاحزاب المحدودة، بل المعدومة في التمويل، فلا يخفي على أحد ان الرابطة الكلدانية التي بادرت هي أكثر التنظيمات التي تعاني من التمويل بدليل تقلص نشاطاتها تدريجياً واخفاق وفشل قيادتها في تفعيل صيغ لتمويل ذاتها، وهكذا بقية التنظيمات لها نفس المعاناة.
 ناهيك عن الاختلافات الحادة بين الاحزاب السياسية في مواقفها من التسمية الاثنية ومسالة التعاطي معها، سواءً احزاب الاثنية الواحدة فيما بينها، أو بين أحزاب الاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية. فهناك في كل أثنية أقطاب متطرفة متعصبة لاتقبل النقاش، وأخرى تقبل النقاش ومعتدلة.  فهل هناك أستعداد لهذه الاحزاب المختلفة في المواقف أن تحاور وتتفق لاجل الخروج بسبل ناجحة وموضوعية لرفع الغبن عن المسيحيين؟
وبخصوص الاحزاب السياسية أيضاً، أني على قناعة ومن متابعتي المستمرة، كل نداء لاجل التقارب والتضامن بين الاحزاب السياسية المسيحية يخفق في تحقيق الاهداف ما لم كل الاطراف المعنية تلبي النداء وتستعد للاجتماع، بدليل فشل كل المحاولات السابقة سواءً مصدر النداء كان جهة دينية أو مدنية، فكم من مرة أجتمعت أطراف معينة ورفضت الاخرى فجاءت النتائج العملية مُخيبة للآمال ولم تُحقق شيئاً ملموساً. فهكذا محاولة مُجتزة لا منفعة منها سوى هدر الاموال والفشل.
كما هناك مسألة جديرة بالتذكير والاهتمام، هناك مواقف مختلفة وعدم رضى الاطراف فيما بينها، فمثلا لو بادرت وأعلنت حركة بابليون الكلدانية التي لها اليوم ثقل ونفوذ في الشأن السياسي شئناً ام أبينا عن أستعدادها للتجاوب مع صرخة البطريرك ساكو، فهل سيكون هناك ارتياح واستعداد لقبول تجاوبها؟ كما لو اعلنت الحركة الديمقراطية الاشورية أستعدادها أيضاً، فهل سيكون لحزب أبناء النهرين الاستعداد للاستمرار في تلبية الدعوة؟ وهل لو اعلن المجلس الكلداني السرياني الاشوري لتجاوبه، فهل سترى العمل معاً تلك الاحزاب التي لها موقفها التعصبي من التسمية الاثنية؟ وعليه ما لم يكن هناك حضور لكل الاطراف سوف لن تنجح العملية وتكون مبتورة وسيكون هناك أعتراض من الاحزاب غير المشاركة. وعليه الاجدر هو الفكرة الحالية التي طرحها البطريرك ساكو.
في كل الاحوال، مبادرة من ذلك النوع لابد في رأيي ان تبدأ من بناء الذات لكل أثنية أو طائفة مسيحية، أي لو كانت الدعوة لبناء البيت الكلداني أولا والاتفاق على رؤية موحدة وأرضاء الاطراف كافة وأحضان الجميع دون تهميش، وبالاخص المستقلين لكانت خطوة ناجحة ومثمرة، وهكذا تبدأ كل الاثنيات، وثم تليها الخطوة الاخرى الدعوة لتضامن بين الاثنيات او الطوائف المسيحية الرئيسة في العراق. فلا يجوز منطقياً المطالبة للتضامن بين المختلفين، بينما ابناء البيت الواحد مختلفون.
من الاسباب الاخرى لتميزها، الاختصار للوقت والطريق، فبدلا من قال وقيل السياسيين والاستعداد للتحاور، تختصر الفكرة الزمن والطريق من خلال اللجوء الى المختصين في الموضوع مباشرة. بالاضافة الى عدم وجود كوادر مُهيأة وذات خبرة واختصاص وممارسة فنية علمية في الاحزاب السياسية. فلا بد في كل الاحوال الاستعانة بالخبراء القانونيين.
كما تميزها يأتي أيضا، بما يرتبط بمسألة التمويل، فبدلا من هدر الاموال للندوات واللقاءات أو اللجان المتوقعة التي سوف تنبثق من تجاوب لصرخة البطريرك، من الافضل توجيهها لتسديد نفقات وفواتير محامين أكفاء للدفاع عن القضية رسمياً .
بعد تشخيص عوامل التي تبين تميز الفكرة أقترح ما يأتي لعله يمكن الاستفادة منها:
تشكيل لجنة من القانونيين لدراسة الموضوع مفصلاً ليستند على المفاهيم العلمية والقانونية ومعهم رجال دين مختصين بالقانون الكنسي، وان تشمل اللجنة محامين ورجال الدين من كل الطوائف المسيحية في العراق. لتعد فرصة التقارب والتضامن والوحدة الضمنية لواقع الحال.
أستعداد خطي من كل رؤساء الطوائف المسيحية في العراق لابداء أستعدادها للتعاون والتضامن من أجل تحقيق الاهداف.
ارى من الافضل ان لايقتصر طلب غبطة البطريرك ساكو للمشاركة في ابداء الرأي وأغناء الموضوع بما يلزم اعلامياً ومفتوحاً، بالاضافة لذلك مفاتحة أصحاب الشأن شخصياً فهناك من لا يُعير أهتمام للطلب المفتوح لاعتبارات نفسية شخصية. وهذا كنت اتمنى لو جرى للتجاوب مع صرخته السابقة.
بالاضافة لهذا الموضوع، الاستعداد لتشكيل لجان تخص القضايا الاخرى التي الحقت الغبن بالمسيحيين منها، الاستيلاء على ممتلكاتهم والتغيير الديمغرافي لقراهم، والمناهج الدراسية. وتعمل في نفس سياق اللجنة المشكلة للدفاع عن قضايا الاحوال الشخصية، مع اخذ بنظر الاعتبار ان تلك القضايا تحتاج الى خبراء تربويين ونفسانيين واعلاميين وديمغرافيين ومخططين اضافة الى القانونيين.
لا يُشترط ان يكون القانونيين والخبراء في اعلاه من داخل العراق، بل بالامكان مفاتحة اخرين لهم كفاءات وخبرات قانونية ومكانة في بلدان الانتشار ويمكن تشخيصهم عن طريق الجاليات المسيحية كافة في هذه البلدان. فهناك العديد منهم لهم الشهرة في أعمالهم القانونية ونجاحاتهم وأعتقد العديد منهم يقبلون بمبالغ رمزية لسد نفقات القضايا فقط دون التفكير بالارباح الشخصية، أضافة الى تغذية فريق الدفاع من محامين معتدلين مسلمين.
لغرض ضمان الاموال، مفاتحة أصحاب رؤس الاموال لكل الطوائف المسيحية لابداء استعدادها للمشاركة في توفير الاموال.
هذه الخطوة هي أمام آليتين لتحقيقها: أولهما، مناشدة الحكومة رسمياً ومباشرة، وان لم تبدأ بأتخاذ أجراءات جادة وسريعة، يضطر المسيحيون في حينها الى تقديم شكوى رسمية قانونية للحكومة نفسها أو لجهات دولية مختصة يتبناها فريق من المحامين كما بينت اعلاه مقترنة بحملات من الاحتجاجات الميدانية أمام السفارات العراقية في مختلف البلدان .
وثانيهما،  هي تمرير الطلب عبر البرلمان العراقي بحسب الدستور العراقي، وهذا لن يتحقق ما لم يكن هناك مشاركة طرفية من اعضاء الكوتا المسيحية لانه شئنا أم ابينا رسميا هم ممثلو المسيحيين قانونياً في البرلمان، فلابد من تمرير الطلب من خلالهم. وفي هذه الحالة يتطلب التقارب والتعاون معهم واحترام دورهم وفسح المجال أمامهم للمشاركة في تفعيل المشروع.
مع تمنياتي النجاح للفكرة
كندا في 15/7/2020
http://saint-adday.com/?p=38564
 

   
   

25
                            الصرخة، التجاوب، المقترحات
                                بين الواقع والطموح
د. عبدالله مرقس رابي
                  أطلق غبطة البطريرك الكاردينال ساكو في 17 حزيران صرخة بعنوان" هل سيهب المسيحيون العراقيون لاجتماع يناقش أوضاعهم " وفي الثاني من تموز الحالي أصدر أعلام البطريركية الكلدانية كلمة بعنوان "مقترح البطريرك ساكو حول (أجتماع ) لدراسة وضع المسيحيين العراقيين" موجه الى الذين أستجابوا وتفاعلوا أيجابياً مع صرخته.
يوجه غبطته هذه النداءات والتوجيهات والمقترحات منذ تسلمه السدة البطريركية في ظل ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية قاسية ومضطربة لفقدان حكم القانون والدولة لظهور حكومات ضعيفة مُسيرة، مما ادى الى انتشار الحروب المحلية والفساد وعكست سلباً على المجتمع العراقي برمته وعلى المسيحيين خصوصاً.
 تأتي من حرصه على المجتمع العراقي والمسيحيين كمسؤول روحي منطلقاً من اساسيات اللاهوت الذي يؤكد على رفع الغبن والظلم عن الجماعات البشرية وحرص الكاهن على رعيته. الامر الذي يعده البعض تدخلا بالسياسة عندما لايرون مصلحتهم تتحقق حينها، او يسكتون او يباركون عندما يرون ان ما يوجه به يتوافق ومصالحهم.
أذا كانت الغاية من الصرخة هي لتاسيس تجمع سياسي، أوتشكيل لجنة، أوتأسيس مرجعية. في كل الاحوال لابد  من  تشخيص واقع المجتمع العراقي عموماً وواقع المسيحيين بوجه خاص لكي يتمكن المرء من تحديد فيما اذا سيكون هناك توافق بين الواقع ومتغيراته والطموح الذي يسعى من أجله غبطته تجاه المسيحيين في العراق. هل يساعد هذا الواقع لتحقيق الطموح؟ هذا ما أحاول تشخيصه من وجهة نظري أستناداً الى المعطيات والمؤشرات المُتاحة.
 تتمثل معاناة المسيحيين في العراق بحسب النداءات التي تطلقها البطريركية الكلدانية وبعض من الاحزاب السياسية للأثنيات المسيحية بين حين وآخر منذ عام 2003 بحزمة من المؤشرات وهي:   
التمييز على أساس الدين. ليست معاناة المسيحيين على اساس الدين وليدة الظروف الحالية اليوم، وانما ترجع الى  1400 سنة أي جراء خضوع المنطقة برمتها لحكم الشريعة الاسلامية. فالتاريخ يعلمنا على مدى العصور أن دين الدولة الرسمي هو الاسلام وهو مصدر التشريع، ولايجوز تشريع قوانين مخالفة لتعاليمه، وهذا ما تؤكده الدساتير التي تعد قانون الدولة الرسمي ومنه تنبثق القوانين الاخرى التي تُنظم مختلف شؤون الحياة في ظل الحكومات المدنية الجمهورية منها والملكية والحكومات الدينية. وهذا ما ثبته المؤتمر الاسلامي العالمي في مقرراته والزم أعضاءه التنفيذ.
أية حكومة عراقية لايمكنها الخروج عن سياق التشريع الاسلامي، فكيف في ظل حكومات  تستحوذ عليها أحزاب دينية رسخت المفاهيم الدينية والطائفية في السلطة ننتظر منها أستجابة حقيقية لاعادة النظر بمواد الدستور المرتبطة بالدين؟ لا أظن ستتحقق لعدم وجود الامل في ألغاء المادة الدستورية التي تؤكد على أن الدين الاسلامي مصدر التشريعات.
 فاذن ستبقى كل المعاناة التي تخص المسيحين جراء قانون الاحوال الشخصية عن ظاهرة أسلمة أحد الوالدين ومصير الابناء القاصرين قائمة. وستبقى المناهج الدراسية تحتوي مواداً تُثير النعرات الطائفية، ويستمرتقييد بعض الانشطة الاقتصادية للمسيحيين.علماً أن هذه المعاناة كانت قائمة قبل عام السقوط، الا ان الشعور بها حينئذ عن قرب معدوم لاختلاف الظروف الامنية وطُغيان مظاهر الحياة المدنية على الدينية.   
مصادرة الكوتا المسيحية في الانتخابات البرلمانية: باختصار، السياسة هي فن تحقيق المصالح الشخصية والحزبية الضيقة قبل كل شيء وثم في الاخير بعضهم يفكر بمجتمعه، وهذا طموح المنتمين الى الاحزاب السياسية، ومن يقول غير ذلك فأنه يخدع الاخرين، وهذا السياق الجاري في كل المجتمعات البشرية مع التفاوت النسبي مكانياً وزمانياً ، بأدلة واضحة هي تشبث القياديين السياسيين بالسلطة سواء في تنظيمهم السياسي او الحكومي، والصراعات على المناصب بين منتسبي الحزب الواحد نفسه التي تقود الى الضعف من أداء الحزب وثم فقدان جماهيره. فتراهم يبدلون في قيمهم السياسية ومواقفهم بين فترة وأخرى ويغيرون لغة خطابهم وتاييداتهم، فالخدعة والكذب والتسقيط للأخر والانكار وحتى الشتائم والتهديدات هي من السمات المستفحلة في شخصيتهم وادائهم. وتلاحظهم يتكتلون مع أحزاب أخرى أكثر شعبية ونفوذا في المجتمع من أجل تحقيق المنافع الشخصية.
على ضوء هذا الوصف للسياسيين،لايمكن استبعاده عن الاحزاب السياسية للاثنيات الثلاث المسيحية في العراق، فاذا لم تمارس لعبتها سوف لا يمكنها تحقيق ما يصبو اليه أعضائها فتبقى أحزاباً شكلية أو تنهار كما حصل لبعضها. فأتهام الاحزاب بتبعية ومناشدتها للاستقلالية غير منطقي. فمن حقها أن تتكتل وتبحث عن السبل التي تحقق غاياتها ومنها اتفاقاتها مع الاحزاب الكبيرة في استراتيجيتها للشروع بالانتخابات البرلمانية وما بعدها. وهذه الحالة تُفهم من قبل البعض أنها مصادرة الكوتا المسيحية من قبل الاحزاب المتنفذة في العراق. أنما في رايي هي حالة طبيعية لكل الاحزاب الصغيرة أينما وجدت.
 لو أفترضنا أن أحزاب شعبنا تخوض الانتخابات باستقلالية دون اتفاقات مبرمجة مع غيرها، وحصلنا على خمسة نواب يمثلون المسيحيين. يا ترى هل سيتمكن هؤلاء الخمسة من زحزحة الامور المطروحة كمعاناة المسيحيين في البرلمان مقابل أكثر من 300 نائب، وهل بأمكانهم أقناع الاخرين لتأييد ما يبغون تحقيقه عند التصويت لاقرار قانون ما  لصالح المسيحيين في ظل الدستور الذي لا يقر الا ما يحمل الاعضاء الاخرين في أفكارهم وسياق حياتهم؟ بالرغم من تبعيتهم للاخرين حالياً لايمكنهم تحريك ساكناً فكيف في حالة أستقلاليتهم؟ فهؤلاء يرون أن التبعية أفضل على أمل أن يحققوا مقعداً برلمانياً وبعض من المناصب لمؤازريهم أو اعضاء احزابهم من لا شيء لكسب الموضوع سواء باستقلاليتهم او تبعيتهم.
أما الترشيح للوزارة وبعض المناصب الاخرى فهو مرتبط بالكوتا المسيحية، الواقع القانوني حالياً يؤكد أن الاكثرية في الكتلة هم الذين يحق لهم ترشيح أحد الى الوزارة، فلا يجوز لاية مرجعية أخرى التدخل بهذا الشأن بحسب القانون. فمن الطبيعي سيرشحون أحد أو احدى الشخصيات الموالية لافكارهم وتطلعاتهم. وقد حدثت وتحدث اشكالات للترشيح للوزارة ،ولكن في الاخير تُحسم وفقاً لما يقره اعضاء الكوتا.
هناك توهم في أفضلية الترشيح من جهة دون أخرى، ففي كل الاحوال سواءً رُشح من قبل الممثلين في البرلمان أو أية مرجعية دينية مسيحية، ما الذي سيتغير؟ الوزارة في كل البلدان أعمالها مرتبطة بقانون الدولة، فلا يمكنه الوزير أو المدير العام أو السفير أن يتجاوز القانون المُناط بوزارته، والا أما يُعاقب أو يبقى أسير الفساد الاداري. هل بأمكان الوزير المسيحي أن ينحاز الى المسيحيين في وزارته؟ بالطبع لايجوز.
 حالياً تقلدت مسيحية وزارة الهجرة والمهجرين، هل ستركز على المهجرين المسيحيين وتتعاطى مع مشكلاتهم فقط  أم عليها أن لاتميز بين كل مكونات المهجرين؟ بالطبع وفقاً للقانون ان لاتميز. هل تتمكن أن تجتاز صلاحياتها المالية التي تنفقها للمهجرين؟ كلا ، فلايمكنها أن تعمر القرى المسيحية دون قرى المكونات الاخرى ولها ميزانية مخصصة لا يمكن تجاوزها. فاذن لو كانت وزيرتنا مرشحة من كتلة بابليون الكلدانية أو البطريركية أو من الهيئة المرتقبة من الصرخة، النتيجة هي نفسها. فهنا وزارتنا هي رمزية معنوية لاغير. وهذا ينطبق على المناصب الاخرى أيضاَ المخصصة للمسيحيين.
التغيير الديمغرافي والاستحواذ على ممتلكات المسيحيين والهجرة: هذه المشاكل ترتبط بالدرجة الاساس في طبيعة النظام السياسي برمته ولا يرتبط بممثلي المسيحيين في البرلمان أو بتشكيل سياسي مسيحي او مرجعية ما. اذا القانون هو السائد والامان متوفروالتناحر بين السياسيين ينعدم من خلال ميليشياتهم العسكرية ويتحكم على الارض الجيش العراقي بهيبة وقوة سيكون كل شيء على مايرام لجميع العراقيين. وعليه مهما قالت مرجعياتنا الدينية واحزابنا السياسية وممثلي المسيحيين في البرلمان لا جدوى منه ما لم يتحقق ما أشرت أليه وهذه هي مطاليب كل العراقيين ذوي المشاعر الوطنية.
الوجهة الثانية للموضوع هو التناقضات التي ستنجم عن ما تحققه الصرخة وهي:
واقع الحال للمسيحيين في العراق يختصر في ثلاث متغيرات:
النقص الديمغرافي الحاد بالنسبة الى عموم سكان العراق وهو في تناقص مستمر بسبب الهجرة.فحجم السكان وفقاً  للدراسات الديمغرافية يضطلع دوراً كبيراً في عملية التنمية والاستقرار، أو  في أمكانية التنافس مع شركائهم في الوطن وبالاخص عند فقدان قوة القانون. فكلما يزيد عدد السكان كلما يكون بمثابة قوة، حيث تزيد فرص وجود المتخصصين في مجالات المعرفة النظرية والعملية، توفر الاموال ، ومنافسة المكونات الاخرى، تزداد فرص وجودهم في مؤسسات الدولة فيكون لهم دوراً متميزاً في صناعة القرار وأثبات الوجود.
 التشرذم الطائفي:  لاتحتاج المسالة الى التفصيل، أصبح معلوماً عبر كل المراحل التاريخية أن المذاهب الدينية لا يمكنها التضامن والتوافق على المواقف التي تتعرض عليها لاسباب متعددة تخص العقيدة والادارة والسلطة وترسيخ مفاهيم الغاء وهرطقة الاخر. وهذا هو واقع الحال للمذاهب الدينية المسيحية في العراق، ومن يقول غير ذلك فيخدعنا. وعلينا أن لا نتوهم ببعض الحركات التظاهرية التي تبين تضامنهم ، انما الحقيقة هي في العقل الباطني. ومن يتحدث عن الوحدة بينهم فذلك هو أسير العاطفة والخيال.
المفارقات السياسية: تعاني الاحزاب السياسية للمسيحيين في العراق من الافتراق الحاد سواء بين أحزاب الاثنية الواحدة من جهة أو الاحزاب بشكل عام، وما الصراعات وعدم الاتفاق بينهم في المواقف وعدم توحيد القرار الا مؤشرات تعبر عن واقعهم الحالي.
أذن ماذا أتوقع من نتائج الاستجابة لصرخة غبطة البطريرك ساكو في ضوء المعطيات المشار أليها؟
لست ضد أو مناهض لاي تضامن مسيحي في العراق أو رافضاً لصرخة البطريرك الموقرابداً، لكن من أستقراء الواقع كمهني في البحث الاجتماعي الذي يكون المجتمع برمته مادته الدراسية والعملية - من يقول انتم في بلدان الانتشار لا معرفة لكم بالواقع العراقي لانكم لاتعيشونه فهذا وهم في ظل الثورة المعلوماتية وما يخصني شخصياً كمهني في تشخيص واقع المجتمع، أينما أكون لي طرقي المنهجية لاستقراء المعلومات- أرى:
طالما أكد اعلام البطريركية على أن المستجيبين لنداء البطريرك هم: الرابطة الكلدانية، وهذه لايمكن حسابها ضمن الاستجابات لانها مرتبطة بالكنيسة بحسب نظامها الداخلي الحالي، وجمعية حدياب للكفاءات، وحزب ابناء النهرين وبعض الشخصيات، لم يحدد الاعلام عن ما هيتها ومكانتها وعددها. طالما مؤشر الاستجابات ضعيف، فالمتوقع هو عدم وجود رؤية جماعية تضامنية مستقبلية. وهذا أحد مؤشرات التباين بين الواقع والطموح.
وجود تشكيلة سياسية الى جانب أخرى مهنية أختصاصية ، حزب أبناء النهرين وجمعية حدياب للكفاءات على التوالي، غير موفق لان السياسي ليس مثل صاحب الكفاءة في أختصاص معين لكل منهما نظرة مختلفة للواقع والمواقف. صاحب الكفاءة يبحث علمياً ومنهجياً ويطبق ميدانياً بينما السياسي لا يبحث الا اولا على مصالحه الشخصية والمنافع المتوخاة لحزبه. أما بالنسبة الى الرابطة فموقفها مرتبط  بالكنيسة وفقاً لنظامها الداخلي الحالي كما ذكرت  آنفاً.
لو أفترضنا انبثقت هيئة أو لجنة أو خلية أزمة وما شابه من اللقاء، هل سيكون دورها أكثر قوة من الاحزاب السياسية وممثلي البرلمان الحاليين في التأثير على القرار السياسي العراقي في ظل المعطيات المشار اليها للواقع العراقي اعلاه؟ اذا الجواب نعم، ماهي مقوماتها الدافعة لها للنجاح. لا أظن ستتوفرلانها بحاجة الى:
تضامن كل القوى السياسية المسيحية وهذا سوف لن يحدث، فهل الاحزاب الحالية سينتهي دورها، فهذا تناقض، هل ستنعدم الحاجة الى ممثلين في البرلمان؟ هذا تناقض اخر. فاذن سيزداد التناحر لانه اضفنا على المتناحرين جهة أخرى. علماً وفقا للقانون العراقي اعضاء البرلمان هم الممثلون الشرعيون للمكون المسيحي، وهذا يُزيد من الارباك لدى الحكومة العراقية للتعاطي مع المسيحيين. أما لو كانت الخطة المستقبلية للهيئة المرتقبة هي التي ستقرر من يُدعم في الانتخابات، ومن سترشح للوزارة أو المناصب الاخرى فلا جدوى من ذلك في ظل المعطيات المُشار اليها اعلاه عن الواقع العراقي السياسي.
أهم  عامل لضمان نجاح الهيئة المرتقبة هو المال، يا ترى من هي الجهة الممولة؟ واثق جداً لو عرف السياسيون أن هناك أموالاً ستخصص لها سيركضون كلهم للالتحاق، مثلما ركضوا والتحقوا مع المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري عندما كانت باقات الاموال توزع بلا هوادة، وحينها لم يكترثوا لمبادئهم السياسية مقابل تلك الاموال، الا القليل منهم جدا وبجدارة هو الحزب الديمقراطي الكلداني والمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد. ولما بدأ الصرف بالانخفاض فأبتعدوا رويداً رويدأ كأنما شيئاً لم يحدث. فضمان المال مهم جداً.
أعتقد ان تشكيل مرجعية موحدة لن تحقق شيئاً بدليل لا استجابة من الاحزاب كافة ولا من الطوائف الدينية للصرخة وان كان هناك شيء ما وراء الكواليس فهذا بحث اخر وسيتبين لاحقاً. بل سنزيد جهة أخرى كما أشرت لتفعيل التناحر. والاهم هو أيجاد مخارج فاعلة لتغيير النظام السياسي وتوجيه المواطن العراقي نحو المفاهيم الوطنية والمدنية وسيادة القانون وتفعيل قوة الجيش، وليكن هذا شعار وموقف مسيحي العراق دائما، لا يكون بتشكيل مرجعية مسيحية أودينية لتعد كمؤشر لترسيخ الطائفية وللتعاطي معهم كمسيحيين بل كمواطنين عراقيين، فهكذا توجهات هي متناقضة من جهة نطلب عراق خالي من الطائفية ومن جهة نطالب بتاسيس مرجعية تدافع عن المسيحيين !!
وضعت مؤشرات ومعطيات عن الواقع العراقي عامة والمسيحيين خاصة امام المهتمين بالموضوع لعله يستفيدون منها وليست الغاية الا لترسيخ مفاهيم التضامن والتساند بين المسيحيين وتوجيه بوصلة الفكر نحو الوطن الواحد. وتشخيص ظاهرة تهم الجميع، بان في ظل الواقع الحالي للمجتمع العراقي السياسي وواقع المسيحيين لا يمكن ان نحقق الطموح.
http://saint-adday.com/?p=38357
http://saint-adday.com/?p=38100








26
                              رؤية مستقبلية عن الرابطة الكلدانية
د. عبدالله مرقس رابي
                       بمناسبة قرب يوم تأسيس الرابطة الكلدانية في الثالث من تموز القادم، ومن المفروض أن تبدأ دورة أنتخابية جديدة لقيادة الرابطة في دورتها المُقبلة. ولما أبديت من اهتمامات ومتابعات عنها منذ اعلان البطريرك ساكو لتأسيسها وما بنيت من آمال لتكون مؤسسة كلدانية تحقق أهدافاً متعددة تخص هذه الاثنية في العراق وبلدان الانتشار بالرغم من أني لست عضوا فيها. لهذه الاسباب ارجع لوضع رؤية مستقبلية لعله قد يستفيد المعنيون في الرابطة منها بعد أن فقدت الامل لفترة طويلة للفتور والتلكؤ الذي حدث في نشاطها وترجمة أهدافها للواقع.
لماذا هذه الرؤية؟
وقد تعرضت الرابطة الكلدانية الى انتقادات متعددة من المتابعين بعد تأسيسها ،لا بل بعضها جاءت قبل التأسيس منذ الاعلان عنها. وكانت منها ايجابية من الضروري أن تراجعها الرابطة لتقييم أدائها، ومنها جاءت أسقاطية تدور فكرتها حول عدم وجود حاجة للرابطة الكلدانية، لمبررات غير مدروسة متناسين انها تجربة حديثة وتحتاج الى فترة زمنية لاختبار ادائها.
جاءت هذه الرؤية بعد مرور اربعة سنوات وهي لاجل التنبيه لمؤشرات نجاح التنظيم المؤسساتي طالما أن الرابطة مُقبلة لانتخابات جديدة قريباً .
لابد لاية قيادة لكي تنجح في تحقيق اهدافها                                   
     مراجعة الذات ،أي " التقويم " فبعد ان تتحول الجماعة من مرحلة اللوائح الى مرحلة الانجاز ،يتطلب مراجعة ما انجزته وليكن شعارها دائما  (كن غير راضي ) بمعنى لا تقتنع بما هي عليه لان الرضى به يجعلها جامدة وغير قادرة على التحول نحو الافضل , فعلى المؤسسة مراجعة اسباب الفشل واين تكمن هل في : القيادة ،الاعضاء ،الانظمة ،اللوائح ، البيئة ؟ وعلى المؤسسة اذا ارادت النجاح ان تضع امامها عند مراجعة الذات القانون النفسي العلمي ( اذا كان الخلل فينا فلا نحس به فيخدعنا ) فالمرء دائما يرى بوضوح اخطاء غيره ويتغاضى عن اخطائه . وبهذه الطريقة تستطيع تحول مؤشر الفشل الى النجاح . 
ولكي تستمر الرابطة في أدائها والاستمرار لابد أن تتوفر اربعة عناصر اساسية:
أولها الفكر،أي التنظير وهي حالة تفقدها معظم التنظيمات في البلدان النامية لاعتبارات الذات والشعور بالانا في امكانية الاعتماد على النفس وهذا خطأ كبير تقع المؤسسات فيه ،علميا هناك فرق بين امكانية الفرد في الانجاز العملي الميداني ،وقابلية التفكير نظرياً ، فبعض الافراد يمتلكون قدرة على التنظير وربط المتغيرات ودراسة العلة والمعلول ،وقد لا تتوفر هذه القدرة عند الاخرين ،وبالعكس قد تتوفر القدرة للعمل الميداني والتنفيذ عند البعض ويفقدها الاخرين. فعلى الرابطة بناء حلقات الاتصال مع ناشطين ومفكرين ومنظرين لهم مؤهلات قانونية مدنية وأجتماعية ونفسية وادارية.
والعنصر الثاني هو المال ، ولهذا لابد تشخيص فيما اذا كان المال عائقاً لتحقيق الانجازمن عدمه ،وفي ضوئها وضع خطة لتوفيره.
والعنصر الثالث الايدي العاملة ،وهنا في هكذا مؤسسة المقصود بهم الاعضاء. لابد من دراسة ماهية نوعية الاعضاء ، فيستوجب تشخيص فيما اذا كان العضو في القيادة او القاعدة له قدرات وأمكانيات تؤهله لاداء دوره ، محاولة كشف فيما اذا كان العضو هدفه الوحيد من انتمائه هو تحقيق مصالح شخصية كالمناصب أو الوظائف، أو لتحقيق الذات كحب الظهور والتعويض عن ما يعانيه من النقص في شخصيته، أو لتحقيق منافع شخصية مادية. أو كشف أي أجندات قد وضعها لنفسه لكي يحققها بوجوده في الرابطة وأخصها السياسية أو لترسيخ أفكار يؤمن بها. كأنما جاء من أجل ما ذكرته ضارباً تحقيق أهداف الرابطة الموضوعية.
  لابد السعي لكشف مدى قدرة الاعضاء واخص بالذكر القياديين في الاداء الاداري الايجابي، مع تشخيص وقياس وربط الأداء العملي لهم مع الخصال المتفق عليها ادارياً وعلميا. وما مدى علاقتها بأخفاق المؤسسة. وأهم السمات الاساسية للقيادة الناجحة في أية مؤسسة أو تنظيم وفقاً لنتائج الدراسات الميدانية هي:
الانتباه والتركيز على المتغيرات المستجدة السريعة في عالم اليوم، والتمتع بالقدرة والطاقة وفاعلية المهارات المهنية. مثلا هل كان لقائد المؤسسة المام بالعمل الاداري والقانوني؟ وأيضاً المثابرة على تحمل صعوبات العمل، والتميز بالمرونة والتكيف مع المستجدات، والقابلية على تحمل الضغوط والتحكم بالغضب، وادارة العمل الجماعي ،والاهم أيضا  القدرة على بناء العلاقات الخارجية، بتوسيع العلاقات مع النُخب في المجتمع،الفكرية والسياسية والادارية بكل مستوياتها ومع القاعدة الشعبية.
  ولما كانت الرابطة الكلدانية منظمة مجتمع مدنية وأهدافها مدنية ،فلابد الكشف هل أن القياديين والاعضاء لهم وعي ودراية بماهية منظمات مجتمع مدنية وتمييزها عن الاحزاب السياسية ،وهل لهم مؤهلات لقيادة هكذا منظمات؟ وهذه المسالة مهمة بالنسبة الى عمل الرابطة في العراق، حيث أن المجتمع العراقي يمر بمرحلة التصدع الفكري والادائي، فالاحزاب القائمة هي أحزاب مُحافظة وُجدت على أساس طائفي وقومي، فلا تستغيث فكرة منظمات المجتمع المدني، وعليه بعد الاحباط الذي تولد لدى الفرد العراقي، ظهرت مسألة تنشيط الفكر المدني على أيدي نشطاء مدنيين لا علاقة لهم بالاحزاب السياسية، فهنا يتجلى دور الرابطة في المرحلة القادمة في أداء دورها لتنشيط مفاهيم العمل المدني.
والعنصر الرابع هو التخطيط ،أي وضع خطة للعمل للمرحلة القادمة في ضوء النتائج التي يتوصل اليها الدارسون المكلفون في ضوء ما أشرت أليه من رأي في المراحل الثلاث الاخرى.
مقترحات أقدمها للمهتمين والمكلفين للاعداد للمؤتمر الذي اتوقع انعقاده بمناسبة انتهاء الدورة الحالية أضافة لما قدمته اعلاه عن مؤهلات وسمات القياديين وغيرها:
اولا : أعادة النظر في النظام الداخلي للرابطة
                   كنت شخصياً من لبى نداء البطريك ساكو في حينها لكتابة مسودة للنظام الداخلي للرابطة، فوضعت نسخة بحسب خبرتي المتواضعة، ونالت حينها رضى البطريرك بأعتبار غبطته صاحب الفكرة، وطلبت عرضها الى لجنة من الخبراء القانونيين للتعديل ،انما الذي حصل قدم بعدها العديد مسوداتهم ومقترحاتهم حول تلك المسودة ،واجتمعت نخبة من المهتمين برعاية المطران ابراهيم ابراهيم الراعي السابق لابرشية مارتوما في مشيكن،وأجريت تنقيحات كانت متميزة. بينما في المؤتمر التأسيسي جاء النظام الداخلي الحالي  بطريقة غير مدروسة بتأني، فظهرت الرداءة في صياغته الفنية والقانونية واللغوية. مع العديد من التناقضات بين مواده .فمن مراجعتي له ثانية أرى ضرورة الانتباه الى ما يأتي:
1-اعادة النظر لصياغة المقدمة في فقرة التي تؤكد على اضطهادات الكلدان في "سفربلك" لماذا اعطاء هذه الخصوصية لها مع العلم المعروف هناك اضطهادات أبشع منها تاريخيا، فممكن صياغة الفقرة" عان الكلدان تاريخياً من الاضطهادات في بلدهم بيث نهرين ولا يزال".
2-الانتباه الى تعريف الرابطة في فقرة رقم 1 ،اذ لايجوز تعريف مدور للشيء فلا يصح كما ورد أن الرابطة هي رابطة، فلايجوز القول  القانون هو القانون او الاسرة هي الاسرة، وعليه مباشرة القول
الرابطة هي تنظيم مدني غير حكومي يعبر عن الهوية الكلدانية والانتماء الى الشعب الكلداني في العراق وبلدان الانتشار.
أرى من الافضل رفع صفة العالمية منها لانها توحي لابعاد اخرى. يكتفي ذكر بلدان الانتشار في التعريف.
ارى ضرورة صياغة فقرة رقم 2 " مركزها العراق- بغداد.
ارى تعديل الفقرة الواردة في فقرة 4 التي تؤكد على" لا تتعارض نشاطاتها مع توجهات الكنيسة العامة" وهي من جهة متناقضة مع الفقرة الاولى التي تؤكد على انها مستقلة لا وصاية عليها من أية جهة. تناقض واضح كيف هي مستقلة ولا وصاية عليها ومن جهة انها لاتتعارض مع توجيهات الكنيسة! مع ان من حق العلماني الملحد واللادري او الشيوعي أن ينتمي اليها طالما خصوصيتها هي في الهوية الاثنية الكلدانية  وهؤلاء مثلا تتعارض افكارهم مع العقائد الكنسية وتتفق مع اهداف الرابطة .اذا ظلت بهكذا ضياغة بمعنى انها خاضعة ادارياً وموقفياً للكنيسة.
التعديل المقترح" ويكون لها تشاورات مع الكنيسة بخصوص انشطتها " لان مفهوم التشاور لا يعني الالزام.
فقرة 5  تُشير الى تبعية دينية وكنسية للرابطة لاعتبار عيد مارتوما عيد رسمي لها من كل عام.
مقترح تعديل" يكون 3 تموز يوم تأسيسها عيدا سنوياً لها يُحتفل به " .
3-المادة الثالثة :أهداف الرابطة
تحذف في الفقرة 5 الواو في عبارة " التراث الكلداني والمشرقي" أي تبقى " التراث الكلداني المشرقي" اذ ليست الرابطة مخولة لاحياء التراث المشرقي لكل الاثنيات .
أعادة النظر في صياغة الفقرة6 بخصوص عبارة " الضغط على الحكومات التي يتواجد الكلدان في بلدانها لتحقيق حقوقهم" في بلدان الانتشار الغربية الحقوق مُصانة قانونياً للجميع ولا مشكلة للكلدان أبداً وهم متساوون مع غيرهم قانونياً.بل المشكلة هي في البلدان النامية التي يتواجد فيها الكلدان.
واما اذا كان القصد من الفقرة تشكيل لوبي ضاغط ،فهنا يجب على أي تنظيم أو مؤسسة ان لا تذكر في نظامها الداخلي هكذا هدف ،بل يكون ضمني وغير مُعلن لسببين، اولهما لكي لا يُخترق، والثاني مرتبط بالحكومة التي تطالبها في منح الحقوق، فكيف تطلب الرابطة من حكومات اجنبية الضغط على الحكومة العراقية لمنح حقوق الكلدان وفي نفس الوقت ان الحكومة العراقية منحت ايجازة العمل للرابطة، بمعنى هناك حقوق لهم، فهذا لايجوز. وهذا خطأ يقع فيه مؤسسات شعبنا واحزابه أيضاً عندما يعلنون عن تشكيل جماعات ضغط في الخارج عبر انظمتهم او وسائل الاعلام.
اعادة النظر في صياغة الفقرة 8 لانها تؤكد على تقديم المساعدات من قبل الرابطة على القرى الكلدانية والمسيحية.الرابطة ليست مخولة لتقديم انشطة وخدمات في القرى غير الكلدانية لتخصصها بالاثنية الكلدانية وفق تعريفها اعلاه.وعليه سيسجل تجاوز وتناقض، ولانها منظمة مجتمع مدني ولكي لا يُشار اليها انها عنصرية،ممكن أن تقدم خدماتها للقرى غير الكلدانية وهنا اقترح صياغة الفقر" تقديم المساعدات للقرى الكلدانية ولكل القرى المسيحية وغير المسيحية اذا طُلب منها الساهمة"
حذف عبارة " ان لاتتحول الى حزب سياسي" في الفقرة9 .لكي لا تتعارض مع المواد الاخرى وهذه العبارة لا وظيفة او فائدة منها في النظام لان المواد الاخرى تُشير الى انها منظمة مدنية فانتهى الموضوع فلاحاجة لها.كأنما توحيى للقارىء ان الرابطة لها رغبة للتحول الى حزب سياسي وهذا لا يجوز لانها عارضت نظامها الداخلي بنفسها.
4- المادة الخامسة الهيئة العليا
في فقرة 2 ارى ضرورة ان تكون المدة المقررة للدورة الانتخابية سنتان وثم يحق لهم الترشيح لدورة اخرى فقط .وتسري على الفروع .لماذا؟ دائما المؤسسات الحديثة في تجربة ما تحتاج الى خبرة،من قبل اعضائها، ففي تحديد الفترة القصيرة ستُتيح الفرصة لاداء الادوار القيادية لاخرين قد يتميزون بمهارات وقدرات اكثر من غيرهم الذين يبقون فترة طويلة ولا يمتلكون تلك المواهب القيادية،اذ تظل الرابطة تنتظر طول الفترة لتغيير القيادة غير المؤهلة وتضيع فرص تحقيق الاهداف.
في الفقرة 2 تُضاف مع الرئيس ومقره في بغداد العاصمة.ومع النائب ومقره في اقليم كوردستان والنائب الثاني في بلدان الانتشار والسكرتير في بغداد بمعية الرئيس، لماذا هذا التعديل مستوجب في رايي؟
من الاهداف الاساسية للرابطة هي العمل من اجل الكلدان في العراق وترسيخ وجودهم في البلد على ارض الاجداد،فمن هناك يكون الانطلاق لعمل الرابطة والتركيز على نشاطاتها،ومن جهة اخرى ،طالما ان المعني هم كلدان العراق ، فلابد ان يكون رئيس الرابطة متواجد في العاصمة حيث مصدر القرار الذي يخص الشعب العراقي، ووجوده يتيح الفرصة له لبناء علاقات مباشرة مع اصحاب النفوذ والمسؤلين بمختلف درجاتهم السلطوية. وسيكون على اطلاع مباشر عن ما يجري ميدانياً ، فهل لو طالب مثلا رئيس الوزراء او الجمهورية اللقاء مع قايدي المنظمات او غيرها ننتظر حين قدوم رئيس الرابطة من الخارج ،او يخول مكانه النائب ،وهذا لا يجوز بروتوكولياً.ويؤدي وجوده في العاصمة لتحرك والتواصل لسبق الزمن ،وان كان هناك نية لان يكون مقر الرئيس في احدى بلدان الانتشار أو في مدينة اخرى في العراق، فهذا خطأ اداري يحول دون تقدم الرابطة، للاسباب المذكورة. وهذا لا اعني به ان من يرشح نفسه ان يكون من سكنة بغداد ،ليس ذلك ، بل الكل من حقه ان يرشح نفسه مع وضع شرط مسبق له أن يتحول للاقامة في بغداد، وهذا ينطبق على النائب المرشح لاقليم كوردستان.
أما تخصيص نائب ومقره في اقليم كوردستان يأتي لكون الاقليم له خصوصية قانونية وسياسية تختلف عن المركز ،فلابد ان يكون هناك قيادي للرابطة لبناء العلاقات والتعاطي مع المسؤلين وادارة شؤون الرابطة هناك.
واما لماذا السكرتير بمعية الرئيس ،ليكون بتماس مباشر معه لاداء دوره كسكرتير ويكون الناطق الرسمي للرابطة لانه مطلع على ما يجري بشكل مباشر.
5- في المادة الحادية عشر ارى ضرورة حذف العبارة الثانية عن حسن السلوك عن الاساءة الى الكنيسة وتبقى للشعب الكلداني فقط لان الكنيسة هي جزء من الشعب الكلداني وليس العكس كما تغييرها يُلغي جزء من التناقض بين مواد النظام الداخلي.
ثانياً:  ارى ضرورة عدم الاخذ بازدواجية تأدية الادوار القيادية كما هو معمول به في الدورة الحالية ،وذلك لاتاحة الفرصة للاخرين لتقليد ادوار قيادية والاستفادة من خبرتهم ،فلايستوجب ان يكون نائبا أو سكرتيرا او امينا للصندوق ومسؤولا للفرع. فهذه تدخل ضمن سياق الاستحواذ واحتكار القيادة في المؤسسة .
ثالثاً :رفع بشكل عام اية مادة في النظام الداخلي توحي ان الرابطة تعمل تحت وصاية الكنيسة أو انها لايمكنها التحرك الا بعد التعرف على موقف الكنيسة تجاه الاحداث ،فأية اشارة الى العلاقة الترابطية مع الكنيسة تأتي بمعنى ان الرابطة ما هي الا منظمة او تشكيل تابع للكنيسة برمته فاقترح اما ان يكون هناك نظام داخلي دقيق ومنسق من قبل خبراء في القانون تؤشر كل مواده ان الرابطة هي منظمة مجتمع مدني مستقلة لا وصاية خارجية عليها.او ان يكون نظام داخلي يؤشر الى انها منظمة تابعة للمؤسسة الكنسية .والا اذا بقى النظام الداخلي على حالته الانية ،سيكون هناك ارتباك في عمل الرابطة والازدواجية والتدخلات الكنسية .
رابعاً:- ارى من الضروري ان يعي المؤهلون لانتخاب رئيس الرابطة الكلدانية للدورة القادمة ان يكون مع مرشحهم مؤهلات علمية وعملية واخص بالذكر في القانون والاعلام والادارة، لان قيادة منظمة مجتمع مدني هي بامس الحاجة لهكذا مؤهلات لتتمكن من العمل وتحقيق أهدافها ومعرفة القائد بالقانون ضرورة قصوى.
مع تمنياتي للرابطة بالتوفيق والنجاح واختيار الشخص المناسب في المكان المكان المناسب لدورتها المقبلة.


 



27
                                   ما هي الامة؟
                       تعقيب منفصل على ترجمة الكاتب "بولص ادم"
                                عن " ارنست رينان"
د. عبدالله مرقس رابي
تحية في البدء اقدر الجهود التي يبذلها الكاتب المبدع " بولص ادم " في ترجمة مقالات فكرية للمفكرين لتكون بمتناول ايدينا لقرائتها ،واليوم قدم لنا ترجمة مقال المفكر الاجتماعي "ارنست رينان أو رينه " 1823- 1892 من الالمانية والى العربية  "ما هي الامة" ليطلع القارىء عليها لاهمية محتواها الفكري الذي أثر في افكار العديد من علماء الاجتماع الحديثين بخصوص تحديد مفاهيم أشغلت المهتمين في عالم اليوم ،الاثنية والعرق والامة والقومية . وما ينطبق هنا على الامة فهو ينطبق على القومية والاثنية . بالاضافة الى انه موضوع يهم المتابعين والسياسيين من ابناء شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني .وان كان قد مضى على المقال فترة طويلة الا كما ذكرت اثرت في افكار الاجتماعيين والانثروبولوجيين ومن بين الذين تاثروا عالم الاجتماع " روبرت برايم " الذي انطلقت من تعريفه لمصطلح الاثنية وتكوينها في دراسة اهم ما شغل سياسي ومفكري شعبنا فيه ولا يزال موضوع " التسمية القومية  " اثناء تاليفي لكتابي الاخير " الكلدان والاشوريون والسريان وصراع التسمية،تحليل سوسيولوجي" في تطبيقه لدراسة التغير الحضاري لبلاد النهرين وما نتج عنه عبر العصور وصولا الى يومنا هذا .
االمفكر رينان توصل لتحديد مفهوم الامة من خلال دراسته للتطورات والاحداث التاريخية للحضارات الاوربية منذ القدم والى زمانه في القرن التاسع عشر ولخصه في مقالته هذه ،ان ما جرى من الاحداث قد يكون غريباً على القارىء غير الملم بالتاريخ الاوربي القديم وفي القرون الوسطى.الا  انه يمكن الاستنتاج ما يخص فكره عن مفهوم الامة من متابعة المقال.ويمكن مقارنة ما جرى في التاريخ الحضاري لاوربا مع ما جرى في تاريخ الحضارات في بلاد النهرين على مر العصور.وهذه بعض الامثلة :
يؤكد : " ان تقسيم اوربا عميق جداً"  وكذلك ما حدث في بلاد النهرين عميق جداً .
" الامم التي نفهمها هي شيء جديد الى حد ما في التاريخ لايعرفون العالم القديم" أي الامم الاوربية .من هم في بلاد النهرين اليوم بما فيهم الاشوريون والكلدان والسريان المعاصرين هم شيء جديد الى حد ما في التاريخ لا يعرفون العالم القديم " لا ياتي احد ويقول نقرأ تاريخ اجدادنا" المسالة اعمق وما يقصد رينان اعمق بكثير من قراءة الكتب التاريخية .المقصود هنا " روح العصر"
"لم تكن الامبراطوريات القديمة وطنية كالاشورية والفارسية والرومانية" فعلا من قراءة مدونات الملوك لتلك الامبراطوريات وغيرها توضح تماما ان ولاء الانسان فيها كان للملك ،ولم تكن كل الاحداث والوقائع في الامبراطورية تحدث الا لاجل الملك وتمجيده ولارضاء الالهة .ولم يحدث لاجل الانتماء الوطني او القومي لان الامبراطورية لاحدود لها ولا حس مشترك لافراها الا واحد هو الخضوع لقوة بطلهم.
" اللغة تتغير بحسب امتزاج الحضارات " فعلا ما حدث في اوربا.وهذا الذي ايضا حدث في بلاد النهرين منذ السومرية والى يومنا هذا الذي نرى انفسنا نتحدث بلغة تخصنا نحن وتقدم لنا وظيفة الاتصال والتواصل الفكري.
" تمتزج العادات والقيم عند غزو حضارة لاخرى" وهذا ما حدث في بلاد النهرين  لتلاقح عدة حضارات متعاقبة تاريخياً.
" الامة توجد بدون مبدأ السلالة" وهذه بالطبع توصل اليها من دراسته للتاريخ ،واصبحت الفكرة علمية واقرها علماء الاجتماع والانثروبولوجية وتوصلوا الى القول ان وجود عرق بشري نقي في العالم ضرب من الخيال وبل اسطورة طالما حدث التداخل جراء الغزوات المستمرة للشعوب على بعضها وحدث التلاقح البايولوجي. وعليه الامة تتجدد .
يؤكد ان : العرق، اللغة ، الدين ، الجغرافية، متغيرات لا يمكن اعتمادها لبناء امة.
فالعرق كما اشرنا ضرب من الخيال وقد جاء بامثلة متعددة على عدم نقاوته.
واللغة ، يقول عنها لا يعني ان مجموعة بشرية تتحدث بلغة واحدة مرتبطة بعرق واحد او سلالة واحدة فهم من اعراق مختلفة وجاء بامثلة متعددة عن اوربا ،وبين كيف ان البلدان الحديثة تشكلت كامم وابناؤها يتحدثون اكثر من لغة.وهذا ما نلاحظه اليوم في العراق ومصر وسورية ولبنان هم من اعراق واثنيات مختلفة انما توحدهم لغة واحدة او بالعكس لغات متعددة يتكلمون بها افراد المجتمع انما توحدهم مشاعر الانتماء الى الامة الواحدة مثل كندا والولايات المتحدة الامريكية والهند وروسيا والكثير من البلدان الاوربية.
واما الدين ، فهو الاخر متغير ضعيف في رايه لاعتماده لفرز الامة، بدليل وجود امم يعتقد افرادها مختلف الاديان الا ان عيشهم المشترك يربطهم .
وياتي الى الجغرافية ، فيقول لا الانهار ولا الجبال ولا اي مظهر جغرافي طبيعي او جغرافي سياسي بامكانه تشتيت المشاعر الانتمائية للامة الواحدة قديماً وحديثاً. وهذا ما نلاحظه اليوم فمثلا بالرغم من تشتت الاكراد او العرب او البرتغاليين او الاسبانيين او الاشوريين او الكلدان او السريان في بقاع العالم المختلفة الا ان هذا التباعد الجغرافي لا يمنع من توحيد مشاعرهم للانتماء الى امتهم.
يقول رينان " " ان الاعتبار الحصري للغة بالاضافة الى التركيز المفرط على السلالة له مخاطره وعدم تتحمله اذا ركزت كثيرا على اللغة فانك تُحاصر نفسك في ثقافة معينة تعتبر وطنية ،انت تحد نفسك وتترك الهواء الحر الذي تتنفسه في اتساع الانسانية للتراجع الى اديرة مواطنيك" أي انه يخطو خطوات نحو الانسانية وليس التقوقع على اثنية او قومية معينة.ويستطرد ويقول: " دعونا لا نتخلى عن المبدأ الاساسي القائل بان الانسان كائن معقول واخلاقي قبل ان يتم حصره في لغة أو اخرى.أو في هذا العرق أو ذاك ". وهكذا لايمكن حصرها في جغرافية معينة او ارض أو دين .أنما الامة عنده هي :" مبدأ روحي ينتج عن التشابك العميق في التاريخ والذكريات والاسرة الروحية وليس مجموعة يحددها تصميم ارض،ويشكل التراث المشترك والاتفاق الحالي على اسلوب الحياة روح الامة ،اي الشعور بالانتماء اليها والرغبة في العيش معاً، الرغبة الحقيقية في العيش معاً والاتفاق."يؤكد على الاتفاق على اسلوب للحياة يكون طريقهم للعمل والاداء اي نعمل وفق المستجدات الحضارية مع الاعتزاز بالتراث لا التشبث فيه كما يذكر في حواراته الفكرية بل ان يكون عامل وحدة الشعور .
 ويختم فكرته عن الامة بقوله:" هناك شيء متفوق على اللغة  والعرق،هي الارادة ،فهي توحد مشاعرهم وافكارهم. بمعنى التضامن  والتماسك بين افراد الامة والعمل معاً من اجل الامة والاتفاق على اسلوب الحياة والرغبة الحقيقية وتوحيد الفكر والمواقف هي الكفيلة في استمرار وجود الامة.فاين الاثنيات الثلاث لشعبنا من هذه المشاعر.؟
وكل ما ذكره عن الامة وتكوينها يقول اخيراً: ان وجود الامة استفتاء يومي" اي ان الامم تتشكل بارادة الفرد نفسه لا بالقسر والقوة كما يحدث عند البعض في المجتمعات النامية. فالامة تتغير زمانياً ولا ثبوت لها وهذا ما يؤكده الاتجاه الحديث في علم الاجتماع في دراسته للاثنية او القومية والامة .فيقول " برايم " وغيره، الكندي المهاجر كانت مشاعره الانتمائية الى خلفيته الاثنية الا انه تدريجياً وعند الاجيال الحديثة من ابناء اولئك المهاجرين يعدون امتهم " كندية " وهذا ما يحصل بزيادة نسبة من يُسجل في حقل الانتماء في استمارات الاحصاءات الرسمية  الاثنية هي " كندا" وهذا ما يحصل في امريكا واستراليا وغيرها من البلدان. فالانتماء الاثني يتغير وفقاً لمستجدات الحياة المجتمعية وطرق العيش المشترك والمصير المشترك.
بعد هذا العرض اود  الاشارة الى بعض من افكار " ارنست رينان" الاخرى استخلصتها من افكاره في حوارته المعروفة لدى الاختصاصيين لمزيد من المعرفة .
له كتابات في اللغة والفلسفة والتاريخ ،  وقد تأثر بفلسفة هيكل.يُعد مفكراً اجتماعياً استفاد علماء الاجتماع من افكاره .
كانت معظم افكاره يعبر عنها بالسخرية والفكاهة . واستكثر من الالاعيب اللفظية وكان يتغنى بكل لحن ويتفنن وذلك لحرصه على جذب الجمهور ويترضاه ، كان حافلا بالافكار بالرغم من تناقضاته.( يعني انه صديق نيسان سمو الساخر والفكاهي في التعبير عن افكاره).
لا يُعادي مذهب من المذاهب ،يعطف على كل شيء من بعيد ، لان كل شيء مايبرر وجوده في هذا الكون الذي تجتمع فيه المتناقضات..فهو يسلم بكل المعتقدات لا على انها حقائق ،بل لانها تعبر عن حالات للروح يستطيع ان يتذوقها ويستمتع بها .وعليه كان يؤكد على التسامح والاعتدال ويدعو الى المصافاة بين الاديان.
ولم يكن له موقف سلبي تجاه اي ظاهرة. حيث يؤكد انه يتذوق الوجود قاطبة بمثل الشعور العام فهو مع المدينة الحزينة والمدينة الفرحة .ويرى الجمال في كل شيء .
درس الحضارات العالمية ومنها حضارات بلاد النهرين القديمة ودرس الديانات وقدم تحليلات عنها ومنها الاسلامية وله نقد للاسلامية باعتبارها مُقيدة لفكرة التقدم وانها وسيلة لاحباط العلم والعلماء كما له كتابات عن المسيحية وحياة يسوع ونقد رجال الدين في اوربا.
يرى ان الحضارة شيء متحرك. ويؤكد على التخلص من التقاليد التي لا تخدم المجتمع طالما ان الحضارة متجددة لتلائم الحياة.
يؤكد على ان خلاص البشرية يكون في حكم فئة العلماء .فيؤكد سياتي اليوم الذي ستكون السلطة بيد العلماء بحيث لا تقوم ضدها ثورة ،ولا يمكن الانسان ان يستغني عن العلم  فقوتهم العلماء هي في حكم العقل دون الركون الى الاكاذيب ،فالكذب سلاح العاجز يصطنعه في مكان القوة .بمعنى ان السياسة الحالية التي تحكم المجتمعات، الكذب سلاحها .والخوف ينشأ من وعيد حقيقي او خيالي ،فالقوة والمخادعة من هذه الوجهة نظيران.
يقول: حاولت الكنيسة في العصور الوسطى ان تحقق القوة الروحية ، ولكن لم يكن بيدها القوة الكافية وكان سلاحها بدلا من الجيوش التخويف بالجهنم ،وعليه ظلت ضعيفة مُكرهة على الاستعانة بالقوة الدنيوية التي أملت عليها شروطها نظير ذلك انقاص الحقوق الاكليروسية ،وفي رايه القوة الروحية لا تكون قوية الا اذا كانت بيدها قوة مادية لاتخضع الا لها.فهو يؤكد هنا على دور العلم في الفكر الديني وادارة المؤسسة الدينية.
من ارائه: الديمقراطية لا تعمل على اعلاء الشعب وانما ترمي الى الاسفاف به وهي لا تريد العظماء.
يؤكد على ان المادة هي حالة الوجود ، لا سببه ،وعلة الاشياء مصدرها الفكر ،فالعقل يحرك كل شيء.ويؤكد ان الفكرة هي التي تحمي  كل شيء والفكر لا يتحقق الا بالتراكيب المادية فيقول مثلا لا فائدة من الحان " بتهوفن" ما لم هناك اهتزاز الاوتار الموسيقية.
يقول" العمل على رفعة الناس قاطبة هو اول واجبات المجتمع ولكن رفع الناس كلهم الى مستوى واحد امر مستحيل.
بالرغم من انتقاده للاكليروس الكنسي الا انه يؤكد: الدنيا بدون الله شديد الفظاعة والنكر. ويقول:اتصور في بعض الاحيان ان الله هو العيد الداخلي العظيم للكون وانه ذلك الشعور المترامي الفياض الذي تعكس فيه كل الاشياء ويتجاوب صداها.
ويستطرد في حواراته ويقول: لا يزال يسوع حياً وشخصيته لا تزال باقية ،بل هي اعظم مما كانت .
تعرض رينان الى الانتقادات لكثرة التناقضات في افكاره وحتى انه كان يشك بما يقوله ،وكان مترددا .وهذا ناشيء عن الصراع النفسي الداخلي الذي كان الكثير يعاني منه ولا يزال ،والناجم عن التناقض بين ما يتلقاه الفرد من افكار دينية وقيمية في اسرته وثم ما يفكر به هو شخصياً .
اكتفي بهذا القدر لعله قد يستفيد القراء من افكاره،والمقال هو عبارة عن تعقيب لمقال المترجم من قبل الكاتب " بولص ادم " الا لطوله وضعته منفصلا فاعتذر من الاخ بولص.
من : كتاب محاورات رينان الفلسفية.
رابط مقال المترجم
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,976656.new.html#new

28
                          فيروس كورونا وفيروس الاحزاب الدينية
                               مقارنة في الاثار المترتبة
د. عبدالله مرقس رابي
                        ينتاب بعض المتابعين والمهتمين بشؤون المجتمع في مجالاته المختلفة الاستغراب للاهتمام والتركيز على الدين ،انما كمتابع للبحث والتنظير الاجتماعي ،تعد المسالة صميمية لتأكيد علماء الاجتماع المعاصرين، أن الدين أصبح اليوم ظاهرة تهم افراد المجتمع البشري، وله حساباته وارتباطاته السياسية والصراعية والتنموية في المجتمعات كافة سواء المتحضرة منها أو النامية .( روبرت برايم، المجتمع الحديث، 2017، ص 322).
الذي يهمنا كباحثين أجتماعيين عن الدين كما يقول عالم الاجتماع الالماني " ماكس فيبر" ليس الجوهر، اي طبيعة المعتقدات ومدى حقيقتها ومصدرها، بينما الذي نركز عليه هو عن العلاقة بين الدين والفعل الاجتماعي، بمعنى كيف يؤثر الدين الذي تصبح تعليماته العقائدية وطقوسه جزءاَ من حياة الانسان في سلوك الفرد وفي طبيعة المجتمع وأنشطة الجماعات والمؤسسات المجتمعية ومنها السياسية والاقتصادية والاسرية والاعلامية وبشكل عام في حضارة المجتمع . (مصدر اعلاه ص 326 ).
االارتباط الذي يهمني هنا هو بين الدين والسياسة. من متابعة تاريخية للحضارات البشرية في العصور المختلفة نجد الارتباط الوثيق بين الدين واالسلطة، فالملوك والاباطرة تبنوا تحركاتهم الحربية والاقتصادية والتعامل مع افراد المجتمع وفقاً لتوجيهات الالهة المتعددة والمتخصصة كل منها في نشاط او حالة معينة. وهناك اشارات واضحة في مدونات الملوك لارضاء الالهة عن أعمالهم، كأن تكون شن حرب أو جمع الضرائب او اقامة المهرجانات وغيرها.
ظل هذا الارتباط  مستمراَ ولحد اليوم. بالرغم من أن العقائد المسيحية لا تؤكد على ازدواجية السلطة المدنية والدينية ولا تقر لشن الحروب من اجل ارضاء الله كما في الاديان الاخرى، الا انه بتأثير من العقلية السلطوية وحب السيطرة من قبل بعض رجال الدين المسيحي تمكنوا في الاستحكام بشؤون الحياة العامة ومنها اعلان الحروب تحت المظلة الدينية وأخص بالذكر في اوربا. وفي الشرق كانت الحروب التي يشنها خلفاء المسلمين ذات صبغة دينية عقائدية تماماً .
 وقد تمكن الفكر البشري في اوربا بنهضته التقدمية والوضعية من تقليص دور هؤلاء وتحجيمه تدريجياَ بحيث لم يكن بأمكانهم التأثير على الحكومات وتوجيهها بحسب ارادتها منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي. على العكس من ذلك أستمرت في الاسلامية ولم تركن البلدان التي تسودها الى الوضعية، الا بعض منها بعد سقوط الامبراطورية العثمانية في مطلع القرن الماضي تبنت الدساتير الوضعية وفي الحقيقة مبطنة ومتأثرة بالعقيدة الاسلامية.
تُشير المصادر التاريخية منذ القدم  الى سقوط مئات الالاف بل الملايين في تلك الحروب التي شُنت باسم الدين. ولا يزال الفكر الديني المتطرف يضطلع دوراَ كبيراَ في عالمنا المعاصر في حصد ارواح البشر في مختلف بقاع العالم، مثلما يحصد الفيروس ارواح البشر عندما يفاجىء البشرية بين فترة واخرى منذ القدم . وحالياَ فيروس كورونا الذي ارعب البشرية وأصاب الناس الخوف والهلع، وأعدته منظمة الصحة العالمية وباءاَ عالمياَ، واشغل العالم والحكومات للوقاية منه والقضاء عليه كما نرى في ايامنا هذه الاستعدادات الكبيرة من قبل الحكومات لبذل أقصى جهودها للتخلص منه.
طالما أن الفعل الذي يرتكبه المتطرفون بأسم الدين ومنهم الاحزاب السياسية الدينية تكون نتائجه الموت والدمار والترهيب والابادة الجماعية، فأذن لا يختلفون عن الفيروس القتال الذي يفاجىء البشرية. ولما كانت الاحزاب الدينية في عالمنا المعاصر قد توكلت نفسها للعمل باسم الدين، عليه جاءت تسمية  "فيروس الاحزاب الدينية " في عنوان المقال.
 وفيما يلي مقارنة بين الفيروسين من حيث طبيعتهما ونتائجهما على البشرية.
يفاجىء الفيروس البشرية بظهوره بين فترة وأخرى منذ القديم وعلى اثره يحصل الوباء ويقضي على أعداد كبيرة من الناس وبالاخص تلك التي ظهرت قبل التقدم العلمي الطبي الوقائي والعلاجي، وبعدها اصبحت الوفيات قليلة بسبب فيروسات انتشرت حول العالم لسرعة أكتشاف المصل وتدبير عوامل الوقاية والتعاون الدولي وتقدم الوعي الصحي. وهكذا بالنسبة الى فيروس كورونا أصبحت البلدان في حالة طوارىء لاتخاذ التدابير الوقائية والعلماء منهمكون لاكتشاف التلقيح المناسب. ولفترة زمنية سيتم القضاء عليه.
بينما فيروس الفكر الديني المتطرف والاحزاب الدينية مستمر منذ أقدم العصور جنباً الى جنب مع الفيروس العادي، ويقضي على أعداد كبيرة من البشر، فلا اذهب بعيداً في التاريخ، بل أكتفي بمثالين نعيشهما اليوم، ماجرى في العراق بعد سنة 2003 على اثر تحكم الاحزاب الدينية وميليشياتها القتالية على زمام الحكم ،وثم ظهور الفكر الديني الاسلامي المتطرف وبتسميات متعددة وأخرها تنظيم داعش، مما تسبب نشوب قتال عنيف على الاساس المذهبي وسحب ذلك على الاضطهاد الديني للمختلف عنهم من المسيحيين والايزيديين والصابئة، فسُكبت الدماء وهُجرت الناس من بلداتهم وتفاقمت الاغتيالات وأبيدت قرى بأكملها وسُبيت النساء، ودمرت الممتلكات، ونُهبت الاموال.
 وقد بلغ عدد الضحايا في العراق بسبب فيروس الفكر الديني المتطرف والاحزاب الدينية من عام 2003 والى 2017 نحو (201873 ) شخص .والقتال مستمر الى اليوم. وهكذا عمل فعلته هذا الفيروس الفتاك في سوريا تحت تسميات مختلفة متطرفة دينياً كحزب الله والنصرة والجهاد وداعش وغيرها فحصد أرواح ما يقارب (470000)شخص لغاية عام 2016 وسفك الدماء مستمر الى هذه اللحظة.
وسلسلة ضحايا فيروس الاحزاب الدينية وُجد ايضا في مصر وتونس واليمن ولبنان وليبيا والجزائر ونيجيريا وكينيا وافغانستان وفلبين وايران متمثلة بحكومتها الدينية، وكشمير وباكستان وتركيا بحكومتها الدينية المتطرفة المبطنة. وانتشر في البلدان المستقرة سياسياً واجتماعيا ودستورياً من البلدان الاوربية وأميركا. فبين فترة وأخرى يقضي على ابرياء مسالمين وهم في الطريق العام أو في مطعم أو في مؤسسة أو مكان عملهم.
فيروس كورونا يقضي على ارواح البشر لحين اكتشاف التلقيح المناسب، والاجراءات الوقائية قائمة للحد من انتشاره وثم السيطرة عليه. بينما فيروس الاحزاب الدينية والفكر الديني المتطرف مستمر في سفك دماء البشر لا علاج له الا في حالات مؤقتة ولا طرق الوقاية منه الا بحسب مصالح أصحاب القوة في العالم.
فيروس كورونا يقضي على الانسان أو قد يشفى أكثرية المصابين، بينما فيروس الفكر الديني المتطرف يترك آثاراَ عميقة في النفس البشرية  تبقى لاجيال متعددة تؤثر في سلوكهم وطريقة حياتهم ومواقفهم وتعاملهم مع الاخرين .ناهيك عن التخلف المستمر في كافة نواحي الحياة الاجتماعية. يزداد الجهل ،ويتدنى المستوى الدراسي وتنتشر الامراض والاوبئة.
يؤثر فيروس كورونا سلباَ على الاقتصاد العالمي لفترة وثم يتم معالجة التأثير بعد الحد من انتشاره، بينما فيروس الاحزاب الدينية يبقى تأثيره على مدى البعيد أقتصادياً في المنطقة التي ينتشر فيها، لعل أبرز مظاهر آثاره، ما نراه اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا وبلدان اخرى من تخلف أقتصادي لتدمير البنى التحتية وتعطيل المصانع وأهمال الزراعة والسياحة.
يرافق وجود فيروس الاحزاب الدينية والفكر الديني المتطرف ،أنتشار الجرائم بأنواعها، ويكون لميلشياتها والذين يقلدون السلطة منهم والوظائف المتقدمة في البلد اليد الطولى في ارتكابها. فأينما وُجد هذا الفيروس، تفاقمت حالات النهب والسلب ،والقتل والسرقات، والاغتصاب وتدمير الكنائس واماكن العبادة الاخرى، وسرقة وتدمير الاثار والاختلاس من اموال الدولة والرشاوي وهدر مال الشعب وغيرها. بينما فيروس كورونا بريء من هكذا آثار.
فيروس كورونا لا يميز بين سياسي ومستقل وبين مذهب واخر،دين واخر ،متعلم وامي، فقير وغني، رجل دين أو علماني، ولا بين رجل وأمرأة، ولا يميز بين اثنية واخرى، ولا بين كافر ومؤمن. الكل سواسية عنده الكل معرضون له وممكن أن ينال منهم وبحسب صحتهم. فلا يعرف التمييز العنصري أو الديني أو الاثني أو الطبقي أو النوعي.
أما فيروس الاحزاب الدينية، وُجد على أساس التمييزالديني والمذهبي، فهو يحطم كل أنسان ما لم يكن على مذهبه أو دينه بشكل من الاشكال، بدأَ من القتل أو الترهيب أو الاضطهاد، او التهجير أو الاستحواذ على ممتلكاتهم أو فرض شريعته على المختلف معه، فالاخر المختلف لا يستحق الحياة  فهو كافر أو عليه أن يعيش تحت رحمته وشريعته. هذا الفيروس لا يعرف أن يداول السلطة سلمياً وحتى لو استحقها غيره.
فيروس الفكر الديني المتطرف، لاينطلق من الحاضر والتخطيط للمستقبل ولا يقبل المستجدات، بل العكس يرجع الى الوراء، الى التاريخ ويحاول تطبيق ما جرى وشُرع قبل الاف السنين في يومنا هذا. فيخلق الصراع الفكري والاجتماعي .
خلاصة القول: فيروس الفكر الديني المتطرف والاحزاب الدينية التي لا تختلف تطرفاً عن غيرها، فيروس شرس وفتاك لا يقل تأثيره عن فيروس كورونا، بل في بعض الحالات هو أشد ضرراَ منه كما تبين اعلاه. وعليه اتمنى تخليص البشرية من الفيروسين لعله نرى الحياة أكثر استقراراَ وبهاءاَ وتقدماَ .مع تمنياتي الشفاء العاجل لمن أصابه فيروس كورونا، والوقاية والسلامة للجميع.

     

   

29
                                    " حنا جهاد عيسى "
                              كاهن جديد لمنكيش الجمال والعطاء
د. عبدالله مرقس رابي
                        تعد ظاهرة الانخراط في السلك الكهنوتي هذه الايام من الامور الاكثر صعوبة والحاجة الى التفكير ليقرر الفرد الانضمام مقارنة مع الماضي .وذلك لاختلاف مظاهر الثقافة الاجتماعية والمتغيرات التي تعج وتلاحق المجتمع الحديث والتطورات السريعة المُذهلة التي لم يشهد لها مثيل في التاريخ البشري. مع ذلك هناك من الشباب يقرون الانخراط في السلك الكهنوتي. ولنا اليوم القس حنا جهاد عيسى من منكيش ، فمن هو هذا القس الجديد؟
نال الشماس حنا (لوفين) جهاد عيسى السر الكهنوتي بوضع يد غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو صباح يوم الجمعة في 17 كانون الثاني لعام 2020 الحالي مع زميله الشماس (مدين شامل خضر) من الموصل  في كاتدرائية القديس يوسف في الكرادة – بغداد بمشاركة الاساقفة معاوني البطريرك ،والقائم بأعمال السفارة البابوية واساقفة وكهنة من كنائس شرقية اخرى مع مجموعة من الرهبان والراهبات ،وجمع من المؤمنين مع ذوي واهل الشماس الذين قدموا من منكيش .
القس حنا من مواليد منكيش 5/8/1990 والده جهاد عيسى قلو ووالدته زريفة يوسف حنكرا، وله اخان واربع اخوات. وقد تربى ونشأ في طفولته والى اليوم في بلدة منكيش،وكان في مراحله العمرية ملتزماً ومهتما بالانشطة الدينية ، فنال تعليمه الاساسي في الدين واللغة الطقسية الكلدانية في كنيسة ماركوركيس الكلدانية في منكيش، وانضم الى الدورة اللاهوتية في الكنيسة للاعوام 2009 – 2011 وتخرج بتفوق. وقد تأهل أن يكون معلماً مواظباً للتعليم المسيحي وشماساً قارئا يخدم في الكنيسة بهمة ونشاط.
 نال تشجيعاً ودعماً من القس يوشيا صنا كاهن الكنيسة الحالي لايمانه بأن الشماس"لوفين" مؤهل للانخراط في السلك الكهنوتي لتميزه بشخصية ذكية ومتمكن ثقافياً ومتقن الطقس وملم باللاهوت وبكل الجوانب التي يتطلب العمل ككاهن. وفي ضوء هذه التوصية أُرتسم شماساً انجيلياً في بغداد بوضع يد غبطة البطريرك ساكو في 18/10/2019 وبعد أن قضى فترة للتاهيل والتدريب للعمل الكهنوتي تقررت سيامته في التاريخ اعلاه. أما تعليمه ،فهو خريج جامعة دهوك بكلوريوس ادارة الاعمال للعام 2013- 2014 ،وثم عمل في ثانوية منكيش.
أنضم القس حنا جهاد عيسى قلو الى كوكبة الكهنة المنكيشيين ليصبح عددهم 28 كاهنا منذ دخول اهلها في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عام 1796 ،الى جانب اربعة أساقفة ،و41 راهباً انضموا الى الرهبنة الانطونية الكلدانية منذ تجديدها على يد جبرائيل دنبو عام 1808 وبحسب سجل الرهبنة الذي أطلعت عليه شخصياً، ان الرهبان الستة الاوائل عند تجديد الرهبنة جاء بهم جبرائيل دنبو من شباب منكيش.
ومما هو جدير بالذكر،ان كاهننا الجديد ينتسب الى عائلة معروفة في تفانيها وهمتها وخدمتها للكنيسة وانضمام افرادها الى السلك الكهنوتي ،فالمطران حنا ايشو قلو(ميخو) هو عم والده المتوفي عام 2002 على أثر حادث مؤسف، سُمي الاخير باسم جده القس حنا قلو الذي خدم منذ سنة 1884 في منكيش وفي عائلته ابن عم والده القس الراهب شليمون قلو الذي دخل الرهبنة عام 1884 ورٍسم كاهنا عام 1904 لابرشية عقرة وتوفي ودفن هناك عام 1919. كما أن جد والده أيشو كان ساعورا وشماساً متميزا لكنيسة منكيش. وأعتبر جده الشماس الرسائلي عيسى ايشو من أكثر الشماسة تميزأ بمعرفته الواسعة في الشؤون الدينية والطقسية وتأليف التراتيل لعدة مناسبات وفي التعليم المسيحي في المدرسة الرسمية وفي الكنيسة  في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي، وقد اتقن الطقس الكلداني بجدارة وبتعمق، وغالبا ما كان يصحح للكهنة أخطائهم الطقسية وعليه أطلق عليه "رابي" دون غيره من الشمامسة . كما أن جدة والده وردية هي حفيدة القس كوركيس رابي أبن القس كيسو المنكيشي ،وجدته حني يوسف حفيدة عائلة خنجروا التي اشتهرت بنقل اهالي منكيش للكثلة عن طريق المختار هرمز خنجرو ومنها الاسقف توما روكس خنجرو الذي رسمه البطريرك يوسف اودو اسقفا على البصرة وعلى ان يخدم في الهند – الملبار. فحقاً تستحق أن تلقب عائلة القس حنا "عائلة أبونا" المنكيشية.
بعد أن عمت الفرحة عموم المنكيشيين في أرجاء المعمورة عند سماع خبر رسامته في بغداد، أُستقبل القس حنا جهاد عيسى في بلدته منكيش قبل اربعة أيام في 6/2/2020 بحفاوة وسرور لا مثيل لهما. ذكرنا أستقباله من قبل أهل منكيش أيام أستقبال الاساقفة عند قدومهم لزيارة القرية في الماضي. مثلما خرجوا لهؤلاء، تسابق المنكيشيون كباراً وشباباً وصغاراً ،ذكوراً وأناثاً، كهنة وراهبات وشمامسة لاستقبال الكاهن الجديد ويتقدمهم الكاهنان يوشيا صنا وجبرائيل شماني للترحيب به والتعبير عن فرحتهم لقدومه فأصطفوا لتقديم التهنئة في الشارع المؤدي للكنيسة في القرية القديمة بالرغم من البرد القارص في شتاء منكيش، وتمازجت اهازيج وهلاهل النساء بالتراتيل الدينية بهذه المناسبة العزيزة على قلوبهم.
أما شخصياً، يتمتع الكاهن حنا جهاد بشخصية رصينة كفوءة تتميز بذكاء عالي وسريع البديهية ،وقابليات تؤهله للعمل الكهنوتي ،له معرفة واسعة في الطقس الكنسي ويتمتع بوفرة معلوماته عن المفاهيم الدينية واللاهوت، مع أهتماماته التاريخية والاجتماعية وسعة أطلاعه على كافة مجالات المعرفة. له القدرة على بناء العلاقات الايجابية والتفاعل الهادف مع الاخرين ،يتفهم تناقضات العصر الحالي ويدرك للتغيرات السريعة التي تصاحب الحياة الاجتماعية فيحسن التصرف وفهم الواقع.
من الصفات التي يتميز بها أيجاباً هي جمعه بين المعرفة اللاهوتية وما تحتاج منه المؤسسة الدينية كمؤسسة لها رسالتها الروحية والاجتماعية مع المعرفة العلمية في ادارة الاعمال التي تلقاها في دراسته الجامعية. فهي معرفة يكون الكاهن بأمس الحاجة اليها لادارة الكنيسة كمؤسسة ،تلك المعرفة التي غالبا ما ندعو الى أن تكون جزأً أساسياً ألى جانب علم الاجتماع والنفس والانثروبولوجية والقانون في عملية أعداد وتنشئة الكهنة في المعاهد والكليات الدينية ،وبحسب علمي أن كلية بابل للدراسات اللاهوتية تفتقد الى هكذا مناهج في خطتها التعليمية، بل تركيزها على الفلسفة بأنواعها ،وهذا خطأ كبير ،نعم دراسة الفلسفة تنمي القدرات الفكرية عند الدارس أنما ذلك في بُعده التنظيري فقط، فالكاهن بحاجة الى تنشئة منهجية معرفية تُنمي القدرات التنظيرية والعملية معاً.
ولهذا الجمع عند الكاهن حنا في المعرفة ،يمكن القول أنه سيتمكن بنجاح من عملية أدارة الكنيسة التي سيتولى خدمتها لاكتسابه المعرفة المستوجبة لذلك الى جانب معرفته في اللاهوت .حيث أن دراسة ادارة الاعمال تهيء الفرد لاتقان فن الادارة العامة ،وأدراك ماهية وكيفية بناء العلاقات أفقيا وعموديأ في التراتب الوظيفي، وتؤهله لكسب المعرفة والخبرة التي يستخدمها في التعامل مع المؤمنين بمختلف خصائصهم الاجتماعية والثقافية ،وتمكنه من تقدير طبيعة العلاقات التي تدعم وتُساند التفاعل الاجتماعي الايجابي لمعرفته بفن التفاوض .
ومن هنا أتوقع أن يكون القس حنا جهاد من الكهنة الذين يدركون روح العصر الذي يعيش فيه ،ويقدر طبيعة المجتمع ويتفهمها ،ويتكيف مع المستجدات التي جاءت بها الثورة المعلوماتية المعاصرة، وقادر أن يستلهم من الاصالة أيجابياتها ليكيفها مع واقع المجتمع الحالي ،ويكون مستجيباً مع عملية تطور العقل البشري، ليكون تعاطيه مع الاخرين تعاطياً ايجابياً معاصراً ومتفهما لدور ومشاركة كل مؤمن في الكنيسة لأحترامه الاراء والمساهمات التي تدفعها الى الامام .
تهنئة من الاعماق الى كاهننا الجديد حنا جهاد قلو ،متمنينا له كل الموفقية والنجاح في عمله الكهنوتي لخدمة كلمة الرب وكنيسته ، فهو فعلا من افرزات عطاء منكيش الجميلة ،ذلك العطاء التاريخي في كل المجالات الحياتية ومنها الدينية. مع تمنياتي له السعي لاكمال دراساته العليا. وتهنئة مُقدمة لوالديه وأقربائه جميعاً ولكل أهالي منكيش بهذه المناسبة الجميلة ولكل مُحبيه وللكنيسة الكلدانية  .
كندا في 10/2/2020 
رابط استقبال القس حنا جهاد قلو في منكيش
https://mangish.net/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a8-%d8%ad%d9%86%d8%a7-%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%af-%d8%b9%d9%8a/


30
                           خيار الزوجية أو العزوبية للكهنة
                                    تحليل نفسي أجتماعي
                              في ضوء مقال أ. نوئيل السناطي
د. عبدالله مرقس رابي
                              في 17 من الشهر الجاري نشر المونسينيور الاعلامي نوئيل السناطي مقالاً جريئاً في طرحه لموضوع زواج الكهنة بعنوان " بين الكر والفر، مرحلة جديدة بشأن خيار الكهنة المتزوجين والعزاب " حلل فيه ظاهرة العزوبية أو الزوجية للكهنة التي أشغلت المفكرون واللاهوتيون وكرادلة الفاتيكان والاعلام في السنين الاخيرة.
أستخلص في مقاله الهام وجود فريقين متناقضين في موقفهما عن ظاهرة زواج الكهنة في اعلى الهرم الكنسي الكاثوليكي المتمثل بالكرادلة واللاهوتيين ،فئة منفتحة مؤيدة تقرأ الواقع بموضوعية وفئة محافظة رافضة ترسخ التقليد دون أن تدرس الواقع الكنسي بموضوعية . وألقى الضوء على عراقة الكنائس الشرقية الكاثوليكية منها في تراثها من موقفها لرسامة أشخاص متزوجين كهنة منذ البدء بالرغم من الشركة مع الكنيسة الرومانية التي ترفض هكذا رسامات. أخيراً يحذر من مهبة  الانزلاق للتمييز بين الكهنة المتزوجين والعزاب منبهاً بوجود أفكار انتقاصية تجاه المتزوجين مع تجذر فجوة بين الاكليروس والعلمانيين من كلا الجنسين.
لاهمية الموضوع، ولكونه من أهم مواضيع الساعة في الكنيسة الكاثوليكية والاعلام العالمي ولارتباط ظواهر هامة به أشغلت الكنيسة، كالانحرافات الجنسية لرجال الدين بمختلف درجاتهم الكهنوتية والنقص الحاد للكهنة في الكنيسة الكاثوليكية، ولاهمية المقال المذكور ،أرتأيت أن أسلط الضوء على الظاهرة مُنطلقاً من التحليل النفسي الاجتماعي .
 بناء الشخصية
             تتركب شخصية الانسان من صفات وراثية ،جسمية منها ممكن رؤيتها مباشرة، وأخرى وراثية لايمكن الاستدلال عنها ألا بالسلوك الصادر من الانسان وتسمى الاستعدادات الوراثية ، مثل الاستعداد للبقاء والتملك والسلطة والحب والكره وايذاء الاخرين والسعادة والجنس والاكل. وهي متعددة تصل عند بعض علماء النفس الاجتماعي الى 114 استعداد غريزي. ويختلف العلماء في أكثر الاستعداد أهمية في حياة الانسان، وأخرى صفات مكتسبة من البيئة الثقافية والاجتماعية التي يعيش فيها الانسان، كالتعليم والقيم والتقاليد والادوار والمكانة الاجتماعية والمهن وغيرها.
كيف تعمل الشخصية؟
 الاستعدادات الوراثية هي حاجات طبيعية موجودة عند كل أنسان وتختلف درجتها بأختلاف الافراد .تنمو مع نمو الانسان الطبيعي، وأثناء نموها زمنياً يكتسب الانسان الصفات الاخرى المُشار لبعضها اعلاه من البيئة الاجتماعية. تتفاعل الفئتين مع بعضها فتحدد تصرفات وحاجات الانسان .وهذه الحاجات تتباين بين الافراد وتمتد بين القطبين السالب والموجب ،أي زيادة مفرطة جداً لتصل الى درجة الجموح،والى النقصان المفرط لتصل الى درجة الجمود والبرود.وفي كلتا الحالتين يتعرض الانسان الى المشكلات، وعليه بقاء درجتها في وسط المقياس تخلق توازن في الشخصية وهي عند الغالبية العظمى من الناس. ولا يمكن أن يستغني الانسان ابدا عن هذه الحاجات الاساسية. منحتها لنا الطبيعة بالمفهوم العلمي ومنحها لنا الله بالمفهوم الديني. منع الانسان من أشباع هذه الحاجات وأخص بالذكر الاساسية منها، يعني تجريد الانسان من جزء طبيعي من كيانه .مما يقود ذلك الى الخلل في الشخصية.
الحاجة الى الجنس
وهي مرتبطة بموضوع المقال. نالت هذه الحاجة أهتماماً كبيراً من قبل علماء النفس والاجتماع لارتباطها بسلوك الانسان وحياته، هي تلك الحاجة التي لو انعدمت كاستعداد عند الكائن الحي لما كان هناك في الوجود كائناً حياً. وهي الحاجة التي تمهد للتناسل البشري والتكاثر، بمعنى البقاء وأستمرار البشرية.  تؤثر البيئة في تفعيل هذه الحاجة عند الانسان فتنظم أشباعها بقواعد معينة وتختلف بأختلاف ثقافات المجتمع البشري. ويتطور تنظيمها مع تقدم العقل البشري .
الحاجة الجنسية وفقاً لعلماء التحليل النفسي الاجتماعي وفي مقدمتهم " سيجموند فرويد" يعدونها الاساسية جداً في حياة الانسان، بحيث يعزو تصرفات الفرد جميعها لغرض أشباعها. بمعنى أن الانسان لايمكن الاستغناء عنها. فشدتها أي جموحها قد يؤدي بالفرد الى تجاوز القواعد الاجتماعية ويندفع الى أشباعها بطرق غير شرعية، وأما اعتدالها ستجعل منه الانتظار الى يوم الزواج .والى حين الزواج تكون مشاعره الجنسية مكبوتة في اللاشعور ،أو قد يشبعها بطرق مختلفة لا مجال لذكرها هنا. وعليه فالمجتمعات المتحضرة لتدارك المشاكل الناجمة عن عدم أشباع هذه الحاجة عند الانسان سمحت قوانينها الوضعية بالاتصال الجنسي دون وقوع الزواج رسمياً وبرضى الطرفين، مع التأكيد  على نشر الوعي لتكون علاقة جنسية سليمة لتجنب الامراض والمشاكل.
الانخراط في السلك الكهنوتي والحاجة الجنسية
وهي حاجة لا تنطفي عند الانسان تبقى ملازمة له طوال حياته كالحاجة الى الاكل، فتشريع قوانين لمنع الانسان من اشباعها وكبحها هو أجراء تعسفي يحبط حاجة مُلحة عنده لايمكن الاستغناء عنها عند الانسان الطبيعي مُقابل منحه فرصة لاشباع حاجات أخرى . هذا بالتأكيد يحدث في المؤسسة الكنسية التي تضع قيود صارمة على من يرغب الانضمام الى السلك الكهنوتي وتمنع أشباع حاجته الجنسية ومنعه من الزواج مقابل توفير فرصة لاشباع دوافع اخرى مثل،الرغبة في خدمة الناس، تحقيق مكانة أجتماعية وهو كاهناً أو اسقفاً، تحقيق رغبة الخلاص الابدي ما بعد الموت التي يرى تحقيقها وهو كاهناً. والا، هل أن رغبة الشخص ليصبح كاهناً تأتي من الفراغ؟ بالطبع لا.
 لابد منطقياً أن كل عمل يقدم أليه الانسان هناك دافع لتحقيق حاجة أو أكثر، فالرغبة بالكهنوت حالها حال أية رغبة أخرى. بالرغم من أن الانسان يقرر الانضمام الى السلك الكهنوتي برغبته ولم يُلزمه أحد، الا أنه واقعياً تحقيق تلك الرغبة مشروط بحرمانه من تحقيق رغبة أخرى هي الحاجة الجنسية، أي بمنعه من الزواج. وهذه هي عملية أستغلالية بعينها. وهذا الشرط يختلف عن شروط أخرى تضعها المؤسسات امام الفرد المتقدم أليها، مثل مدة الخدمة ،مكان الاقامة ،الطاعة للتعليمات لاجل الانضباط الاداري وغيرها .هذه ليست رغبات طبيعية كالرغبة الى الجنس. فلا تدخل ضمن سياق الاستغلال.
لكي يحقق الشخص رغباته التي من اجلها انخرط في السلك الكهنوتي تقوم عنده(الهو) الجزء الطبيعي من الشخصية باستشعار الذات (الانا) لاشباع الرغبة الجنسية، ولكن ( الانا العليا) الضمير الذي يمثل المُثل العليا للشخص المتكون عن طريق التنشئة الاجتماعية يمنعه من القيام بنشاط لتفريغ هذه الطاقة فيقوم بتحريف المسار للتعبير عن دوافعه الفطرية وتخفيف الصراع النفسي الداخلي للقيام والانخراط في نشاطات قيمة مقبولة مجتمعياً ومنها الاعمال الفنية والكتابة والاعمال الخيرية ومنها الروحانية بحيث هذا النشاط ليس له علاقة مباشرة بالجنس، بل يحقق اللذة الجنسية للفرد وهذه العملية تسمى ( التسامي) .وهذه هي بعينها (الموهبة)ويُنظر أليها خارجياً في المفهوم الديني انها تكريس الذات للانخراط في الكهنوت ويبذل كل جهوده وطاقاته للاعمال الروحية وارضاء الله وهو بتولا،أو هي بتولة .
ماذا يحدث للكهنة المكرسين أنفسهم أو العزاب؟
غالباً ما يدخل الفرد الى معاهد التربية الدينية للعمل الكهنوتي أو الرهبنة ما بين 12 الى 18 من عمره ويُرسم كاهنا بعد اربعة أو ستة سنوات ،أي في عمر تكون الدوافع الفطرية على فاعليتها القصوى ومنها الجنسية،ولكن تُحول عن طريق التسامي كما أشرت آنفاً. وهل تبقى هذه الحالة مستمرة عند الشخص الكاهن الاعزب طوال عمره؟ الجواب هنا هو المسألة نسبية أي تتباين عملية التسامي في استمراريتها بين الافراد، بحيث تبقى عند البعض مدى الحياة وهؤلاء قلة وعليه نستشف النقاوة عند بعض الكهنة والرهبان وامكانية السيطرة على رغباتهم ،ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها طبيعة النمو في الطفولة بيولوجياً وأجتماعياً،موقع درجة الانفعال الغريزي في المقياس ،هل هي معتدلة أم جامحة أو جامدة، فغالباً ما تكون هنا جامدة.مدى تعرضه للمثيرات الخارجية، مثل الاغراءات الجنسية من الجنس الاخر أو توفر فرص الاختلاط مع الاطفال او الفتيات بأستمرار وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه ،هل هو متحضر ،هل فيه وسائل اعلام متطورة ومفتوحة كما في عصرنا اليوم الذي يُبيح ويثير المشاعر الجنسية للشخص ،هل له مواهب أخرى كالكتابة والرياضة والسفر المستمر .
عليه مثلا تزداد نسبة الانحرافات الجنسية عند كهنة واساقفة اليوم لان طبيعة المجتمع المعاصر اعلامياُ وأقتصادياً وأجتماعياً تختلف عن المجتمع قديماً .لذا فرص الاغراءات والاختلاطات تكون اوفر مما في السابق .وهذا لايعني الكهنة والاساقفة في المجتعمات التقليدية براءة جميعهم من الانحرافات، كانت موجودة وقد تكون بنفس النسبة أو أقل ،لكن عوامل كشفها لم تكن فعالة ،فالاعتداء على الاطفال من الجنسين من قبلهم يبقى مستوراً بفعل القيم الاجتماعية للاسرة لكي لا تُصيبها الفضيحة أو خوفاً من الفاعل لرهبته ومكانته الدينية واعتباره شخصاً مقدساً ،اضافة الى طبيعة التنشئة الاجتماعية ،فاليوم الاسرة تدرب اطفالها على الصراحة وعدم الاخفاء ،فيلقفها الاعلام المفتوح وتصبح موضوعاً دسماً له. بينما في السابق تُدربه على الصمت والتستر والسكوت.
  اذن هل خيار زواج الكاهن هو الافضل؟
      في ضوء ما طرحته أعلاه مستنداً على التحليل النفسي الاجتماعي لشخصية الانسان يكون الجواب بسيطا ،نعم رسامة اشخاص متزوجين لاداء الخدمات الروحية أفضل أستجابة لمتطلبات العصر وظروفه مع بقاء خيار العزوبية للشخص الذي يرغب من كلا الجنسين طالما هو قرار شخصي ويرى أنه بأمكانه السيطرة على رغباته الفطرية، واذا انحرف لاسباب ذكرتها اعلاه ،ان لا تتهاون الكنيسة معه بل يُفصل ويُجرد من سر الكهنوت مثلما يُجرد العلماني من سر الزواج أي بطلان زواجه .
ماهي الوظائف المتوقعة من زواج الكهنة؟
انها طريقة واقعية وعملية للحد من انحرافات الكهنة ، وهنا أقول الحد وليس القضاء ،لعدم وجود قضاء تام على أية مشكلة نفسية أو أجتماعية طالما هناك النسبية والفروق الفردية.وتعويض النقص في عددهم في ظل متغيرات مجتمعنا المعاصر.
يعد الزواج عامل اساسي للاستقرار النفسي والاجتماعي للانسان طالما يحقق له أشباع غرائز طبيعية علاوة على المشاعر الجنسية ،عاطفة الابوة ، والحنان،اثبات الذات، التكامل مع الجنس الاخر. فبدلا من أن يبحث على وسائل بديلة لاشباعها وقد تكون انحرافية بعد ضمور التسامي، فالاسرة هي بيئة مثالية ومستقرة لاشباعها.
الاسرة التي يكون الكاهن فيها عضواً تكون بمثابة مدرسة أجتماعية له ،فهو يكتسب خبرة في المجال الاسري الذي لايمكن العازب حصولها ميدانياً وممارسة.وثم يُسخر هذه الخبرة في تقديم المشورة ومساعدة الاسر المضطربة والمفككة .كما يكون أكثر استعدادا لتهيئة المخطوبين في دوراتهم الكنسية من غيره.فما يتعلمه الكاهن العازب عن شؤون الاسرة نظرياً ليس كما يتدرب عليها المتزوج.
هل ستعيق الاسرة عمل الكاهن الروحي ؟
غالباً ما يكون أعتراض الكنيسة بدرجة الاساس ،او بعض العلمانيين وهم قلة ،اذ تُشير نتائج استطلاع راي العلمانيين حول زواج الكهنة الى 85% في بعض البلدان الاوربية بالتأييد الكامل.يدور الاعتراض حول قصور الكاهن المتزوج من اداء واجباته الروحية تجاه الرعية ،لان الاسرة تأخذ حيزاً كبيراً من مجهوده، ولان واجبات الكهنة والاساقفة جسيمة جدا وهامة ومسؤلياتهم كبيرة ومتعددة وعليه ان لا يشتت جهده لرعاية اسرته.
أعتقد لو أجرينا المقارنات بين الحالات المتشابهة لنصل الى نتيجة ايجابية لصالح الكاهن او الاسقف المتزوج. وفقاً لمبرر المسؤوليات الجسيمة ،يعني على كل شخص له مسؤليات في المجتمع ان لايتزوج والا اسرته تُشتت جهوده!! هل مسؤليات الاسقف او الكاهن هي اكبر من رئيس الدولة او الوزير او الطبيب او المهندس او الاستاذ الجامعي ؟في رايي ومنطقياً واجبات الاسقف والكهنة لاتساوي الا جزء بسيط مما ذكرت اعلاه. كم من الاساقفة يقضون اوقاتهم للساعة الحادية عشر في مكتبة الجامعة والمختبر للبحث والدراسة لاجل خدمة البشرية ،كما يفعل الاستاذ الجامعي ؟بلد ومهما تكون طبيعته برمته تحت مسؤلية رئيسها وقد يصل نفوسها الى مليارات.او الطبيب الجراح الذي يُطلب منه احيانا اجراء عملية اضطرارية بعد منتص الليل او يقوم باجراء ثمان عمليات لانقاذ البشر؟بمعنى هؤلا على سياق العادة التبريرية للكنيسة يُمنع زواجهم.فاذن هذا مبرر لا قيمة وسند علمي له.
وهلم نقارن الحالة مع كهنة في الماضي وكهنة المتزوجين في الكنائس الشرقية .الكثير منا هم احفاد كهنة ادوا رسالتهم الروحية في قراهم اذ اغلب الكنائس خدم فيها المتزوجون. كان جد والدي كاهناً وابن لكاهن ايضاً والان عشيرتنا التي سميت باسمه"رابي" يتكون تعدادها بالمئات ، وهكذا في كل القرى المسيحية ،ولا تزال الكنائس الشرقية على هذا المنوال. فاين هو الضرر؟يتحملون مسؤليات الرعية الروحية واسرهم واذا حدث اي قصور حينها يتعرضون للعقوبة وفقاً للقوانين الكنسية.
وهكذا لو قارنا الاعمال والنشاطات الجدية والكبيرة التي يُكلف بها العلمانيين من الجنسين في خدمة الكنسة وهم متطوعون ورغبة منهم لنرى تُضاهي اعمال بعض الكهنة العزاب، وهذا ما نلاحظه ميدانياً في كنائسنا.
فالانتقاص من الكاهن المتزوج من قبل العزاب منهم هي عملية اصغاء اللامعقول على المعقول ،هي الية نفسية للدفاع عن النفس امام ابناء الرعية لتقديم نفسه انه بتول وليس كالكاهن المتزوج وكرس نفسه من اجل العمل الروحي فقط ،لكن في الحقيقة لا فرق بينهما،لان كلاهما لايقصران بعملهما الروحي ،لا بل المتزوج أكثرحرصاً واستقراراً من غيره .وهذه ممثالة لحالة الاكليروس المتقدم بالسن وله سلطة كنسية ويقف بشدة امام مشروع السماح للكهنة الزواج قبل رسامتهم لمن يرغب،بل يتصلب في رايه عن الزامية وفرض العزوبية للكاهن تحت مبررات لاتعود للعقيدة صلة انما هي لاغراض ادارية ضبطية .وتصلبه هذا لا مبرر له وانما هي الية نفسية اسقاطية ،اي ليكون الاخرين مثله!!
شكرا لقراءة الموضوع
كندا في 23/01/2020     
 رابط مقال الاب نوئيل السناطي
http://saint-adday.com/?p=36018


31
                           مهزلة المواقف المُخجلة وغير المسؤولة
                                  لنواب الكوتا المسيحية
د . عبدالله مرقس رابي
                                ظهرت في الاونة الاخيرة بعض التصريحات غير المسؤولة والمثيرة للسخرية والمُخجلة من قبل من يمثل المسيحيين في البرلمان العراقي تعبر عن مواقفه ومطاليبه .أما لماذا وصفتها بهكذا مواصفات ؟ فالجواب سيتبين ادناه .
بات معروفاً على الصعيد المحلي والاقليمي والعالمي حدوث فجوة كبيرة جداً بين الشعب العراقي وعناصر السلطات الثلاث المتورطة بالفساد بشتى انواعه منذ أندلاع الاحتجاجات الشعبية التي يقودها الشبان الذين عانوا الكثير من وجود الاحزاب السياسية الحالية وأخص بالذكر الدينية التي تحكمت وتداولت السلطة بين قياديها الفاشلين منذ سقوط النظام السياسي السابق عام  2003 .لعل أبرز العوامل التي أدت الى فشل هذه الحكومات هي الدستور الذي وضعته لجنة مشكلة منهم ليتضمن مواد متناقضة ويرسخ نظامهم الاداري والسياسي الطائفي والمحاصصة في توزيع الادوار في السلطات الثلاث، مما جعلها عبارة عن بؤر ادارية موزعة على الاحزاب الطائفية بعيدة عن الولاء الوطني العراقي الذي يقره الشعب. وعليه كانت النتيجة ،انها حكومات ومجالس نواب وقضاء عبارة عن دمى تحركها قوى أقليمية وفقاً لمصالحها الطائفية.
أفرزت هذه الحالة مشاكل متعددة على كل المستويات والاحجام وبمختلف الانواع وفي شتى الميادين  في المجتمع العراقي ،حدث الكساد الاقتصادي، فزاد الفقر والبطالة والانحراف والفساد والجريمة بأنواعها، السلب والقتل وانتهاك الممتلكات والبغاء والسرقات والتشرد واستغلال الطفولة والمرأة. أنتكاسة واضحة في المجال التعليمي بمختلف المراحل، تدمير البنى التحتية في المجتمع، فقدان الامن لضعف القانون. أنتشار الفساد الاداري المتمثل بالتزوير والرشوة والابتزاز والمحسوبية والاحتيال والاختلاس ولدى اعلى السلطات في البلد بدليل بسيط من أين لهم هذه الاموال الضخمة التي لم يمتلكوها قبل تسلم مناصبهم.. على اثر هذه الظروف قرر الاف العراقيين الهجرة الى الخارج وكان النصيب الاكبر للمسيحيين في مغادرة البلاد.
بعد ستة عشرة عاما على هذه المهزلة والحالة الشاذة لسلطة الحكم في العراق ،نفذ صبر الشعب العراقي الخير الوطني ،فخرج الشباب الى الساحات يطلقون شعارات تعبر عن الولاء للوطن ونبذ الطائفية والولاء لقوى الاقليمية، وينادون لرحيل هؤلاء المتسلطين والمتمسكين بزمام الامور والسلطة في البلد، خرجوا للتعبير عن معاناتهم المختلفة بطرق سلمية واصلاح المجتمع العراقي، الا ان السلطات الفاسدة الحالية أستخدمت كافة الوسائل الدموية لتشتيتهم والقضاء على ثورتهم الهادئة السلمية ، من اطلاق الرصاص الحي وغازات مُسيلة للدموع ومؤذية للأعصاب، والخطف، والحجز ،وابشع وسائل الترهيب التي تنافي قواعد حقوق الانسان العالمية بكل مقاييسها ضد الناس المسالمين، وعلى أثرها سقطوا العديد من الشهداء والجرحى والمفقودين والمعاقين.   
ماقدمته صورة مقضبة للظرف العراقي الحالي ،ولكن ماهو موقف أعضاء الكوتا المسيحية في البرلمان العراقي اليوم ؟
من يمثل المسيحيين باثنياتهم الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان اليوم في البرلماني العراقي ومن هم في المناصب العليا في الدولة، من وجهة نظري هم جزء من المنظومة الادارية والسياسية للسلطة الفاسدة في العراق. ليس بمقدوري أخلاقياً اتهمهم بالتورط في الجرائم، لكن لايختلفون عن غيرهم في غاياتهم لنيل مناصبهم لتحقيق منافعهم ومصالحهم الشخصية والصعود على أكتاف أبناء الاثنيات الثلاث والدلائل متعددة لهذا الوصف والتحليل لغاياتهم منذ وجودهم على الساحة السياسية .فهَمهم الوحيد هو الكرسي والالتصاق به والصراع عليه ،وما حالات التسقيط القائمة بينهم الا برهان دامغ على الحالة ،فكلنا نعرف التسقيطات الاعلامية التي حدثت بينهم كلما يقترب موعد الانتخابات بالرغم من أن بعض أحزابهم تعمل على نفس الفلسفة والايديولوجية في العمل السياسي لتحقيق الاهداف .انهم ضمن هذه المنظومة الفاسدة ولا يستوجب مجاملتهم طالما هم متمسكون بمناصبهم ومواقفهم الهزيلة ولم يحركوا ساكناً مع السياق الفكري والعملي للشعب العراقي والمسيحيين جزء منه. ففي تصريح أطلقه "يونادم كنا" لوكالة أنباء"براثا". رابط 1
   نلاحظ بوضوح أن اللغة المستخدمة في التصريح لا تختلف مفرداتها وصياغتها وفلسفتها عن اللغة التي يستخدمها المسؤولين الاخرين في الدولة ، فالتصريح من البداية والى النهاية هو جملة عبارات أطلقها للسخرية من المتظاهرين، كانما المتظاهرين لا عقول لهم ليحللوا ما في جعبته، اذ جاء:
 (وقال رئيس الكتلة النائب يونادم كنا في حديث صحفي إن "البرلمان والقوى السياسية جادة في محاولة إجراء الإصلاحات وتلبية المطالب الشعبية، ومن بينها اختيار شخصية لشغل منصب رئيس الوزراء تنطبق عليه المواصفات الوطنية) بمعنى أن الحكومة العراقية والبرلمان والقوى السياسية لمدة خمسة عشرة عاما لم تكن جادة في الاصلاحات وانما خدعت الشعب العراقي ولم تسع لشيء يحقق مصالح البلد والشعب، بل لتحقيق منافعهم الخاصة. كما أن رؤوساء الوزراء لحد هذا اليوم لم يكونوا وطنيين بل رجعيين مرتبطين وتابعين لاجندات خارجية أقليمية. والا لماذا أختيار الحالي سيكون وطني؟!! 
وتابع (أن الحكومة مطالبة بالحزم في معالجة حالات الفوضى، لكن بنفس الوقت فان المتظاهرين السلميين عليهم تفويت الفرصة على المندسين وأن ينسحبوا من ساحات التظاهر بالتزامن مع أعياد الميلاد لأسبوع أو اثنين لفرز الجهات المندسة والعودة بسلمية حقيقية). كل هذه التضحيات الجسيمة بالنسبة الى المتظاهرين السلميين ويناديهم للانسحاب من ساحات الاحتجاج ،غريبة هل سيصدقوه المتاظهرون؟ أ ليست خدعة أخرى وتعبير عن فشل الحكومة والبرلمان الذي هو جزء منه . وسؤالي الى "يونادم كنا" أ ليس بأمكان هذه الحكومة الجبارة التي ميزانيتها مليارات الدولارات قادرة على حماية المتظاهرين من المندسين ومكافحتهم ؟ أين الاجهزة الامنية والدفاعية؟ وهذا برهان وشاهد من أهلها ،ان الدولة الحالية غير قادرة على حماية مواطنيها، ولكن هذه ليست الحقيقة ،بل أن الميلشيات الحزبية بمباركة أيرانية هي التي تقوم بواجب زج المندسين كمحاولة حكومية سياسية لترهيب المتظاهرين لعلهم ينسحبون، هذا ما يؤكده المتظاهرون أنفسهم كشهود عيان. وأخيرا يؤكد:
(سنعمل من أجل تحقيق جميع المطالب السلمية بعيداً عن الفوضى التي يحاول خلقها المخربون والقتلة وأصحاب الأجندات الخارجية)،ومرة أخرى ، نسأل :أين كنتم طوال خمسة عشرة عاماً؟ لماذا انتظرتم لكي تصل معاناة الشعب العراقي وأخصهم الشباب الى هكذا حالة ؟كما أن لغتكم هذه عن المؤامرة الاجنبية الخارجية ،أ ليست لغة الفاشلين لتبرير فشلهم في تحقيق الاهداف والنجاح في خدمة الوطن ،هذه نسمعها ونقرأها لكل حكومة أو حزب سياسي فاشل لتبرير مواقفه. وماذا تقول عن التدخل الاجنبي الايراني الواضح، أ ليس تخريبيا أم تعتبرونه هذا لاستقرار العراق؟
وهذا هو رد  الفعل والاستجابة لندائك تراه على الرابط أدناه 2(في بيـــان "معركة الاصلاح "... متظاهرو ساحــة التحرير يدعون للخروج بمظاهرة مليونية في كافة محافظات العراق من شماله الى جنوبه)

 ومن المفارقات الهزلية والتي تؤكد أن ممثلي الكوتا المسيحية هي بعيدة كل البعد عن الواقع العراقي الحالي هي مطالبة لجنة أعداد الدستور بأدراج السريان في الدستور العراقي. رابط3 رفعتها ممثلة كتلة "بابليون في البرلمان" بيداء خضر السلمان" نعم لا أحد يعترض على هذا المطلب فهو مشروع جداَ لتكتمل درج الاثنيات الثلاث في الدستور العراقي وارجو ان لا يفهمني خطأ الاخوة السريان، اذ لا أقصد في ذلك المهزلة ، بل قصة الفقرة الثانية في مطالبة أعادة صياغة المادة 125 من الدستور التي يؤكد المطلب فيها على حذف الواوات ؟ لماذا الرجوع بنا الى المربع الاول.
وما هو أثر الواوات ، طالما أن ذكر الاثنيات الثلاث موجود كتحصيل حاصل كدلالة أنها موجودة على ارض الواقع .حذف الواوات من وجهة نظري هي محاولة ألغاء خصوصية الاثنيات الثلاث والنيل من مشاعر الافراد ،ألغاء أقوى مقوم لاعتبار جماعة بشرية أنها أثنية ما، وتقره الامم المتحدة وأهل الاختصاص ( الشعور بالانتماء) .هناك تراجع فكري لمن يؤكد على الارض والتاريخ المشترك والدم المشترك كمقومات اساسية لاعتبار مجموعة بشرية انها اثنية ،كلها لا معنى لها دون أن ينتاب الفرد في الجماعة الشعور للانتماء.
 اليوم الكلدانيين والاشوريين والسريان ليست ارضهم مشتركة فمنهم من يعيش على ارض الاجداد وغيرهم على ارض امريكية واخرى استرالية واوربية وكندية ،وليس تاريخهم ونمط حياتهم موحد ابداً فمن يعيش من ابناء الاثنيات الثلاث في العراق وسوريا يعيش حياة مشحونة بالصراعات مع الاخرين ،في حالة الخوف وعدم الاستقرار والاستحواذ على حقوقهم من قبل الاغلبية ،يفتقدون الى أبسط وسائل الراحة والخدمات والامان ،بينما الذين يعيشون في البلدان المتحضرة يتمعون بحياة يسودها الاستقرار والراحة والامان وكافة الحقوق كما هي للاغلبية في هذه البلدان ،لا تعرف الاجيال الحالية من الاثنيات الثلاث الغالبية العظمى منهم شيئأً عن تاريخ الاجداد وأمبراطورياتهم بينما يدركون تاريخهم الجديد في أماكن أقامتهم.، فأين التاريخ المشترك ؟ وأن كانت اللغة المؤشر الاساسي لمجموعة بشرية لتوحدهم كأثنية ،ايضاَ بالرغم من أهميتها القصوى، أصبحت غير قادرة على ربط الافراد ، فالعديد من الكلدان لا يتحدثون الا العربية أو الانكليزية عند الاجيال الحديثة وهكذا بالنسبة الى السريان ،وأيضاً بالنسبة الى الاجيال الحالية للاشوريين لا يتقنون نفس اللغة التي اتقنها الاباء والاجداد بتاثير لغات بلدان الاقامة والعيش.هكذا أذن، لايبقى غير ( الشعور بالانتماء) وهو الذي يوحدنا فالكلداني يوحده مع غيره في مختلف أنحاء العالم هذا الشعور بالرغم من الاختلاف في المؤشرات الاخرىن وهكذا بالنسبة الى السرياني والاشوري.انما مقومات الارض والتاريخ والدم بحسب الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية بدأت للاجيال الحالية بمثابة أسطورة.
ليسعى ممثلوا الكوتا الى وضع صيغة لتقدير وأحترام خصوصية ومشاعر الافراد لكل أثنية .كما لا يحق لهم أقرار هكذا مسائل والنظرة اليها الا في ضوء استفتاء شعبي للاثنيات الثلاث فكل فرد هو الذي يقرر ما يسمونه وليس حزب سياسي او عضو في البرلمان.
والغرابة في هذا المطلب انه مقترح مقدم من كتلة بابليون الذين لا يساومون على خصوصية أثنيتهم الكلدانية، كما هو ممثل كتلة الكلدان "هوشيار يلدا" الذي ساندته في الحصول على الكرسي البرلماني مؤسسات واحزاب كلدانية سياسية لا تساوم على خصوصية كلدانيتها، كان أقل أحتمال الرجوع الى تلك الجهات أو الى الخبراء. فما الذي جرى وراء الكواليس يا ترى.
بدلا من أن يطالب ممثلوا الكوتا بتحسين الوضع المعاشي للشعب العراقي والقضاء على المعاناة والفساد وترسيخ الفكر الوطني في ظل عراق واحد ،وبدلا من تفقدهم لاحوال المسيحيين في قراهم المحررة من داعش للوقوف على مطالبهم وتحسين مستوى حياتهم وتحقيق متطلبات الاستقرار والامان والحد من الهجرة وبدلا من تأكيدهم على المواد الدستورية المجحفة بحق المسيحيين مثل أسلمة القاصرين والمطالبة بالكف عن الاستحواذ على ممتلكات المسيحيين في بغداد واماكن اخرى، وكما وضح الكاتب القدير(كوهر يوحنان عوديشو ) في مقاله عى الرابط أدناه4. رفعوا مطلبهم عن التسمية كأنما كل مشاكل المسيحيين ستحل لو رُفعت الواوت . يا المصيبة !!! ومتى  في وقت خرج الشعب العراقي ومن ضمنهم المسيحيين يقولون لا للطائفية ، لا للاثنية ، لا للمحاصصة ، بل للعراق ، للوطنية ، للشعب الواحد، للاصلاح، لتحسين مستوى المعيشة ، لتحقيق الامان والاستقرار.
وعليه الافضل لو كان مطلبهم في ظل هذه الظروف هو أعادة صياغة المادة125 دون ذكر للاثنيات والقوميات بل تؤكد المادة على ضمان الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية لكافة أفراد الشعب العراقي. فالدستور الذي يتضمن في مواده شيء عن القومية والدين لهو دستور يرسخ مفاهيم عنصرية شوفينية تحفز للصراعات بين أبناء البلد الواحد.الدساتير في البلدان المتحضرة ترسخ المفاهيم الوطنية.
أ ليس أخي القارىء ممثلوا الكوتا في وادِ والشعب العراقي في وادِ آخر؟ أيهما أفضل للمسيحيين ولكم ،أن تعيشوا في ظل بلد يقر دستورها بالوطنية وتسمية واحدة "عراقيون" ومساواة في الحقوق ومنح الفرص في العمل بحسب الكفاءة والقدرة ،ونبذ الطائفية والمحاصصة أم في ظل السلطة الحالية التي ترسخ الطائفية والاثنية والمحاصصة ليستحوذ عليها الاغلبية والاحزاب الدينية التي تعمل وفق التشريعات الدينية ؟
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,960030.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,959787.0.html
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,960194.0.html
http://www.ankawa.com/forum/ind

                       

32
                                   رأي في التظاهرات العراقية
                             في ضوء اللقاء مع المحامي "ظافر نوح"
                                         من موقع الحدث
  د. عبدالله مرقس رابي
                      لتسليط الضوء على أنتفاضة الشعب العراقي الحالية في بغداد والمحافظات الجنوبية، اعتمدت على المعلومات التي وُردت مباشرة من أحد المتظاهرين المعروفين الذي نزل الى الساحات من اليوم الاول مُشاركاً ومتابعاً ومعتصماً في خيمة المحامين لما يجري على الارض، وهو الاعلامي والناشط الحقوقي المحامي "ظافر نوح" رابضاً مع المتظاهرين في ساحة التحرير حيث موقع الحدث. من خلال المقابلة التي أجراها معه الاعلامي "فوزي دلي " من أذاعة "صوت الكلدان" في ولاية  مشيكن الامريكية. وكانت التغطية المعلوماتية له على أثر الاسئلة الشاملة والدقيقة التي طُرحت عليه.
وصف ضيف أذاعة صوت الكلدان من موقع الحدث التظاهرة: أنها تظاهرة الشعب العراقي بكل أطيافه خرجوا الى الساحات مطالبين بحقوقهم والقضاء على الفساد الاداري ومحاسبة الفاسدين في الحكومة العراقية، تظاهرة سلمية انطلقت في الاول من تشرين الاول بحماس كبير وأندفاع لا مثيل له، تجمعهم كلمة رائعة ومُهيبة هي "العراق"التي بترددها أسحقت الطائفية المتخلفة التي أوقعت البلاد في أتون لا خروج منه الا بمناداة "نحن عراقيون". وشعارهم " الوطن" وتحت راية واحدة موحدة"العلم العراقي" لا راية الميلشيات والاحزاب السياسية الطائفية.
وصفها "نوح" انها حلم ومعجزة ،اذ لم يتوقع أحد ،وحتى المحللين السياسيين أن يحدث أحتجاج عارم وبهكذا قوة ضد الحكومة. بل الحكومة نفسها توقعت أنها ستكون مؤقتة وتتفرق بسهولة ،الا ان الاعداد تتزايد يومياً الى أن وصل المليون شخص من شباب من كلا الجنسين ومختلف الاعمار ومن كل فئات الشعب. يقول: هي الثورة من أجل حياة أفضل، وانعطاف كبير في تاريخ العراق اليوم. ثورة ضد الحكومة التي أنتكست في تحقيق العيش الملائم للشعب العراقي، التي أخفقت في تحقيق أبسط الخدمات،وهي ضد الاحزاب السياسية الطائفية التي وضعت الدستور ولم تطبقه.
متظاهرون تجمعهم فكرة واحدة هي مطالبة بالحقوق والعيش الرغيد، ثورة رافقها التغيير في العقلية العراقية، تغيير في عقلية الانسان العراقي، فبدلاً من الطائفية ،الرغبة الجامحة في التعايش السلمي بين مختلف مكونات النسيج العراقي تحت مفهوم "الوطن" وراية واحدة هي راية العراق.وهذا يعد أول أهداف الثورة ،واول انجازها،التحول في العقلية للشعب العراقي.ولهذا كانت صدمة للسلطات ،كيف حدث هذا ولم يتوقعوا من شباب اليوم هكذا أندفاع للمطالبة باصلاح النظام السياسي ،وتطبيق الدستور،لا للمحسوبية ولا للعشائرية ،ولا للطائفية، انما الالتزام بالضمير والانسانية ،عليهم أن يعوا انهم في وطن.وليس من بين المتظاهرين مندسين وحاقدين كما يُروج.
ردة فعل الحكومة
توقعت السلطة بأن التظاهرة ستنتهي،ولكن بعد استراحة أحتراما لارواح الشهداء،انطلق مُجدداً المتظاهرون بكل اطياف الشعب العراقي،وكان ذلك العدد مفاجأة للحكومة.وعلى أثر هذا الاصرار من الشعب بدأت مقاومة الحكومة لهم ، فتعرض المتظاهرون يومياً الى غازات مُسيلة للدموع ، وأُغمي عليهم  العديد منهم، وبعض حالات الاختناق ،وقد وصل أحد الايام عدد القنابل الى 400 قنبلة. وأستخدمت الغاز الثقيل الخارق للجمجمة ،وقد جمعنا الظروف الفارغة لتلك القنابل للتعرف عليها واجراء التحقيق لكشف عن هذه المادة التي عرفنا أنها ليست قنابل مُسيلة للدموع، وهي غريبة ومن الصعب التعرف عليها، ونحن كمحامين قدمنا الشكاوي لمنظمات دولية للاجراء اللازم.وقد توقف اطلاق القنابل أثناء زيارة ممثلة الامم المتحدة في العراق في ذلك اليوم ، انما في الليل أطلقوا على المتظاهرين مادة الكبريت. في البداية تخوف المتظاهرون  للاعراض التي سببتها هذه القنابل ،ولكن تدريجياً تشجعواوأستمروا بأحتجاجهم وأطلقوا على هذه الغازات " عطر الابطال" فأُطلقت هتافات "أضربونا بعطر الابطال".أضافة الى انتشار اشخاص ملثمين لتهديد وترهيب المتظاهرين.وكل هذا لايثني من عزيمة المتظاهرين بدليل أن عددهم يتزايد يومياً.بالرغم من وصول عدد الشهداء لحد هذا اليوم 200 شهيدا والاف من الجرحى والمعتقلين.
أما سلمياً كانت ردة الحكومة أصدار بعض البيانات التي لم تلتق مع مطاليب المتظاهرين، بل انكشف امامهم أن الحكومة تخدعهم، فكيف مضى على حكومة عبدالمهدي سنة كاملة دون توظيف شخص واحد ،ولكن في بيانه أكد على توفير الان 12 الف وظيفة.وقد أدرك المتظاهرون ان هذه التصريحات ليست الا للالتفاف حول حقوق الشعب ،وعلى أثرها فقدت المصداقية وتُعتبر محاولات تخديرية. لم يطلب المتظاهرون تنازلات من الحكومة،ولكن عليها واجبات ،كما للشعب حقوق.بل مطاليبهم هي نظام جديد للاحزاب، وان لا تكون الدولة مؤسسة مبنية على حساب المذهبية والدينية والعشائرية،انما الالتزام بالقانون وتطبيق الدستور والانسانية .وليس للحلول الترقيعية.
 ويضيف قولا: لا يوجد لقاء بين الثوار والحكومة، فالسلطات الثلاث مصدومة ،ليس لهم خطاب ليعلنوه وليس لهم جواب. ويعرفوا جيداً ان الشعب مصدر السلطات بحسب الدستور المادة الخامسة، جاء بهم الشعب،ومن حقه أن يغيرهم طالما لم يححقوا شيئاً له.وعليهم أحترام أرادة الشعب العراقي.فالخطأ ليس على الارض ،أنما الخطأ عندهم.
الحياة اليومية للمتظاهرين
  يقول المحامي المعتصم" ظافر"  بالرغم من الاعداد الغفيرة جداً من المتظاهرين،هناك تعايش بينهم سلمياً ومشاعر موحدة لان هدفهم واحد. وتجاوب الشعب لاستمرار التظاهرة قائم.والشعب يمول نفسه، كالتبرع بالماء والاكل الذي يتم تحضيره في البيوت، ونقل المتظاهرين الى ساحات الثورة ، فاشتهر أصحاب "التكتوك" التي كانت منبوذة ورُوج لمنعها قبل الثورة من قبل الحكومة ،وقد أستخدمها أصحاب المدخولات المتدنية للتنقل ،انما اصبحت اليوم رمز للثورة فسواقها هم أصحاب فضل للمتظاهرين،أذ نقلوا المصابين الى المستشفيات والمتظاهرين الى ساحات الثورة ،فأصبحوا قادة الثورة بدلا من طبقة مسحوقة.
وهناك من يتبرع لتوفير الادوية وبعض الحاجات الاخرى للمصابين ومنهم جمعية "سان جود "الكلدانية وقدم البطريرك الكاردينال ساكو وفريقه من الاساقفة الى ساحة الثوارحاملا معه الادوية واحتياجات أخرى للمتظاهرين،وكان حضوره داعماً ومحفزاً لهم ووجوده يعد رسالة بأنه احتجاج وطني،وقد عبر المتظاهرون عن فرحتهم وأعتزازهم به.( هكذا ينقل الاعلامي المهني بشفافية الخبر بدون تأويلات شخصية عن الحدث والسلوك ، ودون أن ينعت الانسان بصفات لايمكن كشفها عن الشخصية الا من قبل الباحثين الاجتماعيين والمختصين بالصحة النفسية من خلال دراسات معمقة وقياسات علمية لهذا الغرض .اذ ظافر نوح، هو اعلامي مهني خريج كلية الاعلام ،جامعة بغداد قبل أن يكون محامياً ويمارس كلتا المهنتين بشفافية وحيادية. وهو مع المتظاهرين حالياً للتوعية بحقوق الانسان والتأكيد على سلمية الاحتجاج ومساعدة اًلمصابين ).
ومن بين المتظاهرين أطباء وصيادلة وطلبة الكليات الطبية والصيدلة، يقدمون ميدانياً أفضل الخدمات لانقاذ الجرحى، فقبل نقل المُصاب الى المستشفى، يجرون عمليات التنفس الاصطناعي لتفادي الاختناق، تزويدهم بالمغذي ووقف النزيف. وقد طلبت الحكومة منهم عدم القيام بهذه الخدمات في ساحات الاحتجاج وهُددوا بطردهم من كلياتهم، لكن يزدادون أصراراً لتقديم خدماتهم الانسانية. كما لا يقصرن النساء والشابات في تنظيف ساحات الاحتجاج وتقديم المساعدات للمتظاهرين ،وهي حالة نفتخر بها ،حالة تقدم لنا  صورة عراق موحد تضامني وحالة من العيش المشترك.
هكذا هي الحياة اليومية للمتظاهرين وتفاعلهم اليومي،وهم شبه معزولين عن العالم الخارجي كما عبر عن ذلك ضيف الاذاعة لعدم السماح للاعلاميين وممثلي المؤسسات الاعلامية لتغطية الاحداث ومنعهم من الدخول الى ساحات الثورة واللقاء مع المتظاهرين. بينما يدخل بعضهم بخفية عن الانظار ويخافوا من كشف الحقائق.
يمكن الاستنتاج مما قدمه الاعلامي والحقوقي "ظافر نوح" معتصماً من موقع الحدث عن التظاهرات الشعبية العراقية ضد الحكومة القائمة أنها:
تحرك شعبي لتفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في البلد منذ عام 2003.وعدم وفاء الحكومات المتعاقبة بالوعود التي أطلقتها للاصلاح وتقديم الخدمات وتوفير مستلزمات العيش الانسانية والقضاء على الفساد،وتجاهلت السلطات مطالب الشعب وأنشغلت بتوزيع المناصب والصراع عليها من قبل الاحزاب السياسية الطائفية.
أدرك الشعب العراقي الحقائق ،حقائق العمل السياسي الحالي بأنه غير مجدي ،وبالرغم من تغيير الوجوه القيادية ،الا ان السلوك واحد والفكر نفسه لايتغير،فتولدت قناعة عنده بأن النظام السياسي الحالي الطائفي والذي يتخذ من المحاصصة في ادارة دفة الدولة لابد أن يتغير،فكل ما تؤديه الحكومات من محاولات ما هي الا ترقيعية ،والا لماذا يستمر الفساد في كل مؤسسات الدولة من القاعدة والى القيادة، ولم تُعالج ظاهرة البطالة، وعدم توفر الخدمات الارتكازية التي تعد من اولى واجبات الحكومة.
على أثر هذا الاسلوب السياسي والاداري المُتبع ،فقد الشعب العراقي الثقة بالسلطات الثلاث،وعدم المقدرة في التحكم بالاحداث لتحقيق الاستقرار والعيش الرغيد بالرغم للعراق ثروات طبيعية وبشرية تجعلها من الدول الغنية والمتقدمة.
ثارت الجموع الشبابية ولحقتهم أطياف مختلفة من الشعب ،من مختلف الاعمار والجنسين،ومن مختلف المهن والطبقات الاجتماعية والطلبة من مختلف المراحل الدراسية وكل مكونات النسيج العراقي ومن كل قوى التيار الديمقراطي،نعم الشيعة أعدادهم كثيرة وهذه حالة طبيعية لتفوق عددهم ،وهذا لا يعني أنها تظاهرة شيعية ،ففي بغداد كل المكونات المذهبية .والدليل على أنها ليست كذلك، وحدة هتافات المتظاهرين  من اليوم الاول حيث أطلقوا شعار "العراق" ونحن عراقيون ونحن هنا من أجل الوطن وانقاذه ووحدتهم في رفع راية واحدة هي " علم العراق" وليست ألاعلام والرموز الطائفية كما تعمل الاحزاب السياسية الدينية وميليشياتها.
هدفها واحد هو المطالبة بحقوقهم وحاجاتهم التي على الحكومة توفيرها،ولوحدة الهدف تميزوا بالعقل الجمعي الذي وحد سلوكهم التعبيري ومشاعرهم في التظاهرة. تجاوز تجمعهم حدود الطائفية المذهبية والاثنية المتخلفة التي أوقع وجودها البلد في مأساة اجتماعية وأقتصادية وسياسية تاريخية لا مثيل لها في التاريخ العراقي المعاصر.وقد يكون عدم وقوع هذه المظاهرات في المحافظات ،الانبار ونينوى وصلاح الدين  ومحافظات أقليم كوردستان،للظروف التي تمر بها حالياً لانها توا خرجت وتخلصت من حرب مدمرة لسيطرة داعش عليها حقبة من الزمن فانهكت وهي في حالة التعافي مما خلفته الحرب ولها مشاكلها الاستقرارية، واما اقليم كوردستان له خصوصيته في الحكم والحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويكفي ان المتظاهرين موحدون تحت راية العراق.
قيام هذه الثورة يعد رسالة واضحة للعالم أن حكومة العراق غير صالحة وليست وطنية، وان ولائها ولاء حزبي وطائفي متخلف وتقودها دول الجوار وتوجهها بحسب مصالحها ،لا تعرف القانون وتطبيقاته في ادارة الدولة والمجتمع. فهي ثورة ضد التدخل الاقليمي والطائفية والمحاصصة والفساد بأنواعه.
وهل ستحقق النجاح ثورة الشعب العراقي؟
النجاح مرهون بعوامل متعددة ،منها:الاصرار والاستمرار بالاحتجاجات السلمية ،مساندة الجيش العراقي وان لايبقى متفرجاً فهو لحماية الشعب وصيانة حقوقه،انضمام أعضاء النواب البرلمانيين مع المتظاهرين ولا يبقون متفرجين فالشعب الثائر رشحهم ليمثلونه، بتر يد ايران من التدخل بشؤون العراق السياسية، مساندة الامم المتحدة واتخاذ الاجراءات الميدانية وليس الاكتفاء بالتنديد، مساندة الدول العظمى للمتظاهرين.وأخيراً تشريع قوانين لاتجيز بتاسيس احزاب سياسية على اساس المذهبي أو الطائفي أو الاثني.
مع كل التمنيات للشعب المتظاهر الذي يسعى لتحقيق الكرامة، النجاح،وشكرنا للاخ المعتصم ظافر نوح لما قدمه لنا من معلومات من موقع الحدث كما نشكر طاقم اذاعة الكلدان في مشيكن والشكر للاخ فوزي دلي..     

33
                          فكر البطريرك ساكو بين النظرية والتطبيق
                         في ضوء مقالتيه الاخيرتين عن دور العلمانيين
د. عبدالله مرقس رابي
                            طرح غبطة البطريرك الكردينال لويس ساكو أفكاراً مهمة عن دور العلمانيين في الكنيسة في مقالتيه الاخيرتين في سلسلة موضوع السبت.رابط 1و2 أدناه. حفزتني تلك الافكار لارجع وأكتب عن هذا الموضوع ثانية بعدما اصبح من المواضيع المستهلكة اعلامياً لكثرة ما كُتب عنه من قبل المهتمين والمتابعين قبل أشهر. وانما سأحاول هنا الربط بين ما طرحه وأمكانية تطبيق تلك الافكار ميدانياً من قبل من وُجهت أليهم الكلمة، والمعنيين الاساقفة والكهنة بالدرجة الاساس. أي التساؤل، أين تقع هذه الافكار بين النظرية والتطبيق ولماذا؟ من مراجعة تلك الافكار، يتبين جلياً، أن غبطته قد تأثر أيجاباً وأستجاب لما كتبته وكتبه غيري من الكتاب المهتمين عن هذا الموضوع بدليل التوافق في الافكار المطروحة، وأنما جاء التعبير باسلوب ولغة قد تختلف عن محاولاتنا السابقة. وهذا ما سيظهر في تحليل التساؤل الذي وضعته.
جميل جداً ما جاء في مقاله الاول مفاداه(راج الحديث بعد قسطنطين الملك الروماني 272- 337 م وخلفائه الحديث عن فئتين : فئة أعلى الاكليروس"الكمال البتولي" وفئة أدنى ،العلمانيون )وأكد قولاً( هذا تفكير فئوي وليس انجيلياً ولا مسيحياً، فكل مؤمن يتمتع بنفس كرامة أبناء الله ومدعو الى نفس القداسة).هذا ما يريده العلماني ويصبو اليه غبطة البطريرك الموقر،لا للفئوية ،لا للقداسة المطلقة للاكليروس التي تبرر السلطة المطلقة لهم فكل مؤمن مدعو الى نفس القداسة ويتمتع بها كما تفضلت في كلمتك. بل نحو العمل الجماعي المنظم ليؤدي كل مؤمن في الكنيسة دوره لا سلطته. كما أشرت الى ما جاء في أعمال الرسل "2: 44 " طالما انها الجماعة أختارت( متياس لينضم الى الرسل الاحد عشر )فاقول: ألا يستوجب،الشعب المؤمن يشارك في أختيار اسقفه؟ ليكون دوره كدورالمؤمنين الاوائل!! دون فرضه على الجماعة الرعوية؟
قوله البليغ جدا الذي جاء في المقال الثاني( كل مسيحي ومسيحية تلميذ ورسول يبشرُ) هذا القول لكاردينال هو في غاية الاهمية، أذ يمنح صفة الرسولية للمؤمن والاسقف سوية، أذن عليه أن لا يتشبث الاساقفة على أنهم لوحدهم هم رسل المسيح ،بل كلنا رسل نؤدي أدوارنا في نشر الكلمة ،كلمة الله. ان لا تُفهم صفة الرسول مقرونة بالسلطة المطلقة للاسقف ،ولا وكالة من المسيح لهم لان ما وُعد به الرسول بطرس يترجم حرفياً ،وهذا غير صحيح في نظري لان الاشارة اليه لمعرفته من هو المسيح ليست لشخصه كفرد، بل هي الاشارة أنه الانسان المؤمن وعالم من هو المسيح ،فكل من آمن مثل بطرس فهو صخرة لبناء الايمان وليس التوكيل ، والحل والربط هو بيد كل أنسان مؤمن. وتبلورت التراتبات الاكليروسية المعروفة كما وضح غبطة البطريرك ساكو في كلمته الثانية تدريجياً واعتقد في رايي انها جاءت لاغراض تنظيمية لتجاوز الفوضى والاجتهادات ولكن ليس بمعنى التسلط والوكالة. ورسل المسيح تجاوزت محبتهم للسلطة فتعرضوا للاهانات والتعذيب وقُدموا للمحاكم والموت من أجل نشر كلمة الرب ،رسل المسيح تميزوا بالتواضع والنزاهة والمحبة والاصغاء للاخرين ولم يقتنوا شيئأ الا خبزنا كفافنا اليوم، فبعضهم اليوم ليسوا رسل المسيح بل رسل السلطة والكبرياء.
 أكد غبطته بعبارته هذه على مسالة مهمة، سبق وأن تطرقنا اليها مرارا في مناسبات متعددة ( لا تزال العلاقة بين المؤمنين والعلمانيين ورجال الدين عموماً مبهمة، وغالبية كنائسنا منطوية على ذاتها ومتجاهلة المواهب عند العلمانيين، مما يوحي ليس فقط لدى الاكليروس ،بل لدى الناشطين العلمانيين بانتقاص خاص تجاههم). هذا ما نؤكد عليه دوما،وبحثنا في الاسباب ،والتي في مقدمتها التناقضات في القوانين الكنسية المشرعة بخصوص  فهم السلطة ودور العلمانيين ،وهي مبهمة وغير واضحة ،وتقر بالسلطة المطلقة للاسقف في ابرشيته والكاهن في خورنته ،أما العلمانيين كأنهم أتباع وليس شركاء في الكنيسة.وهذا ناتج عن التنشئة اللاهوتية في المعاهد الدينية وترسيخ مفهوم (الاسقف رسول المسيح أو وكيل المسيح على الارض) والتفرد به. مما يجعله يتصور أن سلطته مطلقة ،فيبقى شعار "أنا كل بالكل هنا " يراوده سلوكياً وفي تعامله مع الاخرين ،وليس بأمكان أحد انتزاع السلطة منه.
وجه غبطته العبارة( نتكلم اذا عن جماعة مؤمنة ومصلية وخادمة وواعية بدورها في الكنيسة وملتزمة به، بتواضع ومحبة تعمل الى جانب الخدام المرسومين ،لا تريد ان تأحذ مكان البابا أو البطريرك أو الاسقف أو الكاهن،بل أن تقف الى جانبهم وليس امامهم). وبالطبع المقصود هنا جماعة العلمانيين. ولكن سؤال الى غبطته، أي جاهل هذا من العلمانيين يرغب أن يحل محل الاكليروس؟ اعتقد وبل جازماً أن الاكليروس يسعون لتجريد العلمانيين من أدوارهم بحسب تصرفاتهم وعقليتهم التقليدية. ولا اريد تكرار الامثلة في كل حدث وصوب ،باتت معروفة للجميع. العلماني يسعى لتوزيع الادوار دون تسلط مطلق من الاكليروس، والعمل المشترك، والمشاركة الفعالة في أدارة الكنيسة لانه جزء منها كما تفضلت في كلمتك.ومتساوون في القداسة. نريد مشاركة العلماني في اتخاذ القرار في المسائل المدنية اللاروحانية في المؤسسة الكنسية ،فمتى يستلهموا اساقفتنا أو كهنتنا العبرة من المثالين الاتيين:
حدثني كاهن قدير من أبرشيتنا ،اراد ان يجمع بعض المبالغ لترميم الكنيسة التي يخدم فيها،وأحدى محاولاته هي الذهاب الى الاسقف اللاتيني في مدينته ليطلب قرضاً لمساعدته، فذهب ودخل الى الاسقف،شرح وطلب منه ما قدم من أجله،ولم يكن رد الفعل الاسقفي وجوابه كما عند اساقفتنا فوري وفردي ،بل أشر بأصبعه نحو باب يقابل غرفته ،وقال لماذا تأتي لي ،المسؤول عن مالية الابرشية المستر فلان في الغرفة تلك ،ممكن مراجعته ،فهو الذي يقرر فيما اذا بامكان الابرشية مساعدتكم وهذا ليس من اختصاصي.تصور لو كان هذا اسقف لكنيسة شرقية ،كيف يتصرف مع الكاهن!!. 
وهذا مثالا آخراً لعل بالامثلة نتعض كلنا،بشرنا كاهننا القدير الاسبق في خورنتنا بخبر مفاده ،سيكون لنا قريباً بناية للكنيسة ،اذ لانملك لحد الان، والكنيسة تعود لاحدى الخورنات اللاتينية حيث يتناقص عدد المؤمنين فيها سنة بعد اخرى ولم يبق الا القليل منهم ،فواعده الاسقف اللاتيني بتسليم الكنيسة لنا بعد مدة قصيرة جداً ويظل يخدم الجماعة اللاتينية كاهننا نفسه ،فمرت اشهر عديدة وننتظر،ولكن بعد استفسارنا من الكاهن ومجلس الخدمة، تبين أن تلك الجماعة الصغيرة أعترضت اعتراضاً شديداً وكان لها القرار في منح الكنيسة لنا من عدمه وأعلمنا الاسقف انه لا يمكنه تجاوز رغبة المؤمنين فالكنيسة كنيستهم ولهذا كان قرارهم التمسك بكنيستهم الى اخر نفس ولم نحصل عليها. وتخيل ثانية اخي القارىء لو كان مكانه اسقف من كنيستنا أ لم يكن شعاره " أنا الكل بالكل هنا".
نعم سيكون ذلك شعاره بدليل امثلة ذكرناها في مناسبات عديدة ،فالاساقفة في كنيستنا أو الكهنة ،اذا ارادوا تحقيق شيئاً أو مشروعا ما ،نعم قد يطرحونه لمجلس الخدمة أو لمستشارين معينين ،واذا المجلس او بعضهم لا يوافق ،فرد فعل الاساقفة يكون الغاء المجلس وتعيين اخرين ممن يعرف ان قولهم هو نعم سيدنا. يحل المجلس لان القانون معه، يعتبر الاسقف هو الذي يحل ويربط وله السلطة المطلقة، نفسه القانون هذا يشمل الاسقف اللاتيني. ولكن شتان بين وعي اساقفتنا ووعيهم في التصرف مع القانون وتفهمهم لعقلية الانسان المؤمن المعاصر. هكذا غبطة البطريرك القدير نريد مشاركة العلماني في ادارة الكنيسة، ويكون له كلمة مسموعة ومشاركة في القرار، فهو لايطلب ان يعمذ الناس او يزوج المخطوبين أو يقيم القداس ليحل محلهم.
أشار غبطته في كلمته ،وجاء بوقائع كنسية رسمية ومعروفة لدينا ،ان دور العلماني يتمثل في الاستشارة للاستفادة من خبرته وكفائته. علينا التمييز بين المشاركة الفعالة في ادارة الكنيسة والاستشارة،المشاركة الفعالة هي تقديم العلماني ما بوسعه من خبرات ومهارات وامكانيات لخدمة الكنيسة والمشاركة في اتخاذ القرار بالشؤون الدنيوية للكنيسة ،بينما الاستشارة، معلوم للجميع منطقياً ،ان الاستشارة لا تُلزم الا بالاستماع، أي يستمع الاكليروسي ولكن غير ملزم بتنفيذها، فما فائدة هكذا دور للعلماني، لانه أخيرا واخرا يكون القرار بيد الاكليروسي وبحسب التوافق مع فكره ومزاجه وتصوراته. هذه ليست مشاركة حقيقية وانما بترضية وتجاوز تذمر العلمانيين من تصرفات رجال الدين وليس الا. الكل من العلمانيين والاكليروس يحتاجون الى الاستشاريين فدورهم هو غير دور المشاركة في القرار ولا فرق في صوته عن الاكليروس . وهذا لايعني العلماني يحل محل الاكليروس .بل المشاركة في ادارة الكنيسة .
قول البطريرك ساكو ( معرفة المسيح ليست نظرية ،أو أيديولوجية ،بل معرفة وجدانية متحركة) له بعده الحيوي والديناميكي للتفكير البشري في فهم أدارة الكنيسة ،نعم أنها معرفة وجدانية متحركة،ولكن، هل يدرك بعض من اساقفتنا وكهنتنا ما الذي تعنيه ( وجدانية متحركة) لو ادركوها لما ظلت عقليتهم كقوالب أيديولوجية ثابتة لا تقبل التغيير وانما ظلت متمسكة بما تلقاه في تنشئته الكهنوتية.ولهذا كما تفضل غبطته بكلمته ( أننا كأكليروس ومؤمنين بحاجة الى تنشئة مُستدامة).
وضع البطريرك الكاردينال ساكو أطاراً فكرياً منهجياً عن دور العلمانيين في الكنيسة وتفهم الاكليروس لدورهم  في الكلمتين، انما يعد أكثر قُرباً الى النظرية منه الى التطبيق العملي.اذ لا تزال الدلائل تُشير الى أن الاساقفة والكهنة لا مبادرة منهم لتطبيق ما جاء سابقاً وحالياً ،ان ما يُطبق من قبلهم ينحصر في سياقه الضيق لامزجتهم ومُعطيات تفكيرهم السلطوي. وهذا ما استنتجه من متابعتي الميدانية واتصالاتي الشخصية  كباحث أجتماعي مهتم بشؤون كنيستنا، فضلا عن عدم وجود أي تغيير أو مبادرة في أعادة النظر بالقوانين الكنسية التي شُرعت قبل سبعين سنة بحيث أصبحت لا تتلائم مع الوضع الفكري البشري والتغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة في عصرنا.
سوف تظل تصرفات الاكليروس تجاه العلمانيين وموقفهم من دور العلمانيين ثابتاً كما هو ما لم يُعاد النظر بالقوانين التي تنظم هذا الدور وتحدد سلطة الاساقفة والكهنة . لو القينا نظرة على القوانين المدرجة ضمن القوانين الكنسية، سنرى انها مبهمة غير واضحة المعالم ومتناقضة مع بعضها وتمنح عملياً السلطة المطلقة للاكليروس، ولا تعد دور العلمانيين الا استشاري وهذا هو الخطأ بعينه كما وضحت آنفاً لا تخدم مسيرة الكنيسة في عصرنا: قوانين المرقمة: 323 بند 2 ،11 ،  7 بند 1 ، 191 بند 1 ،34 ،43 ،56 ،178 ،15 بند1 ،273 ،140. 
وهذا ما لمسناه  قبل اشهر ايضاً بعشوائية ومزاجية الاسس التي طُبقت في تفعيل دور العلمانيين عندما قرر غبطته مشاركتهم في السينودس ،وكيف لعبت المزاجية والعلاقات الشخصية والسلطة المطلقة والانفراد بها في اختيار العلماني ليؤدي دوره في كل الابرشيات. واذا ظلت تلك الاسس فعالة وقائمة فلا نتوقع النجاح والنتائج الايجابية لما هو مزمع عقده من مؤتمر للعلمانيين كما جاء في كلمته، بدليل أن ما قُدم من المشاركين في السينودس لم يعدو الا أقتباساً مما ذُكر في الكتابات الصحفية من مقترحات ولم يأت هؤلاء من جديد يُذكر، وأقتصر دورهم على الاستشارة ولا غير ذلك مع توزيع مسؤلايتهم التنظيمية للتنفيذ وليس للتشريع.
يختم غبطة البطريرك كلمته الاولى بالعبارة ( أتمنى أن يُسلط أساقفتنا وكهنتنا الضوء على تنشئة العلمانيين وتوعيتهم على كل الاصعدة لتعدو كنيستنا جماعة موحدة ومنظمة وشاهدة لحقيقة المسيح ولرد الاعتبار للعلماني ذلك الجندي المجهول).
وشخصياً اختم مقالتي قائلا:
أتمنى أن تُسلط المعاهد الدينية والتنشئة الكهنوتية الضوء على تنشئة الاساقفة والكهنة وتوعيتهم على كل الاصعدة سواء في الفترة الدراسية أم أثناء الخدمة على مدار فترة عملهم ، وليس من المعيب أن ينظم لهم دورات تثقيفية في علوم الادارة والاعلام والنفس والانثروبولوجية والاجتماع والقانون ليواكبوا التطورات الفكرية العلمية، وهذا ما يحدث في كل المؤسسات ،ليدركوا دورهم ودور العلمانيين في المؤسسة الكنسية، ويتخلوا عن المفاهيم القديمة التسلطية لتغدو كنيستنا جماعة موحدة ومنظمة وشاهدة لحقيقة المسيح ولرد الاعتبار للعلماني ذلك الجندي المجهول. فضلا عن المطالبة بتجاوز فكرة اعتبار العلماني مستشارا فحسب، بل مشاركاً في الادارة المدنية للكنيسة لانها مؤسسة الهية وبشرية كما قال غبطته.مع أعادة النظر في بعض القوانين المذكورة اعلاه جدياً .ولنا الامل في ذلك لوجود غبطته كاردينالا في وسط الفاتيكان وحاملاً التفكير النظري البالغ الاهمية كما لا حظنا لترجمته الى الواقع ،مع تمنياتي للاساقفة والكهنة أتخاذ هذا الفكر الذي طرحه في كلمتيه طريقاً لعملهم بصورة عامة وتفهمهم لدور العلمانيين الحقيقي وليس الاستشاري،وان تكون هذه الافكارا آداة لتغيير عقليتهم التقليدية والتسلطية.
http://saint-adday.com/?p=34828
http://saint-adday.com/?p=34883



 

 

34
                         امرأة متميزة من منكيش
                         " صبيحة شمعون توما"
   د . عبدالله مرقس رابي

                          الكثير من الافراد من كلا الجنسين يقلدون مناصب ادارية بمختلف الدرجات في العمل والوظيفة ،انما القليل منهم تكون ادارتهم ناجحة بحيث يتميزون عن غيرهم في تحقيق اهداف المؤسسة التي يتولون ادارتها. والنجاح الاداري مرتبط بالابداع الشخصي وتطبيق المقومات الادارية كدليل للعمل والوصول الى مخرجات تسعى اليها المؤسسة ولمن تقدم خدماتها أو انتاجها من الجمهور .
هناك الاداري التقليدي الذي يصب اهتمامه في تطبيق اللوائح القانونية والادارية كأنها قوالب ثابتة لحين أن تنتهي مهمته الوظيفية مُتداركاً ادارة الجودة وما الذي سعى اليه من أجل المجتمع. بينما هناك من يلتزم بتلك اللوائح القانونية في سياقها الوظيفي مع العصف الذهني وتسخير أمكانيته الشخصية لتحقيق الافضل والاجود دون تقيده بنظرة ضيقة عن انه جاء لقضاء فترة زمنية وظيفية. ولابد أن يتميز الاداري بسمات شخصية تؤهله لتحقيق اهداف المؤسسة التي يرأسها.
حصلت على معلومات مدهشة ومُثيرة أسعى للحصول عليها لتأليف كتابي المعنون "منكيش العطاء والجمال "كنسخة منقحة لكتابي الاول عن بلدتي العزيزة . من هذه المعلومات تلك التي تُطلعنا على ما تميزت به أحدى بنات منكيش "صبيحة شمعون توما سولاقا"مديرة بلدية منكيش ، وهي حالياً عضوة في "منظمة البلديات العامة للسلام العالمي" من بين سبعة مدراء البلديات في اقليم كوردستان وعضوة نقابة "ذوي المهن الهندسية" في الأقليم .
وكما سيتبين أدناها، حقاً كانت مُدهشة ورائعة ومتميزة تلك النشاطات التي أنجزتها وتُنجزها وتشرف عليها ساعيةً لتحقيق أهداف مؤسستها لخدمة سكان منكيش. فهي أول أمرأة في أقليم كوردستان تولت منصب مديرة البلدية منذ سنة 2007 بعد ان بدأت العمل في بلدية منكيش 1994، كما أوردت الاخبار في الصحافة الكوردستانية في حينها ،وأعتقد شخصياً أنها اول أمرأة في هذا المنصب الاداري في العراق. ذلك المنصب الذي يتطلب عملاً شاقاً  في طبيعته لمن يتولاه وفي ظل ظروف بيئية تعاني من أزمات مالية .
من ألقاء النظرة وتحليل الانجازات التي أشرفت وتابعت تنفيذها في بلدة منكيش منذ بداية عملها والى يومنا هذا ،مع التكريمات التي تلقتها من جهات عالمية ومحلية مختلفة وزيارات ولقاءات قامت بها عالمياً ومحلياً، حيث نادراً ما نرى  القيام بها من قبل أشخاص بمنصب مدير بلدية لمركز ناحية، نستشف ونستنتج أن "صبيحة شمعون توما"  تتمتع بشخصية متميزة مبدعة بجدارة،وكل هذه الاعمال التي نفذتها تدل على النشاط الحيوي لها والمثابرة والشجاعة،وانها تتمتع بثقة عالية بالنفس .وهذا التراكم الكمي من المشاريع التي نفذتها واللقاءات التي أجرتها هي أنعكاس للدافعية والرغبة بالعمل والشعور بالمسؤلية والقدرة والمهارة والكفاءة العالية على تشخيص الحاجات الملحة الاساسية لسكان البلدة ومعالجتها .
ويمكن الاستنتاج مما قدمته ،أنها حريصة على عملها من خلال متابعاتها المستمرة ،ولها القدرة على أتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ،وتمتعها بأيجابيتها التعاونية ،مما يدل من وجود أشخاص نسقت معهم كأسقف الابرشية وكاهن البلدة والمختار ووجهاء البلدة وغيرهم على تميز أدارتها بمرونة وتقبل أفكار الاخرين وأستشارتهم وقابليتها في الأقناع.
وهذا يدل أيضاً على قدرتها لحشد الطاقات البيئية من الموارد البشرية والمادية والاستثمار الامثل عن طريق خلق علاقات مع جهات متعددة والتنسيق السليم والتخطيط الناجح والتنظيم المناسب والمرتبط مع الظروف ومتطلبات المرحلة التي يمر بها المجتمع. وما التكريمات التي نالتها من مختلف الجهات ورضى المسؤلين في المحافظة وفي الناحية والسكان والوجهاء مما تقدمه ألا مؤشراً على نجاح أدارتها وتمتعها بما ذكرته آنفاً من خصائص شخصية وفكرية أدارية مما يقودني ذلك القول أن أدارتها منذ تسلمها لمنصب مديرة بلدية منكيش ناجحة بأمتياز لتوفر في نشاطها وأعمالها مقومات الادارة الناجحة وفق منظور علم الاجتماع الاداري .
أستمرار "صبيحة شمعون" المنكيشية في عملها الاداري الناجح من أجل خدمة بلدتها وسكانها يجعلها نبراساً يُحتذى به وموضع فخر واحترام لاهل بلدتها منكيش العطاء والجمال وكل من تعاملت وتتعامل معهم لاجل تحقيق الاهداف، حالياً وللاجيال القادمة . وهي موضع أفتخار الكنيسة الكلدانية والكلدان والمسيحيين قاطبة في العراق ،وكما أنها فخر لاقليم كوردستان والعراق.أنها أمرأة منكيشية حققت مكانة أجتماعية عالية وتقلدت دورها بجدارة كأمراة ناجحة في مجتمع نامِ وعشائري وفيه الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية .
وهذه أبرز الانشطة والاعمال الادارية واللقاءات التي أنجزتها مع التكريمات التي نالتها:
أولا : الاشراف على تنفيذ المشاريع التي سعت من أجل أستحصال الموافقات وتخصيص الميزانية المالية لها من حكومة الاقليم أو من منظمات وجمعيات أخرى تهتم بالشؤون الانسانية:
1 – وهي تحمل تحصيل دراسي دبلوم في المساحة،وأنطلاقاً من خلفيتها الدراسية،كان أول أنجاز لها بعد تعيينها في العمل كمديرة بلدية منكيش هو جلب الخرائط والسجلات والمعلومات عن الاراضي من دائرة التسجيل العقاري في دهوك وفتح قسم الاراضي والاملاك في بلدية منكيش سنة 1995 .وهي خطوة رائدة ومتميزة لعدم وجود من يهتم بعائدية وخرائط الاراضي الزراعية والسكنية لسكان البلدة سابقاً.
2- الاشراف على مشروع المجاري الصندوقية في منكيش سنة 1997 .وتعد من أعمال الصرف الصحي،وهي أنظمة موضعية يستند عليها للصرف الصحي في حالة عدم وجود شبكات المجاري العامة لتوفير بيئة صحية وسليمة لتجاوز مخاطر وتهديدات التلوث البيئي.
3- الاشراف على أنشاء حديقة الاطفال في منكيش سنة 1998 .
4- الاشراف ومتابعة العمل لبناء نادي منكيش الاجتماعي بالتعاون مع المختار حنا كلو سنة 2004 .
5- الاشراف والمتابعة لبناء سياج مقبرة مارت شموني سنة 2006 .
6- وضعت خارطة التصميم الاساسي لبلدة منكيش سنة 2006.للانطلاق في ضوئها للتخطيط الحضري على مر السنوات.
7- الاشراف ومتابعة بناء200 دار سكنية التي خصصتها لجنة شؤون المسيحيين وبتوجيه من "سركيس اغا جان" وزير المالية في أقليم كوردستان سابقاً. وقد وضعت مواقعها ضمن التصميم الاساسي للبلدة وبالتعاون مع المختار حنا كلو سنة 2006 .
8- مصادقة التصميم الاساسي لبلدة منكيش الذي وضعته بجهودها الخاصة سنة 2007.وفقاً للمصلحة العامة لاهل البلدة وبعد التشاورات مع المسؤلين والوجهاء والمختار.
9- الاشراف لتنفيذ مشروع المجاري الصندوقية بطول 755 م سنة 2008 .
10- الاشراف على فتح بئر لسقي حدائق البلدية سنة 2009 .
11- حصول الموافقة لتوزيع عدد من القطع السكنية للمؤظفين سنة 2009 .
12- الاشراف لتنفيذ فتح وصب شوارع بطول 5 كم ،مع جدار ساند للدور التي تم بناؤها بالتنسيق مع المختار ولجنة شوؤن المسيحيين سنة 2009.
13- الاشراف على تركيب قوالب  جانبية "كربستون"مع صب الارصفة.
14- الاشراف على بناء بناية البلدية الجديدة في منكيش سنة 2010 .
15- الاشراف على صب  الشارع المؤدي الى مقبرة مارت شموني وبناء الجدار الساند سنة 2011 .
16- الاشراف على أنشاء الشارع المؤدي الى آثار مارتوما الواقعة في جبل منكيش بالتنسيق مع المختار  سنة 2012 .
17- الاشراف على تركيب الطابوق المعشق للارصفة سنة 2013 .
18- العمل والاشراف على أستحصال حقوق أصحاب االاراضي في منكيش مقاطعة رقم 1 منكيش الشمالية الغربية التي أُلغيت تسويتها ،وتم توزيع 397 قطعة أرض سكنية على أصحاب القطع الزراعية الملغاة تسويتها .وكان ما جرى بالتعاون مع المطران ربان القس ومختار منكيش حنا كلو ومحافظ دهوك تمر كوجر.
19- صيانة الطرق الداخلية مع تأسيس المجاري ورفع الانقاض للبيوت القديمة المتروكة والتي تهدمت بسبب سقوط الامطار والثلوج سنة 2013 .
20- الاشراف على أنشاء سياج مقبرة بروشكي سعدون سنة 2013 .
21- المشاركة مع وجهاء البلدة والمختار والكاهن والاهالي في أستقبال ومساعدة أكثر من 1000 عائلة نازحة التي هجرت من مناطقها في سهل نينوى من قبل تنظيم داعش الارهابي سنة 2014 .
22- بالتنسيق مع منظمة ( أس أو أس )الفرنسية  والقس يوشيا صنا والمختار حنا كلو تم فتح مدارس للنازحين المهجرين من سهل نينوى مع فتح مركز صحي لهم وتهيئة الارض والكرافانات لهم ،وأستحصال الموافقة لتاسيسها من الحكومة والاعتراف بها سنة 2014 -2015 .من خلال مقترح قدمته لشعورها أن مسألة استضافة المُهجرين ستطول وستؤثر على التحصيل الدراسي لابنائهم.
23- الاشراف على مهرجان منكيش الثقافي للتعايش الاخوي سنة 2016 .
24- الاشراف على تصميم بناء مزار عذراء كوردستان بالتعاون والتنسيق مع منظمة(أس أو أس ) الفرنسية  والكاهن يوشيا صنا والمختار حنا كلو ،مع الاشراف وتصميم وانشاء الحدائق ومحجلات وخزان للماء لمزار عذراء كوردستان سنة 2017 .وقد تبنت الفكرة والاقتراح وأشعرت الاخرين بها لتنفيذها .
25- الاشراف والمتابعة لزرع أشجار الصنوبر الدائمة الخضرة لتجميل ضواحي البلدة وتصميم تشجير على تلة مطلة على البلدة يصور أسم مانكيش مع سياج لحماية المنطقة سنة 2016
 26-  بالتنسيق مع الكاهن والمختار عملت لاستحصال الموافقة على فتح بئر ارتوازي في منطقة آثار وقلاية مارتوما على سفح الجبل مع فتح الطريق المؤدي الى القلاية سنة 2019 .
هذا ،وبالاضافة الى عدة مشاريع عديدة ونشاطات التي أشرفت عليها ضمن التمويل الشهري للبلدية. وبالتنسيق والعمل مع الكنيسة والمختار والهيئة الاختيارية في جميع هذه النشطات والاعمال التي تصب في خدمة بلدتنا الجميلة منكيش.
ثانياً: اللقاءت والتكريمات التي أجرتها ونالتها والهدف منها دعم المسيحيين وأقليم كوردستان واكتساب الخبرة الادارية من البلديات التي زارتها:
1- كُرمت كأول امرأة في كوردستان العراق تولت منصب رئيسة البلدية سنة 2007 .
2- قامت بزيارة الى حلبجة والمشاركة في مراسيم ذكرى الانفال وثم زيارة عدد دوائر البلدية في محافظة السليمانية .وفي هذه الاثناء كُرمت من قبل المديرية العامة للبلديات في السليمانية في أطار بناء علاقات الصداقة بين بلدية منكيش وبلديات التابعة لمحافظة السليمانية سنة 2012 .
3- في سنة 2013 قامت بزيارة رسمية الى ايطاليا لتلبية دعوة منظمة الطفل العالمي للسلام في مدينة "مزانو رومانو"التابعة للعاصمة روما،للمشاركة في البطولة العالمية الخامسة لكرة القدم للاطفال بعنوان" الكرة في القلوب"وبمشاركة ثلاث فرق من كوردستان العراق وسبعة من ايطاليا .وفي هذه المناسبة كُرمت من قبل رئيس بلدية مزانو رومانو ،وأجرت عدة لقاءات مع عدد من روؤساء البلديات الكائنة في أطراف المدينة المذكورة في روما.
4-  قامت بزيارة ثانية الى أيطاليا مع الكاهن يوشيا صنا بدعوة من الفاتيكان ولقاء البابا فرنسيس في 3/2/2016 ،وقدمت في هذه المناسبة هدية رمزية تراثية للبابا بأسم بلدة منكيش، ما أجمل هذا الموقف وهذه الزيارة التاريخية.
5- قامت بزيارة رسمية  في 26/5/2016 الى فرنسا مع الكاهن يوشيا صنا تلبية لدعوة وجهت اليها من منظمة "أس أو أس " الفرنسية لغرض اللقاء مع عدد من روؤساء البلديات ومع الاساقفة والكهنة في مدن فرنسا ،ومنها:
ألتقت في 27/5/2016 مع كاهن "تولوز" وبعض من أهالي المدينة  في قاعة الكنسية.
أجتمعت في 28/5/2016 مع رئيسة بلدية "لورد " وكذلك مع المجلس البلدي للمدينة ،وفي هذه الاثناء كُرمت بمدالية لورد ذات المستوى الرفيع .
أجتمعت في 29/5/2016 مع أسقف وكاهن وبعض اهالي مدينة "مونتوبان". وفي اليوم التالي ألتقت مع رئيسة بلدية مونتوبان والمجلس البلدي للمدينة.
ألتقت في 31/5/2016 مع أسقف وبعض من أهالي مدينة " بوردو.
وأما في 1/6 /2016 زارت مدينة باريس وألتقت مع الكاهن "  باتريك دي لاروك" كاهن كنيسة "نيقولا دي شاردونيا" ومع متطوعي منظمة"أس أو أس" وأجري مؤتمر صحفي معها في باريس. وكُرمت بمدالية من الكنيسة.والتي تبرعت بتمثال مريم العذراء الذي زين منكيش وكوردستان لتكون حريصة دائمة للمنطقة في المزار الذي صممته "صبيحة" .
6-  مُنحت من قبل أتحاد نساء أقليم كوردستان لقب بعنوان " المرأة الاسد" في الكوردية هي دلالة على القوة والشجاعة التي تمتلكها من كُرمت بها.
7-  كُرمت من قبل لجنة برايتي التابعة لفرع الحزب الديقراطي الكوردستاني /فرع دهوك لنشاطها المتميز .
وتلقت وثائق شكر وتقدير من عدة جهات رسمية في اقليم كوردستان لتميزها وشجاعتها ونشاطاتها المختلفة محلياً وعالمياً وادارتها الناجحة لبلدية منكيش.


 



35
                             رأي في معضلة المسيحيين العراقيين
                              في ظل الاحوال السائدة وتناقضاتنا
د. عبدالله مرقس رابي
قرأت المقال الرصين عن أحوال شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني في الوطن وعلى أرضنا التاريخية للكاتب المهتم في شؤون شعبنا "انطوان الصنا"  وما أثار أنتباهي تعقيب الكاتب المهتم الاخر في شؤون شعبنا" كوركيس أوراها". فعلا كانت قراءة صائبة للواقع الذي يمر به شعبنا في العراق عموماً وفي منطقة سهل نينوى التي أستحدثت في السنين الاخيرة سياسياً كمصطلح يتعاطى به .وما جاء في المقال من تحليل يستند على الواقع على الارض سياسياً وأجتماعياً .واتفق معهما في التحليل ودعوتهما لتعاضد ومساندة ابناء شعبنا والمسيحيين حتى لو بقى هناك اخر نفس في الوطن كل بحسب قدراته وامكاناته ، وهي دعوة صريحة من كلامهما وموفقة.
انما انتباني الاستغراب بعد قراءة المقال هذا وتصريح غبطة البطريرك مار ساكو ،حيث لتاكيدهما على مقترح وخارطة الطريق لتحقيق الاستقرار والاماني والامان لشعبنا عن طريق استحداث محافظة ذات ادارة خاصة بشعبنا او اقليم ،وهذا ما تؤكده معظم احزاب شعبنا في كل المناسبات وتسعى اليه. وجدت التقاطع والاختلاف الواضح في خارطة الطريق التي يسعيا من اجلها ويعدونها المفتاح الآمن لانقاذ ما تبقى من ابناء شعبنا على ارضه وما جاء به من خارطة الطريق غبطة البطريرك  ساكو من خلال عبارته هذه:
(اقولها بكل وضوح أن المسيحيين يشجبون هذا الصراع، من أجل التغيير الديموغرافي، ويرفضون إدارة مناطقهم على أساس طائفيّ أو إثنيّ. انهم يطالبون بإدارة مشتركة من كل المكونات المتواجدة في المنطقة، على أن تعمل كفريق واحد وبانسجام للصالح العام. فالتاريخ يشهد على تعايش المسيحيين السلمي مع أبناء المنطقة، بالمحبة التي تعلموها من المسيح، ويَصبُون الى أن يبقى ذلك متماسكاً بقوّة. لقد حان الوقت لتحويل معاناة العراقيين إلى دروسٍ للتغيير الحقيقي في إدارة التنوع، وترسيخ المواطنة الحاضنة للجميع، وتطبيق القانون، وإحترام كرامة الانسان. فالحل الوحيد لأزماتنا هو أن نقبل أننا كلنا متساوون)
هنا يؤكد وبقوة وبصراحة غبطته رفضه لادارة المنطقة على اساس طائفي او اثني( بالمفهوم السياسي القومي) .انما معالجته لانقاذ شعبنا هو على اساس المساواة في المواطنة وادارة الدولة للمنطقة من خلال نقاطه الاخرى في التصريح ،وفي كل مناسبة يرفض غبطته تداول او الاشارة لتاسيس محافظة او اقليم خاص بالمكون المسيحي او لشعبنا الكلداني والسرياني والاشوري.وهو دائم الاعتراض عليه .
وانهما هنا يؤكدان على النقيض مما يؤكد غبطته ! فكيف  تتحقق المساندة والمعاضدة لغبطته طالما هناك تقاطع بينهما وبينه فكرياً وعملياً في فلسفة رسم خارطة الطريق لشعبنا؟كيف مرت عليهما هذه المسالة المهمة جدا من وجهة نظري. وعليه قادني ذلك الى كتابة هذا التعقيب مفصلا وبمقال مستقل لطوله وربطه بأمور اخرى نبهني مقال الاخ أنطوان وتعقيب الاخ كوركيس.
هنا الصميم  ونقطة الضعف التي اودت بشعبنا ان يُطرد من اراضيه ويُشرد ويهمش المتبقي منه ،هنا السبب الرئيسي في اهمال وعدم الاكتراث لما ينادي ويطالب به غبطة البطريرك ساكو ورجال الدين الاخرين. وعدم الاكتراث لما ينادي به ويطالب به احزاب شعبنا السياسية وممثلينا .نقطة الصميم هي اختلافنا وتقاطعنا في الرؤى والمواقف الرسمية ومطالباتنا المتناقضة من الحكومة العراقية أو اقليم كوردستان.
بعض من احزابنا السياسية تطالب باستحداث محافظة خاصة ادارية بشعبنا ،اخرى تطالب بحكم ذاتي داخل اقليم كوردستان واخرى تطالب باقليم مستقل واخرى تطالب بامبراطورية على ارض الاجداد .والكنيسة ممثلة بتاكيدات البطريرك ساكو ترفض كل هذه المطاليب والتصريحات. ورجال دين مسيحيين اخرون يؤكدون على ذلك أي استحداث محافظة واخرون يرفضون.
يدل مما سبق أن الخلل هو فينا وليس من خارجنا ابداً، خلل في عدم اتفاقنا ولا اقول وحدتنا ،هذه صعبة التحقيق .هذا الاختلاف اشخصه  وفقاً لمفاهيمي في علم الاجتماع السياسي كما يأتي :
الانفرادية في الرؤية وعدم تقبل اراء الاخرين والاخص لدى رجال الدين فهم يرسخون ورُسخ في عقولهم مبدأ ( أنا الكل بالكل هنا) ليس دينيا ومؤسساتيا بل حتى في الشؤون الحياتية الاخرى. فماذا يُفسر مثلا أصرار رجل دين على موقف معين دون الاكتراث لما يتفق عليه الاخرون. أ ليس مرض التسلط  الوهمي أو الجموح في الانفراد في السلطة وهنا لا اعني أحد وانما كل من يسلك هكذا سلوك .
وهذا التسلط وحب الانفراد يسري على قادة احزابنا السياسية أيضاً، والاحداث من 2003 ولحد الان ومن المتابعة المستمرة كشفت الأغوار النفسية لقادة أحزابنا فهم رابضون على قمة أحزابهم السياسية ،كأنما هم ولا غيرهم مؤهلون لادارة الحزب السياسي.وهنا أيضا لا استثني أحد الا قلة سواء من الكلدان او الاشوريين او السريان.
مرض الكورسي والمصالح الشخصية كما وصفها غيري ،هذا المرض الذي يستشري بين ابناء شعبنا والاخص السياسيين .اذ كل  ما يهم الافراد السياسيين في العراق والمسيحيين معهم بالتأكيد هو الحصول على الكورسي في مقدمة المؤسسة أو في أعلى السلطة متناسياً المبادىء التي من أجلها انضم الى الحزب أو رشح نفسه الى البرلمان . بل كل همه هو كيف يحصل على الكورسي وما هي المنافع التي يجنيها . بالاضافة الى ما يكتسبه من منافع بشكل رسمي وقانوني وقد يكتسب منافع اخرى بطرق غير قانونية من خلال استغلاله لسلطة الكورسي ،وبدليل واضح ،الارقام الخيالية التي يمتلكها من هم في االسلطة من مبالغ نقدية وممتلكات غير منقولة لا يتصورها العقل.هذه الانحرافات لمن هم في السلطة يطلق عليها علماء الاجتماع الجنائي ( جرائم ذوي الياقات البيض). وبالطبع ان هذه المنافع الشخصية لمعظم المسؤولين والممثلين من أبناء شعبنا لمجرد وجودهم على الكورسي وحتى  دون استغلال الكورسي كغيرهم هي  مغرية جداً فينسىى كل ما جعله ان يصل الى موقعه. وبدليل واضح ، التشبث بالكورسي ,الصراعات التي تحل بينهم لاجله وحتى أن كانت فلسفتهم ذات الفلسفة  السياسية عينها.
من العوامل الاخرى هي .اعتبار ممثلي شعبنا واحزابنا أسرى لدى الاحزاب المتنفذة في العراق سواء في الاقليم او الحكومة المركزية ،وهذه ظاهرة  جلية لا أحد يمكنه النكران ،فمعظم ممثلي شعبنا في البرلمان العراقي واقليم كوردستان حصلوا على الاصوات بتعضيد واضح من الاحزاب المتنفذة ، فهل ياترى كيف سيكون موقف ممثلنا في البرلمان .هل سيكون بالضد من تلك الاحزاب التي وضعته في موقع ينتفع منه شخصياً؟ ام معهم ؟وكما انه سوف لن يطالب بشيء خارج أو مخالف لمواقف تلك الاحزاب  لكي لا يُحرجها. وهذا واضح جدا من تصرفات ومواقف ممثلي شعبنا باثنياته الثلاث بعد وصولهم الى قبة البرلمان. فمثلا تأمل الكلدان خيراً وعملا من أجلهم عند وصول احد الكلدان في الدورة الاخيرة الى البرلمان العراقي ومعه اثنان من حركة بابليون ويحسبون انفسهم انهم يمثلون الكلدان..نراهم اليوم لا يكلفوا انفسهم لزيارة قرية أو بلدة كلدانية أو مسيحية وبالاخص تلك التي هي في منطقة الصراع ،لا بل دعمهم للوصول الى البرلمان من الاحزاب المتنفذة في كوردستان أو حكومة  العراق ، وتكتلهم مع الاحزاب المتنفذة جعلت من الصراعات تترسخ في المنطقة. وممثلي الاحزاب الاخرى من شعبنا لا تختلف عن ممثلي الكلدان ،فهم أنشغلوا في صراعاتهم على الكورسي،ولم يحركو ساكناً ولم يتفقدوا احوال شعبنا في قراه المدمرة وغيرها لحد الان. سوى بعض التصريحات الضعيفة في وسائل الاعلام التي لا تجدي وليس لها صدى يُذكر وهي مجرد مطالبات . بدليل عدم تشريع أية قوانين لصالح شعبنا تخص شؤونه ومعاناته.فهل سيعي الشعب لحجب انتخابه لدورات مقبلة طالما هناك فجوة كبيرة بينهما؟
وأما العامل الذي لا يقل تأثيراً على قضية شعبنا هو : الارباك أو عدم الوضوح  لدى الجهات الرسمية  في عملية مخاطبتنا والتعاطي معنا . اخاطبك باسمك ستكون معروف لي وما الذي تطالب به تحديدأ ، أما ان أخاطبك بمصطلحات متعدد وصادرة من المسؤلين في المؤسسة الدينية أو من الاحزاب أو من المفكرين التنظيريين فتُربك الاخر المتلقي  في التعاطي لعدم الوضوح .
فعندما نؤكد على مخاطبتنا والتعاطي معنا وفقاً لمفهوم (المكون المسيحي) يظن الاخرون نريد حقوقاٌ دينية،    أي نطالب بممارسة حقوقنا الدينية من الطقوس والشعائر. وفي الوقت ذاته ياتي غبطة البطريرك ساكو مثلا  ليؤكد وكما في تصريحه الاخير ،نريد حكومة وطنية لا تقر الطائفية والاثنية وانما الكل متساوون امام القانون . طيب هنا نلح على التعاطي دينياً لاننا نفضل ونؤكد مخاطبتنا والتعامل معنا بمفهوم ( المكون المسيحي ) بينما نؤكد لا للطائفية والاثنية ، متناسيا غبطته أو غيره من الاحزاب السياسية التي تؤكد على هذا المفهوم  بعينه هو ترسيخ الطائفية ،أي علينا التعامل  بيننا كشعب عراقي على أساس هذا مسلم وهذا مسيحي وذلك  صابئى والاخر أيزيدي ,وأخر كاكائي والاخر سني وشيعي وكاثوليكي وارثودكسي وانجيلي,ونسطوري والى اخره .
وبالمقابل تأتي أحزابنا الاثنية أي القومية لتؤكد على التعاطي بالمفاهيم الاثنية، منها المركبة مثل ،الكلداني  الاشوري السرياني) واخرون بمفهوم واحد ،كلدان او اشوريين او سريان ويطالب كل منهم بادراج تسمية كما يفضلونها في الدستور للحكومتين .ولا تزال هذه المعضلة قائمة. فاذا من جهة نرفض التعامل معنا طائفيا واثنيا ،ومن جهة اخرى،نطالب التعاطي معنا رسميا بمفهوم( المكون المسيحي) واخرون يؤكدون على التعاطي الاثني سواء مركباً أو منفرداً.أ ليست هذه تخبطات متناقضة حالت دون اكتراث المُتلقي بما نطالب به من قبل مسؤلي كنائسنا وأحزاب شعبنا وممثليهم؟.
العوامل المذكورة انفاً هي التي تسبب في تفعيل عوامل خارجية وتهيء الفرصة لها ليكون تأثيرها سلبياً على شعبنا . بالطبع الذي نعيش معه على الارض عندما يستقرءْ الوضع الفكري والعملي والسلوكي لابناء شعبنا ويستشف عوامل الخلل والضعف فيه ،ستكون فرصته كبيرة لتهميش شعبنا .وثم خلق بيئة تعسفية وخطرة أقتصادياً وأجتماعياً وسياسياً لكي يترك ارضه .أو يتعرض الى التشريد والتجاوزات على اراضيه وممتلكاته ،وعدم الاكتراث بالمطاليب ،انما افضل ما يكون لدى السلطات هي الوعود الكاذبة التي هي عبارة عن مواقف مزيفة تجاه شعبنا انما الحقيقة هي ما هو مكبوت في عقلهم الباطني .
 يعد بعض الاخوة المهتمين والمتابعين أن التظاهرات وتشكيل لوبي ضاغط  من ابناء شعبنا في الخارج للتاثير على الحكومات المتنفذة حاليا في السياسة العالمية كحل  لتحقيق آمال شعبنا المُضطهد في العراق اليوم.انها خطة مهمة ولكن .. هل ابناء شعبنا موحدون في كلمتهم ومواقفهم في الشتات لكي يتمكنوا من خلق أجواء لتأسيس لوبي قوي ومؤثر ،أم كل جهة تريد أن يكون هدف اللوبي الضاغط  بحسب اهوائها وطموحاتها ؟ فهم أيضا منقسمون الى من يريد محافظة ،واخر حكم ذاتي داخل أقليم واخر أقليم مستقل واخر ادارة ذاتية لبلداتنا المسيحية واخرون أن يحكم القانون لا هذا ولا ذاك ، وبل ابعد من ذلك يطالب بعضهم بتاسيس امبراطورية مستقلة على ارض الاجداد وطرد كل من أحتل اراضينا .حق مشروع لكل هذه المطالبات وليست منية من أحد ولكن ايضاً كيف سيتعامل المتلقي لاراء اللوبيات من ابناء شعبنا؟ فالنتيجة صفر حاله حال ما وصفت من الاحوال والمواقف داخل العراق.
يقول البعض انظروا الى الاخوة الايزيدين ماذا عملوا؟ وسيدة واحدة هزت السياسة العالمية وهي( نادية مراد) المتالمة ذاتيا من الدولة الاسلامية في العراق والشام ومتالمة من أجل ابناء شعبها الايزيدي.نعم اقول تمكنت نادية مراد ان تتالق وتصبح نجمة عالمية وحصلت على جائزة نوبل للسلام ،ولكن ما الذي حققته للشعب الايزيدي  ياترى؟ الشعب الايزيدي  لا يزال متشرد حاله حال شعبنا، قراه وبلداته منقسمة على بعضها مع العرب او مع الكورد ، وهو معرض للصراعات التي تدور في منطقة سهل نينوى كما شعبنا، وبل الحالة الشاذة في سنجار وضواحيها هي دليل واضح على عدم الاستقرار والتعرض للضغوطات السياسية .
لم يحقق الايزيديون سوى ان بعض الدول عرفت هويتهم الدينية وادرجتهم ضمن خططهم  لقبولهم كمهاجرين لاجئين.فهل عُمرت قراهم مثلا؟ هل توحدت كلمتهم ؟ هلى أستقلوا بفكرهم الاثني ؟ ام لا يزالون موالين بعضهم للكورد او للعرب أو مستقلين في ارائهم ؟هل حققوا الامان في بلداتهم ؟هل أنزلت الامم المتحدة قوات عسكرية لحمايتهم؟ هل جرى تعويض لممتلكاتهم ولاهانتهم الاجتماعية والدينية وسبي بناتهم وقتل رجالهم  بالالوف؟ .لم يتحقق أي شيء سواء التعاطف الدولي وتعاطف بعض منظمات المجتمع المدني معهم اعلامياً ومحدودية الاستفادة ميدانياً كما هو الحال مع شعبنا .
والان يسال القارىء الكريم ؟اذن ما هو الحل يا ترى؟
في رؤيتي ومن متابعتي أرى ان الحل لا يكمن في استمرار شعبنا في ما هو عليه نفسياً واجتماعيا وديمغرافيا وسياسياً على هذه الحالة،ولا يكمن في مطالبتنا التناقضية الصادرة من المواقف المتقاطعة لجماعات شعبنا السياسية والدينية سواء في الخارج أو في الداخل . ولا بل عند الجماعة الواحدة هناك التناقضات كما وضحت اعلاه. فكيف سيكون الحل عندما نقول  تعاطوا معنا ياحكومات كمكون مسيحي  ومن جهة اخرى نطالب الحكومة ان لا تتعامل معنا كطائفة ا واثنية ؟ بل مساواتنا بالاخرين في الحقوق والواجبات امام القانون.
ولا يكون الحل بتشكيل لوبي ضاغط في ظل التناقضات بين ابناء الشعب أو جماعاته الفرعية.وان فرضنا ان هذا اللوبي تحقق واتفقوا ابناء شعبنا توحيد هدفهم من اللوبي وماذا يريدون.ولكن علينا أن ندرك ولا ننسى ماهية المبادىء والاسس التي تتعاطى تلك الدول التي سيؤثر عليها اللوبي مع شعوب العالم رسمياً وأجتماعيا واقتصاديا . الدول المتنفذة في كل خطوة تخطوها باتجاه التعاطي مع شعوب العالم في اولياتها وهدفها الرئيسي ،التساؤل ماهي المنافع المتوخاة من تلك الخطوة لشعبها؟ هل هناك منفعة لمساندة الايزيديين او المسيحيين في العراق؟ وما حجم المنافع ونوعيتها ومداها الزمني؟الدول الغربية المتقدمة تتعاطى كما هي الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية في اوطانها وفقا للقانون العلمي الاجتماعي الذي يستند على نظرية ،المسماة في علمي الاجتماع والاقتصاد ( تبادل المنفعة) ولا غيرها.
انظر الى مساندة اهل كوسوفو مثلا ،هل كانت لاغراض أنسانية ام سياسية ،بالطبع أصرت الدول المتنفذة لتاسيس تلك الدولة لاستمرار ضرب المعسكر الاشتراكي في عقر داره ومن تاثيرات سعودية التي هي منبع الخيرات لتلك الدول. وليس حباً أو تعاطياً لانهم مضطهدون. انظر الى مساندة الدول المتنفذة لجماعات دون اخرى اثنية او طائفية في الشرق الاوسط لا يستند على الاسس الانسانية ،بل مدى الفائدة منها لترسيخ عدم الاستقرار في المنطقة للاستحواذ  بيسر على ثرواته الاقتصادية ،علماً أن مساندة شعب ما من قبلهم يعتمد أيضا على مدى ثقل هذا الشعب ديمغرافيا وجغرافيا واقتصاديا ،فلا يهمهم هذا مسيحي او مسلم او كوردي او تركماني او ايزيدي او اشوري او كلداني او سرياني .بل التخطيط الاول والاخير يستند على النظرة المستقبلية ؟ما الفائدة المتوخاة سياسياً واقتصاديا وانعكاساتها الاجتماعية على مجتمعاتهم في الداخل ؟
فاذن في رايي ،ان تكون مطالبنا هي الاقرار بحكومة مركزية مدنية ترسخ القانون. وتشريع قوانين لا تجيز لتاسيس احزاب طائفية او قومية بتسميات اثنية ،بل احزاب علمانية بعيدة كل البعد عن المفاهيم الدينية في الحياة السياسية لترسخ مبادىء المواطنة والقانون وليس الطائفية ، وأن تحبط تلك الاحزاب العلمانية  دور المرجعيات الدينية ولا ترجع اليها ابدا لان كل مرجعية حتما ستكون توصياتها وتدخلاتها طائفية لا محال.
 وبناء جيش وطني يستند في توجيهه ورسالته السياسية المبادىء الوطنية ،لا الطائفية والاثنية. وهذا يحدث في الزام كل الاحزاب الطائفية والاثنية على حل نفسها ،ومعها حل ميليشياتها الداعمة لايديولوجيات تلك الاحزاب .والا بوجود هذه الاحزاب المتخلفة في الحكم ،ستظل الطائفية هي السائدة والقانون ضعيف والفساد مستشري  لوجود المحسوبية والانتماءات والولاءات ،واضطهاد وتهميش المكونات الاقل ديمغرافية مثل المسيحيين والايزيدين وغيرهم.والاهم أستقلالية التعليم والرقابة الشديدة على كل المناهج التي تُثير النعرات الطائفية .كما ان للاعلام أهميته فعليه نبذ الاعلام الطائفي بكل أشكاله .
والتفكير في تأسيس لوبي ضاغط على صناع القرار الدولي أن يكون على أساس المفهوم العراقي ،أي لوبي عراقي من جماعات لمختلف مكونات الشعب العراقي المخلصة والمتفهمة والواعية للمفاهيم الوطنية والقانونية ونابذة للمفاهيم الطائفية والاثنية ،لوبي عراقي للضغط على الدول المتنفذة عالمياً والامم المتحدة لتخليص العراق وشعبه من هكذا حالة سياسية شاذة،فهي قادرة لو كانت جدية في مساعدة العراقيين لتشكيل حكومة علمانية تعتمد القانون والانتماء الوطني ، وتقييد تدخل دول الجوار في السياسة الداخلية للعراق. مثلما جاءت بالحكومة الحالية قبل خمسة عشرة عاماً وفسحت المجال للدول الاقليمية التدخل بالشأن العراقي والتحكم في مصيره.
في ظل هكذا بلد سينعم بظلاله كل مواطن له روح الانتماء الوطنية ويعيش لبنائه واستقراره دون خوف أو فزع ، لان مقومات التمييز الديني والاثني لا مكان لها في ظل حكومة علمانية .
ومن يرى ان هذه الفكرة صعبة التحقيق أو أنها خيالية ،في نفس الوقت أن تحقيق الاستقرار والطمأنينة وازالة الاضطهاد على المسيحيين وغيرهم في ظل هذه الظروف الشاذة في العراق والتناقضات في تصريحات مسؤولينا السياسيين والدينيين لا يتحقق ولا رجاء في تحقيقه مستقبلا.
رابطا المقال والتصريح
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,949278.0.html
http://saint-adday.com/?p=34218

 
 

36
                              التغيير في العقلية وليس في الازياء وغيرها
                                  بمناسبة انعقاد السينودس الكلداني
د. عبدالله مرقس رابي
                         أنطلقت أعمال سينودس الاساقفة الكلدان برئاسة غبطة البطريرك الكاردينال ساكو صباح الرابع من الاب الجاري في بلدة عينكاوة – اربيل- العراق. وهو سينودس دوري يُعقد كل سنة للتباحث في امور الكنيسة الكلدانية لمختلف ابرشياتها.ولان السينودس الحالي له حالة تميزه عن السابقة، وهي مشاركة العلمانيين فيه لمدة يومين.هذه المشاركة جاءت نتيجة دعوة بعض المهتمين من المؤمنين الكلدان وأقرارها من قبل البطريرك ساكو توجهاً مع تطلعاته في التغيير التي يتحدث عنه في عدة مناسبات.وهكذا تحدث في كلمته الصباحية في القداس الذي اقامه في اليوم الاول كماسنرى.
ولعملية التغيير واهميتها تابعت أخبار انعقاد السينودس وبحسب ماورد من الاعلام في موقع البطريركية. وقد أثارت انتباهي بعض الامور في اليومين الاولين وعليه وضعت الفرضية أو التساؤل، أدعو فيها بعض من المجتمعين الى :التغيير في العقلية وليس في الازياء وغيرها.وساحاول تحليل الموضوع وفقاٌ لسوسيولوجية التغير الحضاري أو كما يسميه بعض علماء الاجتماع التغير الثقافي لعالم الاجتماع "وليم اوكبرن" الامريكي.
تنص هذه النظرية على" التغيرات المادية من عناصر الحضارة تحدث بسرعة أكبر من التغيرات في العناصر اللامادية ).اذ  كل حضارة سواء كانت بسيطة او متوسطة او متقدمة في الرقي تتكون من عناصر مادية مثل التكنولوجية أي وسائل الانتاج والفن والبناء والعمران بمختلف اصنافه والمنتوجات الصناعية بما فيها الازياء وغيرها، وأما المعنوية اللامادية تشمل التفكير المرتبط بالعقل البشري واللغة  ومؤشرات الهوية الانتمائية والقيم والسلوكيات والمواقف الاجتماعية والنفسية وغيرها.
التغير وفقاً للدراسات الاجتماعية ظاهرة حتمية ،أنما تعتمد على قوة العوامل المسببة له لكل فترة زمنية أو مكانية.ولعدم التكافؤ في سرعة التغير بين الماديات واللاماديات في المجتمع سيولد ما يسميه وليم اوكبرن " الفجوة الحضارية" على سبيل المثال بكل سهولة يمكن الانسان ان يغير سيارته وملجأ سكنه أو ملابسه أو تسريحة راسه، او ادوات الكتابة وغيرها. انما يحتاج الى فترة أطول لتغيير افكاره ،تلك التي كانت تتناسب مع المرحلة السابقة لمادياته المستجدة.وهذه الفجوة تكون مسؤولة عن حدوث مشكلات اجتماعية لعدم التساوي في معدل السرعة للجانبين.بمعنى هناك سوء التكيف مع المستجدات لان الفرد لا يتقن الفكرة الجديدة ببساطة لتسنجم مع التغيرات المادية ،فيظل التشبث بافكاره وعقليته التقليدية والحرص عليها في تعامله مع الاخرين ونظرته للامور.فمن الصعوبة أن تتغير التصورات العقلية للافراد لكي تتماشى مع المستجدات .وهذا ما حاول تطبيقها عالم الاجتماع العراقي علي الوردي على المجتمع العراقي وسماها " التناشز الاجتماعي"  في اشارة لازدواجية الشخصية العراقية نتيجة الفجوة الحضارية بين التغير التقني والفكري الاجتماعي.أي يكون من اليسر  أن يحصل الفرد للماديات من الحضارة في حياته ولكن ليس من اليسر ان يتخلص الفرد من عقليته القديمة.
ما هو الربط مع السينودس لاساقفة الكلدان؟
عنصر الربط اعلاه بالسينودس هو مفهوم "التغيير" أي ان غبطة البطريرك ساكو يؤكد على التغيير ،وأكد عليه في القداس الصباحي لافتتاحية السينودس حيث جاء في كلمته وفقاً للخبر المنشور"وتوقف عند نص أنجيل لوقا فصل 15 عن الابن الشاطر ،فأشار الى موقف الاب الحنون تجاه الابنيين الضالين ،كيف تجاوز الاعراف السائدة واستقبلها برحاب وفرح( اعتقد هنا خطأ مطبعي أي واستقبله) برحاب وفرح .نحن علينا أن ننفتح على واقعنا ونتفاعل معه ونخرج من النمط الكلاسيكي للتعامل مع كهنتنا وشعبنا".
كلام سليم ،ولكن السؤال هو ،هل طلب الاب تغيير الازياء والممارسات وطرق الاحتفال ،ام طلب من الناس وكرسالة موجهة لنا نحن المسيحيين أن نغير من تفكيرنا وعقليتنا من علاقة الاب بالابن وما يرتبط بتلك العلاقة من عواطف ،كما هي اشارة واضحة للانسان مفاده :الانسان المنحرف يجب ان لاينُبذ من المجتمع وانما هناك فرص الاصلاح الاجتماعي،فاذن يكمن السر في تغيير العقلية نحو المنحرف والموقف من النبذ والطرد الى القبول به لاجل الاصلاح ومنحه فرصة اخرى ولم يطلب تغيير كما قلت في الازياء ولا في مظاهرالاحتفال بعودته فطلب ذبح ما عنده من ثور مسمن ودعا الجميع للفرح والابتهاج .لانه أدرك تماماً من الصعب تغيير العقلية ولكن من السهولة تغيير طرق الابتهاج ومظاهره. فاين  بعض من اساقفتنا وكهنتنا من هذا.أ ليس مطلوب منهم تغيير العقلية والتفكير ؟ وهم اباء كما اراد الاب في مثل الابن الشاطر ان يغير العقلية تجاه المنحرف.
ما أدهشني في الخبرين كما ظهر الاساقفة.
 سبق وقرأنا عن غبطته واساقفة اخرون تأكيدهم على الهوية ،وهنا المقصود هو الهوية الانتمائية سواء كانت اجتماعية اثنية او دينية أو طبقية أو حضارية أو بايولوجية او مهنية. فهناك مؤشرات مشتركة لافراد الجماعة توحي للاخرين من هم أو لنقول لانفسنا من نحن أو الفرد من انا.وهنا هويتنا هي" مؤمنون في كنيسة كلدانية كاثوليكية سواء من الاكليروس او العلمانيين" فأذن لكي نعرف هويتنا لغيرنا لابد ان يكون هناك بعض المظاهر المادية او الفكرية الاجتماعية والنفسية لكي تميزنا ويعرفنا الاخرين اننا كنيسة كلدانية كاثوليكية، والا كيف نحدد هويتنا ؟هل يكون في القول فقط اننا كلدان ولنا لغتنا وازياؤنا ومظاهر اخرى، دون الالتزام بقولنا؟ هذا ما بدى لي واضحاً عند مشاهدتي للصور الملتقطة لمجموع الاساقفة الكلدان الذين يعدون القادة الروحانيين للكنيسة الكلدانية والاولى بهم ان يحرصوا على الهوية الكنسية الكلدانية قبل غيرهم من المنتمين الى هذه الكنيسة. فأي مشاهد لهذه الصور سوف لاتوحي له ان هؤلاء هم اساقفة وقادة روحانيين للكنيسة الكلدانية ، بل هم اساقفة لاتين من الدرجة الاولى أو لنقول الافرنج في الازياء . ويا ليت مثل اللاتين منتظمين. فاللاتين في هكذا مناسبات يرتدون زي واحد ،لا اختلاف فيه،كما لو نظرنا اليهم كانما مهرجان للزي الافرنجي ،عدة انواع من القمصان ،انواع من  البنطلونات  وبالوان مختلفة ،قسم ارتدى السترات والبعض القمصان ،منهم ردن كامل واخرون نصف ردن،كانما يعيشون في ظل حصار اقتصادي ،اذ تذكرني هذه الحالة عندما سُمح لطلبة الجامعات العراقية بارتداء الوان متقاربة كزي جامعي اثناء الحصار الاقتصادي الظالم على الشعب العراقي في التسعينات من القرن الماضي بدلا من الزي المقرر لعدم توفير المطلوب منه في الاسواق.
ومع هذا قسم منهم، صلبانهم ظاهرة للعيان متدلية واخرون مخفية في الجيب!!! هل الصليب ثقيل ؟اذا كان ذلك ليكون صليبهم صغير الحجم ويترك متدلياً على الصدر حباً له وفخراً به وأحتراماً لقدسيته مثلما هم يطلبون من المؤمنين احترام قدسيتهم!! وماذا يختلف الكبير عن الصغير فهو رمز  في المسيحية ومؤشر هويتنا.أ ليست هذه حالة غريبة بين أساقفتنا؟
أ ليس من الاساقفة الواجب ان يحترموا الزي الرسمي لدرجتهم الاسقفية في كنيستهم طالما ينادون الحفاظ على الهوية ؟في كل الكنائس الشرقية والغربية في هكذا لقاءات رسمية على الاقل يلتزمون بزيهم الرسمي الكنسي لكي ينوهون الاخر انهم يمثلون الكنيسة الفلانية .فالحفاظ على الهوية هو من مسؤلياتهم بقدوتهم للاخرين.قد ياتي احدهم ويعبر عن شطارته ويقول : ليست العبرة بالازياء .أو الازياء تتغير بحسب التغيرات والمستجدات من الازياء .نعم ولكن تبقى في المناسبات الرسمية الرموز سارية المفعول وهكذا يتم في كل المؤسسات التعليمية والسياسية والعسكرية وغيرها . وهل شاهدنا الاساقفة اللاتين يوما ما وهم يرتدون البنطلونات القصيرة بحجة ان المودة هي سارية في المجتمع ومقبولة؟قد يرتديه في مكتبه وبين اهله ،اما في المناسبات الرسمية لم أر هكذا تصرف.فلماذا تشذ عنها مؤسستنا الدينية ؟نعم الازياء تتغير ولكن السؤال الاخر أيضا هل عقلية بعضهم قد تغيرت مع تغير ازيائهم .وفقاً لاسس النظرية اعلاه الجواب هو كلا .بدليل تصرفاتهم ومواقفهم تجاه المؤمنين والكهنة، ولو الكهنة لايختلفون عنهم ذرة خردل مما دعا البطريرك ساكو كما اشرت اعلاه هؤلاء الاساقفة في ادراك معاني الابن الشاطر وعودته .
ومن المظاهر الجسدية  في جلوسهم ووجوهم التي اثارت  انتباهي هي ،تعابير الوجه التي توحي بالعبوسية،حيث الشاهد لصورهم لا يرى اشارة لابتسامة ولا تعبير للراحة والطمأنينة والمحبة.العبوسيةوالانكماش في الوجه سايكولوجيا تعبر عن الاستياءوعدم الرضى والعكر والنفور،وعندما تركز في مواقفهم الجسدية في جلستهم يوحي لك كانما يريد النيل من الخصم. ايها الاساقفة اتركوا لنا تعبير المحبة والفرح والمسرة في لقائكم لتنقلوا الطمانينة للاخرين، وللامانة شاهدت صورة واحدة لاثنين من الاساقفة مبتسمان،وكأنما ابتساماتهمها مصطنعة لاجل التصوير!!
أيها الاساقفة المجتمعون
 لا تستعجلوا على تغيير الازياء ،ولا التغيير في الطقس وحذف الصلاة الفلانية والعبارة الفلانية لانها لاتلائم العصر ،ولا في تغيير لغة  اداء الطقوس التي هي الاساسية في التعبير عن الهوية التي تنادون بها فهناك معالجات دون ان يتم تغييرها كما هو عند الفلبينيين اللاتين والبرتغاليين وغيرهم في بلدان الانتشار من التابعين لكنيسة روما ،وهم محتفظون بلغتهم وطقوسهم مع الشركة في الايمان الكاثوليكي.
انما اولا وقبل كل شيء لكي لا تحدث الفجوة الحضارية والتناشز الاجتماعي اي الازدواجية والتناقض في الشخصية.التغيير ان يكون موازياً بين تلك الماديات والتفكير،أي العقلية لكي تنسجم مع العصر الحالي ومتطلباته ، بتغيير العقلية الامور الاخرى تتغير تدريجياً.التحرير من العقلية التي تتشبثون بها بقولكم: لا احد بامكانه ان يجردنا من السلطة.ولا أدري عن أية سلطة تتحدثون ،انكم جردتم من السلطة من القرن السابع عشر عندما فصل الدين عن السياسة والتدخل بشؤون الحكومة وعامة الشعب ,اقتصرت على السلطة الروحية التي منحتموها لانفسكم على افراد من المجتمع أكتسبوا ايمانهم الديني بطريقة ايحائية تلقائية نفسية بواسطة التنشئة الاجتماعية للاسرة .تغيير العقلية لتقبل النقد من الاخرين والرد بالطرق المعاصرة في تفنيد النقد بحجج علمية دامغة ،وليس بالوعيد والصلاة من اجل الناقد ،هذا اسلوب يستعين به الشخص تجاه الناقد لعدم تمكنه من الرد السليم بالمنطق السليم .
تغيير العقلية لكي تتعاملون مع افراد المجتمع الذين يتميزون الاباء والابناء فيه بمستويات تعليمية وثقافية اكثر مما تتميزون به انتم .فالتغيير يكون بمستوى الاصغاء لهم وليس السماع ،التغيير يكون الاحتكام الى المنطق والاعتماد على نتائج الحقول المعرفية العلمية بمختلف انواعها ،التغيير يكون تفهم حالة التخطيط السليم والنجاح في كل مؤسسة ومجتمع انه لايمكن الاعتماد على فرد واحد اوتخصص واحد بل الى فريق عمل من الاختصاصيين .
كما عملتم في ظاهرة دعوة العلمانيين الصورية للمشاركة في السينودس حيث ركزتم كما تبين في اختياركم من هم في اطار محدد، المعلمين او المهتمين في التعليم المسيحي او من الشمامسة .فهل دور العلماني هو في التعليم المسيحي والطقوس التي قد يفهم بها الشماس ؟ ليس كذلك بل كررنا وقلنا دورهم يتمثل في وضع الدراسات والتخطيط في تطوير الاعلام ،اللغة ، الاسرة المسيحية ،الشباب المسيحي ، ظواهر الطلاق التي انتشرت في جماعتنا والتعاطي معها ، طبيعة العلاقة بين الكنيسة والمؤسسة السياسية والحكومة،انحرافات الكهنة والاساقفة، ادارة اموال المؤسسة الكنسية ،الجحود عن المذهب او الدين وامور اخرى متعددة لا أظن الاكتفاء بمن يمثلون العلمانيين بحسب ما حدث اليوم .
فهل سيتمكن العلماني المشارك ان يقول اساقفتي المحترمون عليكم تغيير مستوى تفكيركم لكي يتناسب وينسجم مع عصرنا الحالي؟ لا اظن سيكون له حججاً منطقيا لكي يقولها ،انما ستنحصر مشاركتهم بنعم سيدنا كما تقررون لانهم أي الاساقفة يعرفون من سيسند عقليتهم وتفكيرهم وعليه كانت الدعوة مقتصرة على خدام التعليم المسيحي والشمامسة دون ان تنسجم تطلعاتهم مع التخطيط السليم لمشاركة القانونيين والاعلاميين واللغويين والنفسانيين والاجتماعيين .فماذا يخطط الشماس قانونياً واجتماعياً ونفسياً كيف يخطط للحد من مشكلة الطلاق والقاصرين مثلا والاعلام واللغة ؟
وعليه نكرر ان هذه المشاركة هي صورية ،وقد يقول بعضهم انها تجربة اولى ،ولكن ليفكر لماذا يبني الدار على اساس هش دون دراسة وتخطيط بدلا من العشوائية والمزاجية ؟
اتمنى للاساقفة المجتمعين النجاح في لقائهم السنوي لخدمة كنيستنا وشعبنا والانسانية جمعاء.
 كندا في الخامس من اب 2019
            http://saint-adday.com/?p=33761
          http://saint-adday.com/?p=33736





 

37
                                    من هو العلماني المؤهل
                              للمشاركة في السينهودس الكلداني ؟؟
  د. عبدالله مرقس رابي
                         سبق وان ذكرت في مناسبات أخرى، لنا كل الامل بغبطة الكاردينال البطريرك ساكو لاجراء التغييرات في المجالات المتعددة تخص الكنيسة الكلدانية ،سواء على المستوى الطقسي أو الاداري ومنها دور العلمانيين في الكنيسة. من متابعة اعلامية لما يطرحه ، تعد تلك الطروحات والتأكيدات  مؤشرات استجابة لما يكتبُ المهتمون في الشؤون الكنسية من مقترحات ومقالات. وهي دليل على مدى اهتمامه وحرصه وتفاعله مع الاراء التي تخدم المسيرة الكنسية .ومن جملة ما لاحظته، تلك المواضيع المتنوعة والهامة التي يؤكد عليها في سلسلته الاعلامية "موضوع السبت" ومنها التي تخص مقالنا هذا، ماجاء في الحلقة الموسومة" السينودس البطريركي" . حيث التأكيد والاقرار بمشاركة العلمانيين في السينهودس القادم الذي سيُعقد في شهر آب المُقبل.
يدل بوضوح تفعيل دور العلمانيين وهذا هو أملنا لاسباب ذكرتها في مقالتين اخيرتين لي عن الموضوع. ولان الموضوع مطروح اعلامياً فلابد من ابداء الرأي عن حيثيات الحدث المهم الذي يعد اول من نوعه في تاريخ الكنيسة الكلدانية أن لم يكن الاول في تاريخ الكنائس الرسولية كافة، وبعض التساؤلات عن الموضوع طالما لم يحدد غبطته اسس الترشيح وطبيعة المشاركة .اذ ان الاعلان عن اسس المشاركة المعتمدة سيقطع الطريق للاعتراض على المشاركين.
جاء في المقال
                 "سيشارك وللمرة الاولى في اليومين الاولين علمانيون من كلا الجنسين مندوبين عن أبرشياتهم يشاركون في مناقشة المواضيع :وضع الكلدان وخصوصاً في العراق، ،الرابطة ،الادارة المالية في الابرشيات ،مشاركة العلمانيين في حياة الكنيسة، الشؤون الخاصة بجالياتنا في بلدان الانتشار،سبل التعامل مع الكنيسة في الوطن،الاعلام، الزواج والمحاكم الكنسية ،حماية القاصرين في الكنيسة."
تعد هذه المواضيع مهمة جداً وفعلا لابد ان يكون للعلمانيين دوراً في مناقشتها وأقرارها والمساهمة في تشريع القوانين لمعالجتها .ومما تجدر الاشارة هنا ،موضوع الرابطة ،هل جاء سهوا؟ لان غبطة البطريرك ساكو سبق وأكد على فك ارتباط الكنيسة بالرابطة الكلدانية !!
ما هي القياسات والاسس التي ستُعتمد في فترة قصيرة قبل انعقاد السينهودس لاختيار العلماني المناسب للمشاركة؟
لم يحدد غبطته في المقال المذكور شيئاً عن ما الذي يُعتمد عليه من خصائص ذاتية وموضوعية في الشخص المدعو للمشاركة ،ولم نسمع أو نقرأ من البطريركية شيء من هذا القبيل.فما هي طبيعة العوامل التي ستؤثر في عملية الاختيار ولابد وضع بعض التساؤلات امام البطريكية وغبطته والاساقفة والكهنة.
هل ستتوقف طريقة الاختيار على طبيعة العلاقة بين البطريرك أو الاسقف أو الكاهن مع الشخص المُختار؟ أي بمعنى مدى معرفته للشخص ,ومدى دور المزاج  والانطباع الشخصي والتقديرات التي قد تكون خاطئة للاسقف والكاهن نحو المرشح للمشاركة.وعليه سيكون هناك تاويلات وتفسيرات ما الذي حدث من وراء الكواليس.
هل سيكون المرشح من المقربين للاكليروس؟كأن يكون من ذوي المال والجاه ؟بغض النظر عن مؤهلاته وخبراته الفكرية والميدانية. انما مجاملة وارضاءاً له سيكون هو المرشح.
هل سيكون تحديد التحصيل الدراسي للمرشح عاملا مهما في عملية الترشيح ليُعد مؤهلا للمشاركة الفعالة ؟
وهل يتناسب أختصاصه مع أمكانياته وخبرته عن المواضيع المطروحة،حيث أن مثل هذه المواضيع بحاجة الى اختصاصيين ،فمثلاً موضوع القاصرين ومحاكم الكنيسة بحاجة الى علماني مؤهل وذو خبرة في القانون وبالذات قانون الاحوال الشخصية.وموضوع وضع الكلدان بحاجة الى من له كتابات واهتمامات ومتابعات لشؤون الكلدان ،الادارة المالية بحاجة الى اختصاصيين في ادارة الاموال.والاعلام بحاجة الى المختصين في الاعلام وهكذا. وماذا لوكان صدفة جميع المرشحين للمشاركة لهم مواقف سلبية من الرابطة؟كيف سيناقشون بموضوعية عنها؟
هل سيكون لعامل وجود المرشح في مجلس الخورنة او المجلس الابرشي دورا في الترشيح ؟ام سيتجاوز ذلك الى عموم المؤمنين؟.
وماذا لوحد ث صدفة ان جميع المرشحين لا المام لهم بالقانون او وضع الكلدان او الاعلام ،كيف ستعالج هذه الامور؟
وما المقصود مشاركتهم باليومين الاولين ،وماذا عن الايام الاخرى.؟
الدور
 كما لعملية الاختيار أهمية ليتم ترشيح من هم مؤهلون فعلا ،وليس بحسب تقديرات وامزجة شخصية،هناك أهمية لتحديد دورهم بوضوح وصراحة،علما لم نقرأ او نلاحظ وجود قوانين مشرعة حديثاً بهذا الشأن لكي تعالج التناقضات الواردة في القوانين الكنسية ،او تحديد واضح لدور العلمانين ليتجاوز الاستشارة.فاذا هناك تساؤلات عن ما هية طبيعة المشاركة .
هل سيقتصر دور المشارك ليكون استشارياً وفقاً للقوانين الحالية المرقمة،15 بند3 ،408 بند 1 .والاستشارة كما هو معروف لا تُلزم  الا بالاستماع.
هل سيشارك في اتخاذ القرار والتشريع من خلال ان يكون له صوتاً كما للاسقف؟
ام سيتعامل معه وفقاً للقوانين الحالية التي تؤكد على السلطة المطلقة للبطريرك والاسقف والكهنة،191 بند1 ،55،178، 273 بند1 ،237 بند1 ؟
هل ستكون  مشاركته من أجل الحضور اعلامياً والترضية؟ حيث لو أقتصرت مشاركتهم لابداء مشورة في المواضيع المطروحة دون ان يكون له دوراً وصوتا كما للاساقفة ،ذلك اعتبره شخصياً ووفق المعطيات الادارية المؤسساتية مشاركة شكلية وهامشية لاغيرها .
اتمنى أن لا يُفاجىء العلمانيون المشاركون بتزويدهم منذ اللحظة الاولى في جلستهم بنسخة من قانون 237
وشرحه الذي يمنح السلطة المطلقة للبطريرك والاسقف والكاهن او قوانين اخرى من المرقمة اعلاه ،كما فعل سيادة المطران ،عمانوئيل شليطا" قبل سنتين اثناء خدمته في ابرشية مار أدي ، حيث طلب ودعى بعض من العلمانيين للمشاركة كأعضاء في المجلس الابرشي،ولاول وهلة ونحن ننتظر قدومه ،والا دخل ومعه نسخ من القانون المذكور ووزعه على الحضور وطلب قراءته، وهذا يعد عملا مهما ليعرف المشارك بدوره لكي لا يتفاجىء .شخصياً كنت مطلعاً عليه،بل المفاجأة كانت للمشاركين الاخرين،حيث لفت نحوي من كان بجانبي وهمس في اذني قائلا" وما معنى وجودنا هنا وما هودورنا" أ ليس من حقه؟ لان دورنا كان استشارياً والحل والربط والتعليق والراي الاخير هو للاسقف بحسب القانون.
هذه الخطوة المهمة والتاريخية في المشاركة للعلمانيين ودورهم أن تبدأ من وجهة نظري:
اولا: تشريع قوانين كنسية واضحة عن دور العلمانيين وحدوده في المجالس الكنسية ،السيهنودسية، الابرشية، الخورنية،ووضع نظام داخلي في ضوئها للعمل، يحدد  فيه دورهم التشريعي وحقهم في التصويت اسوة بالكهنة والاساقفة.
ثانياً :ارى ان هذه الخطوة للمشاركة في السيهنودس هي مبكرة ،فلابد من تفعيل دور العلمانيين في مجالس الخورنة والابرشيات ،ووضع قياسات تعتمد على اسس منطقية مدروسة في عملية الاختيار وتعمم على الكنائس والابرشيات لكي لا تتدخل الحالة المزاجية والتقديرية للاسقف او الكاهن او تتاثر عملية الترشيح بالمؤثرات التي ذكرتها في البدء.بل تقيس الكفاءة والخبرة والقدرات الفكرية والاهتمامات للمشارك ليكون مناسباً.
ثالثاُ: اعلان مُسبق لاسماء المشاركين ليكون للمؤمنين علم بما حدث ومعرفة بمن سيمثلونهم في السيهنودس البطريركي،وقد تكون هناك مؤشرات ومواقف قد لا تؤهل البعض يتغاضى عنها الاسقف او الكاهن ،بل تكون معروفة لدى المؤمنين.
رابعاً :لابد ان تكون هناك فترة زمنية كافية للمشاركين للتحضير والاستعداد والتهيئة  لبناء منظومة فكرية ومنتظمة عن المواضيع المطروحة ،لان مثل هذه المواضيع المتعددة لا يمكن ان يلم بمعلومات كافية عنها مشارك واحد.فهي تحتاج الى دراسات لتبني مقترحات في ضوء نتائجها ،لو اردنا ان يكون الحدث جدي. ويمكن أن توزع المهام للبحث والدراسة بحسب الابرشيات وأختصاص واهتمام المشارك ،فمثلا ابرشيات العراق يبحث مندوبيها في مسالة القاصرين،ومندوبين اخرين مهتمين بالنشاط الاثني يبحثون في احوال الكلدان ، واخرين مختصين يبحثون في الزواج والشباب ،ومندوب من الرابطة يبحث عن الرابطة وهكذا. والا في مثل هكذا سرعة ستكون مشاركتهم شكلية ولتسجيل الحضور والاستهلاك الاعلامي ولا قيمة لها اضافة الى ما تكلف الكنيسة من اموال لجمعهم من بلدان الانتشار.
خامساً: في كل الاحوال ،اذا اقتصر دورالمشاركين كأستشاريين ،ارى عدم ضرورة التوجه الى بغداد ،بل الاستعانة بوسائل الاتصال المتطورة لابداء ارائهم ، ومنها "السكايب" او مراسلات داخلية .طالما لا صوت لهم يُذكر في الاقرار والتشريع.
سادسا: فتح باب الترشيح للمؤمنين وفقاً للاسس المعتمدة التي سيعلن عنها ،وعليه ستتحقق العدالة الاجتماعية والركون النفسي لهم.
تمنياتي بالتوفيق للسيهنودس الكلداني العام ولكافة المشاركين العلمانيين المؤهلين لهذا الحدث الكبير.مع تمنياتي أن يأتي اليوم الذي يكون من بين سفراء الفاتيكان العلمانيين المؤهلين.
كندا
في 10 حزيران  2019

 





 

38
                               تصريحات البطريرك الكاردينال ساكو
                                  وردود المتابعين العشوائية
د. عبدالله مرقس رابي
                           بات الجميع يعرفون الميزة الاساسية لهذا العصر،ميزة الاعلام المفتوح ،أي أصبح بأمكان كل فرد في المجتمع وبمختلف المستويات الدراسية ومن المختصين وغيرهم تلقي الاخبار وما يُكتب من مقالات وتحليلات في وسائل الاعلام، أو توفر الفرصة للجميع للكتابة والتحليل ،وأخص بالذكر في الصحافة الالكترونية. ومن متابعتي المستمرة لما هو مكتوب ويُكتب تبين أن الكثيرمن الكتابات أو الردود تفتقد الى المهنية والاسس المعتمدة في الاعلام، ولا ترقى الى مقالات أو تحليلات للنصوص يمكن الاستناد عليها والاستفادة منها.
 تغلب التفسيرات العاطفية على الموضوعية،والكاتب لايراها من منظوره الا حقائق.أما تأثراً بالايديولوجية السياسية أو المذهبية الدينية التي يتقيد الكاتب بتصوراتها الفكرية ولايمكن تجاوزها،أو تأثراً في طبيعة العلاقات التي سبق وحددت مواقف تنافرية مع الاخرين المعنيين.وهي كتابات لا تخلو من الانفعالات الشخصية والانحيازات والميول،فأصحابها مشدودي الاعصاب وتحت ضغط نفسي ،كأنما المقال أو الرد هو مناسبة أو وسيلة لتفريغ شحنات التوتر النفسي. لهذه الاسباب يوحي للقارىء أو المتابع  أن الردود الواردة على التصريحات أو المقالات لم تكن الا نتيجة القراءة السريعة لها تحت تأثير السياق النفسي المذكور،فتأتي غير مترابطة ودقيقة،بل متناقضة وناقصة ، حيث تتوقف على النص أو الكاتب، دون الاكتراث بالمؤثرات الخارجية والمتغيرات المحيطة بالكاتب في المجتمع الذي يعيش فيه،وما يرتبط بنمط رسالته الفكرية والمهنية.
ومن مؤشرات الضعف وعدم المهنية أيضا، افتقاد الكتاب الى الخبرة في استخدام المفاهيم في مكانها المناسب والخلط والغموض،ويرجع ذلك الى عدم الالمام بالمفاهيم التي تحدد معانيها العلوم الاجتماعية والانسانية لان أغلب المقالات المكتوبة والردود هي في السياقات المعرفية لها. مما يجعل الموضوع أو الرد بعيداً عن هدفه. وعليه الكتابة وتحليل النص يحتاجان الى الخبرة والدراية بالاسس المعتمدة والالمام بالميدان المعرفي الذي يخص الظاهرة المعنية. والمشكلة العديد من الكتاب والمعقبين يؤكدون على أنفسهم ،انهم يكتبون بموضوعية وحيادية ويقبلون الراي الاخر، ولكن أذا ما نُقدوا من الاخرين يثورون ثورة عاطفية عارمة جامحة.
أن تحليل النص أو الخطاب ،هو أحد المناهج الذي يستخدمه الباحثون الاجتماعيون في كتاباتهم ودراساتهم. فالخطاب يرتبط بالمجتمع،ومن وظائفه ،التواصل الاجتماعي وتغيير المواقف والاتجاهات، بمعنى أيصال رسالة الى المتلقي عن ظاهرة ما.ومن مميزاته أستخدام اللغة التي تتوافق أو تنسجم مع البيئة المجتمعية السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية.ولما كان الخطاب نصاً موجهاً في مجال فكري معين، فالقائمون على تحليله لابد من ألمامهم بقواعد التحليل ،فالمطلوب البحث في العلاقة بين بناء النص لغوياً والتفاعلات، وربطه بالبيئة المحيطة بكاتبه ومهنته وموقعه أو مكانته في المجتمع ومسؤلياته ،لكي يتسنى كشف الدوافع المؤثرة في تفكير الكاتب والهدف من الخطاب أو الرسالة الموجهة.وعليه نستشف وجود الفرق بين تصريحات السياسي ،او النقابي ،أو الرجل الديني أو الاكاديمي المختص أو الانسان العادي ،علاوة على تأثيرالعمر .فلغة الشباب تختلف عن الكهلة والمتقدمين في السن مثلا، وهكذا بالنسبة الى المستوى الدراسي والاختصاص ،كما نرى االاختلاف وفقاً للانتماء الطبقي، وأخيراً التأثير الناجم عن الحالة النفسية التي يخضع اليها الفرد.
تتأثر لغة الخطاب أو التصريحات عند البطريرك الكاردينال مار ساكو بالطبع بعدة عوامل،لعل أبرزها هي كونه رجلاً دينياً ورئيساً للكنيسة وشخصية عالمية لكونه كاردينالاً ومعروفاً على المستوى الدولي أضافة لما يتمتع به من المعرفة المتقدمة من جراء الدراسة والبحث والخبرة الحياتية بحكم العمر والعمل.هذه الميزات الشخصية التي يتميز بها تُحتم من غبطته ان ينطلق من المفاهيم التي تلقاها في تنشئنه الكهنوتية الدينية ومنسجمة مع مكانته التراتبية في الكنيسة محلياً وعالمياً.
ما الذي يستوجب أن يتضمن خطابه أو تصريحه؟ بالطبع سيتأثر محتوى الخطاب أو اللغة المستخدمة والمفاهيم بتلك الميزات المُشار اليها اعلاه.فهو يبحث عن العدالة والتضامن ومنح حقوق الافراد بغض النظر عن دينهم ،يُرسخ خطابه الروح الوطنية والانتماء الوطني ،أذ يدعو فيه الى تحقيق التوازن لحماية الانسان والوطن ولهذا تأتي تأكيداته على بناء دولة مدنية تضمن حقوق الجميع بالرغم من الاختلافات الانتمائية الدينية والاثنية والطبقية.يُطالب القضاء على الفساد،وضع الانسان المناسب في المكان المناسب عملياً أعتماداً على الكفاءة والقدرة وليس على أساس الانتماء السياسي والاثني والديني كما يحصل في العراق.يستنكر الاضطهادات والتمييز على اساس الهوية الدينية. وينبذ الخطاب الديني المتطرف الذي يثير النعرات الطائفية والحروب الدموية،ويدعو الى تجديد الخطاب الديني وفق منظومة القيم الحضارية لتسنجم مع الواقع .ويؤكد على دور التربية ومناهجها في الاصلاح والتغيير في العقلية البشرية.
وألفت أنتباه القارىء الى أن ما أشرت أليه مما يقدمُ أليه غبطته ليس تدخلا بالسياسة كما يفهما البعض بحسب مقاساتهم.هذه من صلب واجبات رجل الدين ،تحدث في كل مكان وزمان من العالم ،المتقدم والنامي والمتخلف بشكل وآخر.هذه هي صميم الرسالة المسيحية التي ينادي بها ويدعو اليها رجل الدين المسيحي حول العالم معتمداً على النصوص والتعاليم الانجيلية.
ينطلق البطريرك مار ساكو في تصريحاته وخطاباته من الواقع المجتمعي الذي يعيشه بكل تفاصيله وبتماس مباشر بحكم علاقاته الواسعة واتصالاته المباشرة مع أفراد المجتمع ،ليس كأنسان عادي ،وانما من موقع مسؤولية كبرى ،ذلك الموقع الذي يؤهله لان يكون مطلعاً على كل تفاصيل الاحداث في المجتمع العراقي سياسياً واجتماعياً ودينياً واقتصادياً وديمغرافياً وتربوياً ونفسياً.والاهم لابد وضع في تفسيراتنا لما يصرح به غبطته ،المرحلة الفكرية الدينية التي يعيشها المجتمع العراقي والمؤثرة في النظام القانوني والسياسي وكل مفاصل الحياة.
يعيش المجتمع العراقي في حالة لا تتميز بالاستقرار السياسي والقانوني والامني .تلك الحالة التي تستحدث بين فترة وأخرى متغيرات ومواقف اجتماعية ونفسية وسياسية ،لابد التعاطي مع تلك المتغيرات.وعليه ان التبدل في مواقف البطريرك مار ساكو ولغة تصريحاته لا يدل على التناقضات ،او انه أستشف الحالة  مؤخرا أو ما شابه، انما تأتي وتتزامن مع المستجدات. فما تصريح أو مقال غبطته الاخير عن وضع المسيحيين في العراق المعنون( المسيحيون"مهاجرون مؤجلون"أمام موقف حكومي غائب)الا انعكاساً على المتغيرات والاحداث السريعة ،فهو رجل الكلمة وليس رجل السلطة والقوة في المجتمع .فلما توصل الى قناعة من ربط المتغيرات ،أن لا جدوى ولا نتيجة من الحكومات المتعاقبة في حماية حقوق العراقيين من المكون المسيحي بالرغم من الوعود المتكررة،جاءت لغة خطابه كما ورد في التصريح الذي كنت أفضل شخصياً، لو كان بصيغة بيان بدلاً من مقال لاصبح أكثر وقعاً على المتلقي،لان البيان له سياق رسمي ولغة رسمية موجه الى المعنيين. وبهذا المعنى أن تصريحاته تأتي مرحلية وكما ذكرت منسجمة مع واقع المتغيرات والاحداث .
بحكم أختصاصي وباحثاً ومتابعاً ،أرى أن لغة الخطاب في تصريحات مار ساكو تستند الى الاسس المنطقية  في بناء الخطاب أو التصريح أو المقال.بينما تتميز  الكثير من التحليلات أو التعقيبات على تلك التصريحات من قبل المهتمين من أبناء شعبنا بالعشوائية، أو كما سماها الكاتب القدير "عبدالاحد سليمان بولص "  في مقالته الاخيرة عن نفس الموضوع والجديرة بالاهتمام( كتابات او ردود المتطفلين)،وكما سماهم أيضا الكاتب القدير" نذار عناي" في مقالته الاخيرة المتميزة( سرهوائيين). بمعنى أنها غير مدروسة ولا تعتمد على الاسس المنهجية في التحليل ،وتفتقد الى بناء منظومة فكرية تربط النص واللغة بما هو عليه الكاتب من مسؤلية تُحتم عليه أن يخاطب الاخرين بهكذا لغة،أو أفتقارهم للكشف عن الترابط بين النص والدوافع، وثم كيفية ربطه مع المتغيرات والمستجدات والواقع المعاش.
يريد البعض من غبطته أن يتحدث بمفاهيم أثنية (أو قومية باللغة السياسية) في حين هو مسؤول روحي ديني ويعيش ويطلق تصريحاته في مجتمع تسوده المفاهيم الدينية بكل مفاصل الحياة،فيتحتم عليه أن ينطلق من مفهوم"المكون المسيحي" لان المسيحيين في العراق هم مواطنون عراقيون ،ويدعو الى تنمية وترسيخ روح الانتماء الوطني للعراقيين كافة وبناء دولة قانونية مدنية تحقق العدالة للجميع.هل نريد من رجل الدين ان يتحدث بالقومية وبتسمية كما يحلم بها بعض المعقبين وفي حينها نفسهم يقولون ان البطريرك مار ساكو يتدخل بالسياسة؟!هل تعريف المضطهدين في العراق في ظل الاوضاع الدينية السائدة بمكون( الكلداني والاشوري والسرياني ) أو غيره سيكون أكثر وقعة من ( المكون المسيحي) على المتلقي؟ فغبطته ومن هم داخل العراق وحتى الاحزاب السياسية هم الادرى في كيفية تعاطي الحكومة العراقية مع غير المسلمين. بالرغم من أن احزاب شعبنا تسعى لتعريفهم من قبل الحكومة بتسميتهم الاثنية ،الا ان العقلية الدينية في السياسة العراقية المستمدة من تعاليمهم نبقى عندهم "مسيحيون" ولا غير.
أعتقد آن الاوان على أبناء شعبنا الخروج من المدرسة الثقافية القومية التي فشلت في الخروج من الازمات المجتمعية والتحول الى الثقافة الوطنية. حيث تغير المفهوم القومي للانتماء العرقي منذ فترة طويلة الى الانتماء القومي الوطني الجغرافي الذي يتضمن عدة أثنيات للتخلص من التقوقع القومي الضيق الى الوطني. وهذا يمارسه ويتفهمه البطريرك مار ساكو ،أي اننا مواطنون عراقيون حالنا حال جميع المكونات الاخرى وبعقلية نص خطابي للعقلية المتلقية وفقاً للمفاهيم الدينية السائدة وليست القومية. 
وكثيرا ما يُنتقد غبطته على أنه ينفرد في أتخاذ قراراته ،أو التعبير عن مواقفه رسمياً دون اللجوء الى العمل الجماعي، ينعدم الربط عندهم بين المسالة وتلك الظروف المقترنة بأمكانيات أحداث عمل جماعي من دونه لافتقارهم الى العوامل التي تحول تحقيق ذلك .البطريرك مار ساكو يتحدث عن رعيته وعن مؤمني كنيسته ولا يعمم عندما يطرح مسائل تتعلق بالوجود المسيحي في العراق أنه يتحدث باسم مسؤولي الطوائف الاخرى أبدا. فهو مدركاً تداعيات التحدث بتلك الطريقة،ومتفهماً السياق الرسمي والتنظيمي بحيث لا يجوز تجاوزه.فعندما يطلق صرخته لانشاء لوبي لانقاض بلدة تلكيف المسيحية الكلدانية ،أو أية بلدة او قرية مسيحية كلدانية ،هي من منطلق مسؤليته التنظيمية الكنسية لابناء تلك البلدة مثلما ينطلق مسؤلي الكنيسة السريانية لصرخة لانقاض بلدة بغديدا او برطلة مثلا وفقاً لمسؤليتهم التنظيمية وهكذا بالنسبة للمسؤلين في الكنيسة الاشورية.ذلك لتجاوز الفوضى والانفلات والتداخلات، طالما الواقع يشير الى وجود طوائف مسيحية مختلفة.وما يعبر عنه تجاه المسيحيين بأستخدام مفهوم" المكون المسيحي" هو تعبيراً عن رأيه وشعوراً منه ما يخضع أليه كافة المسيحيين بمختلف طوائفهم.
هكذا بالنسبة الى موضوع الهجرة ،تأتي تعقيبات غير مدروسة أيضاً ،كأنما في يده عصا موسى أو الفانوس السحري ،يقول لمسؤلي الهجرة الدولية ارفض أو اقبل .في حين موقفه من الموضوع واضح ومتفهم له ولتداعياته ،ولهذا يؤكد على ألمه من الهجرة وما يتعرض له المهاجرون في دول الانتظار ،ويدرك تماماَ أن الهجرة قرار شخصي ومسؤلية فردية،وماهي عواملها الطاردة والجاذبة ،ولكن هل من المعقول ينادي وهو في موقع مسؤليته الدينية أن يقول: هاجروا واتركوا بلدكم وأنا أسهل لكم اجراءات تنقلكم؟أم أنه ينطلق من الوجه الاخر لينادي ويقول للحكومة العراقية،أضمنوا سلامة المسيحيين وحقوقهم لكي لا يهاجروا؟
اخوتي المهتمين والمعقبين ، النقد والتعبير عن الراي مكفول كحق من حقوق الانسان ،وعليه لا أقصد،ليس من حقك أن تعبر عن رأيك تجاه أي خطاب ولاي شخص ديني أوسياسي أوتربوي وغيرهم،انما الذي أدعو أليه التزام الاسس المنطقية للتعبير عن الرأي وطرح حجج منطقية لاقناع الاخر،وأن لا نخرج عن الموضوع مثلما ما أكد عليه الكاتب القدير "قيصر السناطي" في أحدى تعقيباته المهمة( بدلا أن ندعم موقف غبطة البطريرك الكاردينال مار ساكو حول ما جاء في مقالته ،بدأنا ندخل في مواضيع  أخرى لا علاقة بالموضوع كالتسمية والصراع على الكراسي).وفعلا هذا الذي جرى ويجري في كل مناسبة من قبل كتابنا المهتمين.لنبتعد عن التفسير العاطفي بكل أشكاله وبما فيه الاحكام المسبقة والعشوائية، وننهج التفسير المنطقي الذي يعتمد على قواعد مدروسة ومثبتة علمياً لكي نحقق نتائج أيجابية لخدمة الانسانية.
شكرا للقراء الافاضل 
رابط مقال الكاتب عبدالاحد سليمان بولص
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,936026.0.html
رابط مقال الكاتب نذار عناي

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,936113.0.html


 


39
                                  علم الاجتماع واللاهوت
                              ودور العلمانيين في الكنيسة
 د. عبدالله مرقس رابي
                        يأتي هذا المقال مكملا للمقال المعنون " أنا الكل بالكل" ودور العلمانيين في الكنيسة مع الرد على توضيحات غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو التي اعلنها عن المقال مشكوراً تحت عنوان "توضيحات عن بعض ما ورد في مقال الدكتور عبدالله رابي(في موقع عينكاوا) وحول التعليقات بشأنه".وقد لاحظت من الضروري جدا أن أوضح بعض المسائل التي تربط علم الاجتماع باللاهوت والكنيسة ودور العلمانيين كمدخل لتوضيح دوافع الكتابة من المنظور السوسيولوجي والرد على توضيحات غبطته. أعتقد ان المقال هذا يعد درساً  مختصراً في علم الاجتماع الديني من الضروري أن يطلع عليه الاكليروس وطلبة المعهد الكهنوتي .فضلا عن الاستفادة المرجوة للقراء الاعزاء جميعاً.
علم الاجتماع ظهر كعلم مستقل عن الفلسفة في القرن التاسع عشر وتحديدا بعد ان اطلق تسميته عالم الاجتماع الفرنسي "أوكست كومت" 1798- 1857 بدلا من الفيزياء الاجتماعية"عام 1839 ليتبنى الفلسفة الوضعية في التحليل عوضاً عن التحليل بمنطق القياسي الاستنباطي الذي تعتمده الفلسفة واللاهوت في تفسيرهما للظواهر.يعتمد في الدراسة على أستقراء المعلومات عن الظاهرة ميدانياً مُستخدماً ادوات متعددة. أي يدرس الحقائق الجزئية من حيث مظاهرها المحسوسة بأعتبارها مستقلة عن بعضها ومُقراً بنسبية الاشياء.وثم الاعتماد على مناهج تتناسب مع طبيعة الظاهرة في التحليل. مما تجعل هذه المنهجية عالم الاجتماع بعيداً عن التأمل النظري حول طبيعة الظواهر الاجتماعية .
أما اللاهوت، لغوياً قد تكون الكلمة أصلها باللغة الارامية "الاهوثا" ،اذ يترجم  المطران "اوجين منا" هذه الكلمة الى علم اللاهوت ص 22.وفي الانكليزية " ثيولوجي" المتداولة أكاديمياً ،وأصلها أغريقي،ثيوس "الله" ولوجي" المعرفة" أي علم أو معرفة  الله، وهو أمتداد للفلسفة،وقد اخذ اللاهتيون ما يفيدهم من الفلسفة في تدعيم العقائد المسحية، فأُخضع الدين لمنهج يتوافق مع الفلسفة.
ينطلق اللاهوت من التداخل المشترك بين الاشياء الموجودة. ويدرس الحقائق الكلية، بحثاً عن العلل الاولى،ولا يؤمن بأن الظواهر تخضع للقوانين،انما غايته وضع مبادىء فلسفية فقط بالطريقة الاستنباطية التأملية للعلل،مستخدماً البرهان العقلي في التفسيردون أخضاع المادة المدروسة الى التجربة الوضعية كما في علم الاجتماع. ويؤكد الدكتور "ريتشارد براث" ( أنه مهما كان اللاهتيون متفقين، فهم ليسوا سوى بشر ومهما أدعوا بأنهم مراقبون موضوعيون للحقائق، فأن آرائهم تتأثر كثيراً بأختبارات حياتهم).
محور التقاء اللاهوت وعلم الاجتماع
لكل حقل معرفي جوانب عدة يتناولها في الدراسة، وعليه يتفرع الى ميادين متخصصة لدراسة الظاهرة التي تشترك بخصائص معينة للتركيز عليها. فعلم الاجتماع يتفرع مثلا الى الاجتماع السياسي لدراسة الظاهرة السياسية والجنائي لدراسة الجريمة والديني لدراسة الظاهرة الدينية وفروع أخرى مختلفة باختلاف الظواهر. كما أن اللاهوت أيضاً تفرع الى عدة ميادين، كاللاهوت الوجودي والدفاعي والاخلاقي او الادبي والرعوي أو العملي وغيرها من الميادين.
يعد علم الاجتماع المؤسسة الدينية مؤسسةً اجتماعية طالما تتكون من أفراد تحدث بينهم العمليات الاجتماعية،وللتركيز على دراستها تخصص علم الاجتماع الديني في تناولها كظاهرة أجتماعية وعليه يكون المختص في الاجتماع ملماً باللاهوت كما هو ملم بكل ميادين المعرفة لان عمله يتطلب ذلك. فيدرس الظواهر الاجتماعية في المؤسسة الدينية وتأثيرها المتبادل مع المؤسسات الاخرى.كما انه يدرس وظيفة وتأثير الدين في عقلية وتفكير الانسان وسلوكه ومواقفه واتجاهاته نحو الظواهر الاخرى في المجتمع.فعلم الاجتماع الديني لا يدرس الغيبيات، ولا يهمه مثلا مدى صحة المعتقدات الدينية من عدمها ولا يقر ديناً أفضل من غيره، ولا يفسر طبيعة الله وخصائصه، ولا يقر بدراسة مصير الانسان ما بعد الموت.
ومن جانب آخر يتخصص اللاهوت الرعوي أو اللاهوت العملي بدراسة المؤسسة الدينية أو الكنيسة كمؤسسة في المسيحية. يضع المعايير التي تحدد أهداف الممارسات في الكنيسة. ويبحث عن السبل الناجحة لتتناسب تلك القواعد والمعايير مع الفترة الزمنية التي تعمل فيها الكنيسة من حيث المتغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها. ويحاول أيجاد الاسس لتطوير تلك الممارسات الكنسية لتحقيق الاهداف. فهنا يمكن اعتبار فرع اللاهوت الرعوي هو محور التقاء اللاهوت مع علم الاجتماع لتناولهما المؤسسة الدينية كظاهرة موجودة ضمن الاطار الكلي للمجتمع وباعتبارها جزءاً من البناء الاجتماعي وفي حالة ديناميكية مع المؤسسات الاجتماعية الاخرى في التأثير المتبادل مُستعيناً أي اللاهوت الرعوي بالنتائج التي يتوصل أليها علماء الاجتماع في دراستهم لان كلاهما يلتقيان من أجل الاصلاح.
متى بدأ اللاهوتيون الاعتماد على نتائج علم الاجتماع؟
   بدأ الاهتمام بمعطيات علم الاجتماع وأدراجها في التفكير اللاهوتي الرعوي منذ تأسيس "ارسالية فرنسا" عام 1941 على يد الكاردينال"عمانوئيل سوهارد" .غايتها تحطيم الاسوار التي تفصل الكنيسة عن المجتمع الذي تعيش فيه والفترة الزمنية التي تعمل فيها. واعتمد قانونها البابا " بيوس الثاني عشر" سنة 1954. وأصبحت النموذج الذي تبناه المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد للفترة ما بين 1962-1965.
 وقد كان هذا المجمع منعطفا كبيرا ومهما جداً في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية الحديث. فهدفه كما أعلن البابا يوحنا الثالث والعشرون في أفتتاحيته ( أن هدف المجمع الجديد يعيد الى وجه الكنيسة بهاءها الاول الاصيل وأن تُحافظ على الايمان المقدس وتعبر عنه بطريقة أكثر ملاءمة للعصر). أي بمعنى تأكيده على الكنيسة أن تواكب التطورات المجتمعية والتكيف مع وضع المتغيرات الثقافية والاجتماعية، مع الحفاظ على حقائق العقيدة التي هي غير قابلة للتغيير .
أعتبر المجمع اللاهوت الرعوي طريقة جديدة للعمل من خلال اطلاع المختصين فيه على نتائج العلوم الانسانية وأستخدامها في العمل الرعوي. وذكر بوضوح التخصات النفسية والاجتماعية ،اضافة الى البيولوجيا والطب وعلم الاجناس وعلم اللغة وتاريخ الاديان وعلم الاتصال.على أثر هذا التأكيد توسعت الاستعانة بالعلوم الاجتماعية.وهذه أمثلة على بعض التأكيدات:
بلور هذه الفكرة (بولارد) في امريكا تأثراً بخبرة ارسالية فرنسا. واسس "حركة العناية الرعوية"،.ركزت على دراسة الصعوبات التي يتعرض لها الكاهن في ادارة الكنيسة، وتأثرت هذه الحركة بمفاهيم علمي الاجتماع والنفس لتحليل النشاطات الكنسية ،وساعدت في فهم العلاقة بين الايمان والتطورات الحضارية المتعاقبة.
وأشهر اللاهوتيين المعاصرين الذي يؤكد على هذا الاعتماد هو "الدكتور يوهانس فان ديرفين" المختص باللاهوت الرعوي في جامعة مونتريال الكندية حيث يقول: (توجيه اللاهوت الرعوي الى التجربة من خلال الاستقراء الذي تقدمه العلوم الاجتماعية ووفقها يتم صياغة المفاهيم بطريقة جديدة. ويضيف لابد من اعتبار العلمانيين داخل الكنيسة كفاعلين وليس مجرد افراد يخضعون لرعاية الاكليروس لتكوين وتشكيل نموذج أجتماعي يمثل الكنيسة في مجتمعنا المعاصر. أي أن لا يكون كمتلقي للعمل الرعوي، بل عنصر نشيط فيه له أدواره التكميلية. ويستطرد في تحليله، ان الهدف من ذلك، الابتعاد عن النموذج التقليدي للاكليروس وتخفيف من بيروقراطيتهم ورفض التقديس للسلطة، ويؤكد لابد التحرر من الثقافة الدينية الشعبية عن طريق قراءة جديدة للمؤسسة الكنسية من خلال العلوم الاجتماعية).
وأكد اساقفة أمريكا اللاتينية في مؤتمرهم عام 2007 ضمن وثيقتهم الختامية عن هذا الموضوع ( نرى الواقع بطريقة منهجية من وجهة نظر المؤمن .ويرتبط اللاهوت الرعوي بالتبادل الفعال مع العلوم الاجتماعية وأدواتهم لتفسير الواقع).
وأكد البابا "بندكتس السادس عشر 2005على( أن الكنيسة تنمو وتتطور مع الزمن). كما أشار مؤكدا البابا فرنسيس في ارشاده الرسولي"فرح الانجيل" ( الكنيسة مدعوة لتمييز علامات الازمنة الخاص بها والعمل على استنباط مجموعة من الممارسات والاعمال الرعوية التي تتناسب مع متطلبات الواقع الذي تعيشه في بيئتها الاجتماعية)-للتفاصيل راجع رجاءاً الدكتور مراد درباس "الاب" علم اللاهوت الرعوي.والدكتور ريتشارد براث،علم اللاهوت-
ومنذ تسلمه البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو البطريركية يؤكد دائماً في طروحاته وتاكيداته في السيهنودس على التغيير المناسب للعمل الرعوي ليتناسب مع العصر والاهتمام بدور العلمانيين في الكنيسة. ويعد الشعار الذي أقره " ألاصالة والتجدد والوحدة" محور الانطلاق لعمله الرعوي.
 وفي ضوء المعطيات أعلاه أود توضيح وابداء رأيي كباحث مختص عن التوضيحات التي قدمها غبطة البطريرك الكاردينال مار ساكو عن المقال المذكور في المقدمة من المنظور السوسيولوجي.
أكد ( ان الديانة ليست معلومات نكتسبها أو طقوساً مسرحية نؤديها، بل أنها حياة نحبها ونعيشها).أنما وفقاً لمعطيات علم الاجتماع، كل نمط من الحياة مبني على مجموعة من المعايير والقواعد التي تُصاغ من القيم الدينية أو الاجتماعية، فالديانة ووفقاٌ لتعريف "عالم الاجتماع الفرنسي " أميل دوركايم" الذي يعد اساسياً للمهتمين بالمؤسسة الدينية والذي استنتجه من دراساته ومقارناته لعدة أديان بشرية وضعية وسماوية. ومفاده( الديانة نسق موحد من المعتقدات والممارسات المرتبطة بأشياء مقدسة ومنفصلة ومحرمة ،انها عقائد وممارسات توحد الجماعة في وحدة أخلاقية لكل المنتمين أليها). التوحيد الاخلاقي الذي تكونه الديانة لمؤمنيها يُكون السلوك الجمعي أو العقل الجمعي لهم،وثم تصبح أسلوبا للحياة لهم لتنميط سلوك الفرد بما يُنقل أليه عبر التنشئة الاجتماعية للاسرة في الطفولة المبكرة والمتأخرة وثم عن طريق الكنيسة نفسها فتحول الفرد المولود الى شخص من اللادين الى الدين وعن طريق الايحاء النفسي الذي يقترن بالتنشئة دون ان يفكر ويدقق ما يتعلمه فتصبح تلك المكتسبات جزأً من شخصيته.
 فأذن كل ديانة وبما فيها المسيحية ،يكتسب مفاهيمها المؤمنون وبدرجات مختلفة من الـتأثير أرتباطاً بالمتغيرات الاخرى المتفاوتة بين الافراد. فلا أحد ولد وولدت مفاهيم دينية معينة معه، بل تتطور تلك المفاهيم لتكون ممارسات طقوسية وأسلوب للحياة يحبها ويعيشها، يشترك فيها الفرد بالعقل الجمعي مع عموم المؤمنين.وبدلالة واضحة وبسيطة لو أخذنا طفل ولد من والدين مسيحيين،ونفصله عنهما فصلاً تاماً ويتربى في أحضان أسرة تؤمن بمفاهيم دينية اسلامية. فماذا سيكون أسلوب حياته في العيش ياترى!؟ وان توزيع الاديان البشرية الى أنماط مختلفة لهو دليل واضح وجلي انهاعبارة عن نسق من المعلومات المكتسبة في اسلوب حياتها وعيشها والارتباط بها.هذا يعد قانوناًعلمياً  توصل أليه علماء الاجتماع مفاده" القيم وبما فيها الدينية هي مكتسبة مع وجود نوازع ذاتية بايولوجية عند الانسان تدفع به لتقبل أو رفض تلك القيم بحسب شدة النازع". وهنا يظهر الاختلاف بين اللاهوت وعلم الاجتماع في تفسير الظواهر. 
    لم يظهر في مقالتي المعنية أن الفرد المؤمن "يخاف الله " بل أكدت واستنادا الى دراسات علم الاجتماع الديني، الانسان يخاف من مصيره ما بعد الموت، ولما كانت الديانة هي التي تفسر حالة الحياة ما بعد الموت،وتهتم بأعداد المؤمن وتهيئته،فيصبح مُنساقا عقلياً الى أطاعة رجال الدين حتى لو كانوا على خطأ وهذا من عوامل ارتباطه بالكنيسة.
ليس من اهتمام علماء الاجتماع وصف الله من حيث طبيعته وخصائصه.اذا كان محباً أو غاضباً أو منفعلاً وماشابه. هذا من تدبير اللاهوتي بالطريقة الاستنباطية العقلية. انما عالم الاجتماع يهمه الواقع المحسوس. يدرس طبيعة العلاقة بين المؤمن والله وكيف يتصرف حيال ما تمليه الديانة من مفاهيم ومعايير اخلاقية. اضافة الى ما ذكرته في الفقرة الخاصة اعلاه بتعريف علم الاجتماع.
نعم كلنا نحب الله والله يحبنا كما علمتنا المسيحية وباتت معروفة للجميع لانها قاعدة نمت معنا منذ الطفولة. ولكن ماذا عن مصير المؤمن ما بعد الموت طالما هناك مفاهيم الدينونة والحساب التي هي أحدى محاور اللاهوت؟ اذا ألغى اللاهوت هذه المفاهيم من فلسفته،عليه يقر بعدم الاعتراف بالفصل بين الخطاة والصالحين.وهذا الذي يخافه المؤمن من مابعد الموت وليس من الله . أذ للانسان ميلا طبيعياً للخلود ولكن هذه الحالة يرافقها القلق والخوف من الموت .(للاطلاع على المزيد من الدراسات الميدانية حول هذا الموضوع، يرجى مراجعة كتاب علم الاجتماع الديني لمؤلفيه الايطاليين المعروفين، الدكتورسابينو أكوافيفا والدكتور أنزو باتشي).
أما مثل المتصوفين المسيحيين أو غيرهم، هم يتحدثون عن أنفسهم ولا مدلول منطقي انهم يتحدثون عوضاً عن الاخرين .كما هناك تفسيرات سايكولوجية عن التصوف ودوافع المتصوف لست الان بصدد ذكرها هنا.وأبسط ما يٌسال منطقياً لماذا يتصوف طالما لا ينتابه الخوف؟!. 
نعم لا يمكن ان نضع الاديان جميعها في خانة واحدة،فهي تختلف بطبيعة الحال في ممارساتها ومفاهيمها وطبيعة الخالق عندها.انما الذي تشترك فيه الاديان الوضعية والسماوية هو الاعتقاد السائد عند كل ديانة بوجود "خالق"  أو القوة الخفية غير المنظورة الخارقة خارج الطبيعة وتصورات ثيولوجية حول الخالق التي تؤثر في مجريات الحياة الاجتماعية والطبيعية بغض النظر عن اختلاف التفسير في شكله ومكانه وتأثيراته وطبيعته.والفكرة الاخرى المشتركة هي وجود "تفويض من الخالق"لاشخاص معينين للتحكم في توجيه علاقة المؤمن بالخالق، ومدبرا لرعيته وهو الوحيد يكلم الله  بطرق مختلفة ويقرر مصير المجتمع دينياً،فكل دين يتمثل في ضبط علاقة البشر بالكائنات الروحية بواسطة أدعية وصلوات وقرابين،فكل الاديان تشترك بهذه العمليات الواعية كما يشير الى ذلك أميل دوركايم.وهذا يجعل أيضاً المؤمن مطيعاً لرجل الدين وتقديسه في الشؤون الدينية. وتعد هذه من نتائج الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية  الميدانية للشعوب البدائية والاديان السماوية والشعوب القديمة.والامثلة عليها كثيرة .(ممكن مراجعة المصادر ذات الاختصاص رجاءاُ).
أما عن التراتبية في المؤسسة، لم أتطرق اليها في مقالي ،من الطبيعي كل مؤسسة مدنية أو دينية بحاجة الى تراتب وظيفي عملي يمكن وضعه بصيغ مختلفة بحسب طبيعة المؤسسة لاجل التنظيم،والا كيف تحقق هدفها في حالة الفوضى غير الادارية ،فالتراتب هو من أساسيات جودة الادارة.أنما الذي أكدت عليه هو التفويض للاكليروس كل ما يتعلق بادارة المؤسسة الدينية او الكنيسة بصورة مطلقة وتهميش دور العلمانيين الذين هم الجزء الاساسي لها، بدليل مناقشتي للقوانين الكنسية المرتبطة بهذا الشأن.وعليه كان تأكيدي على مشاركة العلمانيين في التراتب الوظيفي العملي في الكنيسة ،والا بتصوركم للتراتب هل يقتصرعلى الاكليروس؟وأين نضع العلمانيين في سلسلته ؟
من متابعتي لافكار البطريرك مار ساكو وأعماله ونشاطاته المتميزة هناك تأكيدات لغبطته عن ترسيخ دور العلمانيين في الكنيسة وأستثمار مواهبهم وأمكاناتهم لبناء المجتمع والكنيسة بشكل أفضل من خلال مشاركتهم لاغناء النقاش في السيهنودس فضلا عن تاكيده لمشاركة المرأة. كما تفضل في كلمته الاخيرة في رده على رسالة الاستاذ القدير "نافع توسا". وهذه خطوات مهمة جدا أتخذها غبطته لادارة الكنيسة في تاريخها اذا تحققت.
بهذا الصدد أقول : الدور الحقيقي للعلمانيين في الكنيسة المفروض أن يتجاوز المسؤوليات الادارية التنفيذية وتقديم الاستشارة والمناقشة الى المشاركة في تشريع أتخاذ القرار الى جانب الاكليروس بالطبع في الجوانب الدنيوية المكملة لادارة المؤسسة الكنسية .مع بقاء التفويض المطلق للاكليروس في تشريع وتنفيذ الاسرار الكنسية.وهذا يتحقق في وضع تراتب يتضمن كلا الصنفين ،اذ التراتب الحالي لم يشارك فيه العلمانيون،فهم عبارة عن رعايا وتابعين .فمثلا عند تشكيل السيهنودس الاسقفي أن يتضمن فعلا أعضاء الى جانب الاساقفة من العلمانيين لا يقتصر واجبهم على المناقشة والاستشارة.انما المشاركة في اتخاذ القرار والتشريع ،والا ما فائدتهم من وجودهم،فالمسالة مثلا ليست وجود امينة سر البطريركية من العلمانيات ،فهل يتخطى عملها التوثيق والحفظ وادارة العلاقات الخارجية؟وماذا لو كان للاسقف الايبارشي استشاريين دون مشاركتهم في اتخاذ القرار والقوانين تؤكد على سلطته المطلقة .ومن هنا جاء تأكيدي على عملية اعادة النظر بالقوانين الكنسية ذات العلاقة بدور العلمانيين لتتخطى ما جاء بها من مسؤوليات ثانوية جداً.وتشريع قوانين واضحة تميز عمل كل من الفئتين في ادارة الاسرار وتقديمها وادارة الكنيسة في جوانبها الدنيوية.
نعم كما ذكرت اعلاه أن المجمع الفاتيكاني الثاني كان منعطفاً كبيرا وخطيراً في تاريخ الكنيسة لتركيزه على اللاهوت الرعوي المعتمد على العلوم الاجتماعية ،وتم صياغة القوانين الكنسية الحالية في ضوء نتائجه وانما كانت توفيقية لوجود من يعترض على التغيير الملائم من قبل بعضهم.ومضى على هذه القوانين أكثر من نصف القرن ،وخلال هذه الفترة تغيرت العقلية البشرية بسرعة فائقة لا مثيل لها في التاريخ البشري، واستحدثت متغيرات ثقافية واجتماعية جديدة بفعل الاعلام والتصنيع والتكنولوجية الاتصالية.كل هذه المتغيرات جعلت من العقلية البشرية لا تقبل بالقوانيين التنظيمية الحالية بدليل التراجع عن الروحانيات والكنيسة أو اللجوء الى كنائس أخرى.وقد تكون عملية اعادة النظر في تشريع القوانين صعبة وتحتاج الى فترة لتكييف العقليات المسؤولة عنها ،الا أنها حاجة ملحة .اذ أرى في الافق أن تذمر المؤمنين في الكنيسة سيزداد كلما تظهر أجيال جديدة وليدة العصر الحالي.فالتغيير محتوم في ادارة الكنيسة مع بقاء الثوابت الايمانية وتقديمها للبشرية بطرق وصيغ تتناسب العصر ومتطلباته.فهنا يتطلب التركيز على اللاهوت الرعوي والتنشئة الكهنوتية بتزويدهم بالمعرفة عن المجتمع وطبيعته ليتأهل لادارة الكنيسة.وترسيخ مبدأ التفويض الالهي للاسرار فقط من خلال تعريف الاكليريكي قبل سيامته ما معنى السلطة المخولة له وميادينها..
اسف على الاطالة وشكرا للقراء الاعزاء وكل عام وانتم بخير
وهناك مصادر اخرى معتمدة غير المذكورة في المتن رجاءأً
     

40
                        نظرية الفرد والمجتمع والبطريرك مار ساكو
                           رد على مقال الكاتب " انطوان الصنا"
  د. عبدالله مرقس رابي

                في مقالته المختصرة المعنونة" موقف انفرادي غير مسؤل من الكاردينال مار ساكو والكنيسة الكلدانية "  طرح الكاتب المهتم بمتابعة شؤن شعبنا وأحداث الوطن الام رأيه عن مبادرة الكنيسة الكلدانية بتوجيه من غبطة الكاردينال البطريرك مار لويس ساكو لاقامة الصلوات من أجل ضحايا العبارة الغارقة في نهر دجلة في مدينة الموصل وثم المشاركة في تقديم مساعدة مالية لذوي الضحايا. وقد أعتبر الكاتب أن ما سلكه البطريرك يعد عملاً انفرادياً ولم يحسب حساباً لمشاركة الكنائس الاخرى في العراق في هذه المبادرة الانسانية ،وكأنما لا وجود لهم ،مما ينعكس ذلك في موقف الحكومة تجاه تلك الكنائس سلبياً. مستطرداً في تحميل المسؤلية الكاملة لغبطته في تشتيت كنائسنا وأبناء شعبنا سياسياً ،"بالطبع فهو يقصد أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان" لعدم السعي نحو توجيه الطاقات الى العمل الجماعي لتوحي للاخر المختلف أو الحكومة العراقية ان موقفهم موحد أزاء كل ما يحدث في البلاد.
هذا هو مغزى الذي اراد أن يوصله الكاتب للقارىء في مقالته .
أرى مع تقديري للاستاذ العزيز انطوان الصنا أنه تسرع في تفسيره للظاهرة قبل أستقراء مجمل المتغيرات التي تؤل تفسيره هذا ليكون منطقياً ،مع ذلك فهو كفرد حر في طرح أفكاره وارائه وفقاً لاسس حرية الفكر والرأي، ووفقاً لهذا السياق أيضاً، ارى شخصيا أن الموقف وتوجيه غبطة البطريرك مار ساكو لم يكن أنفراديا ولا يستوجب في مبادرته هذه تحميله مسؤلية نبذ العمل الجماعي وتهميش الكنائس الاخرى وتشتيت أبناء شعبنا ،منطلقاً من مفاهيم ومعطيات نظرية "العلاقة بين الفرد والمجتمع" كما أعتدت عليه في الاستناد على التنظير لمن سبقني في توظيف افكاري لتفسير الظواهر .
نظرية الفرد والمجتمع من النظريات المهمة التي يتبناه كل من علمي النفس والاجتماع منذ نشاتهما، وقد جاءت معطياتها نتيجة الجهود التي بذلها علماء الاجتماع للتوفيق بين نظرية الفرد المطلقة في تاثيره في المجتمع وحياته الشخصية وتلك التي أكدت على التأثير المطلق للبيئة الاجتماعية على الفرد وتصرفاته .بعد اجراء دراسات ميدانية  تبين وجود توازن في التأثير المتبادل بين الاثنين في مجريات الحياة المختلفة. فلا يمكن اهمال ما يحمله الفرد من قابليات وطاقات ذاتية غريزية طبيعية يرثها بايولوجياً في توجيه سلوك الفرد وأفكاره للتأثير في الاخرين، وفي نفس الوقت لا يمكن أهمال البيئة الاجتماعية والمجتمع برمته في أمكانية تأثيره على الفرد في صقل تلك المواهب والقدرات الغريزية ويوجهها أيجابا نحو تحقيق المصلحة العامة أو سلباً للتأثير على مجريات الحياة وعلى الفرد نفسه. أي بعبارة أخرى هناك توازن في التأثير المتبادل لتكون الحصيلة الناتجة هي من الاثنين وليس من طرف واحد.هذا هو مفهوم النظرية ,والان كيف يتم توظيفها بموضوع المقال.
المهارات والمواهب الذاتية التي يتمتع بها الفرد تجعله أكثر قبولا لدى افراد المجتمع مقارنة ممن لا يتمتعون بتلك الميزات الشخصية. ولما كان هناك قبول للفرد بهكذا قدرات ،عليه سيكون الفرد مسؤلاً عن نفسه وعن المجتمع الذي ينتمي أليه وتزداد هذه المسؤلية أهمية عندما يتقلد دوراً كبيراً ومتقدماً كالبطريرك على رأس كنيسة كبيرة في المجتمع مثل البطريرك مار ساكو. وهذه المسؤلية لكي تتحقق لابد أن تتوفر البيئة الاجتماعية . هنا لابد التساؤل هل تتوفر هذه البيئة للبطريرك مار ساكو لكي يبادر ويعمل ولم تتوفر للمسؤلين الروحانيين الاخرين؟ أن البيئة التي يعيش فيها مار ساكو هي ذاتها تلك البيئة التي يعيشها البطاركة الاخرين من ظروف اجتماعية وديمغرافية وسياسية واقتصادية وأمنية وغيرها .وما يتعرض اليه في تطبيقاته المسؤلية يتعرضون اليه الاخرون. ولكن يا ترى ما الذي ينقصهم الاخرون مع تقديري واحترامي لذواتهم وفقاً لنظريتنا هذه لكي يتلكؤا من ممارسة مسؤلياتهم ؟ أنها القدرة والطاقة والموهبة التي تشدهم للعمل في نفس الظروف الحالية التي يعمل مار ساكو خلالها. الذي يتميز به البطريرك ساكو هو الانفعال التلقائي الذي يعكس الاهتمام بالجماعة التي ينتمي اليها،مع الفهم ،أي الادراك الواعي للأدوار والمشاركة التي تعكس التفاعل الايجابي مع الافراد مقرونة بما يؤديه من واجبات المسؤلية. اذن الظروف هي نفسها لجميع قادتنا الروحانيين ،ولكن الاختلاف هو الذات وما تتميز به .
لكي يتحقق النظام والاستقرار لابد أن تُحبط عملية التجاوز فردياً أو جماعياً على الاخرين، لحد الان كنائسنا مستقلة في اتخاذ ما يلزم خارج أطار المفهوم المسيحاني ،أي كبادرة مثل التي نحن بصددها أو غيرها من المواقف تجاه المجتمع العراقي أو الحكومة. وعليه أن كل كنيسة بطريركية هي مسؤلة عن مواقفها ومبادراتها وتصرف رعاتها الروحانيين ولا يمكن ان يحمل بعضهم البعض تبعات مسؤلياتهم وأعمالهم لعدم وجود دستور يجمع أعمالهم وتطلعاتهم ،لا اعني دستور اتحاد عقائدي وما شابه ذلك محسوم سلفاً لايمكن الاتفاق لصعوبة تحقيقه ،انما دستور يوجه الكنائس العراقية للعمل الجماعي الذي تُحمل مسؤلية فقدانه البطريرك مار ساكو خطاً. لماذا خطأً ؟ لوجود هيئة أو مجلس للطوائف المسيحية قائم حالياً وله دستور ينظم العمل لاعضائه ،أ ليس كذلك أخي انطوان؟ طيب هل يحبط البطريرك ساكو أو يعيق عمل هذا المجلس وكيف؟ لم نر أو نسمع يوماً ما أن غبطته بادر لاعاقة عمل المجلس، ولا تظن أن عدم انتماء الكنيسة الكلدانية للمجلس المذكور هي عملية الاحباط أو المنع، بكل بساطة الكنيسة الكلدانية لا تتدخل بشؤن المجلس ولا تعيق عمله، الا انها غير مقتنعة بالنظام الداخلي وتسمية المجلس ،وعليه لم تنضم أليه. وانطلاقاً من مبدأ حرية الفكر والرأي التي تستندها لطرح الافكار وتوجيه المواقف والمشاركات من عدمها، أيضا البطريرك ساكو لم يرض الانضمام الى مجلس غير مؤهل منطقياً للعمل الجماعي في ظل دستوره أو نظامه الداخلي الحالي .وهذا الموضوع سبق وان تطرقنا اليه في مناسبات اخرى ، لا حاجة للتكرار وتبيان الاسباب.
هنا من حق البطريرك مار ساكو والكنيسة الكلدانية المبادرة بتصرف انفرادي طالما لا تنسجم تطلعاتها مع المجلس المذكور ومنطلقةً من المسؤلية الملقاة على الكنيسة وممارسة البطريرك لواجبه الانساني تجاه الاخر. ومن جهة أخرى لا يحق للبطريرك أو الكنيسة الكلدانية أن تتحدث أو تمارس عملا بديلا عن الكنائس الاخرى. المجلس قائم فعليه بمبادرة جماعية  لاتخاذ هكذا مواقف أنسانية ،لو بادر المجلس هل سيمتعض البطريرك ساكو مما يقدم عليه ؟ لا أظن ،بل بالعكس سيثمن تلك المبادرة ويشجعها .ولكن نرجع ونقول القدرات الذاتية مفقودة لدى مسؤلي المجلس أو عند مسؤلي الكنائس خارج اطار المجلس ،وهذا واضحُ. ولنكن صريحين أكثر من سمع يوماً مبادرة وبأي مستوى من غبطة البطريرك مار أدي مثلا؟ أو غبطة البطريرك مار كوركيس ،أو من المسؤل الروحي للكنيسة الارمنية في العراق؟ الا اذا كان هناك مبادرات غير معلنة ،وهم يتحملون مسؤلية عدم معرفتنا بها ،لان يومنا هذا هو يوم الاعلام المؤثر ،يوم طرح الممارسات اعلامياً لكي نتعرف على ما تقدمه كل مؤسسة. لا أظن أن الكنيسة الكلدانية هي أكثر ثراءً من غيرها وأكثر أمناً ،فالكل يمرون بنفس الظروف . ولا نحمل هكذا موقف كل من البطريركين للكنيسة السريانية لان مراكز بطريركيتهم هي خارج العراق. كنت أول من بادر الى كتابة مقال أدعو فيه نقل البطريركية للكنيسة الاشورية من شيكاغو في المنفى الى البلد الام ،وكان احد اسباب الدعوة هو لهكذا مواقف ،مواقف العمل المباشر مع المجتمع منطلقاً من ارض المؤمنين لا من الغربة.
أن التجاذب الذي يحصل على المستوى الفردي أو الجماعي أو المؤسساتي المتنوع تجاه شخصية البطريرك مار ساكو هي انعكاس لما يتمتع به من قدرات ومواهب ذاتية تعكس على رؤية الاخرين له من منظور أيجابي وهذا ما يدفعهم للتفاعل معه ،سواء أن يتحقق شيئاً من هذا التفاعل أم لا ، الا انه بكل المقاييس العلمية تفسر لنا ان غبطته يتمتع بشخصية كارزماتية مؤثرة.وهي مفقودة لدى غيره من الرعاة الروحانيين مع تقديري لهم.
اذن لايمكن ان تُحمل مار ساكو المسؤلية لمجرد التفسير الاحادي بأنه مولع بحب الظهور .أنما علينا أخي انطوان العزيز أن نستقرأ العوامل المتعددة التي تجعل من غبطته أن يتصرف انفرادياً كما بينت اعلاه.ارجو ان نعي جميعاً أن أي تفسير لسلوك الانسان الاجتماعي أو الظاهرة الاجتماعية في ضوء عامل أو متغير واحد خطأُعلمي.لان الظاهرة الاجتماعية هي غير الظاهرة الطبيعية التي يمكن ان نعزو وجودها لعامل واحد أو أكثر،بيد أن عوامل متعدد هي المسؤلة عن صيرورة السلوك الاجتماعي او الظاهرة الاجتماعية.
ارى أنه خطأ من يتصور في عصر الاعلام اليوم ،عصر الثورة المعلوماتية ،عصر سرعة نقل المعلومة لاي مكان على كوكبنا ،سرعة التنقل،أن الشخص يبحث عن مزايدات أعلامية وحب الظهور وماشابه، أنه عصر كشف كل الملفات والممارسات التي يقوم بها الفرد أو المؤسسة طالما تكنولوجيا الاتصال سهلت العملية، لسنا في عصر حفظ الملفات في شعبة الذاتية على الرفوف . هذه هي من المميزات الايجابية للاعلام بمختلف وسائله لتحفيز الفرد أو المؤسسة للانتاج والعمل. أنه العصر الذي أصبح الاعلام فيه في متناول الجميع ،الاطفال ،المراهقون ،الكتاب الهواة ،المفكرون ، القادة في المجتمعات بمختلف مستوياتهم وانواعهم ، في متناول جميع افراد الاسرة ، بدى اليوم سهلا ان تتعرف على ماذا طبخت فلانة وماذا سوقت فلانه اليوم في اي مكان من العالم، ممكن ان تتعرف بسرعة البرق من ولد ومن توفي اليوم، ممكن ان تتعرف الى مكان سفري لقضاء عطلتي ، لمشاركتي في فعالية معينة ،انه يوم الاعلام لكل شيء ومتيسر لكل فرد في المجتمع ،ولا يمكن قياس وجود الفرد في الاعلام هو حباً للظهور أو مزايدة اعلامية ،بل مطلب من متطلبات العصر .فلا يخلو يوما والبابا فرنسيس يظهر في الاعلام ،فهل هذا يعد حباً للظهور ياترى؟
وباختصار اخي انطوان المحترم،العمل الجماعي بين كنائسنا واحزاب شعبنا كما تفضلت به مستوجب وحالة ملحة وكلنا حريصون عليه ونتمناه مثلما انك حريص عليه وتؤكد عليه في كل مناسبة، والبطريرك مار ساكو والكنيسة الكلدانية حريصة عليه ومدت يدها لهذا الغرض وأكثر منه ولكن وفق متطلبات منطقية تؤهل العمل الجماعي ،انما علينا البحث في المقومات التي ممكن بناء هذا العمل الجماعي ،وان لا نعزو عدم قيامه واخفاقه الى شخص واحد أو عامل واحد كما فسرت .فكم مرة وحضرتك متابع جيد جدا، حاول المجلس الشعبي الكلداني الاشوري السرياني لم شمل أحزابنا ولكن دون جدوى ،وان تشكلت هنا وهناك تضامنات ،الا انها اصبحت حبراً على ورق ،لنبحث عن اسباب الاخفاق لتحقيق ذلك بالطريقة الاستقرائية العلمية لتكون مقومات اي عمل جماعي متينة وصامدة لخدمة شعبنا. فالبطريرك مار ساكو والكنيسة الكلدانية ينطلقان من الشعور بالمسؤلية وممارسة الواجب الانساني في اطار المؤسسة الكنسية الكلدانية دون التدخل بشؤن الاخرين دون امكاننا من لومها ،لو كانت منضمة مع مجلس الطوائف ووجود قواعد تنظيمة ينطلق منها المجلس وخالفت ذلك لقلنا الحق معك.وهنا ادعو المجلس المذكور التحرك والمبادرة للعمل الجماعي للكنائس المنضمة اليه ،والا أنه مبني على اسس هشة غير متينة ومنطقية.
واخيرا ارجو ان لا تتهمني في تحليلي هذا للموضوع كما اتهمت غيري بالمحاباة والمجاملات لغبطة البطريرك مار ساكو ،بل ارى ان المسالة لا تتطلب لهكذا تهويل وتضخيم للمسؤلية وبهذه الطريقة دون التعمق في بواطن الحدث أو الظاهرة.
تمنياتي لك بالتوفيق دائما وشكرا للقراء الاعزاء .

 
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,931222.0.html
http://saint-adday.com/?p=31041

41
                   " أنا الكل بالكل هنا" ودور العلمانيين في الكنيسة
                                      تحليل للتناقضات
د. عبدالله مرقس رابي                     
            تعد المؤسسة الدينية احدى اهم المؤسسات الاجتماعية التي يتناولها علماء الاجتماع في دراساتهم وبحوثهم العلمية في ميدان علم الاجتماع الديني، لانها تشكل جزأ مهما من البناء الاجتماعي للمجتمع البشري بمختلف مستوياته وانماطه. وهي مرتبطة بتبادل تأثيري مع المؤسسات الاخرى التي يتكون منها البناء الاجتماعي، كالمؤسسة السياسية والتعليمية والاقتصادية والاعلامية والاسرية وغيرها. وقد اعتمد هذا التأثير المتبادل في قوته وشكله ونتائجه على المرحلة الحضارية للمجتمع وطبيعة العقل البشري.
     استمدت المؤسسة الدينية منذ العصور القديمة وفقا للتحليل السسيولوجي قوتها التأثيرية على المؤسسات الاخرى وعلى افراد المجتمع البشري بصورة عامة من عاملين اساسيين هما : اولا نزعة الخوف من المجهول بعد الموت عند البشر، وبما انها اي المؤسسة الدينية هي التي تولت مهمة الفلسفة الفكرية لربط الانسان بالخالق منذ نشأة المجتمع البشري، وعلى اثرها تكونت العقائد الدينية وتنوعت في صيغتها وعناصرها زمانيا ومكانيا. ولهذا يخضع الانسان للتعاليم الدينية لكي يشعر بالاطمئنان بعد الموت. وثانيا استمدت تأثيرها من مبدأ التفويض الالهي الذي تبلورت فكرته منذ نشأة البشرية، وقد اختلقته المؤسسة الدينية لديمومة شرعيتها في السلطة باعتبارهم وكلاء الخالق على الارض، وتتجلى هذه الفكرة في كل المؤسسات الدينية قديما وحديثا، في الاديان الوثنية والسماوية والباطنية. مما أدى ذلك لاضفاء القدسية على رجل الدين، وثم أن ما يشرعه له صفة مقدسة لايجوز مناقشته .
     يتولى مهام المؤسسة الدينية في المجتمعات القديمة والبدائية المعاصرة والمتحضرة اشخاص اعدوا تربويا وفكريا لهذا الغرض وتطلق عليهم تسميات مختلفة منها :الشامان والساحر والكاهن والشيخ وعالم الدين اورجل الدين أو الاكليروسي. وتختلف التسميات بحسب مرتباتهم ووظائفهم الهرمية. كان لهؤلاء الدور الكبير في المجتمعات التقليدية والبسيطة في تأثيراتهم الاجتماعية والسياسية على افراد المجتمع ،وبل على الفكر البشري،وعُرفوا بالطبقة المتعلمة والمتنفذة في قصور الامبراطوريات والدول واصحاب السلطة بانواعها البسيطة والمعقدة. وبمرور الزمن تقلص نفوذهم ودورهم امام التقدم الفكري والنهضة المعرفية في عموم العالم، وبالاخص بعد ان توفرت الفرص لابناء كل الطبقات الاجتماعية لكي يتلقوا تعليمهم واكتسابهم مختلف انواع المعرفة التي بواسطتها تمكنوا من تجاوز معارف رجال الدين والتفوق عليهم. ولكن لايزال العديد من افراد المجتمع البسطاء وبالذات في المجتمعات النامية التقليدية ينظرون الى رجل الدين بنفس المعاييرالسابقة. وهنا لا أقصد دين معين بحد ذاته أو مذهب ما، بل الكل في نفس الاتجاه والسياق مع بعض الاختلافات في التشريع والتنفيذ.ولما كنت منتمياً الى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، عليه سيخصها موضوع المقال، بالرغم من ان نفس الافكار والممارسات والسلوكيات قائمة في كل المذاهب الكنسية بشكل واخر.
  الاسباب الرئيسة التي دفعتني للكتابة عن هذا الموضوع هي ما تتردد على مسامعنا نحن العلمانيين بين فترة واخرى وبين مناسبة واخرى عبارة من الاكليروس بمختلف درجاتهم الكهنوتية ( انا الكل بالكل هنا) او ( انا الكنيسة ) أو ( ما يهمني من أحد) ولا بل سمعت شخصيا ومن عدة كهنة يقول ( انا البطريرك هنا ) واما الاسقف لايمكنك مناقشته كعلماني فهو البادي والناهي في كل الامور الكنسية. كما نسمع دائما عبارات من المؤمنين عن المجالس الراعوية عند الاعلان عن تشكيل المجلس الخورني ( ما الفائدة من تواجدنا في المجلس ولاصوت لنا ) (الكاهن هو الكل بالكل فلماذا المجلس) أو( نحن مجرد رقم في المجلس )أو ( الكاهن يختار الاعضاء بحسب مزاجه). بالاضافة الى ما نقرأ من معطيات الاجتماعات الدورية واللقاءات الدورية سواء للكهنة واساقفتهم او السيهنودس مثل عبارات (التـاكيد على دور العلمانيين) و( التضامن والتعاون المشترك بين الكنيسة والمؤمنين ) ومن المفروض ان تكون صياغة العبارة كالاتي " التضامن والتعاون المشترك بين الاكليروس والمؤمنين" وليس كما جاءت ضمن نتائج احد اللقاءات بين الكهنة والاساقفة لان المؤمنين هم جزء من الكنيسة كما هم الاكليروس، وقد تكون زلة قلم لانهم يعتبرون الكنيسة هي الاكليروس والمؤمنين الاتباع وفقاً للمفاهيم القديمة. و(تفعيل المجالس الراعوية في الابرشيات). وبالاحرى اهم من كل هذا هو وقوف الكاهن او الاسقف امام المؤمنين في موعظته ليكرر عبارة (انتم الكنيسة!!!!!وليست كومة حجارة).
يُلاحظ من هذه العبارات بأنها مؤشر جليَ على أن الاكليروس يقرون بسلطتهم المطلقة على المؤمنين وشؤون الكنيسة، ومن جهة اخرى انها مؤشر على ان العلمانيين لا دور لهم سواء انهم اتباع لهم وعليهم الطاعة، لان طاعتهم للاكليروس هي طاعة وكلاء السيد المسيح على الارض. لاذنب لهم في تهميش العلمانيين اذ ان فلسفة تنشئتهم الكهنوتية قد بُنيت على اساس السلطة المطلقة لهم في الكنيسة بالرغم من التظاهر أحياناً بأن الكنيسة هي مجموعة افراد من المؤمنين بما فيهم الاكليروس، ولكن في الحقيقة والواقع لا وجود لدور العلمانيين في ادارة الكنيسة بدليل ما تنص عليه القوانين المثبتة في القانون الكنسي كما سابين ادناه.
ما تُشير اليه القوانين الكنسية ومناقشة مختصرة لها
لا بد اولا الاشارة الى التمييز بين العلمانيين والاكليروس وفقاً لماتنصه القوانين.فالقانون رقم 399 ينص (بأسم علمانيين يقصد في هذه المجموعة المؤمنون الذين طابعهم الذاتي والخاص العالمية ويشاركون في رسالة الكنيسة وهم في العالم وليسوا مقامين في درجة مقدسة ولا منتمين الى الحالة الرهبانية).ويشير القانون رقم 323 بند 2 الى (بفعل الرسامة المقدسة ،يميز الاكليريكيون ،بوضع الهي عن سائر المؤمنين)
لا يوجد توضيح في اسباب تميزهم عن المؤمنين بوضع الهي،انما يُفهم  ان السر الكهنوتي الذي يتمتعون به دون سائر المؤمنين يضعهم في حالة متميزة عند الله. بالطبع هنا سيمنح هذا السر لهم السلطة لاقامة الاسرار الكنسية الاخرى دون غيرهم، ولكن ماذا عن ادارة الكنيسة كمؤسسة ؟ان القانون رقم 11 أعتقد يوضح ذلك أذ ينص على( تقوم بين جميع المؤمنين بناء على ولادتهم الثانية في المسيح، مساواة حقيقية في الكرامة والعمل، بها يتعاونون جميعهم لبناء جسد المسيح كل حسب وضعه ومهمته).أي بمعنى انهم متساوون مع الاكليروس، انما الاختلاف في السلطة الروحية لتأدية الاسرار لعدم تلقيهم السر الكهنوتي. وهنا يوحي أن للعلمانيين دوراً في ادراة شؤون الكنيسة مشاركة مع الاكليروس طالما انهم متساوون بالايمان وللتاكيد على التعاون جميعا لبناء جسد المسيح. وهذا ما يدعمه قانون 7 البند 1.بيد أن كل القوانين المطروحة الاخرى تُقيد دور العلمانيين وتُحيده ،أو تُشير الى انعدامه في تحملهم المشاركة في مسؤلية ادارة الكنيسة الى جانب الاكليروس.وأكثرهم وضوحاً في السلطة المطلقةهو قانون191 بند 1 حيث ينص( للاسقف الايبارشي أن يحكم الايبارشية المعهودة أليه بسلطان تشريعي وتنفيذي وقضائي) ولم يحدد هنا هذه السلطة على الروحانيات أم الادارة.
والقانون رقم 43 ينص على(أن أسقف الكنيسة الرومانية الذي تستمر في شخصه المهمة التي منحها الرب على وجه خاص لبطرس أول الرسل لتنتقل لخلفائه، هو رأس هيئة الاساقفة ونائب المسيح وراعي الكنيسة بأسرها في هذا العالم، ومن ثم يتمتع بحكم منصبه بالسلطان المألوف الاعلى المطلق المباشر الشامل في الكنيسة وله على الدوام الحرية في ممارسته) وفي نفس السياق يخص البطريرك والاسقف وفقاً للقانونين 56 و 178. بالطبع شُرع هذا القانون وغيره لتبرير السلطة الالهية المفوضة لهم. فالطاعة واجبة على كل مؤمن لرعاة الكنيسة كما يُشير اليه القانون15بند 1 ( أن ما يعلنه رعاة الكنيسة ممثلوا المسيح، بصفتهم معلمين الايمان، أو ما يقررونه، بصفتهم رؤساء الكنيسة، يجب على المؤمنين أن يتلقوه بروح الطاعة المسيحية، مدركين مسؤليتهم الشخصية).من الطبيعي وجوب الطاعة في المسائل الايمانية لمركزيتها فيما اذا أقر المؤمن أن يكون من أتباع الكنيسة في الايمان العقائدي لكي لا تخلط الامور وتبرز الاجتهادات. أما ماذا  لو حدد وأصر الكاهن المطرب الفلان لاحياء أمسية يقيمها المجلس الخورني؟ أو ماذا عن سلطته في استخدام المرفقات البنائية  للكنيسة مثل القاعات لاغراض ثقافية واجتماعية يقيمها المؤمنون بحسب مزاجه؟ أو عن تحديد راتبه الشهري والتصرف الفردي باموال الكنيسة مثلا؟ هل تستوجب هنا الطاعة للرعاة وفقاً للقانون المذكور؟ لابد من التوضيح لحالة الطاعة ،فهل الطاعة واجب ومفروضة دون نقاش حتى لو كان الاكليروسي على خطأ؟ وهنا أقصد في الشؤن الادارية الكنسية.على سبيل المثال لو حدد الكاهن لنفسه الراتب بخمسة الاف دولار فهل علينا طاعته ؟علما ان المبلغ كافي لمعيشة عائلة من اربعة اشخاص في كندا شهرياً.أو الجميع في الكنيسة يتقنون لغة الام المحكية ولكنه يلح على أقامة القداس وممارسة الطقوس بالعربية، فهل علينا ان نقول نعم؟
وتتجلى السلطة المطلقة لرعاة الكنيسة بمختلف رتبهم الكهنوتية في القوانين الخاصة بالمجالس الكنسية البطريكية او الايبارشية او الخورنية بينما دور العلمانيين يقف عند حد الاستشارة فقط، وفقاً للقوانين الاتية:
يحدد القانون 295 وجوب تأسيس مجلس رعوي في كل كنيسة،حيث ينص( ليكن في الرعية وفقاً للشرع الخاص بالكنيسة المتمتعة بحكم ذاتي ،مجالس مناسبة لمعالجة الشؤون الرعوية)والقانون273 بند1 يعرف المجلس الرعوي ومن يضم( يضم المجلس الرعوي،وهو هيئة استشارية ،لاغير،الاكليروس ورهبان واعضاء جمعيات حياة مشتركةعلى غرار الرهبان،ولاسيما علمانيين يعينون بالطريقة التي يحددها الاسقف الابرشي).والبند4 من القانون نفسه يوضح (لا يعين في المجلس الرعوي الا مؤمنون يتميزون بايمان راسخ واخلاق حميدة وحكمة).وللاسقف الابرشي السلطة المطلقة وفقاً للقاون 237 بند 1( أن يدعو المجمع الابرشي الى الانعقاد ويرئسه بنفسه أو بواسطة غيره وينقله ويؤجله ويعلقه ويحله).وهذا يسري على المجالس الرعوية في الكنيسة اذ يتمتع الكاهن بنفس السلطة عليه.ومما هو جدير بالذكر،في النقطة سادساً من بند 1 من القانون رقم 143 يؤكد( من جملة الذين يدعيهم البطريرك الى المجمع البطريركي أثنان من العلمانيين من كل أبرشية الى جانب الكهنة والاساقفة) وبصفة مستشارين بحسب القانون140 لانه يعتبر المجمع البطريركي هيئة استشارية.وهل هذا يحدث يا ترى؟
يقتصر دور العلمانيين في المجالس الرعوية على الاستشارة لاغيره، والاستشارة لا تُلزم الا بالاستماع. وهذا ما يؤكده القانون 405 بند1 ( العلمانيون الذين يتميزون بما يجب من معرفة وخبرة ونزاهة،أهل لان تستمع اليهم السلطة الكنسية كخبراء أو مستشارين، سواء كأفراد أو كأعضاء في مختلف المجالس أواللقاءات، الرعوية مثلاً  والايبارشية والبطريركية).والقانون رقم 15 بند 3 يعد مشاركة العلمانيين لابداء ارائهم لخير الكنيسة حق لهم ،حيث ينص(ولهم الحق بحسب مايتمتعون به من علم واختصاص ومكانة ،بل عليهم أحياناً الواجب،أن يبدوا رأيهم لرعاة الكنيسة في الامور المتعلقة بخير الكنيسة ،وان يطلعوا سائر المؤمنين على هذا الرأي،مع عدم الاخلال بسلامة الايمان والاحترام الواجب للرعاة ومع وضع المصلحة العامة وكرامة الانسان في الاعتبار) وهو حق ولكن لايعدو الاستشارة  وفي كل الاحوال احترام الرعاة وطاعتهم .
تؤكد القوانين اعلاه بالرغم من التناقض أو الغموض في بعضها لتوضيح دور العلمانيين في ادارة الكنيسة يقتصر على الاستشارة لاغير، والاستشارة كما ذكرت غير ملزمة الا بالاستماع أي واجب على الاكليروسي أن يستمع على اراء المؤمنين، الا أنه في النتيجة غير ملزم للأخذ بها. كما للاسقف أو الكاهن الحق المطلق للدعوة الى تاسيس المجلس أو حله وهو صاحب السلطة ليقرر في النهاية ماهية الاجراءات التي ستُتخذ بخصوص الشؤون الكنسية. و له الحق المطلق لاختيار وتعيين أعضاء المجلس من مجموع المؤمنين،الامر الذي قد يؤدي الى تأثير مزاج ورؤية الاسقف او الكاهن في تقدير مدى أهلية وأمكانية المُختار ليكون عضوا في المجلس وغالباً ما تتأثر بطبيعة العلاقات، فمثلا يميل أغلبهم لاختيار الاثرياء من المؤمنين وأهمال أصحاب الخبرة أو الراغبين في خدمة الكنيسة، وهذا يؤدي الى عدم تحقيق العدالة وحرمان البعض من تسخير خبراتهم وتحقيق رغباتهم لاجل الكنيسة. ومما هو جدير بالذكر في بعض الكنائس يُنتخبون أعضاء المجالس من قبل جماعة المؤمنين، وهي عملية سليمة، الا أن قبول الترشيح يحدده الكاهن او الاسقف، وهذا لا يختلف عن التعيين، وواجبهم يبقى في حدود الاستشارة، والراي الاخير للكاهن او الاسقف.
في النتيجة أن دور العلمانيين هامشي جداً في أدارة شؤون الكنيسة وفقاً للقوانين المذكورة ومعدوم طالما السلطة المطلقة هي للاسقف والكاهن في الاقرار والتنفيذ.وما على العلماني الا الطاعة دون مناقشة. وعليه أدعو العلمانيين الذين يشتكون من أهمال دورهم وعدم مراعاته في أدارة شؤن الكنيسة من حيث النشاطات التي هي خارج سياق العقيدة أي الدنيوية أن يعوا أن القوانين الكنسية تحول دون تحقيق رغباتهم ودورهم. بل الدور المطلق هو للاكليروس في التشريع والتنفيذ.وعلينا جميعاً أن نعي تماماً أن كل ما يردده البطريرك أو الاسقف أو الكاهن من أقوال كما أشرت أليها في المقدمة ،ماهي ألا انعكاس للقوانين الحالية وهم صادقون في ذلك .وهذا ما ترسخه تنشئتهم الكهنوتية من البدء والى يوم رسامتهم التي تُختم بالسلطة المطلقة التي تُمنح لهم أثناء مراسيم السيامة.
ومن جهة أخرى أدعو الاكليروس بمختلف درجاتهم الكهنوتية أن لا يكرروا عبارة الكنيسة هي الجماعة المؤمنة أو هي انتم وليست كومة حجارة،هذه العبارة لا تعدو الا التفاتة غير موفقة ولا تعبر عن القوانين الكنسية ،انما هي لاحتواء تذمر العلمانيين من الوضع القائم.بل عليهم القول أن الكنيسة هي مجموع الاكليروس ولا غيرهم أما المؤمنون فهو الاتباع أو القطيع عليهم الطاعة ،مثلما يقود الراعي قطيعه كيف ومتى ما يشاء.وعليهم الواجب لتلبية أحتياجات الكنيسة كما ينص القانون رقم 25 بند 1 ( يجب على المؤمنين أن يلبوا أحتياجات الكنيسة بحيث تحصل على العون الضروري لبلوغ أهدافها ،لاسيما العبادة الالهية وأعمال الرسالة والمحبة ،وما يلزم المعيشة خدامها اللائقة).
كان المفروض على مشرع هذا القانون أن يربطه بالقوانين الاخرى التي تخص دور العلمانيين في ادارة المؤسسة الكنسية، طالما أن المؤمنين هم المسؤلون لتدبير حاجات المؤسسة باموالهم لمختلف النشاطات بما فيه معيشة خدامها من الاكليروس .حيث أن في كل مؤسسة تترابط العناصر الثلاث، طبيعة العلاقات والاموال والاشخاص، فالمؤسسة التي يمولها الاشخاص فلابد من المشاركة في رسم خارطة العمل لها بالمشاركة في تشريع القوانين التي تنظم العمل.هنا الاختلاف مع المؤسسات الرسمية أو المؤسسات التي تُمول من جهة محددة، بالطبع تلك المؤسسات لا على منتسبيها الا التنفيذ أو الاستشارة لانهم لا يشاركون في تمويلها.بينما مؤسسة مثل الكنيسة طالما ان الممولين هم المؤمنون فمن حقهم المشاركة في الادارة،وتحديد النفقات وتنظيم الايرادات، وبالاحرى أن ينفردوا بادارتها مع واجب الطاعة لما يقره الاكليروس من المبادىء الايمانية.أو المشاركة والتعاون بين الجميع، اكليروس وعلمانيين على اضعف الاحتمالات ،لا أن يتسلط الاكليروس وعلى العلمانيين الطاعة.
الحاجة الى التغيير في العقلية والتعاطي
                                بأختصار وكما هو معروف للجميع أن المجتمعات في دينامية مستمرة في التغيير، ومن مقارنات تاريخية مرحلية تكشف لنا جلياً التغيرات التي طرأت على المجتمع البشري والعقلية والتفكير الانساني، وكيف أن المجتمعات تكسر وتتجاوز طوق الجمود الفكري في مختلف المجالات، وفي ضوء هذا التغيير في التفكير تغيرت معالم الحياة قاطبة، وأخص بالذكر مع بداية القرن الثامن عشر. وتسارع التغيير في عصرنا بعد منتصف القرن العشرين، واشدها يومنا هذا الذي يعتبر عصر الاعلام والاتصال المفتوح والواسع وسريع الانتشار الذي جعل من المجتمع البشري يعيش في قرية صغيرة، بمعنى أن التفكير يتغير ومعالم الحياة تتغير دون الحاجة الى الانتقال الجغرافي .فبدلا من أن الغالبية العظمى من المؤمنين أو اتباع الكنائس لايعلمون شيئاً عن قوانين الكنيسة وادارتها ،الان صار بمتناول أي فرد ان يطلع عليها ويعبر عن رأيه ويحدد موقفه. بالعكس ما كان سائداً في السابق،أنحسار الاطلاع عليها من قبل الاكليروس أو تشريعها،فاليوم المؤمنون تجاوزوا الكهنة علماً وثقافة ودراية بما يجري حولهم من تطورات، وظلت عقلية الاكليروس تتقيد بقوالب ثابتة في مواقفها ونظرتها للتطورات الحضارية.
ولما كانت المؤسسة الكنسية جزء حيوي من البناء الاجتماعي وفي علاقة عضوية مع كافة المؤسسات التي يتكون منها هذا البناء، فهي مجتمعة تؤثر وتتاثر ببعضها البعض سواء سلباً أو ايجاباً. فاصبحت الكنيسة معرضة بمجمل أوضاعها وظروفها وأحوالها داخلياً وخارجياً للاعلام المفتوح. وتأخذ العلاقة بين الاكليروس والمؤمنين العلمانيين الحيز الكبير من الحديث والتحليل، ولاننا أمام الاعلام المعاصر من هذا النوع والحرية في التعبير عن الراي الذي تدعمه كافة السياسات التقدمية ومنظمات المجتمع الدولي الخاصة بحقوق الانسان، وامام التغيرات الفكرية وتحديات العولمة التي تؤثر في تغيير مسارات المواقف الشخصية للانسان تجاه المؤسسة الدينية، فبدلا من أن يكون موقف الانسان الخضوع التام والاعمى لسلطتها كما كان سابقاً، الان اصبح موقفاً مُتحدياً ومُناقشاً وموقفاً يؤكد على الذات وأهمية المشاركة في المؤسسة الدينية طالما أنه عضو فيها وكما هو الممول الرئيسي لها لديمومتها.
لكي تستمر الكنيسة كمؤسسة دينية في عطائها وتحقيق أهدافها الروحية والاجتماعية عليها أعادة النظر والتنقيح في قوانينها وفقاً للمتغيرات الاجتماعية والفكرية والثقافية في المجتمع البشري، والا سوف تنكمش وتنحصر في دائرة ضيقة وينتابها الاغتراب النفسي. وأهم تلك التغيرات التي اراها أساسية ومهمة لكي تتوافق وتتكيف في عملها هي التي ترتبط بالسلطة المطلقة للاكليروس فيها. فمن يقول لا سلطة مطلقة للاكليروس في الكنيسة فهو متوهم،لان القوانين الكنسية لا تشير الى غير ذلك كما تبين اعلاه. ولما كانت هذه السلطة المطلقة مشروعة بنظر المشرعين من الاية الانجيلية" ان كل ما تربطونه على الارض يكون قد رُبط  في السماء وما تحلونه على الارض يكون قد حُل في السماء" متى18:18 .انما هي مطلقة في تأدية الاسرار الكنسية المعروفة وليس على كل معالم الحياة للمؤمن والعضو في المؤسسة الدينية، كما اني ارى انطلاقاً من الفكر الاجتماعي أنها آية لها أهميتها الاساسية في موضوع السلطة والعلاقة بين الاكليروس والعلمانيين لتفسح المجال للسلطة الكنسية لكي تتكيف في طبيعتها وتعاطيها وديناميتها وفقاً للمتغيرات الحتمية لكل مرحلة تاريخية للمجتمع البشري، ففي بداية المسيحية وبمرور الزمن لم تكن العقلية البشرية من مواصفات كما هي الان، ولم تكن طبيعة السمات الديمغرافية المكتسبة  للانسان كالتعليم والمهن والنظم السياسية كما هي الان. فكل المتغيرات تجعل من الافراد المؤمنين يمتلكون عقولاً وأفكاراً غير تلك التي كانت سائدة في العصور السابقة التي كانت تتقبل السلطة كما هي. فأصبحت الحاجة مُلحة لكي لا يتقبل الناس تلك السلطة في كل جوانب حياتهم وحياة المؤسسة التي ينتمون أليها.
وأخيراً لي أمل لوجود البابا فرنسيس على قمة الهرم في المؤسسة الكنسية الكاثوليكية ووجود البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو،كاردينالا ومستشارا في الفاتيكان،أن تُنشط مسألة اعادة النظر بالقوانين الكنسية وتشريعها من جديد في ضوء التطورات الحضارية  البشرية، وأخص بالذكر تلك المرتبطة بدور العلمانيين، مع أعادة النظر في القوانين التي تُنظم العلاقة بين سلطة الحبر الروماني والفاتيكان بخصوص الشؤون الادارية للكنائس التي تشترك معها في الايمان .أي الكنائس المُسمى بالقوانين الكنسية "المستقلة أو المتمتعة بالحكم الذاتي ".
 
   


42
                     مشروع مُتميز للحفاظ على التراث الثقافي الكلداني
                         من تدبير المطران مار ابراهيم ابراهيم
د . عبدالله مرقس رابي
                                   في مقابلة أذاعية أجراها الاعلامي المتميز فوزي دلي في أذاعة صوت الكلدان من ديترويت الامريكية مع سيادة المطران المتقاعد مار ابراهيم ابراهيم راعي أبرشية مارتوما في مشيكن سابقا( رابط ادناه)ً، سُلط الضوء على مشروع يعد من المشاريع الثقافية التراثية للمجتمع الكلداني في ديترويت وأينما وُجدوا حول العالم، كما أنه حيوي واساسي للباحثين وطالبي العلم من مختلف الجماعات البشرية. وهو انشاء مكتبة لحفظ كل المخطوطات التراثية الكلدانية وتبعات أخرى مُلحقة بالمشروع. كيف بدأت الفكرة وما هو الهدف، وما هي طبيعة العمل، وما هي الفائدة المتوخاة منه ومن يندفع ويحفز ويشجع ويُدبر ويشارك ويتعاون ليرى المشروع النور، كل هذه التساؤلات أتضحت في المقابلة المذكورة في ضوء الاسئلة المناسبة التي قدمها الاعلامي فوزي حول الموضوع لسيادة المطران مار ابراهيم .
يرى المُتابع لتاريخ وجود الكلدان في ولاية مشيكن الامريكية والمدن الامريكية الاخرى عموما أنه تاريخ زاخر بالعطاءات المختلفة في الحياة، وكبرت هذه العطاءات مع زيادة ديمغرافيتهم في المنطقة، وأخص بالذكر في مدينة ديترويت الكبرى، حيث منذ ان وطأت اقدامهم سنة 1912 مدينة ديترويت وقبلها عام 1905 امريكا بدأت عملية استقطاب المهاجرين الكلدان الى هذه المدينة تدريجياً الى أن وصل عددهم هذا اليوم الى ما يُقارب 170 الف نسمة. وأكثر من سبعين الف في المدن الاخرى، وكان أكثر الكلدان الذين غادروا الى امريكا هم من بلدة تلكيف الواقعة شمال الموصل على نحو ثمان كيلومترات، وهم فعلا من بدأوا الهجرة وثم تبعهم من أبناء القرى والبلدات الكلدانية الاخرى من سهل نينوى والمناطق الجبلية في شمال العراق، لاتزال المغادرة مستمرة الى يومنا هذا. لا ترتبط مغادرتهم بعدم حبهم لوطنهم وارضهم، بل كانت لاجل البحث عن حياة حرة ومستقرة تمنح لهم وجودهم وكيانهم ورغبتهم للعيش في مجتمع يحقق لهم العدالة والامان والمشاركة الفعالة فيه التي حُرموا منها وهم على ارض أجدادهم منذ الاف السنين. وعليه نلاحظ ابداعاتهم ونكتشف عطاءاتهم بوضوح في المجتمع الجديد ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعلمياً وفي كافة مجالات المعرفة .
بالرغم من عملية التكيف لكلدان ديترويت المطلوبة ثقافياً وأجتماعياً في المجتمع الامريكي، الا انهم حاولوا عبر المنظمات المدنية العديدة والكنائس التي أسست من قبلهم كمراكز اجتماعية وثقافية واعلامية الحفاظ على تراث آبائهم من الانساق الاجتماعية والثقافية والدينية التي تنسجم مع معطيات الحضارة المجتمعية الجديدة، ونقله الى الاجيال اللاحقة زمنياً لتحفيز المشاعر الانتمائية الاثنية الكلدانية لهم. وجاءت فكرة أنشاء المكتبة العامة لحفظ المخطوطات اليوم لتتوج تلك الابداعات والعطاءات المستمرة .
الفكرة
وضح سيادة المطران مار ابراهيم الفكرة والهدف من تاسيس المكتبة  خلال اجابته على السؤال الذي طرحه الاعلامي فوزي دلي عن كيف جاءت الفكرة وما هو الهدف؟ وقد أكد سيادته، ان الفكرة بدأت على أثر تحسسه وادراكه أن المنطقة التي انتشر فيها الكلدان تاريخياً، العراق وسوريا وتركيا وايران باتت غير مستقرة ولا أمل في الاستقرار والعيش بسلام وامان مما يضطر الكلدان الى مغادرتها يومياً ودون رجعة. ولما كانت الكنائس الكلدانية المنتشرة في تلك البلدان تحتوي على كنوز ثقافية ابداعية متمثلة بالمخطوطات التي تركها لنا الاباء والاجداد ومبعثرة هنا وهناك، رأى سيادته وصمم للحفاظ عليها من الضياع  لاستمرار الاضطهادات والاعتداءات على المسيحيين ولتعرض الكنائس للنهب والهدم من قبل المعتدين، أو تعرضها للتلف لقدمها اذ وُجدت معظمها مغبرة وممزقة، أو لاستحواذ البعض عليها وضياعها. والهدف الاخر هو شعوره باهمية وجود مكتبة خاصة لجمع هذه المخطوطات فيها وحفظها في مكان موحد بشكل مدروس وباتباع الاساليب العلمية في تصنيفها وحفظها، مما ستوفر الفرصة للاطلاع على ما تحتويه من ابداعات تركها لنا الاباء عن تاريخ الكلدان وكنيستهم. وستكون خزينة لثروة عظيمة وارث ثقافي سيكون في متناول الجميع وبالاخص الباحثين لدراستها وتحقيقها، وثم الاطلاع عليها من قبل الاخرين سواء الكلدان او غيرهم.
آلية العمل
طرح الاعلامي فوزي لسيادة المطران مار ابراهيم أسئلة تتعلق بآلية وسياقات العمل لانشاء المكتبة. ففي ضوء سؤال عن ما تم تحقيقه من العمل وهل المكتبة فُتحت ؟أجاب سيادته:
جاءت الفكرة قبل طلبه التقاعد، ولابد هكذا مشروع بحاجة الى تخصيص أموال ضخمة، ولما نظمت لجنة مختصة لتنظيم وأقامة حفلة تكريمية على شرف سيادته بمناسبة مرور خمسين سنة على رسامته الكهنوتية وثلاثين سنة على رسامته الاسقفية، تقرر وبموافقة المطران مار ابراهيم أن يكون ريع الحفلة وما يتبرع المدعوون مخصصاً لمشروع المكتبة، وفعلا كما وضح سيادته في المقابلة الحالية تم جمع اثناء الحفلة وبعدها من تبرعات الاشخاص 401 الف دولار امريكي، ووضعت تحت حساب خاص للمكتبة لتغطية النفقات، واكد سيادته بقى منها لحد اليوم 316 ألف دولار، وهذا المبلغ لايكفي لشراء المبنى وتكملة المشروع، وهناك الحاجة الى مبالغ اضافية. وأشار الى أن السيد مارتن منا سيساعدهم  فعلاً رغبة منه .
موضع المكتبة
 حالياً للمكتبة موضع مؤقت في كنيسة قلب يسوع، وفيها 250 مخطوطة مستنسخة وصلت من مصر حيث  تجري عملية الاستنساخ هناك بسبب رخص العمل. وهي مرتبة ومصنفة علمياً ويشرف على العمل المطران مار فرنسيس قلابات الذي يعمل بجد ورغبة في تحقيق الهدف ومعه الشماس خيري فومية بالتعاون مع طلبة السينمير في الابرشية، ويرجع تاريخ أقدم مخطوطة حصلوا عليها لحد الان الى ما بين القرن الثامن والتاسع الميلاد بحسب رأي الخبراء. وفي حالة وصول العدد المتوقع الى 2500 مخطوطة مستنسخة الذي هو الهدف المنشود، سيتم فتح أبواب المكتبة أمام الجميع للاستفادة منها. ووفقاً لاجوبة المطران مار ابراهيم فأنهم يبحثون عن مبنى خاص للمكتبة، ويدرسون المسألة لتحديد موضعها بالنسبة الى مدينة ديترويت الكبرى حيث الكلدان يتوزعون في شرقها وغربها. وليس هناك اتفاق لحد الان لمكان المبنى، واذا تم الاختيار سيُباشر فوراً بالتنفيذ.
وفي سياق الحديث عن اختيار الموضع للمكتبة، طرح الاعلامي سؤالا عن مدى امكانية ان يحتوى المبنى المقرر على جزء مخصص للمتحف الكلداني الذي فُتح مؤخراً في نادي الكلداني( شنندوا) ليكون مجمعاً ثقافياً موحداً. أجاب سيادته :ان الفكرة موجودة لدى الطرفين، عند مسؤلي المتحف والمكتبة على السواء، واذا ما تم احتيار المكان المناسب سيباشر العمل بذلك.
آلية جمع المخطوطات المستنسخة
             في سياق الاسئلة التي طُرحت لسيادة المطران مار ابراهيم عن كيفية جمع والحصول على المخطوطات، وضح سيادته:
خصصنا الاموال لجمع المخطوطات كخطوة أولى، وبدأنا مفاتحة الكنائس الكلدانية وطرح الفكرة للكهنة والاساقفة لاستنساخ ما في حوزتهم من المخطوطات على نفقتنا وارسالها للمكتبة في ديترويت. ولاعتزاز الكنائس بالمخطوطات لايمكننا الحصول على المخطوطة الاصلية، وانما نكتفي بالاستنساخ. فبعضهم لم يوافقوا على استنساخها أيضاً، فمثلا لم نتمكن من أقناع الرهبنة الكلدانية في دير السيدة من القبول باستساخ مخطوطات الرهبان، وعليه جدد مطالبته بالتعاون والقبول.
ولما رأى المطران مار ابراهيم الرغبة الحقيقية والحماس الكبير لدى الاب نجيب الدومنيكي، في الاهتمام بهذا الارث الثقافي، حيث يجعل من المخطوطة الممزقة والمشوهة كأنما جديدة، طُلب منه التعاون لارسال نسخة مصورة الكترونياً لكل مخطوطة وعلى نفقة المكتبة. وأبدى تعاوناً شديداً وهو يعمل مشرفاً لعمل جمعية أيطالية مهتمة بالموضوع، فيرسل نسخة مصورة الكترونياً، ويتم طبعها في مطبعة تم شراؤها لهذا الغرض في ديترويت بثلاث نسخ، واحدة للمكتبة والاخرى لمكتبة الكونغرس الامريكي والثالثة سيحدد لمن ستُعطى مستقبلا. والان منشغلون بتصوير مخطوطات البطريركية كما أكد سيادته. وأكد ان جهدهم منصب الان على المخطوطات 90% ،وبالطبع أن المشرفين على المكتبة سيشترون الكتب المطبوعة لتزويدها لتبقى مكتملة.
هكذا يضيف كلدان ديترويت في أمريكا صرحاً ثقافياً آخراً الى ابداعاتهم الثقافية، صرحاً له أبعاد تعليمية وترويجية تعريفية لحضارة الكلدان لتبقى الاجيال على اتصال ومعرفة عن أصولهم الحضارية لكي يعتزوا أمام الاخرين بأنهم بُناة حضارة انسانية وايمانية راقية للبشرية، وليس غريباً أن يكون صاحب الفكرة المطران مار ابراهيم ابراهيم الراعي السابق لابرشية مار توما الكلدانية في مشيكن، حيث عُرف بأهتماماته التراثية واعتزازه بانتمائه الاثني الكلداني وحثه الكلدان للاعتزاز والافتخار بارثهم ونشر الوعي الانتمائي بنشر الثقافة الكلدانية وتوظيفها لاجل الانشداد والارتباط بأثنيتهم مع تأكيداته المستمرة للاحترام المتبادل بين الجماعات البشرية وقبول الاخر. وهو مطمئناً بأن المطران مار فرنسيس راعي الابرشية الحالي شديد الاهتمام بالمشروع وله رغبة كبيرة لتحقيقه، ومطمئناً ان الخيرين من ابناء الكلدان سيدعمون المشروع كل وبطريقته وأمكاناته سواء في المال أو الخبرة أو الاستشارة.
وبهذه المناسبة، وانا أستمع الى المقابلة القيمة راودتني بعض الافكار المتواضعة، أضعها أمام المشرفين على المشروع كمقترحات لعلهم يستفيدون منها :
اولا: اعتزازا وافتخارا بالمطران مار ابراهيم ابراهيم  صاحب الفكرة اقترح ان تكون لائحة التعريف لمبنى المجمع الثقافي تحت تسمية( مجمع المطران ابراهيم الكلداني الثقافي )أو أي تسمية اخرى مناسبة محتوية على ذكر اسم سيادته.
ثانياً: تسمية القاعات وأجزاء المبنى بأسماء الذين تركوا بصمات ثقافية وايمانية في المجتمع الكلداني وكنيسته، على سبيل المثال، القس المرحوم يوسف حبي، والقس البير ابونا وغيرهما كما لابد من تسمية بعضها باسماء أشخاص وهم رواد الثقافة الكلدانية العلمانيين من اساتذة الجامعة والباحثين، وأخص بالذكر من أبناء الكلدان في مدينة ديترويت الكبرى.
ثالثاً:على المسؤلين في الرهبنة الكلدانية التعاون والاستجابة لطلب المشرفين على المكتبة للسماح باستساخ مخطوطات الدير لوضع الحقائق والمعرفة العلمية والايمانية التي تحتويها تلك المخطوطات في متناول الجميع وبالاخص الباحثين للاستفادة منها. طالما لا ينفق الدير على العملية أية مبالغ نقدية. وللتذكير سبق وان أطلعت على سجل الرهبنة الكلدانية بموافقة المرحوم القس الراهب شربل المسؤول انذاك في دير مار كوركيس أثناء جمع المعلومات لتاليف كتابي عن بلدتي منكيش، حيث اكتشفت فيه حقائق مُثيرة ومهمة جداُ من الاحداث وحياة الرهبان وتاريخ الدير، وفعلا استغربت ولم كنت اتوقع بان بلدتي منكيش كانت لها مساهمة فعالة في عدد ابنائها الرهبان في الدير حيث بلغ 40 راهباً منذ تاسيسه على يد الاب جبرائيل دنبو، وجاءت بالمرتبة الثالثة بعد القوش وتلكيف ،وبحسب النسبة والتناسب السكاني بين القرى قد تكون الاولى. ومما اثار انتباهي ايضا أن الرهبان الستة الاوائل الذين جددوا الرهبنة الانطونية الكلدانية مع الاب جبرائيل دنبو هم من منكيش حيث اتى بهم شخصياً للدير. معلومات ادهشتني وادهشت ابناء بلدتي. فالرجاء وضع المخطوطات امام المهتمين للاستفادة.
رابعاً: الاتصال بطلبة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية والانسانية من الكلدان وغيرهم لدراسة المخطوطات وتحقيقها.
خامساً: لا يُشترط ان يكون المختص المشرف على المكتبة  في علم المكتبات من الكهنة، بل من العلمانيين، واقترح توفير هذه المهمة الان للاستفادة في انشاء المكتبة علمياً. كما اتمنى تغذية اللجنة الحالية بالعلمانيين المهتمين فهي مكتبة الكلدان ولا تخص الكنيسة فقط.
سادساً : أن يتوسط مبنى المزمع انشاؤه بين الشرق والغرب من مدينة ديترويت الكبرى، وان يكون أكثر قرباً من منطقة الاكثر كثافة من الكلدان في المدينة.
سابعاً: أن لا يقتصر المبنى على المكتبة والمتحف فقط، وانما يتضمن،قاعة للمحاضرات العامة لتكون بديلة عن قاعات الكنائس لاجل اقامتها في المناسبات المتعددة، قاعات مخصصة ومهيئة للاجتماعات والندوات والمؤتمرات العلمية والعامة لاستخدامها الذاتي، أو  لغرض تاجيرها للمؤسسات والمنظمات التي تحتاجها للاستفادة من مواردها.
ثامناً: ذكر سيادة المطران مار ابراهيم انهم يعدون ثلاث نسخ ،خصص اثنتان منها ،واقترح الثالثة ان تكون للفاتيكان أو للمكتبة المركزية في بغداد.
تاسعاً: البحث عن الاطاريح العلمية في مختلف الاختصاصات التي أعدها الطلبة الكلدان في جامعاتهم لنيل الشهادات العلمية لتكون مفخرة للاجيال القادمة ولاهميتها وقيمتها العلمية للاستفادة منها. وكما اقترح البحث عن الكتب التي أُلفت عن قرانا وبلداتنا الكلدانية لضمها الى المكتبة.
عاشراً: وضع مخطط يشير الى المصدر الجغرافي للمخطوطة لكي لا تُضيع حقوق المالك الحقيقي سواء كان شخصاً أو كنيسة، وثم ستتبين الجهود المبذولة من قبلكم في عملية جمع وحفاظ هذه المخطوطات، كأن يُكتب اسم الكنيسة ومكانها، القرية او المدينة والبلد.
مع اجمل التهاني والتمنيات لكلدان ديترويت والقائمين على تنفيذ المشروع بالنجاح والتوفيق لتحقيق هدفكم.
كندا في 19/10/ 2018 
  http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=906775.0



43
                               عدم مصداقية النائب "خوشابا"
                               تتناقض مع وجوده في البرلمان
 د. عبدالله مرقس رابي
                       صرح النائب عمانوئيل خوشابا عن قائمة أئتلاف الرافدين في البرلمان العراقي بيان شخصي مُذيل بتوقيعه يبين فيه مبررات عدم حضوره لقاء غبطة البطريرك الكاردينال مار ساكو مع نواب الكوتا المسيحيين في مجلس النواب( رابط ادناه).وبالرغم من العبارات الاستفزازية التي ذكرها كما سيتبين لاحقاً.على الفور أصدرت البطريركية الكلدانية بياناُ رسمياً ( رابط 2 )أثبت عدم صحة ما جاء في بيان النائب خوشابا .وهذا عكس صورة وموقف النائب المذكور على عدم مصداقيته فيما كتبه وهو في الشهر الاول من تسلم مهامه كنائب يمثل الى جانب زملائه الكوتا المسيحية ،مما أوقع نفسه في دوامة من عدم تصديقه مستقبلا وما يفعله سيكون بموضع الشك عند المتابعين من المهتمين ومن قبل زملائه في مجلس النواب سواء من الكوتا المسيحية أو النواب الاخرين في المجلس لفقدانه النزاهة المطلوبة التي تستوجب توفرها عند برلماني يمثل شعبه ،ويكون عنصر ثقة لتشريع القوانين لخدمة الوطن والارتقاء به.
اللقاء مع غبطة البطريرك مار ساكو كان بحسب الاعلام البطريركي لقاء للتعارف والتشاور والبحث في شؤون المجتمع المسيحي في العراق والمجتمع العراقي بشكل عام ،كان لقاء شخصي غير رسمي،وحضره جميع زملائه في الكوتا، قائمة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وقائمة بابليون وقائمة الائتلاف الكلداني، وكم كنت متمنياً أن تلبي الدعوة متجاوزاً كل الاختلافات أن وُجدت ففي مثل هذه الحالات يستوجب نبذ الخلافات وتجنب عدم الاكتراث.
 وطالما يدخل ضمن الاطار التعارفي والشخصي فأن نتائجه غير ملزمة لان غبطته يدعو ويوصي ويقترح وتبقى ارائه غير ملزمة سياسياً، ولكن لوجوده على رأس اكبر كنيسة عراقية وتميزه بقدرات شخصية ومكانة عالمية واقليمية ومحلية وحرصه الدائم على الحضور المسيحي في العراق وحرصه على الاستقرار الامني والسياسي ودعوته المستمرة لقيام حكومة مدنية وطنية تتجاوز المحاصصة الطائفية والاثنية ،كل ذلك يجعل المسؤلين  يتوافدون اليه ومنهم من يمثل شعبنا باثنياته الثلاث للاصغاء الى ارائه ومناقشتها لربما تنفع في ادارة البلد وتخليصه مما هو عليه ، فكم جنابك وزملائك في الكوتا المسيحية بحاجة اليه.
تتطلب الحالة السياسية الشاذة في العراق اليوم الاستماع الى المرجعيات الدينية طالما أن النظام هو ديني بكل تفاصيله وهناك تاثيرات واضحة من المرجعيات الدينية للمذاهب الاسلامية في ادارة البلد ،فهل تحسبها غير مهمة وليست بالمقام مشاركتك لقاء مع مرجعيتنا الدينية بغض النظر عن المذهبية .وأما تأكيدك على انك تفضل ان يكون اللقاء مع كافة رؤساء الكنائس المسيحية ،فانها حجة غير مقنعة للمتابع، وذلك لان الدعوة كما ذكرت هي شخصية، ومن شخصية دينية مهتمة جدا بالشان الوطني ،ولايمكن الاشتراط لانه ليس نظيرك أو خصمك .فهي مبادرة من غبطته ولما لم يبادر نظرائه البطاركة او رؤساء الكنائس في العراق كما فعل؟ سيادة النائب المحترم: كلنا نتشوق فرداً فردا أن يجتمع رؤساء المذاهب الدينية المسيحية سوية ويتداولون شؤون شعبنا دون املاءات أو شروط ،واذا تمتلكون تلك الامكانية في اقناعهم نتمنى ذلك ونعتبرك بطل الوحدة المذهبية ،لا بل نعتبرك بطلاً لو أجمعت الكنيستين المشرقيتين الاشوريتين الموقرتين في لقاء وتوحد بينهما وليس كل المذاهب، فكيف تطالب بالاجتماع العام هذا وتعرف شخصياً انها مسألة صعبة المنال. بمعنى ان ما أكدت عليه حجة لتغطية عدم رضاك باللقاء.
حضورك كان مهماً لتتكامل المناقشات وتتوحد الاراء ،أ لستم من المؤمنين بالديمقراطية وتحاولون ترسيخها في العراق؟ فمن ملحقات الديمقراطية هو العمل الجماعي المشترك وتبادل الاراء بحرية وعدم فرض الراي، وفي الاخير تُحسم القرارات بحسب الاكثرية. والتعصب لا يقترن مع مفاهيم الديمقرطية بل أنها حالة ترتبط بالدكتاتورية .فأين جنابكم من هذا ؟ ولماذا الاعتراض طالما اللقاء يصب في المصلحة العامة لشعبنا ومصلحة الشعب العراقي عامة؟ وثم أنها دعوة لكوتا المسيحية وليست الاثنية أو القومية بحسب تصنيفكم السياسي ،ولاعتبار أنها كوتا مسيحية فمن الضروري التشاور مع رؤساء الكنائس ، واما لو كانت كوتا اثنية لم تستوجب مثل هذه التشاورات.تلك التسمية التي لم تفلح الاحزاب السياسية من تغييرها في البرلمان العراقي .كانت لك ذريعة حقيقية لعدم الحضور الى اللقاء وهو وجودك خارج بغداد ووصولك متأخراً ،لو تشبثت بها لكان الافضل مما تأتي وتعلن عن بيان وتعقد المسألة وتعطي مبررات غير صحية وصحيحة كما جاء في بيان البطريركية ،والا هناك غاية شخصية لاصدار هكذا بيان فيه مغالطات ولها تداعيات نفسية وسياسية .
أما المؤشر الثاني في بيانك الشخصي لفقدان المصداقية والنزاهة في تعاطيك منذ تسلم مهامك في البرلمان هو تجاوزك ما أُقره الدستور العراقي عن تسمية الاثنيات الكلدان والاشوريين ،ولانك عضو في مجلس النواب العراقي وأديت القسم الوطني لاحترام الدستور والحفاظ على الاستقرار ،أستوجب أن تُسمي الاثنيات بمسمياتها الرسمية لتحقق الحفاظ على الدستور وتفاصيله ،وان كنت مقتنعاً بتسمية معينة فهذا شأنك، وأما كونك رسمياً في البرلمان العراقي وممثلا للكوتا المسيحية من الواجب أحترام الدستور والا فأنه يتناقض مع وجودك تحت قبة البرلمان.
بدلا من ترسيخ روح التعاون والتكاتف ووحدة الخطاب والموقف مع زملائك في الكوتا المسيحية ،بدأت ولم يمض شهر على وجودك معهم في خلق المشاكل بافعال استفزازية كما ظهرت من وسائل التواصل الاجتماعي ،ففي اليوم الاول وفي الجلسة الثانية ذكرت في مداخلتك بانك ممثلا عن الشعب الاشوري.وثم أثناء مناقشة أحوال البصرة ذكرت دعم الشعب الاشوري لابناء البصرة وأخيراً في بيانك الاخير عن لقاء البطريرك ذكرت شعبنا الاشوري ووضعت الكلدان والسريان بين قوسين .
سيادة النائب خوشابا :تعرف جنابك جيدا أن وصولك وتسميتك الرسمية لوجودك في البرلمان هو ممثلا للكوتا المسيحية ولست ممثلا للكوتا الاشورية ،كما ليس أحد من زملائك الاخرين ممثلا عن الكوتا الكلدانية ولا السريانية ،فلماذا هذا التجاهل والاستفزاز والتجاوز على القانون؟لاتنسى انك ممثل المسيحيين فكل مسيحي عراقي من حقه ان يعترض على تصرفاتك وتصرفات زملائك طالما انتم تمثلون الشعب المسيحي وليس الشعب الاشوري او الكلداني او السرياني.فمن حق الكوردي المسيحي أو القبطي العراقي أو من ينتمي الى المذاهب البروتستانتية في العراق ممكن أن يعترضوا على تصرفاتكم جميعاً.
أخي النائب خوشابا: اتمنى أن تتجاوز هذا الموضوع الشائك والمعقد ،ولننظر الى الامور بواقعية وكما هي لا كما يجب أو نفرض ،لايمكننا أن نُرجع التاريخ أو الزمن فكل لحظة مرت أنتهت من حياتنا ،هذه فلسفة حركة التاريخ ،الانسان في البلدان المتقدمة يعيش ليومه ويخطط للاجيال ويضع التاريخ وراءه.فبدلا من التركيز والاهتمام على هكذا موضوع ،عليكم المشاركة والتركيز على ما يعانيه شعبنا باثنياته الثلاث الجميلة الاشورية والكلدانية والسريانية ،ذلك الشعب الذي دخل مرحلة الانفاس الاخيرة في بلده وعلى ارضه، أن يكون التركيز على معاناة من بقى صامداً على ارض الوطن في ظل التهجير القسري والقتل والاعتداء على الممتلكات وتشريع قوانين لاتصب في مصلحته والهجرة الى الشتات ،عليكم التركيز على مصلحة العراق الكبرى ونبذ المحاصصة الطائفية والاثنية القاتلة والمحبطة للامال التي توخاها الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق.
اعمل مع زملائك في الكوتا لوحدة الخطاب والمواقف بدلا من استفزازهم بموضوع لايخدم ولا يقدم بل يؤخر تنموياً، فالوحدة ليست في الاتفاق على تسمية معينة ،بل هي بث روح العمل الجماعي وتوحيد الخطاب والاحترام المتبادل للاراء،الوحدة هي شعور وجداني ،اي وضع الانسان نفسه مكان المقابل في حالة معينة ليتفهم موقفه ومشاعره في حينها.الوحدة قد تكون قائمة بين عدة أثنيات أو قوميات بالمفهوم السياسي أو بين عدة مذاهب دينية أو أديان مختلفة ولكن مقترنة بالاحترام المتبادل وقبول الاخر على ماهيته دون فرض ارادته على الطرف الاخر أو ايديولوجيته السياسية أو الدينية .وهذا ما يحدث في كندا التي تضم اكثر من 150 اثنية وكلها متوحدة مع الاحتفاظ كل منها بخصوصياتها الاجتماعية واللغوية والثقافية.
اعمل لنبذ التعصب ،فالتعصب وفقاً لعلماء الاجتماع والنفس آفة ومرض له تداعياته الشخصية والاجتماعية والمجتمعية الوخيمة.فالتعصب هو التفكير السيء،وهو وسيلة لشحن المجتمع بالمشكلات الاجتماعية ،لان المتعصب يرى الاخر بأطار سلبي وله الحكم المُسبق نحو الجماعة أو الفرد ،وهو يدمر روابط الالفة والمحبة والتماسك والتكاتف ويدفع بالمجتمع الى الضياع والتمزق .
وأخيرا اتمنى قبول ما توخيت منه في هذا المقال ،ومع التوفيق والتقدم لكم ومع زملائك في الكوتا المسيحية لخدمة عراقنا وشعبنا المسيحي بمختلف أثنياته.
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,904997.0.html
http://saint-adday.com/?p=25950


44
                          الفكر النهريني /نظرة أنثروبولوجية
                            في ضوء حوار مثير بين كاهنين
  د. عبدالله مرقس رابي
                    في مقال منشور مؤخراًفي موقع جريدة كاردينيا كما نشر في موقع عينكاوا في 10/8/2018 بعنوان"حوار الاب القس لوسيان جميل مع الاب نوئيل فرمان" (رابط ادناه)  يدور حول مدى أستمرارية الفكر النهريني نسبة الى بلاد النهرين وحيويته وأستمراره الى يومنا هذا لدى الجماعات الاثنية الثلاث لشعبنا من الكلدان والاشوريين والسريان، ذلك الفكر الذي يقر الكاهن نوئيل السناطي أستمراره مع وجود شعبنا باثنياته المذكورة، في حين الكاهن لوسيان جميل يرفض وبقوة وجود فكر بتسمية نهرينية ويتساءل أين نجده؟ ويُلغي وجود الكلدان والاشوريين والسريان، أنما هناك وبحسب رأيه الفكر العربي الاسلامي في العراق أو المنطقة مستندا في ضوء ما جاء في رسالته الحوارية على الانثروبولوجية لتفسير ذلك .
أثارت انتباهي محاورة القس لوسيان وتبريراته التي يعدها أنثروبولوجية تلك الكلمة التي ذكرها اربعة عشرة مرة في الرسالة دون أن يحدد ما المقصود بها. لو لا ورودها وتاكيده على أن تفسيره علمي وفقاٌ لوجهة نظره لما تدخلت بابداء رأيي في الموضوع، حيث استنتجت هناك  قصور ومغالطات وتفسيرات لا اساس أنثروبولجي لها، وفيما يأتي وجهة نظري حول الموضوع منطلقاً من المفهوم السوسيوأنثروبولوجي (المقصود به أستخدام منهجية علم الاجتماع والانثروبولوجية في التحليل)، راجياً من الكاهنين الوقورين تقبل الافكار بروحية مبدا الحوار الحر وحرية أبداء الرأي. وأرجو ان لا تُفسر محاولتي هي الدفاع عن القس نوئيل فرمان بقدر ما أشرت آنفاً أن المسألة تتعلق بأهتماماتي المعرفية والاختصاص العلمي.
لا ادري ما الذي يقصده القس لوسيان من تكراره أنه يستخدم الانثروبولوجية في تفسيراته بعيداً عن التفسير العاطفي والايديولوجي، حيث كان من المفروض تحديد المعنى، فالانثروبولوجية حرفياً، هي كلمة أغريقية متكونة من مقطعين، الاول انثروبوس بمعنى الانسان ولوجوس بمعنى العلم، ومعرفياً انه العلم الذي يبحث في الانسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً. وله مجالات متعددة لكافة نواحي الحياة البشرية. ومنها الانثروبولوجية الفلسفية التي تهتم بدراسة الطرق المنطقية لصياغة وبناء النظريات المرتبطة بالانسان منطلقة من اسس ونسق التفكير الانساني وتبدلاته من حيث علاقته بالتطور الطبيعي للانسان والنسقين الحضاري والاجتماعي في المجتمع وهذا ما يقابله علم الاجتماع المعرفة. وعلى ما أعتقد من هنا انطلق القس لوسيان في تفسيراته عن موضوع الفكر النهريني لوجوده من عدمه. ولكن البحث في هذا الموضوع صعب جدا لحاجة الباحث الى دراية متكاملة وتفصيلية واختصاصية لكل من فروع الانثروبولوجية التي تكون المثلث الدراسي الطبيعي والحضاري والاجتماعي وعلاقتها بالتفكير الانساني.
حاول القس لوسيان ربط أضلاع المثلث الانثروبولوجي بالتفكير البشري ليصل الى نتيجة مفادها لا يوجد "الفكر النهريني"في عالمنا اليوم أذ أنه وُجد مع سيادة الحضارة الاشورية والكلدانية والارامية ثم انتهى مع زوال تلك الحضارات. ولا يصلح القول الا ان نسميه " الفكر العربي" السائد في العراق اليوم والمنطقة منذ انتشار العرب خارج الجزيرة العربية على أثر الغزو العربي الاسلامي، مع تأكيده أن الحضارات المذكورة هي أجزاء من الحضارة العربية لانها قدمت من الجزيرة العربية ويسميها "الجزرية"وهي الفكرة التي يتبناها القوميون العرب والباحثون المتأثرون بتلك السياسات الالغائية الشوفينية وليست الا فرضيات .
 بالرغم من صحة مدخله لدراسة الموضوع لاستعانته بنظريات التغير الحضاري والتلاقح البايولوجي على أثر التعاقب الحضاري في بلاد النهرين وربط التغير الفكري بالتغير الحضاري. الا أنه اخفق في معظم تحليلاته كما تبين من حواره مع القس نوئيل، لتخبطه كثيراً ولم يعط فكرة واضحة المعالم لمحاولته تطبيق المنهجية الانثروبولوجية بشكل غير متكامل، فكانت قاصرة تحتاج الى ربط مفاهيم تخص دراسة الحضارة والشخصية، كنظرية الاقتباس الحضاري وانتشار العناصر الحضارية والفرق بين التسمية الاثنية والفكر والاصول العرقية والجغرافية وعلاقة السلطة والقوة والمجتمع بالحضارة والتمييز بين القيم الدينية والاجتماعية ومسالة بناء الشعور الانتمائي لدى الفرد الى جماعته البشرية.
الفكر والحضارة
كان واضحاً ما أكد عليه القس لوسيان ان الفكر يتغير بتغير العناصر الحضارية وهذا فعلا ما يحدث، ولكن لم يفسر لنا ذلك. حيث هناك علاقة عضوية بين الفكر والحضارة، فالحضارة بحسب " ادوارد تيلور" هي كل مركب يتكون من المعرفة والعقائد والفن والاخلاق والقانون واللغة والعادات ووسائل الانتاج يكتسبها الفرد العضو في المجتمع. ويحدد " جيمس سيراولي" هذا الكل المركب هو كل ما نفكر به ويؤثر في بناء المنظومة الفكرية للانسان كفرد مع مساهمة الدماغ في هذا البناء، ومجموعة الادمغة للافراد في المجتمع يتكون منها الفكر الجمعي ليميزه عن المجتمعات الاخرى. وكما يقول "رالف لنتون "في كتابه "دراسة الانسان" بفعل قوى مختلفة تضمحل الحضارات، بينما لا نتصور ان المجتمع يمكنه أن يموت على أثر سقوط الحضارة، بل يظل كمجموعة من الافراد يستمرون في العيش، وانما الذي يحدث هو التغير في العناصر الحضارية المعنوية والمادية بما فيها مفردات اللغة كلياً أو جزئياً لتفاعل تلك الوافدة مع ما كانت قائمة في داخل المجتمع بالاضافة الى التغير البايولوجي بسبب التزاوج وتبدل البيئة الطبيعية بالنسبة الى الوافدين، وهذا بمجمله يحدد النسق الفكري ويستحدثه لافراد المجتمع لان الفكر مرتبط بالبيئة الحضارية. والعملية تعتمد على عدة عوامل لتحديد فيما اذا تطغى الحضارة الوافدة على الحضارة القائمة أو بالعكس. فاذا كانت العناصر الحضارية الوافدة هي اضعف وأكثر تخلفاً من الموجودة في المجتمع، فحتما ستتغلب الاخيرة على الوافدة مع الاقتباس الجزئي منها. فمثلا من متابعة التغير الحضاري في بلاد النهرين يتبين الغزو المتعدد للحضارات معظمها كانت أكثر تخلفاً دينياً واجتماعياً وسياسياً من الحضارة البابلية والاشورية، فبدلا من تأثيرها عليهما حدث بالعكس وهناك أمثلة متعددة، منها اتخاذ ملوك تلك الحضارات ألقاب الملوك البابليين، تأثرهم بالنسق الديني القائم في بلاد النهرين، وتبني لغتهم كتابة، وتأثرهم بنمط الحياة والنشاطات اليومية وطرق المعيشة ووسائل الانتاج المتطورة. فالحثيون والكشيون والحوريون الميتانيين والفرس والعرب غزو بلاد النهرين وسيطروا على زمام الحكم لاسباب لا مجال لتحديدها هنا، ولكن العناصر الحضارية لهم كانت أكثر تخلفاً من الحضارة البابلية والاشورية، فاثرت الاخيرة بتلك الشعوب الغازية. وحدث أحياناً العكس فمثلا اللغة الاكدية أثرت على السومرية وأحتوتها، واللغة الارامية الوافدة أثرت على اللغة الاكدية بلهجتيها الشمالية الاشورية والبابلية الجنوبية وأخص بالذكر كتابة.
 وبمرور الزمن تتفاعل العناصر الوافدة مع القائمة أصلاً مكونة نموذج حضاري جديد من القيم والتقاليد والاتجاهات واللغة ووسائل الانتاج والفلكلوروكل مظاهر الحياة معتمدة على عمليات أجتماعية أساسية لتحدث عملية الاقتباس الحضاري وهي: المحاكاة والتقليد،التفاعل الاجتماعي، التكيف الاجتماعي، التمثيل الاجتماعي، والتنشئة الاجتماعية، تتفاعل وتتداخل هذه العمليات مع بعضها فتخلق ديناميكية لاستمرار المجتمع بالبقاء والتغير، وعن طريقها يتحول من حالة الى أخرى. وبالطبع أتجاه هذا التبدل نحو الحضارة الاصلية أو الوافدة تعتمد كما أشرت أعلاه على مدى كون الحضارة متخلفة أو متقدمة والقوة التي تمتلكها. (وكيفية تفاعل وعمل هذه العمليات تحتاج الى تفصيل لا مجال هنا لها) ولارتباط الفكر بالحضارة، فاذن الفكر هنا سيتجدد في كل مرحلة مع بقاء الانسان نفسه بتسميته حاملاً الفكر الجديد. أي بمعنى أن التسمية تظل قائمة، الا في ظروف خاصة قد تخضع التسمية عنوة وتعسفاً الى التغيير وانما رسمياً وليس عرفياً، كما حدث أبان الغزو العربي الاسلامي الى بلاد النهرين والشام وشمال أفريقيا. وما حدث في عهد البعث في العراق، فغيرت تسمية البربرأو الامازيغ في شمال افريقيا والاثنيات الثلاث الاشورية والكلدانية والسريانية الى العرب، وهناك أحداث  تاريخية من هذا القبيل وقعت في ارجاء العالم المختلفة.
كيف تستمر التسمية بالرغم من تبدل الفكر؟
                بالرغم من تسلم زمام الحكم الحضارة التي تمتلك القوة، والتي أغفلتها في تحليلك، فأن التسمية لجماعات أثنية ضمن الاطار الكلي للحضارة تبقى من خلال الشعور بالانتماء، كيف، ولماذ؟ الشعور جزء من العمليات العقلية يساعدنا في فهم ذاتنا ومايحيط بنا، أي أدراك الفرد لذاته، بمعنى آخر وعي الذات لذاتها وما من حولها، فيدرك الفرد أنه كائن أجتماعي له عواطفه وانفعالاته وتفكيره، والنفس البشرية تتفاعل من خلال المؤثرات الخارجية مع ما هو موجود داخل الذات لتكوّن منظومة الخبرة الحسية الواقعية التي يعيشها الفرد، وذلك من خلال مظاهر الشعور المتمثلة بالادراك المباشر، الاثر المركزي للتنبيه الحسي، القدرة على الاختيار، أختيار علاقة المُدرك في العالم الخارجي وقدرته على التأثير فيه.
  أنطلاقاً من مظاهر الشعور المذكورة آنفا، يدرك الفرد وجود من يُحيط به من الاخرين الذين يتميزون أو يتشابهون بنفس الخصائص الاجتماعية والنفسية واللغوية والثقافية كما أدرك ذاته، فينجذب للأنتماء الى تلك المجموعة البشرية تحت مُسمى واحد لوجود المشتركات بين أفراد تلك المجموعة. وهكذا كل فرد في المجموعة يكون له نفس الشعور والادراك، فيتحول الشعور الفردي الى الشعور الجماعي، أي كل فرد يشعر بالانتماء الى المجموعة البشرية، ومن هنا ينشأ الانتماء الاثني أو أي أنتماء آخر وفقاً للمفاهيم كأن يكون الشعور للأنتماء الوطني، الديني، الطبقي، السياسي، الجغرافي، القبلي أو القومي. أن عملية تكوين الشعور بالانتماء لا يمكن أن تحدث بسهولة وأنما لها خطوات متعاقبة ومعقدة وتحتاج الى فترة زمنية وتفاعل عدة عمليات أجتماعية ونفسية وثقافية وبايولوجية لكي يتم بناء شعور الفرد الانتمائي لمجموعة بشرية معينة.
 يؤكد علماء الاجتماع والانثروبولوجية، أن الانسان كائن أجتماعي بالطبع، فهو يولد ومزود بعشرات الدوافع الغريزية التي لو أنعدمت أو توقفت عن النمو والتطور لما تمكن الفرد من التواصل الاجتماعي فيصبح كالحيوان يصل الى مرحلة غريزية معينة. وهذه الدوافع والقابليات التي تدفع الانسان الى التواصل في الحياة يصل عددها الى أكثر من مئة دافع عند بعض العلماء وتتفاوت في أهميتها لحياة الانسان، أنما لا يمكن أن تتوازن شخصية الانسان ما لم تعمل الغرائز الموروثة بايولوجياً.
ويأتي دافع الانتماء ضمن الدوافع المهمة الاساسية للأنسان لكي يواصل الحياة الاجتماعية، فالانسان يولد وهو مزود بهذا الدافع المهم طبيعياً، وأذا أنعدم دافع الانتماء عند الانسان غريزياً لاصبح مثل الحيوان تماماً يصل الى مرحلة وينفصل عن الام ويعيش لمفرده ويعتمد على نفسه في توفير قوته والدفاع عن نفسه عندما يتعرض للمخاطر. فليس للحيوان في الغابة من مُعين عندما يهاجمه الاسد، فيبقى فريسة له بينما أفراد القطيع تتسارع للأبتعاد عن الاسد لتنجو بحياتها، لان دافع الانتماء يولد دوافع أخرى ترتبط به، فعند الشعور الفرد بالانتماء سيُنمي لديه دافع التعاون والتضحية، وهذان الدافعان معدومان عند الحيوان لفقدان دافع الانتماء، أو تصل الى مرحلة بدائية جدا ويتوقف عندها النمو كما هو في قطيع القردة.
اذن الانتماء ارتباط وانسجام مع الجماعة البشرية التي ينتمي اليها الفرد. انه نزعة تدفع بالفرد للدخول في أطار أجتماعي لكي يرتبط بالجماعة ويتقمص شخصيتها ويوحد نفسه معها بالاندماج بالخصائص الثقافية لها. فالحاجة الى الانتماء كما يؤكد (اريك فروم) أساسية لتحقيق الذات اذ يشعر الفرد ان لوجوده قيمة في الحياة ليتواصل معها، فالانتماء يحميه من الضياع والاغتراب.
يولد الانسان وهو مزود بدافع الانتماء الى جانب الدوافع المتعددة الاخرى، انما يحتاج الى الصقل والتطوير والدعم والتقوية والتحفيز لدى الانسان. فلكي ينمو دافع الانتماء عند الانسان وتتضح معالمه، لابد وأن يعيش الانسان ضمن جماعة تحتضنه منذ الولادة لكي تُنمي دافع الانتماء عنده، وأفضل هذه الجماعات هي الاسرة التي يولد الانسان فيها فتحتضنه منذ اللحظة الاولى من حياته وتبدأ معه ما تسمى بعملية التنشئة الاجتماعية.
ووفقاً لهذه العملية النفسية البايوأجتماعية، أستمرت الجماعات الاثنية التي تمكنت من وقاية نفسها بطرق مختلفة كالهجرة ومحاولة التكيف مع الحضارة المسيطرة القوية بهدف الحفاظ على كيانها وتسميتها، وأخصها يومنا هذا أصبحت العولمة عملا محفزا لزيادة الوعي الاثني لدى الجماعات البشرية كرد لصد تأثيرات العولمة على هوياتها وذاتها الاجتماعية، بالاضافة الى القرارات العالمية لجمعية حقوق الانسان. وهذا ينطبق تماماً على الجماعات الاثنية الكلدانية والاشورية والارامية التي حافظت على بقائها مع التقلص الديمغرافي لها بسبب الاضطهادات المتكررة، الا أن الشعور بالانتماء اليها لا زال قائماً لديهم الى يومنا هذا. وهذا الشعور هو الذي يتجاوز الفرد بواسطته فحص الدم (دي أن أي ) الذي فعلا سوف لن يقر نقاوة العرق العنصري للجماعات، ليس لشعبنا فقط وانما لكل شعوب العالم كما يؤكد عليه علماء الانثروبولوجية الطبيعة بان نقاوة عنصر أوجماعة بشرية عرقياً ضرب من الخيال. والشعور هو أكثر مقومات الاثنية قوة بحسب الانثروبولوجية الاجتماعية وعلم الاجتماع وعليه أكدت منظمة الامم المتحدة على تثبيته في تعريفها للاثنية. فالمادة التي هي الاثنيات المذكورة لا تزال حية لها مكوناتها الحضارية الفرعية ضمن الاطار الكلي للحضارة التي تمتلك قوة السيطرة.
  وبالرغم أن الفكر تغير لتتابع حضارات متعددة في السيطرة على بلاد النهرين، وكذلك منذ الدخول بالمسيحية، اومنذ انتشار العرب بكثرة في المنطقة، كلها صحيحة، ولكن واكرر لكن تسمية الجماعة التي هي المادة ظلت قائمة بتسميتها كما تبين من تحليلي أعلاه والجماعة هي نهرينية بحسب التاريخ، فاذن الفكر النهريني لا يزال قائما في ذهن افرادها. فالفكر لن يموت بموت المادة التي هي الجماعة بل يموت بموت الفرد كمادة. كما أن الفكر لا يتبدل كلياً لان المادة لا تتغير كلياً، فسقوط الاشورية وثم الكلدانية لا يعني التحول الجذري الى الفارسية، وعند قدوم العرب المسلمين لا يعني ايضاً التحول للفكر العربي كلياً بل أستمرت القيم البدوية وحضارتهم المادية البسيطة معهم ولا تزال، ولولا حضارة الامم الاخرى لاستمرت كما كانت قبل دخولهم الاسلام  لتأكيد القرآن على تلك القيم وبسياق ديني. فهذا تصور خاطىء، لان التغير في الافكار يحمل في طياته القديم والجديد بنسب متفاوتة وأعتماداً على مدى تأثير عوامل التغيير. فالفكر فقط بأحادية التفسير في علاقته لاستمرار الاثنيات من عدمها لانه يتغير زمنياً لا يكفي دون قياس الشعور بالانتماء ودوره في تكوين الوعي الاثني.
 وعليه لايعني دخول سكان بلاد النهرين الاصليين في المسيحية كان عاملا لزوال التسمية الاثنية، بل كان عاملا لاضعاف الوعي الاثني وترسيخ الانتماء الديني مع بقاء التسميات والقيم والمكونات الحضارية الاخرى لهم قائمة، وظلت الحالة الفكرية هذه الى أن أتيحت الفرصة التاريخية ثانية لاستعادتها منذ بداية القرن العشرين وبدأت عند الاشوريين وبرزت في المهجر لدى الاثنيات الثلاث وحالياً في العراق لزوال أثر كابوس القمع والاضطهاد الاثني الذي مارسته الحكومات قبل 2003 .ولانهم يتفاعلون وفق مكونات حضارية من القيم الاجتماعية والتقاليد واللغة ممزوجة بقيم دينية مسيحية تميزهم عن الجماعات الاخرى التي تعيش معهم ضمن الاطار السياسي والقانوني المصطنع، فالتسمية لا تزول لدخول الجماعة البشرية في ديانة معينة كما ذكرت في مقالك لمجرد دخولنا في المسيحية تغيرت تسميتنا، ولماذا لم تتغير تسمية العرب والترك والفرس والاكرادعند دخولهم الاسلام، ولم تتغير تسمية أقوام متعددة حول العالم كالفرنسيين واليونان والرومان لدخولهم في المسيحية.كما أود الاشارة الى مسألة مهمة وهي :لماذا لم تتغير تسمية العرب الذين دخلوا الى المسيحية في اليمن وفي العراق ولا يزال قسم كبير منهم على الديانة المسيحية في الاردن.
ألغاؤك اثنيات شعبنا
أما قولكم: (لماذا لا تلجأ الجماعة الى حقيقة أخرى أوضح وأكثر مقبولة وهي حقيقة الجنس السامي أو الجزري الملقب بالجنس العربي). كاهننا القدير كتابتك لهذه العبارة وجنابك تدرس ظاهرة الانسان وتؤلف عنها كتباً، لا تنسجم مع بعضهما بل تتناقض، طالما تكتب عن الانسان والجماعات وصيرورتها ونشأتها، لابد تعرف يقيناً كيف يدون التاريخ وما هي العوامل المؤثرة في تدوينه، فالمفروض بمَن يُنظر وفقاً للانثروبولوجية الفلسفية عليه أن يكشف ذلك، ويبدو جلياً أن قراركم هذا متأثر بايديولوجية سادت في المنطقة وكان لها وقع كبير على توجهاتك الفكرية. فلا أفضل الحديث عن كيفية تدوين التاريخ لاني كتبت عن ذلك سابقاً، كما انها مفصلة في كتب علم الاجتماع المعرفة. وببساطة شديدة، لايزال علماء الاثار على خلاف في تقديراتهم عن معرفة أصول الجماعات البشرية ومنها الحضارات القديمة في بلاد النهرين، فكل ما كُتب عن الموطن الاصلي للساميين الذين أطلق التسمية عليهم (شلوتسر)لا تزال تخمينات وفرضيات وهي في موضع الشك العلمي وقابلة للتغيير. وتعتب في هذا الصدد ان السياسيين من الكلدان والاشوريين والسريان يضللون المعاني والحقائق، ولماذا لا تسند التهمة أيضاً الى معظم كتاب العرب وأخص منهم السياسيين الذين يضللون الشعب. وما مشروع أعادة كتابة التاريخ في الثمانينات من القرن الماضي في العراق بتأثير ايديولجي بعثي خالص ألا خير مثال لما ذكرته. كما أن قولكم عبارة(حضارة الكلدان والاشوريين والاراميين (سادت ثم بادت) يعد تناقضاً فيما تذهب اليه من أفكار أعتماداً على الانثروبولوجية التي تؤكد ان الحضارات والحكومات هي التي تسقط وتُباد لكن البشر يبقى وبالاخص تلك الحضارات العظمى التي ظهرت في التاريخ مثل البابلية واالاشورية واليونانية والرومانية والفرعونية. 
قولكم (أن العرب المسلمين لم يضطهدوا المسيحيين حين غزوهم للمنطقة وأن هناك مساواة المسيحيين بالمسلمين ) أنه ضرب من الخيال، هل نسيت أيها الكاهن الموقر أن عبدالملك بن مروان الخليفة الاموي الذي شرع قوانين أهل الذمة بين عامي 686 – 701م هو عربي؟واستمرت سارية المفعول ضمن الدولة الاسلامية تاريخياً ولا تزال قائمة الى يومنا هذا بأستثناء بعض المرونة لدى الحكومات المدنية، والمقصود هو ما جاء في العقيدة تجاه المختلف دينياً وليس تعامل الحكومات. صحيح هناك حقبات تاريخية تمتع المسيحيون فيها بالامان وممارسة طقوسهم أعتمادا على شخصية الخليفة ومدى تقبله للأخر المختلف، ولكن تذكر من الملايين في القرن السابع تناقصوا الى بضعة ألاف فقط في هذه اللحظة!!! كما أن مقارنتك الانجيل بالقران بهذه الطريقة ليس واقعي ومنطقي، فكلا الكتابين معروفين بمحتوياتهما لدى القارىء وشتان ما بين الاثنين، وأن تعسف الانسان الغربي تجاه الاخرين ليس نابعاً من الانجيل بل من غرائزه البشرية، لان الانجيل لايقر التعسف وانت سيد العارفين.
وأخيرا يقول الاب اليسوعي  (تيلار دي شاردن)1881 -1955 الفرنسي والذي أستشهدت بكتاباته عالم الحفريات والمفسر لظاهرة الانسان وفق تنظير فلسفي لاهوتي تطوري ( كل شيء هو مجموع الماضي ولايمكن فهم أي شيء الا من خلال تاريخه، اي هناك تواصل حضاري تاريخي.... ) فأذن الكلدان والاشوريين والسريان ليسوا صناعة وبدعة وتضليل السياسيين في يومنا هذا، ولم يأتوا من العدم، بل لهم ماضي، وكل شيء بحسب قانون دي شاردن حتى النفس البشرية يخضع لهذا القانون، علماً أن مُحللي دراساته أستخلصوا بنتيجة أن أفكاره كانت متأثره بعقيدته الكاثوليكية، فمهما بلغت تفسيرات الكاهن من رُقي وأية طريقة نهج في التفسير تبقى أسيرة عقيدته الدينية، والا اذا فسر بدون التأثر بها وهو متشبث بكهنوته، ذلك يعد ضرب من التناقض والازدواجية في الفكر.
وأختم المقال: طالما تعتبر نفسك عربياً وهذه قناعتك ولايمكنك فرضها على الاخرين، كما لايمكن للاخرين أن يفرضوا أنفسهم لزعزعة قناعتك. أود اعلامكم أني مستقل سياسياً ولا علاقة لي بأي حزب سياسي سواء من أحزاب شعبنا أو غيرها. مع تمنياتي لك أيها الكاهن القدير لوسيان جميل بوافر الصحة والخير والعطاء.   اسف على الاطالة وقد أستوجب ذلك لتغطية الموضوع  والمصادر العلمية موجودة في حوزتي وشكرا للقراء الاعزاء.
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,898778.0.html

45
                                         سفر برلك
                                       في رؤية الاحفاد
                                      تقديم وتقييم كتاب
 د. عبدالله مرقس رابي
                      تعد عملية تقديم الكتاب وتلك المقترنة بتقييمه مهمة لكل من القارىء والمؤلف نفسه، فهي وسيلة لتعريف القارىء المهتم بالموضوع بمحتويات الكتاب، وهل ستلبي أحتياجاته مما يبحث عنه. وعليه بعد ان وصلني الكتاب الموسوم ( سفر برلك ،مذابح ومجازر واضطهادات العثمانيين للكلدان والاشوريين والسريان والارمن 1914 – 1918 ) كهدية من المؤلف الكاتب (يوحنا بيداويذ)، وبعد مطالعتي الكتاب حفزتني محتوياته للتفكير بتقديمه وتقييمه من منظور سوسيولوجي. حيث تختلف طريقة الطرح والتحليل لما قرأت سابقاَ من المصادر المختلفة عن الموضوع نفسه، وسيتبين هذا الاختلاف فيما أقدمه من تحليل عن الكتاب .
يقع الكتاب (الطبعة الاولى ) لعام 2017 المطبوع في ملبورن الاسترالية من قبل مطبعة (تيك أوف ديزاين) في 416 صفحة من القطع المتوسط موزعة على مقدمة وخمسة فصول وملاحق وخاتمة. ويظهر جلياَ أن الهدف من الكتاب هو تسليط الضوء على المذابح والمجازر والتهجير القسري للاقوام المسيحية من الارمن والكلدان والاشوريين والسريان الذين يتميزون بعمق تاريخي موغل بالقدم في المنطقة قياساَ لغزاة بلادهم حديثاَ من الاتراك والاكراد أو العرب. ليكشف لابناء هذه الاقوام المنتشرين في بقاع العالم المختلفة تلك المسيرة المؤلمة من الاضطهاد في تاريخ أجدادهم، ولما كانت اصول المؤلف يوحنا بيداويذ ترجع الى واحدة من تلك القرى الكلدانية التي تعرضت الى الاضطهاد والتهجير القسري"بلن" ،شعر بمسؤولية أخلاقية وانسانية ليُضيف جهداً أخراً الى الموضوع وليساهم في بناء تصور شمولي عنه.
  خصص الفصل الاول المعنون( أحوال المسيحيين وتاثرها بأعمال الصفويين والعثمانيين )ليقدم للقارىء فكرة عن احوال المسيحيين في بلادهم قبل فترة موضوع البحث، أي قبل 1914 ليبين أن الاضطهادات والابادات الاجماعية والتهجير لم يبدأ مع فرمان سفربرلك العثماني وانما يمتد تاريخياَ منذ دخول الاقوام المذكورة في المسيحية فاضطهدوا لانهم مسيحيون، وسلط الضوء على العديد من الاحداث التاريخية المؤلمة التي تعرض لها المسيحيون للقتل والتشريد على أثر الصراعات بين الصفويين والعثمانيين. ومنها حملة الشاه اسماعيل الصفوي عام 1507 – 1508 وحملة نادر شاه الاولى على بغداد والموصل وسهل نينوى عام 1732 والثانية عام 1743، وحملة ميراكور (محمد آغا الراوندوزي عام 1833 التي امتدت وشملت كل القرى والمدن المسيحية من عقرة الى ماردين، وحملة اسماعيل باشا أمير بهدينان على القوش عام 1842 وثم حملة بدرخان الاولى على أبناء الكنيسة النسطورية الشرقية في حكاري عام 1843 – 1846 وثم حملته الثانية على تياري تخوما عام 1846. اضافة لاحداث متفرقة اخرى مؤلمة بحق المسيحيين في الفترة ما قبل الحرب العالمية الاولى 1914. ذكرها الكاتب ليتواصل في الفصول الاخرى ليسرد ويحلل ما تعرض له المسيحيون من الارمن والكلدان والاشوريين والسريان على أثر فرمان أو قانون سفربرلك العثماني .
فالفصل الثاني  الذي عنونه (الارمن) خصصه لسرد الاضطهادات التي تعرض اليها الارمن، مبتدأً بلمحة تاريخية عنهم ليعرف القارىء من هم الارمن. وأما الفصل الثالث خصصه للكلدان، وبعد أن وضع مدخلاً مقتضباً عن تاريخهم وأصولهم الحضارية والجغراقية، أعرج الى الاضطهادات التي تعرضت لها قراهم المنتشرة في المنطقة على أثر سفربرلك، بينما كتب في الفصل الرابع عن الاضطهادات التي تعرض اليها الاشوريون في المنطقة مستهلاً ايضاً الفصل بمدخل تاريخي مختصر عن الاشوريين واصولهم الحضارية وتاريخ امبراطوريتهم في بلاد النهرين، وجاء السريان في الفصل الخامس، واستعرض الاضطهادات التي تعرضوا لها كغيرهم من الاثنيات الاخرى على أثر سفربرلك بعد أن قدم ملخصاً عن تاريخهم واصولهم الحضارية  الارامية والجغرافية وتأثير لغتهم في المنطقة. وتوج الكاتب كتابه بخاتمة رائعة للتعبير عن رأيه وتحليله لموضوع الكتاب وهذه ميزة منهجية مهمة لكي تتضح شخصية الكاتب عن ما كتبه وان لا تقتصر على السرد القصصي التاريخي كما يفعل البعض. وثم الملاحق المهمة التي تخص الموضوع وقائمة المصادر المتنوعة من الحديثة والقديمة الاساسية ومنها تلك المكتوبة من قبل مهتمين عايشوا سنوات الاضطهاد والتهجير القسري والمذابح وكانوا شهود عيان لما جرى آنذاك، مثل كتاب"هل ستفنى هذه الامة للاب جوزيف نعيمة"وكتاب الاب اسحق ارملة"القصارى في نكبات النصارى" والمكتوبة باللغة العربية والانكليزية .
ما تميز به الكتاب
تميز الكتاب بشمولية التغطية للموضوع وابدع بها الكاتب يوحنا بيداويذ بجدارة فائقة من حيث المصادر والاهتمام بالحواشي التي تضمنت توضيحات لمواضيع ذات الصلة بالاحداث، والتنظيم للفصول ومتابعة الاحداث بتسلسل منسق واضح مقروناً بالوثائق المكتوبة من قبل المسؤولين في الدولة العثمانية التي تشمل المخاطبات بينهم والكتب الرسمية الصادرة من الدوائر الرسمية، وثم وثائق لحكومات أجنبية التي تلقت مناشدات من القادة الروحانيين أو المدنيين في المنطقة للتدخل في وضع نهاية لتلك المأساة والاوضاع الرهيبة. ولعل اهم وسيلة اخرى اعتمدها الكاتب هي تلك القصص والروايات التي سمعها مباشرة من كبار السن الذين نجوا من تلك الابادة بحكم كونه كما ذكرت من أهالي المنطقة المنكوبة أو تلك القصص التي دونها العديد من هؤلاء. وكما زود الكتاب بالارقام الاحصائية المنظمة بجداول مرتبة تجسد مدى عمق تلك المآسي. أضافة الى الصور التي تعد مستمسكاً صريحاً للابادة وصحة المعلومات، منها الصور الشخصية للقادة الذين كان لهم دوراً أجرامياً لتشريع القوانين للتهجير القسري واسالة دماء الابرياء من المسيحيين، والصور الشخصية لابرز القادة من الضحايا الروحانيين والمدنيين ومثلها صورجماعية تكشف آثار الجرائم التي تعرض لها الضحايا. مما تعكس كل هذه الادوات بعداً منهجياً سليماً لمصداقية التحليل وموضوعيته. 
من الابداعات التي تميز بها المؤلف هي تخصيص مدخلاً لكل فصل مستعرضاً فيه الاصول الجغرافية للاثنيات موضوع الكتاب من الارمن والكلدان والاشوريين والسريان أضافة الى عمق تواجد حضارتهم الراسخة في المنطقة وأنجازاتهم وتأثيراتهم الثقافية والعلمية واللغوية. ومثل هذه الخطوة قلما نجدها في المصادر التي تحدثت عن الموضوع ذاته، فهنا قدم الكاتب يوحنا بيداويذ صورة جلية للقارىء ورسالة واضحة له وبالاخص القارىء من غير المشمولين بالاضطهاد، مفادها أن المسيحيين الذين تعرضوا للمذابح وتشريدهم وتهجيرهم عن قراهم ومدنهم هم الاقوام الاصيلة واصحاب الارض ومالكيها منذ الاف السنين ولا يمكن قياس فترة تواجدهم مع تلك الفترة القصيرة التي تواجد بها الظالمون الجناة الغرباء عن الارض من الترك والكورد والعرب الذين شاركوا بتلك المذابح، وانهم جاؤا بقسوتهم ولظروف تاريخية واستولوا على الارض التي لا وجود لهم عليها في العهود القديمة. كما أنهم أهل الدار والارض قبل دخولهم بالمسيحية، ولا يرتبط وجودهم بالارض مع زمن الايمان بها. وتميز بوضع تسمياتها الاثنية كما هي في الواقع بعيدة عن الالغائية والاسقاطات التسموية التي اشغلت العديد في ايامنا هذه دون جدوى، مما يعد ذلك مؤشرا مهما للمؤلف في حيادته وموضوعيته واحترامه للجميع.
تأتي محاولة المؤلف في تدوينه للمواقف الانسانية التي تبناها بعض الاهالي والوجهاء والقادة المحليين من شيوخ العشائر والرسميين من الاكراد والاتراك في المنطقة تجاه المسيحيين المضطهدين خطوة ومؤشر موضوعي، مما تترك عند القارىء انطباعاً ايجابياً عن حيادية المؤلف ونقل المعلومة كما هي لا كما يجب .
تأتي أهمية الكتاب وتميزه عن غيره، أعتبار المؤلف يوحنا بيدايذ مستقلاً عن أية أنتماءات أيديولوجية سياسية بحسب علمي وهذا كان جلياً في طرحه وتحليله للموضوع، فالكاتب الذي لا يرتبط بحزب سياسي أو ايديولوجية معينة يكون أكثر موضوعياً وحيادياً من غيره في تدوين المعلومات وتحليلها وأخص بالذكر في المواضيع التاريخية والاجتماعية الانسانية القابلة للاجتهاد والتأويل تأثراً بالانتماءات السياسية للكاتب التي تقيده للكتابة وفقاً لسياقات وأهداف الجهة التي ينتمي اليها.
أهم ما يتميز به موضوع الكتاب هو أثارته لظاهرة أجتماعية أساسية لها دورها في استقرار المجتمعات البشرية من عدمها وهي التمييز الديني مقترنة مع التمييز العنصري الاثني العرقي. فالمضطهدون على أثر قانون سفربرلك كانوا ضحية للاسباب دينية بالدرجة الاساس وثم الاختلاف العرقي الاثني لهم عن الجناة المنفذين للمذابح والتهجير القسري. فتبين أن التمييز الديني من الاسباب الرئيسة الاساسية في نشوب الصراعات بين الحضارات على مر الازمان، ولا تزال متأصلة في عقلية الانسان المسلم بدليل ما تعرض له المسيحيون والايزيديون للاضطهادات في السنوات المتاخرة في ظل غياب القانون والحكومة المدنية القوية في العراق وأجزاء اخرى من الشرق الاوسط. ومثلها التمييز على الاساس الاثني لا يزال قائما بين المجتمعات وسبباً مأساوياً لنشوب الصراعات والابادة الجماعية في مختلف مناطق العالم.
فالكتاب هو رسالة للجميع أن هكذا أحداث تاريخية تبنتها الاقوام ضد الاخرين المختلفين عنهم  دينياً وأثنياً وفي عقر دارهم وباستمرار ليومنا هذا تعكس سلباً على عملية التعايش السلمي بين الشعوب على أختلافهم وتحول دون تحقيقها. كما أن الكتاب يحمل في طياته ومضمونه بعداً سياسياً وبشرياً لانتهاك حقوق الانسان من خلال تحليله لتجارب من هذا القبيل ووضعها أمام المسؤولين وقادة المجتمعات لعلهم يتقون شر ظواهر التمييز الديني والعنصري التي تتكرر في مجتمعاتنا اليوم.   
بالرغم من الدقة والتنسيق والحرص والموضوعية التي ألتزمها الكاتب يوحنا، الا أن الكتاب لا يخلو من بعض نقاط الضعف أو ربما هي أشكالات بسيطة لا تؤثر في أية حال على أهمية الكتاب وجودته وحياديته، ولا تعد مثل هذه الملاحظات هدفاً لانتقاص من أمكانية الكاتب، أنما أضعها أمامه وقد يستفيد منها في مشاريعه الكتابية القادمة اذا رغب فيما أقدمه ومنها:
كان الاجدر والافضل أن يحدد معنى كلمة "سفربرلك" التي هي عنوان الرئيسي للكتاب، معناها الحرفي اللغوي والتفسيري، فهناك العديد لايعي ما المقصود بها، انما اصبحت كلمة مقترنة باحداث ومذابح المسيحيين في الحرب العالمية الاولى من قبل العثمانيين. ومن الضرورة التمييز وبيان ما المقصود بمفردتي المذابح والمجازر اللتان وردتا في عنوان الكتاب وفي رايي هما مرادفتان. كما كان من الضرورة  تعريف القارىء بالصفويين ليتمكن من تمييزهم عن العثمانيين قبل تناوله لصراعاتهم.
بالرغم من التنسيق والدقة في سرد المعلومات، الا ان الكاتب وقع بتكرار متعدد للاحداث وبعض المعلومات. كان السبب هو التزامه في تصنيف الفصول ومتابعة الاحداث في الفترة المذكورة بحسب الاثنيات، وبما ان التوزيع الجغرافي لاثنيات موضوع الكتاب من الارمن والكلدان والاشوريين والسريان متداخل في المنطقة وعليه عندما تحدث عن أضطهاد الارمن مثلا في آمد أضطر أن يذكر شيئاً عن الكلدان وعندما تحدث عن كلدان ماردين كرر معلومات عن الارمن والسريان، وهكذا في الفصول الاخرى، وكان بامكان الكاتب معالجة التكرار لو أتبع تصنيف الفصول بحسب المناطق الجغرافية الاساسية التي تواجدت الاقوام المضطهدة فيها. ومن التكرارات أيضاً تحدثه عن اللغة الارامية لاكثر من مرة.
ولما كان الكتاب حصراً وتحديدا عن المذابح والتهجير القسري الذي تعرض اليه الاقوام المذكورة وبحسب العنوان الرئيسي للكتاب، كان على الكاتب تجنب الخوض والخروج عن الموضوع الاساسي في طرحه لبعض المواضيع التي لم ار وجود مناسبة لذكرها وتحليلها في الكتاب لكي لا تشتت متابعة القارىء للموضوع والخروج بتفكيره وتركيزه على تلك المواضيع ومنها:
الحديث عن الانشقاقات الكنسية، ومشكلة آل أبونا، والاتحاد مع روما وظهور الكنيسة الكلدانية، وقدوم المبشرين الى المنطقة.
تعرجه لموضوع التسمية وأشكالياتها بين الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان، وموضوع اللغة.
وبما انه قدم صورة لاضطهاد المسيحيين قبل عام 1914 وخصص فصلا كاملا عنها، كان من الاجدر الاشارة الى الاضطهادات التي تعرضوا اليها أبان الدولة الفارسية.
ذكر الكاتب لبعض المواقف الانسانية لشيوخ وشخصيات كوردية وتركية ضد المذابح والتعاون مع المسيحيين بعد نهاية الفصل الاول الخاص بالارمن، طالما وكما تبين أن مواقفهم هذه أشتملت جميع الاقوام المذكورة علية كان من الافضل درجها بعد نهاية الفصل الاخير.
وأخيرا لايسعني الا ان أشكر الكاتب القدير يوحنا بيداويذ لهديته القيمة التي بعث بها لي من استراليا ، وشخصياً ليست لي معرفة مباشرة معه، الا اني تعرفت عليه من خلال كتاباته القيمة ونشاطاته التي يبذلها من أجل خدمة شعبنا. وهي كتاب قيم ومهم جداً أعجبني واستفدت من محتوياته. ففي الحقيقة لايمكن الاستغناء عنه كمصدر للباحثين المهتمين باحوال شعبنا وفي مجالات معرفية علمية متعددة منها السياسة والقانون والاجرام وحقوق الانسان والاجتماع والتاريخ والاعلام. وعليه أتمنى من القارىء الكريم محاولة أقتناء الكتاب لاهميته وجودته .
مع تمنياتي بالتوفيق والنجاح الباهر للكاتب يوحنا بيداويذ في مشاريعه المعرفية القادمة.
كندا في
31/07/ 2018
   

46
                               تساؤلات وتحليل لنداء
                البطريركية الكلدانية الموجه للمسيحيين في اقليم كوردستان
 د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
               حرصاً منه غبطة البطريرك مار ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية، يؤكد دائماً في توجيهاته ونصائحه الابوية على وحدة الصف المسيحي السياسي في العراق ،وبالرغم من أن نداءاته تكررت في كل مناسبة وحدث وفي مقابلاته الاعلامية ،أنما لم تلق آذاناً صاغية من قبل الاحزاب السياسية ،وبالاخص ما قبل الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب العراقي. وهنا لا أعتراض على مثل هذه المبادرات التوجيهية التي تصدر من غبطته منطلقاً من المفهوم المسيحاني التي قد يعتبرها البعض تدخلا بالشؤون السياسية من قبل رجل الدين ،ولكن هي غير ذلك ،تهدف الى المصلحة العامة وترسيخ مفاهيم التماسك والتعاضد والتضامن الاجتماعي والسياسي لتكون أحزاباً مقتدرة تتمكن من أجتياز الصعاب والتحديات المتكررة.وهكذا جاء تصريح البطريركية الكلدانية الاخير المنشور على موقع مار ادي  في 10/6/2018 كنداء الى الاحزاب المسيحية ( المكون المسيحي) في أقليم كوردستان ليوحدوا صفوفهم في قائمة واحدة. وهو أجراء حتمي صادر من رئيس الكنيسة كواجب ديني ،ولكن ارى شخصياً وكباحث في علم الاجتماع السياسي ومطلع  ومتابع على مجريات الامور السياسية الواقعية وحالة أحزابنا السياسية للاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية وألاوضاع العراقية السياسية المعاصرة الشاذة بكل المقايييس العلمية ، ارى ان توقيت التصريح من البطريركية غير ملائم ولاسباب اوضحها من وجهة نظري ادناه، علما انا شخصيا من المشجعين لوحدة شعبنا واحزابه السياسية ومذاهبه الدينية وانما بطريقة مدروسة ومتقنة وليس لمجرد اجتماع طاولة مستديرة  كانما نتفق على شراء سيارة او تحديد نوعية وجبة طعام.
لم يبق على الانتخابات في اقليم كوردستان لمجلس النواب سوى ثلاث أشهر،أعتقد انها فترة قصيرة جدا لا يمكن للاحزاب من الاثنيات الثلاث في التحضير للاجتماع على الطاولة المستديرة والتباحث من اجل النزول في قائمة انتخابية واحدة. ان المسالة تتطلب الاستعداد النفسي للقائمين في الاحزاب والتشاورات المفصلة لقبول الاليات والتنفيذ .في حين كما أشرت اعلاه ان غبطة البطريرك مار ساكو اطلق نداءاته المتكررة منذ فترة طويلة وليس من مُجيب ،وما المعنى أن بعض الاحزاب متلهفة الان لتوحيد القائمة الانتخابية وتصر على الموضوع؟! هل لفشلها في الحصول على مقعد في الانتخابات الاخيرة ،أو لتقلص كراسيها؟
واقع الاحزاب السياسية من الاثنيات المسيحية الثلاث لا يُبشر ولا يوحي لتوحيد ارائهم وخاصة حول الانتخابات بهذه السرعة للاسباب الاتية:
عندما أطلق غبطة البطريرك مار ساكو ندائه لتبني مصطلح( المكون المسيحي) أعترض عليه معظم بل استطيع القول كافة الاحزاب من الكلدان والاشوريين والسريان ظناً منهم هي محاولة  لالغاء الوجود الاثني لهم في العراق أو الالغاء القومي بالمفهوم السياسي .فهل ستوافق الاحزاب على مشاركتها تحت مصطلح المكون المسيحي؟
كما هو معروف أن دستور أقليم كوردستان يتعاطى قانونياً أي رسمياً مع الاثنيات الثلاث بتسمية( كلدان سريان آشوريين) ،فُرضت وكما يظن من روج لها أنها مرحلية لهزليتها وشواذها العلمي غير المدروس من قبل الاختصاصيين ،وهي تسمية أعترض غبطة البطريرك على وجودها بشدة وفي كل المناسبات، كما أن الاحزاب الكلدانية لا تقبل بهذه التسمية ،فضلا أن الرابطة الكلدانية العالمية لا تقر هذه التسمية في التعاطي الرسمي علما لها دورها وثقلها الكبيرين في ترسيخ وبناء البيت الكلداني  وتبني مقولة البطريرك مار ساكو ( استيقظ يا كلداني) وبدليل دورها في الانتخابات الاخيرة في دعمها وتعضيدها للاحزاب الكلدانية المؤتلفة في قائمة واحدة.
الاختلاف الفكري العميق والاجندات السياسية المتناقضة التي يحملها كل حزب سواء كانت الاشورية بينها أو السريانية أو الكلدانية ،ومن جهة اخرى والاهم بين الاحزاب للاثنيات الثلاث. فضلا على انها متأثرة بمفاهيم قومية الغائية ومنها تفكر بامبراطوريات ، وأخرى ترضى بوجودها ضمن العراق الموحد فقط .واخرى متأثرة بالمذهبية .
الاختلاف في الخبرة والممارسات والقاعدة الجماهيرية .
الشكوك بمصداقية الاحزاب، وهي موضع الشك بحكمتها وشفافيتها ،بدليل التناحرات حول الكرسي البرلماني والانفرادية والانسحابات الجماعية  التي مارستها بالرغم من لقاءاتهم وثم تفرقهم وبقاء ما توصلوا اليه حبر على ورق منذ وجودها على الساحة السياسية، فكم من مرة أجتمعوا وبعضهم وحدوا خطاباتهم وثم تفرقوا، وذلك لامتلاك قيادييهم عقليات دكتاتورية وشخصية نرجسية وتمجيد الذات وأصبحت احزابهم بمثابة الدكاكين ملك صرف، وهناك أمثلة متعددة ، ومنها انشطار الحركة الديمقراطية الاشورية وولادة جماعة ابناء النهرين، تراجع الحزب الديمقراطي الكلداني وانحسار نشاطه السياسي كليا من الساحة السياسية وانسحاب العديد من قياديه للاختلاف في وجهات النظر، تحكم المجلس الكلداني السرياني الاشوري وفرض اجنداته على الاحزاب الاخرى من الكلدانية والاشورية والسريانية التي افتقرت للاموال لتملكه خزانة مالية كبيرة وفضائية اعلامية سُخرت لتحقيق اجنداته ومصالحه، وثم نزول الحركة الديمقراطية الاشورية بقائمة منفردة  في الانتخابات السابقة بالرغم من وجودها ضمن تيار المجلس الشعبي وتنظيمات شعبنا، وفي الانتخابات الاخيرة لمجلس النواب العراقي بدلا ان يتوحدوا الا انهم تفرقوا بقوائم انفرادية او لائتلاف حزبين لا اكثر .
يُؤكد التصريح (أن النداء جاء بعد لقاءات مع بعض الاحزاب السياسية)
أولا كان من المفروض تحديد من هي تلك الاحزاب ، وماذا عن الاحزاب الاخرى ،ومن يقول انها ستلبي الطلب والنصيحة لتوحيد القائمة ، ماذا عن الرابطة الكلدانية العالمية التي كما أشرت اعلاه اثبتت دورها التوعوي القومي للمشاركة في الانتخابات الاخيرة وترسخ هذا الدور بجدارة لدعمها ومساندتها لقائمة أئتلاف الكلدان في الانتخابات الاخيرة .وأصبحت منظمة مجتمع مدنية مؤثرة عالمياً. وقطعت شوطاً كبيرا في فترة قياسية لا تعدو ثلاث سنوات من تاسيسها. وبحسب علمي لا تعلم قيادتها بالموضوع. فهل يبقى النداء منسجماً مع تطلعات الاحزاب التي التقت البطريركية؟!
يقارن التصريح حالة حصر الكوتا المسيحية بالمسيحيين فقط كما هو المعمول به في الاردن وايران، فهي مقارنة غير موفقة ،لان شتان بين تلك الانظمة السياسية والنظام السياسي الشاذ المتدهور الفاسد ادارياً منذ تاسيسه عام 2003 م،ففي الاردن هناك نظام دستوري مقنن لايمكن الخروج عنه ،وكما ان السلطة التشريعة لايمكنها تشريع قانون ما، ما لم يكن هناك مصادقة وارادة ملكية عليه، فضلا ان انتخابات الاردن هي وطنية وليست بحسب محاصصة طائفية مذهبية متخلفة..فالامور جارية باليات محكمة مقارنة مع العراق الذي يقدم الى الانتخابات البرلمانية فيه 88 قائمة تمثل 205 كيان سياسي و27 تحالف سياسي وهي ارقام لا نراها في اي بلد في العالم بهذا الشواذ. أما أيران فهي دولة تقر بالنظام الاسلامي ومبدأ ولاية الفقيه والاحزاب القائمة فيها مجتمعة لايمكنها الخروج عن الاصول الاسلامية وبالرغم من انها تنقسم الى محافظة ومعتدلة واصلاحية الا ان جميعها تعمل في سياق اسلامي وهذه الحالة لا يمكن مقارنتها مع الحالة السياسية المضطربة في العراق الذي يحظى باحزاب دينية مستحوذة ومذهبية وقومية ومتداخلة قومياً ودينيا ومذهبيا واحزاب اخرى علمانية مدنية متباينة ايضا في تطلعاتها السياسية.
هناك تساؤل ، لماذا الاحزاب التي تنادي الان وتصر على ان التصويت للمرشحين من الكوتا يكون محصورا بالمسيحيين؟ علماً نفسها مارست عدة دورات انتخابية منذ عام 2003 تحت نفس الظروف وحصلت على مقاعد الكوتا ، انما الان يبدو لفشلها او لحدوث النقص في مقاعدها تصر على مسالة الحصر؟ كان عليها اما الاعتراض وعدم القبول نهائيا بتلك الظروف أو مقاطعتها للانتخابات. نفس الاحزاب لها ممثلون في مجلس النواب في تلك الدورات، فكان من الاجدر الحاحهم واصرارهم على تغيير المادة الدستورية التي تقر ان التصويت حق لكل عراقي وله الحق في منح صوته لاي عراقي بغض النظر لانتمائه الديني والاثني  والمذهبي. فلا جدوى من المناداة بحصر التصويت بالمسيحيين للكوتا المسيحية طالما هذه المادة لايزال مفعولها القانوني جاري.
لو اعتبرنا فرضاً ان الاحزاب المسيحية من الاثنيات الثلاث اتفقت على الترشيح في قائمة موحدة ، ووافقت حكومة كوردستان او المركزية مستقبلا ان التصويت للكوتا ينحصر بالمسيحيين فقط .هل سنضمن شفافية وعدالة في الانتخابات في ظل الاحزاب المتنفذة في الحكم سواء في المركز أو الاقليم وفي ظل الفساد الاداري وضعف القانون الى أقسى الدرجات.؟ كيف نضمن عدم تدخل بفرض قوته وتاثيره الحزب الديمقراطي الكوردستاني أو الاتحاد الوطني الكوردستاني او غيرهما على المسيحيين لكي يدلون باصواتهم لمن يؤازرهم في القائمة المسيحية وكما حدث في الانتخابات الماضية؟ شعبنا مسالم وفي قرانا المسيحية بالذات وعناصر الاحزاب الكبيرة المتنفذة هي في الناصية العليا فيها ولها الياتها وامكاناتها في التاثير على سير عملية الانتخابات سواء استقلالية الكوتا او من عدمها، هل يتخلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني من حليفه المجلس الكلداني السرياني الاشوري مثلا ؟ كلا.. ومن يضمن ان بعض من الاحزاب المسيحية سوف لم تجر معاهدات سرية مع الاحزاب الكوردية او في المركز لمساندتها في الانتخابات للتاثير على الناخبين؟ شخصياً اشك في مصداقية الاحزاب في ضوء تاريخها وصراعاتها على الكراسي وتعلقها بالكرسي كما سماها الكاتب "ابرم شبيرا" "بفايروس الكرسي".
عليه أن وجود تصويت مسيحي للكوتا من عدمه في الانتخابات مرتبط بالازمة التشريعية والتفيذية للحكم الشاذ في العراق. فالحل هو في ايجاد صيغ للتخلص من النظام السائد في العراق من حيث النظام الطائفي المذهبي والديني والقومي المتخلف ،والتركيز على سيادة القانون ووضع دستور مدني بعيد عن الاصول الدينية.
واما بخصوص توحيد احزاب شعبنا من الاثنيات الثلاث ،في هذه العجالة سوف لانجني ثمارها ، المسالة بحاجة الى دراسات معمقة وجلسات متعددة واختصاصيين لتقريب وجهات النظر والتضحية لتنازل الاحزاب عن افكارها الالغائية الاثنية لبعضها وهنا المقصود كل الاحزاب من الاثنيات الثلاث. لا افهم كيف يتحدون وانهم يفتقرون الى الاعتراف الاثني المتبادل بينهم؟! ولخلق حالة جديدة وافكار ايديولوجية تنسجم مع الواقع ولتقريب وجهات النظر ارى من الضروري ابعاد القادة الذين مضى عليهم اكثر من عشرين سنة في قيادة الاحزاب سواء عند الاشوريين او السريان او الكلدان وتغذية احزابهم بعناصر قيادية شابة مجهزة بمفاهيم حضارية معاصرة لقبول الاخر ،وان كانت العقلية لقادة احزابنا متاثرة بالعقلية العربية الاسلامية القبلية في الزعامة عليهم ان يتجنبوا تلك العقلية ويتسلحوا بعناصر الحضارات الراقية التي يفسح قادة الاحزاب فيها المجال لغيرهم لممارسة تجربتهم القيادية ،فالتنوع القيادي ومداولته بين المنتسبين للاحزاب هي وسيلة للابداع والتطوير ،اما البقاء على حالة زعامة مرتبطة بالكرسي لمدى الحياة كما عند العرب والاسلام القبلي سيكون مؤشرا للتخلف والصراعات وهذا ما نلاحظه في واقع البلدان النامية من هذا القبيل في الفكر .
رابط تصريح البطريركية
http://saint-adday.com/?p=24209

 


47
                              المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري
                                   والتطاول على ايماننا المسيحي
د. عبدالله مرقس رابي
  باحث أكاديمي
                    في البدء أود الاشارة الى أن عبارة" التطاول على أيماننا المسيحي " الواردة في عنوان المقالة ليست من أجتهادي، بل مُقتبسة من بيان البطريركية الكلدانية ( الرابط ادناه).
من متابعة أخبار الانتخابات البرلمانية العراقية القادمة تفاجأ الجميع بما جاء في خطاب السيد ( سلوان جميل السناطي ) مدير مؤسسة بابليون الاعلامية وهو نجل السيد ( جميل زيتو) رئيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، وذلك أثناء أقامة أحتفالية الترويج للقائمة المرقمة 113 التابعة للمجلس المذكور، في 27/4/2018 حيث جاء في خطابه الحماسي عبارة( عمل سركيس بقدر عمل المسيح)!!! وهناك اشارات أخرى لرداءة الخطاب وأفتقاره لابسط أسس الخطابة  والافكار العلمية  ولا ترقى الى مستوى صاحبها كمدير مؤسسة أعلامية لم ينتبه أحد اليها كما سابين أدناه.
عمل سركيس بقدر عمل المسيح
                                 لا أدري كيف تجرأ مسيحي واعلامي ان يُشبه المسيح له المجد بالبشر؟كل مسيحي تغذى بتعاليم المسيحية منذ صغره وكل واحد منا قرأ الانجيل لعدة مرات ،ولا يمكنه أن يشبه المسيح بأحد من البشر مهما كان، وحتى الاساقفة يُطلق عليهم رسل المسيح ولم نر يوماً احدا شبههم بالمسيح،فكيف نشبه انسان عادي مثل سركيس آغا جان الذي عمل تنفيذا لما تحتم عليه موقعه الوظيفي كوزير في أقليم كوردستان ،أي ما قدمه ليس من لدنه بل مما خُصص للمسيحيين في الاقليم من الاموال التي دخلت ميزانيته من مصادر معينة ، والكثير لايزال حائرون في تحديد حجم المبالغ ومصادرها.
المعلوم الظاهر للعيان كما هو متداول أعلامياً المبالغ الضخمة أُنفقت على تعمير بعض القرى المسيحية ودرجة البنيان للمساكن كانت بمستوى ردىْ بتصريح من ساكنيها أنفسهم ، وتقديم بعض الخدمات هنا وهناك.ومبالغ أخرى ذهبت لكسب بعض السياسيين والاحزاب من الاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية لتأييد العقيدة الايديولوجية السياسية التي أقرها المجلس الكلداني السرياني الاشوري الذي أسسسه سركيس آغا جان نفسه والعمل تحت مظلته.ولا أشكالية هنا لانهم سياسيون وهم يبحثون عن مصالحهم ،بل الاشكالية والمأساة هي قبول بعض المثقفين من أبناء شعبنا ورجال الدين من كنائسنا في العراق مبالغ لكسب ودعم وتحديد مواقفهم وأفكارهم وفق سياسة المجلس المذكور والامثلة عليها كثيرة . هذا ما عمله السيد سركيس،ولو أتيحت الفرصة لايُ كان بمثل موقعه لعمل هذا- واعتقد أنه خطأ كبير عندما نقول عملها سركيس- لو لا حكومة الاقليم تُقرر، فلا قوة وسلطة له لكي يتصرف كما تصرف بالاموال لعملها أحد من ممثلي ووزارء شعبنا في الاقليم والحكومة المركزية،بالطبع لايمكنهم لعدم تخصيص مبالغ لذلك الغرض.
أما المسيح له المجد
  لم يبن القصور الفخمة ولا مستشفيات ولا مخازن ولم يقدم هدايا للرومان والسلطة والكتبة آنذاك ليكسبهم بالخديعة ويقنعهم بتعاليمه السماوية، بل كان متجولا في البراري وطرقات المدن والقرى المختلفة شبه حافياً مُبشراً بقرب ملكوت الله وعمل المعجزات وعرف نفسه وفقاً الى ما جاء في الانجيل بأقواله:
أنا هو القيامة والحياة ، أنا هو الطريق والحق والحياة، أنا الراعي الصالح، أنا نور العالم، أن عطش أحد فليأت أليّ .
فأين يا ترى اخ سلوان الاعلامي مكانة سركيس لتقارنها مع المسيح ؟هل بأمكانك أن تخبرنا من الانجيل لتصور لنا القصر الفخم الذي عاش فيه المسيح له المجد وعدد خدمه ومركباته وحراسه وتقارنها مع القصر الفخم الذي يعيش فيه سركيس وحراسه وخدمه ومركباته الفاخرة ؟ هل بأمكانك أن تخبرنا بمعجزة أقامها سركيس كما عمل المسيح؟ هل تخبرنا أخي صفة لسركيس عن ما ذكر عن نفسه المسيح المبينة أعلاه وغيرها مما ورد في الانجيل؟تشبيهك هذا بين البشر وبين المسيح الاله المتجسد بمعنى علينا عبادة سركيس آغاجان والخضوع لتعاليمه.
لم يتجرأ أحدُ أن يُشبه  بشراً بالمسيح له المجد، حتى المسلمين لايتجرأون على ذلك فهم يؤكدون في عقيدتهم على أن " المسيح هو روح الله" وهو المسيح الحي.لاحظ أخي القارىء يأتي مسيحيً ويشبه بشراً بالمسيح روح االله لاجل الترويج لكسب مناصب دنيوية زائلة.فاذن أنت لست مسيحياً ،ولا يمكن أن يقبل أفكارك حتى المسلمين لانها تُخالف عقيدتهم الدينية.ولا تحتاج عبارته المؤلمة هذه التي تمس كل مسيحي أية تأويلات بلاغية لغوية ،أذ يبدو صاحبها ليس بليغاً باللغة العربية ومتقناً لها كما تبين من خطبته الضعيفة لغوياً لكي نؤولها بلاغية.وعجبي كيف سكت السامعون له لبدعته هذه ، يبدو ان الاموال التي سبق ان مُنحت لهم خدرت عقولهم فبدلاً من الاحتجاج صفقوا له.
العيب
   مرات كرر في خطابه سلوان جميل السناطي عبارة" عيب علينا" هذه عبارة لا ترتقي بمستوى مدير مؤسسة وأمام جمهوره الذي لم يعكس أليهم أحترامه.كلمة العيب تتردد على لسان الناس العاديين في جلساتهم الاجتماعية في البيوتات والمقاهي ،كلمة تُقال من قبل الوالدين وكبار السن للصغار والمشاكسين والمنحرفين لردعهم وتنشئتهم ،ولا تُقال في مناسبات اعلامية رسمية وأمام جمهرة من المثقفين وكبار السن وبمناسبة الترويج لقائمة أنتخابية.
الاثنيات الثلاث
 الكلدان والاشوريين والسريان بوضع الواوات بين تسمياتهم الحضارية الذين هم جميعاً أجزاء من شعب بلاد النهرين لا تجعل الواوات منهم تقسيماً ولا أعداءأً كما تتصور فالخطأ بعينه هو ما قلت في خطابك ، فالاخرون لم يفرقوا بل يعتزون باثنياتهم الحضارية ،ووحدتهم ليست بدمج تسميتهم بل بالاحترام المتبادل بينهم وقبولهم لبعضهم البعض وتوحيد خطابهم ومواقفهم والعمل معاً كجماعة واحدة. ،وعليه يبدو " سلوان السناطي" يفتقر الى أبسط المعلومات العلمية عن التاريخ والحضارة والانثروبولوجية والاجتماع والنفس البشرية  لانه لم يتمكن من التمييز بين مفاهيم الشعب والاثنية والعرق والامة والمشاعر الانسانية الانتمائية وكيفية تكوينها وصقلها.وما جئت به من مثل ، في قولك كيف تصوت المرأة لقائمة معينة اذا اختلف انتماؤها الاثني عن انتماء زوجها فهو خطأ ،فما هو الضرر ان تصوت المراة مثلا للقائمة الكلدانية والرجل للقائمة الاشورية او السريانية فهما احرار في مواقفهما وافكارهما ،والا اذا تعتقد على المراة ان تُساير زوجها بهكذا حالات فهذا هو تخلف حضاري بعينه ، فالمراة في المجتمعات الحضارية المتقدمة لا يُشترط أن تصوت لنفس قائمة الحزب الذي يصوت لها زوجها سواء أختلفا في اثيتهما اولا، ولا ينظرون الى ماهية أثنية اغلبية اعضاء الحزب او رئيسه. فكل واحد من اعضاء الاسرة حر في اختياراته.
ابناء الاثنيات الثلاث لهم حالات زواجات مختلطة منذ سنوات طويلة ولا أشكالية بينهم لان زواجهم مبني على الحب وليس على الاصول الاثنية ،وهذه الزواجات تعيش بسعادة وانسجام .انما المجلس بافكاره هو الذي فرق ويحاول بين ابناء الاسرة الواحدة او القرية الواحدة او العشيرة الواحدة .حيث أثار هذا الموضوع الذي لم يفكر أحد به.
تحليلك للواقع
           الواقع السياسي والامني  المحيط بالمسيحيين في العراق والمنطقةلا يمكن لاحد من احزابنا ان يتحداه ،ولا المجلس الشعبي يمكنه أن يعمل شيئاً ويحرك ساكناً ،ان شعبنا يعاني من الضعف الديمغرافي والقوة فلا يمكننا تحدي القوى المتنفذة المحيطة بنا في العراق والاقليم ،فقولك ان المجلس الشعبي هو الذي يتحدى لكي تنال الاثنيات الثلاث حقوقها فهذا غير موجود بالواقع ،ولا أعتقد ان ما تم الحصول عليه من الحقوق هو لاجل عيون الاحزاب بل لاجل الكنيسة ومكانتها في المنطقة .
الكنيسة لم تتدخل بالسياسة كما أشرت ، وجنابك متوهم ، ويبدو انك لا تميز بين التدخل بالسياسة ورسالة الكنيسة في النداء من اجل تحقيق العدالة بين البشر والمطالبة بحقوق رعاياها عندما ترى انهم مظلومين، وبهذا الصدد أين كان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ومؤسسها الذي أعتكف في قصره ، أثناء تهجير ابناء القرى المسيحية من الموصل وسهل نينوى، وحتى الذين هجروا من المدن الوسطى والجنوبية من المسيحيين وقصدوا قراهم الاصلية في الاقليم لم يشملوا بمكرمة سركيس اذا صح التعبير في منحهم للبيوت، فتعرضوا الى المعاناة في مجال الاسكان وهذا ما حدث في منكيش بحسب علمنا من قبل اهلها مباشرة الذين نزحوا من بغداد. والكل يعرف ما الدور الذي أضطلعت به الكنيسة ورجال الدين وفي مقدمتهم غبطة البطريرك مار ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية  في الرعاية والمناشدة لجمع الاموال واسكان المُهجرين ،وهذه المفارقة لا تحتاج الى التفصيل ،فاصبحت واضحة وجلية للجميع.
وفقاً لما تحدث به الاخ سلوان السناطي في خطابه للترويج لقائمة المجلس ذي الرقم 113عليه أن يقدم اعتذاره للمسيحيين لانها مست مشاعرهم وعقائدهم الايمانية بكل وضوح وعبر وسائل الاعلام المختلفة .ولما كان خطاب "سلوان جميل السناطي"بمناسبة الترويج لقائمة المجلس المذكور اعلاه ، وأنه عضوا فيه وبمناسبة رسمية عليه يعتبر  المجلس متمادياً على الايمان المسيحي.ومطلوب منه الاعتذار أيضاً. 
http://saint-adday.com/?p=23469


 

48
                                        أئتلاف الكلدان 139
                                     قائمة التغيير والتجدد

د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي

                   تتكون قائمة ائتلاف الكلدان من حزبين سياسيين هما الديمقراطي الكلداني والمجلس القومي الكلداني اللذان اتحدا ليشكلا قائمة واحدة لخوض انتخابات مجلس النواب العراقي في دورته المقبلة في 12 من ايار القادم. وما ان أُعلن هذا التكتل الانتخابي، صدر بيان الرابطة الكلدانية العالمية في تأييدها ومساندتها ودعمها لائتلاف الكلدان، وذلك لتوافق الرؤى التي ينطلق منها الائتلاف مع ما جاء من اهداف الرابطة الكلدانية في نظامها الداخلي وما تسعى الى تحقيقه للامة الكلدانية كأثنية اصيلة عريقة لبلاد النهرين .
تضم القائمة مرشحين من الذكور والاناث من فئة التكنوقراط، الفئة المثقة والمقتدرة ادارياَ ولها خبرة مهنية في مجال عملها، بحيث تؤهل أصحابها ان يكونوا أعضاءا يمثلون شعبهم في مجلس النواب وتخلو افكارهم من تاثيرات ايديولوجية طائفية ومذهبية وطبقية، انما تصب في بودقة الافكار الوطنية التي تنطلق من المفاهيم الوطنية في عملها وتشريعاتها القانونية، مع الايمان والحفاظ على الهوية الاثنية الكلدانية لهم، انطلاقا ًمن مبدأ الانتماء الاثني الطبيعي والمُترسخ عن طريق التنشئة الاجتماعية للفرد. وعليه ان ما تتميز بها افكار المرشحين تتوافق وتنسجم مع ما تسعى اليه الرابطة الكلدانية، فانطلقت لدعمها واسنادها .
لماذا التغيير والتجدد؟
                            تكمن مظاهر التغيير والتجدد في القائمة في مجالات متعددة كمؤشرات لهذا التجدد ومنها:
 تعد المرة الاولى التي يحصل خلالها تكتل احزاب سياسية كلدانية لتشكل قائمة موحدة لتشارك الانتخابات. وهذه المشاركة الموحدة تضمن الخطاب الموحد لسياسي الكلدان تجاه الوقائع والاحداث. وكان هذا الهدف الاستراتيجي الذي سعى المؤتمر الكلداني العالمي المنعقد في ديترويت عام 2013 لتحقيقه، ولنا أمل كبير في توحيد الاحزاب السياسية بعد الانتخابات لتكون جبهة سياسية تُمثل الشعب الكلداني في كل المناسبات.
انها تضم شخصيات مستقلة لم ترشح في انتخابات سابقة توظف خبرتها المهنية والفكرية لمساندة الخطاب السياسي واتخاذ المواقف المتزنة والصريحة والموضوعية خلال وجودها في قبة البرلمان. وهي نخبة كلدانية متطلعة وواعية جداً للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي والامني في العراق، كما تعي هذه النخبة الواقع المسيحي وما يتعرض أليه المسيحيون من المآسي والتجاوزات بحقوقهم في ظل حكومة طائفية ومحاصصة سياسية. حيث أنهم في تماس مباشر مع ما يجري على الارض من خلال أعمالهم ووظائفهم في الوطن، فتكونت لهم الخبرة الكافية لتفسير وفهم هذا الواقع.
ان دعم الرابطة الكلدانية للائتلاف يعد تغييرا في العمل والنشاط الكلداني في المجال الثقافي والسياسي والاجتماعي، فهي منظمة مجتمع مدني تهتم وتسعى في نشاطاتها لنيل الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية للامة الكلدانية، ومنها ايضاً تنطلق للمساهمة في العمل من أجل المسيحيين قاطبة مع بناء فلسفتها لاجل ترسيخ الانتماء الوطني كما اعتزازها بالانتماء الاثني لبناء ونهضة البيت الكلداني وتحفيز النزعة الاثنية للكلدان أينما وُجدوا. وهذه تتطابق مع ما تهدف أليه قائمة أئتلاف الكلدان كما هو واضح من برنامجها العام. وعليه اندفع أعضاء الرابطة الكلدانية ممثلة بقيادتها وفروعها ومكاتبها في الوطن وبلدان الانتشار في العالم، فحولت عملية دعم أئتلاف الكلدان الى عرس كلداني بالتعاون مع الاتحادات الكلدانية والمثقفين والنشطاء الكلدان القوميين المستقلين مُبادرا كل واحد منهم في توظيف مهاراته وقدراته الثقافية والفنية والسياسية والادارية  والميدانية للتنسيق من أجل تحفيز الكلدان للمشاركة والتوجه الى صناديق الاقتراع لاختيار مرشحيهم من قائمة الائتلاف، وتقديم ما بوسعهم لتسهيل عملية لقاء المرشحين مع الجماهير في كل بقعة من الوطن والعالم والترويج للقائمة. وهكذا أُلاحظ الاتصالات المكثفة بين قيادة وفروع الرابطة الكلدانية ونشطاء الكلدان المستقلين للتنسيق ودفع العملية الى الامام، فالجميع ساهرون على العمل الدؤوب بحيث لم يشهد له من قبل عند الكلدان أينما وُجدوا .
كان لنداء غبطة البطريرك ساكو بطريرك الكلدان في العالم الذي بدأه بعبارته التي باتت على لسان كل كلداني غيور على بيته الكلداني " استيقظ يا كلداني" وقع وأثر كبير في نفوس الكلدانيين، ولهذا نرى هذا الحشد الكبير لأجل الانتخابات ودعم قائمة أئتلاف الكلدان من قبل الكلدان. حيث كان نداؤه من أجل بناء البيت الكلداني والحفاظ على اللغة والثقافة الكلدانية والهوية الكلدانية ولا يتنكر لها فمن حقه الافتخار بها كما يفتخر الاخرون بهويتهم الاثنية ، ويتعرف على جذوره التاريخية ويرتبط بمدنه وقراه المدمرة، فهذه أسس للتغيير والنهوض والمستقبل الافضل للكلدان.
 ولا يعني أن الكلدان لم يكن لهم مشاعر الانتماء الى الهوية الاثنية الكلدانية، انما هم بحاجة الى التحفيز لتنمية النزعة الانتمائية التي تعمقها هكذا نداءات، وقد طغت مشاعر الوطنية عندهم اكثر من أية انتماءات أخرى، ولكن الوضع الحالي للنظام الاجتماعي والسياسي الذي يمر به المجتمع العراقي يتطلب التحفيز للاهتمام بالهوية الكلدانية والافتخار بها كما غيرهم يفتخرون.
 هذه المشاعر الانتمائية لغبطته الهوياتية الثقافية نابعة لكونه كلدانيُ أصيل جاء من رحم هذه الامة ولم يأت من المريخ وما وراء البحار فمن حقه أن يفتخر بها ويحفز الكلدان ليفتخروا بهويتهم. وهذا الافتخار لا يمنعه من العمل من أجل المسيحيين قاطبة في العراق ومن أجل كل العراقيين، كما ان غبطته ينمي المفاهيم الوطنية والانتماء الوطني لكل عراقي لبناء وطن موحد ينطلق من سيادة القانون المدني. وما أعماله ونشاطاته الا دليلاً جلياً تشهد على ما سعى ويسعى أليه على كافة الاصعدة الوطنية والمحلية والدولية.
 ولتكن هذه القائمة  في حالة فوزها فعالة للتغيير في الوضع العراقي الحالي بمشاركة اساسية في اتخاذ القرارات التشريعية لانقاذ العراق من النظام الطائفي ومكافحة نظام المحاصصة الى نظام الكفاءة والاقتدار والخبرة في تقليد المناصب الحكومية وادارات الدولة بأنواعها، ويكون لها دور لدعم القانون المدني وسيادته.
اتمنى لقائمة أئتلاف الكلدان ذي الرقم 139 الموفقية والفوز في الانتخابات البرلمانية، فأندفعوا أيها الكلدان أينما كنتم لمؤازرة قائمتكم فهي منكم واليكم وبفوزها نفتخر بهويتنا الكلدانية ونرفع صوت الكلدان في قبة البرلمان. كما اتمنى فرصة الفوز للقوائم الاخرى أنطلاقاً من أجراء عملية انتخابية نزيهة بعيدة عن التأثيرات السياسية للكتل الكبيرة، وأن لا ترافقها تهديدات أو استفزازات لابناء شعبنا لاجل الانتخاب لقائمة وأخرى .كما تبين أخيراً مما يجري في مدن وقرى سهل نينوى، اتمنى ان تكون الاحزاب السياسية على قدر المسؤلية وواعية لمعنى التنافس الشريف والموضوعي للانتخابات.والتوجيه لانتخاب الاصلح والاكثر كفاءة وقدرة للتغيير والبناء والحرص على الوطن وأبناء شعبنا.

49
                          ظاهرة تاريخية في الكنيسة المشرقية
                         تستحق الاهتمام من قبل البطاركة الاجلاء
د. عبدالله مرقس رابي
  باحث أكاديمي

                  مدخل
                            تقود عملية البحث العلمي المستمرة للباحث الى تراكم المزيد من المعرفة لديه لكي يوظفها في دراسة الظواهر وتفسيرها. أذ ان بعض الافكار والمواقف والتفسيرات لبعض الظواهر والقضايا قد تكون شبه ثابتة في عالم المعرفة العلمية أو ثابتة راسخة في اذهان العامة من الناس المتلقنين في حياتهم. ألا ان البحث العلمي المستمر سواء من قبل الباحث نفسه أو من قبل غيره تتابعياَ، قد يكشف أن تلك التي أُعتبرت ثوابت فكرية لم تكن الا أخطاء شائعة ومتداولة وأخص بالذكر ما يرتبط بالظواهر الاجتماعية والتاريخية الناجمة عن التفاعل الاجتماعي في فترة زمنية ما.
اعلاه قادني الى تساؤل مهم أثناء المحاولة لجمع المعلومات لكتابة فصل كمدخل لاحوال المسيحيين في العراق في العصر الحديث لكتاب في قيد الانجاز بعنوان( مسيحيو العراق وتحدياتهم للعنف والاضطهاد في القرن الحادي والعشرين، دراسة سوسيولوجية)أي من الكنائس المشرقية الحالية هي منشقة عن الاخرى، وعن كنيسة المشرق الام؟ الكنيسة المشرقية الاشورية أم الكنيسة المشرقية الكلدانية؟ وأيهما تتوافق مع أستمرارية الكرسي البطريركي في (ساليق وقطيسفون) ألمدائن حالياَ في بلاد النهرين – العراق اليوم.؟ وذلك بعد دراستي المعمقة لبعض المصادر التي دونت أحوال كنيسة المشرق وأثارت انتباهي لهذه الظاهرة التي تخص الادارة الكنسية بعد الانشقاقات المذهبية التي حصلت منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي وماذا حصل من اشتباه وتفهم خاطيءِ لتفسير عملية الانشقاق الكنسي وعلاقتها بالادارة الكنسية في استمرارية ووراثة كرسي( ساليق)- المدائن- عند بعض المهتمين والعامة من المؤمنين والكنائس الحالية. وعليه ساطرح وجهة نظري عن الموضوع من خلال المعطيات التاريخية في ضوء تسلسل البطاركة في الكنيسة المشرقية الذي يظهر من كتابات مؤرخي الكنيسة عن احوال الكنيسة وادارتها منذ ظهور المسيحية في بلاد النهرين، مع العلم اننا في الشرق كلنا منشقون بشكل أو آخر!
تسمية كنيسة المشرق في بلاد النهرين
 من مراجعتي للعديد من المصادر التاريخية عن الكنيسة، لم أعثر على تسمية أُطلقت على الكنيسة في بلاد النهري- العراق وحواليها الان- الا تسمية جغرافية وهي الكنيسة المشرقية، ونادرا جدا نرى تسميتها بكنيسة "فارس" نسبة الى وجودها في بلاد فارس التي حكمت دولتهم المنطقة الشرقية لنهر الفرات قبل انتشار المسيحية والى مجيء العرب المسلمين من الجزيرة العربية عام 637. أما تسميتها بالكنيسة النسطورية نسبة الى البطريرك نسطوريوس بطريرك الكنيسة البيزنطية فهو خطأ تاريخي بحسب المصادر( طالع مقال البطريرك ساكو، كنيسة المشرق ليست نسطورية على موقع البطريركية الكلدانية ومجلة نجم المشرق العدد الأخير لسنة  2017 ). وبعض المصادر القليلة  المتأخرة جدا سمتها (كنيسة السريان المشارقة) وباعتقادي انها ليست تسمية اثنية بل تعني المسيحيين القاطنين شرق نهر الفرات تمييزاً للمسيحيين القاطنين غرب الفرات، وقد جاءت في سياق تخبط العديد من الكتاب غير المختصين من رجال الدين وغيرهم في التسمية الاثنية واخطائهم المتكررة. أما التسميات المعاصرة لفروعها، الكنيسة المشرقية الاشورية والكنيسة الكلدانية والشرقية القديمة ماهي الا تسميات اطلقت على اثر الانشقاقات الكنسية ولكل منها عمقها الحضاري المبرر!
التنظيم الاداري والرئاسي لكنيسة المشرق
لغرض الاجابة على التساؤل المطروح، لابد من متابعة للتطور الاداري والرئاسي لكنيسة المشرق للوقوف على المتغيرات والاحداث التي وقعت عبر مسيرتها التاريخية التي كان لها تأثير كبير في تحديد ووضع الرئاسة الكنسية لكي نبرهن الاجابة.
لا توجد كتابات محددة وواضحة ودقيقة تعلمنا عن كيفية ظهور الكنيسة كمؤسسة لها ادارتها وقوانينها بعد بدء انتشار المسيحية على يد الرسل، فالرسل انطلقوا من اورشليم الى مختلف جهات المعمورة وكتبت العديد من الروايات عن متى وكيف بدأت المسيحية بالانتشار لحد ان تلك الروايات تناقض بعضها، وعلى كل حال ذلك ليس موضوع المقال، بل الذي يهمني هو ان الكنيسة كمؤسسة ظهرت بادارات رئاسية متعددة في القرون الاولى وتدريجياً بمرور الزمن وتراكم الخبرة نظمت تلك المؤسسات الكنسية حالتها من حيث الهرم الاداري وتسميات التراتب الهرمي والطقوس والعقيدة وكل ما يرتبط بالايمان المسيحي.
بعد ان دخلت المسيحية الى بلاد النهرين في  النصف الثاني من القرن الاول الميلادي وزاد انتشارها في القرن الثاني حيث تُشير المصادر الى وجود جماعات مسيحية قبل سقوط الدولة الفرثية عام 226 م. بدأت تلك الجماعات أنشاء مؤسستها الكنسية التي أطلقت عليها الكنيسة المشرقية تميزاً عن الكنائس الغربية التي تقع غرب نهر الفرات، فنظمت حالتها الادارية من حيث الرئاسة والتراتب الهرمي وتقسيم الابرشيات وطقوسها تدريجياً بمرور الزمن.
يعد مار  توما الرسول  ومار ماري بحسب المصادر والتقليد الكنسي هما  المؤسسان  الرسميان  لكنيسة المشرق. وقد اقام مار ماري مقره في  ساليق وقطيسفون – المدائن حالياً- على أثر بنائه أول كنيسة في وسط العراق (كوخي) في منطقة (بوعيثا) القريبة من منطقة الدورة الحالية في بغداد. حيث ادار الكنيسة بنفسه لمدة خمسة عشر عاماً، فاعتبرت كنيسته مركزاً لكرسي الكنيسة المشرقية لادارة الابرشيات التابعة لها. ففي هذه الكنيسة كانت تُقام مراسيم اختيار وتنصيب رؤساء الكنيسة من الجثالقة والبطاركة الى عهد البطريرك (يابالاها الثالث 1282 – 1318 م. وبالرغم من نقل الكرسي الى بغداد لاحقاً في عهد حنانيشوع 774 – 778 م ،الا ان المراسيم كانت تُقام في المدائن كتقليد عام.
على مر السنين وضعت القوانين لادارة الكنيسة، ففي البدء مثلا لم تكن تسمية رئيس الاساقفة الميترابوليت والبطريرك قد أطلقت على رؤساء الكنائس، انما كانت العادة جارية أن يُقال اسقف اورشليم واسقف انطاكية واسقف اسكندرية واسقف روما وهكذا. وقد أعتبر (فافا 247- 326) اول جثالقة كنيسة المشرق، وخضعت كل الابرشيات التي زاد عددها بمرور الزمن ضمن جغرافية بلاد النهرين او خارجها الى كرسي ساليق. وأستمر تتابع البطاركة على كرسي ساليق عن طريقة اختيار من هو الاكثر اقتدارا لادارتها وبحسب الظروف والمستجدات التاريخية، ومما هو جدير بالذكر ان مقر الكرسي البطريركي انتقل الى عدة مناطق بحسب الاحداث والظروف السياسية والاضطهادات الدينية التي شنها بعض الملوك والامراء والخلفاء سواء من المجوس او المسلمين تجاه المسيحيين أو بسبب النقص الديمغرافي للمؤمنين في منطقة المركز البطريركي، أو قد يعود السبب الى أهمية وجود المركز في عاصمة البلاد. فانتقل الى بغداد لاعتبارها عاصمة العباسيين في عهد حنانيشوع كما ذكرت اعلاه، وثم الى اربيل ومراغة وكرمليس والقوش  بحثاً عن الامان، وبعد الانشقاقات الكنسية ظهر وجود الكرسي البطريركي في عدة مناطق مختلفة كما سنرى لاحقاً.
تتابع رؤساء كنيسة المشرق من" فافا " حيث استقرت الادارة  وثُبتت القوانين التي نظمت العلاقات بين الاكليروس والابرشيات وصلاحيات كل مرتبة كهنوتية والسلطة، كما تنظمت الطقوس تدريجياً واتضحت العقيدة الايمانية موحدة ضمن ابرشيات كنيسة المشرق، فنظمت ذاتها على اثر نتائج المجامع التي عُقدت في الاعوام 410 و422 و424 وفي الاخير اعتمدت تسمية البطريرك راس الكنيسة المشرقية. وقد عدت كنيسة المشرق نفسها كنيسة جامعة( كاثوليكية- قاثوليقي)  تجاوزت الاثنية، حيث انضم اليها أقوام متعددة من بلاد النهرين وخارجها. ولكونها في بلاد الفرس التي استمرت مع الرومان في صراعاتها، مما حال دون ان تُحقق علاقات بينها وبين الكنيسة الغربية.
التغيير الاداري والعقائدي
ظلت العقيدة التقليدية للكنيسة المشرقية موحدة لجميع ابرشياتها الى سنة 1552 م حيث ظهر تغيير عقائدي واداري على أثر قيام البطريرك شمعون الباصيدي في سنة 1450 بأقرار نظام التوريث في الكرسي البطريركي وحصره في عائلته ( ابونا) وجمعه للسلطتين الروحية والزمنية بيده. وعلى أثره هيمنت عائلة واحدة على الكرسي البطريركي. وكانت من نتائج هذا التحول الاداري في الكنيسة، ضعف الكنيسة المشرقية فكرياً وروحياُ وراعوياً وادارياُ، فسببت الانقسامات بين المؤمنين والاكليروس، وأخص بالذكر عندما تولى الكرسي صبي صغير الذي رسمه البطريرك شمعون السابع برماما 1538 – 1558 وهو ابن اخيه البالغ من العمر الثانية عشرة فقط ميترابوليتا لعدم وجود غيره في عائلة أبونا، وبعد سنين رُسم فتى آخر بعمر خمسة عشر عاماً. ولهذا الاسباب تذمر المؤمنون وبالاخص في آمد ديار بكر وسعرد وسلماس والموصل واذريبيجان واربيل، فاجتمع اساقفة هذه المناطق ومع عدد من الرهبان والكهنة ووجهاء مدينة الموصل لاعتراضهم على نظام التوريث المذكور فاختارورا يوحنا سولاقا رئيس دير الربان هرمزد بطريركاً عليهم واعلن ايمانه الرسولي في العشرين من شباط عام 1553 بعد سفره الى روما وثُبت باسم ( بطريرك الموصل).
ما الذي حصل بعد يوحنا سولاقا؟
أستمرت الكنيسة المشرقية على يد سلسلة البطاركة في القوش على الادارة الوراثية والعقيدة التقليدية للكنيسة، بينما بعد رجوع يوحنا سولاقا من روما وضع كرسيه في آمد – ديار بكر، وبتأثير من بطريرك الفرع الاخر في القوش على والي العمادية أُعتقل ماريوحنا وتوفي على اثر التعذيب عام 1555 واعتبرته الكنيسة شهيد الاتحاد. واستمر البطاركة على خطه في الكرسي وفقاً لنظام الاختيار وكانت مراكزهم في سعرد وسلماس وخسروا واورميا، وثبتوا على الشركة مع روما الى القرن السابع عشر، ولكن لم يسافر أحدهم اليها لنيل التثبيت وبعضهم لم ينل الاعتراف الرسمي والبعض الاخر ارسل صورة ايمانه الى روما فقامت بتثبيته.
وعندما نقل البطريرك شمعون الثالث عشر دنخا 1662-1700 كرسيه الى قوجانس في هكاري الواقعة جنوب شرق تركيا. عاد هذا الخط من البطاركة الى العقيدة التقليدية لكنيسة المشرق مع تطبيق نظام التوريث للكرسي البطريركي. وبعد سنة 1915 على أثر الاضطهادات التي تعرض لها أتباع هذا الفرع من الكنيسة المشرقية أنتقل الى عدة مدن وانتهى به المطاف في شيكاغو الامريكية، وحاليا يجلس على كرسي البطريركية قداسة البطريرك مار كوركيس صليوا منذ عام 2015  ومقره مدينة اربيل العراقية، ومما هو جدير بالذكر عندما أغتيل البطريرك مار شمعون الثالث والعشرين ايشاي في سان فرنسيسكو الامريكية أنتهى نظام التوريث للبطريركية عام 1976.
ولاسباب عشائرية ولاختلاف في التقويم السنوي انشق فرع من الكنيسة عام 1968 وتبنى تسمية( الكنيسة الجاثيليقية القديمة- حاليا الكنيسة الشرقية القديمة) ومقرها البطريركي في بغداد برئاسة قداسة البطريرك مار ادي الثاني. وبقي الفرع الأكبر على  تسمية ( كنيسة المشرق الاشورية).وهذه التسمية أُطلقت عليهاعند تولي مار دنخا الرابع سدة البطريركية عام 1976 .
كيف ومتى نشأت الكنيسة الكلدانية الحالية؟
أستمرت كنيسة المشرق الام  التي اسسها مار ماري في كوخي في تأدية رسالتها وفقاً لعقيدتها الرسولية التقليدية  وقوانينها التي نُظمت على أثر مجامع اسقفية كما ذكرت سابقاً، مع التشريع الجديد في التوريث لكرسي البطريركية. وكان مركزها في دير الربان هرمزد في جبل القوش شمال الموصل.
أرسل أيليا السابع 1591 – 1617 الى روما وفداً عام 1606 للتباحث في موضوع الاتحاد، وعقد أيليا مجمعاً عام 1616 وتبنى فيه العقيدة الكاثوليكية، ولكن هذا التبني لم يحقق اتحاداً صريحاً مع روما. وفي نفس الوقت ارسل شمعون العشرون من سلسلة سولاقا الذين ارتدوا عن الكثلكة صيغة ايمانه الى روما، وحاول الرهبان الفرنسيسكان التحاور مع الكتلتين لتحقيق الشركة والوحدة ولكن دون جدوى، فبقى البطريركان في القوش وقوجانس بعيدين من هذه الشركة طوال النصف الثاني من القرن السابع عشر، وعليه أصبح حينذاك بطريكيان عن العقيدة التقليدية لكنيسة المشرق احدهما في قوجانس والاخر في القوش.
في سنة 1672 أقنع أحد الرهبان الكبوشيين ويدعى يوحنا المعمذان المترابوليت يوسف في امد – ديار بكر بالكثلكة فأعتنقها وثبتته روما بطريركاً للامة الكلدانية المحرومة من الرئيس، وعليه نشأت سلسلة أخرى جديدة من البطاركة في آمد حملوا لقب ( يوسف) وكان لهم نفوذ على مناطق ديار بكر وسعرد وماردين والجزيرة وسهل الموصل.
وبعد أن تعاظم عدد ابناء كنيسة المشرق الذين انضموا الى الكثلكة في نواحي الموصل، أقدم البطريرك ايليا الثاني عشر دنخا المقيم في دير الربان هرمزد لارسال عدة رسائل الى روما معرباً رغبته عن الاتحاد معها، أنما لتدخل يوسف الثالث بطريرك آمد لم تتحقق هذه الرغبة. وعندما خلفه أبن أخيه ايليا الثالث عشر ايشوعياب 1778 – 1804 عارضه أحد أنسابه وهو يوحنا هرمزد ميترابوليت الموصل الذي أصبح كاثوليكياً سنة 1778 وثبتته روما ميترابوليت على الموصل ومدبراً بطريركياً دون ان تثبته بطريركاً لمعارضة اوغسطين هندي له من آمد ولشكوك روما بمصداقيته. ولما توفي ايليا الثالث عشر 1804 لم يكن في عائلة ابونا ذكر لخلافته، ومن جهة اخرى توفي اوغسطين هندي في آمد، فخلت الساحة أمام يوحنا هرمز وأصبح بطريركاً بعد أن نال التثبيت من روما باسم ( بطريرك بابل على الكلدان) سنة 1830.
 استمر نظام الاختيار للبطريرك ثانية الذي بدأ من ماري مؤسس كنيسة المشرق وثم فافا ومرورا ببطاركة دير الربان هرمزد في القوش الى يومنا هذا حيث الكرسي البطريركي في بغداد يجلس عليه غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو منذ سنة 2013. هكذا نشأت الكنيسة الكلدانية الحالية وريثة كنيسة المشرق الام.
الخلاصة والاستنتاج
تكونت حاليا على أثر ما ذكرت من الاحداث التي نقلتها لنا المصادر الكنسية ثلاث كنائس هي:
كنيسة المشرق الاشورية التي كان بطاركتها واتباعها فترة طويلة على المعتقد الكاثوليكي وهي منشقة من كنيسة المشرق الام للاتحاد مع روما عام 1553 م على أثر التغيير الاداري لاختيار البطريرك وسميت كنيسة الكلدان بدليل ان ختم بطاركتها كان معرفاً بعبارة( بطريرك الكلدان)  الى عهد شمعون أيشاي حيث كان ختمه معروفا بعبارة( الضعيف شمعون أيشاي 21 بطريرك الكلدان) وقد غيره البطريرك مار دنحا الرابع  المتوفى 2015)  . وفي سنة 1662 ارتدت عن المعتقد الكاثوليكي لترجع الى المعتقد التقليدي لكنيسة المشرق وتطبيق نظام الوراثة البطريركية الى سنة 1976 .وانشقت الى فرعين بتسمية الاولى  كنيسة المشرق الاشورية والثانية الكنيسة الجاثيليقية القديمة.
أما الكنيسة الكلدانية الحالية والتي يُعرف بطريركها بتسمية( بطريرك بابل على الكلدان) جاءت على أثر تحول كنيسة المشرق الام التي حافظت على ايمانها التقليدي لها حتى عام1830  بدليل سلسلة البطاركة التي تبدأ بمؤسسها مار ماري وتنتهي بالبطريرك مار ساكو الى الايمان بالمعتقد الكاثوليكي والشركة مع روما الى يومنا هذا.
وفي ضوء ما توصلت أليه يتبين جلياً ان كنيسة المشرق الاشورية والجاثليقية القديمة هما المنفصلتان ادارياً  عن كنيسة المشرق الام بدليل سلسلة البطاركة الذين تقلدوا السدة البطريركية الذي لا يرتبط بتسلسل المؤسسين الاوائل. ومن هذا المنطلق ارى ضرورة مراعاة هذه المسالة بروتوكولياً  عند التباحث للاتحاد والشركة مع كنيسة المشرق الكلدانية الام وفي كل المناسبات الرسمية وغيرها.
والسعي للتوعية بأن التسميات الاثنية الملحقة بالكنيستين هي حديثة يمكن تجاوزها لتكون كنيسة مشرقية واحدة في طقوسها وايمانها وادارتها. وبعد الاستئذان من غبطة البطريرك مار ساكو بعد دعوته للكلدان (استيقظوا ايها الكلدان) لاقول استيقظوا ايها الكلدان والاشوريون انكم شعب واحد، شعب بلاد النهرين بتسميات تاريخية حضارية ترجع لحضارتنا النهرينية القديمة وهلموا لتكون كلمتكم الايمانية الروحية واحدة ضمن كنيسة المشرق، ولا بأس ان تكون كنيسة المشرق الكلدانية والاشورية أو بدون ملحقات تسموية لنشعر اننا واحد في الايمان. وان لا تكون التسمية الحضارية الاثنية عائقاً لوحدة مصيرنا والا نحن على الزوال متجهون.
6 إيليا العاشر (1700-1722)        شمعون العاشر (1600-1638)   يوسف الثاني (1696-1712)
7 إيليا الحادي عشر (1722-1778)    شمعون الحادي عشر (1638-1656)   يوسف الثالث (1714-1757)
8 إيليا الثاني عشر (1778-1804)     شمعون الثاني عشر (1656-1662)   يوسف الرابع (1759-1781)
9 يوحنا الثامن  (1778-1830)     شمعون الثالث عشر (1662-1700)  فك الارتباط مع روما (1672)   
10 نيقولاس الأول (1840-1847)           شمعون الرابع عشر (1700-1740)   
11 يوسف السادس (1848-1878)           شمعون الخامس عشر (1740-1780)   
12 إيليا الثالث عشر (1879-1894)           شمعون السادس عشر (1780-1820)   
13 عبديشوع الخامس (1895-1899)           شمعون السابع عشر (1820-1861)   
14 يوسف عمانوئيل الثاني (1900-1947)   شمعون الثامن عشر (1861-1903)   
15 يوسف السابع (1947-1958)           شمعون التاسع عشر (1903-1918)   
16 بولس الثاني (1958-1989)           شمعون العشرون (1918-1920)   
17 روفائيل الأول (1989-2003)       شمعون الحادي والعشرون (1920-1975)، ولقب بشمعون الثالث والعشرون في عام (1940)   
18 عمانوئيل الثالث (2003-2013)          دنخا الرابع (1976-2015)   
19 لويس ساكو (2013- ولحد اليوم)          كوركيس الثالث (2015- ولحد اليوم)   
وهناك فرع اخر لكنيسة المشرق تأسس عام 1968 ولقب بالكنيسة الشرقية القديمة، واول بطريرك لها هو توما درمو (1968-1969)، ومن ثم ادي الثاني (1970- ولحد اليوم).
المصادر الاساسية المعتمدة
البطريرك لويس روفائيل ساكو، الكنيسة الكلدانية، خلاصة تاريخية 2015
ويمكن مراجعة المصدر المذكور للاطلاع على سلسلة بطاركة كنيسة المشرق
حبيب حنونا، كنيسة المشرق في سهل نينوى  1991 ويمكن ايضا مراجعة الكتاب للاطلاع على سلسلة البطاركة.
ادي شير ، تاريخ كلدو واثور، المجلد الثاني،طبعة 1913 واعادتة طبعه 1993 في مشيكن الامريكية
الاب البير ابونا، تاريخ الكنيسة الشرقية  1985
الاب البير ابونا تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية الجزء الثالث 1993                                                                       
Baum & Dietmar W. Winkler, Die Apostolische Kirche des Osten, Klagenfyrt 2000, p.151-152
توما المرجي ،كتاب الرؤساء،ترجمة الاب البير ابونا 1966
كليروبيل يعقوب، سورما خانم، ترجمة نافع توسا، 2011
 ذخيرة الاذهان ـالقس بطرس نصري المجلد الثالث وقد نشره في استراليا الاب عمانوئيل خوشابا سنة 2005

50
                                 لماذا تدعم الرابطة الكلدانية
                               قائمة "أئتلاف الكلدان"؟ وجهة نظر..
  د. عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي 
                   في بيان الرابطة الكلدانية المنشور في  21/1/2018 المعنون (بيان دعم الرابطة الكلدانية لقائمة " أئتلاف الكلدان" .الرابط أدناه. تبين بوضوح وصراحة أن الرابطة الكلدانية قررت دعمها للقائمة المذكورة واعتبرتها سندا وظهيرا لها في الانتخابات المقبلة لاختيار ممثلي شعبنا الكلداني في البرلمان العراقي ومجالس المحافظات، كما جاء في البيان.
ولكي تتضح مبررات وأسباب دعم الرابطة الكلدانية ساسلط الضوء على ماهيتها والاستنادات التي اعتمدتها قيادة الرابطة الكلدانية لتنطلق منها لدعم القائمة الكلدانية، وبالطبع من وجهة نظري الشخصية كمحاولة تحليلية.
ماهي منظمات المجتمع المدني؟
  لاعتبار الرابطة الكلدانية منظمة مجتمع مدني، لابد من توضيح  المفهوم لتقديم صورة عن طبيعة وانواع منظمات المجتمع المدني.
تعد هذه المنظمات أحدى المواضيع أو الميادين الاساسية لعلوم الاجتماع والسياسة والاقتصاد، وقد ازداد الاهتمام في دراستها وتحليلها ضمن الدراسات الاجتماعية في العقدين الاخيرين، وذلك لتطور وبروز دورها في المجتمعات البشرية. وهذا المفهوم، كما غيره من المفاهيم الاخرى في العلوم الاجتماعية لا يوجد اتفاق موحد بين الباحثين في تحديده، فقد تنوعت تعاريفه بحسب طبيعة ونظام الحكم السياسي الذي تعمل في ظله هذه المنظمات المدنية، كأن تكون حكومة ليبرالية أو دكتاتورية ذات الحزب الواحد في السلطة، او حكومة ملكية. فالحكومات تعامل هذه المنظمات باشكال مختلفة، كما يُشير الى ذلك تقرير الوكالة الامريكية للتنمية الدولية عن استدامة منظمات المجتمع المدني لعام 2013 لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
لا افضل الخوض في التفصيلات عن الموضوع الا انه أكتفي بتعريف يكاد ان يكون شاملا أستخلصه الباحث  ناصر محمود رشيد في اطروحته للماجستير المعنونة"دور منظمات المجتمع المدني في تقرير المشاركة السياسية في فلسطين" : ( انها جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة وعن ارباح الشركات في القطاع الخاص). واستخلص أيضاً ( يمكن ان ينضم تحت لواء منظمات المجتمع المدني القوى والاحزاب السياسية والمنظمات الاهلية التي تُصنف حسب طبيعتها الى جمعيات خيرية تعاونية ومنظمات جماهيرية ومؤسسات تنموية ومراكز ومؤسسات بحث واعلام وحقوق الانسان وهيئات الدفاع عن حقوق ومصالح مختلفة).
وتُشير الدكتورة ليلى عبدالوهاب استاذة علم الاجتماع في جامعة "بنها" المصرية في محاضراتها المنهجية عن موضوع منظمات المجتمع المدني الى( من المبادىء الدولية التي تحمي منظمات المجتمع المدني هو المبدأ الرابع عن الحق في الاتصالات والتعاون، حيث جاء فيه: لمنظمات المجتمع المدني الحق في تشكيل شبكات وتحالفات والمشاركة فيها من أجل تعزيز الاتصال والتعاون والسعي لتحقيق اهداف مشروعة.). وتُشير الى ما جاء في تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا " اسكوا"( ان مؤسسات المجتمع المدني تضم المنظمات غير الحكومية والاحزاب والنقابات العمالية والمعاهد والجامعات المهنية والتجمعات الاجتماعية والدينية والصحافة وكل منظمات القاعدة الشعبية والنوادي الاجتماعية وما ذلك من مؤسسات وتجمعات ومن اهم اركانها تركز على الفعل الارادي الحر والطوعي ).
وفي الدستور العراقي الحديث الذي يضم التناقضات والغموض في مواده القانونية ،جاء في المادة 45 الفقرة الاولى ما ياتي دون أن يوضح ماهية وطبيعة وانواع هذه المنظمات وادوارها، بل أكتفى: (تحرص الدولة على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها واستقلاليتها، بما ينسجم مع الوسائل السلمية لتحقيق الاهداف المشروعة لها، وينظم ذلك بقانون.).
يمكن ان نستخلص مما تقدم عن منظمات المجتمع المدني فيما يخص موضوع المقال:
الاختلاف في طبيعة المنظمات، تعد الاحزاب السياسية من منظمات المجتمع المدني طالما انها غير حكومية، الا ان بعض الدول لا تعتبرها من ضمنها لاعتبار ان لكل حزب سياسي اجندة تخص اهدافه، والاهم هنا وما يرتبط بموضوعنا هو مبدأ الحماية الدولية لها في منح الحق لها لتشكيل تحالفات والمشاركة فيها والتعاون لتحقيق الاهداف التي ترمي اليها سياسة المنظمة.
ما هي مبررات الدعم؟
                   أية مؤسسة مهما تكون طبيعتها، لابد ان تتحرك في أنشطتها وفعالياتها انطلاقاً من نظامها الداخلي الذي يحدد فلسفتها لتحقيق أهدافها. أذن لتشخيص العوامل التي دفعت بالرابطة الكلدانية الى دعم القائمة الانتخابية "أئتلاف الكلدان" يستوجب الرجوع الى نظامها الداخلي للوقوف على تلك المواد النظامية التي تخولها للقيام بهكذا نشاط .
ففي المادة الثانية التي تخص التعريف جاء : (هي رابطة مدنية عالمية غير حكومية تعبر عن الهوية الكلدانية وعن الانتماء الى الشعب الكلداني في كل مكان).
واضح جدا نص المادة التعريفية، ان الرابطة تعبر عن الهوية الكلدانية وعن الانتماء الى الشعب الكلداني، فأن أختيارها لدعم القائمة المذكورة باسم " أئتلاف الكلدان" جاء منسجماً لان كلاهما يعبران عن الهوية الكلدانية وعن الانتماء الى الشعب الكلداني.وفي مثل هكذا نشاط يساعد على ترسيخ الانتماء الاثني لدى الافراد.
ان نشاط الرابطة لدعم القائمة الانتخابية الكلدانية جاء متفقاً مع اهدافها، فهي أنطلقت من المادة الثالثة من النظام الداخلي التي تخص الاهداف، ففي هذه الحالة جاء النشاط لتفعيل وممارسة الاهداف الواردة في النظام.
فالمادة الثالثة الفقرة1 تنص على:(تعزيز البيت الكلداني من خلال حشد واستثمار كل طاقات وامكانيات وخبرات الشعب الكلداني في العراق والعالم). فهي تقوم بجزء من هذا الحشد للطاقات، وهي طاقات المشاركة في العملية السياسية للشعب الكلداني، تلك المشاركة التي تتوجها الاهداف الاخرى. ففي نفس المادة الفقرة2 تنص على:(العمل على تشجيع وتنمية الوعي القومي الكلداني) وما جاء في الفقرة4 التي تنص على( العمل من أجل الحفاظ على الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية للكلدان والدفاع عنها). وأما في الفقرة 10 من المادة نفسها جاء ( تعنى الرابطة بالشؤون الانسانية والاجتماعية والقومية والسياسية، ولن تتحول الى حزب سياسي).
الاهداف المذكورة هي واضحة وصريحة لتبرر ما تقوم به الرابطة الكلدانية من فعالية لدعم القائمة الانتخابية الكلدانية، فمن خلال تشجيع الكلدانيين لممارسة هذ العملية السياسية وتوجيههم لاختيار المرشحين ضمن القائمة التي تُشير الى الهوية الكلدانية كأثنية وتتضمن عناصر حريصة على مصلحة الشعب الكلداني هو جزء من الوعي القومي والتحفيز لنزعة الانتماء الاثني والاعتزاز به. وهي تحافظ على الحقوق السياسية للكلدان من خلال هذه الممارسة وفقاً للنظام السياسي السائد في العراق للمشاركة في صناعة القرار السياسي والتشريعات القانونية في البلد عن طريق الممارسة الديمقراطية بغض النظر عن مدى نزاهتها من عدمه، فالشعب الكلداني هو جزء من التركيبة الديمغرافية العراقية، فهو يخضع الى ما يخضع اليه الشعب العراقي. ولما كانت الرابطة الكلدانية معنية بالشؤون المختلفة ومنها السياسية والقومية، عليه تكون معنية أمام الشعب الكلداني بالشؤون السياسية والقومية لتحقق طموحاته في المجالين ولكن دون ان تتحول الى حزب سياسي، وهذا ما تؤديه في ممارستها الحالية.
أذن ما تقوم به الرابطة الكلدانية في دعمها للقائمة الكلدانية هي عملية ترجمة لاهدافها المنصوص عليها في نظامها الداخلي، مقترنة ممارستها بحماية قانونية دولية كما جاء أعلاه وفق المبدأ الدولي لمنح منظمات المجتمع المدني شرعية التحالفات والتعاون، فمن حق الرابطة التعاون مع أية جهة تراها مناسبة لتحقيق أهدافها كما بينت آنفاً، فالانسب هي تلك القائمة التي تؤكد على الهوية الكلدانية والتي تدافع عن حقوق الشعب الكلداني. دون ان يغيب عن تطلعاتها للسعي لبناء جسور التآخي والمحبة وأحترام الاخروالمساواة مع مكونات شعبنا بدون استثناء كما جاء في المادة الثانية، الفقرة7. ولم يبق امام الرابطة الكلدانية الا بذل الجهود لوضع برنامج مدروس فعال لحشد الطاقات بالتعاون بين فروعها ومؤازريها لانجاح تجربتها في دعم القائمة الانتخابية المختارة. وهثل هذه الممارسة هي قائمة في معظم البلدان المتقدمة، فمثلا الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة الامريكية لهم مؤسسات خيرية صحية واجتماعية واقتصادية واكاديمية واعلامية وعمالية تعمل لخير الشعب وفي نفس الوقت تخدم الحزب وتسوق سياسته وتدعمه في الانتخابات بكل طاقاتها، ومثل هذه المنظمات هي حصانة الحزب المعني. وهكذا يجري تماماً في كندا مع الحزب الليبرالي والمحافظين والديمقراطي الجديد.
تمنياتي لقائمة " ائتلاف الكلدان " الفوز في الانتخابات القادمة، مع تمنياتي لفرصة الفوز لقوائم الاثنيات الاخرى من شعبنا الاشورية والسريانية في ظل ممارسة انتخابية نزيهة بعيدة عن المشاعر التعصبية ، بل تعبر عن الانتماء الاثني والاعتزاز به  للحفاظ على الهوية الاثنية، مع مراعاة الاحترام المتبادل والتعاون والعمل ضمن أطار السياق الموحد مستقبلاً. وبعيدة عن الضغوطات الجانبية والتهديدات من قبل الاحزاب الكبيرة والمتنفذة سواءاً في الحكومة المركزية في العراق أو في حكومة أقليم كوردستان .
http://www.chaldeanleague.org/


51
                                      لمناسبة رحيل
                                  الشماس ديشو بولس قلو
    د.عبدالله مرقس رابي

أنتقل الى الاخدار السماوية الشماس  الرسائلي ديشو بولس قلو يوم الاثنين المصادف 15 / 1 / 2018 في مدينة هاملتون الكندية، عن عمر يناهز94 سنة .
 خيم الحزن على اهالي منكيش ومؤمني خورنة مار توما الكلدانية في مدينة هاملتون على اثر سماعهم وفاة الشماس ديشو .حيث كان موضع فخر واعتزاز عند المنكيشيين واصدقائه اينما عاش وعمل. وذلك لما تمتع به من حياة هادئة ومتواضعة وخدمة لا حدود لها للكنيسة الكلدانية اينما حل وخدم. وقد كان شماساً مقتدراً ومبدعاً لاستيعابه الطقس الكلداني استيعاباً أهله لكي يكون خبيراً في هذا الطقس، واتقن اللغة الارامية القديمة المتداولة في الكنيسة بمستو راق جداً، أذ ألف العديد من القصائد والمدائح سواء بالارامية القديمة أو الكلدانية المحكية الحديثة.
 رحل من بيننا، انما سيبقى في ذاكرة كل من عرفه من اصدقائه واحبائه واقربائه. ولكي تبقى ذكرياته ونُعرف الجميع بالمرحوم الشماس ديشو كعلم من اعلام الكلدان، ولابسط حقوقه علينا ووفاء لمحبته ارتأيت ان اسلط الضوء على بعض من اعماله وابداعاته من خلال هذه الاسطر التي لا يمكن ان تغطي مجملها . 
        ولد المرحوم في بلدة منكيش التابعة لمحافظة دهوك في شمال العراق عام 1923 ميلادية، وتلقى التنشئة الدينية والاجتماعية الصالحة والمهذبة من والديه ومن الكنيسة  في ربوع هذه البلدة.
تلبى نداء الرب عام 1937 للدخول الى المعهد الكهنوتي في الموصل بعد نجاحه من الصف الرابع الابتدائي، انما لمعاناته من وجود حصوة في الكلى ولعدم توفر العلاج السريع آنذاك قرر بمحض ارادته ترك المعهد عام 1941 .
رحل الى مدينة كركوك عام 1945 بعد زواجه ومكث فيها لغاية احالته للتقاعد عام 1982. وثم انتقل الى بغداد عام 1988 للالتحاق بابنائه الذين سبقوه اليها للعمل والاستقرار، وبعدها وصل كندا عام 2002 واستقر في مدينة هاملتون الى يوم وفاته .
   أمضى الشماس ديشو حياة عملية فنية أهلته لها امكاناته الابداعية في تعلم اللغة الانكليزية بجهوده الذاتية وتميز بحسن الادارة اينما عمل  فهو من القلائل في عهده في منتصف القرن الماضي امتاز بالكفاءة الفنية والاعمال التي تتطلب المعرفة العلمية والمهارة الادارية الحديثة.
ومن متابعة حياته العملية نرى ان الشماس عمل:
_ ثلاث سنوات في الجيش البريطاني بصفة جندي كاتب .
_ 43 سنة كاتب في شركة نفط العراق- دائرة المواد-
_ 5 سنوات مديرا لادارة شركة سويكو الفرنسية.
  وقد رسم شماسا رسائليا سنة 1947، وأمضى منذ ذلك الحين حياته في خدمة الكنيسة لاداء مختلف الانشطة ومنها.
*عمل في جمعية الرحمة الكلدانية لمدة 20 سنة في كركوك وهو أحد الاعضاء المؤسسين.
* عمل في أخوية قلب يسوع في كركوك 1949-1987.
* عضو مجلس الخورنة في بغداد لكنيسة مار بطرس وبولس 1994-2001 .
* مدرس مقامات الطقس الكلداني في المعهد الكهنوتي لبطريركية الكلدان الكاثوليكية لمدة سنتين.
  وأما أعماله الادبية فهي:
 أولا: الترجمة من الارامية القديمة المتداولة في الكنيسة أو العربية الى اللغة الكلدانية المحكية الحديثة.
* ترجمة كتاب تأملات شهر اذار لمار يوسف البار من تأليف القس عمانوئيل رسام من العربية .
*ترجمة كتاب تأملات قلب يسوع للقس بطرس حداد من العربية .
* ترجمة تأملات قلب يسوع تأليف أحد الاباء المرسلين من العربية .
* ترجمة ملحقات القداس الكلداني من الارامية .
* ترجمة كتاب صلوات الموتى من الارامية .
* ترجمة صلاة الصبح لايام الاحاد من الارامية .
* ترجمة مجموعة من التراتيل من العربية.
*ترجمة كتاب "سفر الادوية " من اللغة الكلدانية الى العربية.
بالمناسبة، سألت المرحوم في أحدى لقاءاتنا عن سبب الترجمة من اللغة الارامية المتداولة في الطقوس الكنسية الى اللغة الكلدانية المحكية الحديثة، أجابني: وفي ضوء خبرته العميقة وعمله لفترة طويلة ،"بات لم يفهم احدا اللغة الارامية المتداولة في الكنيسة من قبل المؤمنين وليس هم فقط بل اغلب الشمامسة لا يدركون ماذا يؤدون ويرتلون، وطالما بحسب معرفتي ان اللغة حية وتتطور، وما لغتنا المحكية الا لغة متطورة، أذن علينا الاهتمام بها وترجمة ما لدينا اليها وبالاخص تبقى فائدتها في الكنيسة ليتفهم المصلون ماذا يؤدون، فاللغة من وجهة نظري هي وسيلة للاتصال الاجتماعي، وطالما التواصل هو باللغة الكلدانية المحكية، فلا بد من تحسينها والاهتمام بها."

ثانيا: القصائد الشعرية.
 
* قصيدة شعرية في تاريخ منكيش. اعتمد في كتابة بعض الاحداث والمواقف على كتاب "منكيش بين الماضي والحاضر، دراسة في التغير الاجتماعي"
*قصيدة شعرية لحياة مار كوركيس الشهيد شفيع بلدتنا منكيش.
* قصيدة شعرية لمارت شموني وأولادها السبعة.
* قصيدة شعرية لسلطانة مادوخت واخويها الشهيدين.
* قصيدة شعرية لحياة مار أدي.
* مجموعة قصائد شعرية في مناسبات الاستقباال لرؤساء الكنائس.
 
  وبعد وصوله المهجر في 21\12\2002 بدأ الخدمة في كنيسة مار توماالرسول للكلدان الكاثوليك في هاملتون شماسا متألقا ومرشدا طقسيا للشمامسة والاخرين ومعلما لجوقة الكنيسة. وقد أحبه ابناء الرعية جميعاً ونال أحترامهم وتقديريهم.
كنت شخصياً ألتقي مع المرحوم بين فترة واخرى لتقديم بعض الاستفسارات عن اللغة وعن تراث بلدتنا منكيش، فكنت وكما أخبرني كل من ألتقى معه وجالسه، أشعر من الوهلة الاولى أنه، رجلا وقورا، هادئا، متواضعا، رحب الصدر، طيب المعاشرة، رفيع الخلق، ذو عقلية واقعية، تعرفه رجلا مبدعا ومتميزا يفرض احترامك له انعكاسا لما اتصف به من خصال حميدة،استوجب على أساسها أن تمنحه كل اعتبار وتقدير. وكان صديقا حميما للكتاب اذ قضى معظم أوقاته في المطالعة التي اعتبرها غذاءاً روحيا لكل انسان. ولم يبخل يوما لرد أي استشارة في مجال اللغة والطقس الكلداني والتراث الاجتماعي والديني.
وقد أقام الاب فوزي ابرو راعي خورنة مارتوما الكلدانية في هاملتون قداساً جنائزياً هذا اليوم الاربعاء الساعة الحادية عشر صباحاً بحضور المتروبوليت مار توما داود والاب نياز توما وأخوته الشمامسة وجمع كبير من المؤمنين والاقرباء والاصدقاء وكان قداساً متكاملا بطقوسه وتراتيله ومراسيم الجنازة وفقاً للطقس الكلداني. ومن ثم رافقوا جثمانه الطاهر الى مثواه الاخير.
نطلب من الرب أن يحفظ شماسنا المرحوم في ملكوته السماوي، ولذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
في 17/1/2018
كندا/ هاملتون

           

52
                                     ردًا على بروفسور* الذم والنقد: 
                                  تحليلك لمواقف البطريرك ساكو غير موفق
د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
             شاهدت اللقاء  الذي اجراه تلفزيون اشور مع البروفيسور أفرام يلدز في 22/11/2017 على اثر رسالة الذم والنقد التي بعث بها الى غبطة البطريرك مار لويس بطريرك الكنيسة الكلدانية بعد ما أصدر السينهودس الاخير المنعقد في روما للكنيسة الكلدانية بعضا من التوصيات أو القرارات والتي يبدو أنه لا يتقبلها بدليل ما جاء في أجوبته عن الاسئلة التي طُرحت عليه من قبل المذيع، والحالة النفسية القلقة الانفعالية التي تميز بها أثناء الحديث.
نظرتي العامة عن اللقاء:
 هو عبارة عن سؤال وجه من قبل المذيع الى البروفيسور افرام، حيث سأله: للمرة الثانية تبعث برسالة انتقاد على تصرفات البطريرك ساكو في ادارته للكنيسة الكلدانية، ما هو سبب هاتين الرسالتين؟ وقد بعثهما باللغتين الانكليزية والسورث معللا ذلك ان الاجيال الحالية ما عادت تفهم ما يراد بالسورث. وهذا تصريح خطير من نشطاء في الشؤون الاثنية لشعبنا لمن يتحسرون على بقاء اللغة واحيائها فهو يكشف ان لغة السورث ما عادت وسيلة مشتركة للاتصال الاجتماعي بين أبناء شعبنا لصعوبة استيعاب كلامه ورسالتيه اذا اكتفى بالسورث بدون اللجوء الى اللغات الاخرى.
من المظاهر الاخرى للمقابلة عدم الانسجام في الجواب بطريقة سلسة مفهومة وسياق موحد متسق، فيجد المتلقي الصعوبة في التعرف على ما هو الهدف الذي يرمي اليه من الرسالتين، اضافة الى تداخل كلمات لاكثر من لغة في الحوار، والشيء الذي أثار اندهاشي ان الكلمات التي استخدمها الرجل لا ترقى الى مسؤولية استاذ جامعي، فطالما قدم نفسه بدرجة بروفيسور فلا بد ان اجوبته ومبرراته تنسجم مع هذه الدرجة العلمية، وسيتبين ذلك ادناه .
أما عن الاعلامي، فتبدو ان طريقة طرحه للاسئلة هي تحريضية وتتماشى مع ما يهدف اليه الضيف، بدلا من ان يكون مستقلا ومحايداَ وموضوعياَ في طرحه للافكار. فتجلت تأثيرات الانتماء الايديولجي عند كل من الاعلامي وضيفه. أخيرا، يبدو ان ما بعثه الى غبطة البطريرك مار لويس هو رسالتان وعلى نفس السياق.
التعقيب
والان ساتناول تعقيبي على ما جاء في جواب البروفيسور المذكورعن السؤال الذي طرحه المذيع عن سبب الرسائل الموجهة للبطريرك مار لويس:
(سبب كتابتي الى غبطته، المرة الاولى قلت له أن الطريق الذي تنهجه، هو طريق يقود إلى الانحدار، ليس طريق المحبة والاتحاد والوئام، في المرة الاولى قلت له أنت اب روحي ولست اب دنيوي، فلا تهبط بدرجة كهنوتك الى شيء علماني، ولكن كما رايت، لم اجد أي تغيير في تصرفاته، وكأنما كل جهده ينصبّ، حول: كيف أنا اقيم اسما جديداَ وامة جديدة وبخاصة في بلد لغير بلد اشور).
يتضح من هذه العبارة، ان رد فعله بنصائحه هو انعكاس لما جاء في السينهودس من التوصيات والقرارات للحفاظ على الهوية الكلدانية !! ويأتي ويكرر هذه الكلمات في سياق حديثه ثانية، مما يربكنا في كيفية مسايرة الرد عليه، وعلى كل حال، ساتابع فقرة فقرة من حديثه.
 يقول (لم أجد أي تغيير في تصرفاته)
يبدو أن البروفيسور يعاني من الثقة المطلقة بالنفس، وهذه مسالة غير صحية من الناحية النفسية، بدليل أنه يتوقع وواثق لمجرد رسالتين موجهة الى شخص ومهما يكون من المكانة والمسؤوليات، وحتى أن كان طفلاً أو شاباً، أو جاهلاً أو متعلماَ سيغير من مواقفه وتصرفاته. في حين أن مسألة تغيير المواقف والاتجاهات نحو الظواهر والاحداث هي عملية صعبة جداَ وفقاً لاساسيات علم النفس الاجتماعي، وقد يحتاج الانسان الى تغييرات جذرية ومتابعة مستديمة ودراسة كل المتغيرات لغرض التمكن من زحزحة تفكيره أو موقفه بما هو مقتنع به. وهذه المسالة، اي التغيير تعتمد على ما يتميز به المقصود تغييره من صفات وراثية ومكتسبة، مثلا، الطفل من السهولة تغيير مواقفه، ونلقي صعوبة عند المراهق، وصعوبة عند كبار السن، بينما لا نلقيها عند الشباب، قد تلقي سهولة في تغييرها عند العلماني مقارنه برجل الدين، كما نلقي صعوبة في تغييرها لذوي الخلفية الريفية بينما من السهولة تغييرها عند الحضري. وكما أن مسالة التغيير تعتمد على طبيعة السلوك او الموقف الذي يُراد به التغيير، فتغيير العادات ايسر من التقاليد، والتقاليد أيسر من القيم الراسخة ومنها الدينية مثلا، وهكذا ولا مجال هنا لتفصيلها. والمفروض من بروفيسور في الجامعة أن يتقنها بشكل أو بآخر.
البطريرك ساكو أب روحي ودنيوي
أذا كان في وجهة نظركم ان رجل الدين هو أب روحي فقط، ففي تقديري هذه وجهة نظر قاصرة وصاحبها استاذ جامعي. لانها وجهة نظر لا تستوعب ربط دور رجل الدين بمتغيرات المجتمع وبنائه، لماذا؟
الاكليروسي بأية درجة كهنوتية هو عضو في المؤسسة، وفي نفس الوقت فهو فرد من أفراد المجتمع له ولمؤسسته تفاعل مستمر ديناميكي مع بقية المؤسسات الاخرى التي يتكون منها البناء الاجتماعي، مثل المؤسسة العائلية والسياسية والتربوية والاقتصادية. وهذه المؤسسات كانت في المجتمعات التقليدية متداخلة لايمكن تمييزها، الا انها أصبحت متميزة المعالم في المجتمع المتحضر المعاصر. ووفقاً لمعطيات واساسيات علم الاجتماع، لا يمكن للمؤسسة الاجتماعية أن تعيش منعزلة عن الاخريات والا فانها لا تدوم.
وكل مؤسسة تقدم وظيفة تتكامل مع بعضها لتلبية أحتياجات الافراد في المجتمع. وهذه الوظائف هي ثابتة على مر التاريخ، بينما يختلف الاسلوب في تنفيذها من زمن الى اخر وبحسب تأثير المتغيرات المستجدة، ففي الوقت الذي اندمجت المؤسسة الدينية تماما مع السياسية في الحضارات القديمة، الا انها تغيرت في اسلوبها وعلاقتها تدريجياً نحو الانفصال في القرون الوسطى مع بقاء التدخل المباشر للمؤسسة الدينية في مظاهر الحياة ولكن ليس كما كان في الحضارات القديمة. وبعد عصر التنوير وما تبعه انحسرت التدخلات الكنسية كمؤسسة في الشؤون الحياتية والسياسة واقتصرت على مباركة الاعمال والانشطة وابداء الاراء والنصائح اذا اقتضت الضرورة لفائدة المؤمنين.
ولما كان المجتمع البشري والعقلية البشرية متجهة في القرن العشرين نحو تقليص دور الدين في المجتمع، نرى مع أطلالة القرن الحادي والعشرين الانبثاق مجددا لدوره في المجتمع وباطرّاد كبير بحيث ادى هذا الدور الى نشوب حروب مدمرة، وكما يحدث في الشرق الاوسط واماكن اخرى من العالم نتيجة انبعاث النزعة الدينية مجددا في المجتمع البشري. (وهذه الحالة هي موضوع لدراسات أجتماعية الان)
وكان لشعبنا المسيحي بكل اثنياته في العراق نصيب كبير من تداعيات النعرة الدينية وما نتج عنها من اضطهادات وتهجير وقتل. والاحداث لا تزال واضحة المعالم للجميع. فماذا تريد من البطريرك مار ساكو يا ترى؟ هل يبقى في صومعته يصلي من أجلنا كما كان الرهبان يصلون في قلاياتهم في الماضي لعله ينجو أبناء القرية من الكوارث؟ أم نريده ان يصلي ومع الجميع ويشاركهم المآسي ويبذل جهوده من أجل تخليصهم منها وبشتى الطرق المتوفرة وبالاخص لو لم يكن هناك البديل، وكما جرى بوضوح بعد غزوة تنظيم الدولة الاسلامية لمدننا وقرانا، حيث اختفت معظم الاحزاب السياسية التي كانت تمثل شعبنا رسمياً ولم نر لها وجود للسعي لانقاذ الشعب، بل بادرت الكنيسة في بذل جهودها بمتابعة ومسؤولية غبطته من أجل المسيحيين في العراق.
دور البطريرك ساكو
ان دور البطريرك ساكو ليس دوراً هامشياً ليُستهان به، فهو يؤدي دوراً لم يكن بحسبان الكثير، فغبطته،لا يسعى، كما زعمت بقلة لياقة، لكي يكون وزيراً او رئيس دولة أو رئيس حزب، بل يدعو وبحسب المناسبة ومن اجل المؤمنين كل من له امكانية لانقاذ الشعب على المستوى الرسمي محلياً واقليمياً ودولياً، إنه يوصي السياسيين ولا يتدخل بشؤونهم، فهل مثلا قوله لدعوة السياسيين في العراق: نريد بناء دولة مدنية تعتمد القانون المدني وتحقيق السلام والاخوّة وقبول الاخر والتضامن ،هل هذا تدخلا بالسياسة؟ وهكذا يُصرح ويدعو الى مثل هذه الدعوات غيره من رؤساء الكنائس، فلا يتعرضون الى الانتقاد، بل يقتصر الانتقاد عليه! مما يدعونا، تناقضكم، الى القول: ان انتقادكم هذا هو تحت تاثيرات ايديولوجية تدفعك وكما تبيّن من اسلوب المذيع وهي ليست موضوعية.
  وهل تعد دعوته وتشجيعه وبل مساهمته في تأسيس رابطة كلدانية ثقافية اجتماعية تدخلا بالسياسة؟ واهدافها واضحة كل الوضوح هي لبناء وتعزيز وترسيخ الثقافة والهوية الكلدانية. وان كان جنابكم يدرك ان دعوته للاهتمام بالهوية والثقافة الكلدانية هي دعوة للتقسيم، فانك متوهم تماماً. فهناك العديد من المستويات الثقافية تؤكد عليه وتطالبه بأن يكون رائداً وراعياً للتراث والحفاظ على الهوية الكلدانية ومنهم اساتذة جامعيين في اوربا وغيرها. فالدعوة للحفاظ على هوية المؤمنين في الكنيسة ليست شأنا دنيوياً ولا تقتصر  على العلمانيين فقط، لأن رجل الدين هو جزء منها ويعيشها ويتطلب منه ممارسة عمله الديني في سياق تلك الثقافة.
البطريرك ساكو باحث
البطريرك ساكو في الوقت الذي هو رجل دين، فانه، باحثُ مثلك ومثل الاخرين، يدرس ويبحث ويطور خبرته ومعلوماته ومعرفته عن الظواهر الحياتية مما يؤدي الى تغيير مواقفه وأرائه عن تلك الظواهر وفقاً للمستجدات المعرفية. وهذه هي من أهم ميزات الباحث العلمي والا هل تريد أن يبقى الباحث متعصباً لرأيه، كما هو للأسف شأنك، ومنغلقاً ومتقوقعاً على ذاته؟ لو كان ذلك لما حصلنا أبدا على التقدم والتغير نحو الاحسن والافضل وبقينا كما هي قبائل الامازون وخط الاستواء على حالتهم يخافون من المرآة والنظر إليها! ارجو مراجعة امكاناتك ومواقفك العلمية من الاحداث والظواهر في مجال اختصاصك فهل هي تلك الافكار التي بدأت بها البحث العلمي؟ بالطبع كلا؟ فلابد هناك تغيير وتطور قد حصل في افكارك. وهذه الاساسية في البحث العلمي اذا لم يدركها القاريء والكاتب الاعتيادي، انما الاستاذ الجامعي مثل جنابكم حتما يدركها لانه يعيشها، فلا أستغراب بأن يغير في افكاره ومواقفه (البطريرك ساكو) حاله حال أي باحث آخر.
أيديولوجية الاصل والتسمية
وأما الايديولوجية المُشار اليها اعلاه والتي تدفعك لانتقاد البطريرك ساكو هي وكما تبين بوضوح عن الاصل والتسمية لشعبنا، وباختصار مقتضب سأوضح رأيي عن هذا الموضوع ،اذ أسهبت عنه بالتفصيل في كتابي الذي صدر في نهاية العام الماضي والموسوم (الكلدان والاشوريون والسريان وصراع التسمية، تحليل سوسيولوجي) بامكانك ان تحصل عليه من فرع الرابطة الكلدانية في اوربا، والا انا مستعد ان ابعثه اليك بريدياً. وبهذا الصدد أوضح الاتي :
البطريرك ساكو لا يُقيم اسماً أو امة جديدة ،لا على أرض آشور ولا على غيرها. غبطته يرى الواقع كما يلاحظ الباحث العلمي الواقع كما هو لا كما يجب، فهو يرى هناك ثلاث أثنيات هم، الكلدان والاشوريون والسريان يعيشون على الارض وينطلق من رعاية الاثنيات وفقاً لمفاهيمه الروحية كأب روحي وليس كسياسي مؤدلج وفق فلسفة حزبه. ففي الوقت الذي يرى هذا هو الواقع لشعبنا النهريني فغبطته لا يتدخل بشؤون الكنائس الاخرى للاثنيات الاخرى تكريساً للنظام وتوخي الفوضى، وفي المقابل لا يستوجب تدخل الاخرين بشؤون غيرهم الا من أجل التعاون والتضامن ضد من يتربص لابادتهم.
البطريرك يسعى لبناء البيت الكلداني
 ومن المنطلق أعلاه يتحرك البطريرك ساكو لبناء البيت الكلداني ويدعو الى تضامنهم أينما كانوا في البلد الام أو في بلدان الانتشار. فرأى من الضروري أيجاد أداة لتحقيق هذا الهدف، فجاءت فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية التي تخص فلسفتها التنظيمية في تحقيق أهداف متنوعة لبناء البيت الكلدان والحفاظ على الهوية الكلدانية اسوة بالاثنيات الاخرى من مسيحي الشرق أذ لكل منها منظماتها التي تدعو الى الحفاظ على الهوية الاثنية لها فما معنى الاعتراض على الكلدان فقط؟ وتأسست بمباركة سينهادوسية كنسية. ولماذا السينهودس هابط برايك، أ لانه يدافع عن هوية المؤمنين التي تستوجب الظروف الحالية لشعبنا ان تُقر من المسؤولين الروحانيين لانهم جزء من أثنيتهم ولهم الحق الدفاع وايجاد سبل الحفاظ على هويتها؟ في الوقت الذي تصف السينهودس هكذا، هناك من يصفه أكثر فاعلية وأجود سينهادوس في الكنيسة الكلدانية لانه في الظروف الحالكة التي تمر فيها الكنيسة مع المؤمنين، يأتي المجتمعون ليقرروا شؤون اثنيتهم والحفاظ عليها مع الاستمرار في واجباتهم الروحانية. فلا أعتراض من الاباء المجتمعين لانهم يناقشون ويقرون ديمقراطياً بحسب قناعتهم. وهذا بحدّ ذاته دحض لتساؤلك، وتثبيت من فمك لموقف البطريرك، والا هل لا تؤمن  بالديمقراطية؟
يقول (فيما يخص جنسي أنا آثوري)
  إن البطريرك أو غيره لا يُلزمك بأن تكون كلدانيًا او سريانيًا او عربيًا او اشوريًا او كورديًا او فرنسيًا. فالانتماء الاثني لا يُقر بقانون أو سلطة ما أو فرض على الفرد، بل الانتماء الاثني هو حصيلة وراثة أجتماعية بسبب التنشئة الاجتماعية التي يخضع اليها الفرد منذ نعومة أظافره، وهي متفاعلة مع دافع الانتماء في النفس البشرية. فالشعور بالانتماء الاثني هو جزء من العمليات العقلية، يساعدنا في فهم ذاتنا وما يحيط بنا، أي أدراك الفرد لذاته، بمعنى آخر وعي الذات لذاتها وما من حولها، فيدرك الفرد أنه كائن أجتماعي له عواطفه وانفعالاته وتفكيره، فالنفس البشرية تتفاعل من خلال المؤثرات الخارجية مع ما هو موجود داخل الذات، ذلك من خلال مظاهر الشعور المتمثلة بالادراك المباشروالاثر المركزي للتنبيه الحسي مع القدرة على الاختيار وثم أختيار علاقة المدرك في العالم الخارجي وقدرته على التاثير فيه. وانطلاقاً من هذه المظاهريدرك الفرد وجود من يحيط به من الاخرين الذين يتميزون أو يتشابهون بنفس الخصائص الاجتماعية والنفسية واللغوية والثقافية الاخرى كما ادرك ذاته، فينجذب للانتماء الى تلك المجموعة البشرية تحت مُسمى واحد لوجود المشتركات بين افراد تلك المجموعة، وهكذا يكون لكل فرد نفس الشعور والادراك، فيتحول الشعور الفردي الى الشعور الجماعي، ومن هنا ينشأ الانتماء الفردي. أو أي انتماء آخر وليس بالفرض قانوناً أو من مؤرخ أو باحث، وهذه العملية الاجتماعية تمر بمراحل متعددة الى ان تترسخ المشاعر الانتمائية في ذهن الفرد، (لايمكن تفصيلها هنا).ومن هذه النظرة التحليلية السوسيولوجية ارى اليوم وجود ثلاث مجاميع بشرية، لكل مجموعة مشاعر انتمائية مشتركة بين افرادها هم الكلدان والاشوريون والسريان. فلا يحق لي اولا او لك او للبطريرك او اي كان أن يفرض عليك او على غيرنا مشاعرنا الانتمائية الاثنية. فما أقره المجتمعون هو لمن يشعر بالانتماء الاثني للهوية الكلدانية ولا يخص او يُلزم الاخرين به. فاذن كما انك مقتنع بانتمائك الاشوري فهناك من هو مقتنع بأنتمائه السرياني أو الكلداني أو العربي أو الكوردي من المسيحيين في الشرق الاوسط.
وستسأل حتماً كيف أنا آشوري ومنتمي الى الكنيسة الكلدانية وكما ظهر في لقائك؟
تقول انا مؤرخ، فهل فاتك بأن الكنيسة الشرقية انتمى اليها مجموعات بشرية مختلفة أثنياً، من العرب والكورد والفرس والتركمان والافغان والهنود والكلدان والاشوريين والسريان؟ فالكنيسة هي أممية جامعة وليست قومية او اثنية، فاذا تقوقعت على أثنية معينة، فتخالف المبادىء المسيحية بالطبع. والمشكلة هنا هي تسميات اثنية لكنائسنا المنشطرة من الكنيسة الشرقية بعد تعدد انتماءاتها المذهبية. كانما الكنيسة الكلدانية تخص الكلدان فقط، والاشورية تخص الاشوريين فقط والسريان تخص السريان فقط. وهذا خطأ تاريخي في التسمية الاثنية للكنائس، فحقها في حمل تسمية اثنية يبقيها، وضمن رسالتها الانجيلية، منفتحة إلى احتضان الاثنيات الاخرى ولكن مع هذا الاعتبار التسموي للكنائس فهل هناك مانع غدا لو انتمى أحد الاكراد أو العرب المسلمين او بوذيا للكنيسة الاشورية أو الكلدانية نقول له لايجوز لانك لست اشوري او كلداني! بالطبع لا يمكنها -الكنيسة- النفي لانها ستخالف وصية الرب. وفعلا هذا ما حدث هنا في كندا وقد انضم من الفرس والعرب والكورد المهاجرين الى الكنيسة الكلدانية ولم تمنعهم وبمعرفتي الشخصية.
أليس الان من الهنود ضمن الكنيسة الاشورية ومنهم اساقفة وكهنة؟ فهل هم آشوريون؟ وهل الهنود من الكنيسة السريانية في الهند هم سريان؟ وماذا عن عرب مدينة مأدبة في الاردن الذين كانوا في الماضي القريب ضمن الكنيسة الكلدانية كما وضح لي الاب حنا الكلداني اثناء وجودي في الاردن، هل هم كلدان؟ فاذن ما المانع الان ان يكون جنابكم أو من يشعر بالانتماء الاثني الاشوري أو السرياني ضمن الكنيسة الكلدانية أو بالعكس؟
التشبث بما قاله البطريرك بيداويد
ومن هذا المنطلق أيضاً أقول خطأ من يتشبث بما قاله البطريرك مار روفائيل بيداويد: أنا اشوري، فما هو المانع أن يكون اشوري اذا كان فعلا مقتنعاً بذلك الانتماء، ولو أنه اطلقها لترسيخ مفاهيم التقارب والالتقاء في فترة كان عضوا في لجنة الحوار بين الكنيسة الاشورية والفاتيكان، ومن جهة اخرى هل نسيتم أن هناك عدة بطاركة في سلسلة بطاركة الكنيسة المشرقية من المغول والعرب والفرس، ارجو أن تبحث عنهم. قد يكون لنا في المستقبل ايضا بطريرك من اصول كوردية او عربية او فارسية فما المانع؟ أضافة الى أن رأي البطريرك بيداويذ هو شخصي لانه غير ملم بالتاريخ اذ اختصاصه اللاهوت فقط وما علاقة اللاهوت بالاثنية؟ ولماذا لا تعد تصريحه تدخلا بالسياسة بينما تعد تصريح السينهودس بأكمله وما يقوم به البطريرك ساكو تدخلا بالسياسة؟ أليس هذا تناقض لديكما انت والاعلامي؟
المسائل الروحية والاثنية
عندما يقر السينهودس الكلداني مسائل تخص الثقافة الكلدانية والهوية الكلدانية أو تأسيس تنظيم مثل الرابطة يهتم بترسيخها تخص من يشعر بانتمائه الاثني الكلداني ممن هو ضمن الكنيسة الكلدانية، أما اذا اقر السينهودس مسائل تخص الروحانيات مثل الطقس أو ما يرتبط باسرار الكنيسة والمعتقدات فهي تخص وتشمل كل من هو ضمن الكنيسة الكلدانية بغض النظر عن انتمائه الاثني. فلا اعتقد أن هناك مشكلة في انتمائك الى الكنيسة الكلدانية وانت اشوري في مشاعرك الانتمائية. وهكذا لو كان أحد عربيًا كما في ابرشية لبنان أو كورديًا. فالرابطة هنا لا تخصك بل تخص من له مشاعر انتمائية كلدانية اثنياً، أما الاخويات الكنسية الروحية فهي تخصك لانها تشمل كل من هو ضمن الكنيسة الكلدانية، فهو حر في الانتماء اليها من عدمه. وهذا لايمنع أيضا أن تكون ابن اشور شئنا أم أبينا  كما ذكرت في لقائك، ولا يمكن ان تمنع أحدًا ان يكون كلدانياً شئت أم أبيت لانه هكذا عرف نفسه منذ نعومة أظافره. وهنا يمكن القول :أن قولك (شعبنا كان يفهم أن هذا المزج والمزاوجة بين الاسمين اي كلدان آشوريين، يفهم منها الجانب الديني كلداني والجانب الاثني او القومي آشوري) هذا خطأ تاريخي في عقلية من يفهمها كذلك، ببساطة ليس هناك مذهب ديني بتسمية كلدانية بل المذاهب المسيحية معروفة وذكرتها جنابكم في لقائك فهم الكاثوليك والارثوذكس، وجماعات الاصلاح من بروتستانيتة، أنكليكانية وسائر أنواعها واتباع الكنيسة المشرقية التي عُرفت بالنسطورية خطأً. فالتصحيح يكون: يفهمون انهم اشوريون ضمن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. لان التسميات الكنسية الاثنية مصطنعة سواءًا الكلدانية او الاشورية او السريانية او الارمنية وغيرها، فالتسمية الكلدانية للكنيسة سنة 1445 لقبول "نساطرة" قبرص في المذهب الكاثوليكي وهم أقروا بتسميتهم بالكلدان، يمكنك مراجعة الوثيقة الاصلية نفسها على رفوف الفاتيكان، وقد سميت الكنيسة المنشطرة من كنيسة المشرق بالكنيسة الاشورية عام 1968 في بغداد، واستحدثت تسمية كنيسة انطاكيا بالكنيسة السريانية بعد دخول قسم من اتباعها في الكاثوليكية بسبب الارساليات التبشيرية. ففي ضوء ما سبق لم يقسم البطريرك مار لويس مؤمني الكنيسة الى اثنيتين او قوميتين كما ذكرت في لقائك، اذا هذا هو الواقع بعينه. أي أنها متعددة الاثنيات كما هي الكنائس الاخرى ومنها الاشورية نفسها. كما أن أدعاؤك التحريضي ،أن البطريرك ساكو قال في فرنسا( نحن كنيسة كلدانية ومن لا يريد أنا ألقيه خارجاً) أنا على يقين لم يصدر هكذا كلام من غبطته وهو مسؤول لكنيسة كبيرة، بل حُور، فما هو مقصود به من غبطته لا يمكن تغيير أسم الكنيسة أثنياً ولا أحد يفرض علينا أن يكون أسماً مزدوجاً – الكنيسة الكلدوأشورية - والشعب الكلدواشوري وأكد أنه هذا غير مقبول، مما يدل انك حورت الفكرة بالاتجاه الذي تريده.
ويقول : (لي 30 سنة منهمك وداخل في الدراسات بعمق وعليه اعرف تاريخنا)
لاتظن انك لوحدك درست وتعمقت في الدراسات لمدة 30 سنة، وبحسب قولك مؤرخا وانا عرفت من استفساراتي وما جاء في هويتك الاختصاصية انك مختص في اللغة الارامية والعبرية وهذا لا يعني انك مؤرخ كما هو المؤرخ المختص فدراسة الشعوب القديمة لا تقتصر على اختصاص اللغة بل الى التاريخ والانثروبولوجية وعلم الاجتماع وعلم النفس لكي تحصل صورة شمولية ودقيقة عن الحالة الشعورية والاجتماعية والثقافية لهم. وعجبي انك تخلط انتماءك السياسي بتخصصك العلمي، فهناك العديد من أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث هم على حالك وأكثر وقد يكون أفضل أو أقل، فهم درسوا وتعمقوا في التاريخ ودرسوه ودرَسوه لطلبتهم واختلفوا مع معطياتك الدراسية، لانك تريد أن تقول نحن ( اثنية او قومية اشورية بمذاهب دينية مختلفة). لا استطيع أيضاً التفصيل بهذا الموضوع هنا وعليه ثانية ادعوك إلى مراجعة كتابي الاخير المذكور اعلاه ففيه خلاصة وزبدة أفكاري أيضا عن موضوع التسمية، وانا أدرس وأدرَس علم الاجتماع والانثروبولوجية وفروعهما وقد الفت واجريت عدة بحوث لاكثر من ثلاثين سنة أيضاً، توصلت الى ما يأتي:
اننا الاثنيات الثلاث، الكلدان والاشوريين والسريان ترجع اصولهم الى القبائل  البشرية النهرينية التي عاشت على ارض بلاد النهرين بشقيها بابل واشور وتصارعت بينها بحكم النظام القبلي السائد انذاك تمجيدا للملك واستحواذا للموارد ولم يكن بحسب النظريات الانثروبولوجية في تلك الازمان ما يعرف اليوم مشاعر الانتماء الاثني او القومي المستحدث من قبل السياسيين، بل الانتماء كان للالهة وتمجيد الملوك. ولم أر أية لقى أثرية أو حولية ملكية قد كُتب عليها القومية الاشورية او الكلدانية او السريانية او غيرها. وامتزجت دماء هؤلاء عرقياً واختلطت ثقافتهم الحضارية بكل أبعادها سواء بينهم أو مع القبائل الغازية من مناطق اخرى خارج بلاد النهرين، بدءًا بالفراتيين الاوائل والسومريين والاكديين والكوتيين والاموريين والحثيين والكشيين والحوريين والاشوريين والكلدانيين والاراميين والفرس والسلوقيين والفرثيين والساسانيين والعرب والمغول التتار والصفويين والعثمانيين. وانتشروا على ارض بلاد النهرين بحكم عوامل الحرب والهجرة والاضطهادات فلم يخلو عصر من العصور التاريخية من حركة ديمغرافية جغرافية لهذه الاثنيات صعودا ونزولا على ارض بلاد النهرين. فارجو بهذا الصدد مراجعة كتاب "اودد بوستيناي" الموسوم (نفي وترحيل الجماعي في الامبراطورية الاشورية الحديثة) المنشور عام 1979 وستلاحظ كم من المجاميع البشرية جاء بهم ملوك الاشوريين في حروبهم واسكنوهم على ارض اشور ومن ضمنهم الكلدان من بلاد بابل وباعداد هائلة، ومكثوا فيها، وارجو ان لا تقول لي قد عادوا، هؤلاء، كما يقول بعض محدودي النظرة التحليلية مثلما رجع بعض من اليهود الى ارض الميعاد، فرجوعهم هو لارتباطهم بعقيدة الهية هي ارض الميعاد اما الكلدان وغيرهم ليس لديهم في السابق هكذا عقيدة بالاضافة ان ظروف الاسر واحكامه لم تكن كما هي اليوم. وجنابك مؤرخ وتعرف كم ساهمت الحروب بعد الغزو الاسلامي والى يومنا هذا في تهجير ابناء شعبنا وملاحقتهم على ارض بلاد النهرين فاختاروا الاراضي الطبيعية التي كانت تحميهم من الظلم والقتل. وهكذا وفقا لاسساسيات نظرية الاقتباس الحضاري والتلاقح البايولوجي والثقافي الحضاري أمتزجت دماؤهم عرقياً واختلطت لغتهم وثقافتهم بمختلف عناصرها بحيث أصبح من الصعوبة التمييز بينهم عرقياً وأثنياً . وبعد دخولهم المسيحية تلاشت تسمياتهم الاثنية الى ان ظهرت النزعات والانفصالات المذهبية فعادت الى السطح ثانية ورسختها الاحزاب السياسية في عصرنا.
الاعتماد على المؤرخين
اعتمادك على المؤرخين لمعرفة الاصول الحضارية وما جرى ثقافياً واجتماعياً للشعوب القديمة التي عاشت على ارض بلاد النهرين يكون قاصراً ما لم تعتمد على مفاهيم ودراسات علوم الاجتماع والانثروبولوجية والنفس واللغة، فهي بتكاملها ستعطيك النتيجة الافضل عن دراسة الظاهرة تاريخياً وحاضرا. ولا تعول على كل من يكتب التاريخ فالعديد وحتى الاكادميين يكتبون تحت تاثيرات ايديولوجية سياسية وعاطفية انتمائية وتحت تاثير السياسات القائمة، كما أعتقد هو شأنك، والحديث هنا ايضا طويل عن هذا الموضوع فاكتفي لك بمثال واحد فقط وهو:
لابد قد سمعت عن الاثاري العراقي المعروف بهنام ابو الصوف الذي حفر باصابعه العلمية كل تلول بلاد النهرين شمالا وجنوبا، وكيف كان في ظل النظام البعثي السابق يقول في مقدمة كتبه ان العراق بلد العرب ومركزهم وهم وريثي بابل واشور، وثم بعد سقوط النظام يأتي احد الاعلاميين الاشوريين ويحاوره عن التسمية فيقول لا قومية ولا شعب غير الاشورية اي كلنا اشوريين، وبعد فترة ياتي احد الاعلاميين السريان ليحاوره ويقول: كذب من يقول نحن لسنا كلنا اراميين، لكي يقول الان نحن سريان! أ ليست عجيبة من أكاديمي مرموق يصرح هكذا اعلاميا؟ وهناك العديد من الامثلة لهكذا كتاب وأكادميين وعند الجميع عرباً وكوردا وكلدانا واشوريا وسريانا. فماذا تتوقع من مسؤول لحزب كلداني او اشوري او سرياني ما الذي سيستنتج لو كتب كتاباً عن هذا الموضوع، هل بامكانه ان يكون موضوعياً ام سيحرر كتابه وفقاً لفلسفة حزبه؟ وأخيرا عن هذا الصدد ما رايك اخي البروفيسور بعبارة اقتبستها من كتاب كُتب بلغة الام من قبل "كورش يعقوب شليمون وترجمه الى العربية وليم ميخائل في شيكاغو الامريكية عام 1995) وكورش هذا كان قد تخرج من اعدادية في اورميا وكانت خاصة بالارساليات التبشيرية  وانتمى الى الجيش الاورمي وترقى الى رتبة ملازم أول، كتب كتيب بعنوان"تاريخ الاشوريين منذ بداية القرن العشرين وخاصة في فترة الحربين العالميتين" وهو شاهد ميداني للاحداث التي جرت حيث عاشها بنفسه، فيذكر في كتابه في الفصل الاول عن التسمية ص 13 (في فترة الحرب العالمية الاولى اتى الى اورميا بعض اخواننا الاشوريين من ايروانا احدهم كان معروفاً ومثقفاً عُرف بأسم الدكتور فريدون اتوريا، أنا أذكربدقة هذا الدكتورمع الاستاذ بنيامين ارسانس وزملاء لهم بدأوا بتداول وشرح الاسم الاشوري لاول مرة "تمعن لاول مرة" .في البداية بدأ غريباً والكثير لم يقبلوا الاسم برحابة "تمعن لم يقبلوا" بمرور الوقت بدأ الاسم بالانتشار الى يومنا هذا) انتهى الاقتباس، أي مؤرخ نصدق جنابك البروفيسور هذا الشاهد والمثقف في زمانه أم غيره؟ فالمؤرحون لا يعوّل عليهم.
أذن
 غبطة البطريرك ساكو، لم يقسم ، ولم ولن يُلزم أحداً في فرض تسمية أثنية معينة عليه، ولا يقوم بمشروع تخريبي، ولا يعلمك ما هي هويتك بل انت تشعر بها وتعرفها بنفسك، وليس هادماً، وليس عدوا لاثنيتك. ولا يعمل شيئاً يؤدي الى السقوط والتباعد.
أما تعتمد على ما قيل في فرنسا او في ايران فهذا الاسلوب ليس لاستاذ جامعي، فالباحث لا يعتمد على القيل والقال دون دليل ووقائع.
وحديثك هو التقسيمي، وهو بما يزرعه من بلبلة هو الذي يبعد الشباب عن الكنيسة وليس البطريرك...
نعم ابناؤنا اليوم بانفسهم سيكتشفون من هم هوياتياً والعائلة هي المسؤولة عن ترسيخها وتنميتها ذهنياً
  تمنياتي لك بالموفقية واحترم لديك انتماءك الاشوري، على ان لا ينتقص لطفا مما يعيشه الاخرون من  انتماء...             
____________________________________________________________
ملاحظة
* البروفيسور "افرام يلدز" التدريسي في جامعة "سلامنكا" الاسبانية، في لقاء أجراه معه مذيع سياسي أشوري، في تلفزيون آشوري Assyria TV بتاريخ 22/11/2017  وجاء اللقاء في أعقاب رسالة ذم وانتقاد بعث بها افرام يلدز الى البطريرك ساكو، مبينا معارضته على معطيات صدرت عن السينودس الكلداني الاخير المنعقد في روما بتاريخ 4-8 اوكتوبر 2017

53
                      الغموض في تفسير المفاهيم والتطبيقات النظرية
                     في مقالتين للكاتب " أبرم شبيرا" الجزء الثاني والاخير
 د. عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                 في المقال الثاني الموسوم( مائة عام 1917 – 2017 من أستقرار الوجود الاشوري في المهجر الجمعية الاشورية في شيكاغو) والمنشور في موقع عينكاوا في 10/10/2017 ،- وبهذه المناسبة أقدم أزكى التهاني والتبريكات للجمعية الاشورية الامريكية في شيكاغو متمنياَ لها الازدهار والتقدم والعطاء لتحقيق أهدافها لخدمة الشعب الاشوري في عموم المهجر وتكون سندأَ بمن هم في داخل الوطن - أنطلق الاستاذ "ابرم شبيرا" مؤكداَ لتحليله أهمية وجود الجمعيات والاندية والنشاطات في المجتمع من بعض المفاهيم الاساسية والتطبيقات النظرية في علم الاجتماع. والمفاهيم المستخدمة هنا هي الاخرى كما في المقال السابق يكتنفها الغموض وعدم الدقة أيضاَ، وبل منها غير مستعملة في أساسيات وكتابات الباحثين الاجتماعين. وعليه سأوضح الاتي:
حاول " شبيرا"اختبار الفرضية التي اكدها( بيان أهمية وجود مؤسسات وجمعيات واحزاب سياسية ومنظمات قومية في مجتمعنا كدليل على وجود أمتنا واستمرارها). بدون شك هناك دور كبير لهذه الجمعيات لاحياء وتحفيز الروح الانتمائية الاثنية لاية جماعة بشرية، ولهذا نؤكد أن الاشوريين هم المبادرين في تأسيس منذ عقود طويلة لمثل هذه المؤسسات الثقافية التي ساعدت على تنمية الروح الانتمائية للاثنية الاشورية في كل مكان. والاشكالية في ما ذهب اليه الكاتب هي في استخدام اساسيات علم الاجتماع ومفاهيمه لتفسير هذه الظاهرة، وهي محاولة جديرة بالاهتمام، وانما تعثر في اسلوب الربط وتفسير المفاهيم وأهم تلك العثرات هي :
ذكر ،(يستوجب في نشوء المجتمع وجود علاقات أجتماعية تنشأ بين الافراد من جراء التعامل بينهم والتي تعرف هذه العملية " التفاعل الاجتماعي ").
لكي ينشأ المجتمع الذي هو ببساطة مجموعة من الافراد، أن تتوفر المقومات المكملة للتفاعل الاجتماعي، حيث ان هذا التفاعل لا يمكن أن يحدث في الفراغ ، فلابد من الارض ، الثروة ، الافراد ، القابلية للتطور من خلال القابلية للتكيف الايكولوجي الاجتماعي والطبيعي، والتنظيم، والشعور بالانتماء الذي هوالاهم، فلا وجود للعلاقات الاجتماعية الا في ظل وجود هذه المقومات. وهنا أوحى الكاتب للقارىء أن عملية نشأة المجتمع تقتصر على وجود التفاعل الاجتماعي وأنها الوحيدة المسؤولة عن نشوء المجتمع. فهي عملية ناقصة وغامضة ما لم يبين الى جانبها المقومات الاخرى لكي يؤدي التفاعل الاجتماعي وظيفته. فما فائدة التفاعل الاجتماعي اذا لم يكن للمجتمع القابلية للتكيف الايكولوجي مع الطبيعةأو البيئة الاجتماعية والتطور؟ أو كيف يحدث التفاعل بانتظام ما لم يكون هناك تنظيم حياتي في المجتمع سواء عن طريق القيم والاعراف كما في المجتمعات التقليدية او القوانين الوضعية في المجتمعات الحديثة، فمهام التنظيم متعددة في المجتمع واهمها عندما يتعرض الى الاعتداء فلا بد من لوائح عرفية او قانونية تنظم عملية الدفاع او الحماية. ويكمل عن التفاعل الاجتماعي قوله:
( عملية التفاعل الاجتماعي هدفها تحقيق الصالح العام).
من مراجعة ما كتبه علماء الاجتماع عن عملية التفاعل الاجتماعي ،يتبين بوضوح ،لو اقتصرنا على فهمنا لعملية التفاعل الاجتماعي على أنه يحقق الصالح العام فقط لوقعنا بخطأ كبير جداَ .فالتفاعل الاجتماعي من العمليات الاجتماعية المهمة التي لابد من وجودها في المجتمع لكي يتمكن الاستمرار والتواصل في العيش. وما هو جدير بالذكر ان العمليات الاجتماعية الاساسية في كل مجتمع هي: التقليد الاجتماعي، التكيف الاجتماعي، الصراع الاجتماعي ، التعاون الاجتماعي ، التنافس الاجتماعي ، التمثيل الاجتماعي، والتنشئة الاجتماعية. وهذه العمليات مجتمعة تعمل لديمومة المجتمع. – كثيرا ما تُفسر هذه العمليات من قبل غير الاختصاصيين في علم الاجتماع وعلم النفس والانثروبولوجية بصورة خاطئة أو غامضة وبالاخص من قبل الكُتاب الهواة-  .
التفاعل الاجتماعي من العمليات الاساسية في المجتمع تحدث بين الافراد عن طريق نسق من العلاقات الاجتماعية ،أو قد تحدث بين الجماعات المؤسساتية التي يتكون منها ، كما يحصل التفاعل بين المجتمعات البشرية على أنواعها، والهدف منه تحقيق الحاجات التي تقر ديمومة المجتمع أو الفرد للتواصل في الحياة الاجتماعية ،والتفاعل الاجتماعي على أنواع منها: التفاعل الاجتماعي الايجابي الذي يحقق الحاجات والمصالح العامة للافراد المتفاعلين ، ويقابله التفاعل الاجتماعي السلبي الذي يؤثر في الانساق الاجتماعية للمجتمع ويؤثر سلباَ على الافراد المتفاعلين ،أو يحقق مصالح ذاتية لاحد الطرفين، ففعل الجريمة هو عبارة عن تفاعل اجتماعي  بين الجاني والمجني عليه ،انما سلبي له اثاره على المتفاعلين .النظام السياسي الدكتاتوري في المجتمع يتفاعل مع افراد المجتمع ،انما معظم تفاعلاته الاجتماعية تكون سلبية ذات آثار سلبية على الطرف الثاني. وهناك أمثلة  متعددة على التفاعل الاجتماعي السلبي. وعليه فأن عملية التفاعل الاجتماعي لا تحقق الصالح العام للمجتمع أو المتفاعلين على الدوام.
 وهناك تصنيفات اخرى للتفاعل ،التفاعل الرسمي الذي يحدث في اطار المؤسسات الرسمية التي تنظم التفاعل فيها عن طريق اللوائح القانونية ويقابله التفاعل غير الرسمي وهو الذي يحدث في المؤسسات الاجتماعية غير الرسمية مثل الاسرة .وهناك تصنيف اخر، التفاعل المباشر الذي يحدث وجهاَ لوجه بين الافراد ، والتفاعل غير المباشر الذي يحدث بين الاعلاميين والمتلقين أو بين افراد المؤسسات الرسمية عن طريق المكاتبات التحريرية.
مفهوما " الجماعة البسيطة والجماعة المركية"
                   ورد في تحليل الكاتب وربط الموضوع بالمفاهيم مصطلحين غريبين لا ارى أثر لوجودهما بين مفاهيم علم الاجتماع الذي انطلق منه  في تفسير الظاهرة ، ولا علم لي عن تلك المصادر التي اعتمدها الموقر " شبيرا" ليأتي بهما. ان البساطة هي صفة أو خاصية من خواص الجماعة الاولية. فالباحثون الاجتماعيون يستخدمون في دراساتهم التصنيف الذي جاء به عالم الاجتماع الامريكي " جارلس كولي " المتوفي 1926 .حيث صنف الجماعات الى : الجماعة الاولية  وتسمى ايضا " الجماعة المرجعية" وهي تتميز بعلاقات مباشرة بين الافراد تنظمها القيم والاعراف المتوارثة اجتماعياَ ، وتحدد الادوار والمكانات الاجتماعية بالتوارث الاجتماعي ايضاَ .ولا تعتمد على الرموز الادارية للتعرف على أعضائها ،لايهدف العضو فيها تحقيق مصلحة ذاتية ، وتتميز بالتعاون، ولا أثر للتنافس فيها ، وجودها هو لتحقيق وظائف متعددة لاعضائها ومنها النفسية والبايولوجية والاقتصادية والاجتماعية. ولعل ابرز الامثلة للجماعة الاولية ، الاسرة، الجماعة القرابية، الصداقة. الجيرة .ويقابلها الجماعة الثانوية، وتتميز بالعلاقات الاجتماعية الرسمية بين أعضائها تحددها تعليمات ولوائح قانونية لا يتمكن الخروج عن أطارها المحدد .واي انزلاق سوف يُفصل منها، ويُعرف اعضائها برموز ادارية ولوائح مكتوبة، يجري التفاعل الاجتماعي فيها بشكل مباشر وغير مباشر ولكن بحسب التعليمات، أي لا يمكننا التفاعل مع المدير العام في مؤسسة ما الا بأذن رسمي سابق. تحدد القابليات والكفاءات والمهارات الفردية مكانة الفرد ودوره في الجماعة، يسعى الفرد تحقيق مصالحه الشخصية من خلال وجوده ضمن الجماعة الثانوية. وتستند الحياة  في جوهرها التفاعلي على الارادة العقلية واساس الرغبة، ويرتبط وجود هذه الجماعة في المدينة وظاهرة التحضر لتميزها بأعلى درجات الفردية والتفرد والتنظيمات الرسمية والقوانين والتباين الاجتماعي والاقتصادي.
ويأتي ضمن سياق التفاعلي والخواص للجماعة الثانوية، الجمعيات والنوادي في المجتمعات المتحضرة حيث يُبنى وجودها على لوائح قانونية تنظم العلاقة والتفاعل الاجتماعي بين أعضائها بحسب انظمتها الداخلية، واية مخالفة للقواعد التنظيمية سينال العضو فيها الجزاء أو الطرد، وليست فعالياتها وانشطتها عفوية وتلقائية كما في الاسرة، بل تستند على اللوائح المكتوبة، وتوزع الادوار والمكانات الاجتماعية بحسب الكفاءة والمهارة والقابلية بين أعضائها. واذا قصد الكاتب بأن هذه الجماعات أي الجمعيات والنوادي انها بسيطة فهذا خطأ، فهي معقدة في تفاصيلها. وترتبط بالمجتمع ذات العلاقات العضوية عكس الاسرة أو الجماعة الاولية التي ترتبط بالمجتمع ذات العلاقات الميكانيكية التلقائية.
وبعض الباحثين الاجتماعيين يستخدمون تصنيف، الجماعة الرسمية وغير الرسمية للدلالة على الجماعة الثانوية والاولية. وهنك تصنيف الجماعة الدائمة، مثل الاسرة ومؤسسات رسمية لا يمكن الاستغناء عنها والطارئة أو المؤقتة، مثل جماعة الاصدقاء التي قد تتلاشى بعد فترة معينة. ومما هو جدير بالذكر ان مجموعة الافراد في تجمع طارىء أو تظاهرة تأييد أو أحتجاج يتميز تفاعل الافراد فيه لا شعورياَ بحيث يفكر الجميع بعقلية واحدة يسمى " العقل الجمعي" وهي تكون طارئة ومؤقتة يجتمع الافراد لغرض معين في زمان ومكان معيينن ولهم هدف واحد فيتصرفون بعقل واحد كانما هم شخص واحد. مثل هكذا تجمع لا يتميز بخصائص أي نوع من الجماعات المذكورة آنفاَ وعليه لا يعد جماعة.
التعاون والتنافس
 جاء في مقال " شبيرا" ربط غير واضح ،وبالاحرى لا علاقة له بما سماه ( الجماعة البسيطة والمركبة)لعمليتين أجتماعيتين مهمتين هما التعاون والتنافس .فأعتبر ،(كلما تتنازل الجماعة البسيطة عن مصالحها الخاصة يميل ذلك الى التعاون ،واذا تمسكت بمصالحها الخاصة وقل أستعدادها للتنازل فتختل قاعدة التعاون لصالح التنافس ،فتزداد روح الانانية ونزعات التمسك بالمصالح الخاصة ،وثم يتعرض وجود المجتمع الى التفكك وأهتزاز هويته وبالتالي صعوبة تحقيق المصلحة العامة)كلام غير واضح أبداَ ولا معنى علمي له سوسيولوجياَ.
التعاون والتنافس عمليتان أيجابيتان قائمتان في المجتمع لا ضرر لوجودهما في أي شكل من اشكال المجتمع أو الجماعة البشرية. فالتعاون ببساطة عملية أجتماعية يتفاعل الافراد بينهم لتقديم المساعدة للاخر الذي يفتقد الى حاجة حياتية مهمة لكي يتواصل في الحياة.وهذه العملية قائمة في المجتمعات التقليدية بشكل واضح جداَ فأساسها مبني على التعاون والتضامن الاجتماعيين في كل مرافق الحياة الاجتماعية .وهكذا التعاون ظاهر في المجتمعات المتحضرة سواء على مستوى الافراد أو وكالات أجتماعية خاصة لهذا الغرض توفر وتقدم الحاجة التي يفقدها المحتاج من افراد المجتمع .
وأما التنافس فهو عملية أجتماعية ايجابية يسعى المتفاعلين الى التسابق في تحقيق الاهداف بانعدام التصادم بينهما، وعليه لا نتوقع الاصابة بأي نوع من الاذى لاحد الطرفين. وهذه العملية هي عنوان المجتمعات الصناعية المتحضرة بوضوح، فلو لا التنافس لما أستطاعت في هذا البحر الكبير من الاعمال التجارية والصناعية والخدمية ان تحقق اهداف المجتمع الحضري فهو ايجابي لتواصل الحياة الاجتماعية .ولا( يؤدي الى التفكك وأهتزاز الهوية وبالتالي صعوبة تحقيق المصلحة العامة )– كما ذكر الكاتب-. بالعكس فهو عامل الابداع وتحسين النوعية وتوفير الارخص والاجود من متطلبات الافراد.
 والتنافس سواء كان أقتصادياَ أو سياسياَ أو في أي مجال من الميادين والانشطة المجتمعية هو عملية توفير الانسب والاصلح والأكثر كفاءةَ والانجاز السليم والمطلوب من قبل افراد المجتمع، فحالة التنافس بين الاحزاب السياسية مثلا حالة سليمة تفرزنا الحزب الافضل والاصلح، والتنافس بين الاندية سيفرزنا الانسب والاصلح لتحقيق أهداف المنتمين اليها، وهكذا في المجالات الاخرى، ولا علاقة التنافس بالانانية ، فالانانية لها عواملها الاخرى في المجتمع المتحضر، ومن خصائصها، الفرد الاناني لا يرغب الا تحقيق مصالحه الذاتية دون الاهتمام بالمقابل وقد يكون سلوكه الاناني سلبي على الاخرين، اما التنافس فهو طريقة كسب المصالح الذاتية وفي نفس الوقت استفادة الاخرين من جراء حدوثها. فأين التفكك ياترى؟!!.
بينما في المجتمعات التقليدية وفي الجماعات الاولية مثل الاسرة او القرية او العشيرة فطالما تتميز بالتوارث الاجتماعي للادوار والمكانات الاجتماعية وفي ضوء ما ذكرنا اعلاه من الخصائص، فلا أثر كبير لعملية التنافس بين أعضائها. فكل شيء محدد للفرد قبل مجيئه الى الحياة فمثلا دور المرأة واضح ودور شيخ العشيرة واضح.
التفسير البديل لظاهرة وجود الجمعيات والنوادي
                                    الطريقة التي أستعان بها الكاتب في تحليل ظهور النوادي والجمعيات في المجتمع وربطها بمفاهيم وتنظير علم الاجتماع كانت غير موفقة . ومن حُسن الصدف كان هذا الموضوع فقرة مهمة من فقرات  اطروحتي الدكتوارة لدراستي التحضر في مدينة الموصل ،فقد اعتبرته متغيرا معتمدا الى جانب عشرات من المتغيرات المعتمدة الاخرى.
بأختصار مقتضب ،عملية ظهور النوادي والجمعيات هي أحدى أفرازات عملية التحضر التي تُعرف بالانتقال من الحياة الريفية التقليدية الى الحياة الحضرية في المدينة. فالخصائص الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والنفسية والعلائقية بين افراد المجتمع متباينة بين الحياة الريفية والحضرية فلكل منهما سلوك في الحياة تقره طبيعة الحياة الاجتماعية .والحديث عن هذه الخصائص احتاج الى مجلد كامل، ولكن الاهم، فقدان الفرد لما تعود عليه في الحياة التقليدية الريفية في ظل وجوده في أطار نسقي أجتماعي حضري، ومن تلك المفقودات هي : الارتباط العاطفي، العلاقات المباشرة ، التعاون والاتكال، التقارب الفيزيقي للاقامة ، طبيعة العمل الجماعي الذي يمثل بالزراعة، الانشغال وضيق الوقت بسبب طبيعة العمل، انعدام فرص التشاور بخصوص قضايا المجتمع المحلي ، الاعراف التي تنظم العلاقات وتحدد المسؤوليات ،كلها وغيرها من الظواهر التي فقدها المهاجر الى المجتمع الغربي تدفع بالجماعة المحلية التي تشترك في خصائصها اللغوية وعاداتها وذكرياتها الاجتماعية وتراثها المشترك وطموحاتها المستقبلية الى التعويض عن ما فقدته لمجرد تحولها الى المجتمع الحضري الذي لا تسمح مقاييس الحياة فيه للاستمرار كما كان عليه في الحياة التقليدية، فأحدى الوسائل التي يسعى الافراد اللجوء اليها هي تأسيس النوادي والجمعيات الاجتماعية والثقافية التي تكون واحة التجمع لتبادل المشاعر المشتركة بينهم والتعويض عما تعودوا عليه في حياتهم التقليدية ،وهذا ما حدث عندما هاجر ابناء القرى المسيحية الى المدن العراقية منذ الستينات القرن الماضي، فلجأت كل مجموعة قروية الى تأسيس نادي أجتماعي للقيام بانشطة أجتماعية مختلفة للترويض النفسي عما فقدوه لتنقلهم الى المدينة. وأستمر هؤلاء أنفسهم بتاسيس الجمعيات والنوادي منذ هجرتهم الى المجتمعات الغربية ،وهي حالة موجودة عند جميع الاثنيات المهاجرة .ومما هو جدير بالذكر هنا في العالم الجديد المتحضر الذي يستقطب مختلف الاثنيات ومن مختلف البلدان،فأن الجمعيات قد تكون على مستوى قروي أو وطني، كأن تكون جمعية لابناء بلد معين مثل البولونيين او الكرواتيين أو العراقيين ،أو جمعيات تحت مسميات اثنية ومن نفس البلد .
فظهور النوادي والجمعيات هي انعكاس للانتقال من الحياة الاجتماعية الريفية الى الحياة الحضرية ،أو من المجتمع التقليدي الى المجتمع الصناعي.وتكون منظمة بلوائح قانونية وتعليمات لا يجوز للعضو مخالفتها وذلك للتوفيق بين الحياة الاجتماعية المعتاد عليها سابقاَ وطبيعة الحياة في المجتمع الحضري.
وأما ظاهرة الاختلاف في الوعي القومي الاشوري بين العقود الماضية في سنوات القرن الماضي وحتى نهايته حيث كان على مستوى عالٍ وملموس، ومقارنة بالسنوات المتأخرة وأكتشف أنه في تدني واعتبرها الكاتب كارثة، هذا واضح جداَ ليس سببه تدني نشاط الجمعيات ،وانما يرجع السبب الى طبيعة الاختلاف بين الاجيال التي جاءت منذ سنة 1917 والى يومنا هذا ،حيث لكل جيل مفاهيمه ومواقفه وتأثراته بالمحيط الاجتماعي الذي ولد ونشا فيه وقوة معطيات المجتمع الغربي في الـتاثير على شخصية الانسان ، وكل جيل الذي يعقب الاخر يخضع لعملية التمثيل الاجتماعي أكثر من الذي سبقه تحت تأثير عملية المحاكاة والتقليد وثم الانصهار في المجتمع الحديث .وهذه بالطبع مسألة نسبية. 
شكرا ومع تقديري للاستاذ العزيز أبرم شبيرا وتمنياتي له بالتوفيق     

رابط الجزء الاول http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,858333.0.html
رابط المقال الثاني عن الجمعية الاشورية في شيكاغو
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,855878.msg7549344.html#msg7549344
رابط المقال الاول عن مختصر في مفهوم الاقلية
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=8506

54
                       الغموض في تفسير المفاهيم والتطبيقات النظرية
                            في مقالتين للكاتب " أبرم شبيرا" ج1
د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي

توطئة
                      من المقالات المهمة والمتميزة التي اثارت انتباهي والمنشورة على موقع عينكاوا  تلك المقالتين اللتين كتبهما الاستاذ "ابرم شبيرا" لاحتوائهما مفاهيم تخص علم الاجتماع منطلقاً منها لتفسير بعض الظواهر كما سابين ادناه. وما دفعني للكتابة وبيان الراي حولهما ،هو اكتناف تلك المفاهيم بعض الغموض وعدم استعمالها في ارتباطها مع الحالة المدروسة من قبل الكاتب، وأقصد بالغموض، عدم الوضوح في معانيها ولم تأتِ في السياق السليم بالربط المفاهيمي للظاهرة .
الاستاذ  القدير" ابرم شبيرا" من الكتاب المهتمين بشؤون شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني وأحداثه، ويتمتع بأمكانية فكرية ابداعية متميزة لميله الى الاسلوب العلمي الممنهج بقدر الامكان فيما يكتبه-  وبحسب علمي واذا كنت خاطئاَ ،ارجو ان يصححها القدير "ابرم شبيرا" أنه يحمل شهادة الماجستير في العلوم السياسية- وبالتأكيد سيتفهم في هذه التوضيحات ويتقبلها لتمتعه بالنضج الفكري والوعي العلمي ودرايته ما للمفاهيم اهمية في الكتابة المنهجية. وأود الاشارة الى:  طالما انه مختص في احدى ميادين العلوم الاجتماعية، عليه يُرجى الانتباه، بالرغم من المشتركات والارتباطات المتبادلة في الاستفادة المعرفية بينها الا ان كل ميدان معرفي علمي من هذه العلوم له خصوصياته في تفسيره للمفاهيم وطرق البحث في الظواهر التي يبحثها وربط التنظير بالتطبيق الذي يعد من المحاولات الصعبة جداَ عند الباحثين، اذ أن هذه المبادرات بحاجة الى المام شمولي في الفكر والنظرية. ولكونه استند الى علم الاجتماع  في تحليله كما جاء في مطلع مقالته الثانية، فلابد ان أقدم وجهة نظري ولو جاءت متأخرة عن تاريخ نشر المقالتين .
 تفسير مصطلح الاقليات
                       في مقال "شبيرا" الموسوم ( مختصر في فهم مصطلح الاقلية ومقارنته بمصطلح المكون المسيحي) المنشور على موقع عينكاوافي 15/8/2017 .قدم مواضيع مهمة لا غبار عليها وفقاً لتفسيرات علم السياسة ومنها مسألة استخدام مصطلح الاقلية علمياَ وسياسياَ، انما الذي استوقفني هوالفقرة هذه( الحياة والظواهر الاجتماعية كلها تكون قائمة على المفهوم الفلسفي الذي يقول بأن الانسان في طبيعته يحمل نقيضه ،وهكذا مع الظواهر الاجتماعية، وكان الفيلسوف الالماني "فردريك هيكل 1770 – 1831 الرائد الاول في أكتشاف قانون النقض في الطبيعة الانسانية والاجتماعية.....ألخ).وانطلق من نظرية هيكل في النقيضين ،نظرية " الصراع " في علم الاجتماع، لاجل تفسير مصطلح الاقلية ونشوء الاقلية السياسية او الاجتماعية في المجتمع.أي ان محاولة الاستاذ "شبيرا" هذه هي الربط بين التنظير والتطبيق. وبناءأ على اساسيات ومفاهيم ونظريات علم الاجتماع الحديثة يتبنى الباحثون الاجتماعيون تفسيراَ مغايرا لما جاء به الكاتب. وساوضح سوسيولوجياَ مسألة نشوء الاقلية الاجتماعية في المجتمع.
بالطبع تعد نظرية هيكل من النظريات الرائدة التي تبنت مفهوم الصراع الاجتماعي وبُنيت الافكار التي جاء بها علماء الاجتماع المنظرين وفقاَ لمدخل لصراع الاجتماعي التنظيري فيما بعد أنطلاقاَ من نظرية هيكل الصراعية بدأَ من كارل ماركس. وجوهر النظرية الصراعية هو( التناقض هو جوهر الظواهر الاجتماعية، ونتيجة الصراع والحركة في كل شيْ أو ظاهرة يولد الجديد ،وهكذا باستمرار،أي لا شيْ ثابت في المجتمع بل متغير، فالجديد يحمل عناصر من القديم ولكنها متطورة الى الامام ،أو بالعكس نحو الاسوء).بمعنى لكل ظاهرة نقيضها. 
منذ أن أنفصل علم الاجتماع عن الفلسفة الام في تفسيره للظواهر الاجتماعية بالمنهج الوضعي الاستقرائي تبنى علماء الاجتماع مداخل نظرية متعددة لتفسير الظواهر الاجتماعية ،وذلك لاختلافهم في رؤية الواقع الاجتماعي لانتماءاتهم الاجتماعية والفكرية والفلسفية المتباينة ،فهم لايرون الواقع الاجتماعي بمنظار واحد متفق عليه ،وانما هناك رؤى متعددة مرتبطة بالواقع الاجتماعي والفكري .وأبرزها، الصراع الاجتماعي، الوظيفية الاجتماعية، التطورية الاجتماعية ، وهي المعروفة بالنظريات الماكروية ، أضافة الى التفاعلية الرمزية  والتبادلية التي ظهرت في الولايات المتحدة الامريكية والمعروفة بالمايكروية. وتحتوي كل نظرية في ثناياها مفاهيم متعددة ينطلق منها العلماء لتفسير المجتمع وديمومته. فالوظيفية البنائية مثلاَ تدرس المجتمع (بأنه نسق اجتماعي يتميز بالتوازن والتجديد والترابط ،فهو نسق متوازن غير متصارع ،ولكل عنصر من عناصر النسق له وظيفة تلعب دوراَ ايجابياَ من أجل المحافظة على استمرارية النسق).
والنظرية الصراعية التي انطلقت منها تعرضت حديثاَ الى انتقادات شديدة ومنذ ظهورها، فمثلا اعتبر" ماكس فيبر" بعد فحصه لمناقشات"كارل ماركس" انها خاطئة انطلاقاَ من دراساته المُقارنة للمجتمعات البشرية زمانياً ومكانياً. فقد توصل الى ( أن شروط الرأسمالية المادية كانت موجودة في مناطق كثيرة من العالم عند نهاية المرحلة الاقطاعية الاوربية، لكن اوربا فقط هي التي عرفت نطاقاَ من المعتقدات والايديولوجيات قدمت حافزاَ اساسياَ لتطور التنظيم الراسمالي وهي الاخلاق البروتستانتية ،وفصلها في كتابه " اخلاقيات المذهب البروتستانتي وروح الراسمالية ".).فالصراع الطبقي هو بعد واحد وتجاهل ماركس الابعاد الاخرى فهناك المكانة الاجتماعية والنظام السياسي الذي يعتمد على القانون .
ويؤكد عالم الاجتماع " ايان كريب" ( النظرية الصراعية لا تفسر شيئاَ حيث اذا اردنا ان نفسر صراعاَ من الصراعات الحقيقية ،لا بد من وصف الظروف العقلية التي أدت أليه. فالنظرية تتنبأ ان الصراع ممكن والاجماع ممكن أيضاَ وعليه لا نحصل على اي تفسير نظري سببي أطلاقاَ). وركزأصحاب النظرية النقدية في علم الاجتماع وفي مقدمتهم "سي رايت ميلز" على الوظائف التكاملية للصراع (أي الصراع بوصفه يؤدي الى التكامل الاجتماعي وليس الى التفكك والتحول) وفي نظرهم ليس الصراع مقتصراَ على الصراع الطبقي كما ذكر ماركس بل هناك ،الصراع العنصري ، الجنسي، الديني، السياسي، بين الاجيال، بين التجار والعملاء، بين المنتج والمستهلك، وغيرها متعددة.
وجاءت على أثر الانتقادات الموجهة الى النظرية الصراعية التي انطلقت من النقيضين ،"النظرية الماركسية البنيوية"التي استخلصت من تلاقح الافكار نظرية" الاختيار الحر" أو الاختيار العقلاني ، وهي النظرية التي تتبنى الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب مفاهيمها في التعاطي في سياستها الخارجية مع البلدان المختلفة في تبادل المنفعة. وأخيراَ يؤكد " فرنسيس فوكوياما" في نظريته التي سماها " نظرية نهاية التاريخ بعد سقوط الاشتراكية 1989 " (ان الليبرالية الديمقراطية حلت معضلة الصراع التاريخي من خلال قيمها في المساوات، وبذلك تكون أوقفت التاريخ عن الحركة، فهي اذن نهاية التاريخ، أي كل المجتمعات تتطور وتنتهي بالليبرالية الديمقراطية).
لتراكم المعلومات المعرفية العلمية تاريخياَ لدى المنظرين والتوسع الشامل للاتصال الحضاري بين المجتمعات، ادى ذلك الى عدم ثبات الافكار المطروحة قديماَ في هذه النظريات، فظهرت على أثرها افكار جديدة لتغذيتها، فتغيرت الافكار والمفاهيم  الى ان استقرت الحالة في " النظرية التكاملية " البايونفسي اجتماعي" أي التفسير البايولوجي المتمثل بالوراثة الجينية والعوامل النفسية والاجتماعية للظاهرة الاجتماعية و منها  ظاهرة الاقلية.وعلى أساس المنهج التكاملي للتنظير تبين ان الغرائز الوراثية أو الدوافع تلعب دوراَ مهماَ في حياة الانسان ،.اذ تؤكد النظرية على أن النفس البشرية لا تتركب من الخير والشر فقط لكي يتصرف الانسان وفقاَ للمتغيرين ،بل هناك العشرات من الدوافع بحسب نظريات "ماسلو" و"مكدوجل" و" ثورنديك" وغيرهم تُشارك في بناء شخصية الانسان وراثياَ وهي نسبية بحيث يتغلب دافع على اخر فطرياَ،وتكون المسؤولة عن تصرفات الانسان وفقاَ للبيئة الاجتماعية التي تصقلها باطراد أو تناقص. فالشخصية ليست مجبولة من الخير والشر فقط لكي تحمل في ذاتها النقيضين وثم تؤثر في حركة المجتمع، بل الشخصية مجبولة من عشرات الدوافع الفطرية التي ترتبط بتصرفات الانسان وثم تؤثر في حركة المجتمع .
لما كانت النظرية الصراعية تستند في تفسيرها للظاهرة انطلاقا من عامل واحد وهو النقيض ، فأصبحت من النظريات غير المقبولة حديثاَ في علم الاجتماع الحديث الذي يتبنى الشمولية في التفسيرأي تأثير العوامل المتعددة وبنسبة متفاوتة، فالصراعية من النظريات الحتمية التي تستند في التفسير على العامل الواحد ،والعامل المفسر هو المتغير المستقل والعوامل الاخرى هي المعتمدة عليه بأكملها. ومثلها أيضاَ الحتمية الجغرافية، الحتمية البايولوجية" الوراثة" ، الحتمية الاقتصادية ، والحتمية الجنسية لسيجموند فرويد، وهذا خطأ علمي من المنظور الحديث.
أستناداَ الى التوجه النظري الحديث في علم الاجتماع يعد تفسير " الاقلية" وفقاَ لمبدأ النقيضين خاطىء لرفضه الحتمية في التفسير. فالاقلية المسيحية في العراق أو الدول العربية الاخرى لم تأتِ الى الوجود بسبب التناقض في ذات المجتمع النهرين ذو الغالبية من المسيحيين عندما غزوا العرب المسلمين بلاد النهرين ،أنما ظهرت الاقلية المسيحية أو بتسمية أثنية من الكلدان والاشوريين والسريان تاريخياَ بسبب الغزو والاضطهاد وما حمله هؤلاء الغزاة من مبررات دينية للسيطرة على الاقوام وابادتها أو تهجيرها.نعم اصبح المسيحيون أقلية بسبب الصراع ،انما هذا النوع من الصراع تكون نتيجة العوامل الخارجية المتمثلة بالغزو الديني، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وليس نتيجة مبدأ النقيضين في المجتمع.
وهكذا أصبح السكان الاصليون في امريكا وكندا واستراليا أقلية ،ليس لوجود النقيضين في مجتمعهم آنذاك، بل بسبب الغزو الاوربي تاريخياَ وأبادة العنصر الاصلي ،أي بمعنى آخر العوامل الخارجية للصراع. ولم تظهرالاقلية لجماعة المثليين في المجتمع الغربي لوجود التناقض في ذات المجتمع بل تكونت لتميزهم بخاصية بايولوجية فطرية لاشباع الغريزة الجنسية لميلهم الى نفس الجنس. هكذا نحن الكلدان والاشوريين والسريان أقلية في أماكن تواجدنا في المهجر بسبب الهجرة من مواطننا الاصلية لاسباب متعددة معروفة ترتبط بذات الانسان او بالمجتمع ،ولم نكن أقلية بسبب التناقض في المجتمع الغربي.
وعليه أيضاَ لا يمكن أن نفسر الاقلية والاغلبية السياسية في البلدان الغربية الديمقراطية على ضوء مبدأ التناقض في ذات المجتمع،بل ان الاحزاب متعايشة سلمياَ وتشارك في بناء المجتمع انطلاقاَ من مبادئها، وهي ليست في حالة الصراع بينها بل في حالة التنافس كعملية اجتماعية اخرى تسهم في حركة المجتمع، أي التنافس على السلطة ،وترجع الى كونها أقلية أو أغلبية الى عوامل متعددة ،ترتبط منها بذات الفرد نفسه كنزعات غريزية، مثل حب السلطة فطرياَ ، او دافع الاستقرار والمحافظة على التقليد أو دافع حب المساوات أو دافع الانانية ،أو مواقف السياسيين من الظواهر الحياتية القائمة في المجتمع من الاجتماعية والاقتصادية والدينية ،وهذه المواقف بطبيعة الحال تدفعه الى بلورة موقفه السياسي والانضمام الى الحزب السياسي الذي تنسجم أيديولوجيته مع ما يؤمن به الفرد دون صراعٍ يُذكر، بل تفسره النظرية الوظيفية لتحقيق التوازن والاستقرار الاجتماعي وتعد عمليتي التكيف والتمثيل الاجتماعيتين كفيلتان لاحتواء الصراع بأنواعه بين افراد المجتمع الواحد ، وان كان هناك صراع ، ليس وجوده بسبب مبدا التناقض، بل لعوامل متعددة ذاتية وموضوعية.
يتبع رجاءاَ

55
                           الاسقف مار ميلس من الكنيسة الاشورية
                                  وقراءة الواقع

د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
               
           
                       استخلاص الافكار عن طريق المقابلات الصحفية مهمة جديرة بالاهتمام، فهي شاقة وتحتاج الى امكانية صحفية والمام بالاسس الواجبة اتباعها في المقابلة من حيث أختيار الموضوع والاشخاص المعنيين، وصياغة الاسئلة التي تعبر عن عناصر الموضوع المطروح، وثم الامكانية في مناقشة الاسئلة وتبادل الحديث، فلا بد من ان يكون للصحفي اطلاعات معرفية واسعة ليحقق النجاح للتوصل لما يحمل ضيفه من مواقف ومعرفة تجاه موضوع المقابلة. والمقابلات الصحفية تُجرى لمختلف الاشخاص وفي مختلف المجالات الفكرية ومع مختلف المسؤولين والقياديين في المؤسسات المجتمعية، ولعل أبرز تلك المقابلات أهمية هي مع الشخصيات القيادية لمكانتها وتأثيرها في شؤون المجتمع، ولانها أكثر درايةً من غيرها لواقع ومجريات الاحداث. ومثلُ هذه المقابلات تكشف المواقف الشخصية من المواضيع المطروحة ويكون لها وقعة في تغيير الاتجاهات النفسية للقارىء المهتم المتلقي لما يدور من الافكار.
وهكذا يضيف الاب الصحفي (نوئيل فرمان السناطي) في صحافته المُبدعة البناءة درساً مهما نستقي منه الكثير في ضوء التبادل الفكري الذي جرى بينه وبين أحدى الشخصيات الدينية القيادية المعروفة في تطلعاتها الفكرية واهتماماتها الثقافية وحرصها على الاداء المتميز في الكنيسة الشرقية الاشورية( الاسقف مار ميلس زيا ميطرابوليط أستراليا ونيوزلندا ولبنان). وذلك في مدينة سدني الاسترالية بتاريخ 23/8/2017 والمنشورة في 14/9/2017 . وفي المقابلة ثمة محاور فكرية عميقة ومؤثرة لها اهميتها القصوى تخصنا جميعاً. تناولها الاب نوئيل مع سيادة الاسقف الموقر مار ميلس، وتاتي هذه الاهمية من أنها تُشخص ظواهر اجتماعية تعكس واقع عالمنا وشعبنا اليوم مرتبطة بالفكر الديني المسيحي، مما يوحي للقارىء والمتبع أن كنيستنا الشرقية أينما تُزاول رسالتها فهي في تفاعل وديناميكية مع المجتمع وأحداثه. ومن أبرز ما جاء في المقابلة من المواضيع هي:
مكانة الكنيسة في المجتمع الحديث اليوم، فهو من المواضيع المهمة للغاية ومتداولة قانونياً وصحفياً ورسمياً وهي الشغل الشاغل للحكومات والباحثين.
يؤكد ويرمي مار ميلس الى بناء مكانة ودورللكنيسة لتمكنها من أن يكون لها صوت مؤثر تجاه ما يجري في ثنايا المجتمع من القضايا الاجتماعية التي قد تكون مخالفة للعقيدة الدينية، وفي قوله(الكنائس والمؤسسات الدينية يكون لها الحق بأن تُدير وتتبع تعاليمها العقائدية وتشريعاتها بحرية)،يسترعي أنتباه الاخرين أن يكون للكنيسة دورها وحريتها في المجتمع المعاصر لتحديد موقفها تجاه ما يجري من أحداث ومستجدات في عالمنا اليوم كما للمؤسسات أو الجهات الاخرى لها حرياتها في بث ما تراه مناسباً مع مواقفها وفلسفتها في تشريع القوانين وفقاً لمبادىء حقوق الانسان، اراد سيادته أن تحمي الكنيسة أبنائها فيما لو كانت تلك التشريعات مخالفة للعقائد الدينية ومفروضة قانونياً وتربوياً، وجاء بمثال قيم هو التناقض فيما يتعلمه الابناء في المدرسة منذ الصغر وما يتلقون من تنشئة في الاسرة والكنيسة، وأخص بالذكر العائلة الشرقية المهاجرة الى البلدان الغربية التي تتميز بطابع أجتماعي وديني مختلف عن المجتمعات الاصلية، وعليه يقترح سيادته أنشاء مدارس خاصة من قبل كنائسنا لتحمي الابناء من الانزلاقات التي تُسبب في البناء السلبي لشخصيتهم ويؤكد على شمولية الكنائس جميعها وتعاونها بغض النظر عن تسمياتها .
أستمرار اللقاءات بين الفاتيكان والكنيسة الاشورية الشرقية
              وقد اكد سيادته على استمرار اللقاءات بين الكنيستين الكاثوليكية والشرقية الاشورية ومناقشتهم والاعلان قريباً عن الاتفاق بينهما على الاسرار الكنسية السبعة المعروفة. وهكذا يعلمنا مار ميلس أهم مسالة تخص الكنيستين وتهم كل مؤمن فيها وهي ديمومة التفاعل الايجابي واستمراره بين الكنيستين وبخطوات مدروسة فهو يؤكد أن المسالة ليست من يكون الرئيس بل ما يربط الجميع بحب المسيح.
دعوة جديرة بالاهتمام
                       يدعو مار ميلس الى عقد لقاءات بين الكنيستين الاشورية والكلدانية، وبمشاركة الشعب على ما أُتفق عليه ويتحقق ذلك بتوعية الشعب بما يجمعنا كمسيحي المشرق فكل ما طرحه من أمثلة لتدعم تلاقي الشعبين في الكنيستين مهمة واساسية ولها مردوداتها النفسية والاجتماعية على المؤمنين ومنها : لقاءات مستمرة بين الاكليروس، تجمعات دورية للشبيبة، سفرات مشتركة، فهي وسيلة لتقوية اواصر الشعور التقاربي للشعبين في الكنيستين وستكون طريقة لاذابة السلبيات تدريجيا وبمرور الزمن وثم تتحقق الوحدة تلقائياً، بالطبع عندما لايتحسسون بوجود الفوارق الاجتماعية والدينية واللغوية والقيمية والتقاليد والتراث.
شعب له تاريخ ومصير واحد وثقافة قبول الاخر
                           يؤكد مار ميلس في حواره اننا شعب واحد وهذا ما يؤكده كل واعٍ وداركٍ للتاريخ ومجرياته، نرجع لجذور واحدة وعرق واحد واختلطت الدماء بالتلاقح البايولوجي والحضاري على مر العهود، ولعوامل تاريخية وجغرافية واجتماعية وحضارية وسياسية ودينية ظهرت التسميتين، ورُسخت من قبل الاحزاب السياسية كما يقول سيادته بدلاً من المحاولة  لمحو كل ما يقسمنا. وعليه تعكس أفكاره الواقعية: النظرة الموضوعية، نبذ الانانية، والرضى بقبول الاخر كما كما هو لا كما يجب مؤكداً ذلك بقوله:
( جاءني مرة ممثلون من مختلف الاحزاب وبدأوا يتكلمون نحن ونحن الاثوريين ... قلت لهم :أريد أن أقول شيئأً بسيطاً جدا، شيء مما يسمى بالحقيقة الواقعة، الواقع العملي، يوجد شعب يسمي نفسه بأنه كلداني ومؤمن بذلك، لماذا أنت تأتي وتقول لهذا :لا انت بالرغم منك أشوري.عجيب! والله عجيب، أن أقول للكلداني أنت لست كلدانياً أنت اشوري، هؤلاء عندهم هذا الاتجاه ويؤمنون به، أذن يوجد شعب هنا وشعب هنا،هذا عنده فيما بينه علاقات وروابط وثقافة وتاريخ. سؤالي الوحيد : ماهو الخطأ أو حتى الجرم ، أن يقبل الواحد الثاني، ما الضرر أن يقول لي الموقر عوديشو :أنا كلداني، اقول أهلا أخي الكلداني. لماذا يخرج هذا أو ذاك في الانترنيت ليقول : لا ليس هناك شعب كلداني، وأخر يجاوب. حالة مزرية عندما الواحد يلغي الاخر، بينما مصيري هو مصير واحد.) ويؤكد في سياق حديثه من يؤيده ويشترك معه في هذا الرأي من الاساقفة، ويقول سيادته: لابد من المدرسة القديمة وهذه مسالة طبيعية في كل المجالات.
أحسنت قولاً وتعبيراً ورأياً سيادة الاسقف مار ميلس، رأي يعكس فكر واعٍ وداركٍ للامور والواقع والتاريخ، فكر ارى فيه نسمات ثقافة قبول الاخر واحترامه ونبذ الوجوب لما يريد الانسان من الاخر، فكر في قمة النضوج والواقعية، وهذا ما توصلتُ اليه سيادة مار ميلس في كتابي الموجود بين يديكم الموقرتين والموسوم ( الكلدان والاشوريون والسريان المعاصرون وصراع التسمية)أننا شعب واحد وذو جذور واحدة نهرينية عاش على ارض النهرين على حِقب تاريخية مختلفة بطبيعة أجتماعية واقتصادية ودينية وتسميات تخص تلك الحقب ولتعدد الحضارات النهرينية الداخلية والى جانب الحضارات التي غزتها تداخلت الحضارات وتمازجت تحت تأثير قانون الاقتباس والانتشار الحضاري، وثم وحدتها المسيحية، وما رأينا مؤخراً ولعوامل سياسية ومذهبية دينية  سلطوية وجغرافية واجتماعية وديمغرافية ظهرت التسميات الى الوجود ثانية وبمرور الزمن أصبحت واقعاً لا محال منها. وما علينا الا قبول بعضنا للبعض كما نحن عليه على أثر التنشئة الاجتماعية والتلاقح الحضاري وكما تفضلتم.
 نظرته الواقعية عن الهوية الثقافية لشعبنا
ويعرج سيادته في حديثه المتبادل مع الاب نوئيل  نحو مسالة الحفاظ على الهوية الثقافية، فيدركها بواقعية متناهية في النضج الفكري، فيؤكد أنها نحو الزوال وجاء بامثلة عن ذلك في سياق الحديث من أهمها، ذوبان شعبنا في المجتع الجديد وهنا المقصود به علمياً(الانصهار الاجتماعي)، ويأتي بمثال عن اللغة ويقول: لا أحد يفهم لغتنا، وما فائدة الكتب المطبوعة بلغتنا طالما تُتلف أغلبها والاخص في بلدان المهجر؟وأستشهد بمقارنته بين الجيل القديم والحديث الناشيء والمولود في بلدان الانتشار، فالكنائس مليئة بحضور القادمون الجدد وكبار السن، بينما جيل بلدان الانتشار قد يفضل كنسية أخرى تتناسب أفكاره غير الكلدانية والاشورية ولحريته المفرطة يذهب أليها. وثم يعطي أهمية للارض لكي تبقى ثقافة المجتمع قائمة ومستمرة. ولكن أين الارض؟
باختصارنستنتج من هذه المقابلة القيمة والشيقة :
القدرةالمتميزة للاب الصحفي نوئيل فرمان السناطي في الصحافة لاختياره الشخصية المناسبة للحوار. وثم وضعه لاسئلة دقيقة ومثيرة تخص واقع شعبنا في المهجر واخرى تخص الاحداث والمواقف الحالية. والتي يفكر بها المهتمون بشؤون شعبنا مثل المشتركات بيننا والتسمية، وطبيعة العلاقة بين الكنيستين الاشورية والكلدانية وأهمها الحوار الفاتيكاني والكنيسة الاشورية.
التأكيد على أهمية التنشئة الاجتماعية للأبناء
تقوية دور الكنيسة في المجتمع المعاصر
تسليط الضوء على العلاقة بين الكنيستين الاشورية والكلدانية من جهة ومدى استمرارية الحوار بين الفاتيكان والكنيسة الاشورية من جهة اخرى.
تميزت افكار مار ميلس التي طرحها أثناء الحوار بواقعية ونظرة موضوعية للأحداث .
التأكيد على ثقافة قبول الاخر بأقراره قبول من يسمي نفسه كلداني ونبذ سياسة الفرض .
وضع سيادته محددات مهمة لاجل تقارب الشعبين الاشوري والكلداني الى بعضهما تدريجياً وبمرور الزمن تتلاشى السلبيات.
تحية لهكذا اسقف يحمل بشائر التفاؤل والواقعية وثقافة تتميز بالنضج الفكري والموضوعية، ونتمنى من كل اساقفتنا في الكنيستين أن يخطو هكذا خطوات وذلك للتأثير الكبير لما يصرح به رجل الدين في مجتمعنا الشرقي على أذهان وفكر المؤمنين، وان لا يكونوا عثرة في تصريحاتهم لترسيخ التفرقة ورفض الاخر.
مع تمنياتي للاسقف الجليل مار ميلس بالموفقية في خدمته الاسقفية، وتمنيات للاب نوئيل بالنجاح في اعماله الصحفية الهامة والبناءة وخدمته الكهنوتية.وشكرا

رابط المقابلة
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=853456.0


56
                            هل نتائج مؤتمر بروكسل شرعية ؟ولماذا ؟
  د. عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي
                 بعد الاعلان عن انعقاد مؤتمر بروكسل للبحث عن مستقبل المسيحيين في سهل نينوى، والكشف عن عدم الاتفاق بين الاحزاب السياسية والمذاهب الكنسية لاستمرار في عقد المؤتمر، تباينت ردود الافعال من قبل المهتمين المستقلين من ابناء شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني حول الانسحاب واهمية المؤتمر وما الذي سيحققه. وقد سبقني بعض الاخوة المهتمين في تحليل ما توصل اليه المؤتمر من نتائج ومدى واقعيتها ومن وراء انعقاد مثل هذا المؤتمر ومدى شرعيتها وهل هذه النتائج ملزمة بالتنفيذ ؟ وقد تباينت الاراء في الاجابة على هذه التساؤلات. وفي هذا المقال ساسلط الضوء على شرعية نتائج مؤتمر بروكسل عن عدمها ولماذا .
 كيف تتحقق الشرعية ؟
                             من المعروف قانونياً الشخص هو المسؤل عن فعله، ويسحب ذلك على مسؤليته لما يمتلكه، ولا يحق للاخر التصرف بممتلكات غيره الا بوكالة قانونية تؤهله للتصرف، ولا يتحمل أحد نتائج  تصرفات غيره قانونياً. تنطبق هذه القاعدة على الجماعة البشرية وتصرفاتها وعلى ممتلكاتها وعلى المجتمعات المحلية. فالقائمون على أدارة الجماعات البشرية سياسياً ودينياً وفكرياً هم المؤهلون لادارة شؤون جماعتهم وتقرير مصيرها لانهم الادرى بواقعها النفسي والاجتماعي والاقتصادي والديمغرافي والسياسي والعلائقي وبكل تفاصيلها لانهم جزء من النسيج الاجتماعي المتفاعل يومياً.  أما أن يأتي غيرهم من خارج الجماعة يوكلون انفسهم ويقرون ما يشاؤون لتقرير المصير فذلك يعد انتهاكاً ومحاولة غير شرعية. أما اذا انقسم هؤلاء على أنفسهم في الادارة والمواقف من الازمات والاحداث، يعني ذلك أنقسام المجتمع على ذاته، وهنا تكمن وتتبلور المشاكل التي تُعيق تقدم وتحقيق مطالب الجماعة .
من يمثل شعبنا في المؤتمرات وتقرير المصير؟
أُقيم مؤتمر بروكسل تحت عنوان( مستقبل المسيحيين في العراق)، فأذن ببساطة من يشارك في المؤتمر أستوجب أن يكون مسيحي يسكن في العراق اليوم، سواء من العلمانيين أو المسؤلين الروحانيين، لان المؤتمر يعنيهم وهو من أجلهم، وهم أدرى بشؤونهم، ويتحملون المسؤلية لتبعات وتداعيات المؤتمر تجاه الحكومة العراقية، بينما من شارك فيه من الخارج من كلا الفئتين فهم لا يتحملون المسؤلية لانهم لا يخضعون للقانون العراقي.
فمن له المسؤلية للمشاركة؟
 بالطبع الاحزاب السياسية ومن أُنتخب من أعضائها أو مؤازريها للبرلمان، وثم المسؤلين في الوحدات الادارية في منطقة سهل نينوى  التي هي المحور الاساسي للمؤتمرين، والمسؤولين الروحانيين والوجهاء والحكماء الخبراء في مختلف الشؤون. بينما ما حدث في المؤتمر، ظهر ان المشاركين هم بعض من الاحزاب للاثنيات الثلاث، تلك الاحزاب التي لا تتمتع بثقل جماهيري لمؤازرتها، بل أن أكبرها وأكثرها ثُقلا وتأثيرا أنسحبت لم تشارك متمثلة بالحركة الديمقراطية الاشورية والاشوري الوطني، بحيث أن مجمل أعضاء الاحزاب المشاركة لا تساوي عدداً لتلك الاحزاب التي انسحبت. وشارك شخصيات تعيش في دول الشتات ليست معروفة لمسيحي العراق، وأن كان معروفين بعضهم الا أنهم لا يمكنهم تحمل مسؤلية المسيحيين في الداخل ويتدخلون بشؤونهم لانهم تركوا العراق للعيش في بحبوحة البلدان المتقدمة، وأحزاب تنطلق من عملها في الخارج ليست لها مشاركة سياسية ترتبط بالحكومة العراقية وتنقصها الخبرة للواقع السياسي والاجتماعي والجغرافي والديمغرافي لمن هم في الداخل وعن طبيعة المجتمع العراقي، فما الذي يعرفه السوري مثلاً عن طبيعة المجتمع العراقي وتركيبته الاثنية وصراعاته ليقرر مصيرهم؟وماذا يدرك عن واقع العراق ذلك العراقي الذي ترك العراق لسنين تتجاوز الثلاثين؟. لربما بالامكان أن يدعم ويساهم مثل هؤلاء المسيحيين في العراق بشتى الوسائل والطرق كالدعم الاقتصادي والتسهيل لايصال الصوت المسيحي الى المنظمات الدولية، وليس في تقرير المصير، الا بموافقة كافة ممثلي شعبنا في الداخل وهذا لم يحصل. 
وطالما هناك مشاركة كنسية في المؤتمر. فمن يمثل شعبنا دينياً ؟ وهم الكنيسة الكلدانية التي تعد أكبر كنائس العراق من حيث الاتباع والتأثير في المجتمع العراقي رسمياً وشعبياً، والكنيسة الشرقية الاشورية وثم الكنيسة المشرقية القديمة، اللتان تعدان من أعرق الكنائس في العراق، والكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والارثودكسي ممثلة برعاتها المحليين، لان مسؤليها الروحانيين في أعلى الهرم الاكليروسي يعملون خارج العراق. والمؤتمر هو عن مسيحي العراق، لو كان عن مستقبل مسيحي البلاد العربية أو الشرق الاوسط لاستوجب مشاركة كل رؤساء الكنائس بما فيها السريانية والقبطية والمارونية والروم الملكية وغيرها. فرؤساء الكنائس الثلاث المقيمين في العراق يتحملون المسؤلية الكاملة لمسيحي العراق مع الرعاة المحليين للكنائس الاخرى كالسريانية أو الملكية أو اللاتين وهم الادرى بشؤون رعياتهم وشعبهم وما يجري في العراق من الاحداث وما يترتب عنها من الاوضاع والعلاقات مع غير المسلمين، وأكثر تأثيراً ومكانة في الشأن العراقي والمجتمع العراقي على المستويين الرسمي والشعبي من غيرهم، فهل يجوز للبطريرك مار ساكو مثلا التدخل في شؤن مسيحي لبنان أو مصر أو سورية أو ايران او امريكا بالرغم من وجود ابرشيات كلدانية في البلدان المذكورة. والذي حدث، لم يشارك أحد من رؤساء الكنائس المذكورة في المؤتمر. باستثناء راعي ابرشية السريان الكاثوليك في سهل نينوى، ولا يمكن لاحد الاعتراض عليه.
مؤتمر عن مستقبل مسيحي العراق ولكن!
                              يبدو أن المنظمين للمؤتمر وقعوا في خطأ أستراتيجي تنظيمي قادهم الى التناقض، وهو وضع عنوان المؤتمر بصيغة( مؤتمر بروكسل عن مستقبل مسيحي العراق) كما ورد في بيانهم الختامي، وتصريحاتهم الاعلامية، وأنما محاور المؤتمر ونتائجه تصب بأكملها على مستقبل مسيحي منطقة سهل نينوى دون ذكر شيء عن مسيحي العراق في المناطق الاخرى، فماذا عن المسيحيين في البصرة وبغداد والعمارة والحلة والانبار ومن هم في مدينة الموصل، وماذا عن مسيحي اقليم كوردستان ومشاكلهم، فهل يعيش هؤلاء في الفردوس دون انتهاكات في حقوقهم؟ وهل كل مطاليبهم جاهزة ومنفذة؟
ولنتجاوز هذا الخطأ التنظيمي، وأعتبرنا المؤتمر هو لاجل مستقبل مسيحي سهل نينوى. أ لا يدرك المؤتمرون أنهم أختطف المؤتمر حقوق وصوت سكان سهل نينوى؟ فمعظم الحضور هم من خارج المنطقة من عينكاوة ودهوك والبلدات المسيحية الاخرى في الاقليم، فما الذي يعرفه أبن الحرير أو أبن منكيش عن طبيعة  وتركيبة سهل نينوى المعقد؟ فأين حضور المسؤلين الاداريين  الرسميين كقائمقام الحمدانية وتلكيف، ومدراء ناحية القوش وبرطلة  ووجهائهم؟ ودينياً كهنة البلدات الكلدانية والرابطة الكلدانية التي اساساً لم تتلق دعوة للمشاركة، علماً بأنها المُبادرة الاولى للتخطيط والتنفيذ لاعمار البلدات الكلدانية في سهل نينوى بالتعاون والتنسيق مع الكنيسة الكلدانية، وأكثر أنتشارا وتوسعاً من كل الجهات المشاركة؟ أ ليس هؤلاء الادرى باوضاع المنطقة من غيرهم والاحقية لهم في تقرير مصيرهم؟ وأن كان بعض المشاركين من أبناء البلدات في سهل نينوى الا انهم مرتبطين بالمجلس الكلداني السرياني الاشوري المرتبط بدوره بسياسة أقليم كوردستان وأخص بالذكر الاحزاب المتنفذة في الاقليم. فحتماً ستتأثر مواقفهم بهذا الارتباط السياسي.
هذا الخطأ الذي جاء بدون وعيهم، يدل على أن من ساهم في المؤتمر له اجندات خاصة مدعومة لتحقيق مصالح فئات أخرى غير مسيحي العراق، والتكهنات تصب في مصلحة الاكراد، لاستغلالهم الوضعية الشاذة والاوضاع المضطربة السائدة في منطقة سهل نينوى. والا لماذا لم يكترثوا لاحوال المسيحيين في جميع أنحاء العراق؟ ولم يمنحوا الفرصة لمشاركة السكان الاصليين والمستقلين من ابناء المنطقة.
هل كان المؤتمر مصيرياً؟
                             أعتبر المشاركون في مؤتمر بروكسل أنه مصيرياً اي توقف مصير المسيحيين العراقيين أو تحديداً مسيحي منطقة سهل نينوى على ما يقره. بينما من متابعة ماجرى الاحظ أن المؤتمر بعيدُ جداً عن تقرير مصير المسيحيين في العراق للاسباب الاتية:
اولاً : عدم وجود تكافؤ بين الاثنيات والاحزاب السياسية والمشاركة الكنسية ،بل العكس الاكثر تاثيراً ومكانة في المجتمع العراقي سياسياً واجتماعياً وعلائقياً لم يشاركو كالبطريرك الكلداني  وبطاركة الكنائس الاشورية، والحزب الاكثر تأثيراً على الساحة السياسية ممثلا بالحركة الديمقراطية الاشورية والوطني الاشوري.مع غياب الرابطة الكلدانية الاكثر تأثيرا وفعاليةً ونشاطاً.كما لم يسجل حضور لاي حزب كلداني مستقل عن سياسة المجلس الكلداني السرياني الاشوري.
ثانياً: غياب ممثلي الحكومة العراقية التي هي صاحبة الشأن مع الطرف الاخر، أي المسيحيين لانهم عراقيون ومصيرهم مرتبط بالعراق والمجتمع العراقي. ولا تقول لي حضر السفير العراقي ،فحضوره لا يحرك ساكناً وتأثيره معدوم ،ومع هذا صرح انه يتمنى ان تعقد مثل هذه المؤتمرات داخل العراق، ولابد ان يمر كل ما يتوصل اليه المؤتمرمن خلال الدستور العراقي.نعم لكي يكتسب الشرعية العراقية ، وهنا يكون عقد المؤتمر ضد ارادة الحكومة العراقية، مما سيزيد من تعقيد و تأزم العلاقة والوضع بين المسيحيين والحكومة العراقية أكثر فاكثر، فبدلا من دعمهم، وُضعوا بين مطرقة وسندان الحكومة المركزية وحكومة الاقليم.
ثالثاً: مُنحت صفة الدولية للمؤتمر،الا أنه لم ألحظ اية مبادرة دولية لقيامه والحضور ،وانما هي مبادرة شخصية بتكليف من مهتمين في الخارج لشخص عضو في البرلمان الاوربي ،وليس عن تقرير مستقبل المسيحيين في العراق وأنما السعي للتنسيق بين الاحزاب المسيحية وتقديم النصائح كما لاحظت من وقائع المؤتمر المصورة، ومن بيان الاحزاب المشاركة الاخير.ومن جهة اخرى لو كان المؤتمر قد اكتسب الصفة الدولية لخرج البرلمان الاوربي ببيان مشترك، ولا تغطية اعلامية دولية عن الحدث ولا تصريحات رسمية للتأييد وما شابه. كان بأمكان أي فرد من ابناء شعبنا في المهجرأو كنيسة لهم علاقات شخصية مع أعضاء البرلمان في بلدانهم التحضير والتنسيق لمثل هذا المؤتمر، مثلما حدث كما تبين في مؤتمر بروكسل عن علاقتهم بأعضاء برلمان السويد.
فلا نتوقع من هكذا أنشطة أن يكون لنتائجها ذات وقعة دولية مؤثرة لتحقيق الهدف، ما لم تشارك الحكومات والمنظمات الدولية، وأخص بالذكر الدول المتنفذة مثل امريكا حيث تعد العراق حصتها في اللعبة السياسية الدولية، فهي التي حاربت الدكتاتورية فيها واسقطتها،وهي التي تحارب داعش حالياً، فلا أعتقد سيكون لدولة أخرى تأثيراًعلى الوضع العراقي وشأنه الداخلي غير أمريكا.
رابعاً: أعتبر المشاركون وبعض من المهتمين أن المؤتمر حقق فرصة أنشاء محافظة للمسيحيين، كانما المؤتمر كان النهاية وملزمة نتائجه بالتطبيق والتنفيذ فورا. أنما بحسب ما وضحت في النقطة السابقة لا يمكن الاعتماد على نتائج هكذا مؤتمرات.اما بالنسبة الى استحداث محافظة فلها أوضاعها ومعطياتها وتداخلات المنطقة ديمغرافياً وجغرافياً واثنياً وكونها منطقة صراع بين الكورد والعرب. وقد كُتب عن الموضوع من قبل المهتمين.
خامساً: كيف يمكن أن يحقق هكذا مؤتمر نتائج واهداف تصب في خدمة شعبنا، وكما وصفت حالة أنعقاده  وما شاهدته مسجلاً، حيث ضعف الادارة، والفوضى وكأنما يوحي للمشاهد أنه مؤتمر صحفي، والا كيف يحمل كل مشارك كاميرته ولا يكترث للمتحدثين، وكان محتوى كلمات الباطريركين الموقرين عبارة عن نصائح وبعيدة عن هدف المؤتمر. وهكذا نصحهم البرلماني.عليه ما جاء في البيان الختامي للمؤتمر غير مجدية ولا يمكن ان تعمم وغير قابلة للتنفيذ أو حتى المطالبة بها.
حيث جاء في البيان الختامي( أن هذا المشروع تم بناؤه بوحدة صفوف احزابنا ومؤسساتنا والمنظمات الجماهيرية الوجاهية ومنظمات المجتمع المدني والاكاديميين) .أية وحدة يتحدث عنها البيان ،واكبر الاحزاب والكنائس قاطعت المؤتمرولها تأثيرها في الوضع العراقي كما وضحت اعلاه.
جاء في البيان من الاسس التي اعتمد المؤتمر في مشروعه هو( التمكين الامني)في سهل نينوى، دون أن يوضح في ظل الحكومة المركزية أم حكومة الاقليم ، وهذا هو الاهم لان منطقة سهل نينوى هي من المناطق المتنازع عليها.
وكيف سيطالبون بمحافظة وثم تتحول الى اقليم دون مشاركة الاثنيات من سكان المنطقة والتي تنقسم هي الاخرى في ولاء بعض من ابنائها للحكومة المركزية والاخر لحكومة الاقليم .
كيف سيتم تشكيل مجلس سهل نينوى المؤقت في ظل غياب ممثلي البلدات الكلدانية عن المؤتمر،وغياب الحركة الديمقراطية الاشورية التي لها حضور في المنطقة.
وكيف سيتم تشكيل مجلس عسكري بالتنسيق مع الحكومتين، في حين لا توافق الاحزاب غير المشاركة بما أقره المؤتمر حيث لها وحدات عسكرية فعالة، ناهيك عن تشتت موالات الاحزاب المسيحية بين المركز والاقليم، ووجود وحدات عسكرية من الاثنيات الاخرى كالشبك والايزيديين.
وختاما، لا يمكن اعتبار مؤتمر بروكسل المنعقد للبحث عن مستقبل المسيحيين في العراق الا تظاهرة اعلامية كغيرها سعى اليها بعض من ممثلي شعبنا دون الاكتراث للاغلبية المؤثرة في الشأن العراقي،ولا تُعد نتائجه شرعية تعمم للانطلاق منها لتقرير مصير شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري لانها تفقد العقلانية والواقعية لاعتماد صياغتها على الجزء وليس الكل ، وعلى من ليس لهم خبرة بالشأن العراقي وهم بعيدون عنه .والغريب جاء في بيان الاحزاب المشاركة العبارة(وعندما طلبنا من لارس اداكتوسون استضافة مؤتمر دولي, قمنا بذلك من اجل وضع حد لسنوات من الخلافات والانقسامات السياسية التي قيدت بشدة قدرتنا على المضي قدما في المبادئ الاساسية التي استندنا عليها جميعا) كأنما المؤتمر هو من أجل التنسيق بين الاحزاب وتقديم النصائح لهم وليس من أجل المسيحيين في العراق. والغريب أيضاً تأكيدهم على عبارة الاجماع في الراي وهذا لم يحدث في ضوء ما ذكرته من المؤشرات.
تمنياتي لاحزاب شعبنا،الانطلاق من الواقع الذي يعيشه شعبنا والاعتماد على الذات والتعاون مع المسؤولين الروحانيين لكنائسنا الذين في العراق ،حيث هم الاكثر وعياً وادراكاً وتاثيراً في الشأن العراقي. والعمل الجماعي الحقيقي، والانطلاق من قبول الاخر واحترامه لتوحيد خطابهم .وان تقودهم العقلانية ،ونبذ المصالح الشخصية والحزبية الضيقة .

57
                                الى المشاركين في مؤتمر بروكسل
                          ألتزموا العقلانية وتجنبوا المخاطر، ولماذا الانسحاب؟
 د. عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                     تناولت وسائل الاعلام وبما فيها مواقع شعبنا الالكترونية حدث المشاركة في مؤتمر بروكسل للنقاش مع ممثلي البرلمان الاوربي حول مستقبل المسيحيين في العراق بعد داعش الذي ينعقد اليوم ،وتضاربت اراء الاعلاميين والكتاب الموالين والمؤازرين للاحزاب المسيحية السياسية من الاثنيات الثلاث بين مؤيدين ورافضين للمؤتمر في ضوء أعلان الكنيسة الكلدانية موقفها من المشاركة ،وأنسحاب كل من الحركة الديمقراطية الاشورية وكيان ابناء النهرين من المشاركة قبل انعقاد المؤتمر مع أصرار الاحزاب المسيحية الاخرى المشاركة في المؤتمر المذكور. ولاعتباره حدثاً مهما يخص شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني ومستقبله فلا بد من أبداء الرأي لعله يُفيد المعنيين.
تعدد المؤتمرات
               حرص المسؤولون من المكون المسيحي من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان الى أقامة المؤتمرات منذ سقوط بغداد عام 2003 للحوار المشترك بينهم لتهيئة أجواء سياسية لتحقيق مطالب شعبنا سواء على مستوى العراق أو اقليم كوردستان وباءت العديد منها بالفشل ،أو ساهمت الاحزاب السياسية عبر ممثليها في المؤتمرات التي نُظمت من قبل المنظمات الدولية لطرح قضايا شعبنا وتحقيق الامان والضمانات الدولية لحماية شعبنا أو لاستحداث محافظة سهل نينوى الى أن وصلت بعض النداءات الغريبة لمن هم في الخارج لاقامة أقليم سهل نينوى وبل بعضهم يرمون الى تحرير الاراضي الاشورية،أولتلقي المساعدة بعد أن هُجر شعبنا من بلداته  ومدنه قبل عامين على أثر غزوة داعش.
لم تقتصر المشاركة في المؤتمرات المنظمة من قبل المنظمات الدولية على السياسيين بل أيضاً ساهم الرؤساء الروحانيين للكنائس المسيحية أيضا،انما لم تكن دعوتهم هي لاقامة أقليم أو محافظة في سهل نينوى بل لحث  الحكومات المحلية لتحقيق مطالب المسيحيين بأعتبارهم مكون أساسي من الشعب العراقي بل المكون الاصيل ،أو لحث المجتمع الدولي لتقديم المساعدات المالية  والعينية لابناء شعبنا المهجرين أو لاعمار بلداته بعد دحر عصابات داعش .
من هم المشاركون؟
                      من المتابعة الاعلامية والشخصية تبين أن المشاركين من الاثنيات الثلاث في المؤتمر المذكور هم فئتان: الاولى الاحزاب السياسية المنتظمة داخل العراق ،والفئة الثانية هي جماعات غريبة وشاذة كما وصفها البعض سواء أحزاب أو أشخاص ولها أجندات ومطالب تعجيزية غير مدروسة، وهي غير مرغوب بها من قبل الاحزاب السياسية التي تُمثل شعبنا في العراق .وكانت بتقديري مشاركتهم هي السبب الرئيسي لانسحاب بعض الجهات.وهذا وصف للصحفي (أنطوان الصنا) لبعض من المشاركين في المؤتمر(نعم هناك اطراف وجهات دخيلة وغريبة وضاغطة قسم منها تعمل مع الحكومة العراقية تحت عناوين مسيحية كديكور والقسم الاخر مرتبط بمؤسسات عالمية تحمل اجندات غامضة وغريبة واحيانا مشبوهه على قضيتنا وحقوقنا وهم طبعا من ابناء شعبنا يتحدثون بأسم شعبنا بطريقة مستهجنة ومرفوضة وبدون وجه حق وهم لا يمثلون الا انفسهم ومن يقف خلفهم)
فاذن لماذا المشاركة طالما هناك أعتراف من مؤازري المجلس الشعبي الكلداني  السرياني الاشوري كاحد أهم اقطاب المشاركة في المؤتمر بأن بعض من المشاركين هم بهذه المواصفات ،أ لم يكونوا عثرة في تحقيق المؤتمرون أهدافهم ؟ أ لم يسيئوا الى سمعة الاحزاب السياسية لشعبنا العاملة في العراق ؟ كيف يتم اقناع هؤلاء الحالمين ولهم أجندات خاصة؟ أ ليست أفكارهم تنصب في طرد الكورد من الاراضي الاشورية ،بينما الاحزاب السياسية الاخرى هي موالية للكورد تماماً وتسير في فلكها ،فالنتيجة هي الخروج بصراعات وشعبنا لايتحملها؟فلا يستوجب أدانة من سحب من المؤتمر في هذه الحالة. فكيف تحدث الحوارات البناءة بين الاقطاب المتناقضة هذه؟وكيف يناقشون أوضاع شعبنا مع جهات غريبة وشاذة ومشبوهة؟
من غير الطبيعي أن تكون هناك عدة أحزاب يصل عددها الى عشرة تُشارك في المؤتمر وتمثل شعبنا في العراق الذي لا يتجاوز تعداده حسب التقديرات الاخيرة اربعة مئة الف في عموم العراق، والسؤال المطروح هل أن الشعب منقسم على نفسه بعدد الاحزاب السياسية ؟ علماً ان الاحزاب المشاركة ترمي في فلسفتها وتطلعاتها الى تحقيق نفس الاهداف لشعبنا لنيل حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية .تعدد الاحزاب دون وجود قاعدة جماهيرية ومؤازرين لمعظمها هي حالة سلبية ،فهناك أحزاب لا يعدو عدد منتسبيها عدد أصابع اليدين ،وبعض منها لها مؤازرين ومنتسبين لا تؤهلها لان تمثل مجموعة من الشعب  بأستثناء الحركة الديمقراطية الاشورية .فما الحاجة لهذا العدد من الاحزاب طالما ترمي في أجندتها الى نفس الاهداف ،كان من الافضل أختزالها .والا يبدو واضحاً ان وجود هذا العدد من الاحزاب هو الركض لتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة فما فائدة حزب لا يعدو منتسبيه أفراد العائلة وبعض الاقرباء وليس له قاعدة جماهيرية تُذكر وحتى نشاط سياسي ما؟ أ ليست هذه مسألة مُعيبة ؟
يتم عادة تهيئة الاطراف المنسجمة كحد أدنى للمشاركة في المؤتمرات لكي يتمكن المؤتمرون والمساعدون لتلك الاطراف من تقريب وجهات النظر وثم تحقيق النتائج المرجوة من أجتماعهم وحوارهم.بينما الاحظ في هذا المؤتمر يلتقي فيه مجموعات تقع عل قطبين متناقضين تماماً ،فهناك مثلا من يرمي الى انشاء أقليم  أو حكم ذاتي ،واخرون يعيشون في أحلام اليقظة لانشاء امبراطوريات وتحرير الاراضي الاشورية من الكورد والعرب، بينما بعضهم يكتفون بمحافظة في سهل نينوى بدعم من الكورد ومرتبطة توجهاتهم بما يرمي أليه الكورد أنفسهم. وأن بعض منهم لا يُفترض حضورهم ودعوتهم لغرابة مطالبهم التعجيزية لكونهم شباب يفتقدون الى الخبرة ،كما أن مشاركة من هم خارج العراق في بلدان الانتشار من أبناء شعبنا هم نقمة على المشاركين لطرحهم أفكاراً ومشاريعاً خيالية لعدم تمكنهم من استقراء الواقع الفعلي داخل العراق والمنطقة المجاورة ،وهم يعيشون في نعيم البلدان المتقدمة من حيث الامان والاستقرار والراحة والاطمئنان على الحياة ويبثون بأفكارهم الشاذة لتعكس على أبناء شعبنا في العراق ،دون أن يجهدوا أنفسهم ويذهبون للعيش هناك. فهم حتماً سيكونوا سبباً لفشل المؤتمر . 
وفي تقديري أن الحركة الديمقراطية الاشورية,وابناء النهرين هما أكثر وعياً وأدراكاً لما ذكرته عن طبيعة المشاركين في المؤتمر من الغربة عن الاحزاب السياسية لابناء شعبنا في العراق والذين يحملون الى المؤتمر أجندات تعجيرية وتنعدم خبرتهم عن الاوضاع الداخلية وما يتعرض اليه شعبنا،ولهذا تجنبوا أن يتحملوا المسؤولية التاريخية في التأثير سلباً على شعبهم.
أما أنسحاب الكنيسة الكلدانية
                           يمثل الكنيسة الكلدانية في العالم غبطة البطريرك مار لويس ساكو ،وكثيراً ما توجه أليه أصابع الاتهام أعلامياً من الكتاب المؤازرين للأحزاب السياسية وأخص بالذكر من المؤازرين للمجلس الشعبي الكلداني السرياني،أنه يقف عائقاً بنشاطاته المتعددة دون تحقيق شعبنا لحقوقه أو تحقيق الاحزاب السياسية لمطاليبها .لم تمر مناسبة دون توجيه مثل هذه الاتهامات لغبطته وآخرها بعد أن اعلنت الكنيسة الكلدانية موقفها الصريح والواضح في مبرراتها من المشاركة في المؤتمر المذكور.أنما في هذه المرة أوقعوا هؤلاء الكتاب أنفسهم في مأزق من التناقض وعدم المصداقية لطروحاتهم ،وتبين جلياً أن ما يطرحون هو عبارة عن توجيهات صادرة من الجهات التي يرتبطون بها.أما أين هو التناقض ؟ في كل حركة يخطوها البطريرك مار ساكو سواء محلياً أو دولياً تعلو الاصوات بالتنديد والتذمر من نشاطات غبطته لكي يبتعد عن السياسة ودهاليزها ويمنح الفرصة للاحزاب السياسية للعمل ،كأنما غبطته صدر مرسوما بتعطيل الانشطة السياسية!! ولم تمر مناسبة والا التنديد والتذمر،بينما لمناسبة أنسحاب الكنيسة الكلدانية وتحديد موقفها من المؤتمر تعالت الاصوات الاعلامية  نفسها عاكسة موقفها الاول تماماً ،وتدعو غبطته المشاركة  في الحوار كأنما في هذه الحالة لا تعبر عن مشاركة سياسية ،الامر الذي جعلني في حيرة من أمري للتساؤل ، ما هي مقاساتهم ومعاييرهم للتمييز بين ما يقوم به رجال الدين من النشاطات لتكون سياسية أو غير سياسية.أم أن قياساتهم تعتمد على مدى توافق نشاط البطريرك مع أهدافهم وتطلعاتهم ؟ هذه حالة غير صحية ومجدية وموقف غير سليم.
لماذا انسحاب الكنيسة الكلدانية ؟
                            من متابعة طروحات ومواقف الكنيسة المتمثلة بما يطرحه راس الكنيسة البطريرك مار ساكو ، يتبين بوضوح ومنذ البدء أن رؤية غبطته هي الحث على روح المواطنة وبناء دولة دستورية تعتمد على القانون ونبذ كل حالات الطائفية والمذهبية والركون الى سياسة قبول الاخر المختلف ،وعلى هذا الاساس ولوعيه وادراكه التام للواقع السياسي الاجتماعي والديني والاداري الذي يعيشه المجتمع العراقي ،بما فيها طبيعة الصراعات بين الكتل السياسية المتنفذة سواء في المركز أو الاقليم جعلته أن يتبنى خطاباً معتدلا يصب في بناء عراق دستوري وتنمية الروح الوطنية والانتماء الى العراق الموحد.
ومن جهة أخرى يبذل غبطة البطريرك مار ساكو جلّ جهوده في رعاية وتحسين أوضاع رعيته من الاثنية الكلدانية وثم عموم المسيحيين في العراق من الاشوريين والسريان والارمن وغيرهم في العراق ،فهو منذ تسلمه السدة البطريركية موجهاً اهتماماته وقدراته لتحقيق الامان والطمأنينة لشعبه المسيحي ،سواء لرعاية المهجرين من أبناء شعبنا أو اعمار بلداته وقراه بعد اندحار عصابات داعش. ويحاول جاهداً على المستوى المحلي أو الاقليمي أو الدولي طرح مطاليب شعبنا من المكون المسيحي وعرض مأساته وقضاياه للراي العام العالمي الشعبي والرسمي لدعم  الشعب العراقي بمجمل مكوناته والمسيحيين خاصة، ومن الطبيعي قد تجني بعض من محاولاته ثماراً وبعضها لا تلقي أذنا صاغية بل وعوداَ فحسب.
من جملة الحوارات التي أجراها غبطته هي مع ممثلين من البرلمان الاوربي ولعدة مرات ،وقد تكون قناعة مار ساكو بعدم الجدوى من الحوار معهم هو أحد أسباب أعلان  عن موقف الكنيسة الكلدانية من المؤتمر الحالي ، فهو واضح جداً أن القرار السياسي العالمي هو مرتبط بالسياسة الامريكية فلا حل وربط للمنظمات الدولية بما فيها البرلمان الاوربي والامم المتحدة ما لم تتلق الضوء الاخضر من الحكومة الامريكية ،وأخص بالذكر ما يتعلق بقضايا العراق الداخلية والخارجية.فهي أي أمريكا التي تقرر السياسة الدولية  وترسم الخرائط السياسية وليست الامم المتحدة أو البرلمان الاوربي.
ومن الاسباب الاخرى ، في تقديري هي المطالب التعجيزية المدفوعة بأتجاه مكون واحد  التي  يناقشها المؤتمرون ،حيث الوضوح في موقف الكنيسة الكلدانية من الحكم الذاتي أو المحافظة الخاصة ، لادراك غبطة البطريرك واخوته الاساقفة للواقع العراقي وأهمية الانطلاق من العيش المشترك في العراق ،ويتجنبوا أن يكون شعبنا ضحية لصراعات الكتل السياسية المتنفذة في البلد.ومن هذا المنطلق ستدعم عدم المشاركة موقف المسيحيين لدى الحكومة العراقية لتلبية المطالب المعقولة والمناسبة في المرحلة الحرجة والمربكة التي تحتاج الى الواقعية والحكمة والتأني .
ومن الاسباب المهمة لاعتبار المؤتمر غير مدروس ،وعدم التناسق بين المشتركين لوجود شباب تنعدم لديهم الخبرة عن الواقع العراقي ، كما ان هناك من بين الاحزاب ذهبت الى المؤتمر تحت ضغوط جهات متنفذة لتكون ورقة مهمة لتحقيق أهدافها.
أنسحاب الكنيسة الكلدانية لا يمنع أحد من المشاركة في المؤتمر فكل جهة حرة في تحملها المسؤولية التاريخية تجاه شعبنا،بينما غبطة البطريرك لم يقبل ضميره أن يفرط بحياة شعبه المتبقي والمسؤول عنه روحياً امام الجميع.وعليه برأيي تجنب المشاركة في المؤتمر الحالي ادراكا لنتائجه التي ستعكس سلباً على شعبناوفقاً لتنظيمه غير المدروس والمتقن.
فمن السذاجة التفكير أن البطريرك مار ساكو تتوقف طروحاته أو مشاركته على مدى تمسكه بزمام الامور والانفراد بها كما ذكرت السيدة( تيريزا أيشو) في مقالتها الاخيرة ،أو لمغازلته ومجاملته للحكومة الفاسدة كما ذكر الصحفي (انطوان الصنا) في مقالته الاخيرة ،متناسياً أن الاحزاب المشاركة هي جزء من تلك الحكومة.أنما غبطته ينطلق من حرصه الابوي والروحي على رعيته من أبناء شعبنا الكلدان وثم المسيحيين عموماً.فهو من دون أن يمنح أحد له القيادة قائدا روحياً أُختير رسمياً من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية. ثم أن المشاركات  والنشاطات التي يؤديها غبطته تصب دائماً في تحقيق الرعاية بكافة المجالات لابناء شعبنا المهجر واعمار البلدات بعد تحريرها ،والمطالبة بتشريع قوانين عادلة بحق شعبنا.ولا تصب في طموحات سياسية شخصية أو تحقيق مكاسب شخصية وأموال كما يفعل غيره.
وختاماً أناشد المؤتمرون التحلي بالعقلانية وادراك الواقع المُعاش لشعبنا في العراق لكي تكون مطاليبهم واقعية مرتبطة بالوضع الراهن ،يجنبوا شعبنا أن يكون ضحية لصراع الكتل المتنفذة في العراق ،وأن يدركوا تماماً أن العامل الديمغرافي لشعبنا لا يساعد في أخضاعه الى ويلات أخرى لتُزيد من المأساة والاضطهادات ،فهو أي شعبنا لا يمكنه أن يتحدى اللعبة السياسية المحلية والدولية ،فهو لا يتحمل المزيد من الانتكاسات والمخاطر.

58
            تناقضات وتشويهات ومغالطات في محتوى رد تنظيمات شعبنا السياسية
                             لبيان الرابطة الكلدانية
د. عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
                   أصدرت الرابطة الكلدانية في 21/ 5/ 2017  بياناً أكدت فيه تبني  تسمية "المكون المسيحي" بدلا من التسمية المركبة " الكلدان السريان الاشوريين" في المرحلة الراهنة. والتسمية المركبة تبنتها أحزاب شعبنا عام 2011 بناءاً عى مقترح قدمه المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري. وعلى أثر بيان الرابطة أصدرتجمع التنظيمات  السياسية الكلدانية السريانية الاشورية رداً بعنوان "نرفض المغالطات الواردة في بيان الرابطة الكلدانية حول التسمية" في 23/5/2017 .وبعد قراءتي البيان والرد استشفت أن رد التجمع لايقتصر فقط محتواه على المغالطات وأنما التناقضات والتشويهات، وبعد ربط تحليل الرد بالمعطيات والمتغيرات والاحداث تبين ما يأتي:
1 – اللغة التي أستخدمها كاتب الرد لا ترقى الى مستوى تجمع أحزاب سياسية تمثل شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري في العراق وخارجه وقد، تبين من لغته كأنما أحد الاشخاص كتب الرد له مواقف وأحكام مسبقة تجاه الرابطة والكلدان وكنيستهم بشكل عام مما يدل بوضوح أستخدام لغة تسقيطية بدلا من مناقشة الفكرة أو البيان بجدية وحجج دامغة منطقية يمكن الاعتماد عليها لاعتراض ما جاء في بيان الرابطة. وسيتبين من النقاط التالية بوضوح أكثر طبيعة اللغة المكتوبة في الخطاب وما أحتوى من المغالطات والتشويه والتناقض.
2 -  من المغالطات والتشويه (هنا نود القول الى ان الرابطة قد ناقضت نفسها بنفسها من انها اعتمدت التسمية في الدستور العراقي وهي اساساً تسمية قومية لشعبنا دون ذكر السريان فيها وهذا له دلالات اخرى.)
أين التناقض ؟ بيان الرابطة يؤكد على الالتزام مبدئياً بالتسمية الرسمية في الدستور العراقي التي هي الكلدان والاشوريين ،أي جلياً ترفض التسمية المركبة ، بينما للتبريرات التي قدمها البيان يؤكد على تبني تسمية " المكون المسيحي" في المرحلة الراهنة ،ألا تميزون عبارة "المرحلة الراهنة" عن لو ذكر المدون مبدئياً أو على الدوام؟ فالعبارة واضحة جداً .فهي قناعة أعضائها ومؤازريها وجاءت للتأكيد فيما أدرج في مواد نظامها الداخلي الذي يؤكد على أحترام خصوصيات كل أثنية من أثنيات شعبنا وقبول الاخر وتنمية الوعي القومي الكلداني والتعبير عن الهوية الكلدانية .مثلما كانت قناعة الاحزاب التي تبنت التسمية المركبة التي أقترحها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ،وثم أعتبرت مرحلية بعد أن تعرضت الى عدة انتقادات، فالتناقض هو واضح عندكم لاغفالكم المقارنة بين موقف الرابطة وموقفكم من التسمية المركبة باعتبارها مرحلية.
ويبدو واضحاً تشويه ردكم لموقف الرابطة من الاخوة السريان، نعم كان من المفروض أن يذكر البيان ماهي التسمية المعتمدة في الدستور العراقي ، وفي كل الاحوال القول: نعتمد التسمية الرسمية كما هي واردة في الدستور العراقي لا يعني عدم أحترام وقبول الاثنية السريانية وخصوصيتها، فموقفها واضح من نظامها الداخلي ، فهي لا تعترض على أية تسمية اثنية ،لو كانت التسمية السريانية واردة الى جانب التسميتين الاخريتين لكان موقف الرابطة هو نفسه اطلاق الكلدان والسريان والاشوريين ،وثم للعلم وبحسب معرفتي أن أحد المطالبين بدرج السريان في الدستور الى جانب الكلدان والاشوريين هو غبطة البطريرك مار لويس بعد أن أعترض السريان على المسألة لدى الحكومة العراقية.
فهنا أحدى مؤشرات التسقيط والتشويه للموقف بين الرابطة والاخوة السريان، والا لما ذكرتم عدم وجود السريان ؟
3 – مما هو جدير بالذكر، رسمياً يجب أعتماد التسمية التي وردت في الدستور العراقي ،لان ما يورد في دستور الاقليم غير ملزم في جميع أنحاء العراق وأنما حدوده القانونية هي المناطق الخاضعة للأقليم ، فعليه أيها السادة عليكم الانتباه الى هذه المسالة ، طالما التسمية المركبة لها وجود في دستور الاقليم ، يعني ذلك قوتها القانونية هي مع حدود اقليم كوردستان. وهذه معلومة عند السياسيين والقانونيين ،فالتدريس باللغة الكوردية  مثلاً قُرر في الدستور الكوردي ويشمل حدود الاقليم فقط .أي للاقليم خصوصيات قانونية لتنظيم الحياة في الاقليم ولا يمكن تعميمها على العراق. فأذن فرضكم التسمية المركبة مخالفة للقانون العراقي وفقاً للدستور العراقي الذي يعتمد تسمية الكلدان والاشوريين وأتمنى بل أدعو يوم أضافة السريان أيضاً لتكتمل مسألة أحترام وقبول الاخر.
4 – بالرغم من أن دعوة الرابطة لتبني مفهوم" المكون المسيحي" في المرحلة الراهنة ، فهي لا تعني ألغاء الانتماء الوطني والقومي كما ترون وأكدتم في ردكم ، فالمواطنة لا تكتسب بأطلاق التسمية الاثنية على المواطن فقط ، فالمسيحيون هم مواطنون عراقيون ولا تُلغى وطنيتهم بتسميتهم " مكون مسيحي " كما تُسمي المسلمون والصابئة والايزيديون والكاكائيون ،فهل هؤلاء لا انتماء وطني لهم؟ الانتماء الوطني هو شعور الفرد بالانتماء الى الارض الذي يمتلك مقومات الوطن سواء كان كلدانياً أو سرياناً أو اشورياً أو كوردياً أو عربياً. فالمواطنة تُكتسب بالجنسية وثم قوة الشعور بالانتماء .ووفقاً لردكم طالما لا نُسمي أنفسنا كلدان سريان اشوريين نفقد الانتماء الوطني والقومي!!! تصور لا يُرقى لاحزاب سياسية تمثل شعبنا.
5 – قولكم سيكون تعامل الحكومة مع شعبنا على أساس مفهوم " أهل الذمة " يا عقلاء شعبنا المحترمون واسألكم ،وهل تتعاطى الحكومة مع شعبنا منذ 2003 على أساس الاثني أو القومي بمفهومكم؟ هل تحتاج المسألة الى أيضاح أم باتت معروفة للجميع ؟وهي معروفة أنما هنا قولكم ليس الا للتشويه والمغالطة المتعمدة.
أخوتي السياسيين : أنتم تمارسون العمل في ظل حكومة طائفية دينية مئة بالمئة تستحوذ على السلطة أحزاب دينية كبيرة من السنة والشيعة ولها مرجعياتها الدينية ، ومن اليوم الاول لسلطتهم يتعاطون معكم على أساس المكون المسيحي شئتم أن ابيتم ومن يوم " بول بريمر" الذي كان له الدور الكبير في خلق هكذا نظام طائفي ديني .فماذا تعني المحاصصة الطائفية ؟ بماذا ينعتون ممثليكم في البرلمان ؟ أ ليس ممثلوا المسيحيين؟ لم نسمع يوما وقيل ممثل الاشوريين أو السريان أو الكلدان أو بحسب التسمية المركبة.وحتى الاعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي يتعامل هكذا معكم .ممثلوا المكون المسيحي في البرلمان ومجالس المحافظات ، المدارس المسيحية ، تاريخ المسيحيين في العراق ، القرى المسيحية ، التواجد المسيحي ، الاضطهاد المسيحي ، الرموز المسيحية، الاثار المسيحية، تحرير البلدات المسيحية، بيوت المسيحيين.... وهناك المزيد، هذه جملة من العبارات والمفاهيم المتداولة في الاعلام العراقي وعند الساسة العراقيين وحتى عند العامة من العراقيين ،ولم نر يوما يقال الممثل الاشوري أو وجود الكلدان أو القرى السريانية او القرى الكلدانية. 
من اليوم الاول لتغيير النظام السابق تعد مشورة رجال الدين هي الاساس عند الحكومة العراقية ، كونوا على ثقة أيها الاخوة لا يمكن تمرير مسألة ما تخص المسيحيين في البرلمان أو الحكومة وحتى لو سعى أليها ممثلوا شعبنا ما لم تؤخذ بنظر الاعتبار مشورة رؤساء الكنائس ، ولكي أكون أكثر دقة معظمها.
لمن توجه الدعوات للمشاركة في المؤتمرات والندوات وطلب الموقف تجاه مسالة ما ؟  توجه الى رؤساء الكنائس وأخص بالذكر غبطة البطريرك مار لويس بطريرك الكنيسة الكلدانية ، لم يطلب البطريرك مار ساكو من السيد عمار الحكيم الاطلاع ووضع مطاليب المسيحيين في وثيقة التسوية ،بل هو الذي جاءه ولم يمر عند غيره وحتى الدعوات الرسمية من قبل المسؤولين في الخارج موجهة اليهم .يأتي رئيس دولة أو وزير أو سفير أو أي مسؤول آخر في زيارة للعراق ويوجه الى صومعة البطريرك مار لويس للتشاور مع غبطته ، ولا يتوجه الى مكاتب أحزابكم لا في الاقليم ولا في أنحاء العراق .ليس التعاطي مع شعبنا كمكون مسيحي على مستوى العراق فحسب بل على المستوى الاقليمي والعالمي أيضاً.
اخوتي هذه الامور لا تغيب عن معرفتكم وانتم تعيشونها ميدانياً، فالتعاطي مع شعبنا شئنا أم أبينا كما ذكرت هو تعاطي طائفي ديني خالص وليست الرابطة هي السبب فلها من العمر سنتان ،بل السبب هي الحكومة العراقية نفسها ،فأعترضوا على أساسياتها أي الجذور ولا تعترضوا على الرابطة.
الرابطة تفهمت منطقياً المرحلة التي يمر بها المجتمع العراقي حكومة وشعباً وطبيعة الاحداث المتسارعة، فترى بقناعتها أن تداول مفهوم" المكون المسيحي" في المرحلة الراهنة هو الافضل لتفادي التهميش والخلط ولاجل توحيد الكلمة لشعبنا. فأرجو منكم الاعتراض لدى المجتمع العراقي شعباً وحكومة.
6 – لماذا لايحق للرابطة ابداء رأيها بالتسمية؟ التسمية ليست حكراً على أحد فهي تعتمد على قرار ذاتي من الفرد شخصياً ومن أية مؤسسة أو منظمة مجتمع مدني أو أية كنيسة، أو اي باحث أو رجل دين أو سياسي وحتى من البسطاء في الشعب، فالتسمية لو تُرك تحديدها على الفكر السياسي للاحزاب سوف بدون شك تتأثر بالايديولوجية التي تعتمدها في فلسفتها الحزبية. فالتسمية ليست حصرا في تحديدها على السياسيين ، بل منطقياً في مثل هذه الحالات يقرها الباحثون المستقلون واكرر المستقلون الذين لا يرتبطون بأيديولوجيات سياسية. فيتوهم من يؤكد على أن مسألة التسمية هي سياسية توهما كبيرا.
7 – التشويه المتعمد والمغالطة الصريحة ألاعتماد في تبريركم بأن لا يمكن أن تتدخل الرابطة بالشؤون السياسية حسب الفقرة 10 من المادة الثالثة . حيث شوهتم الفقرة لكتابتكم المتقطعة لها بهذه الصيغة" تعنى الرابطة بالشؤون الانسانية والاجتماعية  ،،،،،، ولن تتحول الى حزب سياسي). أليس هذا تشويه عزيزي القاريء، قارن مع اصل الفقرة" تعني الرابطة بالشؤون الانسانية والاجتماعية والثقافية والقومية والسياسية، ولن تتحول الى حزب سياسي." لماذا حذفت القومية والسياسية ،بالطبع هو تعمد لتشويه أهداف الرابطة والايحاء للقراء بأن ليس من أهداف الرابطة الاعتناء بالشوؤن السياسية والقومية.
نعم الرابطة لا تتحول الى حزب سياسي، وانما من حقها كمنظمة مجتمع مدني الدفاع والاعتناء بحقوق الشعب الكلداني الذي تخصه، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والدينية مع احترام وقبول والدفاع عن حقوق الاثنيات الاخرى والمذاهب الدينية الاخرى كما تعمل كل منظمات المجتمع المدني ، فماذا تسعى اليه مثلا منظمة حمو رابي ،ومنظمة شلومو ، ومنظمة الدفاع عن الاقليات؟ أ ليس الدفاع عن هذه الحقوق ؟ والرابطة لا تقوم خلافاً لذلك. بل يدعوها نظامها الداخلي الى القيام بهكذا فعاليات وأنشطة. ففي المادة الثانية يؤكد المشرع لنظامها لتعريفها " هي رابطة مدنية عالمية غير حكومية، تعبر عن الهوية الكلدانية وعن الانتماء الى الشعب الكلداني ( الامة الكلدانية) في كل مكان " .وتشير أيضاً الفقرة 2 من المادة الثالثة الى " العمل على تشجيع وتنمية الوعي القومي الكلداني" وفي الفقرة 4 من المادة نفسها " العمل من اجل الحفاظ على الحقوق الاجتماعية والثقافية والسياسية للكلدان والدفاع عنها" مواد صريحة تخول الرابطة للدفاع عن الحقوق السياسية والقومية بما فيها التسمية الى جانب الحقوق الاخرى. ومن حقها الاعتراض على تشويه تسمية الشعب الكلداني. وهذا لا يعني أنها تحولت الى حزب سياسي، لان كما أشرت كل الوكالات والمؤسسات في المجتمع ممكن ان تسعى الى ما تسعى اليه الاحزاب السياسية .
8 – الرابطة الكلدانية تتوخى الدقة في بياناتها ولا مؤشرات للازدواجية في عملها وفكرها ، فهي تؤكد على تسمية المكون المسيحي في المرحلة الراهنة ومبدئياً تداول التسميات الثلاث منطلقة من مبدأ قبول واحترام الاخر وبما تمتلك من خصوصيات ، أنما الازدواجية تبدو واضحة جلية في مساعيكم ،كيف؟ تبنى المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري التسمية المركبة وثم لاقناع الاحزاب التي لم تكن مقنعة بالتسمية المركبة اضافة الى الانتقادات التي تعرض لها بدأ المسؤلون في المجلس الشعبي بطرح فكرة أنها تسمية مرحلية للظروف الراهنة ولتجنب الصراع الفكري حول التسمية. هنا لا أعتراض شخصي عليها ، ماهي التسمية المبدئية التي يتبناها المجلس الشعبي وتجمع الاحزاب السياسية ؟ لا يتجرأ أحد لذكرها لغرض تمرير الاجندات السياسية والمصالح الحزبية والشخصية على شعبنا من الاثنيات الثلاث. بل نجد الرابطة على العكس تدعو لتبني تسمية مكون مسيحي مرحلياً بينما مبدئياً التسمية المنفردة لكل أثنية بحسب الدستور؟ فأين الازدواجية لدى المجلس وتجمع الاحزاب أم لدى الرابطة؟
كما أن النظام الداخلي للرابطة واضح جداً وتؤكد انها لا تتحول الى حزب سياسي وأهدافها محددة. بينما المجلس الشعبي ، بالرغم من اهمية الاهداف التي يسعى اليها كما جاءت في نظامه الداخلي الا أن النظام الداخلي له لا يشير الى طبيعة المجلس هل هو منظمة مجتمع مدني أم حزب سياسي ؟ فاذا كان منظمة مجتمع مدني كما هي الرابطة فلا يحق له التدخل بالسياسة والشؤون القومية والتسمية كما تدعون في ردكم بان هذا من اختصاص الاحزاب السياسية ،بينما هو الاول من مؤسسات شعبنا أثار موضوع التسمية؟ فهل يحق للمجلس الاعتراض ولا يحق للرابطة؟ ولا اعتراض شخصي لو ثبت المجلس الشعبي أنه حزب سياسي ،فادعو المجلس من التخلي عن موضوع التسمية لكي ادعو الرابطة الكلدانية أيضاً لانهما في نفس القياس المؤسساتي. أ ليس هذا تناقض آخر يا سياسي شعبنا عندكم؟
9 – الرابطة الكلدانية لا تتدخل بشؤون الاخرين ولا تُلزم الاخرين بدعواتها ومقترحاتها كما أشرتم أليه في ردكم ، بل دعوتها صريحة للشعب الكلداني في تبنيه المكون المسيحي مرحلياً ومبدئياً التسمية الكلدانية كما وردت في الدستور العراقي .وهذه مغالطة اخرى لتشويه البيان .
10 – من المؤسف جدا أن يحتوي بيان صادر من احزاب سياسية تمثل شعبنا من وجهة نظرها ومن أعلى قيادات لها على تسقيط وتشويه سمعة مؤسسة أخرى. فعبارة ( تمويل من أموال المؤمنين)ولو أنها عبارة ركيكة في تركيبها الا انها تشير الى التسقيط ، وفما هي أدلتكم لكي تتهمون الرابطة الكلدانية بأستغلال أموال المؤمنين، متى سمعتم وقرأتم ان الرابطة طلبت وألزمت المؤمنين بدفع الاموال ؟ ويمكن ان تدخل هذه المسألة في المساءلة القانونية ومقاضاتكم عليها ؟فكونوا حذرين أيها الساسة لاحزاب شعبنا في بياناتكم ولابناء جلدتكم. فالاتهام الباطل تعرفون نتائجه. فنظامها الداخلي بالشأن المالي واضح فأعتمادها على التمويل الذاتي والهبات والتبرعات من أي مؤسسة أو شخص .
10 – جاءت كلمة " حشر" غير المقبولة لغوياً في الخطاب في ردكم ، وهذه ناقشتها بمقارنة مع المجلس الشعبي في الفقرة 8 أعلاه .انما كيف تعتبرون بيان صادر من مؤسسة لها نظامها الداخلي وأعضائها الذين بلغوا في فترة قياسية أضعاف أعضاء أغلبية أحزابكم باستثناء الحركة الديمقراطية الاشورية ومؤازريها في مختلف بلدان العالم من العلمانيين ورجال الدين الكلدانيين ولها تسجيل رسمي في الوطن والخارج ،كيف تعتبرون أنها توجهات " فردية" وماهي الشرعية التي تخولكم بأن تقبلون أو لاتقبلون ما تدعو أليه الرابطة الكلدانية ؟ كما لتجمع السياسي مواقفه وارائه تجاه الاحداث القومية والوطنية والسياسية فكل المؤسسات الاخرى بما فيها الرابطة الكلدانية لها مواقفها. الا ترون هذه محاولة لتسقيط الاخر؟ كما يتماشى مع أهدافكم فكم من بيانات أو ردود أفعال صدرت من التجمع السياسي لشعبنا تجاه حركة آشور مثلا التي تعمل في وادي وانتم في واد اخر انكم تبنون في الوطن وانهم بالاتجاه المعاكس، وبالطبع يستثنى تصريح الاستاذ يونادم كنا الذي نفى تمثيلهم لشعبنا في الداخل. وكم من تصريح صدر بشأن الحزب الارامي الديمقراطي الذي يعد الكل سريانأ بحسب أيديولوجيته  ولا يعتبر وجود وطن من ايران والى لبنان الا وطن السريان؟ والا يعتبر البيان الاخير للسادة المطارنة السريان الاخير من فئة الافعال الفردية؟ أ اليست زيارات البطاركة الاجلاء في الكنائس الاشورية والسريانية  الى المسؤولين الحكوميين هي فردية؟ أ ليس حضور ممثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري في كندا السيد مظلوم مروكي الى اللقاء المنظم مع مسرور البرزاني في العاصمة الامريكية من الافعال الفردية ؟ وهناك العديد من الامثلة.
ولكن لماذا تتصاعد وتيرة الاعتراضات والاستنكارات واعتبارها تدخلا بالسياسة عندما يصرح أو يلتقي أو يشارك في فعالية ما ، غبطة البطريرك مار لويس  رئيس الكنيسة الكلدانية  وهكذا تعملون عندما تصرح أو تقوم بفعالية ما الرابطة الكلدانية ؟هل هناك لُغز ؟ اسعفونا به .أم ماذا هل االكلدان يعملون من اجل انفسهم فقط ؟ والاخرين من أجل الكل؟ لا اظن والمؤشرات لا تدل على ذلك.
وختاماَ: أقول  أن أعمالكم ونشاطكم مثمن ومقدر عندي شخصياً وانتم تعملون في ظل ظروف سياسية واجتماعية ودينية واقتصادية قاسية وشاقة جداً وتحملتم الاهانات والاضطراب الامني ومشقات العمل السياسي ، الا أنه وفي ضوء هذا الرد المتشنج وذو لغة خطابية لا ترتقي الى مصاف أحزاب سياسية تمثل شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني ،ففيه أشارات التسقيط والاتهامات والتشويه والتناقضات كما بينت اعلاه وفقاً لاساسيات ومبادىء تحليل الخطاب، فاتمنى أن يرقى خطابكم الى مستوى نفتخر به جميعاً خطاب قبول الاخر بخصوصياته وتقبل المواقف والاراء كما لكم من مواقف واراء يجب أن تُحترم من قبل الاخرين. تجنبوا العمل الازدواجي فهذا مؤشر للضعف وعدم امتلاك الحجج الفكرية لمخاطبة الاخرين وتفسير انشطتهم، فلا تتهموا الاخرين بالتناقض والتناقض شاهد في اعمالكم وافكاركم .
اتمنى لو تكلفت أحدى منظمات المجتمع المدني في العراق أن تنظم دورة تأهيلية للقادة في مختلف مناحي الحياة بما فيها السياسية، فبرامج أعداد وتأهيل القادة قائمة في البلدان المتقدمة وتقدمها معاهد خاصة وأقسام علمية متضمنة برامج علم الخطاب والحوار والتفاوض والتغذية الراجعة والعلاقات العامة والتكيف مع المتغيرات والمستجدات. ليس الكلام موجه اليكم فقط بل الى كل القادة في العراق من مختلف الاثنيات والاتجاهات من العلمانيين والروحانيين، وهذا ليس أنتقاصاً منكم أبدا،بقدر ما هو حرصي على متابعتكم ما يستجد في عالم القيادة في عصر المعلومات، عصر السرعة، ففي كل يوم يخرج المفكرون لنا بنظرية واسس على القادة ان يتعاطى بها ،انها تتغير لان المتغيرات والاحداث المتسارعة تتغير فكل شيء وظاهرة في المجتمع مرتبطة ارتبطا عضوياً بالاخرى فأي تغيير جرى في الصحافة او الاقتصاد او التكنولوجية مثلا يستوجب متابعته من قبل القادة لكي يتمكنوا من التواصل . وهذا أحدى اسرار تقدم البلدان الغربية وتأخر البلدان النائمة، وليست النامية لان النامية تنمو ولكن بلداننا نائمة.ولا أقصد هنا الدورات التـاهيلية تخص القادة فقط وأنما جميعنا بحاجة مستمرة لها كل وبحسب مجال عمله وأختصاصه.
أرجو أن لا يُعد أو يُفسر ما كتبت تخويلاً من جهة ما ، فالمقال والتحليل هو التعبير عن الرأي الشخصي، أنطلاقاً من دعمي لنظرية قبول وأحترام الاخر .كما وارجو عدم تغيير اتجاه المقال فهو عن تحليل رد خطابي وشكرا.
تحياتي مع تمنياتي لكم بالموفقية.

 رابط رد التجمع السياسي
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=841065.0
   رابط بيان الرابطة الكلدانية
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,840863.0.html

59
                        السادة المطارنة السريان الموقرون
                بيانكم بحاجة الى الدقة في صياغة العنوان وتحديد الموقف

د. عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                              في 14 من الشهر الجاري وفقاً للخبر المنشور على موقع عينكاوة الالكتروني (الرابط أدناه) صدر بيان موقع من قبل ثلاث مطارنة من الاثنية السريانية بعنوان( بيان رؤساء الكنائس المسيحية في الموصل وسهل نينوى بخصوص استمرار وجودنا في هذا الوطن)  وهم :
سيادة المطران يوحنا بطرس موشي رئيس طائفة السريان الكاثوليك في الموصل وكركوك واقليم كوردستان
سيادة المطران طيمثاوس موسى الشماني رئيس ابرشية مار متي للسريان الارثودكس
سيادة المطران نيقوديموس داود شرف رئيس طائفة السريان الارثودكس في الموصل وكركوك واقليم كوردستان وتوابعهم.
في البدء أُثمن عطاؤكم وجهودكم الشاقة المبذولة من أجل المسيحيين في العراق وفي ظل الظروف المضطربة والقاسية جداً في العراق والشرق الاوسط برمته.مما يدل بوضوح حرصكم ورعايتكم الابوية الروحية للمؤمنين وعدم تنصلكم من المسؤولية تجاه شعبنا المنكوب. ويعد بيانكم الذي أكتب بصدده أحد مؤشرات حرصكم ومسؤوليتكم ،ألا أنني شخصياً أرى في عنوانه ومضمونه بعض الثغرات والاشكالات الصياغية في تحديد الموقف، أتمنى لو تجاوزتم ذلك كان الافضل والاكثر دقة.وساوضح وجهة نظري أدناه:
السادة المطارنة الموقرون : تعرفون جيدأ الواقع المذهبي وتفرعاته في الكنيسة ،وأخص بالذكر في العراق فهو معلوم لديكم وللجميع . ذلك الواقع الذي يتمنى جميع المؤمنين من تجاوزه وجعله شيء من التاريخ. لاتزال العوامل التاريخية المسؤولة عن هذه الانشقاقات الكنسية فاعلة في ترسيخ المذهبية لاسباب عديدة معروفة لست هنا بصددها ،ولا تزال تفرض علينا واقعاُ كنسياً مذهبياً مؤلماً.
طالما أن هذا الواقع لا يزال قائماً ،عليه فأن كل كنيسة أو مذهب هو مسؤول عن نفسه في الاقرار وأتخاذ المواقف تجاه الاحداث السياسية والاجتماعية والامنية ،الا في حالة واحدة هي الاتفاق الجماعي الموحد تجاه ما ذُكر في أتخاذ موقف رسمي مُعلن لجميع المذاهب. ونحن بأنتظار هذا الاتفاق التاريخي. عدا ذلك فعلى جميع الكنائس أحترام خصوصيات بعضها البعض. وعلى هذا الاساس ، فأن صياغة عنوان بيانكم كما ورد  ( رؤساء الكنائس المسيحية في الموصل وسهل نينوى ... ) يدل على التجاوز على خصوصيات الكنائس الاخرى المتواجدة في سهل نينوى أي جعلتم من أنفسكم المسؤولون عن جميع الكنائس وأنكم تتحدثون عنهم. وهم، الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة الشرقية الاشورية والكنيسة الشرقية القديمة والكنيسة الارمنية بشقيها الكاثوليكي والارثودكسي، وهي كنائس قائمة في الموصل وسهل نينوى ولها أتباع عانوا وتألموا وتشردوا مثل أتباع الكنائس السريانية، فالكلدان ينتشرون على أوسع رقعة جغرافية في سهل نينوى من كرمليس وتلكيف وباطنايا وتلسقف وباقوفة والقوش وثم بندوايا ويمثلون 50% من المسيحيين في سهل نينوى والموصل ،أضافة الى الاشوريين والارمن ، ولابد أن يكون لهم موقف ورأي ،فهل تتفق يا ترى مواقفهم مع ما جاء في بيانكم؟!! وماذا لو صدر بيان من أحدى هذه الكنائس وتحدث بأسم الكنائس جميعها أو بأسم المسيحيين ؟هل ستكون ردود أفعالكم توافقية ؟ فالعنوان الاصح والافضل في رأيي لبيانكم في شطره الاول هو ( رؤساء الكنائس السريانية) فكل ما جاء من موقف سيكون محسوباً على الكنيسة السريانية بشقيها الارثودكسي والكاثوليكي وهذا من حقهما وخصوصياتهما ،ولا يحق لاحد الاعتراض.
وأما الشطر الثاني من العنوان ( ..... بخصوص أستمرار وجودنا في هذا الوطن) يُشير الى تحملكم المسؤولية والحديث بأسم المسيحيين سواء من السريان أو الاثنيات الاخرى في الاقرار للبقاء والتشبث بالارض في الوطن أو الهجرة .فالهجرة هي عملية أنتقال يتخذ القرار فيها الشخص نفسه ومن حقه أختيار البقعة الجغرافية التي يراها مناسبة للأقامة والعيش بحسب القوانين الدولية كما منحتها لوائح حقوق الانسان. أما أن تحددوا وبهذه الصيغة الالزامية والتحدث بأسم الجميع لأقرار الهجرة من عدمها فهي غير مُستساغة ومقبولة لانها تعد بمثابة التدخل بحياة الشخص وكأنما هي هجرة قسرية ومخالفة لحرية الفرد.فلا أحد يمكنه أن يحث الاخر  للهجرة أو البقاء على أرض ما. لو كانت العبارة مثلا ( بخصوص أوضاع شعبنا) لكانت الافضل والأكثر دقة .
أعتقد أن موقفكم المُشار أليه في البيان يحتاج الى الحكمة والتأني والاتقان والخبرة والالمام بكافة المتغيرات والتداخلات السياسية والاجتماعية والادارية، فما قولكم ( أمام خيارين لا ثالث لهما) الا تهديداً ناجماً عن الانفعال والغضب .وصراحة وتعلمون سيادتكم تماماً هل يهم الاخرين بقاء أو عدم بقاء المسيحيين في العراق ؟ لا بل يهمهم هجرة المسيحيين .فلماذا الخيارين ؟ وعلى المكون المسيحي أن يكون سقف مطالبه معقولة وتوافقية ومرتبطة بالوضع الراهن في العراق. فيستوجب أن يكون موقف المسيحيين توافقي وفق متطلبات ما يحدث في المركز وموقف الحكومة المركزية وما يحدث في أقليم كوردستان وموقف حكومة الاقليم. قد يكون لكم معرفة ودراية عن موقف حكومة الاقليم وما يجري هناك ،بينما لا دراية عن ما يحدث في الحكومة المركزية وماهي مواقف الاحزاب هناك. كما على المكون المسيحي أن يعي بدقة ووضوح عقلانياً وموضوعياً ومستبعداً العاطفة ما الذي سيتبلور نتيجة لهذا الموقف الانفعالي والمطاليب التعجيزية في ظل المهزلة السياسية القائمة في العراق والموقف المتذبذب وغير الواضح والمستقر من الدول ذات النفوذ في المنطقة سواء العظمى أو الاقليمية على المسيحيين قاطبة في العراق أو في سهل نينوى.
نعم  كل منا يسعى ويطمح أن تكون هناك حماية لابناء شعبنا وأن يُدير نفسه في مدنه وبلداته ،ولكن ماهي الصيغة والالية التي يمكن أن تتحقق فيها الحماية والادارة في ظل الظروف السياسية والاجتماعية والامنية القائمة في العراق وسهل نينوى بالذات.وبأية طريقة لابد توخي الحيطة والحذر،لماذا ؟ سأوضح بأختصار وجهة نظري هنا:
معروف علمياً ووفق دراسات انثروبولوجية أجراها اساتذة قسم الاجتماع في جامعة الموصل في بداية التسعينات ( في منطقة سهل نينوى درجة التجانس في التركيبة الديمغرافية صفر ،أي بمعنى هناك تباين سكاني كبير جدا قياسا للمناطق الاخرى) .فالتركيبة السكانية في سهل نينوى هي :
العرب : سنة الاكثرية ، الشيعة
الكورد: سنة والكاكائية
الشبك : منقسمين اثنياً الى كورد ، عرب ، مستقلون أي شبك القومية. وهؤلاء دينياً ومذهبياً ينقسمون الى شيعة الاكثرية ، سنة.
الايزيديون ،وينقسمون اثنياً الى كورد، عرب ، ايزيدين كقومية مستقلة.
تركمان: سنة، شيعة
سريان: دينياً ارثودكس ،كاثوليك.
كلدان :  كاثوليك
اشوريون :  كنيسة شرقية اشورية وكنيسة الشرقية القديمة
الارمن : مذهبياً ارثودكس وكاثوليك.
وقد لعبت الاحزاب السياسية التي تشكلت من أبناء هذه الاثنيات دوراً كبيرا في خلق توتر الانتماء الاثني ، فمثلا عند الشبك احزاب موالية للشيعة وأخرى للكورد واخرى مستقلة اثنيا  .والصراعات محتدمة بينها في تقريرالمصير لاثنيتهم. وهكذا بالنسبة الى الايزيديين فمنها أحزاب موالية للكورد وأخرى للعرب وثالثها مستقلة .وأما الاثنيات الثلاث المسيحية فهي على الحالة نفسها، فتشكلت أحزاب من الاثنيات الثلاث بعضها تعد كل اثنية مستقلة قومياً وأخرى تتعاطى وفقاً لمبادىء المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري، وبالرغم من توزعها الثنائي هذا فهناك أحزاب موالية للكتل العربية الاسلامية الكبيرة ،وأخرى موالية للاحزاب الكوردية الكبيرة ،والصراعات وعدم التوافقات ظاهرة بينها في تقرير مصير المنطقة ومصير الشعب .
وفي ضوء هذا التعدد الاثني والاختلاف السياسي والديني لكافة ابناء منطقة سهل نينوى ترى الصراعات السياسية القائمة بينها متأثرة بالجهة الموالية لها ولعل تصريحات المسؤلين الاعلامية هي دليل على هذه الصراعات السياسية. وهذه بعض منها اقتطفتها من الاخبار اليومية في موقع عينكاوة (ارجو مراجعتها أذا اقتضت الضرورة).:
في 15/2/2017 صرح حنين القدو الممثل البرلماني عن الشبك ( لايرضى بمفهوم المناطق المتنازع عليها معبرا ان الحديث عنها خطأ كبير وتنازل واضح من تلك القوى لرئيس اقليم كوردستان)وقال القدو لوكالة تايمز ( بتا) في 7/1/2017 (ندعم تواجد أية قوة أمنية مرتبطة بالحكومة الاتحادية حصراً وفي نفس الوقت نرفض رفضاً قاطعاً تواجد اية قوة لا ترتبط بالحكومة الاتحادية ).وأضاف ( ان قوات الحشد الشعبي من مكونات الشبك والمسيح والتركمان المرتبطة بالحكومة الى جانبها التشكيلات الامنية الاخرى هي أولى بحماية ومسك مناطق سهل نينوى) أي بمعنى يرفض القوى المرتبطة بحكومة الاقليم سواء للمسيحيين أو الايزيديين. وأكثر تخبطا واثارة للمشاكل والايقاع بين الاثنيات تصريحه في 27/10/2016
حيث صرح( أن قوات الحشد الشعبي التابع لقوات سهل نينوى من الشبك والمسيحيين والتركمان وقوات العميد بهنام تحت اشراف السيد يونادم كنا ومن ابناء المنطقة حصراً والمرتبط بهيئة الحشد الشعبي هي القوات الوحيدة التي سوف تدخل منطقة سهل نينوى بمسك الارض مع أبناء المنطقة من الشرطة المحلية وحدات الجيش العراقي ولتوفير الحماية لكل مكونات ابناء المنطقة)،فاذن ما هو موقفه من قوات ابناء شعبنا التابعة للمجلس الكلداني السرياني الاشوري والمرتبطة بوزارة البيشمركة؟
بينما صرح على النقيض من ذلك النائب سالم شبك عن المكون الشبكي في 1/ 3/ 2017(اذا لم يتم ضم سهل نينوى الى أقليم كوردستان فأن كوارث أكثر من كارثة الدولة الاسلامية المعروف على المستوى الاعلامي ستحل بمنطقته.... )ويستطرد قائلاً( أن الشبك جزء من الكورد وهم متساوون في الحقوق والواجبات اسوة ببقية الاخوة الكورد).!!
وتمعنوا في تصريح النائب عبدالرحيم الشمري عن عرب الموصل في خبر أعلامي في جريدة الصباح الجديد /بغدادا حيث يقول( أكد نائب عن المكون العربي في الموصل ،امس الاثنين أن أغلب ممثلي المحافظة يقفون بالضد من مشروع تحويل مناطق سهل نينوى الى اقليم مستقل منهم المحافظ السابق أثيل النجيفي وشقيقه اسامة النجيفي بالاسهام في تفتيت المدينة....) ويؤكد( أن هذا الرأي يشاطرنا فيه ممثلوا الاقليات في مجلس النواب والحكومة المحلية ،فالجميع مع أبقاء المحافظة موحدة بعيداًعن مساعي التقسيم).
وأمير الايزيديين تحسين بك يناقش أعمار مناطق الايزديين المحررة مع السيد نيجرفان رئيس حكومة الاقليم في 27/ 2 / 2017 . بينما يصرح النائب عن المكون الايزيدي عن محافظة نينوى حجي كندور الشيخ في 20/2 2017 قائلا( حكومتي بغداد واربيل فشلتا في حماية الاقليات في نينوى ) ويدعو الى اقامة أقليم وبحماية دولية.
وعلى غفلة من الزمن خرجوا البعض بمشروع آخر في الخارج في 5/3/2017 تبناه مجموعة من الاشوريين والتركمان والايزيديين يؤكدون على اقامة أقليم الرافدين يتكون من ثلاث محافظات سنجار وتلعفر وسهل نينوى) .وقد قدم السيد يونادم كنا سكرتير الحركة الديمقراطية الاشورية مشكورا نفياً لتمثيل هؤلاء للمكون المسيحي في 7/ 3/2017 .
وهناك العديد والعديد من التصريحات من المسؤلين في القيادات الحزبية المختلفة ولاعضاء البرلمان من الاثنيات المختلفة.
وهنا أسئلتي الى السادة المطارنة ،أ ليس المطلوب من الجميع التحلي بالحكمة والتأني وعدم التسرع والتهديد بالهجرة من عدمها ومراقبة الوضع الخطير في خضم الصراعات السياسية في المنطقة والتي تعد الان بكل المستويات أخطر منطقة في العراق ،وأكثرها تعقيدأً في التركيبة الديمغرافية ؟
وهل يا ترى ستتخلى الكتل الكبيرة عن حلفائهم الصغار ؟ فهل ستتخلى مثلا الكتل الشيعية الكبيرة عن الشبك الشيعة؟ وهل ستتخلى الكتل الكوردية الكبيرة عن الشبك والايزيديين الذين يعتبرون أنفسهم كورداً ؟ وهل ستتخلى الكتل نفسها عن أحزاب شعبنا التي تدعمها مالا وقوة؟ وهل ستتخلى حكومة بغداد عن الاراضي الثمينة في المنطقة ؟ وبدورهم الاكراد سوف لن يتخلوا أيضاً ؟ وبالعكس هل ستتخلى الكتل الصغيرة عن توجهاتها وارتباطها بالكتل الكبيرة؟ أم ستبقى تدور في فلكها لان لا قوة لها لمنافسة الاخرين؟ واسئلة عديدة كلها توحي بالخطر المرتقب في المنطقة ،فالحكمة مطلوبة في كل تصريح وبالاخص يكون صادراً من رجال الدين ويحاولوا الابتعاد عن أية أملاءات سياسية .
ولقيام محافظة للأقليات في سهل نينوى ،أ لا تحتاج الى من يعمل في دوائرها العديدة ويتطلب الالاف من المؤظفين والعمال ،وبالطبع سيكون من حق المكونات غير المسيحية العمل في دوائرها في مركز المحافظة وهؤلاء سيطالبون ببناء الجوامع والحسينيات في مراكز عملهم واقامة سكنية قريبة لمكان عملهم وبدورها المسالة ستساهم في التغيير الديمغرافي تلقائياً.ففكرة أنشاء محافظة للأقليات لابد أن تركن الى دراسة وافية وموضوعية .
رسم مستقبل المنطقة أخوتي المطارنة الكرام في غاية التعقيد والمخاطر المترقبة فالتأني والتنسيق والعمل الجماعي واستشارة المستقلين من أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث هي الطريقة المثلى برأي في تبني سياسة موحدة وموقف موحد لان الاحتكام بتوجهات الاحزاب السياسية سيكون انطلاقاً من الايديولوجيات التي تتبناها تلك الاحزاب.فكونوا حذرين جداً.
وارجو قراءة الرأي على الرابط ادناه الذي يمثل رأي غبطة البطريرك مار لويس بطريرك الكلدان في العالم، وسنلاحظ الحكمة والتأني والموضوعية والاتزان لعباراته وأفكاره.
 http://saint-adday.com/?p=17545
رابط البيان المُشار أليه:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=840227.0
تحياتي الى الاباء المطارنة الكرام والاخوة القراء
د. رابي

60
                        ناشط في حقوق الانسان يعترض على مبادىء
                         حقوق الانسان "كامل زومايا نموذجاَ"
د. عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي   
                        في مقاله المنشور على الرابط أدناه ،أعترض الناشط  في حقوق الانسان والاقليات كما عرف نفسه الاستاذ "كامل زومايا" على بيان البطريركية الكلدانية الذي صرح فيه غبطة البطريرك ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية عن اعتراضه وأمتعاضه عن تصريحات بعض الخطباء في الجوامع أو عبر وسائل الاتصال الاجتماعي المحرضة والداعية الى النعرات الطائفية وتكفير الاخرين من أتباع الاديان اليهودية والمسيحية والصابئة وغيرها ،وتضمن البيان دعوة غبطته المرجعيات الدينية المعتدلة والمنفتحة الى تبني نهج معتدل وبذل جهودهم لمنع واحباط هكذا خطابات تدعو الى سفك الدماء وتكفير والغاء الاخر المختلف .
لو تمعنا جيداَ وكما رأى من سبقني من الاخوة الكتاب بردودهم ومقالاتهم جميعاَ أن كلمة البطريرك ساكو تتميز بالجرأة والقوة والصراحة والحكمة والمسؤولية ، يكاد لم يسبقه أحد من المسؤولين الدينيين يعيش في المجتمعات الاسلامية يتجرأ بأطلاقها. فالكلمة الموجهة لها مدلولاتها الانسانية واحترام حقوق الانسان ، فهي تتضمن كل ما جاء في لوائح حقوق الانسان العالمية ، يدعو الى نبذ العنف ، أحترام العقائد الدينية للأخرين ، نبذ سفك الدماء ، نبذ الاكراه الديني ، نبذ الاستغلال بأسم الدين ، يدعو الى المحبة ،التسامح ، والعيش المشترك، التعاون ،قبول الاخر ، يدعو الى حرية الدين والعقائد، يدعو المسؤولين في المرجعيات الدينية الى العمل الجدي وبقوة لمنع الفكر الالغائي التكفيري. أ ليست هذه من مفردات وقواعد التي تدعو اليها لوائح حقوق الانسان العالمية ؟ كيف تمر عليك وانت ناشط في حقوق الانسان والاقليات؟ وهل لديكم في منظمتكم لوائح اخرى تتبناها لحقوق الانسان غير المذكورة في بيان البطريركية ؟!.فما جاء به غبطته برمتها هي تطبيقات لحقوق الانسان.
جاءت دعوة غبطة البطريرك تهيئة أولية وأساسية لتثبيت أركان العيش المشترك والتخلص من الحروب القائمة في المنطقة التي تدعو اليها الحكومات والمرجعيات الدينية ، فهو يذكرهم ،من هم داء المشكلة وماهي جذورها وكيف يمكن بترها والحد منها ،منطلقاَ من كتبهم الدينية ، فغبطته يخاطبهم وفقاَ للاسس الفكرية والعقلية التي ينطلقون منها للتعاطي مع الاخرين ،هكذا يعمل من يكون ملماً بمفاهيم علم الخطاب والحوار والتفاوض ،يكون واعياً لمدارك الاخر المتحاور ،ويبين له ما يؤمن به ،أنما يتخلى عن ذلك  ،بأمكان غبطة البطريرك أن يأتي آيات من الانجيل المقدس ،لكن لا تتوغل الى الاعماق ولا ترى طريقها الى العقلية التي يخاطبها ، فهل يجوز مخاطبة الانسان المسيحي انطلاقاَ من الايات القرآنية؟ فمن أساسيات الخطاب العلمي الموجه للاخرين ،لابد أن ينطلق من العناصر الثقافية التي بلورة عقلية المستمع والموجه أليه ،ولابد أن يكون الخطيب واعياً لتلك العناصر الفكرية التي بلورت شخصية المدعو .والبطريرك ساكو يدرك ويعي تماماً ومن موقع مسؤوليته ومكانته الدينية الروحية  لمن يخاطب وكيف يخاطبهم ، ويعي تماماً طبيعة الظروف والمستجدات الحالية في المنطقة.
خطاب البطريرك ساكو يخلو من العناصر الايديولوجية السياسية ،فهو لا يتبنى فكر سياسي معين لكي ينطلق منه ، بل ينطلق من مسؤوليته الدينية لاعتباره أب الاباء وراعي المؤمنين وحريص على رعيته وهو ينطلق من المبادىء المسيحية ولاجل المسيحيين والانسانية لتذكره لغير المسيحيين فهو لا يطالب بشيء يعترض عليه الاخرون ،أنما هو مطلبهم ،ولكن أين الجرأة والصراحة للتعبير عنه في ظل الظروف المعروفة في المنطقة. فمطلبه ليس لجهة تنتفع به دون أخرى كما تعمل الاحزاب السياسية التي تتراكض لتحقيق مصالحها أولا .
وأما ملاحظاتك فأسمح لي أن أقول لم تكن موفقاً في طرحها ،وكما سبقني الاخوة المعقبين على مقالتك ،وهذه وجهة نظري بما طرحته بحسب تسلسل الفقرات:
1 – البطريرك دأئم التذكير بما تفضل به قبل داعش وبعدها ، ولكونه مسؤولاً روحياً ،ليس أمامه خيار آخر الا مخاطبة العقلية بهذه الصيغة ،ولعلها تنفع للمعنيين وتحقيق الاهداف التي يرمي اليها الجميع في المنطقة .
2 – الاية القرآنية كما ذكرها مار ساكو هي صميمية وتفي للغرض المطلوب والهدف من الخطاب سوى على حالها أو كما وضعتها بأكملها، وهذا السياق قائم في كل الاديان وبما فيه الدين المسيحي وكما جاء من أمثلة الاخ زيد فلا حاجة للتكرار ، وهذه هي مبدأية في كل الاديان فخلاص البشرية هو بالايمان بكل ماتؤمن به الديانة من العقائد والتعاليم وهنا تتحقق النسبية في الفكر وطريقة الخلاص .فالمعنى واضح لمن يدرك حيثيات الاديان ومفاهيمها واساسياتها.وهي تماماً كالاحزاب السياسية، فكل حزب سياسي يعتقد ويقر أن تحقيق العدالة والمساواة والرفاهية لا تتحقق الا وفقاً لفلسفته الايديولوجية .
3 – هكذا تقيم الاديان الانسان ولم يأت البطريرك ساكو شيئاَ من عنده.
4 – كما وضحت في المقدمة ،أن نص الخطاب والدعوة التي صرح بها غبطة البطريرك تعبر عن قواعد ومفاهيم لوائح حقوق الانسان برمتها.فهو يذكرهم وانطلاقاً من مفاهيمهم العقلية ،ان حقوق الانسان هكذا يجب أن تكون.
5 -  ما جئت به في الفقرة الخامسة لا علاقة لها بموضوع مقالك هذا ،وقد جاءت حشرا ولاحكام مسبقة عن فعاليات وأنشطة غبطة البطريرك ساكو.فغبطته لا يتسابق مع أحد ، أنما ينطلق كما أشرت سابقاً من حرصه الابوي ومسؤوليته الكبيرة لطرح والتصريح لما يخدم أبناء رعيته منطلقاً من المفاهيم الانسانية ،واما الانفرادية فهو لا يتحدث بأسم الجميع ولم يعملها ،فما يطلق به واضح وجليُ من توقيعه عن نفسه، وغبطته تواقُ للعمل الجماعي ،أنما الكل يرغب ويسعى أن ينطلق العمل الجماعي وفقاً لمقاييسه ورؤيته للاوضاع.
تفضلت مشكوراً بطرح هموم شعبنا أمام قداسة البابا فرنسيس كناشط في حقوق الانسان والاقليات أو ممثلا عن منظمة شلومو لحقوق الاقليات ، فمن اعترض على ذلك فهل كانت فعاليتكم هذه ناجمة عن العمل الجماعي ؟ وأن كانت تصب مهمتها في خدمة شعبنا.فلا ضرر ابدا من أية مبادرة انفرادية يقوم بها مسؤول أو تقوم بها جهة ما وتصب في تحقيق مصالح شعبنا. فكيف لا نحسب حساباً كبيرا واهمية كبيرة لمبادرات مسؤول كنسي رفيع المستوى والمكانة مثل غبطة البطريرك مارساكو التي تصب في خدمة شعبنا؟.
6 – الفقرة السادسة متداخلة مع السابقة ،ولا اضافة الا القول : لماذا ترون الفعاليات والانشطة التي يؤديها البطريرك ساكو بأنها انفرادية وتغضون النظر عن ما تقوم به الكنائس الاخرى والاحزاب السياسية من فعاليات أنفرادية ؟ فغبطته كما أشرت ينطلق من الحرص في المسؤولية الروحية والانسانية لرعيته فلا ينتظر الايعاز من الاخرين لكي يصرح أو يفعل ما يراه مناساباً ومعه أخوته الاساقفة في الكنيسة الكلدانية ،فغبطته على رأس هرم مؤسسة كنسية لها قوانينها وفلسفتها ينطلق ومع الاساقفة  للعمل وفقاً لها.
7 – البطريرك ساكو ينطلق من تعاليم يسوع المسيح تماماً ومن حيث لاتدري أخي كامل المحترم، وأنما كل حالة خطابية تتطلب أسسها وقواعدها لكي تصل الرسالة الى المتلقي ، فغبطته أستعان كما ذكرت بالايات القرآنية من المنطلق ذاته.
واخيراَ كما طلبت  وتوسلت من غبطة البطريرك ساكو الكف .فاقول أخي الاستاذ كامل زومايا أرجو واتوسل من جنابكم ومن خلالك أوجه النداء للاخرين الكف من أنتقاد  غير المبررلكل خطوة يخطوها غبطته وكل عمل يقوم به ،بل بالعكس علينا دعمه ومؤازرته ومساندته في ظل الظروف المأساوية والمضطربة التي تمر بها الكنيسة وشعبنا في العراق وعموم الشرق الاوسط.فغبطته واع جدا لما يصرح به ويفعله ، لانه يتمتع بفكر رفيع المستوى ينطلق منه في مخاطبته الاخرين ، وملمُ جيداً بالاوضاع الراهنة التي يمر بها مجتمعنا وهو على أحاطة كاملة لما يدور حوله ، ولا أكون خاطئاَ برايي لو قلت أنه أكثر من غيره أحاطة والماما ً بكل ما يجري لقربه جدا من صناع القرار عالمياً وأقليميا ومحلياً ، حيث تُتاح الفرص له للاحاطة بها وبخفاياها وتفاصيلها  أكثر من غيره من المسؤولين الروحانيين والسياسيين أيضاُ .   
رابط  المقال المشار أليه
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,839798.0.html
رابط بيان البطريركية
http://saint-adday.com/?p=17555

61
                        الثقافة الكلدانية تتألق مع الرابطة الكلدانية
 د. عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
               تظهر بين حين واخر بعض المقالات الصحفية  التي تكرر في محتواها على تراجع وتدهور الثقافة الكلدانية في عهد مار ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية من منطلق ضيق لربط عناصر الثقافة بالمؤسسة الدينية  وأعتبارها هي الوحيدة المسوؤلة عن تفعيلها والحفاظ عليها. ولوجود غبطته على رأس المؤسسة الكنسية الكلدانية، يتصور هؤلاء أنه يتحمل المسوؤلية كاملة. وقد دفعني هذا التصور الى الكتابة عن الموضوع وتحليله من وجهة نظر سسيولوجية شمولية من خلال أستقراء المعطيات والمؤشرات في الواقع المنظور).
مفهوم الثقافة :
                   وقد تُرجمت كلمة (culture) اللاتينية الى العربية عند بعض المفكرين العرب بمعنى الحضارة، وعند الاخرين بمعنى الثقافة وذلك تأثرا بالكتابات الغربية والجامعات التي تلقوا دراستهم فيها، ففي انكلترا وفرنسا وأمريكا تُترجم حضارة، وفي المانيا وبولونيا وروسيا عُرفت بالثقافة. والمعنى اللغوي للمفهوم هو حرث الارض وزراعتها. فأستخدمت مجازا في العلوم الانسانية والاجتماعية بمعنى تثقيف العقل وتنميته. وقد أطلق بعض المفكرين على مفهوم الثقافة للجانب المعنوي للحضارة، ويقابله مفهوم المدنية للجانب المادي. وهنا ساتناول مفهوم الثقافة مرادفاً لمفهوم الحضارة .
هناك عدة تعاريف للثقافة، أختلفت باختلاف المفكرين في كيفية دراستهم للمجتمعات البشرية، وبحسب الموضوع الذي كان ضمن اهتمامهم لدراسة الحضارة. ساختصر مفهوم الثقافة بما جاء به الانثروبولوجي البريطاني (ادورد تايلور) سنة 1871 في كتابه الموسوم (الحضارة البدائية)، ويُعتبر الاكثر شمولية، وأصبح المرجع  الاساسي لعلماء الاجتماع والانثروبولوجيين حيث يعرف الثقافة:
(ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد الدينية والفنون والاخلاق والقوانين والعادات والقيم والتقاليد والقدرات واللغة ووسائل الانتاج التي يكتسبها الفرد باعتباره عضوا في المجتمع). أي يتضمن كل ما ينتجه الانسان من الماديات واللاماديات، فهي نمط للحياة وطريقة العيش خاصة بمجتمع معين تنتقل من جيل الى آخر. يستخدم علماء الاجتماع هذا المصطلح لتحديد هوية المجتمع والفرد. فنمط الملابس وأنواع المأكولات واساليب التناول، والحركات الايحائية واللغة وطرق التعامل والتكنولوجيا المستخدمة في الانتاج وتصورات ومواقف الفرد هي التي تحدد هويته وتشخصها وفي الحال سيتعرف عليه الاخرون ويحددون لاي مجتمع ينتمي.
تعد الثقافة المرآة العاكسة للسلوك المتشابه لافراد المجتمع، واللغة المشتركة، وتُعبر عن أفكارهم ومعتقداتهم. فلابد من الوقوف على ثقافة المجتمع لفهم السلوك البشري. وبعد أن كان أعتقاد العديد من العلماء، أن الوراثة هي التي تحدد السلوك البشري وفقا للغرائز والدوافع، ألا أنه جاءت النظريات الاجتماعية لتدحض تلك الافكار وتؤكد على البيئة الاجتماعية الحضارية في تحديد وصقل السلوك البشري بتفاعلها مع الاستعدادات الموروثة، وليس مايرثه الانسان فقط.
أن الثقافة وأية ثقافة بشرية هي خاضعة لحتمية التغير بحكم الانتشار الثقافي كأحد عوامل التغير الاجتماعي في المجتمع، وأن الثقافات لا تندثر بل تتعاقب وتتداخل مع بعضها بحيث تندمج العناصر الثقافية لاية ثقافة سابقة مع الجديدة لتكون ثقافة لها شخصيتها المختلفة، ولا يحدث التغيير في العناصر المادية فحسب بل يشمل الجوانب اللامادية من أنظمة الحكم والقوانين واللغة والقيم الاجتماعية والدينية وحتى السمات الجسمية للانسان بحكم التزاوج بين أفراد الثقافتين المتعاقبتين. وهذا ما حصل مثلا في بلاد النهرين نتيجة للثقافات المتعاقبة.
الثقافة الكلدانية المعاصرة:                   
                                ترجع أصول الثقافة الكلدانية الى سكان بلاد النهرين القدامى، وخضعت بفعل عوامل الانتشار والاقتباس الثقافي الى تغيرات متعاقبة زمانياً على اثر تعدد الثقافات التي نشأت على ارض بلاد النهرين من سكانها الاصليين أوالثقافات الغازية الوافدة. ولم تكن جامدة، بل متغيرة متحركة كباقي الثقافات الاخرى ، فالثقافة الجامدة التي تتقوقع على نفسها وتتوارث ما خلفته الاجيال السابقة وتستمر على نفس النهج الاجتماعي والاقتصادي والفكري والممارسات والطقوس والفلكلور والتكنولوجية الانتاجية يدل على أنها تعاني من العزلة الاجتماعية ويكون حالها حال ثقافة الشعوب البدائية الطوطمية المتخلفة التي تعيش في غابات الامازون والجزر النائية. أما الثقافة المتغيرة التي تخضع الى عوامل الابداع الفكري في كافة المجالات والى عوامل الاقتباس الثقافي والانفتاح والتجدد، مع الحفاظ على التراث المفيد، أو الذي يمكن اعادة ترتيبه لكي تنسجم عناصره مع متطلبات المرحلة التاريخية والمستجدات في كافة نواحي الحياة، تدل على أنها ثقافة مزدهرة ومتطورة تدفع الافراد الى التكيف الاجتماعي والانسجام مع التغييرات الناجمة من حتمية التغير الثقافي.
فما الذي نسعى لتحقيقه ثقافة كلدانية تتمتع بعناصر تنسجم مع متطلبات المرحلة الحضارية التاريخية؟ أم ثقافة كلدانية تعاني من العزلة والتشبث بالتراث الذي وُضع لزمانه ومكانه ولا ينسجم مع متطلبات المرحلة؟ حتما سيكون الجواب تحقيق ثقافة متغيرة تتفاعل مع الحياة ومستجداتها.
الرابطة الكلدانية والوعي الثقافي المتجدد:                                   
                          المؤسسة الدينية في أي مجتمع تعد أحدى الركائز الاساسية من ثقافته لما فيها من ممارسات روحانية وطقوس وفعاليات ورموز تميز الجماعة البشرية عن غيرها، وهنا القول أحدى الركائز وليس الكل. فالحفاظ على الركائز الاخرى للثقافة مثل اللغة والتراث الاجتماعي والفكر والقيم والعادات والتقاليد تتولاها مؤسسات أخرى للتعاطي معها، ومن هذا المنطلق كانت دعوة البطريرك مار لويس بطريرك الكلدان موفقة صائبة جداً لتاسيس الرابطة الكلدانية لتؤدي مهامها المدنية في أعادة ترتيب البيت الكلداني وتقوية الروابط  والتضامن والتكافل الاجتماعيين بين الكلدان المنتشرين حول العالم، وثم لاحياء التراث الكلداني الاجتماعي والسعي لايصال صوت الكلدان الى صناع القرار في الدول المتنفذة للتعبيرعن الاضطهادات والابادة الجماعية التي  يتعرض الكلدان وكافة المسيحيين من الاشوريين والسريان والارمن اليها في العراق، كما أنها تسعى الى تنمية الروح الانتمائية الاثنية أو القومية بالمفهوم السياسي للكلدان المعاصرين. بينما مايرتبط بالطقوس الدينية والادارة والقوانين المنظمة للمؤسسة الدينية تتحملها المؤسسة الدينية نفسها.
دور الرابطة الكلدانية في تألق الثقافة الكلدانية :
                                              في مراجعة لاهداف الرابطة الكلدانية ومقارنتها مع ما تحقق من فعاليات يتبين أن الرابطة نجحت في سعيها لتحقيق اهدافها بفترة زمنية قياسية قصيرة ومدهشة ومثيرة للأهتمام :
لايصال صوت الكلدان الى صناع القرار العالمي، نجحت بتسجيلها رسمياً كمؤسسة مدنية عالمية في منظمة الامم المتحدة، حيث ستتاح الفرصة لها مباشرة للمشاركة في الفعاليات العالمية. وتسجيلها رسمياً لفروعها التي تزداد يومياً في أوربا وأمريكا وكندا واستراليا وفي العراق والاردن حيث بلغت 17 فرع و14 مكتب لدى الجهات الرسمية للبلد التي تتواجد فيها، مما تُتاح الفرصة لمنتسبيها لاجراء اللقاءات الرسمية مع الحكومات المختلفة حول العالم وهنا يتحقق التعريف بالهوية الثقافية الكلدانية وتاريح الكلدان وحضارتهم ومآسيهم وأضطهاداتهم للضغط على صناع القرار في الدول المتنفذة لتدويل قضاياهم المصيرية واتخاذ الاجراءات المناسبة. ومن مراجعة أخبار الرابطة الكلدانية ومتابعتها نستشف بوضوح الزيارات واللقاءات المتكررة لاعضائها للمسؤولين الحكوميين في مختلف البلدان، ومنها مع مسؤولي حكومة العراق في بغداد وحكومة اقليم كوردستان. وكما تضطلع دوراً رائعاً في بناء جسور التواصل مع الاحزاب السياسية والمؤسسات المدنية للاثنيات الاخرى من أبناء شعبنا الاشوريين والسريان أنطلاقاً من مبدأ الانفتاح والعمل المشترك لتقريب الرؤى والمواقف تجاه الاحداث العامة.
وللرابطة دوراً كبيرا في تعزيز وترسيخ التضامن والتكافل الاجتماعيين للكلدان حول العالم، فأصبحت المنفذ والمنبر الاساسي لتلاقي الكلدان حول العالم ليسندوا بعضهم البعض وتنمية روح التضامن والتكافل بينهم، وعليه نجد الكلدان المنتشرين في المهجر يندفعون دائماً لمساندة الكلدان والمسيحيين في العراق مالياً ومعنوياً للتخفيف عن محنهم والامهم ومآسيهم، ولعل التبرعات السخية من الاموال لكلدان المهجر أثناء تهجير أخوتهم من دورهم من قبل داعش الاجرامية، وما تقوم به الرابطة حالياً عبر لجانها في المساهمة لاعمار البلدات الكلدانية وبدعم من كلدان المهجر بتألق الكلدان في مشيكن وساندييكو الامريكيتين وكلدان كندا واستراليا وفي كل مكان في مساهماتهم السخية لدعم أخوتهم الكلدان والمسيحيين في العراق أفضل المؤشرات لبيان دورها في التكافل والتضامن. ويضطلع هذا الدور أيضاً في ترسيخ الوحدة الثقافية ومفهوم الانتماء الاثني القومي للكلدان. 
تعد المحاضرات الثقافية المستمرة التي تقيمها كافة الفروع والمكاتب عن التراث الكلداني وتاريخهم وواقعه الاجتماعي والسياسي، اضافة الى المهرجانات الفلكلورية التراثية والفنية التي تقيمها مساهمات فعالة في ترسيخ المفاهيم الانتمائية والهوية الكلدانية لتميز خصوصياتها عن الاثنيات الاخرى لدى الاجيال الشابة. أضافة الى مشروعها في أحياء اللغة الكلدانية المعاصرة لاعداد دورات لتعليم الكبار والصغار فلا تخلو أية كنيسة كلدانية من هذه الدورات ،وتدريجياً تستلم هذه المهمة الرابطة الكلدانية.
وقد تالقت الرابطة الكلدانية تألقاً فريداً من نوعه ولاول مرة عند الكلدان المعاصرين قبل أيام بمناسبة عيد أكيتو الذي يعد أحد الرموز المهمة لسكان بلاد النهرين القدامى ليوحي للعالم بأنهم أمتداد للكلدان القدامى في بلاد النهرين. تلبية للدعوة التي وجهتها الهيئة العليا للرابطة الى فروعها ومكاتبها حول العالم للاحتفال بعيد أكيتو أقيمت المهرجانات الثقافية والاحتفالات الاجتماعية التي عبرت عن مظاهر الهوية الكلدانية الاثنية من حيث الفلكلور والازياء والفعاليات التي تُشيد بعطاءات الكلدان ومساهماتهم التاريخية قديماً وحديثاً في الحضارة البشرية. ومن متابعة أخبار الرابطة يتبين بوضوح الاندفاع الكبير لدى الكلدان للمشاركة في أحياء هذه الذكرى حيثما وُجدوا، وهذا الاندفاع هو دليل لدور الرابطة في تحفيز وتنمية الوعي الاثني والقومي لدى الكلدان منافياً تلك التصورات التي تؤكد على عدم وجود وعي قومي لديهم، أذ أن كل جماعة بشرية تتميز بخصائص أجتماعية وفكرية ولغوية تاريخية وانتمائية لارض واحدة لها مشاعرها الانتمائية الاثنية والقومية أنما أحياناً يكون الافراد بحاجة الى الاثارة والتحفيز لتقوية تلك المشاعر.وهنا لابد من التأكيد على دور المؤسسات الكلدانية الثقافية والاعلامية في المهجر والوطن في ترسيخ الثقافة الكلدانية سواء قبل تأسيس الرابطة أو مشاركتها حالياً في تفعيل الانشطة والفعاليات الثقافية .
خلاصة القول
              في ضوء المعطيات والمؤشرات التي نلاحظها يوميأ منذ اربع سنوات وأخص بالذكر منذ تسلم غبطة البطريرك مار لويس ساكو الرئاسة البطريركية للكنيسة الكلدانية، وثم تأسيس الرابطة الكلدانية لتتولى دورها في ترسيخ عناصر الثقافة الكلدانية نستنتج وبوضوح أن الثقافة الكلدانية روحياً ومدنياً تتألق وتزدهر ولم نر مثيلا لهذا الازدهار الا في عهد غبطته  فهو رمز الثقافة الكلدانية وموحيها، ووجود الرابطة الكلدانية التي تعد الوسيلة المهمة لترسيخ مظاهر هوية الكلدان الثقافية من خلال أهدافها لتتعايش بسلام وانفتاح مع كافة الاطياف الاثنية والدينية في العراق ولكي تتكيف أجتماعياً في بلدان المهجر. ولا أقصد هنا بأن مؤسستنا الدينية الكلدانية والمجتمع الكلداني تخلوان من المشاكل ولا تعترضهما الصعوبات ، فالمؤسسة أو المجتمع الذي يخلو من المشاكل والصعوبات لا وجود له الا في طوبائية جمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة عند الفارابي.
تمنياتي للرابطة الكلدانية بالنجاح والازدهار المستمر وتهنئة خالصة بمناسبة عيد أكيتو لجميع الكلدان والاشوريين المعاصرين في أحياء تراث أجدادهم في بلاد النهرين لتكون رسالة الى الجميع بأنهم هم أصل العراق منذ القدم وليس وجودهم على ارض بلاد النهرين منذ انتشار المسيحية فيها كما يدعي البعض ..

62
               كيف نقارن بين البطريرك مار ساكو والبطريرك مار يوسف أودو؟
                                      رأي وتحليل
د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
مقدمة
                 انخرط البطريرك مار يوسف اودو في سلك الرهبنة الكلدانية سنة 1813  وكان بطريركاً بين عام 1848 والى 1878 م للكنيسة الكلدانية .واما البطريرك مار لويس ساكو أصبح بطريركاً للكنيسة الكلدانية عام 2013 . بمعنى أن الفارق الزمني اليوم  بينهما لا يقل عن 165 سنة.وتأتي أهمية معرفة الفارق الزمني في المقارنة .
يعد منهج المقارنة من أهم مناهج البحث العلمي للوصول الى نتائج موضوعية على مستوى الفرد أو الجماعة أوالمجتمع ،ويستخدمه الباحثين النفسانيين والاجتماعيين في أبحاثهم ،ويتم بطريقتين ،مقارنة زمانية عمودية أو مكانية أفقية.
والعملية ليست سهلة فتحتاج الى أستقراء معلومات مفصلة عن الحدثين بشأن المقارنة وربط المتغيرات المتفاعلة مع الحدث موضوع المقارنة والالمام بكل الظروف المؤثرة فيها،وأن لاتقتصر المقارنة على متغير واحد ويُفهم الفرق من خلاله.أي لا يمكن تجريد الحدث من التغيرات المحيطة به .ومقارنتي هنا هي بين شخصيتين معروفتين في الكنيسة الكلدانية .بطريقة تتابعية عمودية .
الهدف
        أثار أنتباهي التكرار الذي تعود عليه الزميل الدكتور ليون برخو في العدد من مقالاته الموجهة لنقد عطاء البطريركية الكلدانية اليوم مقترناً ذلك بالبطريرك مار لويس ومقارنته بعطاء البطريركية الكلدانية في عهد البطريرك مار يوسف أودو مقترنا بأعمال الاخير. وتأتي المقارنة في ضوء مؤشر واحد فقط هو : دفاع وحفاظ البطريرك أودو على الثقافة الكلدانية بينما البطريرك مار لويس ساكو هدم الثقافة الكلدانية،عليه يقول ( الفرق بينهما كما الفرق بين الارض والسماء أو بين الثرى والثريا) !! - وهي نتيجة مبالغ بها على ما أعتقد -  دون ربط هذا المؤشر بالمتغيرات التي تحيط بالشخصيتين لتبين الاسباب والعوامل التي ستفسر: هل حقاً هناك هدم للثقافة الكلدانية ومقصودة من البطريرك مار لويس ؟
كيف نبحث؟
 اذا قلنا كما يقول زميلي : (أساس أي بحث علمي رصين هو أستخدام المنهج بقواعده لا أن يجترها الباحث كما يشاء وأن كانت تتحدى الميول التي نحن عليها) كلام سليم جدا وعلى ضوئه أقول على الباحث أن يكون كالرادار يدور نحو الجهات الاربعة للمراقبة لكي يترصد أية طائرة معادية ،والا أذا أقتصر توجيه الرادار لجهة واحدة فستحصل كارثة لانه قد تأتي الطائرات من الجهات الاخرى وتحقق هدفها العدواني. وعليه عند دراسة الحدث ونقول دراسة علمية فعلينا توجيه البوصلة لكل المتغيرات المحيطة بالحدث أو الظاهرة والا سنقع باخطاء وستكون النتائج غير موفقة .وفي مقارنته يوجه البوصلة الى متغير واحد فقط دون ربطه بالمتغيرات الاخرى. سأحاول وفي ضوء طروحات زميلي الدكتور برخو والمعلومات المتوفرة عن الفترتين  أجراء مقارنة لهذه الظاهرة وما هي الا وجهة نظر، قد لا ترتقي الى بحث علمي لانه تحتاج الى المزيد من الوقت للاستقراء عن المعلومات.
هل حافظ البطريرك أودو على الثقافة الكلدانية ؟
                                         بالطبع التعريف العلمي للثقافة المتفق عليه من قبل علماء الاجتماع والانثروبولوجيين هو: الكل المركب من القيم الاجتماعية والتقاليد والاعراف والسلوكيات والقيم الدينية والطقوس والازياء وطرق المعيشة ووسائل الانتاج واللغة والمعرفة بأنواعها العلمية والفنون بمختلف أنواعها والبناء لمختلف الاغراض مثل السكن والطرق وما شابه تخص مجتمعا ما وتميزه عن المجتمعات الاخرى.
بالطبع في دراستنا هذه يقتصر دور الكنيسة في الحفاظ على الطقوس الدينية والتراث الديني وعلى اللغة المستخدمة لاداء الطقوس.
الجواب على السؤال أعلاه، تتضح الاجابة عليه بسهولة ويسر من خلال تحليل الرسائل الرعوية التي كتبها البطريرك مار يوسف أودو الى الاساقفة والوجهاء في القرى الكلدانية التي تحتوي على حقائق تؤكد على أن البطريرك المذكور حافظ ودافع عن الثقافة الكلدانية في رفضه للتدخل المباشر للكرسي الروماني بشؤون الكنيسة الكلدانية وتغيير الطقوس ،ورفضه للعصمة البابوية ،ولو تأتي الرسائل الاخيرة لتُشير أنه في الاخير يقبل العصمة البابوية ولكن الحفاظ على الطقوس ظل قائماً .لا يمكن لاحد عندما يقرأ رسائله أن يقول غير ذلك ، فهو أبدى شجاعة فائقة وتحدياً كبيراً للكرسي الروماني لكي لا تنصهر الكنيسة الكلدانية تماماً مع الكنيسة اللاتينية كما حدث لابرشياتها في ملبار الهندية ،وكان في رسائله واثقاً ومدركاً للامور وما تهدفه روما من محاولات الصهر وأبرزها قضية الملبار.  ولكن ما الذي ساعد البطريرك أن يكون حازماً وقويا ومتحدياً هذا لم يتطرق اليها المقارن مع فترة مارساكو.ولنأتي الى المقارنة.
طبيعة المجتمع الكلداني في المرحلتين :
قلت اعلاه الفرق بين الحدثين 165 سنة ، أي أكثر من قرن ونصف!! وهي فترة طويلة يمكن أن نستشف بفارق كبير على التغيرات التي حصلت على المجتمع الكلداني ،ففي تلك الفترة التي ترأس مار اودو الكنيسة الكلدانية :الغالبية العظمى من الكلدان كانوا يعيشون في القرى ، الغالبية العظمى كانوا من الاميين لعدم أنتشار المدارس ,قلة منهم عرفوا القراءة والكتابة في اللغة الفصحى المسماة الارامية ،بينما لغتهم  الاساسية كانت المحكية حالياً الناجمة في رأي من تلاقح اللغة الاكدية والارامية ومع اللغات الاجنبية الدخيلة على بلاد النهرين في العصور المختلفة. وحافظت عليها الاسرة الكلدانية آنذاك ولم تتحدث مع أبنائها غير تلك اللغة فكان لها دور كبير في  توحيد اللغة  لعدم وجود مدارس حكومية تفرض على الابناء اللغة العربية أو التحدث مع الابناء لغرض التكيف مع أبناء المدن،أي أن الكلدان معظمهم كانوا على لغة واحدة فلا أشكال لغوي صادف البطريرك أودوا .
بينما في عهد مار لويس المعاصر واضح للجميع أن الكلدان لا يعيشون في القرى الا القلة منهم ، وليس في المدن العراقية بل انهم منتشرون في قارات العالم المختلفة ، وفي عشرات الدول وبمختلف اللغات ويدرس أبنائهم في مدارس مختلفة لغوياً ،وضعف دور الاسرة في استمرار نقل اللغة للابناء ،أي أن اللغة التي كان الكلدان يؤدون طقوسهم بواسطتها لم تبق هي السائدة لدى عموم الاسر الكلدانية ،مما ستلاقي الكنيسة الكلدانية في كل مكان مشكلة اللغة تتفاقم لان من يأتيها من المؤمنين لا معرفة لهم بتلك اللغة .فماذا تعمل الكنيسة ياترى؟ هلى تبقى مكتوفة الايدي أو تظل تؤدي الطقوس باللغة القديمة أو حتى المحكية دون أن يستوعبها المؤمنون؟ اذا ظلت ستخسرهم لانهم سيلجاؤون الى الكنائس التي يمكنهم أقامة الصوات بلغتهم الجديدة المكتسبة. وهل للكنيسة أمكانية لتلقي الابناء اللغة ؟ بالطبع كلا لان ديمومة اللغة وأية لغة لابد من وجود دولة تسندها وتقرها رسمياً وتفرضها ، فالكلدان لا دولة لهم ،وبالرغم من ان الكنائس لا تقصر في تعليم اللغة الا ان ذلك لا يفي بالغرض لعدم وجود استعداد نفسي من قبل الاجيال المعاصرة لتقبل اللغة الام. كما قلنا في عهد مار اودو لم يكن من بين ابناء الكلدان المتعلمين وحملة الشهادات العليا مثلما يحصل الان فكل واحد يرى المسالة باجتهاده ومنظوره الخاص .ومقارنة بالاخوة الاشوريين يمكن الاستنتاج بأن الاسرة الاشورية المعاصرة هي التي تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على اللغة ، فلم نسمع يوما ما أنها تتحدث مع أبنائها غير لغتهم الام وأما عن التي يؤدي الطقوس فيها في الكنيسة الشرقية الاشورية بشقيها وبحسب استطلاعاتي لاراء البعض من المهتمين أكدوا لي بأن عامة المؤمنين لا يفهموها أيضاُ أسوة بالكلدان.
الكنيسة تبحث عن المؤمنين واذا لا يفهم المؤمنون ما يقال من الصلوات والوعظ معناها ستخسرهم لا محال، فالطقوس ليست منزلة وهي من صنع الانسان ولاجله لتنظيم حياته ومنها الدينية ،فالطقوس هي من أجل الانسان وليس الانسان من أجلها كما قال سيدنا يسوع المسيح السبت من أجل الانسان وليس العكس.فأذا لابد من الكنيسة حالياً أن تأخذ هذه المسالة بنظر الاعتبار والا سنفقد شعبنا. فلا يمكننا أن نضع اللوم على الكنيسة لوحدها لاستمرار اللغة والطقوس دون مراعاة هذه الظروف الاسرية واللغوية وأماكن العيش المتشتتة وعدم وجود دولة لتحمي اللغة.فالطقس ليس فقط لغة ،أنما هو روحية ولاهوت وعقيدة وتربية ورسالة، فلابد أن يدركه الجميع.
وضع الاكليروس :
               الاكليروس من الاساقفة في عهد مار أودو كانوا من الرهبان ،تلقوا دراستهم اللاهوتية واللغوية في الاديرة مما يدل عى انهم لم يختلفوا عن بعضهم البعض من حيث المعرفة ،وكذلك الكهنة وقد تعلموا في حينها اللاهوت واللغة من مدارسهم الدينية في القرى .فالتعامل مع هكذا نموذج متقارب جدا من حيث المستوى التعلمي سهل جداً فلم يعاني منه البطريرك حينها. فبالرغم من تمرد بعض الاساقفة في عهده بسبب العلاقة بين الكرسي الروماني والكنيسة الكلدانية وخاصة بعد أن تراجع البطريرك عن موقفه ،فحرمهم وهرطقهم  مع من تبعهم من المؤمنين وهذا ماحدث فعلا لابناء تلكيف ومنكيش بحسب الرسائل الموجهة اليهم من قبله.وانما تراجع المتمردون تدريجياً بسبب الخوف من الحرم البطريركي ولعنته وتفهمهم للمسالة ،لكن حالياُ كل اسقف ومعظم الكهنة تلقوا علوماً مختلفة في الجامعات ومنهم اصحاب الشهادات العليا ومن منابع مختلفة ، فكل منهم له فلسفته الخاصة في التعاطي مع المتغيرات وفهم القوانين وادراك اهمية اللغة واهمية الطقوس فلا يتردد لكي ينشق بكنيسة خاصة به وفق ما تقتضي أفكاره متجاوزاً الطاعة للرؤساء والخوف من الحرمان والاتهام بالهرطقة ،بينما في عهد البطريرك مار أودو وكما تبين من رسائله التحريمات كانت واردة وتخوف المؤمنون جداً من لعنة الكاهن فكيف تأتيهم اللعنة من البطريرك .بينما الان لا أحد يكترث من المؤمنين والاكليروس لتلك اللعنات لانه يفسر الحالة منطلقاً من أفكاره .فهل كان في عهد مار اودو قبل اكثر من قرن ونصف أحد يتجرأ مثل عبدالله رابي أو دكتور ليون وغيرهما يجتهدون وينتقدون  البطريرك والمؤسسة الكنسية دون أن ينال التحريم  والهرطقة؟ وويل على من يناله في  ذلك العهد . فيُطرد من القرية ويُنبذ في الطرقات.
المتغيرالسياسي:
  لايمكن وضع صورة متشابهة في عهدي مار اودو ومار ساكو من حيث الوضع السياسي، ففي عهد الاول كان الوضع السياسي مستقرأ تحت صرامة الدولة العثمانية وسلطة القانون والخضوع التام للسلطان،فخيم الاستقرار على المنطقة الى ما قبل الحرب العالمية الاولى. ولم تكن هناك صراعات سياسية كما هي الان في عهد مار ساكو ،الاوضاع السياسية الشاذة لا مثيل لها في التاريخ العراقي المعاصر ، انتهاك حقوق المسيحيين رسميا كما هو معروف واضطهادهم على الهوية الدينية من قبل العصابات الاجرامية الداعشية وتهجيرهم من ديارهم،واصبحت الاوضاع السياسية والامنية معروفة للجميع ، ومع هذا نرى كيف أن الكنيسة في عهد البطريرك ساكو تتحدى هذه الاوضاع المضطربة .فهي وقفت لحماية المؤمنين المهجرين ، ونرى تحركاته الدولية محاولة لانقاض ما تبقى ونداءاته لتوفير الحاجات الاساسية للكلدان واخوتهم المسيحيين من الاثنيات الاخرى أو الطوائف الاخرى,،وقد نحتاج الى مجلدات للتذكير وعرض ما قامت به الكنيسة الكلدانية والبطريرك بالتعاون مع اخوته الاساقفة في الداخل والمهجر ويواجهون بقوة وحكمةهذه التحديات.فلا تخلو مناسبة ثقافية أو رسمية والا نبه الحكومة العراقية للانتهاكات القانونية بحق المسيحيين، ومحاولاته لنشر ثقافة السلم وقبول الاخر المختلف واحترامه.
تحديات الهجرة والوضع الاجتماعي:
              في عهد البطريرك اودو كان الوضع الاجتماعي للكلدان مستقرا فالغالبية كما ذكرت عاشوا في القرى ،ووسائل النقل والاتصال المتطورة التي نراه في يومنا هذا كانت مفقودة ،فمعظم الناس عاشوا جميع سنوات عمرهم في قراهم الى مماتهم، والسلطة الابوية في الاسرة هي السائدة تماماً والنزعة الدينية للافراد كانت قوية مقارنة في أيامنا المعاصرة.أنما وجود وسائل النقل والاتصال  المتقدمة والسريعة التي جعلت من العالم أشبه بقرية صغيرة في عهد مار ساكو،كان لوجودها بالاضافة الى فقدان الامن والهجرة الجماعية للمؤمنين أثرا بالغأ في التأثير على البنية التنظيمية للكنيسة وعلى المؤمنين فبدلا أن كانت  الابرشيات محصورة في الجغرافية البطريركية ، أصبحت منتشرة حول العالم وذلك لتشتت المؤمنين والحاجة الى متابعتهم،مما تتولد الصعوبة في الضبط الاداري والمؤمنين كما كان في عهد مار اودو.وبالرغم من ذلك فالاستقرار قائم في الكنيسة الكلدانية ،وليس مثل ما يروج من أشاعات وتضخيم اعلامي غير مبرر ومستند على الوقائع ، وان ظهرت بعض الامور ،فلم يكن البطريرك ساكو لوحده المسؤول عنها وانما تداخلت عوامل متعددة منها تناقض القوانين الكنسية في سلطة البطريرك على الابرشيات والتركات الثقيلة ، والظروف الحالية التي تحيط بالكنيسة كما ذكرت.
فهل ثقافة الكلدان هي في خطر كما تُضخم اعلامياً من بعض كتابنا في المهجر؟
أن المتغيرات الانفة الذكر جعلت من استقرار الطقوس في عهد مار اودوا ،بينما المتغيرات المتفاعلة  المذكورة في عهد مار ساكو استوجبت الامور الى تكييفها مع الوضع الراهن لكي تتم الاستجابة اليها من قبل المؤمنين وبموافقة السينودس الكلداني.
لا توجد بلبلة للوضع الثقافي الكلداني ، وانما كل التعليمات التي أقرتها البطريركية والسينودس تصب في عهد مار ساكو في توحيد الطقس الكلداني بين الكنائس بعد ان كان متشتتاً ، البطريرك لا يلزم أحدا من الكهنة أن يغير اللغة ، ولكن ماذا يعمل الكاهن اذا يأتيه المؤمنون ويعترضون على اللغة؟.
في عهد مار ساكو سنكون شهوداً على ترسيخ الثقافة الكلدانية ،بدليل الاهتمام المتواصل بالثقافة الكلدانية المتكيفة مع المستجدات والمتغيرات ، فغبطته يؤكد على بناء البيت الكلداني وجمع الشمل وفتح قنوات لاحياء الثقافة الكلدانية ومنها دعمه المتواصل للرابطة الكلدانية التي ستساهم مع استقرار الاوضاع في أحياء ثقافتنا.وهو مثل مار أودو يحث ويؤكد للفاتيكان احترام حقوق مسيحي الشرق في كل لقاء أو مناسبة مع منتسبيها.
التشبث بالارض هي احدى مقومات الاثنية او الثقافة أو القومية بالمفهوم السياسي .فما تشبث البطريرك ساكو بالارض وصموده وتحديه للاوضاع الخطرة الا دليلا واضحأ لاحياء ثقافتنا الكلدانية في ارض الاباء والاجداد.
العمل ما بوسعه دولياً وأقليمياً ومحلياً لجمع وحماية الكلدان المتشتتين من جراء أعتداءات داعش الارهابية ووضعهم   في حالة من الاستقرار النسبي الملائم في اقليم كوردستان الى جانب اهتمامه باخوته المسيحيين العراقيين من الاثنيات الاخرى ،دليل على مسؤوليته في الحفاظ على شعبه من التشتت والا ما فائدة الثقافة بدون الشعب.
لسنا شعبنا غلباناً ومتخلفاً ،بل العديد يكتبون وينقدون ويتفهمون للوضع ، والبطريركية تعلن عن الاهتمام بالاراء البناءة التي تبني ولا تفرق وتهدم .
فالاستقرار مخيم  في الكنيسة الكلدانية بالرغم من الظروف القاسية في الوطن وتشتت المؤمنين  ، ولا يمكن أن يكون ما ظهر من مشاكل هنا وهناك قياساً لكي نصف بها الكنيسة الكلدانية في حالة مأساوية كما يصفها البعض من خلال نظرة ضيقة جدا دون الاكتراث بشمولية التحليل كما وضحت ، فلا بيت أو مؤسسة أو كنيسة تخلو من المشاكل والمشاكل لا يمكن ان تنتهي يوما ما بل يمكن الحد منها وفق المعطيات العلمية. وعليه اتمنى من كتابنا في المهجر ليس تجاه الكنيسة الكلدانية بل كل كنائس شعبنا أن يتعاطوا مع ما يتعلق بالكنيسة والاكليروس بحذر وحكمة ولتكون رسالتنا ابراز للمحيطين بهم الصورة الايجابية لهم فهم محاطون بظروف قاسية وقلقة ومعرضين في كل ثانية لابشع الاحتمالات فاتمنى ان لا نزيد من ارهاقهم بل نخفف منه .واما السلبيات فيمكن تمريرها بقنوات خاصة.
وخلاصة القول : أن ما قام به البطريرك مار يوسف اودو قبل 165 سنة  تجاه الثقافة الكلدانية كان في زمانه واحوال تختلف تماماً عن ما يعمل البطريرك مار لويس ساكو اليوم في ظل المتغيرات والتحديات المختلفة كما وضحت. فقياساً لمقارنة المتغيرات المرتبطة بالفترتين ارى ان البطريرك مار اودو عمل القليل بالنسبة الى مار ساكو. فما ينقصنا هو ثقافة استيعاب الحاضر والتخطيط للمستقبل لا ان نرجع الى الوراء ونرسخ ثقافة عبادة وتمجيد السلف.فكل حالة لها مكانها وزمانها.

 


63
                                       "الكاتب لوسيان"
                        معظم تفسيراتك أجتهادات شخصية وليست موضوعية
                                       الاستفتاء نموذجاً
د . عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
              منذ فترة طويلة أتابع في المنبر الحر لموقع عينكاوة كتابات السيد " لوسيان " وهو اسم مستعار، يكتب بطريقة تخلو من الانشاء ،ويعتمد على الاستنتاج القياسي الاستنباطي التأملي الشخصي بأستخدام العقل فقط دون االاستفادة من الحواس الاخرى بالرغم من انه ينادي بها أحيانا في طروحاته ، لوضع المقدمات والنتائج عندما يحاول تفسير ظاهرة ما أو حدث من احداث الساعة . فهو يتبع طريقة للوصول الى النتائج قد عفى الزمن عليها منذ بداية القرن الثامن عشر على أثر ظهور المنطق الحديث الاستقرائي الذي يعتمد على التجربة والبيانات والتحليلات الاحصائية المتقدمة، وعليه تفتقد بعض من طروحاته وتحليلاته الى التنظيم الفكري والموضوعية.
بالرغم من عدم التحسس في بعض من  تفسيراته النهائية النتائج السليمة،الا انني شخصياً تعجبني كتاباته لانه يتمتع بقدرات عقلية عالية الكفاءة، فهو يتبع حلقات مرحلية مبسطة للقاريء لتوصيل الفكرة ، لكنها لا تخلو من التخبط والخلط بين المفاهيم والامور التي يعالجها ،وقد يرجع ذلك الى الضعف في الدراية لطبيعة وفلسفة العلوم التي تتناول تلك الظواهر المطروحة دراسياً، فيعتمد على الكفاءة الشخصية التي هي غير مستوفية ما لم يتزود بالمعرفة النظرية والدراسات السابقة وفلسفة وطبيعة العلوم الاجتماعية والانسانية التي تقع الظواهر المدروسة ضمن سياقها الفكري. فالتفسير يحتاج الى منظومة فكرية متكاملة بالاضافة الى القدرات الذكائية الشخصية التي يتمتع بها الاخ "لوسيان " فالذكاء بحاجة الى الترويض أي تحفيزه بالمنظومة الفكرية.
وما يثير أنتباهي لما يكتبه بالدرجة الاساس هو ، أستخدامه لعبارات توحي للقاريء كأنما لوحده يمتلك الحقيقة ،أو أشعاره للقاريء كأنه هو المعلم وعلى الاخرين تلقي المعلومات بدون مناقشة ،ومنها رفضه لكل ما كُتب مسبقاً عن ما كتب عن الموضوع ،وألا ماذا تعني عبارته التي يتكررها دائما(كل ما كتب عن الموضوع والتعقيبات أو الردود هي " زبالة" )أو أنها لا تستحق المناقشة.أن هذا الرفض والالغاء لا ينسجم مع معطياته الفكرية التي يقدمها على هذا المنبر، هذا ما لا ارضى به من موقف لكاتبنا " لوسيان ". فمهما يكتب الانسان من كتابات، فلابد الاستفادة منها بدرجات مختلفة ولا تخلو كتابة ما من فائدة وأنا شخصياً من الذين يستفيدون من كل الكتابات مهما يكون نوعها ومستواها لبناء منظومة فكرية تراكمية تساعد في التفسير والتحليل.وهنا بالرغم من وصفك لكتابات الجميع بهذه الوصفة الا انه استفدت منها من حيث لا تدري ،أذ في ضوئها كتبت مقالتك التي نحن بصددها فلولا كتاباتهم لما كتبت ،وهكذا الجميع. ومن الغريب تأييد بعض القراء لما يكتبه ،بينما يصف كتاباتهم أسوء وصفاً ،مما يدل بوضوح أن الاهانة لا تعنينهم بقدر أن ما يأتي به يتطابق مع أفكارهم.
من المعروف ان الوصول الى النتائج العلمية أحد اركانها هي تبادل الاراء وتراكمها ،فالفرد الواحد لا يمتلك الحقيقة ،حتى لو أستخدم الكاتب أو الباحث في العلوم الاجتماعية المقاييس الاحصائية المتقدمة في التحليل الا انه منهجياً قد يصل مستوى الثقة بالنتائج الى 85% أي أن الخطأ المعياري يصل الى 15% .بمعنى لا حقيقة مطلقة في الظواهر الاجتماعية ،فكيف سيكون مستوى الثقة بنتائج يصل اليها الكاتب بطريقة "لوسيان" الاجتهادية الشخصية؟
بعد أن قدمت فكرة عامة عن نموذج الكتابة لدى الاخ لوسيان ،سأتناول موضوع المقال الذي هو عن تفسيره لاهمية الاستفتاء.والمعنون( غبطة البطريرك حر بشكل كامل في أطلاق أية تصريحات وهو مسؤول بنفسه ولوحده بشكل كامل عن تصريحاته) ألرابط ادناه.
ربط موضوع الحماية الدولية التي هي حدث اليوم بين المسؤولين الروحانيين والسياسيين والكتاب  بمسألة الاستفتاء أي استطلاع الرأي العام لذوي العلاقة بالموضوع .أن ماجاء به عن الحماية هو صحيح وفقاً للقوانين المشرعة من الامم المتحدة ،ويبدو فعلاً أن بعض من السياسيين لم يفسروا المعنى الصحيح للحماية الدولية ،وعليه سيكون نقاشي حول الاستفتاء وماهيته والهدف منه ودوره في اتخاذ القرارات ومدى موضوعيته.
الاستفتاء : وهو مظهر من مظاهر النظام الديمقراطي لأستطلاع رأي أفراد الجماعة أو مجموعة كبيرة من الافراد في المجتمع، وقد يكون بمسح شامل أو عن طريق العينة المتناسبة مع حجم المجتمع الكلي.ويدور موضوعه حول مسألة ما ، كأن تكون أقتصادية أو سياسية أو أجتماعية أو تنموية ، وتتم العملية غالباً بطرح سؤال عن الموضوع وتفرز نتائجه ،الغاية منه هو تحسس آراء ومواقف الناس من الحدث بمختلف خصائصهم الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وغيرها ليقدم صورة أولية للمعنيين .وقد يكون السؤال مكتوباً أو أو تظاهرة جماعية تؤيد أو ترفض الحدث أو عن طريق مقابلات سريعة فيما لو كان حجم العينة صغيراً.وغالباً ما تقوم به معاهد خاصة في البلدان المتقدمة ،أو الصحافة المحلية .
ماهية الاستفتاء: تأتي أهمية الاستفتاء في نتائجه التي تعطي صورة أولية لاراء الناس حول حدث أو ظاهرة ما ليساعد المعنيين والخبراء لوضع دراسة شمولية عن الموضوع ،وثم أتخاذ الاجراءات اللازمة ،ونتائجه ليست حاسمة ونهائية وأساسية بل هي مُساعدة.وتتباين اهميته بحسب الموضوع المطروح.
مدى موضوعية نتائج الاستفتاء. طالما أن الاستفتاء هو مظهر من مظاهر الديمقراطية ،له مساويء كما له ايجابيات مثلما للنظام الديمقراطي كما تُشير الدراسات لمساوئها وايجابياتها ومن مساوىء الديمقراطية : اختلاف الناس في خصائصهم الذاتية والمكتسبة من حيث مكوناتهم العقلية والنفسية والاجتماعية وغيرها حيث تؤثر في الموقف والاتجاه . وهي تعتمد في نسقها التنظيمي على العواطف البشرية أكثر من الخبرة والحكمة.تساعد الديمقراطية على انماء الروح الانتمائية فغالباً ما يكون موقف الفرد محددا بانتمائه الاثني أو الديني او السياسي أو الطبقي أو الوظيفي . يلازم الديمقراطية ظاهرة الفساد كالرشوة لشراء الاصوات والاختلاس والوعود الكاذبة، أنها تمنح القوة للأكثرية الغالبة وتُهمش الاقلية وأحياناً لا يشعرون بوجودهم ودورهم في المجتمع. يتحمل الشعب المسؤولية أذا انحرف أو أرتكب جُرما معيناً قائدهم لانهم السبب في تقلده المنصب.الخوف على أسرار الدولة لتعاقب حكومات مختلفة.
بعض من هذه المساويء أيضا تنعكس في حالة الاعتماد الكلي على نتائج الاستفتاء بأعتباره كمظهر للديمقراطية.
ففي حالة تطبيقها على الاستفتاء عن الحماية الدولية لشعبنا في سهل نينوى، وكما طرح كل من الاخ نيسان الهوزي( وهذه المرة كان طرحه جدياً)والاخ جلال برنو من تساؤلات ومؤشرات التي ستؤثر في نتائج الاستفتاء،كذلك أعتمدها هنا وهي موضوعية جدا فالمنطقة بخصائصها الديمغرافية والسياسية والصراعية والاجتماعية  وتاثيرات أصحاب النفوذ والقوة متباينة ،كما أن المجتمع المقصود هو جزء من المجتمعات النامية فهو يفتقد الى الوعي والادراك لمجريات الاحداث ،مما يحتم ذلك في عدم موضوعية نتائج الاستفتاء.
  فالموضوعية هي بمعناها العلمي: تجرد الانسان سواء كان باحثاً أو مبحوثاً من الانفعالات والعواطف التي ترتبط بانتماءاته القيمية والطائفية والعرقية والاثنية والطبقية والدينية والسياسية والنزعات الشخصية.  تتصف بالموضوعية الروح العلمية ، فاذا قلنا أن نتائج الاستفتاء هي موضوعية ،المقصود بها أنها علمية !! وهذا لايجوز في العلم مطلقاً الاعتماد على نتائج الاستفتاء في وضع القوانين واتحاذ القرارات، فاذا كان أعتمادنا على نتائج الاستفتناء في حياتنا ،علية غلق الجامعات والمؤسسات العلمية في مختلف الشؤون الحياتية بما فيها الطبيعية والاجتماعية والانسانية ، لان ببساطة نتائج الاستفتاء ستعوض أهميتها ودورها.
أخي لوسيان،أعزائي القراء:
عندما نقول النتائج الفلانية هي موضوعية  وحقيقية، يعني ذلك أن عملية الوصول أليها عملية شاقة جداً تتطلب الوقت والاموال والقدرات الذكائية والاعداد العلمي والبحثي وتخضع العملية الى أجراءات منهجية محددة تُقيد الباحث بضوابط عملية بحيث تبعده من التأثر بما ذكرت أعلاه وأخص بالذكر في مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية لانها تتعامل مع الانسان عكس العلوم الطبيعية التي تتعامل مع المادة.
ففي العلوم الاجتماعية لا يمكن الاعتماد على سؤال واحد ليغطي المسألة المطروحة كما يتم في الاستفتاء ، أنما  على عدة أسئلة قد تصل الى مئة ،وتخضع الى أجراءات معينة كعرضها للخبراء والقيام بالاختبار الاولي لها ووضع اسئلة اختبارية بينها لتشخيص الكذب عند المبحوث لكي يتقرر صلاحيتها لجمع البيانات وثم التعامل مع البيانات بالمقاييس الاحصائية المتقدمة لكي تتحقق الموضوعية .
نعم تقوم بعض الجهات بأجراء الاستفتاءات حول ظاهرة معينة الا أنه لا تعتمد على نتائجها ،بل تُعرض على الخبراء لوضع فرضيات قابلة للاختبار في ضوئها للتحقق من صحتها بطريقة علمية. ففي حالات الاستفتاءات التي تسبق يوم الانتخابات الرئاسية قد لا تتطابق نتائجها مع نتائج الانتخابات الحاسمة ، فهي تُجرى وتقدم للخبراء لتحليلها وثم يستفيد المرشح منها لتغيير برنامجه أوخطابه بعد دراسة وافية بربط تلك النتائج بالموقع الجغرافي وطبيعة الافراد واختلافاتهم ،فكم من مرة في الانتخابات الرئاسية الامريكية الاخيرة طلعت الاستفتاءات بنتائج تُشير الى فوز هيلاري كلنتون ألا انها أختلفت نتائج الانتخابات لسببين رئيسيين أولهما ، الجميع لا يخضعون للاستفتاء وثانيهما المزاج الشخصي المتقلب وعدم أيمان البعض أساساً بالعملية الانتخابية .
وفي مجالات تخطيطية وتنموية يستعينون في البدء بالاستفتاء لتكوين صورة أولية عن مواقف الناس ،ولكن لا يشترط الاعتماد عليها، فمثلا في مدينتنا هاملتون الكندية ارادت البلدية أن تشق طريق سريع على ضاحية المدينة فظهرت الاحتجاجات من الاهالي القاطنيين بالقرب من المنطقة وبدعم من دُعاة البيئة الخضراء وثم، على ضوئها أجري استفتاء وكنت أحد المشمولين به ،وكانت نتائجه أن الاهالي لا يرغبون أطلاقا بفتح الطريق السريع ، الا أنه بعد سنة تقرر فتح الطريق على ضوء دراسة شاملة أعدتها البلدية وتوصلت أن فتح الطريق يحقق المصلحة العامة وله ابعاده الاستراتيجية للمدينة لتخفيف الاختناق المروري. وخذ مثلا أخرا : في أيام الدعاية التي قام بها المرشحون لرئاسة الوزراء الكندية طالب الكنديون في تجمعات عرض البرامج للمرشحين من ( جوستون ترودو  )أن يُغير النظام الانتخابي القادم في حالة فوزه، الا أنه قبل فترة فاجأت الحكومة الكنديين بما يأتي: بعد دراسة مستفيضة من قبل الخبراء والاختصاصيين تبين صلاحية النظام الحالي في الانتخابات وعليه سيبقى العمل وفقه. ولحسم القضايا التي تهم الشعب في الدول البرلمانية لا يتم الرجوع اليه للنظر في تلك القضايا واستفتاء رايه، لان الشعب منح القوة والشرعية لاعضاء البرلمان لتمثيله، فهم يدرسون ويشرعون وعلى السلطة التنفيذية الاتخاذ اللازم.
 لاحظ أخي القاريء الاعتماد في هذه الامثلة على الدراسات والخبراء الذين يعتبرهم الاخ لوسيان نكتة اي الخبراء.نحن في عصر الخبراء فلا يتم شيئاً بدون الرجوع الى الخبراء والدراسات الشاملة في كافة مجالات الحياة سواء علنيا أو في الخفاء كما تعمل الدول المتنفذة عالمياً في سياستها الخارجية فهي لا تقدم الى اتخاذ موقف الا بعد الرجوع الى الخبراء .والامثلة عليها متعددة. وما تفضلت به من مثال عن نصائح الخبراء للامريكان لتجنب الاطاحة بصدام حسين ،غير موفق ،لانه في نفس الوقت اكد العديد من الخبراء على وجوب الاطاحة به  معتمدين لدى الكونكرس الامريكي ،وارجو ان لا يكون قصدك بالخبير المحلل الذي يعتمد على اجتهاداته الشخصية كما تفعل حضرتك هنا .
نعم ليس الراي الشخصي للاكاديمي أو القائد الروحي او السياسي  أو الصحفي موضوعي لانه فرد واحد ، ويعتمد على الاجتهاد الشخصي، انما الموضوعية تتحقق بدراسة منهجية تعتمد على اصحاب الاختصاص والخبرة وليس على اجوبة الاستفتاء على سؤال واحد .فالاكاديمي أو الخبير المجاز عندما يتحدث ،يكون حديثه أستناداً الى نتائج الدراسات المنهجية  التي أجراها بنفسه أو غيره عن الموضوع، أما اذا أجتهد شخصياً فيكون طرحه خاضعاً للبرهان. فالامريكان مثلا أو اية دولة لا تبني علاقاتها الدولية على راي شخصي لصحفي أو أكاديمي أو سياسي، بل على فريق عمل من الخبراء الذين يعتمدون على الدراسات المفصلة .
وهل تحتاج بعض الامور الى استفتاء شعبي ؟ كما هو طلب حماية دولية لشعبنا المضطهد في سهل نينوى ، فهل من المعقول اذا شعر أحد أو فعلا يتعرض الى المخاطر ويكون جوابه لا اريد الحماية؟ معناه هذا غباء فكل من يتعرض الى المخاطر يحتاج الى حماية بالتأكيد وهذا بديهي جداً والا انه يريد الانتحار أو يحب الموت. انما المسالة ليست هينة وببساطة، فهي تحتاج الى الدراسة الوافية والاحاطة بكل المتغيرات في المنطقة ومعرفة مدى جدية الحامي مثلا والنتائج المتوقعة منها وطبيعة البيئة السياسية والديمغرافية كما ذكرت سابقاً .  تبين في هذه الايام أن بعض من كتاب وسياسي وقادة شعبنا لم يدركوا معنى الحماية الدولية كما أدرجت من قانون الامم المتحدة في مقالك ،فكيف يمكن الاعتماد على الاستفتاء لتقرير ذلك؟
وخذ المثال الاتي لتقريب الفكرة، في هذه الايام هناك من يطالبون بأستقلال الكورد ،والعديد من المرات يهددون بأجراء استفتاء شعبي ،بالطبع ستكون النتائج معروفة بنعم بسبب الضغوط  من قبل السلطة الكوردية المؤيدة للمشروع ،وتاثير الانتماءات الاثنية المصطحبة بالعواطف والانفعالات للتخلص من حكم الاخرين. وهل ستكون نتائج الاستفتاء صالحة لاتخاذ قرار الاستقلال؟ الجواب كلا ،لان بناء دولة لا يمكن أن يحدد من قبل عامة الناس الذين يفتقرون الى ادراك المقومات الاساسية للدولة ،وهذه يحددها الخبراء وأصحاب الشأن. وأنما قد تساعد تلك النتائج لدعم الدراسة.
واكمالا لموضوع مقالك الذي اكتب بصدده ، هناك أيضا غموض في توضيحك لمفهوم المسؤولية الفردية، وهذه تكررها في عدة مناسبات أثناء الردود والكتابة ، ويوحي للقارىء من اجتهادك ، ان الفرد دائما مسؤول عن تصرفاته ومسؤول ذاتياً عن عملية اتخاذ القرار تجاه المواقف المختلفة في حياته .للتوضيح أستناداً على نتائج الدراسات وليس على أجتهادي الشخصي .
أن فلسفة المسؤولية الفردية مرت بعدة مراحل دراسية وتفسيرية ، ،فالمرحلة الاولى كان التفسير أن الفرد هو المسؤول عن تصرفاته طالما هو الذي يؤديها  وتلك التصرفات هي وراثية ، وعليه اعتمدت فلسفة العقاب والثواب على هذه الفلسفة قبل عصر التطور الفكري في اوربا ، فالذي ينحرف كان يُعاقب عقاباً صارماً عن طريق الايذاء الجسدي والتحطيم النفسي أو الاعدام بحسب حجم خطورة الفعل المرتكب ، الا أنه ظهرت دراسات باتجاه آخر عند ظهور وبروز علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي ملخصها ،ان المجتمع هو المسؤول عن تصرفات الفرد وليس الفرد نفسه لان المجتمع هو المسؤول عن تهيئة الظروف التي تدفع به الى الانحراف أو الى التفاعل الايجابي والتكيف مع المجتمع،، بينما حديثأ ظهر الاتجاه الثالث بعد أن تبين وجود دوافع موروثة لدى الفرد وفي نفس الوقت يخضع الفرد الى الظروف المجتمعية في بناء شخصيته وتصرفاته وتحديد مواقفه،وهو أتجاه يجمع تصرف الفرد في ( البايوسايكواجتماعي) وسمي بالمذهب التوفيقي الذي يؤكد على العلاقة المتبادلة بين الفرد والمجتمع،وعليه أعتمد المصلحون والمعنيون على مبدأ الاصلاح الاجتماعي للمنحرف بدلا من العقاب الصارم ، وعلى أساسه يتم التعامل مع الفرد في الدول الراسمالية بدأً من الاسرة وفي تشريع القوانين التي تنظم الحياة بمختلف ميادينها، فالمسؤولية لا يتحملها الفرد لوحده بل تُلقى عليه وعلى المجتمع بنسب متفاوتة.( والحديث عن هذا الموضوع طويل يحتاج الى مجلدات، يمكن الرجوع الى اي مصدر في علم الاجتماع وبالاخص مبادىء علم الاجتماع يحلل العلاقة بين الفرد والمجتمع).
أذن ملخص الحديث أن الاستفتاء ليس الا جزءاً بسيطاً من عملية الاقرار بالحماية الدولية لشعبنا ، فلا يجوز الاعتماد عليه كلياً،وانما لابد من تفاعل الافكار النظرية والميدانية من قبل السياسيين والرؤساء الروحانيين وفقاً لطبيعة مجتمعنا ، وتشكيل فريق عمل من الاكاديميين وأصحاب الشأن لدراسة الموضوع، ولا ضرر في الحصول على أنطباعات أفراد شعبنا عن الموضوع ليسند الدراسة، وفي حينها هم الذين يقررون ،فلا يمكن أن تقوم العملية على رأي شخصي .
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,831700.0.html

64
                                   أنسحاب الكنيسة الكلدانية
                                 من مجلس رؤساء الطوائف المسيحية
                                         رؤية وتحليل
د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي
                  جاء في بيان لمجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق الصادر عن الاجتماع المنعقد في مطرانية الروم الارثودكس في بغداد بتاريخ 3 / 1 / 2017 ملاحظة جديرة بالاهتمام هي " مبدئين بادىء ذي بدء اسفهم لقرار غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو الكلي الطوبى المسبق 13 كانون الاول 2016 بسحب الكنيسة الكلدانية من المجلس بسبب طلبه رئاسة المجلس خلافاً للنظام الداخلي "
أثار انتباهي هذه الملاحظة التي جاءت في البيان المذكور عن انسحاب أكبر كنيسة في العراق من حيث أتباعها واكليروسها ورئاستها التي تلعب دورا مشهودا له في ظل الاوضاع الراهنة عالمياً واقليمياً ومحلياً، بينما يمرالمسيحيون  بفترة حرجة جدا في العراق. حقاً أنها مؤلمة،كيف لم يتمكن روؤساء الطوائف المسيحية أحتواء هذا الانسحاب، وما هي مبررات الكنيسة الكلدانية لانسحابها؟ ومدى موضوعيتها ؟ ومدى موضوعية تنظيم هذا المجلس ؟ كل هذه الاسئلة راودتني للكتابة عن الموضوع والاجابة عليها من خلال استقرائي للمعلومات ذات العلاقة  بعد أن أطلعت على البيان المذكور على الرابط رقم 1 أدناه،واطلاعي على بيان البطريركية الكلدانية الذي جاء لتوضيح الموقف على الرابط 2 ادناه .وكانت نتائج دراستي له ما يأتي:
أولا: أن فكرة أنشاء مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق ترجع الى عام 2006 ،أنما تأسس في 10/ 2 / 2010 .وطيلة هذه الفترة لم نقرأ ونسمع اية فعاليات وأنشطة محلية واقليمية وعالمية جديرة بالاهتمام ومؤثرة من المجلس ،وقد يعود السبب الى عدم أستقرار نظامه الداخلي وفتور الاحساس والاندفاع للعمل ضمن اطار المجلس لاعضائه ، أو التزامه الصيغ التقليدية في التعامل الاداري ،حيث ان المسيحيين والكنيسة هم بأمس الحاجة الى مثل هذا المجلس في ظل الظروف الراهنة.بالرغم من أن الهدف من المجلس واضح ومهم حيث جاء في البيان ( توحيد الراي والموقف والقرار بين كنائس العراق وترشيد علاقاتها مع الدولة من اجل أزدهار وتقرير الحضور المسيحي وتفعيل التعاون والعمل المشترك دون التدخل في خصوصية الكنائس أو الكيانات الخاصة لاية منها)،بالرغم من أهمية الهدف الا انه لم يحقق شيئاً طيلة الفترة المذكورة واخص الذكر مقارنة بالجهود والاعمال التي قامت بها الكنيسة الكلدانية ودور المشرّف للبطريرك مار لويس المعروف للجميع.
ثانياً : يؤكد البيان أن طلب الكنيسة الكلدانية لرئاسة المجلس مخالف للنظام الداخلي للمجلس ، ومع الاسف بحثت وسالت وأتصلت فلم يزودني احد ولم اقرا في منشور معين النظام الداخلي للمجلس ويبدو عدم وجود صياغة نهائية له .وعليه لا يمكننا تحديد مدى مخالفة هذا الطلب للنظام.
ثالثاً : أشارة الى النقطة أعلاه تبين بعد أستقراء المعلومات وتحليل البيانين المًشار اليهما اعلاه ،ان المجلس يعاني من أزمة في الصيغ التنظيمية الادارية ،حيث أن تسمية المجلس هي " مجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق " بينما الاعضاء لا يرمزون جميعهم الى أنهم رؤساء الطوائف ،فمفهوم الطائفة أستخدمته الدولة العثمانية في تعاطيها رسمياً مع المذاهب الدينية غير السنية أي بما فيها الاسلامية، وعلمياً يستخدم مفهوم الطائفة بديلا للمذهب الديني ،وله مدلولات اخرى لا تخصنا في هذا الموضوع، ففي هذه الحالة سيكون رئيس المذهب هو رئيس الطائفة، اي رئيس الكنيسة المشرقية الاشورية هو رئيس الطائفة هنا، ورئيس الكنيسة السريانية الارثودكسية هو رئيس الطائفة وهكذا كل الكنائس المذهبية .بينما من ملاحظة أعضاء المجلس نستنتج وجود رؤساء الابرشيات وليس الطوائف الى جانب رؤساء الطوائف ،فهنا يفتقد المجلس الى الموضوعية في التوافقية مع عنوانه . ففي البيان الموقع تبين أن أعضائه هم :
بطريرك الكنيسة المشرقية الاشورية ومعه مطران واحد ، بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة، ثلاث مطارنة من السريان الارثودكس ،مطرانان من السريان الكاثوليك ، ومطران واحد للارمن الارثودكس ومطران اللاتين في العراق،وستة كهنة يمثلون كنائس الروم الارثودكس في العراق والاقباط الارثودكس والارمن الكاثوليك والروم الكاثوليك والكنيسة البروتستانية الانجيلية الوطنية والادفنتست السبتيين الانجيلية في العراق.
وعليه تكمن الموضوعية في المسودة المرفقة المقترحة من الكنيسة الكلدانية المرفقة مع بيان البطريركية الكلدانية ،حيث يقترح تبديل أسم المجلس الى " مجلس كنائس العراق" فهنا ستقتصر عضوية المجلس في الهيئة التنفيذية  لرؤساء الكنائس العراقية ،ممثلة بالبطاركة الثلاث وممثلي البطاركة الاخرين الذي يقيمون في دول اخرى يتم تعينهم من قبلهم سواء كان مطارنة أو كهنة لتحقيق التوافق بين الاسم والعضوية، وثم جميع رؤساء الكنائس واساقفتها أعضاء في الهئة العامة ،والا كيف يتجزء مذهب السريان الارثودكس الى ثلاث طوائف في تسمية ثلاث اعضاء كرؤساء طائفة وهم في الاساس رؤساء ابرشيات؟وهكذا بالنسبة الى السريان الكاثوليك انشطروا الى طائفتين ، ولو كانت الكنيسة الكلدانية عضوا لانشطرت الى سبع طوائف استنادا الى عدد الابرشيات الكلدانية داخل العراق.فهذا ليس منطقياً ولا عملياً.
رابعاً : من المعروف كنسياً في كل الكنائس تنظم أدارتها ومسؤليتها بتراتب اكليروسي يخضع الى ضوابط تضعها القوانين الكنسية في كل منها،ولكل مرتبة كهنوتية لها أدوارها ومسؤليتها ومكانتها ،وهنا في المجلس المذكور يفتقد النظام الى التمييز بين التراتب الكهنوتي بحسب المكانة والمسؤليات فالبطريرك  والاسقف مساويان للكاهن طالما انهم جميعاً أعضاء .وليس من المنطق والموضوعية بحسب القوانين الكنسية يأتي كاهناً ليرأس المجلس وتحت أمرته ثلاث بطاركة وعدد من الاساقفة فيما لو تم أختيار الكاهن لرئاسة المجلس وهذا من حقه لانه عضو حاله كالبطريرك والاسقف ،وأما اذا هناك طريقة أخرى لاختيار رئيس المجلس فلم يُشير البيان اليها ، وحتى لو كانت بالتصويت أو بطريقة دورية هناك فرصة للكاهن أو الاسقف لرئاسة المجلس .وهذا ايضاً ينطبق على رئاسة الاسقف للمجلس مع وجود ثلاث بطاركة فيه أعضاء والا لماذا وُضعت الدرجات الكهنوتية والمناصب في الكنيسة ؟
خامساً: لم يراع المجلس متغيرات مهمة لوضع قواعد رئاسة المجلس ،اضافة الى ما سبق من التعثر التنظيمي ،فهناك متغيرات مهمة لابد مراعاتها وأخص بالذكر في حالة ووضع للكنائس العراقية ومنها:
الثقل الديمغرافي للكنائس العراقية ،فالكنيسة الكلدانية معروف للجميع أن مؤمنيها هي أكثر عدداً من غيرها وربما قد يفوق عدد مؤمني الكنائس الاخرى مجتمعة أو مساوِ لها . وهذا الثقل الديمغرافي يمنح لها مكانة من بين الكنائس الاخرى وهذا هو واقع الحال .فكيف سيكون ممثل لكنيسة لا يعدو عدد اتباعها العشرات ليرأس المجلس وفي عضويته كنيسة عدد اتباعها عشرات او مئات الالاف؟مسالة غريبة!!
يرأس الكنيسة الكلدانية بطريركاً مشهود له ومعروف في أمكاناته الشخصية لدى أعضاء المجلس انفسهم قبل الاخرين وفي ظل الظروف التي يمر بها المجتمع العراقي وبالاخص معاناة المسيحيين من الحرمان لحقوقهم والاضطهادات المتوالية والتشريد والهجرة والاحداث المتسارعة،حيث كل المؤشرات الواقعية منذ تسنم غبطة البطريرك مار لويس السدة البطريركية للكنيسة الكلدانية تُشير الى أنه يتميز بشخصية كارزماتية مؤثرة وعلى أثرها نال القبول من الجميع .
البطريرك ساكو عمل ويعمل ما لم يستطيع غيره من رؤساء الطوائف المسيحية في العراق والشرق الاوسط القيام بتلك الادوار والفعاليات والانشطة التي تصب في صالح المسيحيين قاطبة في العراق ،أصبح البطريرك ساكو شخصية معروفة عالمياً وأقليمياً ومحلياً وهو موضع تقدير واحترام من الجميع ،يتميز بقدرته لبناء علاقات مع الجميع ،فمشاركاته في الانشطة العالمية التي تخص احوال المسيحيين ومطالباتهم الراي العام العالمي لمساعدة المسيحيين ليس بالاقوال بل بالافعال فتراه ينادي الرؤساء والمنظمات العالمية ويطرح ارائه وينقل اليهم معاناة المسيحيين في العراق بكل تفاصيلها واحتياجاتهم الاجتماعية والامنية والاقتصادية .
تكونت المكانة المعروفة لغبطته فترى الوفود من الرؤساء والوزراء والسفراء والمنظمات الانسانية ورجال الدين والشيوخ وكافة المسؤولين بمختلف مراتبهم يتوافدون يومياً للالتقاء به ولا يخلو يوما للبطريركية الكلدانية ولها زوار من خارج العراق وداخله وعلى جميع المستويات ،أ لم يسأل أعضاء المجلس أنفسهم لماذا هذا التقاطر والزخم من التوافد الى البطريك ساكو وقلما نرى زيارة للرؤساء الاخرين مع شدة احترامي لهم وهذا هو الواقع ؟ أ ليس هذا الدور الفعال لغبطته ناجم من الامكانات والقابليات الشخصية الايجابية التي يتمتع بها ولتراسه أكبر كنيسة معروفة في العراق؟ .( بالتأكيد سيأتي أحدهم ويقول وماذا جنينا؟) والجواب اكرره دائما البطريرك ساكو لا يحمل السلاح ولا جيوشاً جرارة ،بل هو كاهن الرب ينطلق من الانجيل وتعاليم المسيح للتعاطي مع الاخرين ودوره يقتصر على النصائح والمقترحات وغير ملزمة وانما قد تنفع للاستقرار وتحقيق ما يمكن تحقيقه اعتماداً لاستجابة المُتلقي).
أيها الاباء الاساقفة والكهنة الاعزاء علينا في مجلس رؤساء الكنائس المسيحية ،أن المسيحيين ومجلسكم الموقر هو بأمس الحاجة الى شخصية كارزمية مؤثرة كشخصية البطريرك ساكو لكي يعطي زخماً وقوة ومكانة لمجلسكم محلياً وأقليمياً وعالمياً ولكي يكون مجلسكم أكثر تأثيراً وتفاعلا مع الواقع الحالي في العراق، وهذا ليس انتقاصاً منكم، الجميع يعرفون البطريرك ساكو ،الجميع يتوافدون اليه ،الجميع يستشيرونه، أنه الذي ينادي بأقامة دولة مدنية ودستور مدني ،غبطته يقترح بما ينسجم مع مستجدات الاحداث والظروف،ينادي من أجل التعايش السلمي ،يتمكن من أقناع الاخرين لتميزه بعقلية منفتحة تبحث عن السلام والاخوة .فأرجو ان لا يكون للعوامل النفسية الشخصية اثرا في موقفكم هذا تجاه الكنيسة الكلدانية!!
لا اقترح اليكم ايها الاباء الموقرون ان يكون غبطة البطريرك ساكو رئيسا للمجلس لانه بحاجة الى الرئاسة فهو رئيس أكبر كنيسة في العراق ومنها ينطلق ،فهو وان لم يكن رئيساً للمجلس فهو في خدمة الجميع وهو منفتح مع الجميع فهو يخدم كنائسكم قبل كنسيته ،وهذا ما جرى فعلا،فالكلدان أستقبلوا الاخوة من اتباع الكنائس المنضمة الى المجلس في بيوتهم وفتحوا كنائسهم لهم في اقليم كوردستان للتخفيف عن معاناتهم  وابنائهم في دول الانتشار تبرعوا لمساعدتهم ولا يزال، والبطريرك ساكو يتحدث عن جميع المسيحيين في لقاءاته.فالكلدان لم يقصروا ابدا تجاه اخوتهم من المسيحيين في العراق.
انما أكرر أن مجلسكم هو بامس الحاجة الى غبطته والى الكنيسة الكلدانية  لكي يضطلع دوراً كبيرا في عراق اليوم ،والا سيتراوح في مكانه كما كان منذ 2010 .
وأخيراً أن افتقار مجلسكم الى وجود العلمانيين فيه مؤشر أخر الى تمتعكم بالصيغ الادارية التقليدية في التعامل فجميعكم تنادون من منابر الكنيسة ان الكنيسة هي انتم اي المؤمنين وليست كومة الحجارة ،فتبقى اعمالكم مشلولة طالما لم يكن للعلمانيين مشاركة في صنع القرار وادارة الكنيسة .واتمنى أيضا من البطريركية الكلدانية أضافة فقرة لمشاركة العلمانيين في مسودتها للنظام الداخلي التي اقترحتها في بيانها وشكرا.
تمنياتي لكم بالتوفيق
في 13 / 1 / 2017
كندا
 http://www.ishtartv.com/viewarticle,72638.html
http://saint-adday.com/?p=16005

65
                         هكذا أفسر مغادرة غبطة البطريرك مار ساكو
                                 مع وفد حكومي الى بروكسل
د. عبدالله مرقس رابي
  باحث أكاديمي   
                نشر الكاتب القديرالمهتم بشؤون شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني السياسية (أنطوان الصنا) مقالاً بعنوان "مدلولات مغادرة غبطة مار ساكو مع وفد حكومي عراقي رفيع المستوى الى بروكسل" . وذلك في ضوء الخبر المنشور في موقع البطريركية الكلدانية عن مغادرة البطريرك مار ساكو الى بروكسل مع وفد حكومي رفيع المستوى لعقد لقاءات مع برلمان الاتحاد الاوربي ومنظمات أخرى .
وقد عبر الكاتب عن وجهة نظره وتحليله للخبر لمدلولات هذا الحدث كما جاءت في مقاله، وهذا من حقه الطبيعي والسليم من منظور حرية الرأي والفكر. أنما أفسر وأفهم المدلولات لهذا الحدث بأسلوب ونظرة لا أتفق مع أغلب ما جاء به الكاتب، سأوضح ذلك باختصار بعيداً عن التفاصيل التاريخية والمكررة في الصحافة اليومية كما يلي:
أولا: وصف الكاتب الحكومة العراقية بالفاسدة ولا تحترم الحد الادنى لنيل شعبنا حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، داعما ذلك بأمثلة واقعية وأبرزها عدم شمول شعبنا بوزارة في الحكومة، والقوانين المجحفة الصادرة بحق المسيحيين. أتفق وكما يتفق جميع المراقبين والمتابعين للوضع العراقي معكم على أن الحكومات التي تشكلت منذ 2003 هي فاسدة تماماً، ومما هو جدير بالذكر أن هذا الوصف أو الموقف ليس للمسيحيين فحسب، أنما هو موقف المسلمين من السنة والشيعة والايزيديين والصابئة وعلى نفس القياس أثنياً أيضاً.
هناك أعتراضات وأحتجاجات سلمية على الارض أو في الصحافة على القرارات المجحفة والوضع المتردي في ظل هذه الحكومات، وغبطة البطريرك مار ساكو هو احد المحتجين والمعترضين في كل المناسبات لتلك القرارات المجحفة بحق شعبنا المسيحي والشعب العراقي عامة. فهناك أمثلة متعدد عبّر عن سخطه واحتجاجه لاصدار مثل هذه القرارات، وبل أكثر مما يعبر مسؤولي وممثلي شعبنا المدنيين. وهذا الموقف الصريح المعلن لغبطته، لايقوده للانقطاع وعدم المشاركة كمواطن عراقي له مكانته وتاثيره في مجريات الاحداث قياساً للآخرين. أذ ان مقاطعة مار ساكو رئيس أكبر كنيسة في العراق للحكومة بالمفهوم الذي يراه البعض سيكون له تداعيات وخيمة جداً على شعبنا بكل أثنياته.
ثانيا: قولكم (لماذا هذا التنسيق والتحشيد لحكومة الفساد؟) ولا بد ان نتساءل لماذا يتعامل أحزاب شعبنا وممثليه في البرلمان مع الحكومة الفاسدة ؟ ولماذا نتعامل معهم فهم جزء من هذه الحكومة؟علماً أن تعاطي البطريرك مار ساكو مع الحكومة يختلف عن تعاطي السياسيين، كما سيتضح من فقرة لاحقة.
ثالثاً: ينطلق غبطة البطريرك مار ساكو في كل المناسبات من المفهوم الوطني والانتماء الوطني والتعايش السلمي، وانشاء دولة ودستور وضعي يضمن حقوق الجميع بدون استثناء، وبنفسه يعترض على المحاصصة الاثنية والدينية والمذهبية. فهو ضد فكرة المرجعيات الدينية لوضع سياسة البلد، انما طالما لابديل ولا تغيير في الاسس المعتمدة لصياغة القوانين في ظل الاحزاب الدينية القائمة. فغبطته لا يمكنه التنصل من المسؤولية تجاه المسيحيين والشعب العراقي عموماً.
رابعاً: التأكيد على أنغماس الكنيسة الكلدانية في عهد البطريرك مار ساكو في السياسة، هي فكرة غير واضحة وليست كما يًشاع، فالمسالة تعتمد على طبيعة النظام السياسي أو نظام الدولة الذي تعاصره الكنيسة أو البطريرك. لو راجعنا تاريخ الكنيسة المشرقية التي تعد الكنيسة الكلدانية جزءاً منها، يتبين بوضوح أن تدخل البطريرك مع الحكومة ناجم عن طبيعة الاساليب التي يتبعها نظام الحكم في تعاطيه مع المسيحيين، فعليه نستشف منذ ظهور المسيحية في بلاد النهرين من عهد الساسانيين مرورا بالدولة العباسية والعثمانية وحتى العهد الجمهوري أن الحكومات تخاطب وتتعامل مع الرؤساء الروحانيين، والامثلة على ذلك متعددة.
ليس أستشهاد مار شمعون برصباعي في القرن الرابع الميلادي الا بسبب ممانعته لزيادة الضرائب التي فرضتها الدولة على المسيحيين، وكما أن استشهاد ماربنيامين بطريرك الكنيسة الاشورية عام 1918 على يد سمكو الا بسبب دفاعه عن المؤمنين لحمايتهم واستقرارهم (وقد تفضلت بكاتبة تاريخية مفصلة عن اسباب استشهاده). وكذلك تعد عملية نفي البطريرك مار ايشاي عام 1933 الى خارج البلاد ايضاً بسبب عدم الخضوع لشروط الدولة العراقية آنذاك. ناهيك عن الدور الكبير الذي لعبه البطريرك مار يوسف عمانوئيل بطريرك الكلدان  في تاسيس الدولة العراقية وفي قضية الموصل عام1921  وتم اختياره في مجلس الاعيان من قبل الملك ،وجدير بالذكر منع أنخراط الشباب الكلدان في الجيش الليفي، الا أنه بعد تدخل الوجهاء سمح بشرط أن يتحمل كل فرد مسؤولية انخراطه، وأُختيرفي مجلس الاعيان بعده البطريرك مار يوسف السابع غنيمة 1951 حتى وفاته.
وأما في العهد الجمهوري تراجع دور المسؤولين الروحانيين في الدولة بسبب طبيعة النظام وتعاطيه على اساس الانتماء السياسي وليس الديني والمذهبي والاثني، وبالرغم من ذلك فمعروف دور البطريرك ماربولس شيخو في منعه لتدريس القرآن للطلبة المسيحيين، ودور البطريرك مار روفائيل بيداويذ في الحصول على المساعدات الانسانية للعراق دولياً، ورجع دور البطاركة الى سابق عهده مع قيام حكومة دينية مذهبية تفضل التعاطي مع المسؤولين الروحانيين منذ 2003، وعليه كان دور البطريرك مار عمانوئيل دلي في المسائل القومية وتقديم التوصيات واضحاً بالرغم من تقدمه في السن. وجاء دور البطريرك مار لويس المعروف للجميع دولياً واقليمياً ومحلياً، وهكذا نرى في ايامنا هذه اللقاءات والزيارات والتوصيات التي يقدمها غبطة البطريرك مار كوركيس صليوا بطريرك الكنيسة المشرقية الاشورية، ولقاءات وتدخلات غبطة البطريرك مار أغناطيوس افرام الثاني بطريرك الكنيسة الانطاكية السريانية الارثودكسية ومثله غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث للسريان الكاثوليك ولاتزال نشاطاتهم السياسية تتصدر الاخبار في الصحافة، وعليه ليس من المعقول والدقة القول: انغمست الكنيسة الكلدانية في السياسة في عهد مار ساكو فهنا نفقد الموضوعية في التحليل . 
خامسا:ً أنطلاقاً من مفاهيم علم الاجتماع الديني الذي يدرس العلاقة بين المؤسسة الدينية والمجتمع بما فيه المؤسسة الحكومية، هناك فرق بين عمليتين أو سلوكين للروحانيين أو رجال الدين هما، التدخل في السياسة ومسالة التعاطي مع الحكومة.
التدخل بالسياسة بوضوح هي عملية مشاركة رجل الدين في الاحزاب السياسية ويتبنى ايديولوجية الحزب الذي ينتمي اليه، ويطمح في السلطة السياسية ليترأس حزباً سياسياً أو تحقيق منصباً حكومياً في الدولة، وعليه يتصرف كما يتصرف السياسي من سلوكيات المبررة لطبيعة عمله السياسي مثل الكذب، والخداع، والمراوغة، والصراع على السلطة، وتاييد الحرب، والنفاق، وتعاطي الرشوة وغيرها من الصفات التي يتميز السياسي عن غيره.
أما التعاطي مع الحكومة، فهي عملية بناء علاقة ايجابية فنية تستند على أبداء النصائح والمقترحات وأبداء الاراء وتقديم الاستشارات في الاحداث والاعمال الحكومية المختلفة بدون ان تكتسب صفة الالزام، بل تعتمد على الحكومة في الاستجابة لها، فحاله مثل المواطن العادي مع الفرق في المكانة القيادية التي يتمتع بها رجل الدين لمجموعة ما في المجتمع.
أين نضع تصرفات وانشطة البطريرك مار ساكو وغيره من هاتين العمليتين؟ طالما لم ينتم مار ساكو الى حزب سياسي ولا ينادي لتأسيس حزب لكي يترأسه ، وأنه يتعامل مع كل الاحزاب السياسية من مسافة واحدة ومفاهيم واحدة، وأن ما يقدمه ليس ملزماً للأخذ به، انما يقتصر على تقديم التوصيات والنصائح واسناد الدولة في الشؤون الانسانية وأيصال رسالة الى الرأي العام الشعبي والرسمي أقليمياً ودولياً وترسيخ روح المواطنة والانتماء الوطني بدلا من الطائفية والمذهبية، كل هذه الانشطة تجعلنا لوضع غبطته والاخرين من المسؤولين الروحانيين للكنائس الاخرى ضمن أطار التعاطي مع الحكومات وليس ضمن أطار التدخل السياسي. وعليه أداء مثل هذا الدور لا يفسد رسالة الكنيسة او رجل الدين، بل بالعكس فهي جزءأً أساسياً من دور الكنيسة في المجتمع طالما تحقق المصلحة العامة. فالاقتراح الذي يقدمه عن التسمية مثلا ليس ملزماً على الاحزاب السياسية الاخذ به أنما مجرد رأي يقدمه أحساساً منه في توحيد التسمية ليعالج العديد من الامور ويحقق وحدة القرار لهم والتعاون والتضامن بينهم، فهو يجمع ولا يفرق ولم يؤكد يوماً ما على الغاء الاخر وأنما يؤكد على أننا شعب واحد ونحن بحاجة الى التماسك والتعاون وأحترام هوية بعضنا البعض ونعمل من أجل الكل. فمن حق الكنيسة أن تسعى لخلق حياة أجتماعية وأقتصادية الى جانب الحياة الروحية للمؤمنين.
سادساً: ما الذي يدفع بغبطة البطريرك مار ساكو والبطاركة الاخرين لهذا التعاطي باستمرار؟
ذكرت آنفاً أن تعاطي رجال الدين مع الحكومات يعتمد على طبيعة النظام السياسي والحكومي، ففي الماضي قبل ظهور الاحزاب السياسية وفي ظل الامبراطوريات والنظام الملكي لم نجد خياراً امام الحكومات الا التعاطي مع المسؤولين الروحانيين ورؤساء العشائر، وفي ظل الانظمة العلمانية الديمقراطية تنفي الحاجة وبل يُستبعد تعاطي رجال الدين مع الحكومات، كما هو في العالم الغربي اليوم، وهكذا في ظل النظام العلماني الدكتاتوري لا مكانة لرجال الدين تحت تأثير نظرية الحزب الواحد في السلطة، وأما اذا كان نظام الحكم ثيوقراطياً اي دينيا يستمد شرعيته من الدين في الحكم سيكون دور للمسؤولين الروحانيين للاديان الاخرى غير الرسمية للتعاطي معهم وأخذ المشورة بخصوص أتباع دياناتهم.
وما الذي يجري في العراق اليوم؟ منذ عام 2003 تغير نظام الحكم ودخلت السياسة في العراق طوراً غريباً وشاذا جداً لا مثيل له في دول العالم قاطبة، فتكونت شبكة من الاحزاب السياسية المتناقضة في ايديولوجياتها، دينية ومذهبية وقومية وعلمانية وباعداد كبيرة، والنفوذ من اليوم الاول من التغيير السياسي هو بيد الاحزاب الدينية الكبيرة، فاستحوذت على السلطة في ضوء الدستور الشاذ الذي وضعته الاحزاب نفسها لكي تحقق أهدافها التسلطية. فهي تحاول فرض أيديولوجيتها المستبدة من التعاليم الدينية والشريعة على الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فاذن وفقاً لسياقات العلاقة بين نظام الحكم ورجال الدين، ستتعامل هذه الاحزاب الدينية التي لكل منها مرجعيتها الدينية مع الاديان الاخرى من خلال مسؤوليها الروحانيين، وهذا الذي يحدث تماماً في العراق. 
ومن العوامل الاخرى لهذا التعاطي فيما يخص كنائسنا ، الحالة التي تتميز بها احزاب شعبنا من الاثنيات الثلاث، فهي منذ البدء في حالة النفور عن بعضها البعض، ولم تتمكن بالرغم من بعض المحاولات الفاشلة من وضع نفسها تحت مظلة واحدة أو تجمع سياسي موحد لكي توحد كلمتها وقرارها وموقفها مع الاحداث الجارية سواء في المركز أو في أقليم كوردستان. وذلك لعدة أسباب ومن أبرزها: الصراع على التسمية والاصالة، تلك المشكلة التي أعتبرها عويصة ومتفاقمة جداً بحيث شلت عطاء الاحزاب السياسية لشعبنا، وثانهيمها الصراع على السلطة والكراسي وتحقيق المكاسب الشخصية والنظرة الضيقة في أطار الحزب السياسي بدلا من المصلحة العامة، بدليل تكرار الوجوه القيادية نفسها منذ التغيير السياسي في العراق وصراعهم على المقاعد البرلمانية. ومن العوامل الاخرى الاساسية فقدان الوعي للعمل الجماعي وعدم التمتع بعقلية تنطلق من المفاهيم الديمقراطية بل تتأثر بالعقلية الشرقية الابوية في السلطة، بدليل الكل يرغبون في العمل الجماعي ويجتمعون ويطرحون ما لديهم من الاساليب لتحقيق وحدة القرار والعمل المشترك ويصوتون ديمقراطياً، ولكن النتيجة عدم أحترام رأي الاكثرية، فالطرف الذي لا تنسجم النتائج مع ما طرحه من أفكار تراه ينسحب تدريجياً من العمل المشترك، فهذه هي مشكلة الازدواجية في النعرة التسلطية الابوية المتاصلة في العقلية السياسية الشرقية عن طريق التنشئة الاجتماعية والمفاهيم الديمقراطية الوافدة. لهذه الاسباب مجتمعة، وادراكاً منه البطريرك مار ساكو يقدم مقترحاته وتوصياته لأحزابنا السياسية للتنسيق بينهم والعمل المشترك وتوحيد الخطاب لتسهل عملية تعاطيهم مع الحكومة. ولعدم الاتفاق السياسي بين الاحزاب خلقت مشكلة تعاطي الحكومتين المركزية والاقليم معهم مما تضطر الى التوجه للمسؤولين الروحانيين.
سابعاً: أذن النقد الموجه من بعض الكتاب والمهتمين بالشؤون السياسية لشعبنا من الاثنيات الثلاث تجاه غبطة البطريرك مار ساكو لتعاطيه مع الحكومة ناجم من عدم الوضوح لدى البعض في طبيعة العلاقة بين المؤسسة الدينية والحكومية وعدم الوضوح في المفاهيم لتداخلها وكذلك عدم التمكن من التمييز في السلوك السياسي والاستشاري في العلاقة. وعدم الانطلاق من التفسير الزمكاني للظواهر الاجتماعية والسياسية والعلائقية.
فبدلا أن نوجه ونركز في أنتقادنا لرجال الدين، علينا توجيه الاهتمام الى نقد طبيعة النظام السياسي الديني في العراق الذي يستوجب بحسب أيديولجيته التعاطي مع الرؤساء الروحانيين، فطالما تبقى الاحزاب الدينية مستحوذة على الحكم فهذه العلاقة تظل قائمة. كما علينا معالجة الاحوال السياسية لاحزابنا السياسية ومراجعة الذات وتقييمها لكل حزب وليسال نفسه عن اسباب أخفاقه. كما ارجو نبذ النعرة المتأثرة بالتاريخ وأستغلاله لاثارة النعرات الطائفية بين المذاهب الدينية لشعبنا والنعرات القومية لاثنياته الثلاث، والتوجه والتركيز على الحاضر ودراسة الواقع كما هو لا كما نريده بأحكامنا المسبقة، والتخطيط للمستقبل، والتخطيط هو مؤشر النظرة الى الامام أما التأثر بالتاريخ هو مؤشر التخلف، كما تعمل الاحزاب الدينية.
فلا نحمل غبطة البطريرك مار ساكو أو غيره من البطاركة ذنباً، بل علينا أن نحمل أنفسنا كتبة وسياسيين هذا الذنب، فهو يعمل من أجل مصلحة المؤمنين من الاثنيات الثلاث، وليس بحاجة الى المال والجاه والمكانة، فالمكانة مُنحت له من الروح القدس بالمفهوم الديني، أو من أنتخابه من قبل السيهنودس بالمفهوم الديمقراطي العلماني ،أستناداً لقوانين الكنيسة.
كندا في 15 / 11 / 2016     
رابط مقال الاستاذ انطوان الصنا
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,825787.0.html

66
                                       أنجازُ غريب من نوعه
                                لنخبة مثقفي شعبنا في اقليم كوردستان
                                   "استحداث قسم اللغة السريانية"
د . عبدالله مرقس رابي
    باحث اكاديمي

                  طالعت الخبر المنشور في موقع عينكاوا الالكتروني المعروف بين أوساط شعبنا في كل مكان بعنوان " اللجنة الخماسية لمتابعة فتح قسم اللغة السريانية في جامعة صلاح الدين تدعو كيانات ومؤسسات شعبنا والميسورين للتبرع لافتتاحه هذه السنة ".الرابط أدناه .
نعم الخبر غريبُ من نوعه في السياق الجامعي وعن أستحداث الاقسام العلمية في الجامعات. وقد شخصت من مطالعتي للخبر أمور غريبة وغير منطقية والخص وجهة نظري عنها كما يأتي:
 أثار أنتباهي ما جاء في حديث الاديب "كوثر نجيب" بحسب التصريح الاخباري ( بعد ذلك تحدث الاديب كوثر نجيب عضو اللجنة عن نشاطات اللجنة الخماسية وأجتماعاتها ولقاءاتها بعدد من وزراء ومسوؤلين في حكومة اقليم كوردستان والتي اثمرت عن افتتاح هذا القسم مع عرض لهذه الاجتماعات واللقاءات) .
أعتبر شخصيا مثل هذا الحديث والعمل وبحسب خبرتي في التدريس الجامعي منذ سنة 1985 في جامعة الموصل بعدة لجان علمية وادارية للدراسات الاولية والدراسات العليا في كلية الاداب ومتابعتي الشخصية لعملية أستحداث قسم علم الاجتماع في كلية الاداب في جامعة الموصل الذي عملت فيه.اعتبره حديث وعمل وانجاز غريب،أذ في العرف الجامعي يكون القرار لتاسيس قسم علمي أو فرع في القسم ( والمقصود بالقسم العلمي لكافة فروع المعرفة العلمية الطبيعية والصرفة والانسانية والاجتماعية واللسانية،وهذا المعمول به في الجامعات العراقية والعالمية)لا يتطلب مراجعة عدة وزارات ومسؤولين ولجنة خماسية من خارج عمادة الكلية،بل السياق وهو معلوم ومعروف ودارج في كل الجامعات العراقية وجامعات الاقليم والعالم كالاتي:
يناقش مجلس الكلية الذي يتكون من روؤساء الاقسام العلمية والمعاونين برئاسة العميد مسالة أستحداث اقسام علمية جديدة في الكلية في ضوء حاجة المجتمع ومؤسساته الى مؤهلين علمياً للعمل في مجال من مجالات المعرفة العلمية،وقد يكون المقترح مقدم من أحد الاساتذة المهتمين أو رؤوساء الاقسام في ضوء دراسة مستفيضة ليقدم التبريرات العملية لاستحداث القسم العلمي،أو قد يكون المقترح وبالاخص في البلدان النامية صادر من جهات أعلى قيادية لتوصية الجامعة باستحداث قسم علمي لكي يساهم خريجيه المؤهلين في مجالات التنمية الاجتماعية أو الاقتصادية أو البشرية أو في تنمية الموارد الطبيعية في ضوء حاجة المجتمع المحلي الذي تقع الجامعة ضمن اطاره الجغرافي.
بالطبع كلما زادت الاسهامات العملية للجامعة في تنمية المجتمع من خلال دور خريجيها في تنمية المجتمع بحسب نوعية الاقسام العلمية التي تتألف منها الجامعة أو دورها في رفد المؤسسات بالبحوث العلمية الرصينة ،ستحقق سمعة ومكانةعلمية كبيرة من بين الجامعات لديناميكيتها وفاعليتها.فكلما أستحدثت الجامعة قسما علمياً ليُضاف الى اقسامها الاخرى يدل على مدى مشاركة الجامعة في التنمية البشرية لتفاعلها الايجابي مع متطلبات المجتمع المعرفية والمهنية.
وعليه أن أستحداث القسم العلمي هو من مسؤولية الجامعة نفسها ،وليست مسؤولية اية جهة أخرى،وطالما أن الجامعة هي حكومية ومرتبطة بوزارة التعليم العالي مباشرة سيكون تمويلها من ميزانية الدولة وتخصيصات الوزارة ،فالجامعة هي المسؤولة عن تهيئة كافة المستلزمات المطلوبة لاستحداث القسم العلمي من الابنية وصيانتها،ووسائل التدريس المختلفة  وأعداد المناهج بما فيها المختبرات،وكذلك توفير الكادر التدريسي المؤهل أكاديمياُ.وتتخذ الاجراءات المرحلية أي الخطوة تلو الخطوة ،فلا يحتاج القسم للمرحلة الاولى الا استاذين في الاختصاص وبعض من الاساتذة في الاختصاصات الثانوية التي يحتاجها القسم ويمكن الاستعانة من الاقسام العلمية الاخرى،وهنا في قسم اللغة السريانية سيحتاج الى اثنين من المختصين في اللغة السريانية كمرحلة أولى وثم اساتذة للمناهج الثانوية ذات العلاقة باللغة مثل التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع واللغة الثانية مثل الكوردية والانكليزية، فيمكنهم الاستعانة من الاقسام ذات العلاقة في الجامعة.
يكمن الاستغراب أيضاً من حديث الدكتور حبيب حنا عضو اللجنة عن أحتياجات القسم المادية والعينية وكذلك الكفاءات التدريسية التي اعلنت تطوعها للتدريس مجاناً لسنة واحدة.
أية جامعة هذه تستعين بكفاءات تدريسية مجانا ؟!!علما هناك موافقة بأمر وزاري وجامعي لافتتاح القسم.أ ليست غريبة عملية تخلي الجامعة عن توفير المستلزمات والمتطلبات الدراسية،فهي جامعة حكومية ولها تاريخ عريق،ألا ترى الجامعة، مثل هذه الحالة ستعكس على سمعتها العلمية والادارية؟ فلابد من وضع عدة علامات الاستفهام والتعجب عن الظروف والاوضاع التي رافقت أستحداث هذا القسم .
ومن المؤشرات التي دعتني للأستغراب هو الشكر الذي قدمه الاستاذ كوثر نجيب لجميع الذين ساهموا في تذليل العقبات أمام اللجنة. يبدو أن اعضاء اللجنة كانوا في صراع مع الجامعة والوزارة والا لماذا العقبات؟أن استحداث قسم علمي في الجامعة عملية سهلة جداً بدراسة من الجامعة أو اللجنة تقدم خلالها مبررات استحداث القسم ،فاذا تقررت الجامعة وجود حاجة لقسم اللغة السريانية ليساهم بالتنمية البشرية فعليها أن تكون مستعدة للعمل الجاد لافتتاحه وتمويله أسوة بالاقسام العلمية الاخرى، فبدلا أن تشكر اللجنة الجامعة،يستوجب الجامعة أن تشكر اللجنة لتفعليها هذا المشروع العلمي.
وأكثر المؤشرات التي جعلتني أن استغرب للحدث هي، ما شدد عليه الدكتور حبيب حنا بقوله" أن التبرعات للقسم ستُقبل من الجميع دون شرط أو قيد كي لا تكون محاولات لتسجيل القسم بأسم كيان أو مؤسسة معينة لضمان أستقلاليته " عجيب !!! أخي الدكتور القسم استحدث في جامعة حكومية وما علاقة الكيانات الاخرى بالقسم ؟هل يوجد قسم علمي في جامعة صلاح الدين محسوب على كيان كوردي أو عربي أو تركماني؟ليكون هذا القسم محسوباً على كيان من أثنيات شعبنا أو أحد الاحزاب .معروف لديكم جميعاً وكما يتضح أنكم حملة الشهادات العليا،أن الجامعة لا علاقة لها بمؤسسات أخرى سياسية أو غيرها في أدارة أقسامها العلمية والتمويل ووضع المناهج ولها الحق في وضع تسمية للقسم أو تغيير تسمية القسم العلمية لاحقا بحسب المستجدات دون غيرها من الجهات الاخرى وتهيئة الكفاءات التدريسية وما شابه.
أفهم من عبارتك هذه هناك تخوف لديكم أن تتدخل الاحزاب الاشورية لتسمية القسم لتسميه قسم اللغة الاشورية مثلا،أو يتدخل الكلدان أو الرابطة الكلدانية لتلزم الجامعة بتسميته بقسم اللغة الكلدانية مثلا،أو يتدخل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري لفرض تسمية على هذا القسم !! أليست هذه بعينها مهزلة العقل الاكاديمي على غرار مهزلة العقل البشري للعلامة علي الوردي؟ الجامعة حرة كما ذكرت آنفاً في تسمية القسم العلمي ولا أحد يفرض عليها المناهج الدراسية،والا ما هذه الجامعة ؟
فأذن أكرر قولي: هناك ملابسات وأوضاع ومواقف غير مدروسة رافقت عملية أستحداث قسم اللغة السريانية في جامعة صلاح الدين كما هو جليُ من التصريح المذكور. أنها حالة غير طبيعية،كيف تقبل الجامعة الانتقاص من سمعتها الادارية والعلمية في أقدامها لموافقة أستحداث قسم علمي بين أروقتها ويمول عن طريق التبرعات بحجة أن لا يتدخل أحد في شؤون القسم علما أنها جامعة حكومية!!لو كان فعلا في نية الجامعة أستحداث قسم اللغة السريانية ،بكل بساطة يمكنها تاسيس فرع ملحق بأية قسم علمي من اللغات موجود في كلية التربية لكي يعتمد الفرع المُستحدث أدارياً على القسم القديم الى أن يتمكن الفرع من الاعتماد على نفسه وتحويل صنفه الى ادارة القسم بدلا من الفرع وهذه أيضا من الاجراءات المعمول بها في الجامعات.
أرجو أن لا يعتبر الاخوة في اللجنة الخماسية أعتراضي وأستغرابي لمجريات تأسيس قسم اللغة السريانية هو على جهدهم وحرصهم الكبير الرائع لاحياء لغتنا ،وانما أعتراضي وأستغرابي هو لوزارة التعليم العالي وجامعة صلاح الدين في أربيل على طريقة ومجريات أستحداث القسم وطريقة تمويله ،كأنما أستحداث هذا القسم هو مشروط بعامل التمويل الذاتي داخل جامعة حكومية ذات تمويل حكومي لترضية أصحاب الشأن.حتى لو لم يكن في هذه السنة الدراسية الحالية ميزانية مخصصة لافتتاح أقسام جديدة في الجامعة كان من الممكن تأجيله للسنة الدراسية المقبلة لتضعه الجامعة ضمن ميزانيتها السنوية ولماذا العجلة؟
جهودكم مشكورة وعطاؤكم العلمي يسجل تاريخياً،أنما تظل التساؤلات قائمة ومشروعة :لماذا هذه المعوقات؟ لماذا التمويل الذاتي ؟ ولماذا تخصيص غرف تفتقد الى الشروط الصحية وغير ملائمة للتدريس والادارة وهي بحاجة الى صيانة؟ولماذا هيئة تدريسسية متطوعة؟كما أتمنى من القائمين ومن جامعة صلاح الدين أختيار اساتذة مختصون أكاديمياً باللغة السريانية وليس من الملمين باللغة بحسب خبرتهم الشخصية وكتاباتهم غير الاكاديمية لكي يساهموا أكثر فأكثر في تضخيم ظاهرة عقدة التسمية لشعبنا ولغته،بل ليكون قسماً علمياً رصيناً ليوفر الكفاءات العلمية التي تعتمد على المنهجية والموضوعية في تفسير الظواهر.كما تعرفون أن تخريج طلبة مؤهلين علمياً باللغة ليس أمرا سهلا وهيناً .
تمنياتي لكم بالنجاح
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=820700.0

67
                                  هل وفّق سيادةالمطران سعد سيروب
                               في تحليله لازمة السلطة الكنسية ولماذا ؟

 
د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                   
نشر سيادة المطران مار سعد سيروب مقالته الموسومة (الكنيسة الكلدانية أزمة السلطة على ضوء مقابلة صاحب الغبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى مع أذاعة صوت الكلدان في مشيكن ) في 13 / 6 / 2016 . كما ذكر في عنوان مقالته أنها جاءت على ضوء المقابلة التي أجراها الاعلامي فوزي دلي من اذاعة صوت الكلدان في مشيكن .في 12 / 6 / 2016 .
تلقت المقال ردود أفعال مختلفة توزعت بين التعاطف مع سيادته وبعضها رفضت الاسلوب والطريقة التي طرح بها تشخيصه لازمة السلطة ،واعتبر بعضهم ان التشخيص جاء ناقصاً ولم يوفق في ذلك . وثم نشر مقالته الثانية بعنوان ( كنيسة خطوط القوة ،تعليق على رسالة صاحب الغبطة مار لويس ساكو الكلي الطوبى " خطوط القوة بمثابة خارطة الطريق " ).ولاهمية الموضوع فضلت أن اكتب تحليلأً منفرداً من منظور علم الاجتماع لما جاء به المطران سعد سيروب في مقالتيه .

ماهي السلطة ؟
                           طالما أن الموضوع هو عن السلطة ، فلابد أن نتعرف على ماهيتها وما هو تعريفنا الاجرائي لها ، وهذا ما أفتقدته مقالة المطران سعد ،فلابد أن يضع الباحث مفهوما أجرائيا لما يكتب عنه .حيث ان تحديد المفهوم  يعتبر من الاجراءات الاساسية التي تجعل من الموضوع أن يتميز برصانة ومنهجية علمية والا سيدخل ضمن مواضيع الهواة.
تطور مفهوم السلطة وتغير تأثراً بتطور العلوم والحضارات البشرية . وهي من أساسيات تنظيم العلاقة بين الافراد والجماعات ،يستوجب وجود مجموعة منهم تمتلك صلاحيات السلطة لتنظيم أمور المجتمع لضمان أستقراره .ومهما تنوعت أشكالها وعوامل نشوئها فهي علاقة بين طرفين تتضمن عنصرين الاثارة والاستجابة.
فالسلطة هي العلاقة القائمة بين الرئيس والمرؤوسين أستناداً الى القوانين التي تُنظمها وتخولها لاصدار القرارات وفقاً لتلك القوانين .وأبرز أشكال السلطة هي الدكتاتورية التي تستمد شرعيتها عن طريق استخدام القوة ،وعليه يُلزم الجميع بتطبيق قرارات الرئيس دون أي نقاش .
والسلطة الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من أصوات الناخبين والقانون ،ولمشاركة المجموعة في أختيار الرئيس ،فانهم يشاركون في أتخاذ القرارات ويكون صوت الرئيس واحداً من المجموعة ،وحرصأ على أستقرار المؤسسة أو المجتمع ستتبع الاقلية لموقف الاكثرية . ولما كانت السلطة الكنسية في الكنيسة الكلدانية منتخبة ديمقراطيا ً في السيهنودس ،فلابد أن المسائل المطروحة تُناقش قبل أن تُقرر  ويكون صوت البطريرك واحدا من المجموعة،وقد يكون هناك صلاحيات مخولة للبطريرك تحددها القوانين بأمكانه اتخاذ الاجراءات اللازمة في ضوئها دون الرجوع الى أعضاء السنودس .

عقلية الاصرار والعناد
                           من متابعة أنثروبولوجية حضارية للعقل البشري على مر العصور يتبين بوضوح أن عقل الانسان في تطور نتيجة التفاعل البيئي مع التغيرات الفسلجية بدليل أن الحضارات البشرية لم تبق على نمط واحد من الخصائص المادية والمعنوية، وهذا التغير ليس على  قياسات موحدة بين المجتمعات البشرية حيث سبقت بعضها الاخر وتلكأت الاخريات لاسباب بيئية طبيعية وأجتماعية وثقافية . ولكل مرحلة نمط من العقلية التي لابد ان تنسجم مع المعطيات الحضارية المستجدة والا ستخلق المشاكل بأنواعها المختلفة.
وقد وصلت المجتمعات الغربية بعد قطع أشواطاً حضارية الى عقلية تتميز بالحوار وأحترام رأي الاخر وقبول الاقلية لرأي الاكثرية لاتخاذ القرارات في ضوئها ،وهذه العقلية دخلت كافة مجالات الحياة  السياسية والدينية والاقتصادية والعائلية مع الاختلافات في آلية تفعيلها .وعليه نلاحظ دائما في كل المستويات أن الاقلية تتبع الاغلبية في تحديد موقفها من قرار ما والنتيجة هي تحقيق الاستقرار والحفاظ على ديمومة المؤسسات.مما يدل على أن هذه المجتمعات وصلت الى مرحلة من النضج الفكري والثقافي لتبنيها الحوار وأحترام راي الاكثرية متجاوزة عقلية الاصرار والعناد.
أما المجتمعات النامية لا تزال تتشبث بين العقلية الابوية الدكتاتورية والعشائرية والديمقراطية التي تؤكد على أحترام رأي الاكثرية ،فالانسان فيها يتظاهر أنه ملتزم بالاساليب الديمقراطية في الحوار والاقرار ولكن في الباطن غير ذلك بدليل موافقة العضو بالتصويت على المقترحات واذا كانت النتيجة مغايرة لرأيه فاما سينسحب أو يقوم بممارسات تُعيق أداء المؤسسة.ويلاحظ مثل هذا التصرف في الاحزاب السياسية والمؤسسة الكنسية على السواء.
وحفاظاً على أستقرار المؤسسة الكنسية التي تتبنى الحوار والتصويت في اتخاذ القرارات كما هو معمول به في السيهنودس يستوجب أتباع الاقلية للاكثرية .الا أنه يبدو بوضوح من الافعال والممارسات التي يقوم بها بعض الاساقفة  أو الكهنة بعد موافقتهم أو تحفظهم  على قرارات السيهنودس أو المجلس الابرشي لعدم التصويت لصالح ما يؤيده لا يدركون التداعيات السلبية لاصرارهم على مواقفهم وتقديم مبرراتهم وقد تكون غير معتمدة على الذرائع المنطقية في تفسيرهم.وعليه تُصنف عقليتهم بعقلية الاصرار والعناد ،ومن خصائص شخصيتهم : الميل الى التقوقع والانطواء على الذات وأثارة المشاكل كلما سنحت الفرصة له والاعجاب بالذات والضعف في الاداء الجماعي ويميل الى الافكار المثالية .

المقال والمقابلة
                 بعد أستمعت الى المقابلة التي أجراها الاعلامي فوزي دلي مع غبطة البطريرك مار لويس ،تبين ان الاسئلة التي وجهها الاعلامي لغبطته تميزت بالدقة والاختيار الصحيح لشموليتها عن واقع الكنيسة وشعبنا ومواقف أخرى ،وكانت الاجابة صريحة جدا ومبسطة ولم يكتنفها أي غموض أو مراوغة .،فلا مؤشر أو دليل في الاجابات عن رغبة البطريرك ساكو في التدخل بالسياسة ورئاسة الاحزاب وتقلد مناصب سياسية ،فمن المعروف أن كل ما يقوم به انطلاقا من حرصه على المؤمنين الكلدان والمسيحيين قاطبة ولا تعدو أفعاله وتصريحاته أكثر من تقديم النصائح وأبداء الرأي وهذا حق مصان له طالما هو راعي وأب الاباء.
وعليه بوضوح فأن ماجاء به سيادة المطران سعد في مقالته الاولى لا علاقة  لها بالمواضيع المطروحة في المقابلة وأنما تميزت بالغموض والضبابية كما أشار اليها الاخ الكاتب عبدالاحد سليمان وغيره من المعقبين . وأما تفسيره للسلطة لم يكن موفقاً وكما وضح الاخ مسعود النوفلي في تعقيبه أيضاً .

التناقض الذي وقع فيه
                     أستشهد سيادة المطران لقولين أحدهما لبابا يوحنا الثالث والعشرين بقوله ( أن الانجيل مازال مجهولا ينتظر من يكتشفه )  والاخر لبابا بولس السادس بقوله ( يجب علينا أن نطبق الانجيل ،فقد خيل ألينا فهمناه حقاً وعشناه ولكننا لمسنا الان وأدركنا خير الادراك أننا بحاجة الى أعادة كل شيء منذ البداية ) ونسف ما كتبه من حيث لايدري.لماذا ؟
وفقاً لقواعد النظرية الاجتماعية النسبية ،ان كلام قداستهما منطقي وسليم ،نحن بحاجة دائمة الى فهم وادراك الانجيل ،فالايات ثابتة لا يتجرأ احد الى تغييرها منذ كتابتها ، بل الذي يتغير هو الانسان المؤمن لانه عضو في المجتمع ، والمجتمع يتحكم بنظرية التغير الحتمية وهناك علاقة تأثير وتأثر بين الفرد والمجتمع ، حيث تتغير القوانين والقيم والعادات والتقاليد والفكر والمعرفة بمختلف أصنافها كما تتغير وسائل الانتاج والانظمة السياسية والاقتصادية ، وهذا التغير الحضاري يُسبب أنماط فكرية للعقل البشري متباينة من فترة الى اخرى فيتحتم التغير في المؤسسة الكنسية للتعاطي مع المؤمنين وفقاً للمعطيات المستجدة لان المؤسسات الاجتماعية التي يتكون منها البناء الاجتماعي مترابطة مع بعضها وتؤثر ببعضها البعض والكنيسة هي واحدة من هذه المؤسسات .
على سبيل المثال : تغير مفهوم الزواج زمانياً يستوجب أعادة النظر في المؤسسة الدينية لمفهومها عن الزواج ، هل رحمت الكنيسة المثليين والملحدين قديما والى زمن قريب ، وهل تغاضى البابوات وبقية الاكليروس عن الابهة قديماً وهل خرج الاكليروس من صومعاتهم سابقا ليتفاعل مع المؤمنين مباشرة   وكذلك الصوم وأمور أخرى ؟ كلا ،أنما البابا فرنسيس أعطى صورة أخرى للرحمة والتعاطي مع هذه الظواهر أنطلاقا من فهمه الجديد للأنجيل ، فهو لا يدين الملحد ، ولا يؤيد الابهة  ،أي بمعنى ان الانجيل هو ثابت وأنما نكتشف العديد فيه كلما تغير المجتمع البشري لكي نخلق الانسجام والتكيف وتواكب الكنيسة المتغيرات والحد من المشكلات. فليس من المنطق أن تتعاطى الكنيسة مع تكنولوجية اليوم والفكر الانساني المعاصر كما كانت قبل 200 سنة أو أكثر ،فالعقل البشري يتطور فعليه ان يتطور عقل الكنيسة والا ستخلق فجوة كبيرة بين العقليتين .

هل يلتزم غبطة البطريرك قلايته في ضوء ماتقدم ؟
                                                       الكنيسة الكلدانية ومثلها الكنائس الاخرى في العراق أمام تحديات موضوعية تحيط بها من كل صوب في وسط  من المتناقضات ،والاقتتال الدموي على أشده بين هذه المتناقضات ،فهل يستوجب من رعاة الكنيسة أن يلتزموا قلاياتهم بمختلف درجاتهم الكهنوتية ، أو يتهربوا من الواقع والمبادرة ويمنحوا أنفسهم راحة وسنوات سبتية ويتقوقعوا على الذات  دون أن يتفاعلوا مع المؤمنين وهم حاملوا رسالة ربنا يسوع المسيح الذي جاء من أجل البشر وفدى نفسه من أجلهم وليس من أجل الحجارة التي نبني  كنائسنا بها ،فكم من البطاركة والاساقفة والكهنة  كما يعلمنا تاريخ كنيستنا أُستشهدوا في سبيل كنيستهم والمؤمنين أما لتدخلهم المباشر أولرفضهم الظلم المفروض عليهم من قبل الحكام الظالمين.
البطريرك مار لويس في بغداد لايعمل شيئاً الا واجبه تجاه المؤمنين كأب روحي يشعر بالمسؤولية الكبيرة لكي يتفاعل مع الاحداث ويقدم ارشاداته وتوصياته للمسؤولين ،فغبطته لايطالب  أن يكون رئيساً لحزب سياسي ولا مسؤولا حكومياً ولا رئيساً للرابطة الكلدانية ،بل همهه التفاعل الايجابي مع الجميع لتحقيق الاستقرار والسلام والمحبة والتعاون ،فمقترحه لتأسيس ومساندة الرابطة الكلدانية لا يعني تدخلا بالسياسة كما يُفهم من البعض بل لخلق أساليب تجمع المؤمنين ليحققوا أهدافاً أنسانية في شتى مجالات الحياة .

هل حقاً هناك أزمة سلطة  في الكنيسة الكلدانية ؟
                                          أن تصور البعض وما تفضل به سيادتكم وجود أزمة سلطة أو أزمات أخرى ،يُعتبر تفسيرا غير مُجدياً  وناقصاً في تحليل الازمات .فالمجتمعات والمؤسسات وعلى مستوى الافراد أيضا لايمكننا  القول من المنظور الاجتماعي أنها تخلو من المشكلات ،لاننا سندخل في الاطار الطوبائي المثالي لوجود مجتمع أو مؤسسة أو فرد، وهذا غير موجود الا في عقول الطوبائيين ، فالمشكلات لا يمكن القضاء عليها أبدا ،وانما يمكن الحد منها فقط طالما هناك تغيرات حتمية .وأما نظرتنا الى تفسير الازمات في المؤسسة الدينية يستوجب أن يكون شمولياً وليس من نظرة ضيقة .فعلينا النظر سيادة المطران اليها بشقيها الروحي الايماني والمادي الجسدي، أي بمعنى أن الاكليروسي يعيش حياته الروحية الايمانية وفي نفس الوقت له كيانه الجسدي البشري الذي هو عبارة عن أحاسيس ومشاعر ودوافع وقدرات وتصرفات ،وهكذا بالنسبة الى المؤمنين لهم حياتهم الروحية والجسدية ،ولكل منها خصائصها وعناصرها تتفاعل لكي تتكامل مع بعضها ،الا انه أحيانا تتناقض .
لو أخذنا السلطة في جانبها الروحي فقط كما تفضلت في تفسيرها ستكون ناقصة طالما لم نأخذ بنظر الاعتبار الجانب الجسدي المادي .نعم أن السلطة هي خدمة وليست استعلاء وفوقية على الاخرين ، ولكن يجب أن لاندع الفوضى في المرؤسين تقودنا الى الفوضى في السلطة ،فسوف لا نحقق شيئاً من أهداف الكنيسة الروحية .فلابد من تنظيم العلاقة بين الطرفين بالقانون كما أشرنا في المقدمة .والا لماذا وضعت القوانين وفي الكنيسة نفسها ؟
من مثالك سيدي المطران عن المرأة الزانية وربطه بالسلطة أفسره كباحث أجتماعي من منظور آخر ،الرب يسوع لم يستخدم سلطته لدينونتها ،بل أيقافهم من رجمها ،وأجراؤه له بعد تعليمي يرتبط بالاصلاح الاجتماعي للانسان المنحرف أي أننا جميعاً بحاجة الى الاصلاح ومنح الفرصة للخطاة أن يصلحوا ذواتهم أو يتكفل المجتمع بأصلاحهم . وفي عالم الاجرام ، الكل معرضون للاجرام ولكن علينا  عدم معاقبته على الفور بأشد العقوبة ،بل نمنحه الفرصة للاصلاح وليخضع الى الاختبار والتعاطي معه برفق وأنسانية كما فعل الرب بالزانية .وعليه تغيرت النظرة الى المسؤولية الجنائية العقابية الصارمة التقليدية التي سادت في البشرية قبل القرن التاسع عشر الى نظرة علمية أصلاحية توفر الفرصة لاصلاح المجرم بدل العقاب الذي ينهي حياته كما لو رُجمت تلك المرأة .فعلينا برايي أن نفهم البعد النفسي والاجتماعي للما جاء بالانجيل وأن لانقتصر على البعد الروحي.
فهنا تفسيرك للسلطة  استنادا الى الانجيل هو روحيا وأهملت الجانب الجسدي المادي ،فكما أشرت سابقاً أن الاكليروسي هو بشر قبل كل شيء ،وعندما نقول أنه بشر يعني أنه مزود طبيعيا ً بدوافع تغلب أحيانا على عوامل التنشئة الاجتماعية والدينية اذا كانت هناك قدرات ذاتية طبيعية قوية تتحكم في تصرفاته وعطائه ،فالكهنة والاساقفة والبطاركة أحيانا يتصرفون تحت تأثير تفوق القدرات الطبيعية على تأثيرات التنشئة الدينية والاجتماعية ،فأذا حصر من بيده السلطة في الاداء روحياً فقط مع المرؤوسين سوف تعم الفوضى ،فلا بد الرجوع الى القوانين وبالاخص بعد أن لا يتجاوب المعني مع الارشاد واساليب الاصلاح المتبعة .فالكنيسة وضعت القوانين لتنظيم  الادارة الذاتية وتنظيم علاقتها مع المؤمنين والمؤسسات الاخرى في المجتمع ،فمن ملاحظة القوانين الكنسية سنرى في طياتها العنصر الروحي والدنيوي في بناء المادة القانونية .
وعليه فأن الصورة التي وضعتها عن الكنيسة الكلدانية في أخر مقالتك تفسرها بنظرة ضيقة جدا  وأحادية ولا تستقرأ شتى العوامل المسؤولة عنها ، فحصرها في السلطة فقط غير منطقي فالسلطة ما لم يتعاون أعضاء المؤسسة من الاكليروس والمؤمنين معها لايمكن لوحدها معالجة الازمات ، ومن جهة أخرى هناك عنصر المبالغة في تضخيمها ،والسبب هو نظرتكم المثالية لمعالجة الامور سيادة المطران الموقر . 
 
وأما مقالتك الثانية الموسومة (كنيسة خطوط القوة تعليق على رسالة صاحب الغبطة مار لويس ساكو الكلي الطوبى " خطوط القوة بمثابة خارطة الطريق " ) فهي الاخرى جاءت بمحتوى غريب لقلب وخلط المفاهيم ،فسيادتكم فسرتم رسالة غبطته كانه يستخدم الاسلحة الفتاكة والجيوش لرسم خارطة الطريق للكنيسة الكلدانية التي  تعيش كما أشرنا في المقدمة بين الذئاب الشرسة والاضطهاد المستمر ودوامة القلق ،فاراد البطريرك ساكو برسالته الى الكهنة الكرام أن يقوي من عزيمتهم بمفاهيم روحانية وأجتماعية تتسم بالتعاون والمحبة والتواضع والتفاعل مع المؤمنين والثبات والى اخره ، فأعتبر التسلح بهذه المفاهيم قوة تساعدهم للثبات في ايمانهم ومضاعفة عطائهم في ظل الظروف المأساوية .وسيادتكم قلبتم المفهوم ليس لغرض الا من أجل الانتقاد فحسب، وطرزتموه بعبارتكم ( والذي مُنعت من حضوره وقبلت الامر بحريتي ) .دون أن تعطي أسباب المنع للقارىء ، فلا مناسبة لذكر العبارة الا لسحب القارىء الى أتخاذ موقف من البطريرك مار ساكو بحسب رغبتكم ومتوافقاً مع مواقفكم . والا قبل فترة وسيادتكم اقمت القداديس والمحاضرات وانتم في سنتكم
السبتية في الكنائس الكلدانية في مشيكن الامريكية وفي اوربا بكامل حريتكم .ولماذا لم يكون لكم حضور في لقاء الاساقفة  في العراق وفي لقاءات أخرى ومن منعك ؟ فهل من المعقول فُرض المنع عليكم سيادة المطران بدون سبب أم فسرتم المنع بمفاهيم خاصة كما فسرتم السلطة والقوة بمثالية وغموض وتشويه ؟
تمنياتي لك بدوام الصحة والعافية  والخيرسيادة المطران سعد، لتكون طاقة شبابية تساهم في الارتقاء بكنيستنا الكلدانية والكنيسة الجامعة الى جانب أخوتك من الاكليروس وفي تفاعلك مع المؤمنين . كما اتمنى أن لا تتخذ قراراتك وتنفذها قبل الموافقة عليها كما فعلتم باتخاذك لقرار منحك السنة السبتية والكنيسة كانت مع المؤمنين بأمس الحاجة اليكم أنما فضلتم الاعتكاف والتفرد . وأن لاتكون قرارتك للحضور الى اللقاءات بحسب المزاج الشخصي .
سيادة المطران الموقر سعد أكرر،الكنيسة باكليروسيها ومؤمنيها بامس الحاجة اليكم في ايامها هذه لممارسة نشاطكم ومشاركتكم اياهم بخبراتك وقدراتك مشاركة فعالة .ومد يدك لاخوتك الاساقفة والكهنة والمؤمنين للعمل الجماعي .

68
                                          " بشار الكيكي "
                              لو كان تفسيرك للواقع العراقي أكثر عمقاً ...

د . عبدالله مرقس رابي
   باحث أكاديمي
                   الاستاذ بشار الكيكي هو رئيس مجلس محافظة نينوى ،تعرفت على أفكاره من خلال متابعتي لمقالاته القصيرة والهادفة التي نشرها مؤخرا في موقع عينكاوة.أذ أثارت أنتباهي مواضيعها ومحتوياتها ،فقلما أقرأ في طروحات أو مقالات لمسؤولين سياسيين أو ممثلي الاحزاب السياسية في مجلسي النواب العراقي وأقليم كوردستان أو المجالس الاخرى أو لمسؤولين اداريين  في الادارات المتقدمة في الحكومة المركزية وحكومة الاقليم أو لمسؤولين في منظمات المجتمع المدني  مثلما يكتب الاستاذ بشار الكيكي في طروحاته الفكرية.
ما الذي تتميز به طروحاته؟
                       وهي طروحات مقتضبة جدا ، ولكنها هادفة ولها من المعاني والدلالات التي تخدم وتبني . ينتقد فيها الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي في المجتمع العراقي عن طريق ربط المتغيرات المستقلة والمعتمدة مع بعضها ليخرج بنتيجة شمولية رائعة ، يبحث ويحلل وثم يقدم المقترحات المبنية على الاسس العلمية، ويربط الواقع بالنظرية التي تتجلى أسسها في طرحه المقتضب ،وأستخدامه للمفاهيم الاجرائية المحددة  مثل العقل الجمعي والصراع وطبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع ومنطلقاً من الرؤية الزمكانية في تفسير الظاهرة .وهذا يدل على أن الاستاذ " كيكي " يمتلك معرفة علمية واسعة يوظفها في كتباته وعمله كمسؤول اداري وسياسي .
بالرغم من طرحه المنهجي لالقاء الضوء على حالة وواقع المجتمع العراقي المعاصر في جوانبه المختلفة ،الا أن تفسيره ودراسته للواقع الاجتماعي والسياسي والديني للمجتمع العراقي يتطلب أن يكون أكثر عمقاً وصراحة لتتحقق الموضوعية الكاملة وثم الوصول الى النتائج الدقيقة ليتمكن وضع المقترحات في ضوئها.فهو يُشير الى الحالة ونتائجها دون تفسير العوامل المؤدية الى حدوثها . وتعتبر من وجهة نظري مقالته الموسومة ( تأثير العقل الجمعي في المجتمع ) هي المدخل الاساسي لافكاره القيمة والانسانية والعلمية ،ولا تخلو المقالات الاخرى من الأفكار التي طرحها في المقال المذكور .
ماهو الهدف من طروحاته ؟
 يمكن أختصار الهدف من طروحاته في : التغيير في عقلية الفرد العراقي المعاصر ليتغير الواقع الاجتماعي والنفسي للمجتمع العراقي ليكون متناغماً ويعيش بسلام وأمان وأستقرار بعيد عن الغضب والكراهية والحقد والصراعات وتوظيف الاختلاف في المجتمع للمنفعة بدلا من ترسيخه للصراع والاقتتال . وهو هدف انساني وسامي يتمناه الجميع من أمثال المسؤول الغيور " بشار " .فلا يهمه الا تحقيق السلام وترسيخ الاستقرار والتعاون والمحبة وثقافة قبول الاخر في المجتمع العراقي .وقد يتطرق البعض من المسؤولين لما يهدفه ولكن طريقته في معالجة الهدف تختلف عن ما يقدم اليه الاخرون كما نوهت اعلاه .
ولتحقيق هذا الهدف يؤكد على جملة من الاسس التي صاغها كتوصيات للجميع ومنها :
تغيير منظومة التلقين المعرفي التي تنتهجه الدول الشرق اوسطية والنظريات المنتهية المفعول التي لا زالت مؤسسات التعليم يعتمدها .
تأكيده على الاعلام في قيادة الافكار .وتحديث آليات التثقيف السليم .
البحث عن الاخطاء والمسببات الموضوعية التي أحدثتها الفوضى في المجتمع العراقي.
نراجع أنفسنا ونفكر بشكل مغاير وان لا ننقاد الى الاراء الضيقة المتطرفة .
وفي رأيه الهدف هو تغيير العقل الجمعي السلبي الى العقل الجمعي الايجابي في العراق .وبتحقيقه سيصل الى ما يهدف بشار الكيكي في طروحاته .وسأبدأ من حيث تأكيده على " البحث عن الاخطاء والمسببات الموضوعية التي أحدثت الفوضى في العراق " لكي أبين بأن تفسيره لواقع المجتمع العراقي بحاجة الى تفسير أعمق وأكثر شمولية .
كيف يتكون العقل الجمعي ؟
                     يتعرض الانسان منذ ولادته الى جملة من المتغيرات الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية متمثلة بالقيم والمبادىء التي يلقنها المجتمع للفرد عن طريق التنشئة الاسرية ، فالاسرة هي المحور الاساسي في نقل ما يُستحدث من أفكار وقيم في المجتمع الى الفرد وتترسخ في ذهنه ووفقاً لها يفسرالمظاهر الحياتية اليومية .وعن طريق التنشئة تتوحد عقلية الافراد تحت تأثير المتغيرات ويتصرفون حيال هذه المواقف بسلوك موحد قد يكون الجزء الاكبر منه لاشعوري مكوناً العقل الجمعي .
يمكن أن يعتمد الفرد على الذات في أتخاذ القرارات الصائبة والايجابية ،أنما بحكم خضوعه الى العقل الجمعي تحت تاثير العوامل المكونة له قد يتصرف سلبياً لان الفرد ينصاع في حالة العقل الجمعي الى المؤثرات التي تلقاها منذ الطفولة فتظهر المكبوتات  النفسية لا شعورياً والتي قد تعبر عن الكره والحقد والالغاء وحب الذات ،فمثلا يتلقى الانسان  في طفولته وتترسخ في ذهنه عبر  مختلف مراحله العمرية قيمة مفادها :( ديننا هو أفضل الاديان وغير المؤمن به هو كافر يستحق القتل ) .فتظهر الى الوجود عندما يكون الفرد تحت تأثير العقل الجمعي .وفي هذه الحالة يحول العقل الجمعي شخصية الفرد من شخصية مبدعة تتحمل المسؤولية الى شخصية خاضعة لا ترى الا ما تقوله الجماعة التي ينتمي اليها تحت تأثير عوامله .

وماذا حدث في عقلية الفرد في المجتمع العراقي بعد عام 2003 ؟
                                         كما قلت آنفا هناك عوامل مسؤولة عن بناء العقل الجمعي وهي تبدأ منذ ولادة الانسان ، ولكن بسبب المؤثرات البيئية الاجتماعية والسياسية والقانونية تضمر المواقف المتكونة عنده منتظرة البيئة التي ترسخها وتنميها وتحفزها . تلقى العديد من الافراد في المجتمع العراقي قبل التغيير السياسي تنشئة أسرية تؤكد على الكره الديني والطائفي والعرقي والاثني ولكن لم تظهر في الحياة اليومية ولم يتبين تأثيرها في تعاطي الافراد مع بعضهم الا نادرا لوجود فكر سياسي قمعي جعل من الفرد العراقي أن يخضع الى الاطار الفكري له ومن خرج عنه سينال العقوبة الصارمة ،فالعقل الجمعي كان موحداً تحت تأثير سياسة قمعية دكتاتورية مع سيادة القانون .مثلا بالرغم من تلقي الفرد قيمه الدينية والاجتماعية في اطار جماعته التي تؤكد  سموها على الغير،الا ان الالفة والمودة  كانت ظاهرة بين المسيحي والمسلم والصابئي والايزيدي على مستوى الصداقات الفردية أو الجيرة في المحلة السكنية أو في العمل ولم يتجرأ أحد ان يقول للثاني أنت مسيحي أو مسلم سني أو شيعي أو صابئي أو كردي أو تركماني أو كلداني أوسرياني أو آشوري أو شبكي أو أيزيدي الا نادرا وفي مناطق محدودة من العراق .وكان لنا أصدقاء من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية نتعامل مع بعضنا وفقا لعلاقتنا الانسانية والهدف من وجودنا معاً .
أنما بعد التغيير السياسي تغيرت عوامل المكونة للعقل الجمعي جذرياً عما كانت عليه سابقا ،فحدث تغيير كبير في شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والقانونية والامنية ،وكما تعرف أخي بشار ( لوكان أختصاصك في علم الاجتماع أو علم النفس ) أن الظواهر الاجتماعية مترابطة مع بعضها وهناك تأثير متبادل بينها في جانبها الديناميكي ، فأذا حصل تغيير في المؤسسة السياسية سيغير من طبيعة المؤسسة الدينية والتعليمية وغيرها والعكس صحيح.فظهر عدد كبير من الاحزاب السياسية متباينة في أيديولوجيتها ،الكبيرة منها تبنت الفلسفة الدينية في منهاجها السياسي معتمدة على الاسس المذهبية فاستطاعت أستقطاب الذين تعطشوا للمذهبية من العراقيين ،وظهرت الاحزاب القومية التي أرتكزت على الانتماء الاثني ولكل أثنية أصبح لها عشرات الاحزاب ، وثم النمط الثالث من الاحزاب هي العلمانية التي تميزت بايديولوجية متشابهة لحد كبير ،انما المصالح الفردية والانتماءات العشائرية والجغرافية أدت الى ظهور العشرات منها.
تنوعت الولاءات في المجتمع العراقي وفقاً للمنظومة السياسية الجديدة ، فأستحدث الولاء المذهبي من قبل الاحزاب الدينية همها وأولياتها المذهب الديني قبل الوطن والارض ، والولاء القومي من قبل الاحزاب القومية غرضها الانتماء الاثني وتحقيق مصالحها القومية قبل الوطنية ، وثم الولاء الوطني لدى الاحزاب العلمانية ولكل منها منهجها الخاص . أدت هذه التعددية الشاذة في السياسة العراقية الى نتائج وخيمة في عقل الانسان العراقي وطريقة تفكيره .فكما اشرت اعلاه المؤسسات الاجتماعية مترابطة ومتبادلة التاثير ، فحصل تغير حتمي في اساليب التنشئة الاسرية للابناء وفي المؤسسة التعليمية والقانونية وفي كافة شؤون الحياة .وعلى أثرها تكونت قطاعات أجتماعية متنافرة سيطرت على مفهوم وحدة المجتمع العراقي ،فظهرلكل جماعة عقل جمعي يؤثر في تصرفات الافراد وفقا للاطر السلوكية التي تضعها الجماعة للفرد بحسب مفاهيمها ومواقفها .
كيف يقود العقل الجمعي الى ترسيخ ثقافة العنف والكره ؟
مرت أكثر من ثلاثة عشرة سنة على وجود هذه التشكيلة السياسية في الحكم بدلا من ان تقود البلد الى بر الامان والتقدم والرقي والرخاء الاجتماعي في جميع الميادين ،قادته الى الخراب والدمار والفساد والجريمة والاقتتال المستمر والتهجير ورسخت ثقافة الكره والحقد والانانية والغاء الاخر ,وذلك لان هذه الاحزاب لايمكنها أن تتفق في وضع استراتيجية تخطيطية موحدة لشؤون الحياة للمجتمع العراقي بسبب تباين الايديولوجي بينها ،مما يحاول كل حزب أن يتبنى الاسس الفلسفية التي يؤمن بها للتخطيط .
منذ بدء النظام السياسي الجديد أصبحت الاحزاب الدينية هي المتنفذة في الوطن ،فمن الطبيعي ستتحكم بمجريات الحياة العامة وفي المؤسسات الاجتماعية ،وبالاخص في المؤسسة الاسرية والتعليمية والاعلامية والقانونية. مع تراجع لدور الطبقة الوسطى المثقفة في رسم خارطة العمل الوطني ،ولما كانت هذه الاحزاب مستندة على النهج المذهبي الرافض للمذاهب الاخرى فعليه تُشكل خطورة واضحة وفعالة لبناء عقل جمعي سلبي يوحد التصرف اللاشعوري وفقاً للمفاهيم الالغائية والنزعة الدينية ،لان الشعور بالانتماء وفقاً لمفاهيمها هو الانتماء المذهبي وتفضيله على غيره ، وثم وجود الاحزاب القومية هي الاخرى تكون لدى الفرد نزعة وشعوراً أنتمائياً أثنياً ليجعل الانسان أن يتقوقع ضمن أطار جماعته الاثنية.
ما الذي خططت له الاحزاب الدينية المتنفذة ؟
                                  أستغلت الاحزاب الدينية المتنفذة نظام المحاصصة السيء ، فأصبحت وفقاً لاسسه تمتلك الحصة الكبيرة من الوزارات والمناصب العليا في السلطة التنفيذية ،ناهيك في تفوق عددها في البرلمان العراقي حيث المؤسسة التشريعية ،فكل مشروع  وبمختلف المجالات يجري الاستفتاء عليه لا بد أن يُشرع لصالح الاحزاب الدينية . وكل تشريع قانوني يجب أن لايتعارض مع مبادىء الدين الاسلامي .ومن هنا يبدأ التغيير الحتمي في المفاهيم الحياتية وفقا للمنظور الديني والانتماء المذهبي ميدانياً .والامثلة متعددة لهذا التغيير ومنها الاكثر أهمية وخطورة على العقل البشري المناهج التعليمية الاساسية في المرحلة الابتدائية حيث الطفولة اليانعة والصفحة البيضاء التي تحشر بمفاهيم دينية مذهبية ، فعليه يستوجب أن تحتوي المناهج على تفصيلات عن أحوال السلف من الائمة والشيوخ ،وليس عن أحوال العراق وقادتها ومفكريها العلمانيين وبناة الوطن منذ العهود القديمة ، ويجب أن تذكر  في المناهج أسماء مثل زينب وحسين وأحمد ولا حاجة لذكر حنا وتوما وجانيت لانهم من غير المسلمين،وفي الاقليم تحتوي على آزاد وحمه بدلا من آشور وهرمز،  ولابد من حجاب الفتيات ، وعزل الجنسين .ويجب أن تكون أسماء الاحياء في المدن والطرقات بأسماء الائمة والاسلاف بدلا من حمو رابي واشور بانيبال أو بهنام ابو الصوف أحد علماء الاثار العراقيين ،او بأسم أحد البطاركة أو الاساقفة الذين سُفكت دماؤهم من أجل الوطن.
ويأتي التشريع القانوني أيضا ضمن العوامل الخطيرة المكونة للعقل الجمعي السلبي ، وفي مقدمتها الدستور لانه أساس التشريعات القانونية الاخرى ، فماذا نتوقع من  الدستور العراقي الذي يؤكد أن كل تشريع يجب أن لايتعارض مع مفاهيم مبادىء الدين الاسلامي ،من هذا المنطلق لا يمكن للمشرع سن قانون لحرية الدين وممارسة الطقوس والانشطة الاجتماعية المخالفة للشريعة الاسلامية ، وعلى هذا الاساس يُفرض الحجاب على كل العراقيات ، تُغلق كافة محلات بيع الخمور ، لابد من رفع العلم المذهبي بدلا من الوطني في المناسبات العامة والرسمية، عدم الترويج للسياحة وتطوير اماكن السياحة ، حرام ان يحكم غير المسلم على المسلمين ، يجب اعتبار الاطفال مسلمين اذا أسلم أحد الوالدين دون مراعاة سن الرشد وحرية الاختيار ،ولاعتبار الاسلام دين الدولة الرسمي هو دلالة واضحة على الغاء الاديان الاخرى .وماذا نتوقع من الدستور العراقي الذي يعرف الشعب العراقي  بمثل هذا التعريف: انه يتكون من العرب والكورد والتركمان والكلدان والاشوريين والارمن والصابئة والايزيديين والشبك والكاكائيين والزردشتيين والواوت لا تنهني .أ ليست مثل هذه المادة الدستورية مُحفزة للمشاعر القومية والدينية والمذهبية الالغائية وترسيخ مفاهيم ثقافة الكره والحقد والانانية  ؟ 
كيف نغير العقل الجمعي السلبي الى الايجابي ؟
                             يطالب الاستاذ بشار الكيكي في مقالاته بأيجاد منافذ آمنة وحضارية وفعالة لتغيير العقل الجمعي السلبي الى العقل الجمعي الايجابي .واقترح تغيير منظومة التلقين المعرفي في المؤسسات التعليمية والاعلام دون أن يبين ويتعمق في تشخيص أهم العوامل المسؤولة عن تكوين العقل الجمعي السلبي كما وضحت أعلاه .فما الذي يجب تغييره في منظومة التلقين المعرفي يا ترى ونحن لا نعلم شيئاً عن العوامل التي وجهت العقل البشري لمجتمعات الشرق اوسطية ومنها مجتمعنا العراقي لبناء عقل جمعي سلبي؟
عليه لكي نُغير العقل الجمعي السلبي الى الايجابي في العراق وما يجاوره من المجتمعات ،يجب أن نستأصل العوامل المسببة للعقل الجمعي السلبي .
البداية هي في أعادة النظر بمواد الدستور العراقي ، لكي يكون خاليا من ذكر الدين والمكونات الدينية والقومية ، فبدلا من التعريف اعلاه للشعب العراقي ليكون : مجموعة الافراد الذين يعيشون داخل الحدود الجغرافية السياسية للعراق والمتساوون امام القانون .ليوحد العقل العراقي بالانتماء الوطني الجغرافي لا الديني والقومي .وبدلا من أعتبار دين الدولة الرسمي هو الاسلام أن تكون : يستوجب احترام جميع الاديان للشعب العراقي الاسلامية والمسيحية والصابئة والايزيدية ليتحسس غير المسلمين بأنهم يعيشون في وطن يحميهم الدستور أسوة بالمسلمين.
تشريع قوانين لا تجيز تاسيس احزاب على اسس مذهبية ودينية وقومية ،وانما تستند الى مفاهيم حديثة في تسميتها وفلسفتها .
أعادة النظر في المناهج الدراسية في المرحلتين الابتدائية والثانوية ، وسوف لم يتغير عقل الانسان الشرق اوسطي مالم تحتوي أمثلة النحو العربي على جمل مثل : التقى أحمد مع توما في المدرسة ،و قدمت شموني هدية لصديقتها زينب .ولم يتغير العقل البشري في المجتمعات العربية مالم تُستأصل مفاهيم الكره والحقد والاصالة والالغاء والتحريم والتكفير المعروفة من محتويات المناهج الدراسية في مادة الدين .فماذا نتوقع في بناء شخصية طفل يدرس في مادة الدين ( المسلمون سيذهبون الى الجنة ويأكلون الموز والتفاح والحلويات بينما غير المسلمين سيذهبون الى النار لانهم كفار) .ذكرني هذا المثال بموقفين حدثا في مدرسة ابي ذر الغفاري الابتدائية في الموصل في عهد النظام الديكتاتوري السابق ،أولهما تساءلت طفلة مسيحية في الصف الثاني وقالت صحيح هل نذهب نحن المسيحيين الى النار والمسلمين الى الجنة ويأكلون الموز والتفاح ،فقلت من قال : اجابتني صديقتي فلانة روت لها ما شرحت لهم معلمة الدين .والموقف الاخر بعد أن أصبحت عملية أختيار القدوة في المدارس تقليدا جاريا وقانونياً في عهد النظام السابق ، فازت تلميذة مسيحية على صفها واصبحت قدوة الصف ،وعلى الفور جاءت معلمة الدين ولقنت تلاميذ الصف درساً قوياُ بالاخلاق لتقول ( عيب عليكم وما شفتو أن تنتخبوا  الا هاي برجة نصرانية قدوة لكم !!!! ) برجة  بلهجة موصلية تعني وصلة قماش على ما أظن .وقعت هاتين الحادثتين في عهد الطاغوت ،فكيف يا ترى ماذا يجري الان في المدارس العراقية ؟ وهناك أمثلة عديدة من فعاليات ترسيخ ثقافة الكره في المدارس العراقية من هذا القبيل .
أستثناء منتمي الاحزاب الدينية ومؤازريها من تولي منصب وزارتي التربية والتعليم وفصل التعليم عن السياسة تماماً .
وأما الاعلام يجب أن يتقن لغة المخاطبة المعتمدة على الاسس العلمية ،أي بمعنى أن لا يستغفل وجود غير المسلمين في العراق ، أن يحتوي على برامج موجهة عن توظيف الاختلاف السياسي والاثني والديني والمذهبي في ترسيخ مفاهيم التعاون والالفة والتضامن بدلا من تأجيج الصراعات .وكذلك يجب أن يكون الاعلام العراقي نافذة العراق للعالم لعرض حضارته التاريخية في مختلف العصور ، ويتنوع في عرض كافة الانشطة لمختلف أطياف الشعب العراقي .
المحاسبة  القانونية الجدية لعلماء الدين الذين يثيرون النعرات المذهبية والدينية ويرسخون مفاهيم الكره والنفور والاقتتال ،وهذا ما يحدث اعلامياً وبمعرفة الحكومات دون اتخاذ الاجراءات الرادعة لامثالهم .
الغاء نظام المحاصصة في السياسة العراقية في السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ويتم توزيع الادوار بحسب الكفاءة والخبرة .
ألغاء الميليشيات القتالية المدعومة من الاحزاب أو من المذاهب الدينية وتنضم تحت راية الجيش العراقي أو قوات البيشمركة في الاقليم .لان وجود السلاح بيد المختلفين مذهبياً ودينياً وقومياً يكون بمثابة أنذار لبدء الاقتتال لاتفه الاسباب في أوقات غير متوقعة أو تمارس الاعتداءات في الخفاء .
يسري القانون بالتساوي على جميع افراد المجتمع العراقي بمختلف اطيافه الدينية والمذهبية والاثنية لتوظيف التنوع في التقدم وليس لتأجيج الصراعات .
أحترام الحقوق الدينية واللغوية والاجتماعية لجميع الاثنيات  ومنحها الادارة الذاتية  في مناطق تواجدها بكثافة عالية.وخصوصاً اذا بقت السياسة العراقية على نهجها الحالي. 
طالما أخي الاستاذ القدير بشار الكيكي أنكم رئيس مجلس ثاني أكبر محافظة في العراق ،وأكثرها تنوعاُ في ديمغرافيتها ،فرسالتك الانسانية والسلمية التوافقية التي تعكسها في طروحاتك الفكرية ستكون صمام الامان للتعايش السلمي بعد تحرير كافة اراضي محافظة نينوى من سيطرة العصابات الداعشية الاجرامية.فأستمر بهذا النهج السليم وأنما أكثر عمقاً .
فهل سيكون لطروحات بشار الكيكي صدى لدى المسؤولين العراقيين ؟
رابط ملف الاستاذ بشار الكيكي
http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=profile;area=showposts;u=179813

69
                           ألقرار الانساني للمطران مار فرنسيس قلابات
                                        رسالة موجهة للجميع

   د . عبدالله مرقس رابي
       باحث أكاديمي

                        واظبت أبرشية مار توما الرسول الكلدانية في ولاية مشيكن الامريكية في الاستمرار للعمل في خدمة شعبنا وأخص بالذكر بعد تهجيره من بلداته وقراه من قبل عصابات داعش الاجرامية، ليس لكونه كلدانياً أو سريانياً أو آشورياً ،بل لانه مسيحيٌ .ومن اليوم الاول من المأساة التي تعرض أليها شعبنا المسيحي بأثنياته الثلاث بدأت هذه الابرشية باستنفار كل طاقاتها وأمكاناتها الروحية والمادية لاجل أنجاز مهمات أنسانية وفي مختلف الميادين للمهجرين سواء من أستقر منهم في أقليم كوردستان العراق أو الذين لجأوا الى دول الجوار كمرحلة أولى لطلب الهجرة الى البلدان الغربية أو بقائهم هناك على أمل تحسن الاوضاع في العراق والرجوع الى ديارهم .

 ولتسارع الاحداث السياسية والامنية وأستمرار تواجد ابناء شعبنا من المهجرين خارج ديارهم على أمل تحرير بلداتهم ،ولتهاون وأهمال وتلكؤ الحكومة العراقية وعدم جدية دول التحالف لشن حرب ضد العصابة الداعشية لاسباب سياسية غامضة غير معروفه ، والصراع على آليات التحرير ومسك الارض بين العرب والكورد ،كثُرت وعود التحرير ولكن بدون جدوى.وبالمقابل ظل المهجرون يعانون الكثير بسبب ظروفهم غير المستقرة أقتصادياً وأجتماعياً وصحياً وتعليمياً وبيئياً ونفسياً ،مما أفرزت نتائجاً  وخيمة على جميع المستويات وفي كافة المجالات الحياتية وهم في أماكن تواجدهم السيئة.

 توالت المهمات التي قامت بها الابرشية على ألاثر البليغ لاستمرار معاناةأبناء شعبنا وفقدان الامل في رجوعهم الى دورهم  عن طريق جمع الاموال من أبنائها الذين تقاسموا الخبز مع أخوتهم المتضررين في حياتهم البائسة والسيئة للغاية في أماكن تواجدهم . وتُنجزالمساهماة بالطريقة غير المباشرة في تقديم التبرعات الى البطريركية الكلدانية وبدورها تقوم بمهمتها ، أو بالطريقة المباشرة حيث تقدم خدماتها مباشرة الى المهجرين في أماكن أقامتهم .

وقد توج راعي أبرشية مارتوما في مشيكن  المطران مار فرنسيس قلابات المساهمات المقدمة بقراره الانساني والابوي والرائع بكل أبعاده لتحمل مسؤولية كبيرة مهمة وشاقة وأساسية لكي تتوالى أبرشيته المسؤولية الكاملة للمساعدة الروحية والمادية بقدر المستطاع والمتاح للمهجرين من أبناء شعبنا من الاثنيات الثلاث المُقيمين في تركيا حالياً بطريقة مباشرة وبرعاية مباشرة من سيادته ومن كهنته ومن الغيارى من أبناء الرعية. 

وقد بذلت الابرشيات الكلدانية وبتعاونها مع البطريركية وتوجيهات غبطة البطريرك مار لويس ساكو جهوداً كبيرة بحسب أمكاناتها من أجل مساعدة المهجرين وبطرق مختلفة وأخص بالذكر ما قدمته في أاقليم كوردستان حيث تواجدهم فلم تتوانى أبرشية اربيل الكلدانية في مساعيها وخدماتها يوما ما في متابعة شؤون المهجرين في الاقليم ،بالاضافة الى المساهمات المالية للابرشيات الكلدانية في بلدان الانتشار .

ألا أن ما أقره راعي أبرشية مارتوما الرسول الكلدانية في مشيكن الامريكية له خصوصية متميزة لكونه مشروعا يُنفذ بعد قطع مسافات طويلة مقترنة بالمخاطر الامنية والصعوبات والتهديدات وتعرضهم للأنفجارات غير المتوقعة  لاضطرار تواجد الموفدين من الابرشية مباشرة مع المهجرين من أبناء شعبنا في تركيا ،تلك المنطقة الساخنة من العالم حالياً .وقد تعهدوا أبناء الابرشية الغيارى مع راعيهم وكهنتهم أن يزوروا المهجرين المنتشرين بين بلدات والمدن التركية مرتين على الاقل سنوياً.

تحقق في الزيارة الاولى من قبل سيادة المطران مار فرنسيس والوفد المرافق له عدة أمور تهم المهجرين ،منها الخدمات الروحية ،وألاخرى التنظيمية بحيث تشكلت لجنة من المهجرين في كل تجمع لكي تكون مسؤوليتها تنسيق الاتصال مع ابرشية مار توما في مشيكن ومع الحكومة التركية المحلية ، والاتصال بين المدن والبلدات حيث وجود أبناء شعبنا . ومن المهام الاخرى التي كُلفت بها اللجان هي أعداد الاطفال الى التناول الاول والتعليم المسيحي . كما طالب وفد أبرشية مار توما البرلمان التركي بتصنيف المهجرين وفقاً الى القوانين التركية لكي يحصلوا على بعض الامتيازات التي تساعدهم ،فحصلت الموافقة بعد تصويت البرلمان على أعتبار تصنيف المهجرين بفئة الاقامة ،وعلى أثرها منحت هذه الصفة أبناء شعبنا أمتيازات مهمة أساسية مثل الرعاية الصحية والمساعدات الانسانية الاخرى كالمدارس والمأوى والحماية والسماح لهم باقامة طقوسهم الدينية.

وأما في الزيارة الثالثة للوفد برئاسة المطران مار فرنسيس قلابات وبرفقة الاب فادي فيليب والاعلامي شوقي قونجا من اذاعة صوت الكلدان في مشيكن ، تبين من حديثي مع الاخ شوقي هاتفياً أن الوفد الزائر بذل جهوداً كبيرة تجلت بالخدمات التي قدمها لابناء شعبنا من الكلدان والسريان والاشوريين المهجرين وأشتملت جوانب روحية وأجتماعية وتنظيمية ، حيث زار الوفد أحدى عشر مدينة يتواجد فيها المهجرين ،وأُقيمت القداديس ،وتم الاحتفال بالتناول الاول للأطفال الذين هيأتهم اللجان التي شُكلت في الزيارة الاولى ،أذ تبين للوفد أن تلك اللجان عملت بجدية وأخلاص في أعداد الاطفال للتناول الاول والتعليم المسيحي وأقامة الصلوات والاتصال بينهم .ولكي تتواصل الخدمات الروحية المقدمة لابناء شعبنا ،فقد كُلف الكهنة الكلدان في النمسا لتغطيتها في اعياد الميلاد وعلى نفقة أبرشية مار توما الكلدانية في مشيكن .وقد تبرعت الابرشية ببدلات التناول لجميع الاطفال المشمولين ،كما وصل عدد العوائل التي تبناها ( برنامج تبني عائلة ) الذي يعتمد على التبرعات السخية لأبناء أبرشية مار توما في مشيكن الى تبني ( 200 ) عائلة ليس لها مُعيل .

كما ألتقى الوفد مباشرة مع أبناء شعبنا لاستطلاع ظروفهم وأحتياجاتهم الاساسية ، ونقلها الى المسؤولين الاتراك ،حيث ألتقى الوفد مع حاكم المدينة التي يتواجد بها المهجرين وعرضوا عليهم مطاليبهم وبذل الجهود الحكومية لمساعدتهم . وحرصاً من الابرشية في الحفاظ على التراث الديني والثقافي لكنيستنا الكلدانية تمكن الوفد من الحصول على بعض المخطوطات التاريخية والطقسية القديمة ونقلها الى الابرشية لاستنساخها والحفاظ عليها من الاندثار والتلف والضياع ،بينما لم تتمكن من الحصول على بعض منها لان الحكومة التركية وضعتها في صنف المخطوطات الاثرية.وأثناء عودة أعضاء الوفد مكثوا في فرنسا لكي ينقلوا معهم بعض من المخطوطات الثمينة  التي أمتلأت غرفة القس المرحوم بطرس يوسف بها والتي أدهشت أعضاء الوفد لعددها الكبير وتوسط سرير القس تلك المخطوطات ،فحمل الوفد قسم منها الى الابرشية للحفاظ عليها من الضياع وأستنساخها.وقد تكون محاولة جمع ونقل المخطوطات التاريخية والطقسية للكنيسة الكلدانية مكملا للمشروع الذي بدأه سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم الاسقف الفخري المتقاعد لابرشية مارتوما حرصاً منه الحفاظ عليها من الضياع والتلف في ظل الظروف الامنية والسياسية المضطربة دائما في الشرق الاوسط حيث أنتشار كنائسنا .
وقبل وصول الوفد الى مشيكن ،بعث المطران مار فرنسيس الاب فادي فيليب الى لندن لكي يلتقي مع الاطباء الكلدان هناك للسعي في تشكيل لجنة ( الرحمة ) من الاطباء لمساعدة شعبنا المُهجر في العراق وتركيا أو في أية بقعة أخرى يتواجد فيها .

لهذه الالتفاتة الانسانية التي تأتي على أثر ما قرره سيادة المطران مار فرنسيس لمساعدة أبناء شعبنا المهجرين في تركيا بقدر الامكان والمتاح ،تعكس أبعادها النفسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية على المسيحيين المهجرين في تركيا ،حيث ان تواجد وفدا من الابرشية باستمرار وبمتابعة مباشرة من لدن المطران قلابات ، عبروا أبناء شعبنا من المهجرين عن فرحتهم  لوجود من يتذكرهم ويشعر بمآسيهم وظروفهم الحياتية الصعبة جدا وفي كافة المجالات ،وقد تركت في نفوس أعضاء الوفد أثرا كبيرا في الاطمئنان والقناعة والثقة بالنفس عدما ألتقت أمرأة آشورية في تركيا من المهجرين الاخ شوقي وقالت : لا اريد منكم شيئاً ،أنما أحب التعبير عن شكري وفرحتي بكم وبمساعيكم ورعايتكم ومتابعتكم لنا جميعاُ فالرب يحفظكم .

نعم من الصعوبة جدا أن يحققوا أبناء شعبنا المهجرين في الشتات طموحاتهم وأهدافهم بفعل المساعدات التي يتلقوها ،أنما تواجد مباشر من قبل أبرشية كنسية من الروحانيين وفي مقدمتهم الاسقف الابرشي والعلمانيين معهم للبحث والتداول عن ظروفهم المعاشية له أبعادا نفسية للتخفيف عن معاناتهم ومنحهم الثقة بالنفس والاطمئنان والمساعدة في تنظيم شؤونهم الحياتية وعلاقاتهم بالجهات الرسمية .

اعتبر شخصياً ما قرره سيادة المطران مار فرنسيس قلابات وأبناء أبرشية مار توما الكلدانية في مشيكن وتنفيذهم الفعلي والميداني ما تم أقراره لخدمة أبناء شعبنا المهجرين من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان ،حيث أكد الاخ شوقي قونجا شمولية وتغطية المساعدات لجميع مسيحيي العراق المهجرين وبدون استثاء،أعتبرها رسالة تاريخية بمعانيها الانسانية الى الجميع لتكون نموذجا يقتدي به الاخرون.
فهي رسالة الى جميع الابرشيات في الكنائس الشرقية من الاثنيات الثلاث لكي لا يأخذ الاسقف الابرشي من كرسيه موضعاً للسلطة التقليدية،وأنما خدمة أبناء الابرشية وأخص منهم المضطهدين والمهجرين من دورهم  حيث تواجدوا باللقاءات الوجدانية المباشرة والاطلاع على مشاكلهم واحتياجاتهم الروحية على أقل أحتمال.

أنها رسالة الى جميع الكهنة الذين يرون أن خدمتهم الكهنوتية تقتصر حيث المنطقة التي يتواجد بها أهاليهم ويعم بها السلام والهدوء الامني والراحة،متناسين في ذلك ،المطلوب منهم التواجد مع المضطهدين ، والمتألمين  والمرضى والمحتاجين الى المأكل والمأوى والغذاء الروحي الذي لا يمنحه للبشر غيرهم.

وهي رسالة موجهة الى ممثلي شعبنا في البرلمان المركزي في العراق واقليم كوردستان ،لكي يقتدوا بها وأن لاينسوا  ويهملوا من رشحهم الى كرسي البرلمان ليتمتعوا بمنافعه ،فكم منهم كلف نفسه يوما ما وتفقد أحوال هؤلاء المهجرين من أبناء شعبنا في دول الشتات ؟ ويفعل كما تفعل أبرشية مار توما في مشيكن في التواصل مع البرلمان التركي لعرض طلبات واحتياجات المهجرين .

وهي رسالة موجهة الى سياسي شعبنا والاحزاب السياسية التي باتت جلية أنها لا ترى في الشعب غير أنه وسيلة لتحقيق أهدافها والطموحات والمصالح الشخصية لمنتسبيها ، فكم من مسؤول لحزب سياسي تفقد مناطق تواجد المهجرين في دول الشتات الذين توافدوا يوم الانتخابات لانتخاب ممثلي أحزابهم ويقدموا ما بوسعهم لشعبنا المنكوب.؟ كما يفعل أبناء أبرشية مار توما ،ولم يرشح أحدهم نفسه يوما ما ليكون برلمانياً ليخدمه الشعب ، بل العكس وهم أشخاص عاديون يخدمون الشعب  في يوم محنته ومآسيه ويخففون من آلامه ويقطعون الاف الاميال لكي يلتقوا مع أخوتهم وفي ظل ظروف مفعمة بالاضطرابات الامنية .

أنها رسالة موجهة الى كتاب شعبنا من الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان لكي يقتدوا بها ويكفوا عن تشبثهم بالتاريخ لاثارة النعرات التسموية الاثنية واللغوية والمذهبية والتسمية القومية التي يحفزها ويثيرها السياسيون لاجل كسب عواطف الناس الانتمائية ليس لشيء بل لتحقيق مصالحهم الشخصية والحزبية .والكف عن البحث في أصالة أثنيتهم الحضارية واللغوية في مقالاتهم ومحاضراتهم التي لا تخدم،ولا تنفع، ليركزوا على الحاضر ويخططوا لمستقبل شعبنا بدون تمييز.فالاثنيات الثلاث هم شعب واحد من منبع واحد.   وشعبنا المهجر والمضطهد ليس بحاجة الى التسمية أو الاصالة بل الى الخبز والماء والمأوى والاستقرار النفسي والاجتماعي والرجوع الى بلداته ودوره المسلوبة .

وهي رسالة الى من يكتفي بالانتقاد لمؤسساتنا الدينية ولا يرى فيها الا بعض الهفوات السلبية عند بعض الكهنة ويعرفون حق المعرفة أنهم بشر مثلنا معرضين الى الخطأ ، ويهمل ما تقوم به من الاعمال الكبيرة والاستثنائية لمصلحة شعبنا أضافة الى واجبها الروحي فهي تنطلق من مبدأ رعاية مؤمنيها في كافة ظروفه وأماكن تواجده.

وتعد رسالة موجهة الى الرابطة الكلدانية الفتية ،وبعد أنتهاء السنة المخصصة للتنظيم الاداري لها ،أن تبادر كما تعمل أبرشية مارتوما الكلدانية وتقتدي برسالتها هذه لخدمة أبناء شعبنا أينما تواجدوا وفي ظل مختلف الظروف .
كما أنها رسالة موجهة الى كافة المؤسسات والجمعيات الثقافية والاجتماعية الشمولية للاثنيات الثلاث ،او الخاصة بالقرى والبلدات في بلدان الانتشار للاقتداء بها لتباشر زياراتها الميدانية لابناء شعبنا المهجرين وتقدم ما بوسعها من خدمات واحتياجات..

وهي رسالة  موجهة للجميع لكي يتقاسموا الغذاء المادي ويمنحوا الغذاء الروحي لابناء شعبنا المهجرين عن ديارهم .
وهي رسالة تعبر بوضوح عن روح التعاون والتضامن والمحبة وقبول الاخر واحترامه بغض النظر عن أنتمائه الاثني ،فهم قدموا ويقدمون خدماتهم الى الاشوريين والسريان والكلدان بدون تمييز ،فنقتدي بها جميعا ،أن نقبل بعضننا البعض ونحترم الاخر وكما هو لا كما نريد بفرض ارادتنا عليه .

تحية لابرشية مارتوما الكلدانية في مشيكن ، تحية ومحبة لابنائها ،اسقفاً وكهنةً وعلمانيين ، وتحية للوفد الذي يتحمل دائماً مشقات الطريق والتحديات الامنية في تركيا ويعرض نفسه للمخاطر ،الا أنه تطوع من أجل أيصال لقمة العيش والاطمئنان بتفقد أخوتهم في الشتات في يوم محنتهم ليخففوا من مآسيهم .
كندا
في 10 أيار / 2016

70
                                               الأدمان 
                                  الاسباب ، حدوثه ، والآثار المُترتبة

د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي

                         مقدمة

                                   تدخل هذه الدراسة ضمن أطار الدراسات الاستطلاعية ،وهي دراسة أولية يعتمدها الباحث لجمع المعلومات عن الظاهرة المدروسة ليضع الفرضيات في ضوئها لكي يختبرها بالدراسة الوصفية التي تستعين بالمقاييس الاحصائية في التحليل وربط المتغيرات .( للتنويه رجاءاً)
                                         يولد الانسان وعقله صفحة بيضاء وحاملا العوامل الوراثية والقدرات الاستعدادية. يندفع في البدء لاشباع حاجاته غرائزيا ،وثم بمرور الزمن تتكامل تدريجيا معالم الشخصية لديه لتفاعل الموروثات الغريزية مع المتغيرات البيئية المتعددة والمتجددة التي تبدأ بالعائلة التي تحتضن الطفل وثم الجماعات المرجعية الاخرى والمجتمع. فالتنشئة الاجتماعية هي التي تحدد للفرد السلوك الذي يجعله أن يتكيف مع الجماعة والمجتمع اجتماعيا .
وهذا التكيف ومسايرة الحياة الاجتماعية تعتمد على الدوافع الوراثية ومدى قوة ما يمتلك الفرد منها بالتفاعل مع المؤثرات البيئية ،على سبيل المثال ، لو كان دافع التملك عنده بنسبة عالية جدا ً، ويعيش في بيئة أجتماعية عائلية تصقل هذا الدافع نحو الاعتدال لاشباعه ستكون النتيجة ،التصرف باعتدال نحو التملك وحب المال ، أما أذا أحتضنته عائلة تصقل هذا الدافع لديه نحو حب التملك والجشع ،ستكون النتيجة ،تصرف الفرد مندفعاً بقوة وبنسبة عالية لحب التملك بأية وسيلة وفرصة تتوفر لديه .وهذه الحالة تنطبق على كل الدوافع التي يحملها الفرد وراثيا من : الاكل ، الجنس ، حب السيطرة ، حب التعاون ، الانفعال ، الغضب ، دافع الحب ، الميل الى الاعتداء ، التعاون ، الميل الى السلام ، الحقد ، الغيرة وعشرات الدوافع الاخرى .
تخلق العوامل البايولوجية الموروثة والمؤثرات الاجتماعية والنفسية المحيطة بالفرد توازناً في حياة الانسان الاجتماعية ليتكيف مع المجتمع .أنما أحيانا قد يحدث خللاً في بناء الشخصية لتعرض الانسان الى مؤثرات أجتماعية ونفسية وجينية موروثة ،فيقوده ذلك الخلل الى ممارسة بعض الافعال والسلوكيات غير المألوفة التي لا يتقبلها المجتمع وتصبح جزأً من حياته فتصل الى حالة مرضية كأي مرض آخر يسمى ،الادمان .

ما هو الادمان؟

                 يعتبر الادمان Addiction  أحدى المشاكل الاجتماعية المتفاقمة في عالمنا اليوم والمنتشرة في مختلف أنواع المجتمعات البشرية المتقدمة والنامية منها ، وفي كل الطبقات الاجتماعية في المجتمع الواحد ،وهو مرض وبل وباء سريع الانتشار . يتصور العديد من الناس أن ألادمان يقتصر على المخدرات ،ربما لان معظم التعاريف الرسمية تُركز على تناول المادة المخدرة .ولكن بمرور الزمن حدثت تطورات وتغيرات لمفهوم الادمان والمدمن بحيث شمل حالات اخرى غير المخدرات مثل الكحول والتدخين والقمار ، وتجرى حاليا دراسات علمية أجتماعية ونفسية وطبية لتبرهن هل أن مثل حالات أستعمال الكومبيوتر بأفراط ومشاهدة الافلام الخلاعية والالعاب الالكترونية والتسوق  المفرط ،يمكن تحديدها ضمن اطار مفهوم الادمان ؟.
هناك تعاريف قانونية وطبية ونفسية وأجتماعية ،كل بحسب الاختصاص للأدمان ،أنما ساقتصر فقط وضع مفهوم الادمان العام والذي يتفق عليه المختصون -  لاجل تفادي الاطالة - .
وكما اشرت ،في البداية عُرف الادمان : تعاطي الفرد بتكرار المادة المخدرة .وعليه عرفته منظمة الصحة العالمية : أنه حالة من التسمم الدوري أو المزمن التي تنتجها الاستهلاك المتكرر للمادة المخدرة الطبيعية والاصطناعية .
أنما للتطورات الحاصلة وظهور حالات الادمان لغير المادة المخدرة ،فعُرف الادمان  بدون تحديدها وبأختصار : هو مرض يكون التعبير عنه بطرق مختلفة .
وعرف أيضا : هو الاستخدام غير المقيد للعادة .
وكما عرف : هو مرض لتعاطي مواد معينة بتكرار أو القيام بنشاطات سلوكية معينة بشكل مفرط .
وفي ضوء هذه التعاريف تدخل ضمن مفهوم الادمان الحالات غير المادية مثل القمار والكومبيوتر وأية عادة تتحول من الممارسة الطبيعية الى الشاذة التي تترك آثارها على المدمن والمجتمع .
أما المدمن : هو الشخص الذي يدمن على عادة معينة .أو هو الشخص الذي يستخدم عادة ولديه شغف ،لا يمكن السيطرة على الادمان عليها .

أنواع الادمان:

                1 – الادمان المادي Substance abuse  وهو حالة مرضية لتناول الانسان مواد معينة لايمكن التخلص من تناولها بسهولة لانها تجلب السعادة له أثناء دخولها الى الجسم ،مثل المخدرات بأنواعها كالمورفين والهيرويين والكوكايين والنيكوتين الذي يحصل عليه المدمن من التدخين.والكحول .ويترتب عنها تأثيرات جسدية للمدمن ،أضافة الى الاضطراب السلوكي والنفسي والاجتماعي .
الادمان السلوكي: Behavioural addiction   وهو تحول عادة معينة الى حالة مرضية سلوكيا يعبر عن تكرار الفعل بأفراط ،اي أن السلوك هو العنصر الظاهري الذي يُشير الى الادمان من عدمه ،مثل الادمان على القمار ،وهو الادمان السلوكي الوحيد الذي قررته الدراسات الاكاديمية والجهات الرسمية لكي يدخل ضمن مفهوم الادمان السلوكي ،وكما أشرت اعلاه فهناك دراسات مستمرة للبرهنة علميا فيما اذا كانت حالات الالعاب الالكترونية وأستعمال الكومبيوتر والجنس والتسوق وغيرها تتطابق أعراضها وآثارها المترتبة مع حالات الادمان المعروفة حالياً .ويترتب عن الادمان السلوكي ،الاضطراب في سلوك المدمن بحيث يؤثر في عملية التكيف الاجتماعي له في المجتمع أو مع العائلة .
 تعتبر الحالات المتنوعة هي حالات الادمان لوجود أشياء مشتركة بينها ،فهي تعبيرات متنوعة عن الادمان ولكن المسببات هي مشتركة ، كما أن طريقة الوصول الى ذروة الادمان هي مشتركة أيضاً.بينما لكل تعبير له آثار معينة كما سأوضح أدناه.

أسباب الادمان :


               لم تكن دراسة الادمان شاملة من قبل الاختصاصات ذات العلاقة . حيث تناولتها الدراسات بايولوجياً،واخرى نفسياً والقسم الاخر أجتماعيا ،وبعضها قانونياً،ألا أنه بمرور الزمن خضعت ظاهرة الادمان الى الدراسات الشاملة تحت مفهوم ( البايونفس أجتماعي )Biopsychosocial   لاكتشافهم أن العوامل الجينية والنفسية والاجتماعية المتفاعلة والمرتبطة مع بعضها هي المسؤولة عن ظاهرة الادمان عند الفرد .
فالعوامل البايولوجية تتمثل بالجينات الوراثية المسؤولة التي يحملها الفرد ،وهذه الجينات تتباين من فرد الى آخر ،ولا يمكن تجريد هذا العامل من ارتباطه بالعوامل النفسية الاجتماعية .فالمسألة بحسب نتائج الدراسات الميدانية تبين مدى قوة ونسبة العامل الوراثي ،فكلما كانت الصبغة الوراثية عالية النسبة في قوتها لدفع الفرد للميل نحو الادمان أو أية فعل آخر سوف يتوقع من الفرد الذي يحمله أكثر أندفاعا نحو الفعل أذا صادف وأن عاش في بيئة أجتماعية ونفسية تُشجع وتسند مثل هذا الفعل،بمعنى أن الحامل للصبغة الجينية المسؤولة عن الرغبة في تناول الكحول أو لعب القمار ،اذا توفرت بيئة أجتماعية نفسية  على مستوى العائلة أو المجتمع أو العمل أو في الميادين المختلفة من الحياة تُزيد من تحفيز الرغبة فحتماً سيدمن الفرد على هذه الافعال ،وهناك أحتمال آخر أذا كانت النسبة لقوة الصبغة الجينية عالية والبيئة لا تسند أو تحفز الدافع،فهي تخفف أو تحبط الدافع ، والاحتمال الاخر هو أنخفاض نسبة قوة الجين بينما البيئة تحفز الدافع نحو الفعل ،سوف لا تتمكن تحقيق الهدف وتوريط الفرد للاندفاع نحو الفعل .فكثيرا ما نرى أبناء يتميزون بسلوكيات متميزة أيجابية ومقبولة جدا من المجتمع بينما يعيشون في ظل عائلة مفككة جدا ، والعكس هناك من الابناء يعيشون في بيئة عائلية متماسكة ومتوازنة الا انهم يرتكبون أبشع السلوكيات الانحرافية . وهناك العوامل البايولوجية الفسلجية المسؤولة عن تكرار الفعل ساتطرق أليها أدناه.( أكتفي بهذا القدر عن العوامل البايولوجية لكي لا أخرج عن مجال أختصاصي)  .
أما العوامل الاجتماعية النفسية فهي مترابطة ومتفاعلة ومتداخلة مع بعضها بحيث لا يمكن الفصل بينها وهذه مجتمعة تؤثر بالعوامل الوراثية .وأوجز الاشارة الى ابرز هذه العوامل بحسب الدراسات السابقة بدون التفصيلات في كيفية تأثيرها لاجل الاختصار:
البيئة العائلية منذ الطفولة وتتمثل : التفكك الاسري الناجم عن الخلافات الزوجية المستمرة والتي تؤدي احيانا الى الطلاق، وطلاق الزوجين يكون أكثر تاثيرا على الابناء لتعرضهم لتنشئة اجتماعية متناقضة ومزدوجة .
الاهمال واللامبالات في التنشئة الاجتماعية للابناء من قبل العائلة حتى وأن كانت ظروفها مستقرة،وهذا ينجم عن عدم متابعة الابناء  من قبل الوالدين في افعالهم وممارساتهم وخروجهم من الدار ونوعية اصدقائهم . 
غياب الوالدين عن الابناء لفترات طويلة لاجل العمل وما شابه .
الحالة الاقتصادية السيئة للفرد أو العائلة  ،والبطالة المتفشية في المجتمع
الفشل في أداء  الفرد لادواره الاجتماعية والمهنية وضعف الانتماء .
طول وقت الفراغ للفرد الذي يعد من العوامل المهمة التي تدفع به للأدمان .
ضعف الوازع الديني ، وهنا يرتبط بالادراك المعتدل للدين والممارسات الدينية.
المحاكاة والتقليد حينما تتهيأ الفرص .
الضغوط النفسية التي يعاني منها الفرد نتيجة لما يتعرض اليه من العوامل المذكورة.
ضعف الذات وأنهيار الانا والاغتراب والاحباط.
الفشل والاخفاق في تحقيق الاهداف والطموحات.   
الهروب من المشاكل المتفاقمة .
ولتفاعل العوامل المذكورة التي توصلت أليها الدراسات الميدانية مع بعضها ،أضافة الى تداخل العوامل الوراثية تؤدي بالفرد الى فقدان التكيف والانسجام مع المجتمع أو الجماعة التي ينتمي أليها فتكون الحصيلة نشوء صراع بين قيم الفرد وقيم المجتمع ، ولا يشترط أن تتوفر كل هذه العوامل عند الفرد المدمن  فعاملا واحدا أو أثنين مع وجود النسبة العالية للعامل الوراثي سيقدم الى الادمان .مما يجعله البحث عن شيء يسعده في الحياة بعدما أن فقد السعادة لتعرضه للمشاكل المتفاقمة في حياته.

كيف يحدث الادمان ؟

 في دماغ الانسان نظام فسلجي يسمى ( مسار المكافأة )Mesolimbic pathway  لافراز مادة ( الدوبامين )Dopamine وهو ناقل عصبي ،أي نقل المعلومات من عصب الى آخر . هذا النظام يعمل بحالته الطبيعية عند الانسان عندما يقوم بالافعال بصورة طبيعية ،مثل تناول الغذاء فيستمتع الانسان فيواصل الاكل لينال الصحة السليمة، وعند ادائه التمارين الرياضية تُسعده فيواصل ، وهكذا عند الممارسة الجنسية الطبيعية .أما أذا تعرض الفرد الى عوامل أجتماعية نفسية خطيرة بحيث أن هذه العوامل لا تُكافأ الانسان في حياته فيبحث عن طريقة للحصول على المكافأة والتمتع وتحقيق السعادة.
عندما يبدأ الفرد الفعل الذي يتحول الى الادمان كأن يكون تعاطي المخدرات أو الكحول أو التدخين أو القمار أو العاب الكومبيوتر مثلا ،يحدث تغيير في نظام المكافأة في الدماغ فيحدث تغيير في مسار الفعل،  وبتكرار الفعل يزداد تاثيره على النظام المذكور، فتحدث تغييرات بايولوجية في الجسم وفي التركيبة الجينية،فوصول الفرد الى ذروة الادمان على شيء ما يستمر أو يتحول بسهولة الى الادمان لشيء آخر لان الاستجابة الجينية في جسمه قد تغيرت. ولكي يحقق المدمن نفس كمية المكافأة  التي يتمتع بها أو أكثر فيكرر ويزيد من الفعل وهكذا يتم التكرار بحيث تؤثر العملية في الجهاز الادراكي للمدمن ،فتضعف الوظيفة الادراكية له ، أي يصعب على المدمن أن يدرك ما الذي يقوم به ،ولهذا من الصعوبة على الفرد أن يتوقف من فعله ولا يتمكن من التمييز بين ماهو خطأ أو صحيح .وهذه العمليات تتطابق بحسب نتائج الدراسات على المدمنين على المخدرات والكحول والتدخين والقمار تماما ، والان تُجرى دراسات وتجارب للبرهنة فيما اذا تحدث نفس العمليات عند مستعملي الكومبيوتر بشكل مفرط ومشاهدي الافلام الخلاعية والجنس بشكل مفرط والعاب الكومبيوتر عند الاطفال ،والتسوق المفرط، ولربما سنقوم بأجراء دراسات تجريبية على من يكتبوا  سلبياً بأفراط وتكرار على الافراد أو المؤسسات لكي نبرهن على مدى أصابتهم بمرض الادمان.
والتكرار باستمرار يزيد المكافأة  ،ولهذا تتحول الحالة من سيء الى أسوء ويصبح في حالة مرضية مثل اي مرض آخر لا يمكن التخلص منه ،وعليه لايمكننا القول أنه السبب لانه يدرك ما يفعل ، بل أنه لايدرك أبدا. واذا توقف فجأة سيتعرض الى ما تسمى ( اعراض الانسحاب ) وهي غير أعراض التي تبدو على المدمن أثناء الاستمرار.ولو أن نسبة الرجوع هي ضعيفة مقارنة مع الاستمرار في الفعل وهذه تتباين من مدمن الى آخر.

والاعراض هي :

الكآبة ، القلق العميق ، التعرق الشديد ، الارق ، الارهاق لاتفه الاسباب ، فقدان الشهية ، الام في الرأس ، التهيج ، الاضطراب السلوكي ، الرغبة الشديدة للرجوع اليه أو الادمان على الاشياء الاخرى .ولوجود هذه الاسباب فأن التعامل مع المريض المدمن يحتاج الى عناية خاصة ودقيقة من قبل الاختصاصيين من الاطباء والباحثين النفسانيين والاجتماعيين لتطبيق طرق خاصة تتابعية في العلاج .( أكتفي بهذا القدر عن كيفية حدوث التغيرات البايولوجية لكي لا أخرج عن مجال تدخلي لدراسة المشكلة).

الاثار المترتبة عن الادمان:

                               لوجود آثار مترتبة ومتفاقمة عن ظاهرة الادمان أعتبرت من المشاكل الاجتماعية الخطيرة في المجتمع البشري.وتكون مستويات هذه الاثار على الفرد والجماعة ومنها العائلة والمجتمع برمته .
فعلى مستوى الفرد المدمن تتمثل بما يأتي:الانفعال غير المبرر ، فقدان السيطرة على الفعل ، الاعتياد على بعض الافعال غير الصحية للحصول على ما يساعده للأستمرار في عادته المرضية من الاموال أو المواد ، فيرتكب العديد من السلوكيات المنحرفة ،كسرقة الاموال ،والاعتداءات الشخصية ، وقد تصل أحيانا الى القتل ،أو الشروع به،يعتاد على الكذب ، عدم التركيز والانتباه ، الاهمال وعدم الاعتناء بالمظهر الخارجي له.وفقدانه للعمل.
ومن الاثار الجسدية للفرد المدمن وتتباين بحسب طريقة التعبير على الادمان ومنها السرطان بسبب التدخين ، وتعفن الدم بسبب المخدرات ، وأتلاف الكبد بسبب الكحول ، والافلاس بسبب القمار .
أما على المستوى العائلي : يخلق الفرد العضو في الاسرة وأكثر خطورة لو كان الاب أو الام حالة من الاضطراب الاسري ،والاعتداءات الشخصية بين افراد الاسرة ، التفكك الاسري وثم الطلاق ، فقدان الابناء للآباء والتأثير على تنشئتهم، مما تتراكم العُقد النفسية في شخصيتهم عند البلوغ،أصابة الاسرة بالفقر ،وثم المحاولة من قبل الاخرين في الاسرة الاعتياد على السلوكيات الأنحرافية للتعويض عن ما فقدته الاسرة من الاموال ،قد تكون منها السرقة والانحرافات الجنسية من أجل جمعه، تدني المستويات التعليمية لابناء الاسرة لاضطرارهم للعمل المبكر ،وفقدان الاسرة لمكانتها الاجتماعية في المجتمع المحلي وسوء سمعتها بين الاقارب.
أما على المستوى المجتمعي : فالادمان يترك آثارا كبيرة على برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية لانها تكلف الحكومات مبالغ طائلة لمتابعة مروجي المواد المخدرة ولمكافحة مصادرها  ولمعالجة المدمنين بدلا من تخصيصها للتنمية البشرية. زيادة نسبة الاجرام والفساد في المجتمع ،زيادة نسبة الفقراء ، تدني مستوى الخدمات الاساسية المقدمة للمواطنين لانشغال الدولة في مكافحة الادمان وبالاخص في البلدان النامية، حدوث الفساد الاداري للدولة لتعاطي مؤظفيها الرشوة من قبل العاملين في ترويج  مواد الادمان وعلى مستويات ادارية عليا في السلطة ،تفشي الامية في المجتمع .

أما العلاج :
 
وكما ذكرت أعلاه هناك تفصيلات لطريقته ـويتدرج بمراحل  دقيقة ومتابعة علمية مشتركة بين الاطباء المختصين والباحثين النفسانيين والاجتماعيين في مصحات خاصة للمدمنين لا مجال لذكرها هنا.

مع تمنياتي للجميع في تجنب الاصابة بهذا المرض الخطير .

اعتمدت على عدة مصادر علمية في الدراسة وابرزها للأختصار دراستين أدناه  والبقية في حوزة الباحث.
Toward a Syndrome model of addiction: Multiple expression, common etiology .Howard  J . Shaffer.
Neurobiologic processes drug ,reward and addiction, Bryon Addinoff   
 في 5 نيسان  2016                   
                           

71
        ليون برخو : " وأنا أكاديمي  أقول ما أراه الحق مهما كان الثمن الذي سأدفعه "
                                    بخصوص الفاتيكان والكنيسة الكلدانية نموذجا

د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                    لا تتسرع عزيزي القارىء للحكم على عنوان المقال فلست أنا القائل بل زميلي في المهنة الدكتور ليون برخو في رده على الاستاذ مسعود النوفلي ذي الرقم 21 في مقالته الموسومة " لماذا وكيف تقترف الكنيسة الكلدانية كل هذه الاخطاء وفقط في 20 صفحة من كراس القداس الالهي "المؤن " رد على مقال الاستاذ سيزار هوزايا ".وهو عنوان يفتقد الى قواعد أختيار موضوع البحث أو المقال العلمي وفقا لمناهج البحث العلمي في العلوم الاجتماعية لطوله ولاعتباره من العناوين المركبة لوجود استفهام كيف ولماذا .وأن انطلق  من القواعد الصحفية التي يحاول فيه الصحفي اثارة القراء بعنوانه فهذا شأن أخر لا علاقة لي به، فالدكتور ليون هو الادرى .
الحق والحقيقة
يا ليت أقرأها عبارة الدكتور القدير ليون التي جعلت منها عنواناً لمقالتي من غيره ، فهي عبارة لا يطلقها الاكاديميون بل يطلقها غير الاكاديميين من الكتاب الهواة وغير الاختصاصيين والذين يفتقرون الى قواعد ومناهج البحث العلمي الرصين ،ويقولها من ينطلق من الامثال الشعبية لتفسير الظواهر .وكذلك السياسيون لانهم يعدون أنفسهم على حق ويبررون ذلك بايديولوجيتهم ،فكم من القادة كانوا ظلام لاعتقادهم أنهم على حق ، وكذلك يطلقها رجال الدين لانهم يعدون ما يعتقدون به هي الحقيقة ومن الثوابت والاخرين على أوهام. وعليه نرى الحروب المذهبية الشنيعة على هذا الاساس(وأني جازم أن زميلي في المهنة الدكتور ليون لا يفتقدها )، فالاكاديمي لا يقول أنا أقول الحق ،بل يقول أنا أبحث عن الحق ،بدليل أنه يجري بحثا رصينا ومقيدا بضوابط أكاديمية للبحث عن الحقيقة .وكما سأبين أدناه.
وقد تغلغل منطق أرسطو طاليس في اعماق عقولنا بحيث أصبحنا متأثرين به تأثرا لاشعوريا ،فالكثير لم يدرسوا قواعد المنطق ،ولكن مع ذلك يجري في تفكيرهم على نفس نمط ارسطو الاستنباطي التأملي المعتمد على التأمل وأستخدام العقل بوضعه المقدمات البديهية والنتائج  فقط دون الحواس وأستقراء المعلومات والتعامل معها أحصائياً  .أعتبر القدامى من الفلاسفة أن ما يصل اليه الفيلسوف بهذه الطريقة هي الحقيقة المطلقة  ،فيقول الفيلسوف الانكليزي " توماس ": " أن المنطق القديم هو منطق العقائد الموروثة ،لا منطق المعرفة النامية "فهو منطق يصلح للدفاع والهجوم ولا يصلح لاكتشاف الحقائق الجديدة أو التثبت من صحة الافكار القديمة .
ويقول "كارل مانهايم عالم الاجتماع الامريكي المعاصر " أن العقل يقتبس من الحقيقة الخارجية جزءاً ثم يضيف أليها من عنده جزءأً آخراً يكمل بذلك صورة الحقيقة كما يتخيلها ،وهذا الذي جعل كل فرد منا يحمل معه حقيقته الخاصة كما يحمل حقيبته "ويمكن تشبيه الحقيقة بالهرم ذي الاوجه المتعددة حيث لايرى الانسان منه ألا وجها واحدا في آن واحد .
 يؤيد " جون ديوي " هذا الرأي تأييدا كبيرا فهو يقول : " أن العقل البشري ليس مرآة للحقيقة كما كان القدامى من الفلاسفة يتصورون ،أنما العقل خُلق من أجل الحقيقة ،فله هدف آخر أهم من الحقيقة وأنفع هو الفوز في تنازع البقاء ،فهو لايفهم الحقيقة الا بمقدار ما تنفعه " فالفتى يحب الفتاة أو الانسان يحب الضمان الاقتصادي والمكانة الاجتماعية ولكن لا يحب الحقيقة الا  أذا ساعدته في تحقيق شيء من هذه الاهداف .فالانسان المثالي المطلق في التفكير يطلب من الاخرين أن يفكروا على أساس الحقيقة وهو يقصد بالحقيقة حقيقته الخاصة التي تنفعه ،فكل شيء ينفع صاحبه يصبح في نظره حقاً مطلقا يجب على الاخرين جميعا أتباعه .
يقول علماء الاجتماع : " لم يبتكر العقل البشري مكيدة أبشع من مكيدة الحق والحقيقة " فلا يوجد أنسان على وجه الارض لا يدعي بالحق والحقيقة ، فحتى الظلام في التاريخ الذين تقشعر الابدان من أعمالهم الشنيعة ،فلا تجد من أقوالهم الا انها مفعمة بالحق والحقيقة .
فالانسان يدافع عن أفكاره مهما يكن الثمن يظن أنه هو الحق والحقيقة ،ولم يدري بأنه يخدع نفسه ،لماذا يخدع نفسه ؟ ، لانه أخذ ما يؤمن به من بيئته التي لقنته مُثلها العليا ،فهو لو كان في بيئة اخرى لدافع عن أفكار تلك البيئة بدون تردد . وهذا لا ينطبق على الاكاديمي حيث يجب أن تتجرد أفكاره من البيئة التي تأثر بها عند بحثه عن الحقيقة .
المنطق الحديث الاستقرائي الذي يعتمد على تطبيق المناهج العلمية ومنها المقارنة الزمنية والمكانية ويجمع البيانات والمعلومات ويستخدم في تحليلها المقاييس الاحصائية  لمعرفة التبابين كالانحدارالمتعدد  والتشتت والترابط المتعدد ، لا يؤمن بالعدل المطلق ولا يؤمن بالحق المطلق مهما كان الانسان من مكانة معرفية وعلمية ،وأنما أذا آمن فيريد أن يخدع الناس من حيث يشعر أو لا يشعر .
المنطق الحديث منذ عهد ديكارت وتوماس أنتقل تدريجيا الى العلوم الاجتماعية والانسانية لكي يستخدمونه في تفسير الظاهرة الاجتماعية والانسانية ،فكما كان المنطق القديم يرى في الظاهرة الطبيعية أنها حقيقة مطلقة وجاء أصحاب المنطق الحديث ليروا النسبية في تلك الظواهر ،سأكتفي بمثال واحد لكي لا أطولها على القارىء العزيز .جاء أينشتاين ونسف فرضية الاثير من أساسها فهو يقول : " أنه لاحاجة لنا أن نفترض فكرة الاثير في سبيل أن نفهم كيف تسير الامواج الضوئية وغيرها في الفراغ " فيقول : " أن مادة الكون الاساسية هي الزمكان ،وأن الزمكان لا ينفصل عن المكان " وهذا ينطبق على الظواهر الاجتماعية  أيضا .فلا اعتقد أن الفيلسوف " هانس كونك " الذي استشهدت به في أحدى ردودك يعترض على أينشتاين الذي غير بعبقريته  شؤون الحياة والعلم برمتها.
فهناك العديد من الثوابت العلمية كانت حقائق وأنما أُكتشف خطأوها فيما بعد ،فحقيقة اليوم قد تكون بعد مرور فترة زمنية وهمية .هذه في العلوم الطبيعية فكيف في العلوم الاجتماعية التي تنطلق من سلوك الانسان في دراستها ومختبرها هو المجتمع ؟!! وبالرغم من أن الظاهرة الطبيعية تختلف في تفسير العوامل المسؤولة عن حدوثها عما هو في  الظاهرة الاجتماعية ، فقد يكون عامل واحد أو اثنين مسؤولان عن حدوثها ،فمثلا معدل التبخر يعتمد على عاملين اساسيين هما ارتفاع درجة الحرارة واتساع المسطحات المائية، بينما الظواهر الاجتماعية لايمكن الجزم في حدوثها لعامل واحد أبدا كما تبحث في ظاهرة اللغة والكنيسة وغيرهما وانما الى عشرات من العوامل  ، وهناك قوى أكثر تأثيرا على الظاهرة من الاخرى ،وهذا نتوصل أليه من خلال أستخدام المقاييس الاحصائية لقياس التباين بينها كما أشرت أعلاه .
التناقضات والتحليلات
          بعد أن قدمت موجزا مقتضباُ ومبسطاً عن الحق والحقيقة التي يوحي من عبارة الدكتور ليون ،أن ماجاء به هو الحق ،سأدخل في تحليل المقال وبعض الردود سواء ردوده أو من الاخوة القراء.
لقد عالج الكاتب " كاثوليك " بالطبع أنه أسم مُستعار فاني مُستغرب لماذا يكتبون بعض الكتاب بأسماء مُستعارة بالرغم من أن كتاباتهم هادئة ورزينة .عالج بعض التناقضات الصميمية في رده على المقال .
فاضافة الى عدم أستخدام الدكتور ليون المنهج المقارن كما وضح كاثوليك ،وعدم أرتباط الاطار النظري بموضوع المقال فهناك :
لم يعط تعريفا للطقوس بالرغم من أنه يقول ماهي الطقوس ،وأنما جاء بحديث غير مترابط ومنسق .فالتعريف لابد أن يكون بعبارات مفهومة ومنسقة ومترابطة مع بعضها ، فقارن أخي القارىء بين هذا التعريف للطقوس وما جاء به الدكتور برخو : الطقوس هي مجموعة الممارسات التي يقلدها عمليا مجموعة من الناس لتأدية شعائر معينة تعكس العقائد والقيم التي يؤمنون بها ،بحركات وفعاليات وأصوات منتظمة تؤثر على الممارسين الى حد الاندماج معها .وقد تكون طقوس دينية أو سياسية أو أجتماعية أو أقتصادية .
ماذا حل بالكنيسة الكلدانية في السنين الاخيرة الثلاث ؟
                                         سؤال مهم جدا طرحه الدكتور برخو ،ولكن معالجته للسؤال لم تكن موفقة ،لماذا ؟ أولا الفترة هي المقصودة منذ تسلم غبطة البطريرك مار لويس السدة البطريركية للكنيسة الكلدانية .حيث أنطلق من عامل واحد لمعالجته ،وهنا أفتقد زميلي العزيز قواعد المنطق الاستقرائي الحديث في تفسير الظواهر الذي لايقر بتفسير الظاهرة الاجتماعية بأحادية التفسير وأنما من مجموعة العوامل كما وضحت أعلاه ، فأنطلاقه هو من المنطق القديم الذي يؤمن بالمطلق أي تحديد عامل واحد سببا للظاهرة كمقدمة وهو المؤثر عليها ويمكن صياغتها كما يأتي :
رئيس المؤسسة الدينية هو المسؤول عن تردي أحوالها        مقدمة كبرى
البطريرك ساكو هو رئيس المؤسسة الدينية الكلدانية               مقدمة صغرى
أذن البطريرك ساكو هو المسؤول عن أخفاق المؤسسة الدينية الكلدانية           النتيجة
هكذا تحليل أستنباطي تأملي الارسطو طاليسي لا يقره الباحثون في العلوم الاجتماعية ،فهو يقر الحقيقة المطلقة ،لأنما المنطق الذي يتبعه الباحثون لدراسة هذه الظاهرة سيستقرأ البيانات ويجمع المعلومات ويضع الفرضيات ويختبرها بالمقاييس الاحصائية ،فهناك العشرات من العوامل التي جعلت من الكنيسة الكلدانية متردية الاوضاع أذا كانت فرضية زميلي صحيحة .فأين دور الادارة السابقة التي أستلمها البطريرك الحالي ،وأين دور الاوضاع السياسية والامنية والدينية والاجتماعية والديمغرافية والتعليمية والادارية وطريقة أعداد الكهنة وغيرها من العوامل ، أ ليست عوامل ترتبط بهذه الظاهرة ،فالحقيقة التي راها الدكتور ليون هي مطلقة تكمن في أن البطريرك ساكو هو العامل أو المتغير المسؤول عن تردي أوضاع الكنيسة الكلدانية !!! .في حين يرى العديد من المتابعين والمهتمين بأن الكنيسة مضت خلال فترة قياسية وبوجود البطريرك على رأسها ،وبالرغم من التحديات الواقعية المذكورة على أرض الواقع ،مضت نحو الرقي قياسا لو تمت مقارنتها بفترة من الاستقرار ، ولا أنكر من وجود مشاكل ، فالمشاكل الانسانية لا يمكن التخلص منها طالما مرتبطة بسلوك الانسان وعواطفه بل يمكن الحد منها .وهذا لا يختلف أثنان من الباحثين الاجتماعيين عليه، كما أني لا أنكر بأن للبطريرك ساكو دور ،ولكن مقارنة بالعوامل الاخرى لا يمكن قياسه ولا يؤخذ بنظر الاعتبار  .
تعاطي مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان مع الكنائس غير اللاتينية
                             ليس في هذه المقالة فحسب ،بل في مقالات عديدة يستشهد الدكتور ليون بأمثلة عن تعاطي الفاتيكان مع الكنائس الاخرى مضت عليها أكثر من مئة سنة .الحق معه لا أحد ينكر ما أقترفته قبل مئة سنة كنيسة روما مع الكنائس الاخرى من أنتهاكات وهذا ما شهد له في رسائلهم الاكليروس في تلك الكنائس ، ألا أنه أرجع وأقول لزميلي العزيز ، لو طبقت منهج المقارنة الذي نوه أليه المعقب على مقالتك " كاثوليك " زمانيا ومكانيا لوصلت الى نتيجة مغايرة عن ما تفضلت به ، فالدراسة المنهجية عن هذا الموضوع تتم بتقسيم المراحل الزمنية لتعاطي الفاتيكان مع الكنائس التابعة لها وستجد حتما أنها تُفسر بقانون " تطور العقل البشري " فالاجدر منهجيا هو ربط عوامل الزمكانية كمتغيرات رافقت كل مرحلة  والعقلية التي كانت متأثرة بتلك العوامل ، فالعقائد الدينية هي ما موجودة في الانجيل لا غبار عليها ، ولكن طريقة التعامل مع تلك العقائد ونصوص الايمان هي مرتبطة بالعقل البشري ، ومن هم في أدارة الفاتيكان هم بشر ، وقد خضعوا الى قانون المذكور فقبل مئة سنة لم يفكر البابا كما يفكر مار فرنسيس اليوم وانت الادرى .
في بحث سابق لي عن تطور عقل الفاتيكان تبين كيف أن قوانينها تغيرت على مر الزمن وفي أحقاب مختلفة تلك التي تنظم علاقتها مع الكنائس الاخرى ، ففي القرن التاسع عشر ارادت أن تفرض الطقس اللاتيني برمته على تلك الكنائس ومنها كنيستنا ،ألا أنه لو راجعت قوانينها سترى أنها تؤكد على حرية ممارسة الكنائس طقوسها ولغتها وتراثها الذي تراه قد أندثر وجوده في الكنيسة الكلدانية بسبب الفاتيكان .وفي السابق كانت تهرطق الكنائس الاخرى ، ولكن الان لا ترى الا أختلافات طفيفة سببها لغوي أكثر من غيره في النصوص الايمانية ،فليست لها موقف للهرطقة تجاه أية كنيسة ،وحتى الملحدين كما تؤكد بنفسك تكرارا هم مقبولين لدى الفاتيكان بوجود البابا الحالي .
وأما المقارنة المكانية تقوم على اساس المقارنة في التعاطي مع الاخريات من  الكنائس الحالية لكي تكون النتائج أكثر موضوعية ، فأضافة لما ذكر من مقارنة الاخ كاثوليك عن تغيير اللغة عند الاقباط والارثودكس بدون وجود وزارة المستعمرات ،فقارن كيف الاقباط الارثودكس لا يقبلون معمودية الكنائس الاخرى ولا تقبل أن يتناول أحد في كنائسهم من غير الاقباط الارثودكس ، أ ليست هذه هرطقة واضحة للكنائس الاخرى لانها لا تتفق وأيمانها ،في حين أن تعليمات الفاتيكان لا تقر ذلك . وهناك أمثلة متعددة لا اريد الاطالة .
فأذن زميلي العزيز معالجتك لظاهرة وزارة المستعمرات  كما تُسميها ودورها في تردي أوضاع الكنيسة الكلدانية هي الاخرى أحادية التفسير ومنطلقة من التفسير القديم كما وضحت عن دور البطريرك مار لويس تماما ولا أريد أن أكرر المثال في المقدمات والنتائج الاستنباطية التأملية .فتدخل الفاتيكان في شؤون الكنائس الاخرى هو تدخل أداري ، وهذا ما لا استسيغه أنا أيضا ولا أقبل به وبالاخص في الابرشيات المنتشرة خارج حدود الجغرافية التقليدية للكنيسة الكلدانية ، مما يخلق نوع من التناقض والارتباك في الادارة ،وسبق كتبت مقالا خاصا عن الموضوع . ومن تلك التدخلات تعيين الاساقفة والموافقة على تعيين الكهنة في ابرشيات الانتشار ،أما الموافقة على ما يجري في الكنيسة الكلدانية من قبل مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان فهي ناجمة عن الاتفاقات المبرمة بينها ،وهذا لا يعني أنها ستبقى ثابتة ما عدا الشراكة الايمانية ،فالمستجدات والمتغيرات ستكون المسؤولة عن تغييرها ،وكما تبين من السينهودس البطاركة الشرقيين التابعين لروما ومن الكلمة الختامية لهم هناك أشارة لاعادة النظر بالقوانين التي تنظم العلاقة بين تلك الكنائس والفاتيكان وهذه بالطبع تأخذ وقتا .
موقفك من أبرشية مار بطرس الكلدانية في غرب أمريكا
 مع أعتزازنا الكبير بهذه الابرشية وما تقوم به من أنشطة تُحافظ على التراث واللغة والطقوس ،ألا أنها ليست الابرشية الوحيدة ،التي تم قياس عطاءها بمجموعة محاضرات عن اللغة والطقس ، فهذه تُقام أسبوعيا  في أبرشية مار توما في مشيكن الامريكية ومن قبل أسقفها وكذلك في أبرشية مار توما في استراليا وفي أبرشيتنا في مار أدي في كندا وبملاحظاتي الميدانية شخصيا لها، وما يقدمه الكهنة ومعهم غبطة البطريرك في بغداد بالرغم ما يحيط بهم من الاوضاع الخطيرة وفي ألقوش وعمادية ،وعينكاوة وكركوك ، وما بقاء المطران حبيب النوفلي على كرسي البصرة  مع نفر قليل من المؤمنين الا أشارة واضحة وتحدي واضح للبقاء  على أرض الكنيسة المشرقية ،فكان بالامكان أن يلغي البطريرك هذه الابرشية التي أفتقدت مؤمنيها بسبب الاوضاع المتردية في العراق ألا أنه أصر على أحياء الابرشية ، ،أليست لديكم معلومات عنهم لكي ترى فقط أبرشية مار بطرس التي لا تعد نفسها تابعة للأدارة البطريركية بل الى وزارة المستعمرات التي لا تريدها !!! ؟ أرجو مشاهدة برامج فضائية المخلص وما تبثه أذاعة صوت الكلدان مشيكن لتطلع على واقع الانشطة الطقسية وما شابه من الابرشيات الاخرى.
تشبيه البحث العلمي بكراس القداس
                              ما هذا التشبيه زميلي العزيز ، الاستاذ الجامعي الذي يعد بحثا ,لكي تُثبت علميته ومصداقية نتائجه يخضع الى سلسلة من الاجراءات وكما أيضا تقوم بعض مراكز البحوث بنفس العملية ,وذلك لان الجامعة هي مؤسسة أكاديمية و نتائج بحوثها سوف تستخدم للتنمية بكل جوانبها، فهل كراس أعدته لجنة غير أكاديمية في الكنيسة الكلدانية يحتاج الى الاجراءات المتخذة في الجامعة ،وهل ما نكتبه كلانا في المواقع الشعبية يمر بتلك الاجراءات ، ؟وهل  أذا أصدر حزب سياسي أو مؤسسة ما كتاباً أو كراساً سيخضع الى الاجراءات الاكاديمية؟ ،بالطبع كلا لانها مقتنعة تلك المؤسسة تماما بمحتويات الكراس أو الكتاب . ومع هذا فأن كراس القداس هو تجريبي بحسب بيان البطريركية حين صدوره وطلبت من المهتمين في الاعلام ارسال ملاحظاتهم ،فالاجدر وانطلاقا من هذا الطلب بأمكانك قراءته وارسال تقييمك الى البطريركية .وثم وكما أشار الاستاذ عبدالاحد سليمان في رده" الاخطاء التي أشار اليها الاستاذ سيزار هوزايا أنا شخصيا لا أعتبرها أخطاء بقدر كونها نتاجا طبيعيا للفلتان الموجود في اللهجات المحكية " وهذا ما لا حظت شخصيا بالرغم من محدودية علمي باللغة الطقسية .ولو أن كل ما كشفه الاخ هوزايا هي ترجمة من الارامية القديمة الى السورث الدارجة ،ويعتبرها البعض أنها كلمات عربية ، ولكن بحسب معرفتي ومطالعتي أنها كلمات أكدية ( بابلية وآشورية ) اقتبسها العرب منها وهذا معروف في جنوب العراق .
وأما عرضه الى مجلس الكنائس الشرقية في الفاتيكان بأعتقادي هي مسألة الشراكة الايمانية ،فلابد من التعرف على محتويات الكراس من قبل روما طالما هناك شراكة أيمانية بحسب الاتفاق المبرم لكي لا يتناقض مع الايمان الكاثوليكي المتفق عليه .وهذا هو حال كل الكنائس التابعة لروما .وأما بحسب رأيك تم عرض الكراس الى المجلس وليس لهم دراية باللغة الطقسية الكلدانية ، فلا أعتقد قد قُدمت النسخة بدون ترجمة ،واذا كانت كذلك فأن الكاردينال المسؤول وقع على البياض ، وهذا شخصيا أعترض عليه .أو قد تكون المسألة وجود مخول يتقن اللغة الطقسية لكنيستنا وموثوق لدى الفاتيكان كأستشاري ففي هذه الحالة لا مجال للمناقشة . و لا نعرف وضعية تقديم الكراس فكل التكهنات هي باطلة الا بعد ثبوتها .
اللغة ومسؤولية الكنيسة
                     عادة يلح الدكتور برخو على أن الكنيسة هي المسؤولة الوحيدة لتغيير اللغة الطقسية الى العربية وأخص بالذكر البطريرك ساكو وجيله من الاساقفة والكهنة، وهذا الالحاح أيضا تنطبق عليه في التحليل أحادية التفسير وأستبعاد العوامل الاخرى، فهناك العديد من العوامل التي جعلت الكنيسة تدريجيا وفي بعض الاماكن تستخدم العربية والان الانكليزية والفرنسية وبحسب بلد الاقامة.
سؤال أوجهه لزميلي العزيز ، كنتم من الذين عاصرتم عهد المرحوم البطريرك شيخو، ولك دراية تامة بكنائس الموصل التي كانت تستخدم العربية في الصلوات والقداديس ، اين كان البطريرك ساكو وهو بعده تلميذ في معهد مار يوحنا ؟.والهدف من هذا المثال هو أن الشعب المؤمن كان المسؤول عن استخدام اللغة العربية وليست الكنيسة أو مار لويس وجيله . فماذا تعمل الكنيسة بالمهاجر من القرية الى المدينة وتعلم الاسرة أبنائها العربية لكي تتكيف مع الوضع الاجتماعي للمدينة وتتجاوز الفجوة بين ثقافتها وثقافة أبناء المدينة بسبب الشعور بالنقص الذي ينتاب المهاجر أينما كان ،فماذا تعمل الكنيسة وأن الاسر تبعث بأولادها للقداس ولا يعرفون اللغة الطقسية ، وبالرغم من مناداتها هلموا الى تعلم اللغة وفتح الدورات الصيفية من قبلها ولكن بدون جدوى ، وهكذا حالة تكررت في المهجر الغربي فتعقدت المسألة أكثر .
اذ كانت الاسرة حريصة على تعليم أبنائها اللغة الاثنية فهي تعلم عبر التنشئة اللغة التي نتحدث بها والتي تختلف تماما عن الارامية ، نحن كبار السن لا نفهم شيئا مما يقوله الكاهن أو الشماس ،فكيف بهم يدركونها؟ففي هذه الحالة يفضل الابناء البقاء في البيت أو الذهاب الى أقرب كنيسة لاتينية حيث الانكليزية.فلو بعثنا أولادنا الى الكنيسة وهم يدركون اللغة الطقسية فحتما سوف لم ير غيرها الكاهن لاقامة القداس .
أضافة الى الاسرة ،وجود الدولة أمر أساسي لانعاش اللغة وتعليمها رسميا ، ولكن نفقد الدولة منذ أكثر من 2500 سنة .وثم أن الرغبة الشخصية في تعلم اللغة هي العامل الاكثر أهمية ،فأنعدام الرغبة يعني فقدان اللغة .
في خورنتنا في مدينة هاملتون الكندية ، لاهتمامي بهذا الموضوع الاحظ المؤمنين منقسمين في الكنيسة الى ،مؤيدي العربية ، مؤيدي السورث ،ومؤيدي الانكليزية من الجيل الجديد .ولا نمتلك بناية للكنيسة ،فكيف سيحل الكاهن هذه المشكلة ؟ فاذا أقتصر على الارامية المفروضة منذ بدء المسيحية على الاشوريين والكلدان من قبل المبشرين الاوائل القادمين من سوريا ،فالجميع لا يدركونها وبل الشمامسة أنفسهم ،فيرددونها كالببغاء ، وقد سألت بعضهم عن مدى معرفته بالارامية فيقولوا نرددها وراء الكاهن وبدون أن نفهم ماذا نقول وأعتقد الاغلبية من الشمامسة من هذا الصنف . واذا  يفضل العربية فهناك الجيل الجديد لا يعرفها وأما اذا أستخدم الكاهن السورث فلنا بعض ممن يتقن العربية فقط سنخسرهم لانهم لايستسيغوها .
وهكذا هي بأعتقادي نفس المشكلة في معظم الخورنات ،فكيف يمكن تجاوزها ، هل الاكتفاء بالارامية ولكن بدون تفاعل المؤمن مع الصلات وما يدور في القداس ،فما هي هذه الصلاة التي لا يندمج معها المؤمن فجسده في الكنيسة وعقله في عالم آخر بسبب عدم أدراكه للغة .فالمسألة معقدة أخي الدكتور ليون ليست سهلة ، وعلى من يعرف الارامية لا يدخل في أطار الاسقاط الشخصي بأنه يعرفها فالكل هكذا .
وفي المناسبة كنت أعتقد الى وقت متأخر بأن الاخوة الاشوريين يفهمون هذه اللغة الطقسية ، ولكن بعد أن استفسرت من عينات وأتصلت تلفونيا ببعض من الاساتذة المقتدرين من الاشوريين فكان جوابهم حال العامة والاكثرية من المؤمنين مثل الكلدان ،فما هذه اللغة التي لا نفهمها ؟العربي الامي يتعلم لغته اسريا ،ولكن لو أحد قرأ له قصة من الكتاب أو تلى له من صلاتهم سيفهمها حتما ،واذا فقد استيعاب بعض من الكلمات ،وأيضا الانكليزي والكوردي ،بينما نحن أبناء الاثنيات الثلاث الكلدان والاشوريين والسريان لا نفهم الغالبية العظمى لمفردات هذه اللغة الا باستعمال القاموس.فاذن حاجتنا للقاموس يدل ذلك أنها ليست لغتنا . وأني الان بصدد أجراء دراسة ميدانية على عينة مختارة ومفردات مختارة من القاموس لعرضها لافراد العينة لكي نبرهن مدى أمكانيتهم في معرفة معاني تلك المفردات ومدى أستخدامهم لها في حياتهم اليومية .
فالكنيسة قد تكون أحدى العوامل لكن بتقديري لو أجرينا دراسة ميدانية وأستخدمنا الاحصاء لتبين أن دور الكنيسة سيكون بسيط قياسا للعوامل الاخرى ، أما اطلاق هكذا تأويلات وأفتراضات عن أن الكنيسة وروما هما المسؤولان عن تلكؤ لغتنا وطقوسنا فهذا لا يستند على البرهان العلمي الدقيق .
وهكذا بالنسبة الى الالحان والطقوس ،فنحن نستسيغها لكن الجيل الحالي لا  يتقبلها أطلاقا ، فالاستاذ القدير يوسف شكوانا يقول في تعقيبه للمقال : " ليحكم ضميره من يستمع الى الرابط لترتيلة ( شباح مريا مقدشي ) ،هل هناك أعذب من هذا كي نغيره ومن له مثل هذا ) .أقول لاستاذنا القدير نعم أنا مثلك نقلني الى كنيسة منكيش عند سماعه وكذلك زوجتي ،ولكن ماذا تتوقع من أولادنا عندما تعرضه عليهم لسماعه. فمن أول وهلة سيغلقونه على الفور ، فكثيرا ما أستمع الى مثل هذه التراتيل المسجلة في الكومبيوتر ،وارددها مع نفسي ،فيأتيني صوت من الطابق الاعلى " بابا نحن لسنا في تعزية !!! " فهم لا يتقبلون هكذا أنغام والحان ، بل يتمتعون بألحان معاصرة التي تعبر عن أذواقهم ، فكل شيء في الحياة مرتبط بما يعاصره لا بما يسبقه الاف السنين .
ومن التناقضات ما ورد في رد الدكتور ليون على الاستاذ يوحنا بيداويذ حيث يقول : " لا تقول قال اللاهوت والفلسفة ونحتاج الى محاضرة ومناظرة لان ليس هناك فيلسوف محايد معاصر في الدنيا لا يدين بأشد العبارات كما فعل ( هانس كونك ) ما تقوم به هذه المؤسسة" ويقصد الفاتيكان . يا سلام الكل على خطأ وهانس على صح ،أخي الدكتور ليس بهذه الطريقة نسلط الضوء ونحلل ما قيل عن أية ظاهرة ومنها الفاتيكان ،فهناك المئات على عكس هانس أشادوا بها وأنطلقوا من مبدأ النسبية لتحليل دورها ووجودها عبر الزمن .وثم ليقولها هانس مليون مرة ،ويظل كلامه واستنتاجه نسبي وليس مطلق أو حقيقة طالما لم تقارن بين العديد من الكتابات معها أو ضدها أو محايدة لكي تصل الى النتيجة الصحيحة .فأين الحقيقة عند هانس ؟ وتكفي أشارة واحدة عنه ، بأن تحليله ليس في مكانه عندما يقارن الفاتيكان بالمؤسسة الدينية في السعودية التي لا تعرف الا السيف في تعاطيها مع الاخرين منذ نشأتها قبل 1400 سنة ولحد اليوم أمام الانظار ، بينما قد فعلت الفاتيكان أو كنيسة روما بعض التجاوزات في فترة ما لارتباطها بالفكر البشري لتلك الفترة ، ولكنها لاتساوي شيئا بالنسبة الى ما تقترفه واقترفته المؤسسة الاسلامية عبر العهود المتوالية، وهي معروفة للجميع .فيبدو فيلسوفنا الكبير هانس لم يدرك تماما ماهية المؤسسة الدينية الاسلامية.،وكيف تتعاطى مع البشر في كل الازمان ،بينما الفاتيكان تتقدم بتقدم العقل البشري في تعاطيها مع البشر لحد أن في يومنا هذا تقبل حتى الملحدين الذين سوف لا تتردد المؤسسة الدينية الاسلامية في السعودية من قطع رأسهم لو كانوا في السعودية لحظة واحدة .ما هذه المقارنة زميلي العزيز ؟
وأما هو تناقضك ؟ كيف تشير الى الكاتب يوحنا أن لا يستعين باللاهوت او الفلسفة او المحاضرة بينما انت استعانيت بهانس فهل يحق لك الاستعانة وليوحنا لا .
وأخيرا أقول للأستاذ القدير " لوسيان " الذي عقب على المقال ويؤيد تفسيرك تماما بما قاله في نهاية رده " الطبيب الذي لا يشخص مشكلة المرض بدقة فأنه لن يستطيع أن يساعده ،واذا كان التشخيص خاطىء فأنه سيدمر حياته " . طيب أستاذنا القدير بينما انا اقول ،ان الطبيب الذي يقول أن سبب مرضك هو عامل واحد فأنه سيخطأ  وسيدمر حياته ،فالعديد من الامراض لها أكثر من سبب . فأذا قال الطبيب لمريض في ارتفاع ضغط الدم السبب هو الملح فقط فتجنبه ، بينما الضغوط النفسية والانفعالات والبدانة والتدخين وأمور فسلجية وبايولوجية أخرى لها علاقة بضغط الدم ،الا سيدمر حياة هذا المريض لو أكتفى بالقول السبب هو زيادة نسبة الملح في الدم فقط ؟ وثانيا لا يمكن مقارنة في كل الاحوال الظاهرة الطبيعية والبايولوجية بالظاهرة الاجتماعية ، فالاولى قد لا يكون سبب حدوثها أكثر من عاملين أو ثلاث ،بينما الظواهر الاجتماعية مسؤولة عن حدوثها عشرات العوامل ،وأنما قد يكون هناك قوة لعامل أوعاملين أكثر من الاخرى وتتدخل العوامل بنسب متفاوتة ، ولايمكن تشخيصها الا باستخدام البيانات وتحليلها بالمقاييس الاحصائية لمعرفة نسبة التباين كما أشرت سابقا .كما أن الظاهرة الطبيعية لا تمتلك الاحساس والمشاعر والعواطف كما هو في الظاهرة الاجتماعية.
هكذا أخي الدكتور ليون علينا الاحاطة بكافة جوانب المسؤولة عن الظاهرة ومنها الفاتيكان ولا يمكن أن نجردها من الاوضاع المحيطة بها زمانيا ومكانيا ، فلا يمكن الحكم على الظاهرة ، أو المؤسسة أو الجماعة وغيرها ، واذا لم تنطلق من الزمكان في التحليل فلا يعد بأعتقادي بل بتأكيد علماء الاجتماع  الذين أقتبسوه من أينشتاين سوف لم نحصل على نتائج صحيحة من دراستنا .
ببساطة لا حظ أين هي الحقيقة من خلال الردود ،فمنهم يرون أن ما تفضلت به هو الحقيقة لانه يتفق مع منافعهم وأفكارهم ، بينما هناك منهم أعتبروها أوهام من خلال ردودهم لانه لا تتفق ومنافعهم وأفكارهم ،وهكذا ستكون الردود على مقالتي هذه فستنقسم الى ما أنقسمت في مقالك .فأين الحقيقة يا ترى ؟فالاكاديمي يبحث عنها ، ولا يقول أنا أتكلم الحقيقة والحق .
تحياتي
15 آذار / 2016

72
                           ماذا سيحصل لو شاركت الوحدات العسكرية من 
                                      شعبنا في القتال؟

       د . عبدالله مرقس رابي
           باحث أكاديمي


                       على اثر الغزو الداعشي المتطرف لمدينة الموصل وسهل نينوى حيث الكثافة العالية لشعبنا الكلداني والاشوري والسرياني في بلداته وقراه التي كانت عامرة ومتمتعة بالامان والاستقرار النسبي مقارنة بمناطق أخرى في العراق ، تشكلت مجموعات عسكرية مسلحة تابعة للأحزاب القومية للأثنيات الثلاث لا يعدو تعدادها اكثر من 4000 مقاتل بحسب ما نُشر في الاعلام .ونشرها كان أول خطأ ترتكبه الاحزاب لان من المعروف ما تمتلك الدول أو الاحزاب أو الجماعات من المقاتلين والذخائر وما يرتبط بالشؤون العسكرية يظل سريا.وأن كان هذا الرقم صحيحا أو مقاربا ، يعني أن أحزاب شعبنا تفتقد الى أبسط قواعد الامن العسكري .
وقد أصبح موضوع تسليح أبناء شعبنا مثار أهتمام ومناقشة المهتمين  القياديين والسياسيين والاعلاميين منذ البدء في تدريب القطعات المُشكلة ،ودلت التصريحات والاراء على الانقسام بين الرفض والقبول لتشكيلها. الا أنه بالرغم من ذلك أستمرت في أعداد نفسها والتهيئة للمشاركة في القتال لتحرير سهل نينوى ومدينة الموصل .
سوف لا أتناول الموضوع عسكريا من ناحية الاستعداد للقتال والضبط العسكري، بل سـأتناوله أنطلاقا من المعطيات الديمغرافية والسياسية والدينية والاجتماعية كمتغيرات مستقلة تعتمد عليها مسألة مشاركة المقاتلين في الحرب من عدمه .أي بمعنى آخر ما العلاقة بين هذه العوامل وظاهرة مشاركتهم بالقتال ؟ وما هي التداعيات التي ستفرزها المشاركة في القتال ؟.
أذ لا بد من المؤسسة السياسية والعسكرية أن توليا أهمية كبيرة  للتركيب الديمغرافي في المجتمع فهو أحد المتغيرات البشرية الاساسية التي تدخل في مقومات التخطيط السليم للدولة أو المؤسسات لمختلف أصنافها وبما فيها المؤسسة العسكرية .فمعرفة العدد الاجمالي لسكان البلد لوحده لا يمكن الاعتماد عليه في مسألة التخطيط ما لم تُفصل الخصائص السكانية وربطها بالمتغيرات الاخرى للتوصل الى النتائج الصحيحة وفي ضوئها تُتخذ القرارات .

مدى وحدة هذه القوات
                       بحسب التصريحات الاعلامية التي صرحت بها الاحزاب من الاثنيات الثلاث ،لاتوجد وحدة بين هذه القطعات  وحتى لم تقبل بالتنسيق فيما بينها.فحالها التنظيمي والتعاوني والتنسيقي هو أنعكاس لما هو عليه أحزاب شعبنا من عدم التنسيق ووحدة الخطاب والتعاون والكل يبحث عن الزعامة . ولا تدرك شيء في الاتفاق  بحسب الاكثرية وهي موزعة كالاتي :
1 – قوات حراسات سهل نينوى ، لاتزيد عن 3000 مقاتل ،تابعة لادارة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ،ومرتبطة بوزارة البيشمركة في أقليم كوردستان العراق.
2 – فوج وحدة حماية سهل نينوى   ولا يزيد عددهم عن 260 مقاتل ، بأدارة الحركة الديمقراطية الاشورية ( زوعا ) .وهي مرتبطة بوزارة الدفاع للحكومة المركزية.
3 – كتائب قوات سهل نينوى ولا يزيد عدد مقاتليها عن 100 .بأدارة حزبي بيث نهرين الديمقراطي وبيث نهرين الوطني،وهي مرتبطة بوزارة البشمركة ايضا .
4 – المجموعة القتالية ( دويخ نوشا ) وقد حاولت العثور على عدد مقاتليها فلم أجد وفقا للأعلام أكثر من 12 مقاتل بأدارة الحزب الاشوري الوطني ، وبتمويل ذاتي ، وأذا كان الرقم صحيحا ، فهذا لا يغطي حراسة قيادة الحزب .
بالرغم من أن تسمية هذه القوات موحدة جغرافيا بعبارة ( سهل نينوى ) ، ألا أن ما ألاحظه فعلا هو الانقسام،ليس في الادارة فحسب ،بل في تبعية التمويل التي سيكون لها تبعات سيئة على وضعها القتالي والمستقبلي .الى متى تبقى أحزاب شعبنا لا تدرك معنى الوحدة وأهميتها ؟ فمن المعروف الفئات السياسية أو المذهبية أو الاثنية من الشعب مهما أختلفت ، في حالة الازمات والاضطهادات والحروب يتحدون على الاقل بصف واحد ضد العدو.
فأذن دخول قوات شعبنا بهذه الحالة الانقسامية والتبعية في التمويل  ستترك أثرا بليغا على المقاتلين بمشاركة العوامل الاخرى كما سنرى.ويمتد هذا التأثير الى مابعد تحرير بلدات شعبنا ،لان عامل التمويل سيضطلع دورا كبيرا في مجريات الامور والتنظيم والادارة في المنطقة ،فمن المعروف هناك أختلافات سياسية وأدارية وجغرافية حول المنطقة بين الحكومة المركزية وحكومة أقليم كوردستان ،فالجهتين هما على خط من النار ،فأذا لم يكن هناك تدخلا أمنيا من قبل قوات عسكرية خارجية ستحل الكارثة وتبدأ الحرب من جديد بين الطرفين ،وعليه سيكون مصير قواتنا مجهولا .

ديمغرافية المنطقة
                      تعد منطقة سهل نينوى من المناطق التي تتميز بتباين سكاني كبير ، أذ درجة التجانس فيها تساوي صفر وفقا لدراسات أنثروبولوجية أجراها أساتذة قسم الاجتماع في جامعة الموصل في الثمانينات من القرن الماضي .قد أشارت تلك الدراسات  الى أنها تتميز بتركيبة ديمغرافية في غاية التعقيد، حيث تتألف هذه التركيبة من:
أثنيا :العرب ، الكورد ، الكلدان  ، السريان ، الاشوريين ، الشبك ، التركمان  .
دينيا ً: الاسلام ، المسيحية ، الايزيدية ، وأقلية كاكائية .
وأما التوزيع الاثني على الاديان هو : العرب يتوزعون بين الاسلام  ومنهم السنة الغالبية والشيعة الاقلية ،وقسم من الايزيديين يقرون أنهم من العرب .
الكورد هم من السنة ،والكاكائية والايزيدية .
الشبك  يصرحون بتبعيتهم بحسب الاوضاع السياسية والامنية ، ففي عهد النظام السياسي السابق أعتبروا أنفسهم عرباً،بينما في ظل النظام السياسي الشاذ في العراق ينقسمون بين العرب والكورد وبعضهم يؤكدون بأنهم أثنية مستقلة .
أما الاثنيات الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية كما هو معروف هم من المسيحيين ويتوزعون الى مذاهب كاثوليكية وأرثودكسية ونسطورية .
ماذا نتوقع من المواقف السلوكية لهذه التركيبة الديمغرافية المعقدة  في ظل النظام السياسي المضطرب والصراعات الطائفية والاثنية  لتحقيق أهدافها الجغرافية والسياسية والاجتماعية ؟
كانت منطقة سهل نينوى تتمتع بالاستقرار التام قبل عام 2003 ،فلم تُسجل حوادث صراعية بين الاثنيات والاديان بشكل جماعي في ظل القانون والسلطة القوية للدولة ،وأن كانت بعض الخروقات الفردية تحدث الا أنها ليست بأهمية قياسا للأستقرار والتكيف والعيش المشترك الذي تمتع به سكان المنطقة .
بينما الأوضاع السائدة في العراق عموما بعد العام المذكور توصف كما يأتي: فقدان الامن ووجود اراضي شاسعة خارج سيطرة الحكومة ،  وبروز النزعات القومية والدينية والمذهبية  والصراع على السلطة والتهميش للأحزاب الصغيرة من قبل الاحزاب الكبيرة المستحوذة على السلطة بحسب نظام المحاصصة السيء  ،وتدخل دول الجوار لدعم الصراعات المذهبية، لان الفئات المذكورة في التركيبة السكانية تمتد جغرافيا في البلدان المجاورة مثل المذاهب الدينية والاثنية. وتفشي الفساد في أعلى الهرم السياسي في الدولة والقضاء والتعليم والكساد الاقتصادي الحاد وأنتشار الجريمة وأستمرار الحروب ودوامة سفك الدماء والابادة الجماعية والتهجير القسري.والصراع حول الارض في منطقة سهل نينوى بين العرب والكورد .
وقد مضى أكثر من ثلاثة عشر سنة على هذه الحالة الشاذة والمرعبة أجتماعياً ونفسياً  وأقتصادياً على المجتمع العراقي، وهي فترة تكفي بحسب المقاييس العلمية لتغيير السلوكيات الناجمة من تغيير العقول لانتشار الافكار الدينية المتخلفة التي لاتقبل التعايش السلمي المشترك مع المختلف دينيا.وثم المشهد الدموي اليومي بين أفراد المجتمع الذي يتطبع في أذهانهم  وبالاخص عند الاطفال والمراهقين .  سببت هذه المتغيرات في أنماء وأثارة الغرائز الفردية الجامحة من حيث الحقد والكره والانتقام وحفزت مجتمعة النزعة الحيوانية للفرد العراقي التي تقوده الى ارتكاب السلوك الاجرامي الخطر كلما تسمح الظروف .وتعد الحروب أفضل الاوضاع المناسبة لتفريغ الشحنات العدوانية،وكانت النتيجة  هي أنعدام الثقة بين سكان الوطن الواحد.
وأن كانت هذه الحالة السائدة في المجتمع العراقي عموما ،الا أنه أكثر بروزا وخطورة في محافظة نينوى لتميزها بالتركيبة الديمغرافية المعقدة كما وضحت أعلاه ،أضافة للـتاثيرات الناجمة من السيطرة الداعشية المتخلفة والدموية وما فعلت من ممارسات شنيعة لا يتقبلها العقل البشري المعاصر بحق سكان المنطقة ،فكان لها الدور الكبير في تضاعف أثر العوامل المذكورة في خلق روح الكره والحقد والانتقام بين أفراد المجتمع . 
فأذن ستشارك قوات شعبنا المُشكلة في القتال في بيئة أجتماعية سكانية مشحونة بالعداءات المذهبية والقومية والصراعات على الارض ،ومتشبعة سلوكيا بروح الانتقام وأنعدام الثقة ،أي العدو هو من أهل المنطقة بمعنى بعد أنتهاء القتال سيستمر العيش الى جانب أثنيات شعبنا في بلداتهم وقراهم ،وسيكون الانتقام بمقتضى العقلية الدينية التي تلقاها وهو أمر مشروع بالنسبة الى المتطرفين متى ما تسنح الفرصة  ،فتستمر دوامة فقدان الامن لشعبنا وفقدان الثقة بجيرانه وأستمرارية القلق الاجتماعي .
ومن جهة أخرى ،ستكون الحالة على أشدها خطورة لان القوات القتالية متوزعة في تمويلها وولائها بين فئتين متصارعتين على سهل نينوى نفسه وهما العرب والكورد ،اضافة الى مواقف الشبك والايزيدين من تواجد المسيحيين في سهل نينوى ومطالبتهم بمحافظة تتمتع بأدارة مستقلة ،أو حكم ذاتي في ظل الاقليم أو الحكومة المركزية ،وفي كلتا الحالتين تشكل خطورة على مستقبل شعبنا طالما موضع المحافظة التي يُطالب بها شعبنا هي قلب الحدث والصراع بين العرب والكورد .والمسالة لم تُحسم لحد هذا اليوم .
فأذن نتوقع أن تكون قوات شعبنا الهدف في القتال لانعدام الثقة بين الاطراف المشاركة ، لانهم يتصيدون لبعضهم ،فمن هم موالون للكورد سيكونوا هدفا مقصودا أو عفويا لنيران الجيش والحشد الشعبي والعكس صحيح.أو سيكونوا عرضة لنيران المجاميع الاخرى المشاركة الى جانبهم من سكان المنطقة،ففي كل الاحوال ،ستسهم المشاركة الفعلية لقوات شعبنا بشكل مباشر في القتال الى تعرض مقاتلينا الى النيران للأسباب المذكورة وفي مقدمتها أنعدام الثقة بين المجاميع القتالية التي تنضم معهم ،بدليل أن الحشد الشعبي مُصر في الزحف نحو المنطقة للمشاركة في تحرير الموصل ، واقليم كوردستان من جانبه يُصرح ،أن الاراضي التي تُحررها قوات البيشمركة ستبقى أراضي كوردية.
 
وما العمل؟
                أن وجود قوات قتالية لابناء شعبنا في ظل الاوضاع  السياسية والامنية الشاذة في العراق أمر ضروري وأنما : وفقا للمعطيات المذكورة اعلاه من تعقد الوضع الديمغرافي والاجتماعي والسياسي والامني  وتداخل المتغيرات في منطقة سهل نينوى أرى أن واجباتها العسكرية القتالية أن تقتصر على حماية بلدات وقرى شعبنا المنتشرة في المنطقة بعد تحريرها من البراثن الداعشية .أي يكون موقفها العسكري موقف دفاعي لصد أي أعتداء عليها في المستقبل ،وليس لصالحها المشاركة الفعلية في القتال. واذا تشكلت محافظة سهل نينوى ومنحت أدارة ذاتية او حكم ذاتي لابد أن تُبذل المساعي للحصول على حماية دولية الى أن تستقر الاوضاع الامنية في العراق.
ولا بد من البحث عن طرق موحدة لرفع الروح المعنوية لدى المقاتلين من أبناء شعبنا تقوم بهذه المهام دائرة مختصة لها تحت عنوان ( التوجيه المعنوي ) ،ويعمل فيها أختصاصيون في علمي النفس والاجتماع والاعلام لايجاد برنامج في التوجيه المعنوي يعتمد على الاسس العلمية .
وعليه ، على المسؤولين والقادة الاداريين والاحزاب السياسية أن لا يتسارعوا في أتخاذ القرار للمشاركة من عدمه ،وعليهم دراسة العوامل المؤثرة والتداعيات لمشاركتهم فعليا في القتال بتمعن ودقة ،وأن لا ينطلقوا من نشوة الحماس العاطفي ،بل الانطلاق من التدبير العقلاني وعدم الافراط بأرواح شبابنا .
تمنياتنا لمقاتلينا بالتوفيق في الدفاع عن بلداتنا وقرانا .
8 / آذار / 2016
                                                           
 

73
                                     وجهة نظر
                         حول تدخل البطريرك ساكو في السياسة


د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
               
                         ظهرت في الايام الاخيرة ردود فعل متشنجة وأنفعالية وأخرى معتدلة وبعضها مؤيدة بعد التصريحين اللذين أصدرتهما البطريركية الكلدانية ،الاول بعنوان ( توضيخ حول دور البطريركية الكلدانية وتحركاتها ) والثاني ( المشهد المسيحي في العراق ) الذي جاء على أثر الردود للتصريح الاول. والغريب أن تلك الردود لم تصدر من الجهات المعنية في التصريح الاول ،وأنما من بعض الصحفيين المهتمين بشؤون شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني .
طبيعة المجتمعات
قبل الولوج في ابداء الرأي لابد من توضيح  شيء مختصرعن طبيعة المجتمعات والمراحل التي تمر بها وما يرافقها من المستجدات في ضوء الاحداث المفاجئة على أختلاف أنواعها.
أكد بعض علماء الاجتماع الغربيين على أمكانية تعميم ما يتوصلون من نتائج في بحوثهم الميدانية والنظرية على المجتمع البشري برمته بالرغم من التباين في العناصر الحضارية بين المجتمعات بما فيها القيم الدينية والاجتماعية  والثقافية ،وكما أكدوا على التعميم لتلك النتائج على المراحل التاريخية للمجتمع نفسه .بينما أكد الفريق الثاني - من ضمن مؤيدي هذا الفريق هو عالم الاجتماع العراقي علي الوردي - ، وبعد أن أجريت الدراسات الميدانية المُقارنة في المجتمعات النامية مع مثيلاتها في المجتمعات المتقدمة ، أكد هؤلاء على الخطأ في تعميم النتائج التي توصلت اليها الدراسات عن مختلف الظواهر ،فمثلا لو أُجريت  دراسة عن الشخصية الريفية في أي بلد نام ستختلف نتائجها عن تلك التي ستكون عن الريف الامريكي ، وهكذا عندما أجريت بحثا ميدانيا عن التحضر في مدينة الموصل عام 1994 كانت النتائج والسمات الحضرية لسكان الموصل تختلف الى درجة كبيرة عن تلك التي توصل اليها الباحثون في المدن الغربية  .
وهكذا عن الظواهر التي تهمنا في المجتمع العراقي المعاصر ،مثل مفهوم الديمقراطية ، والمفهوم الديني ،والموقف من السلطة ،وعن دور رجال الدين في المجتمع ،سنلاحظ الاختلاف في النتائج مقارنة مع مثيلاتها من الظواهر في البلدان الغربية . فالدراسات الاجتماعية تشير مثلا عن مفهوم السلطة عند الانسان في البلدان النامية ببساطة الى، أن السلطة هي خارج التفكير الواقعي الايجابي له فنظرته اليها سلبية ، كأنما تريد الاستحواذ على شخصيته وكيانه ، فتلاحظ دائما النزعة العدوانية للانسان العراقي تجاه الحكومة وممتلكاتها ،أو كل شيء يتعلق بها أو يعود اليها ، فليست النظرة اليها بأنهاملك للجميع وتهدف تحقيق المصلحة العامة ،وعند ضعف القانون ووقوع الاضطرابات وفقدان الامن ،أول ما يبادر الانسان في البلدان النامية الى تخريب كل ما يرجع للحكومة . بينما في البلدان المتقدمة تختلف مواقف الانسان عن تلك التي هي في العراق فهم ينظرون الى الحكومة كجهاز من المؤظفين قائم على الخدمة العامة ومن أجل المصلحة العامة وضبط الامن وتنفيذ القانون ،وعليه تلاحظ الانسان العادي يبادر دائما للتعاون مع الدولة في الاخبار عن وقوع الجريمة أو الابلاغ عن أي موقف يتطلب وجود مؤظفي الحكومة .
والاختلاف في النتائج افقيا بين المجتمعات تنطبق على الحالة الاخرى العمودية التاريخية ، أي أن النتائج التي نتوصل اليها عن الامثلة المذكورة اعلاه لو أجريت في فترة زمنية أخرى عن نفس المجتمع ستكون النتائج مختلفة . وهذا يرجع الى المتغيرات الانية التي تتحكم في طبيعة الظاهرة زمانيا ومكانيا ، وأن تلك المتغيرات هي دينامية غير ثابة تاريخيا ومكانيا ، ومن هذا المنطلق دائما يبحث العلماء في العلوم الاجتماعية من  النسبية . وعل هذا الاساس تلاحظ عند قراءتك لاي بحث علمي أكاديمي يعرض منهجيته الباحث ،يجب أن تتضمن احدى خطواته ( تحديد الفترة الزمنية ومكان أجراء البحث ) ليتضح للقارىء أو الجهة المستفيدة أمكانية تطبيق النتائج في مكان وزمان محددين .
وماذا عن دور رجال الدين في السياسة ؟
                                       في مراجعة بسيطة للدراسات الاجتماعية التي تقارن بين طبيعة المجتمعات النامية والمتقدمة ،ستلاحظ أن من خصائص المجتمعات النامية ، لاتزال أسيرة المفاهيم الدينية في تفسير مجمل الظواهر ،ليست السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل حتى الطبيعية منها،اي أن نزول أو عدم نزول المطر لا يزال تفسيره هو مرتبط بارادة الله ،بينما في المجتمعات المتقدمة  تُفسر الظاهرة بعشرات العوامل الطبيعية .
وهكذا يكون دور الدين ورجال الدين عند الانسان الغربي لا يعدو أكثر من تقديم خدمة في المؤسسة الكنسية ،بينما في المجتمعات النامية تعدو ذلك بكثير الى ان تصل لحالة التقديس وبل أنه معصوم من الخطأ . وعليه أن دور رجل الدين في البلدان المتقدمة هو غير ما موجود في النامية منها.وذلك لان المفاهيم الدينية لا تزال متغلغلة في الفكر البشري في المجتمعات النامية والمتخلفة ،مثلما كانت قبل ثلاثة قرون على نفس الحالة في البلدان الاوربية .
ومن نتائج هذا الطغيان للفكر الديني في العقلية الانسانية في البلدان النامية ، أخفاق الحكومات العلمانية التخلص من ربط دساتيرها بالمفاهيم الدينية ، فهي تعدها في ضوء الشرائع الدينية ،فتجد كثرة التناقضات في موادها القانونية ، هذا للحكومات العلمانية ،فكيف ستكون الدساتير التي تتبناها الحكومات المُسيرة من قبل الاحزاب الدينية ؟ في هذه الحالة لاتكتفي السلطات بتشريع قوانينها في ضوء الشريعة الدينية ،بل تتعدى ذلك الى الاستشارة الدائمة لكل حركة بالمرجعيات الدينية ، وأن لم يكن تدخلها السياسي مُعلنا بكل تفاصيل العملية السياسية  مثل أيران،أنما في الخفاء ليست تلك الحكومات الا دمى بيد المرجعيات الدينية، وهذا ما يحدث تماما  في العراق المعاصر .
فالعراق يمر اليوم في حالة شاذة جدا  وفقا للمؤشرات والمعطيات التي ترتبط بالواقع السياسي والاداري والاجتماعي والديني والثقافي والامني والقانوني ، فجميعها في حالة من عدم الاستقرار .فالسياسة شاذة لاستحواذ الاحزاب الكبيرة على السلطة وثروات البلد ، طريق غير واضح للتخطيط الوطني لان الولاء هو طائفي ومناطقي ، المرجعيات تتحكم بزمام الحكم ، نظام المحاصصة الرديء الذي يُرسخ المفاهيم الطائفية والقومية ،ويفرز المواطنين الى أكثرية واقلية ،وأمور سياسية أخرى سيئة للغاية .
وأما الوضع الامني فلكل حزب كبير ميليشية تستحوذ على منطقة ما ، والصراع الطائفي  على أشده ، والضحايا هم عامة الشعب العراقي  وأكثرهم تأثُرا هم المسيحيون والايزيديون ،حيث لكل جماعة أو مكون له مرجعيته وله رجاله المسلحين،وبل الايزيدين نظموا شؤونهم في الاونة الاخيرة وأثروا على الرأي العام العالمي لكي ينظر اليهم أنهم شعب مضطهد ويتعرضون الى أبادة جماعية .وأما المسيحيون فهم منشغلون في التاريخ والاصالة لمن ، وهل ننطلق من القومية لتحريك قضيتنا أم ننطلق من الدين ؟ ولمن الصدارة .فلم يتفقوا على لجنة سياسية مرجعية تُدير شؤونهم لحد هذه اللحظة ، للأسباب المذكورة.
فهل يحق للبطريك ساكو التدخل في السياسة ؟
                                              في مثل البيئة العراقية السياسية التي وصفتها ويصفها الاخرون ، والحالة التي يمر بها المسيحيون في العراق ،بكل بساطة الجواب :نعم .
علينا التمييز بين التدخل الكنسي ورجال الدين في السياسة ،كوظيفة يزاولها أو الانخراط في حزب سياسي معين ،ففي هذه الحالة سيتصف بما نصف السياسي به كمخادع وكاذب وانتهازي ومنافق لاجل تحقيق مصالحه ومصالح حزبه ،. والتدخل الذي يقف عند تقديم المشورة ، والنصائح والمطالبة بحقوق شعبه المؤمن والاستغاثة لرفع الغبن عنه وتحريك قضيته عالميا وتقديم النصح لمؤمنيه والتعاون معهم من أجل أدارة أنفسهم وتمثيل المؤمنين في الحالات المتنوعة محليا ودوليا طالما أن التعاطي مع شعبه هو على الاساس الديني ، فالبطريرك مار ساكو يعمل ضمن هذا الاطار وليس ضمن الفئة الاولى من التدخل كسياسي .
كما علينا أن نميز بين التدخل الكنسي في المعالم الحياتية بمجملها  في القرون الوسطى الى أن تقلص دورها بعد النهضة الفكرية والثورة التكنولوجية ، فذلك التدخل كان طبيعي وفقا للمرحلة التي كان عليها الفكر البشري ، أذ الفكر الديني كان مسيطرا على مجمل التصرفات والعلاقات والظواهر البشرية ، من الاخلاق والسياسة والاقتصاد والادارة وحتى الحروب ،وسبقته فترة الفكر الميتافيزيقي وقبلها الفترة السحرية ،وثم بعد مرحلة الفكر الديني جاءت مرحلة الفكر الوضعي ،فابتعدت الكنيسة من تدخلها بشؤون المجتمع والاقرار بها ، وأنما ظل دورها قائما كما يقلده حاليا غبطة مار ساكو.فلايمكن مقارنة تلك الفترة بما هو دور الكنيسة حاليا .ولو أن طبيعة المجتمع العراقي الان هي شبيهة بطبيعة المجتمع الانساني لتلك الفترة .
أن الظروف السيئة للغاية التي  يمر بها شعبنا المسيحي  في ظل حكومة طائفية دينية لاتعرف الولاء الى الوطن  ،ولان المرجعيات الدينية تلعب دورا كبيرا في تسيير دفة الحكم ، والاضطراب الامني الخطير ويطال أبناء شعبنا المسيحي بالدرجة الاساس ،فنحن بحاجة الى صوت قوي يتميز بأمكانية فكرية عالية تستوعب الواقع ومعطيات التعامل وفقا للمفاهيم الدينية المعمول بها في العراق ،فلا أعتقد بحسب راي الشخصي أكثر من صوت غبطة البطريرك مار ساكو لكي يكون ربان السفينة لكي ينقذ شعبنا بمختلف طوائفه .
أن المرحلة التاريخية التي يمر بها شعبنا المسيحي في العراق هي شبيهة بالحُقب التاريخية التي تعرض لها المسيحيون الى الاضطهادات سواء من الفرس أو في عهد بعض الخلفاء المسلمين ،او الاحداث المأساوية التي تعرضوا اليها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، وكان رئيس الكنيسة هو الذي يدافع عنهم ويخطط ويتشاور ويسغيث ويطلب ويسـتعين بالاخرين دون غيره .
لم ندخل في التاريخ بعيدا كم من البطاركة أستشهدوا وأهينوا من أجل أبناء الكنيسة المشرقية ، بل أكتفي بذكر بطريكين مباركين  ، الكل قد قرأ عنهم وسمعنا من آبائنا عنهم  ،كيف تدخلوا لانقاذ شعبهم المسيحي ،وهما قداسة المرحوم البطريرك مار شمعون بنيامين بطريرك الكنيسة المشرقية ( حاليا الكنيسة الاشورية المشرقية ) كيف تدخل لايقاف المجازر بحق الاشوريين في قوجانس والقرى الاشورية الاخرى فبعث برسائله الى السفراء الالمان والفرنسيين والروس والامراء العثمانيين المحليين والحكومة العثمانية يطلب ويستغيث بهم لايقاف المجازر الوحشية ،وبدون جدوى ، وأخيرا أستشهد غدرا وهو خارج من الاجتماع مع الاغا سمكو من أجل شعبه .وأيضا كيف تعرض المثلث الرحمات قداسة البطريرك مار شمعون أيشاي بطريرك الكنيسة الاشورية المشرقية الى الاهانات والمعانات  والتشريد مع شعبه  وهو كان المسؤول الاول والاخير زمانيا وروحيا عل الشعب الاشوري ، ولعدم تنازله عن السلطة الزمنية بحسب طلب الحكومة العراقية عام 1933 على شعبه صدر قانون النفي بحقه .
نعم أن البطريرك في الكنيسة الشرقية يلعب دورا كبيرا في أدارة شؤون شعبه ،وهذا يتماشى مع البيئة المجتمعية التي يعيش بها مسيحيو الشرق ، فهي لا تزال تتحكم بالمفاهيم الدينية كما وضحت أعلاه ، وأن التعاطي مع شعبنا هو على الاساس الديني وليس على الاثني . وهكذا اليوم ان التعاطي مع شعبنا بكل أثنياته  في العراق هو أنطلاقا من الدين طالما النظام الطائفي الديني هو السائد ، والذي يقوم به البطريرك ساكو ليس أكثر مما قام به الشهيدان في الكنيسة المشرقية الاشورية.
ولكن مع من تتعامل الحكومة والمسيحيون عدة مذاهب ؟
                                                          أن تعدد المذاهب المسيحية حالة طبيعية  وأصبحت واقعية لا محال ،ولكن هل يعني لا يتوجد عوامل مشتركة بينهم وخاصة وهم يتعرضون الى انتهاك حقوقهم بأسم المسيحية ؟ نعم العوامل المشتركة هي أكثر بكثير من العوامل المختلفة . فلا أختلاف موجود برأي، الا الكرسي وبعض الطقوس التي هي من وضع الانسان . ولكن مهما تكن الاختلافات فلابد أن يتحدوا ويتعاضدوا ويتعاونوا طالما أنهم جميعا مستهدفون بأسم المسيح .
وقد شعر البطريرك ساكو منذ تسلمه السدة البطريركية في الكنيسة الكلدانية بأهمية التعاون والمشاركة الفعلية لادارة عملية أنقاذ المسيحيين ،لا بل ذهب الى أبعد من ذلك ، أنه نادى ولعدة مرات بالوحدة وبادر فعلا . والتقى لعدة مرات مع أخوته البطاركة المشرقيين جميعهم للتشاور والتخطيط والدراسة من أجل شعبنا .
وهكذا فأن تحركاته المتعددة عالميا وأقليميا ومحليا على جميع المستويات فاقت التصور البشري عن ما يتوقعه من رجل دين يقوم بها ،وجميعها تصب في خدمة شعبنا والمطالبة بحقوقه ورفع الغبن والاضطهاد عنه ، وهي أصبحت معروفة للجميع وبالاخص المهتمين بشؤون شعبنا من الروحانيين والعلمانيين .
من واجبه أن يتحرك لانه رأس الكنيسة الكلدانية ، وبالطبع فأن مطالبته واستغاثته  لا تكون من أجل ابناء الكنيسة الكلدانية فحسب بل من أجل المسيحيين ، فهل من المعقول أن يصرح يوما ما غبطته بمثل هذا القول " أطالب حماية أبناء الكنيسة الكلدانية " لايمكن أن يعملها ،ولايمكن ان يطالب بتعديل قانون البطاقة الشخصية لاجل أبناء كنيسته فقط دون الاخرين .
ولكن هل ينفرد البطريرك ساكو بتحركاته ؟
                                          كما أشرت اعلاه وواضح للجميع ويُنشر في الاعلام ، بأن غبطته طالب بالتعاون وتوحيد الموقف وتشكيل لجان مشتركة بين المذاهب جميعها ،وأجتمع مع السياسيين والمهتمين بشؤون شعبنا من الاثنيات الثلاث ، ولكن كما يبدو من التصريحين لا يوجد التعاون من بعض الجهات التي لم يعلنها التصريح ، ولا يوجد اتفاق بين السياسيين ،وقد يكون السبب هو التداخل بين الانطلاق من العمل دينيا ام قوميا ،فهذه هي المُصيبة التي أبتلى ويبتلي بها شعبنا من الاثنيات الثلاث ولم يتداركوها بالرغم من المحن التي يتعرض اليها جميعهم .
ومن جهة أخرى لابد أن أحد من الرؤساء الروحانيين أن يُمثل المسيحيين في التحركات الرسمية ،فليس من المعقول أن يحضر كل البطاركة المشرقيين الى لقاء احد المسؤولين جميعهم ،فهذا غير منطقي فلا يوجد اختلاف عقائدي كبير , فالذي يمكن احقاقه من أجل أبناء الكنيسة الكلدانية يشمل ابناء الكنيسة السريانية الارثودكسية وابناء الكنيسة الاشورية المشرقية بشقيها مثلا ، فمطاليبنا واحدة .
أما اذا اراد أحد البطاركة زيارة رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء او رئيس الاقليم فهذا شيء يرجع اليه ، فهل ابوابهم مفتوحة للبطريرك ساكو ومغلقة لغيره من البطاركة مثلا ؟ لا اعتقد ذلك فليبادر الاخرين بمثل هذه الزيارات ويطالب مثلما يطالب مار ساكو ولا أظن أن مطاليبهم ستختلف أبدا . والا فالحاجة الى الاقرار بتمثيلهم أحد البطاركة هي ضرورة قصوى .
وليس  البطريرك ساكو معروفا بتكميم الافواه كما يظن بعض الاخوة ، فطالما هو مُصر في التعاطي مع الاعلام بمختلف وسائله وطرح مشاريعه وخططه ومقترحاته عبر الوسائل الاعلامية لغرض الاستفادة من المهتمين والمتابعين والامثلة على ذلك متعددة لا يسعنا المجال هنا لذكرها ،أضافة الى نداءاته من أجل الحوار والاتفاق بين السياسيين من أبناء شعبنا ،ولكن يبدو كما أشرت سابقا لم يتم الاتفاق بينهم ،وكما يبدو أنهم يرفضون فكرة التصويت بالاغلبية على عمل ما ، فيبادرون ويشجعون الجميع للحضور ، وأنما اذا كان الاتفاق بحسب رايهم فيدعمون الفكرة أما اذا لم يكن المقترح بحسب مصالحهم فيشربون القهوة ويغادرون ,ويقولون أن البطريرك يكمم الافواه ،اذا يتم الاجراء بالتصويت على عمل ما ويتبع الاقلية الاكثرية بحسب الاصول الديمقراطية فلماذا تكمم الافواه ؟
وماذا عن الرابطة ؟
يعتبر بعض الاخوة من المتابعين أن الرابطة الكلدانية التي كانت نتاج لفكرة البطريرك ساكو ومساندته لها لترى النور هي أنقسامية ، لكوني من المتابعين للرابطة الكلدانية منذ وبل قبل تأسيسها ، لم ار مؤشرات التقسيم فيها فهي واضحة من أهدافها وطرحت لعدة مرات اعلاميا فلا حاجة لتكرارها ، وهكذا تبين الانفتاح والتعاون تطبيقا لاهدافها من خلال ما يقوم به المؤسسون لها من تحركات وانفتاح لكافة الأحزاب السياسية لشعبنا من الاثنيات الثلاث ، وابدائهم للتعاون والمساندة المتبادلة بينهم . والسعي دائما لخدمة الكلدان والاشوريين والسريان دون تمييز فهم معهم ، مع الاحتفاظ برموزهم وهويتهم الاثنية كما يُحافظ غيرهم من الاخوة الاشوريين والسريان على رموزهم وهويتهم الاثنية.
ويقولون ما ذا جنى البطريرك ساكو من تحركاته !!
                                               تصور غريب من بعض الاخوة فعلا ، البطريك ساكو ليس رئيسا لدولة وقائدا لجيش جرار ومقاتلين أشداء ،لكي يهدد اذا لم يقتنعوا بما يطرحه ، بل سلاحه هو فكره ومكانته الدينية المسالمة ومحبته المستوحاة من المسيحية . فيطرح ويستغيث ويطالب لعله يجني شيئا لبلده وشعبه ، وكيف لم يجن شيئا ؟ تصورا لو لم تكن تحركاته التي لا يمكننا أحصاؤها جاءت بنتيجة ،كيف كان مصير عشرات الالاف المشردة من بلداتهم من ابناء شعبنا في بداية محنتهم ، الكل يعرف نتائجها ، ولكن يغضون النظر عنها ، بل أنهم يقيسون عدم الجدوى بمتغير واحد وهو عدم الحصول على الحماية الدولية . هذه قضية كبرى ترتبط بالمصالح الكبرى للدول العظمى التي تمنح هذه الحماية كما كانت حماية الاكراد مُنجزا لمصالحهم أيضا .

وما الغاية من التلميح  بقائمة كلدانية من قبل غبطته ؟
                             لا أظن  انها تأتي انطلاقا من التهديد والوعيد كما تصورها بعض الاخوة ، وأنما حالة أنعكاسية شَرطية للتحفيز للمزيد من التعاون بين المسيحيين والاتفاق على صيغة موحدة لانقاذ شعبنا الصامد في البلد الام ،وما المانع بنزول قائمة كلدانية ،فهل نزولها هو طريق للانقسام ؟ لا أعتقد ذلك خذ مثلا الحركة الديمقراطية الاشورية بالرغم من انها هي ضمن تنظيمات شعبنا ومع المجلس الكلداني السرياني الاشوري ،الا أنها نزلت بقائمة مستقلة عن التنظيمات ، وهكذا أبناء النهرين ، فلم يحدث أنقسام أبدا ، فهل عندما يقدم الكلدان الى قائمة مستقلة سيثير الانقسام فهذا الراي غير منصف مع الاسف . نعم أنا شخصيا أعتبره أنقسامي من هو متعصب أو لم يتعاون اي من الاحزاب السياسية من الاثنيات الثلاث من شعبنا ، ولكن اذا جاءت قائمة كلدانية وساندتها الرابطة الكلدانية مثلا  -  هذا تعبير شخصي رجاءا – وتعاونت مع الجهات الاخرى فما المانع يا ترى ؟
واخيرا
      أتمنى من ابائنا رؤوساء الكنائس المشرقية التعاون والمساندة بعضهم للبعض لانهم الجميع ومع أبنائهم يتعرضون سواسية الى الاضطهاد والتشريد والقتل والغبن القانوني من الحكومة والتهميش المتعمد في ظل الظروف الشاذة، ومساندة البطريرك ساكو ، فغبطته يتمتع بشخصية مؤثرة واسعة المعرفة ، ومتعدد العلاقات على المستويات العالمية والاقليمية والمحلية العراقية ، له باع طويل في الادارة والخبرة وما الزيارات المتكررة لغبطته من مختلف الفئات الدبلوماسية والسياسية والدينية الا احد المؤشرات لعلاقته ومعرفته الواسعة .

74
            هل يحتاج شعبنا الى تشكيل هيئة مستقلة شاملة وموحدة
            كما جاء في مقترح أتحاد الادباء والكتاب السريان؟


  د . عبدالله مرقس رابي
      باحث أكاديمي

                     أطلق الاستاذ القدير " روند بولص " رئيس الادباء والكتاب السريان مقترحا لمناقشته من قبل المهتمين،  تحت عنوان " كلنا معا .... كلنا واحد .... تشكيل هيئة مستقلة شاملة وموحدة من أبناء شعبنا " في 5 / 12 / 2015. والمتزامنة مع دعوة لجنة متابعة مقررات مؤتمري أربيل  - جنيف للأبادة الجماعية للاساتذة الاكاديميين والحقوقيين والناشطين من أبناء شعبنا المهتمين بالشأن الانساني والقانوني. وهي مبادرات صميمية تعبيرية عن الحرص على المصلحة العامة لشعبنا بفئاته الاثنية الثلاث ،حيث أنها تعكس ردة الفعل للمهتمين بشؤونه لمدى شعورهم بالالم النفسي لملاحظاتهم الميدانية للحالة المأساوية التي يمر بها شعبنا من التشريد والاضطهاد والانتهاك لحقوقه السياسية والاجتماعية والجغرافية والقانونية والاقتصادية منذ سنة 2003 والى يومنا هذا .
 وقد تمخضت هذه الحالة من ، اللامبالات والاهمال المتعمد الذي لامثيل له من الحكومة المركزية في بغداد، كأنما هؤلاء ليسوا جزءا من الشعب العراقي ، في التعاطي بالجد والاخلاص مع ما يتعرض له شعبنا ،سواء مع المهجرين ،أو في التشريعات المستمرة التي لا تصب في الصالح العام له ،مثل ما جاء في القانون رقم 26 عن البطاقة الموحدة ، وادخال الخمور للمناقشة والتهيئة لمنعها ضمن قانون المخدرات .
ويُضاف الى ذلك الصمت والتماطل الدولي تجاه معاناة شعبنا وأنتهاك حقوقه ،وبل أعتبرت الولايات المتحدة الامريكية مؤخرا وعلى لسان رئيسها ،أن ما يتعرض له مسيحيو العراق لا يدخل ضمن جريمة الابادة الجماعية !!!!! .
فالمبادرة هذه وكما لمثيلاتها التي أُطلقت سابقا هي تعبير للأحساس بالالم والمعاناة والحاجة الملحة الى النجدة والاعتماد على الذات .وبعد أطلاعي على المقترح المنشور في موقع عينكاوة ،سأضع الملاحظات والاضافات التي  لعله قد تساعد في ترسيخ المقترح وبحالة أكثر خصوصية ووظيفية .

أولا: مايخص الجانب التنظيمي للهيئة المقترحة كما جاء في المقترح .
   يتبين هناك بعض التناقضات والتكرار في محتويات الفقرات المقدمة المقترحة ،ففي النقطة الاولى يذكر الكاتب ،أن الهيئة ستكون مستقلة ،وفي نفس الوقت في النقطة الثالثة يذكر أن من ضمن المنضمين اليها سيكون من السياسيين والقوميين ،فهنا لايمكن ان تكون الهيئة مستقلة طالما من أعضائها سياسيون لهم أيديولجيتهم التي تفرضها احزابهم السياسية على توجهاتهم ومواقفهم من الاحداث والظواهر .
واذا كانت واسعة القاعدة ،وسينضم اليها أعداد كبيرة من أبناء شعبنا ،ارى شخصيا أنها ستتحول الى تنظيم سياسي كبير وينافس التنظيمات الاخرى في العمل السياسي ،لان من الطبيعي الهيئة تكون ذات حجم صغير ومحدود من الافراد يمثلون الفئات المختلفة ،كما انها تكون استشارية وموجهة للاخرين .
وجاء في النقطة الثانية ،الهيئة ستكون ذات طابع تنسيقي وبحثي واستشاري في اغلب الاحيان ،ولماذا في أغلب الاحيان ؟هل هناك هدف آخر غير الاستشارة والبحث العلمي ؟ فأقترح أن تكتفي الهيئة بالاستشارة والبحث العلمي والتنسيق فقط لكي تكون ملامحها وأهدافها واضحة كما سابين لاحقا .
لم يقدم المقترح شروط الانتماء الى الهيئة ،حيث أشار في النقطة الثالثة الى أن الانضمام اليها سيكون من النشطاء  وبمختلف الميادين ،مما يوحي هناك الحق لاي شخص الانتماء الى الهيئة بغض النظر عن أختصاصه العلمي ،فهنا ستفقد الهيئة صفتها الاستشارية والتنسيقية والبحثية ، لان الوظائف هذه هي فنية علمية لايمكن لاي شخص مجرد ان يكون ناشطا قوميا ،أو رجلا دينيا ، أو سياسيا  أن يتقنها.ومن جهة اخرى ،قد يكونوا هؤلاء من المنضمين الى الاحزاب السياسية ،وهذا سيتناقض مع استقلاليتها .
أما عن الأهداف المذكورة التي ستتبناها الهيئة ،فهي اهداف فعلية لهيئة استشارية لا غبار عليها وليست لهيئة عامة .وأرى ان النقطة الخامسة منها ،لا ضرورة لادراجها لانها لا تُعد هدفا ،وهي مذكورة في الفقرة الاولى التنظيمية .
وأما عن أعمال الهيئة ،تحتاج الى توضيح وترتيب افضل، فهي مكررة ،فالنقطة الاولى والثانية يمكن دمجها كما يلي : ( أعداد دراسات عن واقع شعبنا في الميادين المختلفة ،الديمغرافية والاجتماعية والامنية والسياسية والاقتصادية والقانونية والعلائقية ،وتقديم التوصيات لتنفيذ المشاريع ) – لان الزيجات والولادات والوفيات والهجرة والتعليم كلها تأتي علميا ضمن الديمغرافية - .
وأقترح أن تكون النقطة ثالثا ، (تقديم الاستشارات في العلاقات العامة على المستوى المحلي والوطني والدولي ) .
كما أرى من الضروري أن تصبح النقطة الرابعة ( تقديم الاستشارات في تشكيل الوفود المتفاوضة والمشاركة في المؤتمرات والندوات ،والمرسلة للتفاوض مع الهيئات الدولية والدبلوماسية في الداخل والخارج ) .وليكون من ضمن الوفود الاختصاصيين بحسب طبيعة الحدث .
وأما النقطة الخامسة مكررة ،يمكن اضافتها الى النقطة الخاصة بتقديم الاستشارات لبناء العلاقات العامة وطنيا ودوليا .
واما عن النقاط الثلاث الاخيرة يمكن دمجها بواحدة كما يأتي ( تشكيل لجان لاعداد الدراسات الاختصاصية في كافة الميادين ،الاعلام ،العلاقات ، التفاوض ، الهجرة ، الاجتماعية والنفسية ، والديمغرافية ،والسياسية .

ثانيا : الملاحظات العامة :
                   أرى تحت هذه التسمية التي جاء بها المقترح ( تشكيل هيئة مستقلة شاملة وموحدة من أبناء شعبنا ) ،وكما جاء في البنود التنظيمية لها ، أنها هيئة مستقلة طوعية واسعة القاعدة من نشطاء أبناء شعبنا ،أنها ليست الا أضافة تنظيم مدني أوسياسي الى التظيمات القائمة للأثنيات الثلاث من شعبنا ،وكما جاء في رد الاعلامي (  أنطوان الصنا  )عن المقترح.
فهناك العديد من هذه التنظيمات وبشكل مُلفت للنظر ،وفي حالة غير طبيعية في عموم المجتمع العراقي ،ومنه بين أبناء شعبنا بأثنياته الثلاث الكلدانية والاشورية والسريانية ،انما تعمل بدون تنسيق جماعي وبروح فردية منطلقة من أن الانجازات التي تحققها ستكسب عطف ودعم العامة من الشعب لتحقيق الطموحات الفردية ( الفرد أو الحزب ) .
فمنذ سنة 2003 والى يومنا هذا هناك وجود كافِ جدا للأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية ،ومعظمها تواصلت بعملها منفردة ،والاخرى فشلت ولا ذكر لها في الساحة السياسية ،.وقد شعرت العاملة منها  الى الحاجة للتنسيق والعمل الجماعي ،فتشكلت هيئات عامة  لتجمع الشمل ، ومنها قد فشلت ايضا ،وأخرى تواصلت مثل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري ،وبعده تشكلت هيئة تنظيمات شعبنا لكي تكون المرجع الاساسي للأحزاب المنضوية تحت خيمتها ،ولكن تلكأت عن عملها لاستفراد بعض من الاحزاب بأتخاذ القرارات وفقا لما تقتنع بها وترى فيها مصلحتها الذاتية .
فالاحزاب السياسية قائمة ، وتضم مختلف شرائح شعبنا الاجتماعية والفكرية ،ولكن قراراتها ونشاطاتها وعملية تعاطيها مع الاخرين ،تأتي ضمن سياقات المصلحة الفردية للحزب ،وهي مُتاثرة بالعقلية الشرقية الباتريركية ( الابوية ) كنظام للحكم الناجمة من تفاعل عدة عوامل أجتماعية ودينية ونفسية وفطرية.فتتمحور كل الامكانت والفعاليات تأييدا للقائد ،فهو الامر والناهي ،بالرغم من الادعاء بالديمقراطية التي تُزين تسميات معظم الاحزاب .
حيث أن القائد لايستطيع التخلص من عقدة حب السيطرة والتحكم بزمام الامور ،ولمجرد تسلمه القيادة ،يتحول تلقائيا الى أنسوكلوبيديا الجامعة للمعرفة بمختلف ميادينها ،فهو يكون بتصوره الاكثر ذكاءا وخبرة وأدراكا للمجريات والمتغيرات ،فهو القانوني والمخطط والمؤرخ واللغوي والمفاوض والسياسي والاجتماعي والنفسي .... الخ .
وفي ضوء ما وضحته ، اقترح :
 أن تُسمى الهيئة المقترحة ( الهيئة الاستشارية ).وهذا ما تفضل به في رده على المقترح ، القانوني الاستاذ (ماهر سعيد متي) ،وكما يبدو هناك تداخل في الموضوع لربما المقصود بالهيئة المقترحة أن تكون استشارية ،ولكن المقترح جاء كأن المقصود  به هيئة عامة في ضوء ما قدمه  .
وعندما يتم وضع هذه التسمية سيكون الانضمام اليها  حصرا من ذوي الاختصاصات العلمية  ذات الصلة بشؤون وأحوال شعبنا ،مثل المختصين ، بالقانون والاعلام وعلم التفاوض والعلاقات العامة والباحثيين الاجتماعيين والنفسانيين والتربويين ،والمختصين في التخطيط المحلي والاقليمي ،أضافة الى الاحصائيين والمختصين في علم السياسة .واما اذا كان الانضمام اليها أي كان مثلما جاء في المقترح فما الحاجة اليها فهم يعملون ضمن الاحزاب والمنظمات المدنية ..
يكون واجبها تقديم الاستشارات بحسب طبيعة الحالة والحدث ،كأن تكون أستشارة قانونية أو نفسية أو تخطيطية أو علائقية أو تفاوضية .اضافة الى القيام بأجراء دراسات أكاديمية منسقة ومعتمدة في مختلف الميادين المذكورة اعلاه تهدف الى تطوير شعبنا ومساعدته للتكيف والتواصل .
ولكي تتحقق شرعيتها ،اقترح أقامة مؤتمر يجمع جميع الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنية وممثلي الكنائس من مختلف المذاهب للأثنيات الثلاث  من أبناء شعبنا . لكي ترجع أليها الاحزاب والكنائس اليها كلما أستوجبت الحاجة ،كما حدث للمادة القانونية ( 26 ) الخاصة بالبطاقة الموحدة ،أو الخمور التي ستُناقش قريبا ،وهكذا في مختلف المجالات ، أو الانضمام من أعضائها الى الوفود السياسية المفاوضة على جميع المستويات وفي كل المناسبات .
تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح لخدمة شعبنا المتألم وربما الاستفادة مما أقترحته.
رابط المقترح
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=798099.0

75
                              رسالة مفتوحة الى السادة
                        نواب شعبنا في مجلس النواب العراقي

د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي

                        أوجه هذه الرسالة اليكم ومن خلالكم لكل المهتمين من الاحزاب السياسية ورجال الدين  بموضوع البطاقة الوطنية بمناسبة أستضافتكم من قبل  لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب  مع ممثلي الايزيدية والصابئة المندائية .في أجتماع عُقد صباح الاربعاء 11/ 11 / 2015في مقرها بمبنى البرلمان .

     أيها السادة المحترمون :
                            أقدر عاليا مساعيكم المبذولة من أجل نيل ِشعبنا حقوقه بقدر المستطاع وبحسب الظروف السياسية المعقدة والقانونية المضطربة غير المستقرة في العراق وانتم بعددكم القليل جدا بين الغالبية العظمى المُسيطرة على زمام الحكم في السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية .وأن المساعي المبذولة من قبلكم هي نتاج للمشاورات التي تُقيمونها مع أحزابكم السياسية والمسؤولين الكنسيين .
وأنما وبحسب ما توصلتم أليه في أجتماعكم الاخير المذكور أعلاه يتبين بوضوح الحاجة الى لجوئكم للاستشارات القانونية  ،أو الى الاختصاصات ذات العلاقة بموضوع المناقشة أو الحدث، أنتم والاحزاب السياسية ورجال الدين .حيث أن أتفاقكم على المقترح الثاني الذي يُشير الى : أو يُضاف الى نص الفقرة المُختلف عليها ( وله حق الاختيار عند البلوغ الشرعي ) ، - كما نُشر في الوسائل الاعلامية - يدل على عدم  الالمام بتداعيات والاثار الناجمة  من أضافتها ، أو الفائدة التي ستتحقق من أضافتها ، بينما المقترح الاول الذي يُشير الى رفض الفقرة بأكملها  هو الهدف  المنشود .
لوعُرضا المقترحان لاعضاء مجلس النواب للتصويت عليهما ، يا ترى ماذا ستكون النتيجة ؟ بالطبع أن الذين وافقوا في التصويت الاول على تثبيت الفقرة سيرفضون مقترحكم الاول لانه لا يخدمهم ، فيلجأؤن الى المقترح الثاني.وأذا تم الاتفاق على المقترح الثاني فهل سنحقق نتائج أيجابية ؟ وهذا ما سأناقشه في هذه الرسالة.
كما هو معروف أكاديميا بأن القانون هو أنعكاس للنُظم الاجتماعية وطبيعة الحياة الاجتماعية ،فتشريع أي قانون لابد أن يُعتمد على المختص في القانون بالدرجة الاساس ،وثم هناك ثمة  أهمية كبيرة لمراجعة الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين لكي يُشخصوا ألابعاد والآثار المترتبة لتطبيق القانون المشرع .وعليه لم تكن كافية عملية عرض المقترح ومناقشة الموضوع مع رجال الدين لوحدهم كما أشار النائب القدير رائد أسحق متي العضو في مجلس النواب في مقابلة معه اجراها موقع عشتار تي في في 11 /11 / 2015.فالموضوع لايخص رجال الدين لوحدهم بل القانونيين بدرجة الاساس وغيرهم من الاختصاصات .
وقد تم مناقشة موضوع البطاقاة الوطنية والمادة 26 الفقرة الثانية قانونيا بعناية أختصاصية فائقة من قبل الاستاذين الموقرين ( ماهر سعيد متي والذي كما يبدو أنه قد تابع الموضوع منذ فترة طويلة ونبه اليه ووضع مقترحاته القانونية ،وثم ما ناقشه أخيرا يعقوب أبونا  في مقالته الموسومة " وأخيرا البرلمان العراقي ينتصر على الطفل العراقي بقانون البطاقة الوطنية ").
أنما لو تم الاتفاق على أضافة عبارة " وله حق الاختيار عند البلوغ الشرعي " الى الفقرة ثانيا من المادة 26 أو بالصيغة الاولى التي رُفضت هي الاخرى ( أن يبقى الاولاد القاصرين على دينهم لحين أكمال الثامنة عشرة من العمر ) بحسب ما صرح به النائب رائد اسحق في مقابلته ،ستبقى الحاجة الى الاستشارة النفسية الاجتماعية لتشخيص التداعيات والاثار المترتبة عن أضافتها،فهنا أسمحوا لي أن أناقش تلك الاثار وهل سنحقق الغاية منها ؟
 
ماهو سن البلوغ وسن الرشد ؟
                                بحسب خبرتي ومتابعة المستجدات عن هذين المصطلحين المرتبطين بعلم الاجتماع الجنائي وعلم النفس الشخصية ،يتبين هناك فرق بينهما .
سن البلوغ : وهو السن الذي يصله الفرد ليميزه  نفسيا وجسديا  عن ما كان عليه قبله،وذلك للنمو والنضج الحاصل في الجهاز التناسلي  تحت تأثير نمو الغدد المسؤولة عن العملية الجنسية ، وقدرة الفرد من كلا الجنسين  على أداء العمل الجنسي ،وقد يُشخص النضج الجنسي من خلال ظهورالعلامات الطبيعية البايولوجية التي تُعبر عن  معالم الرجولة عند الفتى ومعالم الانوثة عند الفتاة والتغيرات النفسية  والاجتماعية المصاحبة للتغيرات الجسدية .
ويتباين سن البلوغ والنضج الجنسي لتأثير عوامل مهمة يتعرض لها الافراد ، وأهمها البيئة المناخية ،حيث توصلت الدراسات المُقارنة الى أن الذين يعيشون في المناطق الحارة أسرع نضجا من الذين يعيشون في المناطق الباردة ، فهناك ارتباط بين درجة الحرارة والنضج الجنسي ، فكلما أرتفعت درجة الحرارة تتسارع عملية النضج الجنسي. وعلى هذا التباين أختلفت المجتمعات في تحديد سن البلوغ وثم سن الرشد .ومن العوامل الاخرى نوع التغذية التي يتلقاها الاطفال ، فالمعاناة من سوء التغذية سيؤدي الى تأخر سن النضج والعكس صحيح ،اضافة الى العوامل الوراثية ،وتعرض الاطفال الى الامراض المختلفة .
يرتبط مفهوم البلوغ الشرعي عند الاسلام ، والذي وُرد في المقترح الثاني ،بسن البلوغ الجنسي ،فالبلوغ الشرعي للذكر هو من أكمل خمسة عشرة سنة قمرية لظهور علامات الرجولة لديه لبلوغه الجنسي.أما  البلوغ الشرعي عند الفتاة بأكمالها تسعُ سنوات قمرية ، حيث تظهر علامات البلوغ الجنسي لديها.وهناك شبه أجماع لدى المفسرين والفقهاء والمذاهب الدينية الاسلامية.
أما سن الرشد : وهو السن الذي يبلغه الافراد من الجنسين بسبب النمو العقلي الذي يمنحه الاهلية في تحمل مسؤولية الفعل الذي يقوم به سواء كان سلبيا أو ايجابيا في تأثيره على المجتمع ،وعليه يتحمل المسؤولية الجزائية وفق أحكام القانون الجنائي ،لانه يتميز بالقدرة على الادراك الذي يتضمن معنى الرؤية والبصيرة والعقل ،حيث تكتمل معالم الشخصية الاجتماعية لديه .
ويتراوح سن الرشد العقلي بين من أكمل 18 – 22  بحسب طبيعة القوانين العاملة في البلد .فمثلا يتباين القانون بين البلدان في السن الذي يسمح به شرائه لعلبة السكائر أو التردد الى محلات الخمور أو محلات القمار، وفي تحديد المسؤولية الجنائية.

  حق الاختيار عند البلوغ الشرعي
                                      لم يُشير الخبر الذي أعلن عن أجتماعكم مع لجنة الاوقاف النيابية الى ماهية البلوغ الشرعي وما هو السن المحدد له. فاذا كان غير معروف لديكم فهذه مصيبة ،أما اذا تم أعلامكم به ،فهل أدركتم ماهي الارتباطات القانونية والتأثيرات النفسية وتداعيات الظاهرة بمجملها ؟وقد كانت محاولة ذكية من لجنة الاوقاف النيابية لوضعها أمامكم المقترح هذا ، لانهم يدركون تماما أيجابياته بالنسبة الى من يقرون في أسلمة الاطفال تلقائيا أذا أعتنق أحد الوالدين الدين الاسلامي . ولربما تسألون لماذا ؟
البلوغ الشرعي للفتاة عند الاسلام هو كما أشرنا اعلاه من بلغت التاسعة من عمرها معتمدين في ذلك على البلوغ الجنسي وهذا ما أقرته الشريعة الاسلامية ،الذي يتناقض تماما مع سن الرشد في القوانين الوضعية،بمعنى أن الفتاة البالغة من العمر التاسعة غير مكتملة شخصيتها الاجتماعية ولا تدرك وتميز بين الافعال التي تؤديها حيث لا تتمتع بالنضج العقلي والفكري، فهي لا تزال تحت تأثير عقلية الطفولة المتأخرة والمراهقة.
وهكذا بالنسبة الى الفتى فبلوغه الشرعي هو عند أكماله السن الخامسة عشرة ،فهو الاخرتحت تأثير فترة المراهقة وعدم النضج العقلي ليُميز بين الافعال ليحدد مواقفه الصحيحة ،حيث تُشير الدراسات الى عدم وجود علاقة بين النضج الجنسي والنضج العقلي الذي يؤهل الفرد لكي يتحمل المسؤولية .فالبلوغ الشرعي عند الاسلام مبني على أسس غير علمية وموضوعية  .

أين هي المشكلة ؟
                   بحسب المقترح الثاني على صيغته المُعلنة ،يدل على أن الابناء القاصرين سيبقون بدون هوية دينية الى حين بلوغهم الشرعي ،ولكن هل وضعتم في الاعتبار رعاية القاصر لحين بلوغه ومساءلته لكي يختار دينه؟
قانونيا  ، القاصر في حالة الطلاق بين الزوجين يكون في حضانة الام اذا هيئت له مستلزمات الحياة للعيش الملائم ، وان لا تكون منحرفة ،أو لها خلل عقلي ،أو مرض نفسي بحيث تؤثر في عملية التنشئة.فما هي المخاطر والاثار النفسية والاجتماعية المتوقعة اذا بقي القاصر في حضانة الام التي طلقها زوجها لانها أعتنقت الاسلام  ؟ بالطبع وكما هو معروف علميا وفقا لمفاهيم علم النفس الاجتماعي أن الفرد يولد وعقله صفحة بيضاء ،وتبدأ الطباعة على هذه الصفحة من خلال التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها من الاسرة منذ نعومة الاظافر ،فتتكون عقليته وتتشكل معالم شخصيته الاجتماعية وقيمه وتقاليده ومفاهيمه الحياتية  بما فيه القيم الدينية من خلالها ،وتبقى ملازمة لفكره عند البلوغ ومن الصعوبة تغييرها . فكيف ستكون الحالة القيمية للقاصر وهو يعيش منذ الطفولة أو الولادة في أحضان أم أعتنقت الاسلام وزوجها مسلم ؟ بالطبع سيختار يوم المساءلة الدين الاسلامي .
وهكذا لو كان الذي أعتنق الاسلام هو الاب ، واحتضن القاصرين ويتزوج من مسلمة ، فيعني ذلك بأن هؤلاء القاصرين المُؤجل أختيارهم للدين سيعيشون في حضانة عائلة مسلمة ،وتنطبق من الاثار المترتبة نفسها تلك التي أشرت اليها اعلاه .
 وأما اذا أسلم أحد الوالدين ولهم من الابناء القاصرين ،وحدد القانون لرعايتهم وحضانتهم ( الرعاية البديلة )وقد تكون مؤسسة حكومية أو أسرة أخرى ،وفي هذه الحالة سيتمخض عنها مخاطر نفسية وأجتماعية أيضا لان دولة مثل العراق تعد الاسلام الدين الرسمي لها ،فحتما ستكون التنشئة التي يتلقاها القاصرون في مؤسساتها وفقا لمفاهيمه وشريعته .وهكذا لو كانت الاسرة البديلة تدين بالاسلامية.
فهل وضعتم بالاعتبار مكان تواجد وأقامة ورعاية القاصر بعد الطلاق لاسلمة أحد الوالدين ؟ فهي مسالة أساسية مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية التي تصقل شخصية الفرد وتؤهله  لتحديد مواقفه الدينية والسياسية والاجتماعية والغذائية والتعلمية والمهنية .
أما جدلا لو وافق مجلس النواب على بقاء القاصر مسيحيا أو يزيديا أو صابئيا لحين بلوغه سن الرشد القانونية .فهل تم تحديد مكان أقامته أو رعايته أو حضانته؟ وهل المقصود بقائه على دينه رسميا لتسجيله في بطاقته المدنية فحسب ؟ وماذا سنجني من مجرد التأشيرة في الهوية ؟وننسى ما ذكرته أعلاه من الارتباطات في الحضانة والتنشئة .فالمسألة الاساسية هي مع من سيعيش هذا القاصر وماذا سيتلقى من التنشئة والمفاهيم الدينية ؟ فاذا عاش مع أمه المسلمة والمتزوجة من مسلم ،أو ان يعيش مع أبيه المسلم المتزوج من مسلمة،فلا جدوى من تسمية دينه في البطاقة المدنية ،وبعدها حتما سيتأثر بما تلقنه من الوالدين الجدد فسيغير الدين المسجل على الورق بالذي تلقاه في تنشئته .

ايها السادة نوابنا الاعزاء
                            من المعطيات الواردة أعلاه والمستنتجة من الدراسات النفسية والاجتماعية ،أرى لا جدوى من المقترح الثاني . وحتى المقترح الذي سبق وأن رُفض والذي يؤكد على بقاء القاصر على دينه لحين بلوغ سن الرشد . بل الاصرار على ألغاء الفقرة ثانيا من المادة 26 هي الحل ، وهذا يعتمد على أمكانات القانونيين من أبناء شعبنا والاحزاب ورجال الدين من الطوائف الدينية المشمولة لكي يسعون الى طرح المسألة للراي العام العالمي الشعبي والرسمي .
وثانيا ، أنكم ممثلو شعبنا فهذا فخر لنا جميعا وفي ظل أوضاع متردية سياسيا وقانونيا وأمنيا وأجتماعيا ،ولكن المطلوب منكم الاستعانة في مثل هذه الحالات وغيرها باصحاب الاختصاص والذين يتمتعون بخبرة ودراية بأبعاد الظاهرة ، فهنا في هذه الحالة أن الادراك والشمولية في الدراية بابعاد المشكلة هي في مجملها عند القانونيين والنفسانيين الاجتماعيين أكثر مما تكون عند السياسيين ورجال الدين ،فلا يعني أن الظاهرة هي من أختصاص رجال الدين لان المسالة ترتبط بتحديد دين القاصر .
لكي تحققون النتائج المرجوة من لقاءاتكم مع أصحاب الشأن والقرار وفي اللقاءات مع المسؤولين لطرح قضايا شعبنا ،الاستعانة بأفكار المختصين من أبناء شعبنا حتى لو كانوا من المستقلين ومن أية أثنية،سواء في الداخل أو الخارج ،ويفضل أن يتضمن تشكيل وفودكم منهم ،فلغتهم في الحديث تختلف عن غير المختص وعن السياسي .كما تفضل به الاستاذ بطرس نباتي في مقالته الموسومة" خبر آخر لا يقل عن أسلمة القاصر"( أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات ورجالات الكنائس والاحزاب وومثلي شعبنا الذين لا يتمتعون بأية كفاءة قانونية أولا ،وترفعهم عن الاخذ براي القانونيين وطلب مشورتهم أو حتى الاستعانة بهم ) .واضيف الى القانونيين الاختصاصات الاخرى المختلفة التي تستوجب الحاجة اليهم في بعض الحالات.
فهناك العديد من الاختصاصيين القانونيين والنفسانيين والاجتماعيين وفي اختصاصات أخرى أذا استوجبت الحاجة ،. أعرف شخصيا العديد من طلبتي الاعزاء  الخريجين الباحثين الاجتماعينن من أبناء بغديدا وتللسقف وبرطلة والموصل من أبناء شعبنا ، والعديد من الاساتذة المختصين في القانون وعلم النفس والاجتماع في مختلف الجامعات العراقية شمالا وجنوبا من أبناء شعبنا أيضا .فلماذا لم تُستغل أمكاناتهم العلمية والمعرفية ،فهل يُشترط الاستعانة بهم أن يكون منتميا الى حزب ما ؟
وأخيرا تقبلوا تحياتي وتنمياتي لكم بالنجاح والموفقية لخدمة شعبنا .
د . عبدالله رابي
كندا في 14 / 11 / 2015
 
 
                   

                                       

76
                          السينودس يُقرر والاسقف لا ينفذ


      د.عبدالله مرقس رابي
        باحث أكاديمي     

                         في الخبر المنشور بعنوان " تصريحات مهمة للمطران مارفرنسيس قلابات حول السينودس الكلداني الاخير " من قبل الاعلامي فوزي دلي ضمن مقابلة أجراها الاعلامي شوقي قونجا في اذاعة صوت الكلدان التي تبث من مدينة ديترويت الامريكية حيث ابرشية مار توما الكلدانية ،وذلك في 13/ 10 / 2015 والمنشورة على موقع مار أدي وعينكاوة ومنكيش .
جاء في الخبر أن سيادته تطرق الى أهم المفاصل الاساسية التي ناقشها الاساقفة الاجلاء .وبعد أن أستمعت الى اللقاء المذكور ، تبين من تصريحات سيادة المطران مار فرنسيس راعي ابرشية مار توما في امريكا ،أن جوا من الاخوة والمحبة والتفاؤل ساد بين السادة الاساقفة المشاركين في السينودس ،ويوحي من ما طرحه أن العديد من المشاكل العالقة والمسائل المهمة تمت معالجتها بالروح الاخوية ، وهذا ما نتمناه جميعا لكنيستنا الكلدانية .
أنما الذي أثار وشدّ أنتباهي كباحث أجتماعي ، ما جاء خلال حديث سيادته عن الابرشيات وتعاونها ،ما أكده بصريح العبارة " المطران مار ربان القس راعي أبرشية  - العمادية وزاخو متحدة  - لم يقتنع بالرابطة الكلدانية " . ولم يتضح فيما اذا لم يتعاون فعليا لدعم المهتمين في ترسيخ وتفعيل أهداف الرابطة ،فلوظهر عدم القناعة والتعاون والدعم لها سيؤدي الى مضاعفة الموقف السلبي نحو الرابطة الكلدانية ،وسيكون مؤشرا مهما في أحباط  دورها في الابرشية .
أنطلاقا من القانون رقم 15  بند 3 من مجموعة القوانين الكنسية الخاصة بالمؤمنين وما لهم جميعا من حقوق وواجبات ،والذي ينص : " ولهم الحق ،بحسب ما يتمتعون به من علم وأختصاص ومكانة ،بل عليهم أحيانا الواجب ، أن يبدو رأيهم لرعاة الكنيسة في الامور المتعلقة بخير الكنيسة ، وان يطلعوا سائر المؤمنين على هذا الراي مع عدم الاخلال بسلامة الايمان والاحترام الواجب للرعاة ومع وضع المصلحة العامة وكرامة الانسان في الاعتبار " أنطلاقا من هذا القانون سأناقش الموضوع وأطرح رأيي حول الامور التنظيمية ، أما اللاهوتية فليست من أختصاصي .
يوحي من عدم قناعة المطران مار ربان القس بالرابطة الكلدانية،  أن سيادته لا يُعير أهمية لتأسيس الرابطة ،وأنه غير مُستعد للتعاون مع ذوي الشان في تطويرها ودعمها ضمن الاطار الجغرافي لرعيته.وهذا ما يحصل بحسب معرفتي في بعض الابرشيات والخورنات الاخرى ،وعليه سيكون تحليل الموضوع شاملا وعاما لاية أبرشية أو خورنة لا تتعاون لدعم الرابطة . وساناقش الموضوع من الجانب التنظيمي  في الكنيسة لغرض تبيان الاهمية التنظيمية والقانونية في المؤسسة الكنسية ،مُنطلقا من القوانين التي تخص السلطة في الكنيسة وتنظيمها .
ينص القانون الكنسي رقم 56 على " البطريرك هو أسقف له السلطان على جميع الاساقفة – بما ذلك المتربوليت – وعلى سائر مؤمني الكنيسة التي يرئسها وفقا للشرع المعتمد من قبل سلطة الكنيسة العليا " .القانون المذكور واضح في محتواه ، أي لابد للأساقفة أبداء الطاعة والاحترام للبطريرك بتخويل من سلطة الكنيسة العليا وليس له خيار آخر .فما هو موقف الاسقف  أو الكاهن الذي يُخالف ما يقره البطريرك وبالتداول مع الاساقفة جماعيا ؟.
وجاء في قانون 110 البند 1 " من أختصاص سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية دون سواه سن قوانين  للكنيسة البطريركية بأسرها ،تصبح  نافذة وفقا للقانون 150 البندين 2 و3 ( المتعلقان بالابرشيات الخارجية ) " .ويؤكد القانون 182 البند 1: من صلاحية اساقفة السينودس ترشيح وانتحاب الكاهن ليكون أسقفا . مما يدل بوضوح أن الاسقف هو جزء من السينودس وليس خارجا عنه .
ووفقا لمعطيات هذين القانونين ،أن ما يتفق عليه ويقره سينودس الاساقفة جماعيا أو بحسب  مبدأ الاكثرية  المعروف  في الفصل بين الاراء والمواقف  ،هي قوانين أو تعليمات تصبح نافذة ،وعليه وجوب على الاساقفة المشاركين في السينودس تنفيذها . ولما كان موضوع الرابطة الكلدانية مُدرج ضمن أعمال السينودس الاخير ،ومن حديث المطران مار فرنسيس تبين مناقشته ، وأن الموضوع قد حُسم بالاكثرية لدعم الرابطة . وطالما الاكثرية متفقون ، فلابد من المعترض أن ينفذ رأي الاغلبية لانه شُرع قانونيا ،مع حقه الاحتفاظ برأيه عن الموضوع .
ومن القانون رقم 178 " الاسقف الايبارشي ، اي من يُعتمد اليه برعاية الايبارشية باسمه الشخصي ، يحكمها كنائب المسيح ومندوبه ، والسلطان الذي يقوم به شخصيا باسم المسيح تحكمها في نهاية الامر سلطة الكنيسة العليا ،ويمكن أن توضع لها الحدود في سبيل منفعة الكنيسة أو المؤمنين " . يمكن أن نستشف بوضوح ،بالرغم من السلطة المخولة للأسقف على أبرشيته  باسم المسيح ،ألا أنها ليست سلطة مطلقة ،لان القانون صريح في تتويجه بفقرته الثانية بقول المُشرع : أن سلطته في نهاية الامر تحكمها سلطة الكنيسة العليا ويمكن ان توضع لها حدودا .اي أن كلما رأت السلطة العليا أن سلطة الاسقف قد خرجت عن السياق الذي تُقره  فيجب وضع  حدودا له . فلو لا وجود هذه الفقرة المتممة لنص القانون لسادت الفوضى والاجتهادات الشخصية في الكنيسة وانشطرت على نفسها بعدد الابرشيات.
فأذن ، ما أقره السينودس كسلطة أعلى من الاسقف في الكنيسة ، يمكنه أنه يحدد سلطة الاسقف في ابرشيته ويُلزمه أن ينفذ ما توصل اليه ، لان سلطته هي غير مُطلقة ونهائية .وبما يتعلق بالرابطة الكلدانية ، هناك القانون رقم 203 البند 3 الذي يدعم رأينا ،حيث ينص  " على الاسقف الايبارشي تشجيع جمعيات المؤمنين التي تسعى الى هدف روحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، وذلك اقتضى الامر بانشائها ،أو اعتمادها ،أو الاشادة ،أو التوجيه بها وفقا للقانون " فيمكن اعتبار الرابطة جمعية من تلك الجمعيات التي تُحقق هدفا روحيا بطريقة غير مباشرة كما يؤكد القانون أعلاه ،والقانون واضح  في أقراره وجوبا على الاسقف تشجيع جمعيات المؤمنين .
فالرابطة الكلدانية  هي جمعية في الكنيسة الكلدانية  تسعى  الى هدف روحي بطريقة غير مباشرة على أقل أحتمال ،لان اهدافها تصب في خدمة المؤمنين وتقوية ارتباطهم ببعضهم وبكنيستهم ،بدليل ماجاء في نظامها الداخلي أنها لاتخرج عن التعاليم الكنسية في أنشطتها وفعالياتها ، وعلى سبيل المثال ، أليس أستنكار الرابطة ببيان من رئاستها على ما اقره مجلس النواب العراقي مؤخرا عن اسلام الابناء تلقائيا عند أسلمة أحد الوالدين ؟ اليس ما جاء في أهداف الرابطة من أحياء التراث الكنسي والاجتماعي من الطقوس والشعائر تُعبر عن السعي لاهداف روحية بطريقة وأخرى ؟ .
وفقا للقوانين الكنسية المذكورة ،يتم عقد اللقاءات السينودسية الدورية للأساقفة ،والاسقف هو جزء منه وهو ملتحم معهم جماعيا ،فوجود السينودس دلالة على وجود قيادة جماعية للمؤسسة الكنسية ،حيث ان السينودس هو الذي يُقرر ويُشرع ، ومن الطبيعي في مثل هكذا  تنظيمات مؤسساتية التي تمنح السلطة لجماعة قيادية في الاقرار والتشريع ،سيكون الاقرار عن طريق التصويت  على المقترح المدون في جدول الاعمال .وقد يحدث الاختلاف في الرؤى والمواقف ،ولانها قيادة جماعية ، لابد أن صوت الاغلبية سيكون هو الحائز وفي ضوئه سيتم الاقرار وتتبعه الاقلية ، وهذا يعني بوضوح ألزام الكل بتطبيق ما أُقر من القوانين والتعليمات في السينودس .وهكذا يتحقق الاستقرار والنظام في المؤسسة، وتقضي على الفوضى والاجتهادات الشخصية .
وما الذي نتوقعه عند رجوع الاسقف الى ابرشيته ويتخلى عن ما أقره المجمع السينودسي الاسقفي ؟
أن التخلي والرفض من قبل الاسقف لقرارات السينودس الجماعية له أبعاده النفسية والاجتماعية والايمانية لدى المؤمنين ،بأعتبار أن أسقفهم هو مثلهم الاعلى روحيا في الابرشية   .فيخلق هذا الموقف الاسقفي حالة من اللاتنظيم في المؤسسة الكنسية ،ويُربك الكنسية من تحقيق أهدافها الروحية ،وكل ذلك يُسبب ردود فعل سلبية لدى المؤمنين ،فيضعف أحترامهم لرجال الدين لعدم مصداقيتهم ، وتزداد ما يُسميه علماء الاجتماع بنميمة المجتمع  والتذمر والاعتراضات المتوالية من قبلهم ، وهكذا يضعف الولاء للكنيسة ، وقد يلجأ العديد منهم الى الكنائس الاخرى ، وهذا ما يحدث فعلا ، لان العصر الذي يعيشه المؤمنون ليس ذلك العصر الذي يؤمن بالفطرة وتقبل كل ما ينطقه الكاهن أو الاسقف بالايحاء اللاشعوري أي بدون التفكير والتحليل لما يستقبل من المعلومات في حياته ، بل يعيشون في عصر المعلومات والخروج من الاطار الجغرافي والاجتماعي والمعرفي الضيق الى عالم الفكر الواسع والنقاش الحر .
وفي مثل هذه المواقف والحالات ، أضع هذه التساؤلات أمام غبطة البطريرك مار ساكو والسادة الاساقفة الاجلاء جميعا :
أذا اتفق المجتمعون في السينودس بالاغلبية على قضية ما ، ويرجع الاسقف ، ويُنفذ مايشاء ويرفض ما يشاء من القرارات  المُتخذة جماعيا ،فما الحاجة الى عقد السينودس الدوري سنويا ؟ وما هي الغاية من المناقشات ؟  وهل يرضى الاسقف اذا رفض أحد من الكهنة في ابرشيته تعليمات ومقررات المجلس الابرشي ؟ .
وماهو موقفه من رأي المؤمنين أذا لم يتفقوا مع ارائه ، أنطلاقا من مبدأ أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين وليست كومة أو بناء من الحجارة ، وتُتلى العبارة في كل المناسبات من على المذبح ، أن الكنيسة هي أنتم اشارة الى المؤمنين ؟ ارى أن لا تُكرر هذه العبارة من قبلهم طالما لا يُعيرون أهمية لما يُفكر به المؤمن ،لكي لا تُفسر " مجاملة للمؤمنين " .
وفي مثل هذه الحالة أقترح ،عدم الاهمال والوقوف ضد القرار وأعاقة تنفيذه  ،بل تكليف من ينوب عنه ،أو اي شخص مسؤول في الكنيسة للعمل على تفعيله ومتابعته  ،بذلك سيحافظ على موقفه ويحترم موقف الاكثرية ، ويخفف من الاثار المترتبة عن عدم القناعة والاصرار على الرأي الشخصي .
وأناشد الاباء الاجلاء من السادة الاساقفة والكهنة ،ولو أنهم يدركون ذلك ولكن يغضون النظر عنها ،هناك ظاهرة تطور العقل البشري،وعلى أثره تغيرت المفاهيم والمواقف والتعاطي مع الاحداث والوقائع ،فالمفروض من كل أسقف وكاهن أن يواكب المستجدات والنسق الفكري البشري ،لكي يتمكن من التكيف والانسجام مع المتغيرات ،ومع العمل الجماعي والقيادة الجماعية ،ويستوعب الاختلافات عند المؤمنين وتوجهاتهم .وهذه المتابعة لا يمكن أن تتحقق الا بالتنشئة الكهنوتية ،حيث يتطلب أحتواء المناهج الدراسية في المعاهد الكهنوتية مواد مثل ، فن الادارة ، فن القيادة ،فن التفاوض ،ليتدرب الاكليروسي للعمل الجماعي في مستقبله الكهنوتي .
كما أقترح أن يتلقى كل من الاساقفة الاجلاء الحاليين والكهنة دورات تدريبية في فن القيادة ، ليتواصلوا مع المستجدات الفكرية التي تخص ادارة المؤسسات ،والا سيبقى هؤلاء الاباء في تلكؤ ويتعاطون مع الاخرين وفقا للاجتهادات الشخصية.
تحياتي ومحبتي للجميع

77
                 ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية الاسلامية؟


الدكتور عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي


          على أثر عدم تمكن نوابنا المسيحيين في مجلس النواب العراقي ،وبالرغم من مطالبتهم بتعديل الفقرة التي تحمي المسيحيين القاصرين في حالة اعتناق أحد الوالدين للدين الاسلامي .على اثر ذلك كتب الكاتب المعروف أنطوان الصنا مقالته عن الموضوع والموسومة ( بأسم الدين والشريعة مجلس النواب العراقي يسلب حريات وحقوق المسيحيين ) ،وتلتها مقالة الكاتب المتميز أبرم شبيرا الموسومة ( بين مذبحة كنيسة سيدة النجاة وقانون البطاقة الوطنية حلقات مترابطة لسلسلة فولاذية) . وقد أبدعا الكاتبان في وضع النقاط على الاحرف بتحليلهما الرائع للموضوع وربط الوقائع والاحداث في عراق اليوم بمسألة تشريع القوانين ونفوذ الاحزاب الدينية المتسلطة على الحكم في العراق .
وما لي أن أضيف على ماجاء في مقالتيهما الا أن أتساءل :ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية الاسلامية ؟

  تشير الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية للشعوب البدائية والقديمة ان السلطة فيها استندت على الحق الالهي أي(التفويض الالهي).ولاتزال بعض القبائل الطوطمية القاطنة في الغابات الاستوائية والجزر النائية تمارس هذا النوع من السلطة .وفي الحضارات البشرية القديمة استند الملوك والاباطرة في سلطتهم على القوة والامتلاك لمصادر الثروة والجاه ,وتأثير شخصيتهم الكارزماتية التي تمتاز بالقابليات الفذة  على عواطف واتجاهات الافراد ومواقفهم ،  مما خضعوا وأدوا الولاء المطلق لهم .وقد ساعدهم في تحقيق هذا الى جانب السيف نخبة من كهنة المعابد الذين لقنوا الناس التعاليم الدينية التي بررت شرعيتهم في السلطة حتى ولو كانوا من الظالمين.
 
 أما في الشرق الاوسط ساد نظام الخلافة بعد انتشار الاسلام والذي يولي الافراد فيه ولاءا دون نقاش فيما يأمر وينهي به الخليفة ، فهو تفويض الهي لايجوز الطعن فيه أبدا مهما كانت النتائج من تصرفات الخليفة , دعم هذا النظام وعاظ السلاطين في خطبهم  ،اذ دعوا الناس بان لايشتكون من الخليفة والسلطان ، وهم دائما كما يقول عالم الاجتماع العراقي (الدكتور علي الوردي)يتزلفون الى الجلاوزة وأصحاب القوة .
وعليه شعر الخليفة أو السلطان من جراء ايحاء هؤلاء الواعظين انه ظل الله على الارض ,حقا له الامر وعلى رعاياه الطاعة العمياء فان عصوا فهم زنادقة ملحدون يستحقون العقاب ، ولاينكر أحد أن العهد العثماني كان من أشد العهود التي شهدها التاريخ عسفا ولؤما ودناءة وسفكا للدماء ,ورغم ذلك كان الوعاظ يرفعون ايديهم عقب كل خطبة يدعون الله أن ينصر الدين والدولة معا.(الوردي- وعاظ السلاطين).وعلى هذا المنوال تعمل الحكومات التي تستند في شرعيتها على المبادىء الدينية وعلى وعاظ السلاطين.
   والان ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية  الاسلامية التي تستند في وضع فلسفتها على كتب التفسير والشرائع الدينية ؟
   الاحزاب الدينية هي احزاب سياسية يحاول أعضائها الوصول الى السلطة تحت الغطاء الديني مستمدة أيديولوجيتها وفلسفتها الفكرية من المفاهيم الدينية ,وتضع برامجها في ضوئها.وطالما يرى كل دين أومذهب في قياساته انه الافضل والامثل بين الاديان أوالمذاهب الاخرى لان مصدرها الخالق .فالمسؤول الروحي لذلك الدين أوالمذهب هو المفوض من الله لتطبيق التعليمات الدينية على الارض .وعليه فان الاحزاب الدينية الاسلامية طالما تستند على التعليمات الدينية  ،فيرى كل حزب هو الافضل والامثل لادارة شؤون المجتمع ,ولاتستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة الا بالرجوع الى المسؤول الروحي الاعلى الولي الفقيه أو أي رجل  ديني آخر لتكون أفكاره هي الاساسية لاصدار الفتاوى للتعامل مع الوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الشخصية في المجتمع، وهذا ما نلمسه من الاحزاب الدينية في العراق فهي موجهة من قبل الفقيه والولي ، بدليل تلقي التعليمات  والمشورة منه بين فترة وأخرى، ومن زياراتهم المتكررة اليهم سواء من قبل رؤساء الاحزاب أو رؤساء الوزراء .
   ان رجل الدين  يستمد أفكاره من الكتب المفسرة لمبادىء الدين وتعليماته ,والكتب المفسرة ,ما هي الا محاولات اجتهادية لاشخاص لايختلفون عن غيرهم من البشر لهم ميولهم وقيمهم وتنشئتهم الاجتماعية وظروفهم المجتمعية العامة التي تأثرت في أفكارهم وفلسفتهم بشكل وآخر.والاهم من ذلك ، لهم ماهو مكبوت في العقل الباطني من الرغبات التي لايتمكنوا من تحقيقها في حياتهم ,وعليه تعكس تلك الرغبات الشخصية في كتاباتهم ومواعظهم .مما يؤدي الى الاختلاف في مواقفهم وأفكارهم ,بدليل أن أي كتاب ديني الذي هو الكتاب الشرعي لأبناء ذلك الدين يفسر بطرق مختلفة في أزمنة وأماكن متعددة .
وهذا يدل على أن المفسر لايختلف عن البشر العاديين الا بقدراته العقلية مثله كأي مؤلف لكتاب آخر ,فهو ليس معصوم من الخطأ, وليس هناك مايبرر التفويض الالهي له,ولو كان ذلك واردا لاصبحت تفسيرات الكتب الدينية واحدة في كل زمان ومكان.وعليه يؤدي الوقوع في الأخطاء التي قد تجلب على البشر الظلم ونشوب الحروب للابادة الجماعية .
وهي لاتقتصر على أتباع الديانات المختلفة بل أيضا تنشب بين أتباع الدين الواحد وفي المجتمع الواحد.وماحصل في المجتمع العربي الاسلامي بعد الثورة على الخليفة عثمان بن عفان وبعده الصراع الذي وقع على السلطة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (الوردي – وعاظ السلاطين). والى يومنا هذا لاتزال أثار ذلك الصراع قائمة بشكل وآخر .وخير مثال على ذلك مانلمسه في بلدنا العراق اليوم والذي ماهوالا امتداد له ,وحصيلته ان الشعب العراقي يقع ضحية للصراع على هذه السلطة التي يدعي كل طرف انه المخول من الله للحكم على البشر وله الاحقية في السلطة.
    وماذا نتوقع من الاحزاب الدينية الاسلامية التي تبني فلسفتها السياسية على مبادىء لاشخاص فسروا الكتب الدينية التي لاجدال حول محتوياتها قبل الاف السنين .فهي تعتقد ,أي الاحزاب الدينية, ان السلف الصالح كان معصوما من الخطأ والعيب .وبهذا يريدون كل أفراد المجتمع أن يكونوا من طراز الخلق الصالح .وعلى هذا الموجب عليه أن لاننتظر من هذه الاحزاب تحريك المجتمع الى الامام والتقدم به نحو الافضل .
 أكدت الدراسات الاجتماعية ان المجتمعات البدائية التي تؤمن وتتمسك بتقاليد الاباء والاجداد ايمانا كليا لاتخضع الى التغيير والتطور الا قليلا ,اذ أن الحالة تؤدي الى الجمود الفكري، ولايكون التحرك الا في ضوء ما قاله الاجداد .ففي ضوء هذا الايمان  يتبين  ان تاريخ البلاد العربية الاسلامية زاخر  بمثل هذه الحالة ,وبل حتى في العصر الحديث فكل ما اوتي به من الغرب كفر وزندقة حتى لو كان الغاية منه مصلحة المجتمع وتقدمه .
وقد اعترض رجال الدين المسلمين على الاحزاب العلمانية ,واعترضوا على دخول النساء الى المدارس،فمثلا ,رفض رفضا قاطعا فقهاء (نجد)في السعودية عندما أدخل الملك عبدالعزيز سعود في بلاده المدارس الحديثة والمحطات اللاسلكية ,فقد أفتوا ان المدارس الحديثة تعلم الكفر والمحطات اللاسلكية تستخدم الشياطين في نقل الاخبار .(راجع الوردي –مهزلة العقل البشري- لمزيد من التفاصيل ص27 ).
وترفض الاحزاب الدينية الاسلامية  القوانين الوضعية التي تشرعها الحكومات العلمانية طالما أنها لاتستند على الكتب الدينية ,وهذا مايظهر جليا في العراق اليوم بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ،حيث تُرسخ  هذه الاحزاب التخلف ، وأنتهاك الحقوق الاجتماعية والشخصية ،فهي تُحرم وتنهي وتُشرع  القوانين في ضوء ما تعتقد به دون ان تُبالي وترعى المشاعر الانسانية لمن يختلف معها في العقيدة.
 وقد  شملت تشريعاتها المتخلفة ، التعليم ، الاعلام ، القوانين الشخصية ، والمظاهر الحياتية اليومية ،من المأكل والمشرب والملبس والسياحة ،وتوجيه الاقتصاد بحسب رؤيتها العقائدية ، وكان من أجحف ما شرعته هو الاسلام  التلقائي للابناء القاصرين من المسيحيين في حالة دخول احد الوالدين في الدين الاسلامي .
الاحزاب الاسلامية في العراق أرجعت العراق الى عهد الخلفاء بتصرفاتها ونفوذها ولا بل ارجعته الى الحضارات البدائية المتخلفة ،   فماذا نتوقع منها وأن مفاهيمها تتعارض مع الحرية الشخصية تماما ,فهي باختصار مقتضب تؤكد على خضوع الفرد لمبادىء الدين خضوعا كاملا لانقاش عليه أبدا.
بينما تؤكد فلسفة حرية الفرد على حرية التعبير عن الراي,حرية الاعتقاد الديني والسياسي,حرية الاختيار لاسلوب الحياة الذي يراه الفرد مناسبا له من العلاقات الاجتماعية والماكل والمشرب والملبس.وهي تؤكد على حرية المراة ومساواتها مع الرجل واختيارها الحياة المناسبة لها.وتؤكد مبادىء الحرية الشخصية على حرية الاعلام,التعليم,الاقتصاد,الاجتماع , السياسة,السياحة والفن .كل هذه المبادىء تؤكدها المجتمعات والاحزاب الديمقراطية ,في الوقت الذي لاتتناسب وفلسفة الاحزاب والحكومات الدينية الاسلامية .فاذا ادعائها بالديمقراطية ادعاء باطل طالما لا تتوفر مبادىء الحرية الشخصية في فلسفتها .
   أية ديمقراطية نتوقع منها اذا لم تعط الفرصة في دساتيرها على ظهور التنظيمات السياسية التي تستند في وضع برامجها على القوانين الوضعية .وان ظهرت المحاولات الشكلية للديمقراطية فلا تعدو المنافسة بين الاحزاب الدينية نفسها ,وبالتالي فان مرجعها الاساسي هو رجل الدين الاعلى مقاما في البلد فلا يمكن ان يتصرف الحزب في السلطة ما لم يرجع اليه،"كما أشرت أعلاه" . على هذا الضوء يمكن القول لافرق بينها وبين الاحزاب الدكتاتورية التي لاتنافسها على السلطة أحزاب اخرى ,فكلاهما لايعطيان الفرصة للمنافسة السياسية .
   من الخصائص النفسية لمنتسبي الاحزاب الدينية الازدواجية في الشخصية السياسية ما بين الولاء الى الفقيه والعيش والولاء للوطن المحدد .لكن هاتين الظاهرتين متناقضتين ,فالدين لايلتزم بحدود وطنية ,فكل جماعة دينية متطرفة تحاول بكل الاساليب ,حتى الدموية منها في فرض نظام عالمي وفقا لاحكامها الدينية .
فالسياسي الديني يتظاهر بالتقوى ويدعي التدين ,ولكن مع ذلك له اتجاه دنيوي يحاول استغلال المفاهيم الدينية في تحقيق رغباته الشخصيةالمكبوتة في العقل الباطني التي من أهمها حب السيطرة والغاء الاخر والاحقية له في ادارة شؤون المجتمع .متناسيا ان الاخرين أيضا قد تلقوا تنشئة اجتماعية استندت على مبادىء دينية لايمكن التخلي عنها مثله .
   خلاصة القول يجب أن لاتخدعنا الاحزاب الدينية الاسلامية بانها سياسية في حكمها فهي تتصرف في الظاهر كأنها ديمقراطية ولكن في العقل الباطني لمنتسبيها ماهي الا دكتاتورية ,ولها الحق المطلق في السلطة وهي ظل الله على الارض .وهي تستغل المبادىء الدينية في احداث الصراع الاجتماعي بدلا من استغلال وظيفة الدين السامية في الضبطالاجتماعي والتكافل والتماسك والسلام في المجتمع .
   ووفقا لهذه المعطيات والحقائق يجب أن لاتوهمنا الاوضاع السياسية في العراق الجديد بوجود ديمقراطية سليمة فهي حاليا مفروضة على الاحزاب المشاركة في الحكم من قبل الولايات المتحدة الامريكية،فهي تلزم مشاركة الاحزاب الدينية والعلمانية معا في اللعبة السياسية .واني على يقين لو تخلت هذه الدولة عن العراق ,سوف لن تتوفر أية فرصة للاحزاب العلمانية للمشاركة في السلطة ,فهي تتقيد ويتلاشى وجودها تدريجيا أمام دكتاتورية الاحزاب الدينية ، لانها لاتؤمن  الا بما تفرضه الشريعة التي يفسرها الافراد على هواهم.
وبهذه المناسبة أدعو نواب شعبنا الى اللجوء للمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الانسان في الامم المتحدة للاعتراض على القوانين التعسفية التي تُشرع في العراق والمُنتهكة لحقوق الانسان المختلفة.

78
                          المطران مار أبراهيم ابراهيم
                                ومسالة قبول الآخر

د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي

                  في ندوة عُقدت في فرنسا بتاريخ 30 من أيلول 2015  عن التعريف باهداف الرابطة الكلدانية، أثارت أنتباهي ثلاث مسائل مهمة واساسية من خلال سماعي الى التسجيل ، وهي مواضيع الساعة المتداولة في الحوار والنقاش بين المهتمين من كتاب شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني ورجال الدين والسياسيين  ،مسالة اللغة ، وما يخص الكنيسة الكلدانية في أستحداث الابرشيات في بلدان الانتشار، وثم موضوع مقالنا هذا  ،مسالة قبول الاخر وأحترامه بين المكونات الثلاث الاثنية  .وساتناول كل من هذه الموضوعات في مقال مستقل .

قبول الاخر
             جاء في سياق حديث سيادة المطران مار ابراهيم عن موضوع قبول الاخر من خلال عرضه وتوضيحه لاهداف الرابطة الكلدانية التي أصبحت محل الاثارة بين القبول والرفض لأهدافها – فقد كتب العديد من كتابنا عن الموضوع من الطرفين فلا حاجة للتكرار – لكي لا اخرج عن الموضوع.
مسالة قبول الاخر هي ظاهرة التكيف والانسجام مع الاخر المختلف في الراي والموقف تجاه ظاهرة معينة لغرض تحقيق اهداف العيش المشترك ،والانطلاق والسعي من أجل خدمة الجهات المختلفة حول الظاهرة بوضع آليات مُشتركة تُحرك سُبل التعاون والتعاضد والتماسك .
كانت ردود الفعل متباينة من توضيحات المطران مار أبراهيم بين القبول والرفض التام من البعض كأنما ما جاء في حديثه سيهدم المشاريع والمصالح القومية لهم . في الوقت الذي يتوجب السماع بتأني الى الحديث الذي لا يتضمن عبارات أو كلمات تستحق الاثارة والانفعال غير الطبيعي من بعض الاخوة في وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية .فهو مجرد تعبير عن رايه جاء في سياق الحديث عن أهداف الرابطة الكلدانية .
أشار سيادته الى أهمية تأسيس الرابطة الكلدانية في الظرف الراهن وبالتعاون مع الكنيسة ،وبسبب الاعتراض المكرر والالحاحي من بعض المهتمين بشان شعبنا من المكونين الاشوري والكلداني ،أكد على ضرورة التعاون وقبول الاخر بأظهار الاحترام المتبادل بين المكونات الاثنية بدلا من الاعتراض على كل ما تقدم  اليه أحدى الجماعات الاثنية من نشاط .ولما كان تساؤل مار ابراهيم بوضوح عن القبول القومي،عليه ترك أثره على بعض السادة السياسيين والمهتمين بهذا الشأن ،وكان الموقف يحتاج الى نوع من التفصيل وتوضيح المبررات ، الا أن من غير الصحيح التفصيل بفترة محددة مثل وقت الندوة ، علما أن المطران مار ابراهيم معروفٌ جدا بمواقفه المعتدلة ،وليس كما فُسرت متعصبة ،بدليل أنه يؤكد على قبول الاخر دائما ،فالمتعصب لايمكن أن يقبل الاخر . - وقد وضحت رأي في مسألة المفاهيم وعلاقتها ببعضها البعض مثل القومية والشعب والاثنية والامة في مقال سابق ،وفي مقال آخر بينت كيف أن الرجوع الى التاريخ لا يساعدنا في حل معضلتنا العويصة ،يمكن الرجوع اليها  أذا أقتضت الضرورة لتجاوز التكرار- .

الجميع يناشد من أجل الوحدة
                               كثُرت الدعوات من أجل الوحدة دينيا وسياسيا وثقافيا وأجتماعيا ،واستبعدُ قوميا ،لان الوحدة على المستويات المذكورة ستحققها تلقائيا ، وموضوع القومية شائك ومعقد وهلاميُ الاستعمال وغالبا ما يُستخدم لاغراض سياسية بحتة ،فلم أجده كمفهوم علمي يتداوله المفكرون في العلوم الاجتماعية ، وأنما يتداوله السياسيون لاغراض مصلحية تكتيكية لكسب عواطف العامة من الناس لغرض التأييد ،وأنما المتداولة علميا هي مفاهيم الشعب والاثنية والمجتمع والمجتمع المحلي والعنصر والسلالة .

كيف تتحقق الوحدة؟
                      أن مسألة قبول الاخر هي مرحلة مهمة وأساسية جدا لتحقيق الوحدة ،ببساطة أذا لم يكن قبول بين جماعتين متخاصمتين على موضوع ما ،فكيف ستتم المعالجة أو الوحدة بينهما . فأذن ما تناوله مار أبراهيم عن ظاهرة قبول الاخر في حديثه  هو أشارة واضحة لاهميتها ، ولكن كما أشرت أعلاه كانت بحاجة الى التفصيل  .
أن عملية تحقيق الوحدة ليست عملية سهلة وكما يتصور البعض ،وبقرار شخصي ،وفي ليلة وضُحاها،طالما هناك عوامل تاريخية وأجتماعية ودينية وسياسية وادارية موغلة في الاعماق ومترسخة في أذهان الافراد المختلفين منذ قرون عن طريق التنشئة الاجتماعية ، فلابد ان تمر عملية تحقيق الوحدة بمراحل متعددة وروح متأنية وصابرة لأزالة كل الشوائب العالقة في الاذهان والمواقف لغرض التسهيل والسعي اليها.
في مناسبة زيارة غبطة البطريرك مار ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية وبرفقته مجموعة من المطارنة الكلدان ومن بينهم سيادة المطران مار أبراهيم  لقداسة مثلث الرحمات مار دنخا الرابع بطريرك الكنيسة المشرقية الاشورية في قلاية اقامته في مدينة شيكاغو الامريكية ،عرض الوفد الكلداني موضوع الوحدة حُبا وألحاحا من غبطة البطريرك مار ساكو في السعي اليها .
كانت الاستجابة للطرح من قبل الطرفين مختلفة في آليات المستخدمة للوحدة ونقطة الانطلاق لها ، فكان رد مثلث الرحمات قداسة مار دنخا لنبدء الوحدة انطلاقا من الوحدة القومية ،أما غبطة مار ساكو أكد لتحقيق الوحدة أنطلاقا من الوحدة الكنسية،وقلت في مقال سابق بهذا الشأن ،الحق معهما كلاهما ،فنموذج التفكير المتأثرة بالتنشئة الاجتماعية والمجتمعية وطبيعة النظرة الى المفاهيم عند الطرفين مختلفة . وعليه  لا أتفق مع الرأيين للانطلاق نحو الوحدة دون المرور بمراحل تسبق أي منهما ، وأنما ارى شخصيا ،الوحدة تحتاج الى مراحل متعددة ولا يمكن تحقيقها بدفعة واحدة وقرار مُتسرع وقد يُحبط الامال فتتبدد فيما بعد .

كيف تُعالج المشكلات الاجتماعية ؟
                                      يتفق المفكرون والباحثون في العلوم الاجتماعية  وتشير الى ذلك الدراسات الميدانية في علم الاجتماع الى أن حل أية مشكلة يجب أن يكون بخطوات مرحلية متعددة يتم التحضير لها ،لانه لو تم معالجة المشكلة بخطوة واحدة متسرعة ،قد تكون تداعياتها وخيمة وتخلق مشاكل أكثر تعقيدا ، علما أن لكل مشكلة طبيعتها وأبعادها ،ألا أن الاليات المتبعة في المعالجة هي واحدة الى حد كبير . وهناك أمثلة متعددة عن معالجة المشكلات ألا أنه سأكتفي بهذا المثال لتقريب الفكرة.
معالجة ظاهرة الادمان على المخدرات أو الكحول او التدخين أو ممارسة الجنس اللاشرعي لاتتم بخطوة واحدة ،كأن تكون حقن المهدئات أو تقديم النصائح أو العقوبة بالسجن أو الغرامة ، أنما أهم خطوة يخطوها المعالجون هي الثقة بانفسهم ، بأنهم لا يكنون أية ضعينة أو مواقف سلبية مثل الكره والحقد تجاه المدمنين ، أي قبول المدمنين كما هم عليه وليس كما يريدون هم،فالخطوة الاولى هي أختيار المُعالج المعتدل والمناسب ،والخطوة الثانية، تهيئة مكان ملائم ، والخطوة اللاحقة عدم المنع الكامل والفجائي للمدمن للتوقف عن تناول المخدر أو ما أدمن عليه ، بل يسمح له بتناولها وثم تبدأ عملية التقليل تدريجيا وهكذا .

وماذا عن وحدتنا ؟
                     بالطبع كما أشرت أعلاه لكل مشكلة طبيعتها وابعادها ،ولكن آليات المعالجة واحدة لحد كبير . فلو أعتبرنا ( عدم الوحدة ) مشكلة بين الكلدان والاشوريين والسريان ولها تداعياتها السلبية على الجماعات الاثنية الثلاث . فهل سيكون السعي لتحقيق الوحدة بخطوة واحدة بالرغم من العوامل المسببة لها المذكورة آنفا ؟ بالطبع كلا . فلم تتحقق الوحدة بمجرد زيارة متبادلة بين البطريركين  مثلا ، أو اتحاد قومي ،أو مذهبي وتحسم المسالة . ليس الامر هيناً .بل يتطلب خطوات مدروسة ومنسقة والالتزام بالتاني والصبر.
أن أول خطوة في معالجة مشكلة عدم وحدتنا في رايّ هي : أن يقدم رجال الدين والسياسة والمثقفين المهتمين من الكتاب والاختصاصيين كما أشار أليها سيادة المطران مار أبراهيم ( قبول الاخر ). قبول الاخر كما هو ، لا كما يريد الطرف الاخر ،أي لا يقبل الكلدان للاشوريين والسريان على مزاجهم وعواطفهم وأنفعالاتهم ، ولا الاشوريون يقبلون الكلدان والسريان على نفس المنوال ،وهذا ينطبق على السريان أيضا .
لان قبول الاخر هو تماما نقيض التعصب الاعمى الذي هو التفكير السيء عن الاخرين دون وجود دلائل كافية ، فهو أتجاه سلبي نحو جماعة أثنية أو دينية أو مذهبية أو طبقية أو مهنية أو قبلية ،فيكوّن الفرد موقفا متصلبا نحو جماعة من الاشخاص .والمتعصبون هم أكثر تصلبا في الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والدينية ،فهم يرون الاخرين بأطار سلبي ولهم حكم مُسبق نحو الجماعة بدون سند منطقي ،ومن صفات المتعصب ،التسلط  والاضطراب النفسي والتمسك بالقيم تمسكا صارما ، ويمتاز بسلوك نمطي غير قابل للتغيير ويحمل الكراهية والحقد والانتقام ، وهو يتقلب مع من يؤيد أفكاره ومهما كان الذي يؤيده ملحدا أو مؤمنا أو بركماتيا نفعيا .فالتعصب مرض يفتك بالمجتمعات ويدمر فيه روابط الالفة والمحبة والتماسك ويدفع المجتمع الى الضياع والتمزق ،فلا نريد متعصبين كلدان وآشوريين وسريان يحصرون تفكيرهم في حدود تاريخية ضيقة لا تفي بالغرض ولا تخدم مصالحنا في المرحلة الراهنة ،وبالعكس فأصحاب التفكير الغني والواسع والمنفتح يقربوا أفراد المجتمع الى بعضهم البعض .
فعلينا قبل الاقدام لاية خطوة أن نهيء الاجواء المناسبة وتهيئة العقول والمواقف والاتجاهات نحو البعض لنحقق التهيئة النفسية التي تكمن في قبول الاخر واحترامه ،وأزالة آثار مرض التعصب  الذي يعاني منه البعض من أبناء شعبنا .وثم يتم في الخطوة اللاحقة دراسة المسألة والاليات من قبل فريق عمل يُشكل من الاطراف المعنية لكي يتم تشخيص الخطوات اللاحقة .
وربما يسال المرء ،كيف يتم نبذ التعصب وقبول الاخر ؟
   وفي رأيّ أول خطوة لنبذ التعصب وتحقيق قبول الاخر هي الاتفاق على :
توجيه  أعلام شعبنا لنبذ الاصوات المتعصبة سواء كلدانية أو آشورية أو سريانية ،تلك التي تؤكد على ألغاء الاخر في كتاباتهم ومنهم أصدروا كتبا فيها ما يكفي لترسيخ التعصب ،وهم كتبة هواة لا غير ،وعدم تشجيع الترويج لمثل هذه الكتابات ونبذها بالوعي الاعلامي.ويتم ذلك عن طريق أتفاق المواقع الالكترونية لشعبنا والمصادر الاعلامية الاخرى على خريطة موفقة للعمل الاعلامي الرصين .
جلوس الاحزاب السياسية للمكونات الثلاث على الطاولة ومناقشة  وبحث وحدة قرارهم وتحركاتهم السياسية والأهمال  مرحليا وتأكيدا( مرحليا ) أية أمور تتعلق بالمفاهيم القومية  والبقاء على التسميات المتداولة .
أقامة الندوات الثقافية المشتركة بين منظمات المجتمع المدني لكل المكونات لترسيخ مفاهيم التعاون والالفة والتماسك وتوحيد خطوات تحقيق حقوقنا في الوطن ، فهل هناك مثلا ضرر من أقامة  الندوات المشتركة بين الاتحاد الاشوري العالمي واتحاد نساء الاشوري والرابطة الكلدانية والرابطة السريانية؟
أقامة الندوات الدينية المشتركة بين المذاهب الدينية للمكونات الثلاث لتساعد في تقريب وجهات النظر .
توحيد الاعياد والمناسبات الدينية بين الكنائس المعنية .
أقامة الكرازات المتبادلة في المناسبات الدينية  والاعياد من قبل الكهنة والاساقفة .
أقامة الانشطة الاجتماعية المشتركة بين الاندية الاجتماعية للمكونات الثلاث في المدن التي يسكنها  أبناء شعبنا  في المهجر أو في الوطن لترسيخ الاندماج الاجتماعي .
تشجيع الزواج المختلط بين الشباب والشابات من الاثنيات الثلاث .
التعاون بين الكنائس والعلمانيين لوضع برامج تخدم شعبنا أينما وُجد .
وثم تبدأ الخطوة اللاحقة من قبل فريق عمل مهني ، فأذا وجدوا القائمون بالمهمة أن الاجواء مهيئة للانتقال الى الخطوة اللاحقة ، لتبدأ خطوة الاتحاد الكنسي المذهبي ، لانها الخطوة الاكثر يُسرا من الامور الاخرى وبالاخص بين الكنيسة الكلدانية والكنيسة المشرقية الاشورية،فهي محلولة الى حد ما لان الاختلافات اللاهوتية قد حُسمت في لقاءات سابقة ، ولا تحتاج الا مناقشة المسائل الادارية والقانونية التي تُنظم العلاقة بين الكنائس غير الرومانية والفاتيكان ،وهذه يمكن دراستها من الطرفين لانه فعلا القوانين التي تنظم العلاقة بين الفاتيكان والكنائس التي تشاركها الايمان من غير الرومانية بحاجة الى أعادة النظر .
فالخطوة في توحيد الكنائس ومن ضمنها السريانيتين الكاثوليكية والارثودكسية ستساهم كثيرا وتهيء الاجواء لتحقيق الوحدة الكبرى المنشودة ، طالما تراثنا واحد ، لغتنا واحدة ، تاريخنا واحد .ارضنا واحدة ،وشعورنا للانتماء الجغرافي لبلاد النهرين واحد ،وثم تليها الخطوات الاخرى وهكذا .
وبهذه المناسبة  أناشد :
 كافة رجال الدين الافاضل من البطاركة والاساقفة والكهنة  التركيز في خطاباتهم وكلماتهم في المناسبات الدينية وغيرها لنبذ التعصب والتطرق الى العناصر التي ترسخ قبول الاخر .
رجال السياسة من المكونات الاثنية الثلاث التحلي بالحكمة والركون الى طاولة الالفة والمحبة لمناقشة أمورهم ووضع المفهوم القومي جانبا ويركزون على مستقبل شعبنا وأيجاد السبل الكفيلة لتحقيق حقوقنا المشروعة في الوطن .
كافة الاخوة الكتاب والاعلاميين من ابناء شعبنا الاشوري والكلداني والسرياني والذين هم عصب الاعلام في كافة وسائله المرئية والسمعية والمقروءة ،فهم السلطة الرابعة المؤثرة في هذا العصر للتأثير على الرأي الرسمي والراي العام لنبذ مفاهيم التعصب ووضع موضوع التسمية جانبا والتركيز على مسألة قبول الاخر وأجراء اللقاءات بينهم .

ملاحظة : ارجو من الاخوة الاعلاميين والكتاب المعقبين أن لا ينطلقوا من: قال فلان من رجال الدين وفلان من المؤرخين في مناقشتهم للموضوع حيث انه تحليل سوسيولوجي لا علاقة له بالتاريخ وشكرا .
د . رابي / كندا

79
                            تحليل سوسيولوجي
                         لنداء البطريرك مار لويس
                            عن وحدة الكلدان

    د . عبدالله مرقس رابي
        باحث أكاديمي
                           
                        كما عودنا غِبطة أبينا البطريرك مار لويس ساكو بطريرك الكلدان في العالم المثابرة والاستمرار لكي يكون دائما في التواصل مع أبناء رعيته أينما وُجدوا ،سواء ميدانيا بزياراته المتكررة ليناقش ويعيش هموهم والتعرف على تطلعاتهم ،أو حضوره من البعد معهم عِبر نداءاته ودعواته  الابوية المتكررة أيضا النابعة من الحرص على شعبه وشعوره المشترك معه وأحساسه بمشاكله والسعي الى تجاوزها والتخطيط لاجل الحد من العقبات  التي تحول دون تحقيق الكنسية  لرسالتها، وتلك العقبات المتعلقة بشؤون العلمانيين التي تنال من حقوقهم وأهدافهم.ففي دعوة لغِبطته نُشرت في موقع البطريركية الكلدانية ( الرابط أدناه ) تحت عنوان " البطريرك ساكو يدعو كلدان العالم الى الوحدة ".
يتضح أن البطريرك مار ساكو مُلم ألماما عميقا بالظروف الواقعية التي يعيشها الشعب الكلداني في العالم ، أضافة الى الواقع العملي للكنيسة الكلدانية ، ،مما يدل جلياً على أدراكه وأستيعابه الوضع الراهن للشعب والكنيسة ،وعليه من خلال أستقرائه للوقائع بطريقة مُمنهجة ومنتظمة نظرا لما يتمتع به من خلفية علمية وثقافية وتجارب  عملية عديدة ، أستنتج بأن البيت الكلداني في العالم بحاجة الى تنظيم ،ويرى أن الوحدة بين الكلدان هي من العوامل الاساسية في تنظيم البيت الكلداني،فبعد قراءتي للنداء ،توصلت الى جملة من المضامين والابعاد التي يرتكز عليها  لتحقيق الوحدة ، وسأحاول ربطها بالابعاد الاجتماعية والنفسية وكما يأتي :

اولا : أعتبر الاختلافات والانتقادات الموجهة لبعضهم البعض ،وللكنيسة من جهة أخرى عاملا مُعيقا للوحدة مما دعا غِبطته الى نبذها وتجاوزها والتخلص منها .فما هو البعد النفسي والاجتماعي للخلافات والانتقادات؟
الاختلافات في الاراء والمواقف بين افراد المجتمع هي أيجابية فالتنوع الفكري يقود المجتمع الى التقدم ، أما أذا  تأصلت وتعمقت بين الافراد والاصرار غير المبرر لكل جهة أو جماعة على رأيها وموقفها دون الاكتراث الى رأي الاغلبية وأحترام القانون، ستكون عاملا لتصدع المجتمع وتفككه وأضطرابه وتحول دون تحقيق أهدافه،فيجب أن لايكون الاختلاف ذريعة للأنقطاع والتمرد ،بل على المُختلف أقناع الاخرين بما يراه مناسبا ،والا عليه أحترام رأي الاكثرية  .
هذا الاصرار على الاختلافات في المواقف والرؤى يؤدي حتما الى تفاقم الانتقادات المتبادلة بين الافراد والجماعات ،وغالبا ما يكون تركيز الانتقادات المتكررة ومضامينها  موجهة لبيان الجوانب السلبية للجهة المُنتقدة . الاكتفاء والاصرار على مناقشة الجوانب السلبية التي يراها هكذا الناقد تجاه أعمال ونشاطات الاخرين ستؤدي الى تثبيط وأضعاف من عزيمة الفرد أو التنظيم المقصود في أدائهم لاعمالهم ،بينما الانتقادات الايجابية التي تُعبر عن الوجه المُشرق من الموضوع تكون آداةً للتحفيز والتشجيع للتواصل في العمل للمعني نفسه أو للآخرين .
وهذا لا يعني ضم وأخفاء التصرفات والمواقف التي تتطلب التصحيح ،فهي مطلوبة لتنبيه بالاخطاء والممارسات السلبية ،ولكن على الناقد أن يتبنى  الطرق الايجابية والاصولية والبناءة في النقد بعيدة عن التجريح والاسقاطات الشخصية، وأنما التحلي بالمناقشة الهادئة والموازنة بين الايجابيات والسلبيات ، فلا وجود للكمال في شخصية الانسان مهما كان شأنه . فمن خلال نبذ الاختلافات والحد منها والابتعاد عن الانتقادات التي تَضر ولا تنفع سيتحقق الاستقرار النفسي والعلائقي بين أفراد المجتمع الكلداني وثم يقود ذلك الى المساهمة الى جانب العوامل الاخرى لتحقيق الوحدة بين كلدان العالم .
 
ثانيا : تعد الظروف السياسية والامنية والاضطهادات والتهجير المحيطة بالكلدان والمسيحيين قاطبة في العراق حافزا للوحدة ،أي بمعنى التشرذم واللامركزية والخلافات لا تساعد الكلدان في مواجهة هذه الظروف والحد من المآسي التي يتعرض لها شعبنا في العراق ، فلتكن هذه الظروف محفزا لهم للوحدة لانها تطال الجميع وبدون أستثناء ،فالعملية هنا هي مزدوجة ،الظروف السيئة هي حافز للوحدة ،والوحدة هي ضرورية جدا لتحدي الظروف السيئة التي تواجه الكلدان والمسيحيين في العراق .
وتأتي أهمية الوحدة أكثر الحاحا بنظره لعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل شعبنا في العراق ،ولا ندرك ما الذي يخفي المستقبل لنا ،فكل الاحتمالات متوقعة للحدوث ،وقد يتعرض شعبنا الى جرائم أبشع مما تعرض له لحد الان ،فدوامة الاضطهادات وبقاء المهجرين في أماكنهم قد تستمر طالما هناك استجابات ومحاولات بطيئة من الدول المتنفذة في العالم لارجاع الوضع الى حالته الطبيعية ،بالاضافة الى عدم قدرة الحكومة العراقية للسيطرة على الوضع ،فكل هذه الامور تجعلنا أن نقول أن المستقبل مجهول فليتحد الكلدان للحد من المآسي والتخفيف عن الالام.

ثالثا : ربط غَبطته بين الاهداف المشتركة والعمل الجماعي وتحقيق الوحدة ،وذلك من خلال تأكيده على أهمية الرابطة الكلدانية العالمية ،حيث أنها تسعى الى تحقيق أهداف سياسية واجتماعية وثقافية وأقتصادية ،وكلها تصب في خدمة الكلدان والاخوة المسيحيين الاشوريين والسريان والارمن .فلما كانت هذه الاهداف مشتركة ،ولا يمكن تحقيقها الا بالعمل الجماعي والتعاون ،فالانضمام الى الرابطة الكلدانية التي ستكون عاملا أساسيا من عوامل الوحدة وستؤدي الى السعي لتحقيق العمل الجماعي وثم الوحدة.وتقوم الرابطة بوظيفتها ودورها القيادي الفعال في وحدة شعبنا عندما تكون مسيرتها أنفتاحية وبعيدة عن التعصب والتقوقع على الذات ،ويكون شعار ورؤية العاملين فيها دائما ،أننا شعب واحد له مصالح مشتركة ومصير واحد وتراث واحد .

رابعا : يمكن الاستنتاج من دعوة مار ساكو ، التأكيد على وجود علاقة عضوية بين وحدة الكنيسة وقوتها وانتظامها  ووحدة الشعب الكلداني ، فأذا كانت الكنيسة منتظمة وقوية وموحدة ،سيدركوا المؤمنون أهمية الوحدة في حياتهم لانهم هم الكنيسة . فأعطى غَبطته المؤشرات لكي يطمئن المؤمنون على وضع كنيستهم،فأكد بأنها قوية ومستقرة ونالت الاحترام من الجميع ،وحققت ذلك أنطلاقا من وحدة  "الجسم الاسقفي".مما يدل بوضوح على وجود أتفاق واضح بينهم في الامور الكنسية والتصحيحية التي بادر بها مار ساكو منذ تسلمه السدة البطريركية ،وللأطمئنان أكد على أن كل تصدع يحدث له حل في أشارة الى وضع أبرشية ماربطرس في غرب أمريكا . وستتم هذه الحلول من خلال صلاحية البطريرك بأتحاد مع السينودس الذي له قوة روحية تجابه التصدعات في الكنسية .
ويُشير مار ساكو الى اهمية القوانين الكنسية في تحقيق النظام والعدالة بين رجال الاكليروس ،فالقانون ينظم العلاقات العمودية والافقية بين أعضاء اية مؤسسة ، والكنيسة لها قوانينها يمكن الرجوع اليها لحل كل أزمة، وتتضمن الاشارة الى أهمية التعاطي قانونيا في الكنيسة ، الابتعاد عن العاطفة في تنظيم العلاقات ،لان اللجوء الى العاطفة ستغطي على الحقيقة وتفقد الضوابط وثم ستعم الفوضى وتربك الكنيسة من تحقيق رسالتها.فكل حالة سلبية يجب أن تُقر معالجتها قانويا وتجنب العاطفة ،والا لماذا وُضعت القوانين في المؤسسة الكنسية ؟.وقد تأتي عملية تكريس العاطفة في مواضع معينة كما أشار غِبطته ،يُغفر لمن يصحح موقفه ويُسمح له .
أن الدرجة القطعية التي اكد عليها مارساكو في قوله " الالتزام بالخدمة الراعوية بأمانة أنجيلية مطلقة على مثال الراعي الصالح ،ومن لايقدر ليترك " . لها دلالة تنظيمية عميقة ،فالاكليروسي  الذي لا يرى نفسه أنه مؤهل لتواصل عمله الكهنوتي كما تطلب الكنيسة منه، فوجوده واستمراره على حالته سيكون مصدرا للمشاكل والمتاعب لنفسه والى الاخرين في الكنيسة ويشوه مسيرة الكنيسة والايمان ،فيعطي البطريرك له خيار تركه افضل من أن يبقى في الخدمة .
ولكي يؤدي الاكليروسي خدمته بتفاني واخلاص وبمركزية ،عليه أن يبتعد عن الانوية والمزاجية والاجتهادات الشخصية لتحقيق النظام المتكامل وتفادي المعوقات،"كأنما له شركته الخاصة وينسى أنه شريك في كنيسة واحدة ورسالة انجيلية " كما قال غِبطته .

خامسا : يتبين من الدعوة هذه ،أن مار ساكو له نظرة ورؤية واضحة بأننا شعب واحد ،فوحدة البيت الكلداني وترتيبه ليس لاجل الكلدان فحسب وأنما ليتكامل مع أخوتهم الاشوريين والسريان أنطلاقا من التراث المشرقي الواحد والتاريخ المشترك والمصير الواحد ومعيتهم بالمسيحية اخوتهم الارمن .فترتيب البيت الكلداني وتنظيمه ووحدته حتما سيعطي زخما وقوة للاشوريين والسريان والعكس صحيح تماما فهنا التعاون مطلوب لتحقيق الاهداف ،وثم يقود الجميع الى أدراكهم أهمية الانتماء والولاء الوطني والعيش المشترك فيه.
يمكن الاستنتاج بأن البطريرك مار لويس فسر ظاهرة تحقيق الوحدة وترتيب البيت الكلداني في العالم وفقا للمنهج التكاملي لدراسة الظواهر الاجتماعية ،لتشخيصه بوجود عدة عوامل مترابطة مع بعضها  مسؤولة عن الوحدة كما تبين مما تقدم .

وأخيرا ، هناك مسألة مهمة  أخرى في اعتقادي ،يستوجب التذكير بها لتُضاف الى العوامل التي تفضل بها غبطة البطريرك مار لويس لتكريس الوحدة في البيت الكلداني طالما هناك أرتباط عضوي بين الكنيسة وشعبها وثم تحقيق الوحدة على المستويين الكنسي والشعبي وهي : الضرورة الُملحة لاعادة النظر في صياغة القوانين الكنسية التي تخص تنظيم العلاقة بين الكرسي الرسولي في روما والكنائس المشرقية المتمتعة بالحكم الذاتي ،وبخاصة تلك التي تخص الابرشيات في الانتشار كما جاء في القوانين الكنسية،وكنيستنا الكلدانية واحدة من تلك الكنائس.
فهناك العديد من القوانين الادارية التي تنظم هذه العلاقة متناقضة مع بعضها ،بحيث أعطى المشرع فرصة لمن يصطاد الخلل في القانون ويتحجج وثم يتمرد ،أو يبرر عدم الالتزام بسلطة السينودس والبطريرك ،أنما يرتبط بالفاتيكان مباشرة وأخص بالذكر الابرشيات التي تقع خارج الحدود الجغرافية للبطريركية ،ذلك المصطلح الذي تبنته الفاتيكان بشكل خاطىء ، فالكنيسة وانتشار شعبها  براي لا يمكن أن يتقيد بحدود جغرافية طالما حق الهجرة والتنقل مُصان طبيعيا وقانونيا للجميع ،فتبقي سلطة البطريركية على أبرشياتها وأكليروسها روحيا وأداريا أينما توجهوا وانتشروا،وهذا حق طبيعي اذا اردنا ان نتعاطى بالقانون والنظام وليس بالعاطفة وفرض النفوذ .
وخير دليل على استغلال التناقض هو ما حدث في أبرشية مار بطرس الكلدانية في غرب أمريكا ، وما طلع به علينا أحد الكهنة أخيرا في مدينة فانكوفر الكندية ضمن أبرشية مار ادي بطلعة لا يمكن ان يتقبلها العقل البشري لدلالة الفوضى والتمرد وعدم الانصياع الى القوانين والسلطة البطريركية .
فدراسة موضوع أعادة النظر بتنظيم القوانين المشرعة لتنظيم العلاقة بين كرسي روما والكنائس الكاثوليكية المتمتعة بالحكم الذاتي أصبحت ملحة لكي تكون واضحة وأن لا تتعارض مع السلطة البطريركية والسينودس ،وقد وُضعت تلك القوانين في فترة لم يكن للكنائس المذكورة ومنها الكلدانية أبرشيات في بلدان الانتشار كما هو عليه الان ، فيستوجب التواصل مع المستجدات والتغيرات التي تطرأ على الوضع الديمغرافي لها ،فماذا سيكون مصيرها لو أنتقل المؤمنون جميعهم وبدلالة الحوادث والازمات الحالية في المنطقة الى بلدان الانتشار ،أي خارج الحدود الجغرافية المصطنعة .

في 19 آب 2015
                        http://saint-adday.com/permalink/7735.html

80
                            بين ديالكتيكية " سامي "
                           وتفسيري للنهضة الكلدانية

د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي

                    وقد أطلعت على تعقيب الاخ الكاتب سامي المرقم 39 ضمن تعقيبات مقال الشماس القدير بطرس آدم الموسوم " هل الرابطة الكلدانية هي ثمرة مؤتمري النهضة الكلدانية ؟ " . وأبدى العزيز سامي رأيه وأنا أحترمه وأن أختلف مع رايي كليا . فهنا الكاتب وكل أنسان حر لابداء الرأي في مسألة ما .
كنت أتمنى من الاخ سامي أن يدحض تفسيري للنهضة الكلدانية بأنها نكسة كلدانية بحجج علمية مستندة الى النظريات العلمية ،وبخاصة نظريات ومدارس علم الاجتماع طالما أني مختص فيه .وفي الوقت الذي كونت أنطباع أيجابي عن الاخ سامي لرزانته وهدوئه في أبداء رأيه وبعيدا عن الشخصنة ، ولكن هذه المرة اراه قد خالف قاعدته الذهبية بقوله:
" مقال الاخ العزيز عبدالله رابي ينفي أستيعابه لقوانين الديالكتيك وتحديدا قانون تحول التراكم الكمي الى النوعي ،أضافة لقانون نفي النفي والتطور الحلزوني ،ولعدم استيعابه المقولة الفلسفية للعلاقة بين السبب والنتيجة" ويبرر بنفسه عدم مقدرتي لاني غير ملم بالفلسفة. ولكن مع هذا سيظل أنطباعي أيجابيا.
عزيزي سامي المحترم
                     الديالكتيكية ،منهج ليس محصورا في الفلسفة فقط ،وأنما هي طريقة تستخدمها العلوم الاجتماعية والانسانية في تفسير الفعل الاجتماعي ،ولكن هذه الطريقة قد عفى عليها الزمن فاصبحت مادة تعطى للطلبة في الاقسام العلمية الاجتماعية كمدخل لدراسة النظرية الاجتماعية أو المدارس الفكرية .فهنا سوف لا أوضح ماهية هذه المدرسة لانه كما يبدو متأثرٌ بها وتمتلك عنها المعلومات وأعتقد كل القراء الاعزاء لهم المام بها لانها معروفة في الوسط الثقافي .ولكن سأهتم بتقديم فكرة مقتضبة جدا عن محاولات تفسير الفعل الاجتماعي ،والنهضة الكلدانية هي أحدى هذه الافعال  ،خطوة خطوة .فسوف يتضح لك وللاخوة القُراء الفرق بين مسألة أبداء الرأي لاي كاتب غير أكاديمي مع جل أحترامي للجميع وتفسير الاكاديمي ورأيه ، بالاضافة أنه سيتضح الفرق بين رأي الشماس المحترم بطرس آدم وتفسيري لموضوع النهضة الكلدانية مع جل أحترامي له فهو حر في أبداء الرأي .
دراسة الظاهرة الاجتماعية أو الفعل الاجتماعي مرت بمراحل فكرية متعددة ،بدأً بالمرحلة السحرية ،وثم اللاهوتية ، وبعدها الاستنباطية الفلسفية واخيرا الوضعية التي تحصر نفسها في حدود التجربة وحدها ولا تتجاوز عالم الاشياء العينية التي تدركها الحواس .  ،بدأت حينما أنفصلت العلوم عن الفلسفة الام بعد أن أطلع علينا فرنسيس بيكون ورينه ديكارت وسان سيمون نظرياتهم في طريقة دراسة الظواهر تأثرا بالعلوم الطبيعة ،وثم بدات الدراسة الوضعية للفعل الاجتماعي بعد أن أطلق أوكست كومت الفرنسي قانونه الشهير في تطور العقل البشري وسمى لاول مرة في التاريخ " علم الاجتماع " بدلا من الفيزياء الاجتماعية ولو للامانة العلمية أن العلامة أبن خلدون سبق جميعهم باربعة قرون ،ولكن العرب لم ينتبهوا لذلك الا بعد ان نبههم علماء الغرب..وفي البداية الوضعية في الفكر الاجتماعي ولغاية منتصف القرن العشرين كانت أفكار العلماء متأثرة بالفلسفة فكانت دراستهم تمزج بين الاستنباطية والاستقرائية في التفسير.وأقدم نخبة مختارة من هؤلاء لتتبين الخطوة هذه :
أوكست كومت ،وأنطلق من العقل البشري. ماكس فيبر ،أنطلق من القيم ، كارلس ماركس وأنطلق من الحتمية التاريخية المادية المتأثرة بفلسفة هيكل وفيورباخ .أميل دوركايم وانطلق من الحقائق الاجتماعية . وجوج زمل وأنطلق من الشكلية للفعل الاجتماعي ومعه فرديناند تونيز ،وفلفريدو باريتو ،أنطلق من النخبة والقوة .وسيجموند فرويد ،أنطلق من الحتمية الجنسية أي الغريزة الجنسية هي المحرك لنشاط الانسان واساس كل ظاهرة بما فيه الاديان والسياسة .وهربرت سبنسر وأنطلق من البايولوجية بتشبيه المجتمع بالكائن الحي .وتالكوت بارسونز وانطلق من الحتمية الثقافية .وجورج هربرت وآخرون في جامعة شيكاغو أنطلقوا من الرمزية والايكولوجية. وجدنز  من اللغة ،وروبرت ميرتون من الوظيفية وكوفمان وآخرون من نفي النفي الصراعية. وهوسلر ، الظاهراتية ،وهناك كم هائل لا اريد أن أثقل على القارىء.
  فأنظر أخي القارىء وبالذات أخي سامي على ما قدمته من علماء كل واحد منهم حاول تفسير الظاهرة الاجتماعية من منظور وأجتهاد معين أو حتمية ما  كما دونت أمامهم .
وقد صنف المهتمون بالنظرية والبحث العلمي المدارس الفكرية لهؤلاء وفقا للآليات المستخدمة في التفسير النظري وهي : المدرسة الوظيفية ، المدرسة الصراعية ، المدرسة الرمزية . البنائية ، الظاهراتية الابستميلوجية .
وتدريجيا أقترب الفكر الاجتماعي الى الموضوعية أكثر ،فظهرت نظريات تفسيرية أكثر شمولية بعد أن عجزت أفكار المدارس الحتمية في معالجة والحد من المشكلات المجتمعات البشرية ،فعلى أثرها جاءت نظريات أستندت على المستجدات التطورية في المجتمع وعلى تلك النظريات الكلاسيكية المار ذكرها فظهرت ،المدرسة الماركسية الجديدة ومن روادها جورج لوكاس،وثم الماركسية البنيوية وروادها ، لويس التوسير ونيقولاس بولانتزاس ،أنطلقا من البُنى والممارسات فأنطلق ألتوسير في بناء نظريته الماركسية البنيوية من نصوص فلاديمير لينين المقدسة  قائد الثورة البلشفية في روسيا وأول رئيس ساهم في تطوير تعاليم كارل ماركس خاصة في مسائل التنظيم ،وقد أضفى على تلك التعاليم ذات المنشأ الاوربي صبغة روسية ، وأستخدم مصطلح النصوص المقدسة ،ويعتبره علماء الماركسية البنيوية استخداما مجازيا وتهكميا في آن واحد .
ونظرية الاختيار العقلاني ، التي تبنتها السياسة الامريكية ولا يزال في سياستها الداخلية والخارجية في تعاطيها مع الدول ،ومنها أشتقت نظرية تبادل المنفعة ومن روادها جورج هومانز وبيتر بلاو وجون الستر وأخرون .والبنيوية اللغوية ومن روادها أيان كريب.
نظرية فرانكفورت الحديثة ومن روادها يورغن هابرماس ،منطلقا من فلسفة اللغة ،التحرر من فلسفة الوعي في تفسير العلاقة بين اللغة والفعل .ونظرية ما بعد الحداثة والتي تؤكد على النسبية في تفسير الظواهر الاجتماعية وليس الحتمية  ذات التفسير الاحادي ، أي دراسة تكاملية شاملة الابعاد لكي تتحقق النتائج الموضوعية الحقيقية  ومن روادها جدنز وديفيد هارفي ، ويؤكد المنظرون المعاصرين أن كل ظاهرة أجتماعية مسؤولة في تكونها عشرات الاسباب وبعضها المئات ،فلايمكن أن نحتم وجود الظاهرة بفعل عامل واحد  .
وأخيرا هناك نظرية مابعد البنيوية وما بعد الحداثة كما يسميها أيان كريب " العالم وقد جن جنونه " ومن روادها ميشيل فوكو ،لو أكتب رأي هذا العالم الفرنسي عن الماركسية التقليدية والحتمية التاريحية المادية والديالكتيكية حتما " ستزعل " طالما أنك متأثرٌ بها فلا أريد ذلك فأقرأها بنفسك من المصدر أدناه .
العلماء والباحثون الاكادميين في يومنا هذا ينطلقون من المدرسة التكاملية الشمولية لدراسة الظواهر الاجتماعية وليس من الحتمية التي عفى عنها الزمن الفكري وتعد الدياليكتية واحدة منها ،فاالاتجاه الحتمي في تفسير الظاهرة الاجتماعية لا يعطينا معرفة حقيقية في كل زمان ومكان ولكل أفراد المجتمع بحيث يكون 1+ 1 = 2 عند رئيس الولايات المتحدة الامريكية وعند الفلاح العراقي سوية بل أنها معرفة نسبية .
تأمل أخي القارىء ، ماذا يحدث في التفكير البشري والكم الهائل من المفكرين والمدارس الفكرية وما توصل العلماء اليه حديثا في كل جوانب الحياة ،ونحن في عصر النسبية فيريد مني الاخ سامي أن أفسر ظاهرة تحول النهضة الكلدانية الى النكسة الكلدانية وربطها بالرابطة الكلدانية العالمية التي تبنى فكرتها غِبطة البطريرك مار لويس  بنظرية الدياليكتيكية ونفي النفي التي هي فكرة تبناها المفكرين الكلاسيكيين في دراسة الظاهرة الاجتماعية وتعرضت الى الانتقادات الهائلة شأنها شأن النظريات الحتمية الاخرى ،وأترك النظريات الاخرى المستحدثة .
 فمن هنا يبدأ الفرق بين الاكاديمي وغير الاكاديمي في تفسير الظواهر مع جل أحترامي للجميع ، فالاكاديمي يرجع الى ما تلقاه من خلفية نظرية شاملة ومن تواصله مع المستجدات من النظريات والاليات المستخدمة علميا ، بينما غير الاكاديمي يكتفي بأبداء رأيه فحسب ولا غير في ظاهرة ما ، وان كان متأثرا بأيديولوجية معينة فينطلق منها لابداء رأيه .
فلما كتبت مقالي الموسوم " الرابطة الكلدانية ليست ثمرة النكسة الكلدانية " وقبلها مقال آخر عن نفس الموضوع ،حاولت تجنب الولوج في دهاليز التنظير وتطور الفكر البشري لكي لا أثقل على القارىء بما لا يعنيه ،وأنه يبحث دائما عن زبدة الموضوع .وأما لماذا تغير موقفي تجاه النهضة الكلدانية وسميتها بالنكسة الكلدانية ،ساتناوله في مقال عن تفسير المواقف في علم النفس الاجتماعي قريبا .
أعتذر من الاخوة القراء عن كثرة الاسماء ولكن الاجابة كانت تتطلب ذلك للاخوين سامي وفريد وردة.

مصادر مهمة تبين تفاصيل تطور النظرية يمكن مراجعتها للاستفادة:
النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابرماس ، تاليف ايان كريب ،ترجمة د . محمد حسين سلوم .
وباللغة الانكليزية وهو من الكتب الحديثة جدا حول هذا الموضوع :
Modern sociological theory . George  Ritzer .2008
ملاحظة مهمةجدا :
 ارجو عدم  نقل الموضوع وأية مواضيع تخصني الى مواقع أخرى ،فيعد ذلك تجاوزا على حقوق الكاتب والناشر ،علما أني أنشر مقالاتي في المواقع : عينكاوة ، منكيش ، عشتار ، وبعضها في موقع مار ادي التابع للبطريركية الكلدانية فقط دون غيرها ،فأعتذر من القراء أن تم نقل مقالاتي الى مواقع غير مرغوب بها فالمسالة هي خارج عن ارادة الكاتب طالما ان مثل تلك المواقع مجهولة المصدر،واتمنى حذفها طالما لم يتم الاستئذان في نشرها. 

81
                        أملُنا في رابطتِنا الكلدانية

د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي

                 اليوم الاول من شهر تموز ،يوم ينتظره الشعب الكلداني بشغفٍ وشوقٍ ،وقد أجتمع في هذا اليوم نخبة من الكلدان قدِموا من أنحاء العالم الى مركز البطريركية الكلدانية الصيفي في أربيل/ عينكاوا عاصمة أقليم كوردستان العراق وبمعيتهم الاباء الاساقفة والكهنة تلبية لنداء غبطة البطريرك مار لويس ساكو  الذي أطلقه قبل أكثر من عامٍ، ليتشاوروا ويتبادلوا الافكار لاقرار النظام الداخلي لرابطة مدنية علمانية وبمباركة كنسية لتكون مرجعية الكلدان حول العالم للدفاع عن حقوقهم في وطنهم الام بلاد النهرين ومتابعة شؤونهم الاجتماعية والثقافية في بلدان الانتشار ،فهي جسر يربط كلدان العالم ببعضهم لبناء البيت الكلداني وتثبيت أركانه.فهي رابطة تتميز فلسفتهاعن غيرها لانها تعتمد الانفتاح والتعاطي  مع الاخرين،فلا تبخل في ما تقدمه من عطاء للكلدان ومثله للاخوة االاشوريين والسريان من أبناء شعبنا الاصيل ،وكذلك لمكونات الشعب العراقي كافة.فالرابطة تنطلق من مبدأ أننا شعب واحد وبتسميات تاريخية جميلة .
أن الاهداف الانسانية التي ترمي أليها الرابطة الكلدانية في المجالات كافة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتعاونية تجعل الرابطة ، أنها ستحقق آمالنا لتحقيق ما يطمح أليه شعبنا الكلداني، وما تبذله من جهود تكون مبنية على الدراسة والتخطيط من قبل أشخاص لهم القدرة الفكرية والعملية، بالاضافة الى ما ستقدمه الكنيسة ما بوسعها من مساندة لتحقيق الاهداف المرسومة .
جاءت الفكرة لتأسيس الرابطة تعبيرا للاستقراء الميداني لغبطة البطريرك مار لويس عن الاوضاع المأساوية ، وفقدان روح العمل الجماعي  لدى المهتمين بشؤون شعبنا، وعدم التنسيق المبرمج الهادف في البيت الكلداني ، كما كانت لمسألة عدم التكامل وفقدان الاسس الصحيحة في بناء العلاقات بين أبناء شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني أحدى أهم نتائج الاستقراء ، فأنعكست تلك الاوضاع ونمط العلاقات السائدة على التلكؤ في أيجاد التدابير الاحترازية للازمات التي يمر بها شعبنا المسيحي في العراق ،وتبينت بوضوح في الارباك وعدم وضوح الخطة للمهتمين من السياسيين وأصحاب الشأن في التواصل مع أبناء شعبنا بعد تهجيرهم من مدنهم وبلداتهم ،فلو لا الكنيسة وما بذلته من جهود كبيرة لا مثيل لها في عصرنا لاصاب الكثير شعبنا المُهجر ، فقدم ولا يزال الاباء الاساقفة  والكهنة من مختلف الطوائف وفي مقدمتهم البطريرك مار لويس العديد من الجهود العظيمة  لانقاذ شعبنا المتألم .
يجتمع اليوم ذوي الافكار البناءة في المجالات كافة الاجتماعية والاقتصادية والادارية والقانونية ،وأصحاب الخبرة في الاستثمار والتنمية ،لكي يرسموا ويضعوا خطوات العمل السليمة من خلال وضع الاسس الصحيحة العلمية لاقرار النظام الداخلي للرابطة الذي سيكون بمثابة الدليل لتطبيق الفلسفة الفكرية التي يتبناها الاخوة المجتمعين عمليا لتحقيق أهداف الرابطة . فاذا تم اقرار النظام الداخلي بشكل منتظم ومدروس انطلاقا من تبادل الافكار بين المجتمعين وأحترام رأي الاكثرية والاستشارة بأصحاب الخبرة سيحققون نظاما داخليا متينا ليكون الاساس القوي لبناء الرابطة .
أملنا فيكم أيها الاخوة المجتمعين في رحاب البطريركية الكلدانية للخروج بنظام داخلي لرابطة الجميع ،فأنتم مصممون بلا شك على تحقيق الهدف ، فلولا تصميمكم لما حضرتم ولبيتم دعوة غبطة البطريرك مار لويس الساهر على شعبنا ليخفف معاناته وآلامه ،البطريرك الذي يحرص على وحدة شعبنا بكل مكوناته و يُبدي أهتماما كبيرا بآراء ومقترحات الجميع طالما يستطلعها لكل فكرة يطرحها لخدمة الكنيسة والمؤمنين.
البطريرك الجليل مار لويس والاباء الاساقفة الاجلاء والاباء الكهنة والاخوة العلمانيين أصحاب الخبرة والفكر والاقتدار،أقدم لكم تمنياتي الخالصة بالنجاح وتحقيق أهداف مؤتمركم لصياغة النظام الداخلي وتشكيل الهيئة التأسيسية للرابطة الكلدانية ووضع اسسها المتينة والقوية بروح العمل الجماعي والاحترام المتبادل .
كم كنت أتمنى أن أحضر لاكون معكم لمناقشة مسودة النظام الداخلي وانا فخور لوضع  خطواته الاولى بتواضع وسرور مع أبينا المبجل مار لويس ،وثم مناقشة التغيرات التي حصلت فيه ليكتمل اليوم بنظام دقيق وراسخ بهمتكم وخبرتكم لتنطلق منه الرابطة الكلدانية.ولكن ظروف عملي حالت دون السفر للمشاركة،وبالرغم من ذلك فأنا معكم وانتم أهل لها،فأعتذر منكم أشد الاعتذار.
وأخيرا  لا يسعني ألا أن أقدم جزيل الشكر والتقدير لكل الاخوة الاعزاء الذين اتصلوا هاتفيا وارسلوا ايميلاتهم لدعوتي للمشاركة في المؤتمر وفي مقدمتهم البطريرك الرائع مار لويس والمطران القدير مار ابراهيم ابراهيم والمطران الجليل مار باسيليوس المعاون البطريركي والاب القدير بولس ساتي والاب العزيز نياز توما، والاخوة من الاصدقاء ومنهم الاعزاء الدكتور نوري منصور وكادر اذاعة صوت الكلدان  جميعا، كل من فوزي دلي وساهر يلدو وشوقي قونجا والاخوة قيس ساكو وجمال قلابات وعادل البقال واالكاتب الاعلامي أنطوان الصنا من ديترويت ،ومنير هرمز وعوني أسمرو والاعلامي زيد ميشو والدكتور جورج جنو والدكتور بولس ديمكار من كندا ،والكاتب يوحنا بيداويذ و الشماسان عوديشو المنو وسامي ديشو من استراليا. والى كل الاخوة الذين لاتسعفني الذاكرة لادراجهم .
تمنياتي لكم بالتوفيق والنجاح
د. عبدالله مرقس رابي
كندا/ في 1 تموز 2015

82
                        الرابطة الكلدانية
                      وأزمة المفاهيم والاعلانات

د . عبدالله مرقس رابي
       باحث أكاديمي
 
            وقد دفعني لكتابة هذه المقالة مسالتين هما : التساؤلات التي اطلقها الكاتب الاعلامي ( سيزار هرمز ) في مقالته الموسومة ( من اجل مؤتمر تأسيسي ناجح للرابطة الكلدانية العالمية ).  والافكار المطروحة من الاخوة الكتاب الاخرين، والثانية هي المستجدات السريعة التي يطرحها بين حين وآخر اعلام البطريركية الكلدانية عن مسودات النظام الداخلي للرابطة وبمفاهيم مختلفة ،مما أربكت المتابع لظاهرة تأسيس الرابطة الكلدانية .
ولكوني أحد المتابعين والمهتمين بهذا المشروع الذي أحتدم النقاش حوله ، وبالاخص حول المفاهيم التي وردت في مسودة النظام الداخلي المستخدمة في تسميتها والمتضمنة في المواد المتعلقة بالاهداف وشروط القبول.ولعله أبرز الجدالات وأهم الملاحظات هي حول : هل الرابطة كنسية أم علمانية ؟ لماذا الاكتفاء بالقول الرابطة الكلدانية وليس رابطة القومية الكلدانية ؟ وهل الافضل ان يكون أحد شروط الانتماء ،أن يكون كلداني الانتماء أو ان يكون كنسيا وكلدانيا وثقافيا؟ وهل سيرأسها رجل الدين أم أحد العلمانيين ؟ .
الدعوة الى تأسيس الرابطة الكلدانية بدون شك هي فكرة غبطة البطريرك مار لويس ساكو ، فهو الذي بادر باطلاق الدعوة لتاسيسها ، وان وُجدت تسميات لجمعيات أو مجالس مشابهة لها فلا يدل ذلك على أنها فكرة قد أقتبسها من تلك المحاولات والتي فشلت في عملها ، فالافكار وفقا لمبدأ  نشوء الافكار والحضارات قد تبدا متوازية ومن بيئات مختلفة وأزمان مختلفة. فالتشابه قد يحدث في طرح الافكار ، ومع هذا ، المهم في الفكرة هي مسألة التفعيل والمتابعة والرعاية وليس الادعاء انها فكرة فلان أو قد سبق طرحها من قبل الاخرين .
الفكرة والدعوة هي كما قلت لغبطة البطريك مار ساكو ، فأذا المتبع والمخطط الرئيسي لترجمتها الى الواقع العملي والفعلي سيكون بلا شك غبطته ، وكما  ذكرت في مناسبات عديدة أنها رابطة علمانية برعاية ومساندة كنسية . ولماذا هذه المساندة ؟ فهي ضرورية وفي أقصى حدود الضرورة لكي تتمكن الرابطة من تحقيق أهدافها في ظل المعطيات السياسية والاجتماعية والقانونية  وأنظمة الحكم السائدة في العراق المعاصر والمنطقة الاقليمية برمتها .فما هو الضرر في أن يستشير القائمون في ادارة الرابطة لرجال الدين للقيام بأعمالهم المناطة اليهم طالما الاوضاع السياسية السائدة في المنطقة تحركها المفاهيم الدينية وأن كانت مرحلية ؟
لم يفاجىء مار ساكو الاخرين بتأسيس الرابطة ،بل منذ اللحظة الاولى أعلن عن المبادرة في الاعلام وطلب من الكل بدون أستثناء للتعاون وطرح الافكار لأعداد مسودة النظام الداخلي للرابطة. وهذا الاعلان خلق الالتباس والمداخلات، كانت بعضها غير ملائمة وبالمستوى المطلوب فأقتصرت على تأزيم المسألة بالطرح السلبي، أي تناولت الوجه السلبي وبل طالت الى الاسقاطات الشخصية و لم تكترث للجوانب الايجابية للرابطة وأهمية وجودها . وبالمقابل وُجدت أراء ومقترحات بناءة وجديرة بالاهتمام ،وظهرت طروحات تشجيعية تؤيد تحقيق الرابطة .
وقد بادرتُ شخصيا منذ البداية لتأدية طلب غبطة البطريرك مار لويس في أعداد مسودة النظام الداخلي منطلقا من قناعتي الشخصية بأهداف الرابطة الانفتاحية والحاجة الى مساندة الكنيسة والتعاون المشترك بينها وبين العلمانيين .وأعتقد قد وردت الى البطريركية مقترحات أو ملاحظات أخرى حول الموضوع من المهتمين والمتابعين الاخرين . وللمتغيرات الامنية والسياسية المتسارعة والتي طالت أبناء شعبنا في العراق أثرت على مسيرة التأسيس للرابطة ونضوج فكرتها .ولكن التصميم والاصرار الذي أبداه مار لويس ، نوقشت المسودة المطروحة للنظام الداخلي من قبل الاباء الاساقفة لابداء آرائهم، فتم صياغة المسودة وأُلاعلان عنها . وبدأت الطروحات أيضا على نصوصها ، وعلى أثر تلك المداخلات ظهر نوع من الالتباس والارتباك لدى البطريركية للتغيير والرد ،فظهرت عدة بيانات لتوضيح المقصود ببعض المفاهيم أو الاعلان عن مسودة جديدة تحت تأثير تلك المقترحات ، في الوقت الذي ارى عدم وجوب البطريركية للقيام بذلك ،ولماذا ؟
من المعروف أن أعداد مسودة النظام الداخلي لاية جمعية أو رابطة أو نقابة يمر بمراحل ،أولها أن يعلن الى المعنيين أو الجمهور أو الشعب عن النية في تأسيس الرابطة ويطلب أبداء المقترحات لأعداد النظام الداخلي ، وثم تشكيل لجنة من الاختصاصيين القانونيين والاداريين والاختصاصات ذات العلاقة بعمل الجماعات وذوي الخبرة في منظمات المجتمع المدني لتثبيت مواد النظام الداخلي ، والمرحلة الاخيرة مناقشتها والبث بها في المؤتمر التأسيسي . والاعلان عن الانتماء الى الرابطة ، فسوف يكون أنتماء الفرد بحسب قناعته بالنظام الداخلي، فأذا أنسجم النظام مع تطلعاته وأهتماماته فيطلب الانتماء وأذا رأى أنها لاتنسجم مع تطلعاته  فلا يهتم بها .
لكن  الذي حدث هنا  تكررت عملية الاعلان عن مسودات النظام الداخلي من قبل البطريركية وعدم الاستقرار على صيغة معينة لغرض مناقشتها والبث بها في اللقاء التأسيسي.  وفي كل محاولة ظهرت مفاهيم وتعاريف ومواد جديدة مغايرة عن المسودة السابقة مما يدل على وجود أزمة في الادراك للمفاهيم التي أحتدم النقاش حولها سوى من قبل البطريركية أو المناقشين والمقترحين .
ففي المسودة الاولى التي أُعلن عنها لم تكن هناك أشارة لرئاسة الرابطة من قبل غبطة البطريرك ، وبالرغم من ذلك فهم المتابعون أنها رابطة كنسية ومذهبية وأن الاكليروس سيديرها وما شابه من الاقوال ، بينما كانت الاهداف والمواد الخاصة بالادارة واضحة لتحقيق مبدأ علمانية الرابطة ومساندة الكنيسة ورعايتها لها . وزادت المسالة تعقيدا عندما جاء في نصوص المسودة المعلنة بعد السينودس أن البطريرك الكلداني سيكون رئيس الرابطة ووضعت لجنة من الاساقفة للتهيئة لتأسيسها ، بينما كنت أحد المؤيدين والمقترحين بأن يكون بطريرك الكلدان رئيسا فخريا للرابطة ، ولكن أبدى غبطة البطريرك مار لويس رفضه لهذه الفقرة ، وقال أن الاكليروس سوف لاينضمون الى الرابطة بل ستكون بأدارة العلمانيين تماما .وكرر غبطته أنه لا يطمح أن يكون رئيسا للرابطة فسوف تُقر وتُدار من قبل العلمانيين، فكيف حدث ذلك لطرح تلك الفقرة لا أدري؟
 وظهرت في المسودة من شروط الانتماء : أن يكون كلدانيا ، كنسيا وقوميا وثقافيا. تلك الفقرة التي رحب بها العديد من المهتمين الكلدان ،بينما أعترض عليها الاخرين منطلقين على أنها مؤشرات التعصب وتجزئة شعبنا وما شابه من الاقوال، وأخيرا أُعلن عن مسودة أخرى أحدثت جدلا عميقا ورفضا للمفاهيم الواردة فيها ، بينما نالت رضى الاخرين .وفعلا كانت المسودة مرتبكة في نصوصها وموادها التعريفية وأفتقرت الى الدقة في صياغتها،فقد أشارت المادة الاولى المتعلقة بالاسم:  الرابطة الكلدانية العالمية. هويتنا هي: كنيسة كلدانيّة كاثوليكيّة جامعة، شاهدة ومبشرة بفرح الانجيل لعالم اليوم، ولا تُقحم نفسَها بالانقياد الحصري وراء عملٍ قوميٍّ أو سياسيٍّ أو حزبيٍّ يُفقدها زخم هويتها الكنسيّة.أن هذا التعبير عن الهوية يصلح عندما يُطلب تحديد هوية الكنيسة الكلدانية وليس الرابطة الكلدانية ،فجاءت هذه العبارة غير منسجمة مع النظام بأجمعه.وهنا تبدو بوضوح الازمة في المفاهيم.
 
فالاكتفاء بهذا النص في المادة الاولى من النظام برأي هو الافضل " أسم الرابطة :( الرابطة القومية الكلدانية ) أو تبقى ( الرابطة الكلدانية )وينص أحد شروطها ( الانتماء كلدانيا قوميا وثقافيا )، ولكي تنسجم مع رسالة الكنيسة فهناك احدى فقرات التعريف ، بأنها تعمل في سياق التعاليم الكنسية لكي تكون مؤشرا في مساندة ورعاية الكنيسة لها.وبهذا سيكون وضوحا بأن الرابطة هي خاصة بجماعة بشرية تحت مسمى الكلدان .وسيكون هذا أكثر أنسجاما مع المعطيات السياسية والاجتماعية للاوضاع الراهنة في العراق والمنطقة ، فالتصنيف الاجتماعي لمكونات الشعب العراقي الحالية تنطلق من المفاهيم الدينية والمذهبية والقومية ومكرسة بالدستور الذي يعد القانون الاساسي للبلد لتنظيم المجتمع ونظام الحكم في الحكومة المركزية في بغداد أو في أقليم كوردستان ،فلا ضرر من وضع هذا الاسم طالما يذكر الدستور المركزي أن الشعب العراقي يتكون من العرب والكورد والتركمان والكلدان والاشوريين ... الخ .فلو عُرف الشعب العراقي بأنه  مجموعة الافراد الذين يعيشون على ارض العراق ويتمتعون بجنسية عراقية ومتساوون امام القانون ، لقلنا لا حاجة لذكر القومية الكلدانية .وهكذا بالنسبة الى دستور أقليم كوردستان ، لو نصت مادة التعريف بشعب كوردستان ، مجموعة الافراد الذين يعيشون على أرض أقليم كوردستان ومتساوون أمام القانون ،بدلا من النص القائل : يتكون من الكورد والتركمان والكلدان السريان الاشوريين والارمن ... الخ .
ولماذا يتخوف البعض من أطلاق كلمة القومية لمجموعة بشرية ؟ القومية بمفهومها اللغوي في العربية هي مصدر لكلمة القوم، فأية جماعة  أثنية تطلق عليها تسمية معينة ولسبب ما وتجمعهم الخصائص الحضارية والاجتماعية المشتركة هي قوم من الاقوام .قالكلدان قوم والعرب قوم والاشوريين قوم والسريان قوم وهذا هو الواقع الاجتماعي المنظورفي عصرنا الحالي. فليست التسمية مهمة لكي  تأخذ من المهتمين حيزا كبيرا من وقتهم وعملهم ،بل الاهم هو العمل المشترك والتعاون والاحترام المتبادل وقبول الاخر ووحدة القرار.
أن أعتبار الرابطة قومية كلدانية ،لا يدل ذلك عل تعصب القائمين عليها أو أنفصالهم،بل أن الاغراض التنظيمية التي يعكسها الواقع الاجتماعي والسياسي المعاصر لكي تنسجم مع معطياته تستوجب تلك التسمية ،وتتبين هويتها من أهدافها وتعريفها ، فلا خوف على أطلاقها طالما أن أهداف الرابطة واضحة جدا في أنفتاحها ومرونتها.فماذا يقول هؤلاء أنفسهم لو ثُبتت هوية الرابطة كما وردت في المسودة الاخيرة المُعلنة ؟ أ لم يقولوا أنها تعزز المذهبية وترسخها ؟وعلى كل حال فأن مسالة تداخل المفاهيم المرتبطة بتسمية الجماعات البشرية معقدة وغير محسومة من قبل العلماء وهي هلامية بحيث تُعرف وفق متغيرات متعددة ،وقد ناقشت هذا الموضوع في مقال سابق .
ولتلافي هذه الاشكالات والاعلانات المتكررة من البطريركية للايضاح وتغيير المسودات، براي أن تثبت المسودة التي تبنتها مجموعة من الاشخاص برعاية سيادة مار ابراهيم ابراهيم الاسقف الفخري لابرشية مار توما في مشيكن الامريكية والمسؤول عن الرابطة في المهجر للتحضير لتأسيسها وفقا لمقررات السينودس، لغرض مناقشتها والبث بنصوصها في المؤتمر التاسيسي، فهي قابلة للتغيير أضافة َأو حذفاَ .حيث تبنتها مجموعة من الاشخاص بمختلف الطبقات الاجتماعية والفكرية  الاكاديمية والثقافية والخبرة العملية ، سواء الذين حضروا اللقاء أو ارسلوا ملاحظاتهم ايميليا لمناقشتها  .فتميز اللقاء بالمناقشات الهادئة والاستفتاء على كل فقرة تخص المسودة وتثبيت نتيجة الاغلبية ، فكانت دقيقة ومنطقية وشاملة ، وتميزت بأهميتها للمداخلات الرزينة والهادئة من سيادة المطران مار ابراهيم وتعاطيه الديمقراطي مع المناقشين وقناعته بما طُرح حتى وان كانت الفكرة لا تتوافق مع رأيه ،فقلما صادفتُ رجل دين بهكذا مستوى من الوعي الفكري المُتسم بالنقاش المُريح والتبادل بالاراء والاهتمام برأي الاكثرية  ،وأشعار المقابل بالطمأنينة في أبداء الرأي .   
وأخيرا تمنياتي للمشتركين في اللقاء التأسيسي النجاح والخروج بمسودة للنظام الداخلي موفقة ومحددة المعالم ،فالنظام الداخلي سيعد القانون الاساسي الذي ستنطلق منه الرابطة في عملها الميداني .

83
                    بطريرك المرحلة والرابطة الكلدانية
                                والانفتاح
  د. عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي
                 
                تنويه
                   أحاول في هذه المقالة تحليل العلاقة السببية بين المتغيرات الثلاث الاساسية التي هي موضوع المقالة بأعتبار،الانفتاح، متغير مستقل ، وبطريرك المرحلة والرابطة الكلدانية متغيرين معتمدين . وعلى هذا الاساس سابرهن الفرضية الاتية :
               " هناك علاقة وثيقة بين الانفتاح الذي يتمتع به البطريرك ساكو وأعتباره بطريرك المرحلة ،وتأسيس الرابطة الكلدانية "
وتعتبر دراسة أستطلاعية ، أي أنها لاتعتمد البيانات الاحصائية للتحقيق من صحة الفرضية ، فهي تمهيد للدراسة الوصفية التي يستخدم الباحث فيها المقاييس الاحصائية.

                   دخل الشعب المسيحي بكل طوائفه في العراق منعطفا تاريخيا جديدا منذ سنة 2003 بسبب التغيير السياسي الذي حدث في السنة المذكورة ،فانقلبت كل الموازين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والدينية على أثر التغيير السياسي الجذري الحاصل.وقد اضطربت الظروف الامنية ،وضعفت قوة القانون ووصلت الى درجة الصفر في السنين الاولى من التغيير ،فساد الظلم والاضطهاد والاقتتال والجريمة بأنواعها البشعة .
صورة مُقتضبة عن أحوال المسيحيين
 
تعرض الشعب العراقي بكل مكوناته الى الاثار التي ترتبت عن التغيير السياسي ،  ولكن كانت أشد تأثيرا على المسيحيين بمختلف طوائفهم .فطالهم الظلم والاضطهاد بكل صوره وطرقه ، ومن مؤشرات الاضطهاد ، القتل لاعدادٍ كبيرة منهم ، وتشريدهم من مساكنهم ، تدمير الكنائس ،  قتل رجال الاكليروس ،الخطف وأبتزاز الاموال، ولعله  كانت أعمال العصابات الداعشية الاجرامية تجاه المسيحيين على اشدها قساوة واضطهادا ،فاُعتبرت جرائم الابادة الجماعية ،والتي بدأت في 10 / 6 / 2014 أثناء غزوتهم على مدينة الموصل وثم التهجير القسري لهم من بلداتهم وقراهم في 3 / 8 / 2014 .وكانت من النتائج الوخيمة لهذه الظروف هي الهجرة المتواصلة لابناء شعبنا الى خارج العراق ، وانتشار البطالة بين القوى العاملة من المسيحيين ، وانتشار الفقر والتصدع العائلي في الاسر المسيحية بسبب فقدان الاب او الام  .

صورة عن أحوال الكنيسة

  وقد طالت الظروف التي مر بها العراق قبل السقوط وبأشد قسوة بعده على الكنيسة ، وكان للكنيسة الكلدانية نصيب كبير للآثار السلبية التي أفرزتها الظروف السياسية والامنية منذ سنة  1991 ، حيث برزت بوادراللاتنظيم في الكنيسة لاسباب متعددة أهمها ، هجرة المسيحيين الى الخارج ، الضعف في الهرم الاداري الكنسي ،وظهور التشتت ،والتشرذم ، والفوضى ، وغياب المركزية وفقداد الطاعة بين الاكليروس، وكان الاحترام المتبادل شكليا ولم يعبر عن كهنوتية حقيقية، ولم يكن هناك متابعة ، فضعف القانون في الكنيسة ، وتبينت هذه المؤشرات جليا في عهد المثلث الرحمات مار عمانوئيل دلي الذي تسلم السدة البطريركية عام 2003 وفي ظل ظروف اكثر اضطرابا وفوضى من ذي قبل ، فبدلا من ان يتصدى ويعالج تلك الظروف ،لكنها ازدادت ومالت نحو الاسوء ،لاسباب باتت معروفة للجميع وهي بالدرجة الاساس : الظروف الامنية السيئة وضعف القانون في البلد وتعرض المسيحيين لابشع انواع الاضطهاد، فتشردوا وهاجروا ففرغت الكنائس من الوسط والجنوب ، وكانت الفوضى  في الكنيسة قد بدأت قبل تسلمه للبطريركية ، اضافة وهذا الاهم ، كان رجلا متقدما بالسن .فقد حاول الكثير من أجل تنظيم الكنيسة ، ولكن للاسباب المذكورة حالت دون تحقيق ذلك ، ومن أبرز ما يُذكر عن مار عمانوئيل دلي هو صموده واصراره للبقاء في العراق في ظل الحالة الامنية الخطرة ، ونبذه للعنف وانتقاده للواقع السياسي والامني .

بطريرك المرحلة

أن المرحلة التاريخية التي يمر العراق بها ولا يزال ،وأخص بالذكر المسيحيين ،أقتضت الحاجة وبالحاح الى بطريرك ليكون على رأس الهرم الكنسي يتمتع بشخصية كارزماتية مؤثرة لتُعيد الكنيسة الكلدانية الى هيبتها  ومكانتها الدينية ووضعها المستقر لتؤدي دورها ورسالتها السماوية .فبعد أن قدم أستقالته البطريرك دلي ، وفّق السيهنودس الكلداني في أختيار البطريرك الجديد في 1 شباط من عام 2013،  مار لويس ساكو . وقد عُرف عن  جدارته في عمله ككاهنا ، وثم أسقفا ، فبدأ البطريرك ساكو منذ تسلمه السدة البطريكية لاعادة الحيوية الى المؤسسة الكنسية الكلدانية بعد أن كانت عبارة عن فوضى ادارية وما ترتب عن هذه الفوضى من أوضاع أصبحت تركة ثقيلة يواجهها البطريرك ، وكانت البداية معبرة بآمال التحسن في الوضع العراقي العام  لكي يتمكن من معالجة الوضع الكنسي ، ولكن لم يتحقق التحسن المنشود ،بل زاد سوءاَ .
بدأ مار ساكو ترتيب وضع الكنيسة وأعادتها الى طبيعتها الاعتيادية والتخلص من السلبيات وبتخطيط مدروس ومرحلي، وبحسب الحالات السلبية المتنوعة  في ادارة الاكليروس، والتنظيم المالي ،واختيار الاساقفة لسد الابرشيات الشاغرة ، وتفعيل دور العلمانيين في الكنيسة وامور أخرى بحاجة الى تنظيمها. مع هذه البداية وبعد مرور سنة واحدة على رئاسته الكنسية ، ضربت نكسة أخرى الكنيسة في العراق أكثر بشاعة وقسوة  من كل ما تعرضت له منذ السقوط وهي ، التهجير الجماعي للمسيحيين من مدينة الموصل في 10 حزيران من عام 2014 لتخيير المسيحيين ، اما الدخول بالاسلام أو دفع الجزية أو الهجرة أو القتل  من قبل عصابات داعش الاجرامية ، وتلتها نكسة أخرى وهي الهجرة الجماعية للقرى والبلدات المسيحية في سهل نينوى في 3 آب من السنة  نفسها .

أما البطريرك ساكو:

  بالرغم من حالة الكنيسة الداخلية وعدم التعاون من قبل  ابرشية مار بطرس في غرب أمريكا وخروج بعض من كهنتها عن الطاعة للقوانين الكنسية ، وما تعرض له المؤمنون المهجرون من أحوال مأساوية أجتماعيا وأقتصاديا ونفسيا وسكنيا وصحيا وتعليميا وتفاقم الهجرة الى دول الجوار ، وذلك لعدم أداء الحكومة المركزية وأحزاب شعبنا دورها في حمايتهم وتوفير المأوى ومتطلبات العيش في مهجرهم القسري،والاحداث المتسارعة وغير المتوقعة ، بالرغم من هذا الاوضاع ، لم ينحن ولم يتراجع ذرة ولم يتلكأ في أداء واجبه الابوي والرعوي مار ساكو أبدا ، فبدأ أكثر نشاطا وهمة وتحديا وأصرارا وألحاحا .
أستمر بالاصلاح الكنسي بكل جوانبه ، بل وأهم من ذلك قدم ولا يزال دورا كبيرا في متابعته لازمة شعبنا المتألم المتشرد ،فلم يعرف الراحة والسكينة ،بل نراه في مقدمة الكل ينتقل من عاصمة الى اخرى ، للمشاركة في مؤتمرٍ وندوةٍ ، ويلتقي  الملوك والرؤساء  ليحاورهم، على المستوى المحلي العراقي والاقليمي والعالمي ، مناشدا اياهم ومخططا معهم ومقدما مقترحاته في سبيل أنقاذ شعبنا وحمايتة والتخطيط لما بعد العودة .وقد أصبحت جلية النشاطات التي يؤديها البطريرك ساكو للجميع، للصغير والكبير للسياسيين والاعلاميين  والمتابعين ولعامة الشعب ، فهو نجما ساطعا يراه الجميع في كل مناسبة ، يتنقل بين أبناء شعبنا في أماكن أقامتهم القسرية وفي دول الجوار ، ويزور الابرشيات  والمؤسسات التابعة لها، فتراه مع الاطفال يشارك براءتهم ،ومع الشباب يُحفز روح العطاء فيهم ،ومع المسنين يشارك أوجاعهم ، ويصل الى أبعد قرية في المناطق النائية وبالرغم من قلة المؤمنين فيها ، وختمها في هذه اللحظة في ابرشيتي طهران وأورمية.
أستطاع البطريرك ساكو أن يجتاز الطريق ، الطريق الوعر جدا والمزروع بالاشواك ،ويتحمل الظروف القاسية التي تحيطه من كل الجهات ، فهذا الاجتياز والثبات لم يأت صدفة وعشوائيا ،بل لايمانه أولا وقبل كل شيء بأنه هو مُلك للرب والكنيسة وراعيا للمؤمنين ،فالراعي يكون ساهرا على رعيته .وبعدها تأتي " الشخصية الانفتاحية " التي يتمتع بها والمتأتية من سعة الفكر والقدرة على التكيف والتأثير على الاخرين وأمكانيته في بناء العلاقات  والرؤية الثاقبة والمُمَنهجة في التعاطي مع الاخرين .فهو يعمل من أجل الجميع فلا حاجز ديني أو سياسي أو قومي أمامه ليعثر به ، أنه رجل السلام والمحبة والانفتاح ،فهذه هي الكلمات والعبارات التي تأتي في سياق حديثه دائما في كل المناسبات واللقاءات:
العيش المشترك  ، أشاعة ثقافة السلام والعدالة والمساواة ، الاستقرار ، المصالحة ، الاخوة ، التعاون ، نبذ الاقتتال والدمار ، الاحترام المتبادل ، أحترام الحقوق ، نبذ التطرف والعنف ، الحوار ، أحترام الرأي وتقبل النقد البناء ، دور الثقافة في بناء الانسان ، الانفتاح الديني ، ومن هذا المنطلق الانفتاحي الحيوي خاطب رئيس مجلس الشورى الايراني أثناء زيارته له مؤخرا في طهران ، قائلا : " أن الاقتتال دمار لا يرضيه الله والدين ، وأهمية العيش المشترك بين كل الديانات والمكونات ، ونحن نعيش ككلدان وأشوريين وكمسيحيين ومسلمين مع بعضنا منذ القدم ،فعلينا أحترام حقوق بعضنا البعض " .

وماذا عن الرابطة الكلدانية ؟

يقول البطريك ساكو : " ان العلمانيين لديهم أحساس وفكر ومعرفة ،فُسحة واسعة من العمل في المجال الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والقومي ،الكنيسة تبقى مرجعية روحية وتوجيهية تدعم هذه الانشطة من دون أن تنخرط فيها ". وقد أختصر غبطته أهمية  تأسيس الرابطة الكلدانية بهذه العبارة الشاملة التي تعد مؤشرا أساسيا لبيان الدور الاساسي للعلمانيين وأرتباطهم بكنيستهم وبدون أن ينخرط الاكليروس في الانشطة المُلقاة على عاتق العلمانيين .
 وقد حدد أهدافها قبل أكثر من سنة وأبلغها عِبر وسائل الاعلام لايمانه بأهمية الاعلام في التواصل ، وطلب من الجميع برفد المقترح بمقترحاتهم وارائهم البناءة في سبيل الخروج بنظام داخلي متين ودقيق وشامل لغرض وضع الاسس الصحيحة لعمل الرابطة ،انطلاقا من الاهداف التي وضعها في ندائه .فلبى العديد من المهتمين طلبه ،ولعله أبرز مناقشة جماعية هي التي رعاها سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم الاسقف الفخري لابرشية مار توما في مشيكن الامريكية قبل شهرين.وتلك التي رعاها غبطته في كنيسة مار كوركيس في بغداد مؤخرا. ونوقشت مسودة النظام الداخلي من قبلهم، وبين فترة واخرى تُعلن المستجدات ، وفي كل مناسبة أو مقابلة اعلامية يتم طرح موضوع الرابطة لغبطته من قبل الاعلاميين،فأصبحت الامور المرتبطة في تأسيسها أكثر وضوحا للجميع ، ومع هذا كُلِه يأتي البعض ويتساءل عن ماهية هذه الرابطة .
من مقارنة الافكار الانفتاحية للبطريرك ساكو والتي يؤكد عليها دائما في طروحاته وفي جميع  المناسبات بمضامين الاهداف التي وضعها للرابطة ،يتبين وبوضوح أنها متطابقة ومستوحاة من فلسفته الفكرية الانفتاحية ،فماذا يمكننا الاستنتاج من هذه الاهداف:
1  - حشد طاقات الكلدان في العراق والعالم في سبيل تعزيز العلاقات داخل البيت الكلداني ومع الاشقاء .
    2 – تعمل من أجل  استثمار  كل الطاقات  والامكانيات  والخبرات  لخير بنات وابناء شعبنا.
    3 – ترسيخ اسس العيش المشترك القائم على الحرية والمساواة على اساس المواطنة واحترام حقوق الانسان .
   4 – تعمل من أجل الحفاظ والدفاع عن حقوق الكلدان والمسيحيين الاجتماعية والثقافية والسياسية .
5- تهدف الى نشر التراث المشرقي والكلداني على جميع المستويات.
   6 – تشكل قوة ضغط  وسند لاستمرار الوجود الكلداني والمسيحي في البلد الام العراق .
    7 – تكون قوة ضغط في بلدان الانتشار على صناع القرار في البلدان التي يتواجد فيها الكلدان لتنعكس ايجابا على البلد الام العراق .
    8 – تسعى لبناء جسور التآخي والمحبة واحترام الاخر والمساواة مع مكونات شعبنا بدون أستثناء .
9 – تسعى لمساعدة العوائل المحتاجة والحد من مشكلاتها الاجتماعية  كتوفير فرص العمل والحد من الهجرة .
10 – تسعى الى تطوير البلدات الكلدانية والمسيحية من خلال دعم برامج تطويرية من قبل أصحاب رؤوس الاموال و الصندوق الكلداني.   
11- تفتح الرابطة مكاتب لها في المحافل الدولية  كهيئة الامم المتحدة في جنييف ونيوورك..
فالرابطة الكلدانية هي أنفتاحية بدليل ما تُشير اليها أهدافها ، فلها خصوصية للكلدان في مسألة الانضمام اليها ،ولكن لا تعني هذه الخصوصية التقوقع على الذات والتعصب للكلدان والعمل من أجل الكلدان فقط ،فهي خصوصية من أجل التنظيم وعدم التدخل بشؤون الاخرين ،فالاهداف تبين أنها تعمل للكلدان والمسيحيين، بالطبع المقصود مسيحي العراق من الاشوريين والسريان والارمن والطوائف الاخرى.فالبطريرك ساكو في مطالباته ضمن مشاركاته في المؤتمرات الدولية واللقاءات مع القادة ، لايتحدث لتحقيق حقوق الكلدان وأنما المسيحيين قاطبة ، فهل يصُح أن يطالب بحماية أمنية للكلدان دون غيرهم من المسيحيين ؟بالطبع لايمكن أن يفكر يوما ما بهكذا طلب ٍ.
فالرابطة أيضا عندما تطالب بحقوق معينة أو تقوم باستثمار ما لتنمية المجتمع ،فهي لا تقتصر مطاليبها للكلدان فحسب بل الى كل من يشترك مع الكلدان كضحايا الاضطهاد والتمييز العنصري والسياسي والاجتماعي ، واذا تبين بأن بغديدا هي بأمس الحاجة الى البناء والتنمية مثلا فلا يمكن ان تغض العين عنها الرابطة لانها بلدة سريانية .وهكذا تُطبق على برواري بالا الاشورية او محلة أرمنية .
شمولية الانفتاح للرابطة الكلدانية لا تقتصر على الشركاء بالمسيحية ،بل يتعدى الى المكونات الاخرى من الشعب العراقي التي تشارك الكلدان والمسيحيين بالعيش على ارض الوطن ، فكما رافق غبطة البطريرك القافلة الغذائية للمهجرين السنة من مدينة الرمادي  واعلان التضامن والاخوة بين مكونات الشعب العراقي ،هكذا الرابطة ستعمل بروح من الاخوة والتضامن مع كل المكونات .
الرابطة الكلدانية وفقا لاهدافها سوف لن تبني جدارا  حاجزا  في العلاقات والتضامن بينها وبين الاحزاب السياسية الاشورية أو السريانية لانها ليست كلدانية ،فهي تتضامن مع الكل وتمنح خبرتها للكل أذا أستوجبت الحاجة لها  كما تمنحها للكلدان.فهي تنطلق من الواقع الاجتماعي والسياسي المُعاش ،وتنبذ كل الخصومات ن وسوف لاتوظف التاريخ لاثارة النعرات القومية أو الطائفية  ،وانما ستستفيد من التراث في دعم وتنشيط عوامل الاخوة والتضامن والعمل الجماعي والاحترام المتبادل .
يتخوف البعض من أن الرابطة سيستحوذ عليها التيار المتعصب من الكلدانيين أو الاحزاب القومية المتعصبة .وهذا بأعتقادي لن يحدثَ ،لان أحد الشروط الاساسية للرابطة في مسودة النظام الداخلي يشير بوضوح الى " الطالب الانتماء اليها يجب أن لايحمل أجندات سياسية أو حزبية خاصة " .مما يدل بوضوح أن طالب الانتماء الى الرابطة لابد ويجب أن تتطابق توجهاته ويعلن عن أيمانه بأهداف الرابطة الانفتاحية المعلنة، ولا يجوز تجييرها نحو أهدافه الخاصة الشخصية أو لتلك الجماعة التي ينتمي اليها مهما تكن ،فأذا خالف ذلك سيتعرض الى عقوبة الفصل من الرابطة بحسب النظام الداخلي .وعليه سوف لن تكون الرابطة مكانا للتقوقع على الذات أو مُسيرة من قبل فئة على حساب الاخرين .
فالرابطة مفتوحة لجميع الكلدان وبمختلف الفئات الاجتماعية والتعليمية ومن كلا الجنسين ،وسيكون الانتماء اليها وفقا للشروط التنظيمية المستوحاة من الاهداف التي ترمي الى تحقيقها  .
وأخيرا وبحسب المعطيات المُشار أليها فأن الانفتاح الذي ترتكز عليها ألاقوال والانشطة والفعاليات  والادوارالتي يؤديها غبطة البطريرك ساكو على كل المستويات وفي كل المناسبات  ويشهد لها الكل من السياسيين والاعلاميين والكتبة المهتمين وعموم الشعب المؤمن والكنيسة قاطبة ، يمكن أن نعتبره بطريرك المرحلة.وعلى نفس السياق ،طالما أن الرابطة الكلدانية كانت وليدة أفكاره ،وأرتكزت أهدافها التي وضعها بنفسه على فلسفته  الفكرية الانفتاحية ،فأذن الرابطة الكلدانية ستكون أنفتاحية مستقلة، وهي التي توطد العلاقة العضوية بين العلمانيين والكنيسة ،بأعتبار العمل فيها مسنودا الى العلمانيين وبدعم من الكنيسة وبدون ان تنخرط فيها .  ووفقا لهذه الدراسة الاستطلاعية ،فأن الفرضية التي وضعتها في المقدمة صحيحة.
      _________________________
الهامش
  المقصود بالدراسة الاستطلاعية وفقا لاصول البحث العلمي ،هي تلك الدراسة الاولية التي يجريها الباحث عن ظاهرة معينة ليشخص المتغيرات المرتبطة بنشؤها ويعتمد على الملاحظة أو استبيان أستطلاعي أوالتنظير ،لكي تمهد الطريق له والاستفادة من معطياتها لدراسة وصفية تحليلية قادمة مستخدما المقاييس الاحصائية .

84
                           لماذا النداء التاريخي الذي أطلقه
                             المطران الجليل مار نيقوديموس؟

د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي

                  يُشرفني ويُزيدني أعتزازا ،أن أكتب تحليلا عن النداء والرسالة المسيحية الأنسانية التي أطلقها أحد طلابي النجباء الذي درسّتَه في المعهد الاكليريكي للسريان الارثودكس في مدينة الموصل مطلع التسعينيات من القرن الماضي لمادتي علم الاجتماع العام وعلم الاجتماع الديني ،وقد كان طالبا مجدا ومثابرا  في دراسته الاكليريكية  " سامان داود متي شرف " وأصبح بجدارة فائقة رمزا  ونجما  ورائدا في طريق الرب  من بين أكليروس الطوائف المسيحية في العراق قاطبة، منذ أن  أصبح رسول المسيحية بسيامته الاسقفية بأسم مار نيقوديموس . فلم يتخاذل ولم يهدأ لكي يعلو صوته وينادي ويعبر باعلى صوته لمناجاة المسيحيين المضطهدين و المهجرين قسرا ،ولم يهدأ له بال والا أطلق تصريحاته المثيرة والمدهشة ليقول للرأي العام العالمي والعراقي الرسمي والشعبي : أننا نُقتل ونُشرد وننام في العراء وانتم واقفون تتفرجون وتتلذذون للمأساة التي يعاني منها المسيحيون .

وقد أصبحت شجاعته لتصريحاته ونداءاته من أجل شعبه المسيحي معروفة للجميع عالميا وأقليميا ومحليا ،ليس الارثودكسي بل كل المسيحيين الذين يراهم  بنظرة واحدة دون تمييز بين هذا أو ذاك ، وقد أصبح نجما في الاعلام العالمي، تارة  في الفضائيات واخرى في الاذاعات وفي الصحافة المتنوعة .وكل ما يقدمه هو من أجل المسيحيين ،فعندما يتحدث الى هؤلاء ،يوحي للجميع بأن المسيحيين في وحدة  ،لان نبرة كلامه وخطابه يصب  في القول " نحن المسيحيين"،ولكن في الحقيقة، المسيحيون منقسمون .

فهو يدرك تماما أنهم منقسمون ولا يلتقون حتى بالشكليات ومنها تاريخ االاعياد ، فعليه طلع علينا بشجاعته الفائقة والنادرة بين رجال الدين كافة ليقول في موعظته التاريخية بمناسبة الاحتفال بالقداس الالهي في يوم القيامة المجيدة لهذا العام والموافق في 12 / 4 في بلدة عينكاوة في خيمة المهجرين  . وأمام الاف المؤمنين المصلين وعبر وسائل الاعلام لكي يصل ندائه الى أقاصي الارض ويقول : هلموا نتحد أيها المسيحيون ، وأطلق ندائه لاصحاب القداسة والغبطة لكل رؤوساء الكنائس ليقول : أقبل أيديكم ورجليكم وحدونا ووحدوا لنا العيد، وكفى أن نكون عبيد التاريخ والتقاويم التي وضعها البشر وننسى المسيح الواحد . وأعتبر عبادتنا للتقاويم خزيٌ وعيبٌ.

أطلق صيحته الشهيرة هذه بعد أن تكونت لديه قناعة من خلال التجارب المريرة التي يمر بها شعبنا المسيحي في العراق والشرق الاوسط ،من ظلم وأضطهاد وتهجير ،بأننا واحد وهدفنا واحد ،ومصيرنا واحد ، وقلبنا واحد ، والموت والتعرض اليه وحدنا .فلم يأت " داعش " ليميز في أضطهاده بين الارثودكسي والكاثوليكي ،ولم يميز بين السرياني والاشوري والكلداني ، بل وجه سمومه وسيفه الينا جميعا لاننا مسيحييون ، نعم مسيحيون فقط لا غير .فطالما نحن واحد ، فلماذا لا نعيد سوية في يوم واحد يقول المطران الجليل .

كانت صرخة سيادته لتقليل من الاهانة ، ولتعزيز الكرامة ، ولكي يشعر الجميع بأنهم واحد في المسيح ،وليقول جميع المسيحيين بأختلاف مللهم : أن المسيح قام ،حقا قام في يوم واحد وليس في يومين لاختلاف التقويمين .فهو يرى بأن أبسط ما يكون في وحدة المسيحية وتذليل الصعوبات للوحدة هو توحيد الاعياد ،ولتكن خطوة أولية وأنطلاقة حقيقية للمبادرة للوحدة .

من المعروف أن كلا التقويمين ، اليولياني والغريغوري هما من تثبيت البشر من الفلكيين ولا صلة بذلك باللاهوت ،ويرجح معظم المهتمين بأن كلا التقويمين الغربي والشرقي على خطأ ،فأذا لما الاصرار والتعنت بلا مبرر لاهوتي للتشبث بهما ؟فكلا العيدين الكبيرين ، الميلاد والقيامة تواريخهما غير صائبة فهي مثبتة من خلال الاجتهادات البشرية ولعبت العوامل التاريخية والعقائدية اللاهوتية والجغرافية والاجتماعية والسياسية والشخصية دورا كبيرا في تثبيتها ووفق معطيات العقل البشري في القرن السادس عشر الذي نبه الفلكيون البابا على الثواني والدقائق المتراكمة ،وثم يثبتوا تقويما آخرا ليتميز عن التقويم اليوليي الشرقي ويفرق المسيحيون في أحتفالهم بعيدي الميلاد والقيامة.

أ ليست غريبة ، وأن العقل البشري في القرن الحادي والعشرين لا يدرك عدم جدوى لمثل هذه الظاهرة؟ ليشعر الرؤوساء الدينيين بأن لا معنى لهذا الاختلاف ، ويدركوا مدى التأثير السلبي على المؤمنين نفسيا وأيمانيا .وليفكروا أن توحيد التقويمين سيكون خطوة لقبول الاخر وأنها بداية الوحدة لان المسيح واحد .فما هو تأثير التاريخ  يا ترى على الايمان ايجابيا ؟فهل الاحتفال بالعيد في التاريخ الشرقي أو الغربي سيؤثر على اللاهوت ؟هل المحتفل بالتقويم الشرقي  سيقوده الى ملكوت الرب السماوي دون المحتفل بالتقويم الغربي ،أو بالعكس ؟
وقد كان قول مار نيقوديموس صائبا جدا وما نطق به هو عين العقل والادراك المنطقي عندما قال : أن ربنا المسيح وأن قام يوم الاحد ،سيفرح بنا لو توحدنا وأحتفلنا بقيامته في يوم الاربعاء . وهذا كلام لانسان يدرك تماما بأن لا معنى للتاريخ الذي يضعه البشر ليكون عثرة أمام المسيحيين لوحدتهم ويكون مصدر معاناة الاجيال ،وهو أدراك لعقلية القرن الحادي والعشرين وليست عقلية خمسة قرون مضت .
 وأضافة لما لخص سيادته من الاثار السلبية لهذا الاختلاف بعبارة " الاستهزاء منا والتقليل من كرامتنا وأهانتنا "أضيف هنا بهذه المناسبة أبرز الاثار السلبية التي قد تتركها هذه الظاهرة في مجتمعنا المسيحي ،ومن جملتها :

الاثار الاجتماعية والنفسية : وقد تكون تاثيراتها سلبية على الفرد حيث يصيبه التوتر النفسي ،ويراوده الشكوك، وثم ضعف الايمان،خاصة في عصرنا الذي يحاول الانسان فيه أن يبحث ويفكر ويفسر بنفسه لتساؤلات عن المفاهيم الدينية ،فعندما يرى أن المسيحيين لا يتفقوا على التواريخ فكيف سيتم الاتفاق على العقائد المسيحية الاساسية .وقد يضطر العديد أيضا الى التحول من الاهتمام والاحترام للمؤسسة الدينية الى اللامبالات والاهمال والميل الى الالحاد ،أو قد يتحول الى مذاهب أخرى لكي تشعره بالطمأنينة في الدين ، هذا ما نلاحظه ميدانيا .
ومن أبرز الانعكاسات النفسية والاجتماعية تلك التي تحصل في الاسرة التي تكونت على اساس الزواج المختلط الذي يعرفه الباحثون الاجتماعيون ،العقد الذي يقترن به الفتى والفتاة وكل منهما من مذهب ديني مختلف . بالرغم من أن كلاهما يعتقدون بالمسيحية ،الا أنه لا يشعران بالراحة والاطمئنان بدون الاحتفال بالعيد مع أبناء طائفتهما ،وهكذا بالنسبة الى الابناء ستكون المسالة أكثر ألما وتوترا عندما يلاحظون كل من الاب والام  يحتفلان مرتين ، وناهيك عن الخجل وما ينتابهم من المشاعر السلبية أمام الا صدقاء ومن يختلطون معهم خارج الاطار الاسري،مما تؤدي هذه العوامل الى عدم تحقيق التوافق الاسري والتنشئة الاجتماعية السليمة للأبناء.

ومما هو جدير بالاهتمام فأن ظاهرة الزواج المختلط تزداد نسبته بين أبناء الطوائف الدينية بعد أن تقلصت العزلة الاجتماعية  للجماعات البشرية بفضل التغيير الاجتماعي والحضاري ، مما أتيحت الفرصة لأختلاط الشباب والشابات مع بعضهم في الجامعات وأماكن العمل ،والهجرة وفي المناسبات الاجتماعية المختلفة ، ويضاف اليها عوامل الاتصال السريع حيث وفرت الفرصة أيضا لالتقاء المقبلين على الزواج من بعد .

الاثار السياسية : وتظهر جليا في مسألة تعاطي الحكومات مع المسيحيين وخصوصا في البلدان النامية التي تبني سياستها على الطائفية الدينية  . أضافة الى تورط الطوائف المسيحية في مثل هذه البلدان الطائفية للدخول في الصراعات بسبب تكتلها مع الطوائف غير المسيحية مثلما نرى ما يجري في العراق و لبنان،ومن جهة أخرى يؤثر أنقسامهم على أمكانيات التوافق والانسجام في تشكيل قوى سياسية لتمثلهم في الساحة السياسية ، وهذا ما يحصل تماما في العراق ، أذ نلاحظ  الصراعات والتباعد والاختلاف بين الاحزاب السياسية للمسيحيين،حالت دون تحقيق أهدافها القومية والوطنية  .

الاثار القانونية: نظرا لوجود الاختلاف بين الطوائف في مسالة  التنظيم القانوني  مثل الزواج والطلاق والميراث، يؤدي الى ارباك الدولة في التعاطي مع الطوائف المسيحية ، فهي تضطر الى صياغة قانون موحد ،وانما قد تعترض بعض منها لمواده التنظيمية.

 وكان من بين العوامل التي دفعت مار نيقوديموس الى أطلاق ندائه اضافة الى الاثار السلبية ، هو أدراكه من خلال تواجده ومتابعاته ومشاركاته الشخصية في مواجه الاحداث المؤلمة التي تعرض لها المسيحيون مؤخرا على يد داعش الاجرامي ، بأن هذا الاعتداء كان على أساس الهوية المسيحية ولم يكن على ألاساس الطائفي  . ومن جهة أخرى أستيعابه لمسالة التعاون والاندفاع الذي حصل من قبل المسيحيين في أقليم كوردستان تجاه أخوتهم المسيحيين المهجرين من الموصل وسهل نينوى دون الاكتراث لمن يقدمون مساعداتهم .

لم يفكر مثلا أهالي منكيش في المهجر لمن ستصرف المساعدات المالية التي تبرعوا بها من خلال مبادرة موقع منكيش الالكتروني الى ضيوفهم من مئات العوائل السريانية الارثودكسية التي وصلت بلدتهم ، فلم يتبادر الى ذهنهم غير أن أخوتهم المسيحيين هم بحاجة أليهم . وهكذا في عينكاوة وكل القرى الكلدانية الكاثوليكية والقرى الاشورية من كنيسة المشرق . ولم يفكر الاكليروس وفي مقدمتهم البطريرك مار لويس بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وأخوته الاساقفة من كل الطوائف،بأن مايقومون به من أعمال واتصالات وأنشطة لمواجهة الاحداث هي لمصلحة طائفة دون أخرى.

وعليه بادر سيادته لاطلاق ندائه طالما توصل الى نيتجة مفادها،  أن المسيحيين يتصرفون حيال بعضهم على أساس أيمانهم المسيحي الواحد لان المسيح واحد ،وأنهم يدركون التداعيات السلبية لانقسامهم  ،فلماذا تبقى الانقسامات طالما  أن الشعور بالمسيحية هو واحد لكل الطوائف،وفي الاحرى الانقسام في تاريخ الاعياد الشكلي .

ولتكن صرخة سيادته تقليد يمارس في كل الكنائس في العيدين الميلاد والقيامة الى أن تتوحد المذاهب الدينية ، فكانت في الحقيقة صرخة تاريخية وانسانية ودينية وأخوية ،فهي صرخة للوحدة والاخوة والكنيسة الواحدة لان ربنا المسيح هو واحد.

 فأسمح لي الاخ العزيز " أيشو شليمون " بأن أختم مقالي بما سطره قلمك الرائع والمتزن في تعقيبك لخبر المنشور من قبل الاخ " ظافر شانو " لكلمة المطران مار نيقوديموس. حيث عجبني كثيرا :
                                    بارك  يا رب وانعـم  واهدنـا جميعاً
ألــــف  تحيـــة  لصوتكــم  الهــادر  ابتــي
إنـهُ  لصــوت  الحـــق  صــوت  الوحـــدة  والأيمــــان
ولتكن كلمة التوحيــد التي اطلقتموهــا ورددهـــا المؤمنــون من بعدكـــم شـعاراً يتلى ويردد
في جميــع الكنائس من قبل المؤمنين وفي جميع المناسبات
 الآ أن يأتي اليــوم الذي فيــه
نهلهل ونسبح ونزيــح الأعيـــاد معاً
اخــــوة  فـي الــرب
بصوت واحـــــــد
وقلب واحــد
وآن واحــد
آميـن
وتحية لك سيادة المطران ونقبل  يداك الطاهرتين جميعا. وتحية لكل من يندفع ويسعى من أجل توحيد مذاهبنا الدينية ، ويعمل لتوحيد شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني الذي يمتلك كل المقومات المشتركة للوحدة ، سواء كان من الاكليروس والعلمانيين . 

85
                           عودة كرسيّ كنيسة المشرق الاشورية
                       من الاغتراب الى الوطن، الحكمة والمبررات

د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

           في البدء ، أتقدم بأحر التعازي للأخوة أبناء كنيسة المشرق الاشورية من الاكليروس والعلمانيين والى ذويه ومحبيه جميعا بمناسبة أنتقال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع الى الملكوت السماوي لينعم بالراحة الابدية فيه.

                     مقدمة
                            لا تقتصر دراسات وأبحاث الباحثُ الاجتماعي المُختارة على جماعة بشرية دون غيرها ،أو مؤسسة دون أخرى ،أو ظاهرة في مجتمع ما دون المجتمعات الاخرى .فخدمة الباحث وأعماله تُقدم للجميع بدون أستثناء. أقصد مما ذكرته ، قد يتساءل القارىء الكريم وما علاقتك بالكنيسة المشرقية الاشورية وانت من أبناء الكنيسة الكلدانية ؟ فهي أجابتي لسؤال متوقع منه . فاذا كنت أبحث في ظواهر مختلفة ولمجتمعات متباية ،فكيف لا أبحث وأهتم في دراسة الظواهر التي أحس بأنها بحاجة الى الدراسة للكنيسة الاشورية التي هي أحدى الكنائس العريقة للشعب الذي أنتمي اليه وهو الشعب الرافديني الذي يربطنا جميعا من الكلدانيين والاشوريين والسريان في جذور عرقية أثنية واحدة.فمن هذا المنطلق شعرت بأهمية الموضوع وطرحه للجهات المسؤولة لعله قد تتحقق فائدة مرجوة منه .
ولما كانت المؤسسة الدينية هي أحدى مكونات البناء الاجتماعي للمجتمع فهي تعد نوعا من المؤسسات الاجتماعية التي يتناول الباحث الاجتماعي دراستها وتحليلها .وقد أشارت الدراسات في علم النفس الاجتماعي المهتمة بظاهرة القيادة الى أهميتها في التأثير على الانشطة والفعاليات القائمة في الجماعة ،فهي ركن أساسي من العملية التفاعلية في مجموعة بشرية أو المؤسسة .وذلك لا يمكن الفصل بين القيادة والمجموعة ،فهناك ارتباط وثيق بينهما لكي يؤدي كل منهما دوره لتحقيق الاهداف .

مفهوم القيادة

القيادة بمفهومها العام هي القدرة في التاثير على المجموعة لتوجه وتحفز طاقاتهم للعمل في سبيل تحقيق الاهداف التي تسعى اليها المؤسسة ،أن مفهوم القيادة واحدٌ ولكن أسلوبها قد يختلف من مؤسسة الى اخرى بحسب طبيعتها ورسالتها ،كأن تكون قيادة عسكرية أو دينية أو تعليمية أو اقتصادية أو سياسية ... الخ ولعل أبرز من يكون في مجموعة القيادة هو القائد ، فلابد أن يتميز بالقابلية الشخصية على ،الاثارة ، التحفيز للاخرين ، التمييز ، القدرة على المواكبة للمستجدات ، والقابلية على التكيف للظروف الانية ،لكي يستغل هذه القابليات في التأثير على الافراد .
 ولابد الاشارة هنا الى الفرق بين مفهوم " الرئيس " الذي يشغل المركز ألاعلى في المؤسسة ويديرها منطلقا من القوانين الموضوعة التي تنظم العلاقات فيها بين الافراد لتحقيق الاهداف ،بينما القائد هو المؤثر في الافراد والمؤسسة عموما بقابلياته الشخصية المذكورة اعلاه ،بحيث يجمع بين التفاعل الرسمي وغير الرسمي مع الافراد .وعليه قد يكون الرئيس قائدا أو قد لا يكون ،فهو فقط رئيس يعتمد على القوانين في تنظيم علاقاته . وأما اذا توفرت فيه صفات القائد والتمتع بالسلطة، فيجمع بين الاثنين ،وذلك سيكون الافضل للمؤسسة لتحقيق أهدافها ،فمفهوم القائد أشمل وأوسع من الرئيس .

القيادة في المؤسسة الدينية
                                كما أشرت اعلاه أن القيادة واحدة ولكن تتباين في أسلوبها بحسب المؤسسة . فالمؤسسة الدينية تختلف في كينونتها وبناؤها الهرمي وطبيعة القوانين التي تنظم العلاقة بين الافراد .وهي تختلف أيضا من حبث طبيعة فلسفتها والاهداف التي ترمي أليها .ولكن تظل بحسب الدراسات ، العلاقة القائمة بين القائد والافراد وما يتميز به من صفات شخصية كارزماتية هي أحدى الركائز الاساسية لتحقيق المؤسسة لاهدافها .
اذا تمتع القائد في المؤسسات الاخرى بالقدرة التأثيرية في الافراد ،ستكون هذه القدرة في التأثير للرئيس الديني مضاعفة وأكثر وضوحا ، وذلك بسبب القدسية التي يضفيها المؤمنون لرجل الدين والاحترام الذي يناله منهم ، لان المؤسسة الدينية تنظمها قوانين وتعليمات مستوحات من الكتاب المقدس التي هو مقدس عند المؤمنين جميعا .وقد تبرز جليا هذه الظاهرة في مجتمعنا الشرقي أكثر من المجتمعات البشرية الاخرى وبالاحرى لدى مؤمني الكنيسة المشرقية بكافة فروعها.
فالبطريرك الذي هو رأس الكنيسة الرسولية ،يتمتع بمكانة مقدسة عند الاكليروس والمؤمنين،وبالاضافة الى السلطة التي يتمتع بها بحسب القوانين الكنسية ،لابد ان يمتلك المؤهلات القيادية لكي يجمع بين الرئاسة والقيادة في شخصيته ،لكي يستغلها في تحقيق الاهداف .
بالاضافة الى ما يتمتع به البطريرك من سمات شخصية وشرعية قانونية ، هناك العوامل الموضوعية الاساسية التي لا تقل شأنا عن غيرها لها الاثر الكبير في تحقيق آمال وتطلعات المؤمنين ،ومنها الحالة السياسية السائدة ، والاقتصادية ، والمستوى الثقافي للمؤمنين ،ومكان الاقامة -  موضوع المقال - الذي يضطلع دورا أساسيا في توفير الفرصة للبطريرك للتوفيق والاحاطة بكل الامكانات والظروف الموضوعية المحيطة بالمؤسسة الدينية والمؤمنين .فعلى سبيل المثال كلما كان قريبا فيزيقيا من صناع القرار السياسي ، ستكون الفرصة مؤاتية للتفاعل والتعاطي مع ما يخص أتباع المؤسسة الدينية. 
ولما كانت كل المزايا الشخصية المذكورة في سياق حديثي عن القائد والرئيس الديني متوفرة عند قداسة مثلث الرحمات البطريرك مار دنخا ،أنما كانت تتكامل بكل أبعادها لو تحقق دور مكان ألاقامة الذي لم يكن ملائما لكي يكون دور البطريرك أكثر فعالا ومثمرا لتحقيق ما يرمي اليه أتباع الكنيسة المشرقية الاشورية . فالكرسي البطريركي للكنيسة المشرقية الاشورية المفترض أن يكون في عقر دار الاشوريين ،أنما لظروف سياسية وتآمرية وأمنية ومصلحية لصناع القرار جعلت بأن يكون الكرسي البطريركي في الاغتراب منذ الماساة التي تعرض لها الاخوة الاشوريين عام 1933 المعروفة بمذبحة " سميل " التي أرتكبتها الحكومة العراقية آنذاك لسبب  المطالبة بالحقوق القومية والوطنية . وعلى أثرها نُفي البطريرك المرحوم مار أيشاي شمعون مع عائلته الى قبرص وثم انكلترا ،وبعدها الى الولايات المتحدة الامريكية ،وأخيرا أستقر مركز البطريركية في مدينة شيكاغو لغاية اليوم .

عدم استقرار الكرسي البطريركي تاريخيا

                                             من متابعة تاريخية لما كُتب عن أحوال الكنيسة المشرقية منذ نشأتها على يد الرسل مار توما ومار أدي ومار ماري في القرن الاول الميلادي وتنظمت تدريجيا ،يتبين التنقل المستمر للكرسي البطريركي من مدينة الى أخرى أو من دير الى آخر ،بسبب الاضطهادات والمذابح  والمظالم التي تعرض لها المسيحيون و الكنيسة من قبل الحكام أو أتباع الاديان الاخرى كالمجوسية والاسلام في بعض الاحيان،مما أضطر نزوحهم من مكان الى آخر بحثا عن الامان والاستقرار والحفاظ على الكنيسة المشرقية العريقة في أصولها التبشيرية .وكثيرا  كان الرأس الاعلى للكنيسة هو المستهدف ، فبدى واضحا التغير المكاني لاقامته سوى في عهد الوحدة في كنيسة المشرق أو بعد الانشقاق المؤلم. يتغير بين فترة وأخرى ولكن ضمن حدود بلاد النهرين شمالا وجنوبا ،باستثناء الحركة الاخيرة لعام 1933 ،فكان أستبعادا ونفيا للبطريرك مار أيشاي شمعون وعائلته الى جزيرة قبرص وثم الى انكلترى وبعدها الى الولايات المتحدة الامريكية بقرار سياسي الى خارج الموطن الاصلي ، أي لم يكن المكان المُختار بارادته .
منذ بدايةْ المسيحية في الانتشار ببلاد النهرين وانتظامها تدريجيا ،تاسس الكرسي البطريركي في مدينة( قطيسفون ) المدائن الواقعة حاليا شرق بغداد. وثم نُقل في  عهد ( حنانيشوع ) سنة 778 الى بغداد .وبعدها انتقل  حوالي 19 مرة بين المدن والقرى والاديرة الى أن أستقر كرسي الكنيسة المشرقية الاشورية في مدينة شيكاغو الامريكية  ولا يزال ،وأما الكرسي البطريركي للكنيسة الكلدانية فاستقر في بغداد منذ عهد البطريرك يوسف السابع غنيمة 1947 – 1958 ، ولغاية اليوم، اضافة الى كرسي الكنيسة المشرقية القديمة هو الاخر في بغداد.
 
والسؤال المطروح للسيهنودس الكنيسة المشرقية الاشورية
                                                               يتبادر للاذهان ويراودني السؤال : هل يعود الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الاشورية من الاغتراب الى الوطن بعد رحيل قداسة البطريرك مار دنخا ؟
وهو سؤال يتبادر كما أعتقد الى أذهان الكثيرين ، وذلك لوجود نداءات وتنويهات لضرورة وجود الكرسي البطريركي في الوطن في عهده من قبل  العديد من المهتمين والحرصين على تكامل  دور الكنيسة مع المؤسسات الاخرى في خدمة الشعب. و بالرغم من أن قداسته أحدث تغييرا جذريا في أدارة الكنيسة بالغائه النظام الوراثي في الكنيسة المشرقية الذي طال أكثر من 500 سنة منذ تسنمه السدة البطريكية في عام 1976، وتفريقه بين السلطة الروحية الدينية والدنيوية السياسية لراس الكنيسة بعد أن كان أسلافه من البطاركة يجمعون بين السلطتين لادارة شؤون الشعب. فأعتبر دور رجل الدين مقتصرا على الارشاد والتوجيه وأبداء الرأي في الشؤون السياسية ، وكان من المعتزين في القومية الاشورية كأنسان ينتمي اليها .
أنما الامر الذي يمكن من وجهة نظري أعتباره دون الطموح عند قداسته هو أبقائه للكرسي البطريركي في الاغتراب وعدم المحاولة لنقله الى الوطن ،وبالاخص بعد زوال أسباب النفي ، وأخص بالذكر في هذه السنين المتأخرة التي ما أحوجها ليكون رأس الكنيسة في الوطن مع من تشبثوا للبقاء فيه بالرغم من كل الاضطهادات البشعة والوسائل المستخدمة لتهجيرهم.
وأن كانت الظروف والفرصة غير مواتية لقداسة البطريرك الراحل مار دنخا لحالته الصحية ،أو الظروف الموضوعية التي قد رآها من منظوره الشخصي في حينه لكي يُبقي بكرسي البطريركية في الاغتراب. ألا أنه أرى أهمية أعادة النظر بالموضوع من البطريك المنتخب لاحقا . وأنطلاقا من المبررات الاتية وحرصا للمصلحة العليا الوطنية والقومية والتاريخية لشعبنا بمختلف مكوناته الاثنية ،أرى من الضرورة القصوى أن يتخذ السادة الاساقفة الاجلاء في السيهنودس القادم المرتقب لاختيار البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الاشورية قرارا كنسيا تاريخيا وشجاعا وجريئاً لنقل الكرسي البطريركي من الاغتراب الى الوطن .

المبررات
            في ضوء ما قدمته من تحليل في أهمية العلاقة بين القيادة في المؤسسة ومنها الدينية وبين الاعضاء سأتناول  المبررات الاتية.         
          1 – وفقا لمبدأ أهمية القيادة في المؤسسة الكنسية وكما وضحت في مقدمة المقال ، أرى أن تكامل هذه الاهمية تزداد وتترسخ كلما كان القائد بالقرب من أعضاء المؤسسة ، ،هؤلاء الذين يتمسكون بأرضهم ووطنهم ولا يرغبون التخلي عنه بالرغم من المآسي والمحن التي يتعرضون اليها في العقود الاخيرة .
2 – لدعم التوجهات السياسية لابناء كنيسة المشرق الاشورية التي تؤكد عليها  ،المتمثلة في ، الارتباط بالارض الام والتاريخ واللغة والتراث ، لابد من أن يكون رأس الكنيسة بتماس معهم نظرا لاهمية القيادة كما أشرت اعلاه ،لتشجيعهم وترسيخ مفاهيم الاستقرار والتشبث في الارض  .
3 – لكون تسمية الكنيسة مرتبط جغرافيا بها " كنيسة مشرقية " فلا بد من ترجمة هذا الارتباط الجغرافي الاصيل الذي لايتنازل عنه المؤمنون على أرض الواقع ،وهذا يتحقق بوجود رئاسة الكنيسة في المشرق وعلى جغرافية الام .
4 -  ولما كان مصير من تبقّى في الوطن من أتباع الكنيسة المشرقية بفروعها مرتبط بصناع القرار السياسي في الوطن ، فلا بد أن تكون رئاسة الكنيسة في أحتكاك مباشر معهم ، فاللقاء الوجداني سايكولوجيا لهه تأثيرا أيجابيا كبيرا في تغيير المواقف ، ومن جهة أخرى فأن وجود بطريرك كنيسة المشرق الاشورية بالقرب ومصطف مع البطاركة الاخرين سيكون له دور مهم لتقوية وبلورة الموقف المسيحي في المنطقة.
5 – طالما أن النظام السياسي الحالي في الوطن الام يتبنى الفلسفة الدينية وينطلق من المفاهيم الدينية في أدارة البلد ،فأذن وجود البطريرك لمساندة الاحزاب السياسية لشعبنا أمر له أهميته لتحقيق الاهداف.
6 -  يتطلب تفعيل محاولات ونداءات غبطة البطريرك مار لويس الاول روفائيل بطريرك الكنيسة الكلدانية التي أطلقها منذ ترؤسه السدة البطريركية للوحدة الكنسية المشرقية وجود بطريرك كنيسة المشرق الاشورية بالقرب منه أنطلاقا من مبدأ الاحتكاك المباشر يجني ويحقق الاهداف المتوخاة .
7 -  وجود البطريرك في البلد الام سيلعب دورا مهما واساسيا للحفاظ على الوجود القومي والديني للأخوة الاشوريين في أرض الاجداد .
8 – ستكون عملية نقل الكرسي البطريركي من الاغتراب الى الوطن خطوة تاريخية ، ستترك أثرا أيجابيا كبيرا في نفوس الاجيال اللاحقة .
9 – ولماذا تبقى كنيسة المشرق الاشورية الوحيدة التي تُدار من الاغتراب دون غيرها من الكنائس الشرقية التي تتمسك وتنطلق من أوطانها ؟ فهل ستلحق الكنائس الشرقية الاخرى في الوطن لتصطف معها وتحقق مكانتها ووجودها وكينونتها ككنيسة مشرقية عريقة وأصيلة في بلاد النهرين .
تمنياتي بالتوفيق في أختيار البطريرك الجديد لكنيسة المشرق الاشورية ليساند في تحقيق آمال وطموحات الجميع .
كما أتمنى أن لا تعد دعوتي هذه تدخلا بشؤون الاخرين بقدر ما هي طرح لراي في ظاهرة ترتبط بوجود شعبنا بكل مكوناته الاثنية  لتسانده في محنته المعاصرة.

86
                       فشل بعض الاحزاب والمهتمين بالنشاط القومي
                            ونظرية الاسقاط النفسي والاجتماعي
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
   
                 في البدء ، أود القول أنني سوف لم أذكر أسم لناشط سياسي أو قومي أو حزب سياسي في سياق تحليلي للموضوع ،وأنما أترك لهم التحسس الذاتي بعد قراءة المقالة ومدى مطابقة نتائجها بأدائهم السياسي والقومي .وذلك أنطلاقا من طريقة لمعالجة المشكلات الاجتماعية يستخدمها الباحثون الاجتماعيون. ففي الثمانينات من القرن الماضي كنت أعمل خبيرا أجتماعيا أضافة الى عملي التدريسي في أحد المراكز الاجتماعية ،فمن جملة المشكلات المطروحة هي  الوالدين مع الابناء، فكانوا في مقابلاتهم للباحثين الاجتماعيين أنهم يلومون الاخرين ، مثل الجيران وأصدقاء السوء وأحيانا المدرسة في وقوع تلك المشكلات مع أبنائهم ،ولكن يتبين من تحليل الحالات بأنهم الاساس أي الوالدين في وقوعها. فمن الصعوبة مواجهتهم وقول الحقيقة مباشرة ،فلجأت لجنة الخبراء الى جمع أعداد من هؤلاء وعرض أمامهم أفلام تعرض وتشخص حالتهم ،أو نجمعهم ونلقي المحاضرات التوجيهية عن نفس المشكلات ، وهنا ساتبع نفس الطريقة ولم أذكر أحد أو أية جماعة ،وأنما كل من يقرأ سيراجع ذاته ويفكر بالموضوع.
 بين فترة وأخرى تظهر على مواقع شعبنا  الصحفية الالكترونية أو في مواقع اخرى مقالات أو في ثنايا بعض المقالات المكتوبة من قبل بعض الكتاب ، تعبر في محتواها عن عوامل فشل بعض الاحزاب السياسية من أبناء شعبنا أو الناشطين في تحقيق طموحاتهم واهدافهم ، فمثلا بعض الاحزاب لم تحقق اهدافها منذ تأسيسها في الحصول على المقاعد البرلمانية في العراق سواء في بغداد أو في اقليم كوردستان بالدرجة الاساس ، وعدم تمكن النشطاء كسب الراي العام لابناء شعبنا ،أو عدم تمكنها  من تمثيل أدوار اللعبة السياسية مع الاحزاب الكبيرة في العراق ،أو بعبارة أخرى فشلها في تحقيق وجودها على الساحة السياسية في العراق.
 ولعدم تحقيق هذه الاهداف يحاول الكتاب  أو التنظيمات نفسها بطرح مبررات تؤكد فيها على أن العوامل الخارجية هي المسؤولة عن أخفاقها وفشلها متناسية ومتغاضية عن ذكر الاسباب الحقيقية المتمثلة بالعوامل  الداخلية الذاتية .وتلوم البيئة السياسية المحيطة، بما فيها الاحزاب والمؤسسات الاخرى من شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري، أو الى بعض الاشخاص القياديين، أو المؤسسة الدينية ، أو قد ينسبون أخفاقاتهم الى أشخاص ساهموا في رسم الخارطة السياسية الحديثة بعد سقوط نظام البعث،أو أن بعض المؤسسات أو الاحزاب تحاول سحب البساط من تحت أقدام أحزابهم .أية تنظيمات يتحدثون عنها هؤلاء الناشطين من الكتاب ؟ تلك التي لم نلمس وجودها ولو بابسط مظاهره مع شعبنا المنكوب المُهجر!!!! وأي بساط ؟ هل هو بساط سندباد السحري الاسطوري الذي ينقل بهم من قرية الى اخرى في نشاطاتهم؟ !!!
 ولاجل  أن يدرك الجميع ماهو السبب لهذه التحليلات والكتابات التي يقدمونها والتي نسميها تحليلات ذو البعد الواحد، ساحاول أن ابين بطريقة علمية لتحليل هذه المواقف والادعاءات معتمدا على أحدى نظريات علم النفس الاجتماعي التي أسسها " سيجموند فرويد " وهي مدرسة التحليل النفسي مستفيدا من أسسها في تطبيقها على المهتمين بالنشاط القومي باعتبارهم مجموعة بشرية لها اهداف وطموحات تبتغي تحقيقها .
   لكي يسعى الفرد تحقيق أهدافه  في الحياة ،أو تسعى الجماعة لتحقيق أهدافها، لابد ان تجتمع عوامل ذاتية وموضوعية ،أي عوامل داخلية وخارجية . وقد تصل تلك العوامل الى اكثر من مئة عامل، ويتوهم الذي يعتقد بأن الظاهرة الاجتماعية يكفي ان يكون عاملا واحدا مسؤولا في التاثير عليها ، وفي هذه المقالة لن أتطرق عن العوامل الداخلية المسؤولة حيث ستدخل في سياق التكرار . وأصبحت معروفة لدى النشطاءالمعنيين والمهتمين بالشان السياسي . بل ساركز الاجابة على السؤال الاتي : لماذا يحاول هؤلاء توجيه اللوم الى الاخرين في اخفاقهم وفشلهم لتحقيق اهدافهم ؟سأتناول التحليل  معتمدا على قانون علمي توصلت اليه مدرسة التحليل النفسي وأتخذه الباحثون الاجتماعيون طريقة للتحليل الاجتماعي للجماعات والافراد .

الاحباط
      ماهو الاحباط ؟
                    يكون لدى الفرد أو المجموعة البشرية مثل الجماعة السياسية أو الدينية أو الاسرية أو الرياضية ... الخ دافع أو مجموعة من الدوافع تسعى الى تحقيقها وأشباعها بألحاح، مما تزداد الرغبة في الطموح ،سواء كانت هذه الدوافع فطرية أو مكتسبة ، الفطرية مثل حب الزعامة والقيادة ، تحقيق الشهرة ، كسب الاموال ،والمكتسبة تلك التي يتلقاها في الاسرة مثل تنشئة الابناء على حب الزعامة نفسها أو تطعيم شخصية الفرد بالمفاهيم العشائرية التقليدية مثلا ، أو التقليد لما يجري من النشاطات في البيئة السياسية.وقد تكون هذه الدوافع شعورية أو لا شعورية .
لكي يحقق الفرد أو الجماعة التوازن النفسي  أو الاستقرار النفسي والاجتماعي للشعور بالارتياح يجب أن يلبي الدافع ألذي يعبر عنه بالهدف في السياسية أو محاولة أشباعه .وعندما لا يتمكن أشباعه مباشرة فينتج عنه أحباطا نفسيا على مستوى الفرد ،أو أحباطا اجتماعيا على مستوى الجماعة .
فالاحباط حالة نفسية ،واذا شمل مجموعة من الافراد يسعون تحقيق هدف مشترك يتحول الى حالة أجتماعية ،تكون للجماعة دوافع وطموحات يصعب عليها أشباعها فتتحول حالتها من الارتياح والشعور بالانشراح والسرور الى حالة الشعور بالضيق والاستياء والتذمر ،فتحاول الجماعة البحث عن مخرج من هذه الحالة أو على الاقل التخفيف من تأثيراتها ،وهنا تنطبق الحالة على النشطاء القوميين الذين فشلوا في تحقيق دوافعهم ، مما فقدوا التوازن والاستقرار النفسي والاجتماعي .فلو كانت التنظيمات السياسية قد كسبت كرسي في البرلمان لعبرت بالانشراح والسرور مثلا ،ولكن لعدم التمكن من تحقيق ذلك بدات تشعر بالضيق والتذمر ، فهي بتصريحاتها وكتاباتها تبحث لمخرج عن الازمة والاحباط. وكيف يتحقق ذلك ؟
  عندما يفشل الفرد أو الجماعة مع مكنوناته أو مكنوناتها الداخلية النفسية والاجتماعية التي تحاول الحفاظ على الاستقرار والتوازن النفسي والاجتماعي .يلجأ حينئذ الجهاز النفسي ( لا أقصد هنا الجهاز التنفسي فهناك فرق بين الاثنين ،لكي لايتوهم بعض القراء الاعزاء )يلجأ هذا الجهاز الى " حيل التوافق " أي الدفاع عن النفس المضطربة وتسمى ايضا " ميكانيزمات الدفاع " لكي تخفف حالة التوتر والشد والاحباط ،ومن تلك الحيل أو الميكانزمات الدفاعية : الكبت ، الاسقاط ، الازاحة ، التسامي ، التبرير ... الخ .
تتسم هذه القوى النفسية الدفاعية بالمرونة والخديعة والالتواء في التعامل الداخلي للجماعة لكي تُرضي الرغبات المتعارضة ، واذا لم تنجح في تحقيق ذلك لازاحة الاحباط ،تتحول الى ضغوط نفسية واجتماعية ذات طابع مثير ومؤثر على السلوك فتبدو الجماعة في حالة عدم الاتزان أمام ومع الاخرين ومن نتائجها فقدان السيطرة على الاعصاب والسلوك العام ،وهذا ما يحدث فعلا مع النشطاء القوميين  الفاشلين في تعاملهم مع الاخرين. ومن الميكانيزمات الدفاعية التي تستعين هذه الجماعة بها لا شعوريا  لفشلهم وأحباطهم وللتخلص من هذا الاحباط هي :

الاسقاط النفسي والاجتماعي

        يعتبر الاسقاط حيلة من حيل الانا الفردية أو الجماعية كما في الحزب السياسي ، فينسب الفرد أو الجماعة الى غيرها حيلا وأفكارا مستمدة من خبرتهم ، ترفض الجماعة الاعتراف بها لما تسببه من الفشل والالم لاستبعاد العناصر النفسية المؤلمة عن حيز الشعور ،فما يواجه الفرد او الجماعة هي الادراكات التي تأتيها من الداخل والخارج ،اي عوامل خارجية وداخلية هي المسؤولة عن البناء والتوافق لتحقق الاهداف .
يقول " فرويد " العوامل الخارجية تكون سهلة التشخيص ، اما الداخلية فلا ترحم ،فيهرب منها الفرد أو تهرب الجماعة منها وتسقطها دون شعور من أخفاقاتهم الداخلية غير المرغوب بها الى الخارج المحيط بهم ، فتشن الجماعة هجوما لا شعوريا لالصاق عيوبها ونقائصها ونقائضها على الاخرين ،فتنسب أسباب الفشل الى غيرها .وهذا ما يحدث فعلا عند المعنيين في دراستي هذه ،فهم دائما  ينسبون اسباب فشلهم في تحقيق أهدافهم البرلمانية مثلا وأثبات وجودهم على الساحة السياسية العراقية الى أشخاص آخرين أو مؤسسات اخرى ،فلا تخلو مقالة أو مناسبة الا وان جاء ذكر لاحزاب اخرى وأشخاص آخرين في الحديث ،فالعيوب التي يعانون منها داخليا يُلصقونها بهؤلاء .كأن يقولوا الحزب الفلاني لايعترف بنا كقومية ،أو البطريرك الفلاني لا يدعمنا ،أو الاحزاب الفلانية تهمشنا ، او المؤسسة الفلانية او الحزب الفلاني مستحوذ على أموال شعبنا، والعديد من أنواع اللوم والتنسيب وبل أحيانا تكون عند بعضهم مقترنة بعبارات مثل، ألاعداء والخونة ، الاقصائيون ، وما شابه من النعوت التي تعبر عن الغضب والانفعال لغرض التنفيس عن الضغوط النفسية  .
لو افترضنا بأن غيرهم من الاحزاب أو المؤسسات هي سببا في أخفاقهم ، لماذا لا يقوم هؤلاء بايجاد الحلول المناسبة لكي ينافسوا الاخرين الذين هم السبب في فشلهم ؟ لماذا لا يراجعون ذاتهم ؟ ويقومون بما هو معروف في التخطيط ،التقييم وثم التقويم لما هو خطأ في مماراستهم بدلا من لوم الاخرين،لماذا لا يحاولون أثبات وجودهم في الساحة السياسية بتشخيص الخلل في أدائهم ؟،كثيرا مايبررون أن الانتخابات في العراق غير نزيهة . نعم أنا شخصيا اعترف بها ،ولكن تشمل الجميع في عدم نزاهتها ،ولماذا لا يجيدون الفن السياسي بما فيه التحالفات والخدع والطرق السياسية التي من الممكن في مثل هذه الظروف غير النزيهة لكي يحققوا أهدافهم مثلما تعمل  الاحزاب الاخرى من وسائل وأمكانات لتحقيق الاهداف ؟ لماذا  لاينافسون الاخرين بوسائل تلائم الظروف السياسية في العراق ؟ فاذن يفتقدون مواهب المهارة وبناء العلاقات وتكييف الوضع والممارسات ،بينما يمتلكها غيرهم .والاخرين الذين حققوا أهدافهم ، لايعني أنهم أحزاب مثالية ،فالكل لهم مشاكلهم الداخلية وأنشقاقاتهم ،ولكن بالرغم من ذلك يجيدون اللعبة السياسية ويعملون في الساحة السياسية.
 يبرر النشطاء القوميين الفاشلين فشلهم في النقص المالي ،بينما الاحزاب الاخرى لها من المال ليساعدها في تحقيق أهدافها . طيب ولماذا لها المال ولم يكن عندهم المال ؟ مما يدل هناك خلل في الادارة والطروحات وكسب المال وتوظيفه للعمل السياسي،ويقولون أن أبناء مكوننا القومي لا يمتلكون الوعي القومي ،نعم هو كذلك لو افترضنا ،ولكن لماذا غيرهم يمتلكون الوعي القومي ياترى ؟ لماذا لا يستفيدوا من تجربة الاحزاب الاخرى التي تعمل بجدارة في الساحة السياسية في كسب الجماهير وتوعيتهم ؟ مما يدل وجود خلل في فن كسب الرأي العام لقضيتهم . ومن حجج الفاشلين أن الاحزاب الكبيرة في العراق تدعم وتسند الاحزاب الاخرى.ولماذا لا يتمكنوا هم من تحقيق المناورة السياسية لكسب دعم الاحزاب الكبيرة لهم ؟أذ أن الظروف والمستجدات والمتغيرات هكذا سياسة تتطلب.
كل هذه الممارسات أدلة دامغة على أن مسالة وضع اللوم على الاخرين من قبل النشطاء القوميين والاحزاب الفاشلة، هي أسقاط نفسي أجتماعي لكي يبعدون الاسباب الذاتية المؤدية الى الفشل .فعليه لكي يحققوا أهدافهم أن يراجعوا ذواتهم ويدرسوا معوقاتهم ،ويشخصوا الداء ويقيموا أدائهم وثم يقوموا أدوارهم. وينزلوا الى الساحة والى العمل الميداني ويخططوا لكسب المال وكسب الرأي العام وبناء العلاقة بين الاحزاب الاخرى سواء مع أحزاب شعبنا  أو الاحزاب الكبرى في العراق، وبعدها سيرون كيف أن للعوامل الخارجية لا تتمكن من تقييد نشاطها . 

87
                        الرابطة الكلدانية
                    ليست ثمرة النكسة الكلدانية مطلقا
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
في البدء اريد القول ، بأن المقال هو تعبير عن وجهة نظري في الرابطة الكلدانية منطلقا  من متابعتي الشخصية للحدث .                     
 يريد البعض من كتاب النكسة الكلدانية ربط تأسيس الرابطة بنكستهم بحجج واهية لا أساس لها ،فمسودة النظام الداخلي التي هي قابلة للنقاش والتعديل في المؤتمر التاسيسي للرابطة الكلدانية واضحة الابعاد والاهداف لكل قارىء وهي بمفترق الطرق بما تؤكد عليه النكسة الكلدانية، فشتان بين الاثنين.

الرابطة هي مشروع نادى لتاسيسه غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية ووضع أهدافها في نداء له للمؤمنين لوضع التدابير اللازمة لتأسيسها ،وجاءت الاهداف المذكورة في مسودة النظام الداخلي متطابقة لما ذكر غبطته في ندائه التاريخي ،فالرابطة قبل كل شيء انها تستبعد التعصب القومي الذي ينادي به اعلام النكسة ،فلا أعتقد بان الرابطة ستكون مفتوحة لمن يتعصب ويتقوقع على نفسه ، فهي تجمع ولا تفرق وتعمل من أجل شعبنا بكل مكوناته ،وتنطلق من ارض الوطن وسوف لم تكن معلقة في الفضاء أو في المهجر فهي تبدأ من بغداد وتدار شؤونها من هناك وليس من المهجر ، ولكن أبناء الكلدان في المهجر سيكونوا دعما وسندا لها ، فهي جسر لربطهم مع أبناء شعبنا في الوطن الام.

أما  النكسة فلم تعمل غير تفكيك البيت الكلداني ،وأبعدت الكلدان من المشاركة في العملية السياسية في البلد لخطواتها غير المدروسة بموضوعية وعقلية منفتحة.وجعلت من أتباعها أن يتقوقعون على أنفسهم وينادون من المهجر فقط ، فحصروا انفسهم في دائرة ضيقة ،بعيدة عن التعاون والمشاركة مع الاحزاب الاشورية والسريانية العاملة في العراق وبما فيها المجلس الكلداني السرياني الاشوري الذي بحث ويبحث دائما عن القواسم المشتركة بين أبناء شعبنا لكي ينطلق في العملية السياسية منها .

الرابطة تعمل من أجل الكلدان وثم المسيحيين بكافة طوائفهم كما عملت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الازمة الحالية لشعبنا الكلداني والسرياني والاشوري بدون تمييز يُذكر ،صحيح أنها أخذت تسمية الرابطة الكلدانية ،فهذا بتصوري لا يعني أنها تعمل وفق نظام منغلق على نفسه ، فهي تعمل من أجل نيل حقوق الكلدان وبما فيهم المسيحيين من السريان والاشوريين ، فلم تؤكد في مناسباتها على الكلدان فقط وتهمل ابناء شعبنا  الاخرين .

ما الذي تعنيه العبارات المكونة للاهداف " فهي تعمل من أجل الحفاظ والدفاع عن حقوق الكلدان والمسيحيين الاجتماعية والثقافية والسياسية "
" تكون سندا لأستمرار الوجود الكلداني والمسيحي في البلد الام"
تطوير البلدات الكلدانية والمسيحية "
فمن هم مسيحي البلد الام ؟ أ  ليسوا أضافة الى الكلدان ،الاشوريين والسريان والارمن ؟فلو حصلت نكبة أو أحتاجت الى مساعدة قرية آشورية أو سريانية، فهل  تبقى الرابطة مكتوفة الايدي لانهم ليسوا بكلدان؟ بالطبع كلا بل تتسارع الخطى لانقاذهم .
" نشر التراث المشرقي والكلداني " فهل يقتصر التراث المشرقي على الكلدان ؟ فلو كان ذلك بنظر الرابطة لما ذكرت التراث المشرقي والكلداني الذي يشمل تراث الاشوريين والسريان أيضا .

هكذا أن الرابطة تنطلق من ايمانها باننا الكلدان والاشوريين والسريان شعب واحد ، ولعوامل تاريخية ودينية وسياسية واجتماعية فرقت الشعب النهريني الى طوائف دينية ،فالتسميات الاثنية هي تسميات أُطلقت تاريخيا ومكانيا على ابناء الرافدين في الجنوب والشمال من البلاد .

الرابطة الكلدانية هي ثمرة العقل المدبر لها غبطة البطريرك مار لويس ،وليست من تدبير آخر ،فلا أعتقد بأمكان الاخرين تحييدها الى التعصب فهي رؤية تعبر بنظرة موضوعية للواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للكلدان وارتباطها بمكونات شعبنا الاخرى من الاشوريين والسريان ، وعلاقاتهم مع مكونات الشعب العراقي لكي تجد صيغا مقبولة للعيش المشترك وفق مبدأ احترام الاخر . فلا أعتقد هناك مجال لتضييق رؤية الرابطة وحصرها في زاوية لا تتمكن من تحقيق أهدافها كما حصر النكسويون أنفسهم في زاوية ضيقة .

أتفق تمام بما جاء به الاستاذ أنطوان الصنا المحلل الاعلامي والسياسي المعروف من أبناء شعبنا ومع تأييده للكتاب كوركيس اوراها ويوحنا بيداويذ ولوسيان في رده المرقم 6 على مقال الاخ سيزار هرمز الموسوم " السينودس الاستثنائي ،الرابطة الكلدانية من ثمار النهضة الكلدانية "تلك المقال التي افتقرت الى البرهان في أن الرابطة هي ثمرة النهضة الكلدانية، فلم أكتشف من قراءتي لها أية دلائل ليمنحها هذه الصفة،وثم اتفق بما جاء به الاخ ابلحد سليمان في رده رقم 7 من المقال المذكور.
فملاحظاتهم التحليلية للمسالة كانت مجدية وموضوعية وصائبة ،فلا حاجة الى تكرارها من قبلي.

88
                        أختيار الاسقف المناسب
                       لأبرشية مار ادي الكلدانية
 د. عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                     
                 
                 أُعلن في الخامس عشر من الشهر الماضي عن أختيار الخوري عمانوئيل شليطا أسقفا لابرشية مار أدي الكلدانية في كندا ،وجاء أختياره بعد أن قدم المطران مار حنا زورا راعي الابرشية التقاعد لبلوغه السن التقاعدية .

أن أبرشية مار أدي الكلدانية في كندا أبرشية فتية حديثة العهد، لا يعدو عمرها أكثر من ثلاث سنوات وستة أشهر ،وقد تاسست في 10 / 6 / 2011، ونُصب أول أسقف عليها سيادة المطران مارحنا زورا المتقاعد حاليا .ومركزها كاتدرائية الراعي الصالح في مدينة تورنتو عاصمة ولاية أونتاريو ،أحدى المدن الكبرى في شمال أمريكا .
وقد أشرف على بنائها المطران حنا زورا منذ أن كان وكيلا بطريركيا ،فبذل كل ما بوسعه لتشمخ قلعة دينية للكنيسة الكلدانية في بلاد المهجر ،وكانت حصيلة الشجاعة والاخلاص والسخاء والعطاء والصلوات التي بُذلت من قبل مؤمني الكلدان في المدينة وبأدارة وحكمة وصبر ومباركة سيادته.فتنورت كنيسة الراعي الصالح لكي تنطلق خدمة ابرشية مار ادي منها .

وفي ضوء الحوار الذي أجراه مؤخرا الاعلامي " شوقي  قونجا " في أذاعة صوت الكلدان في مشيكن تمكنت من الوقوف على بعض من الخصائص التي يتميز بها الخوري عمانوئيل ،اضافة الى استقرائي أمكاناته من تاريخه الكهنوتي.

يتمتع الاب عمانوئيل بفترة طويلة من الخدمة الكهنوتية ، فهي 28 سنة منذ أن نسبه المطران المتقاعد مار ابراهيم ابراهيم في ابرشية مار توما للخدمة في ولاية كاليفرونيا الامريكية ،وثم مباشرته في كنيسة ماريوسف في ولاية مشيكن ،وبعد حصول الموافقات الاصولية من مطران زاخو والعمادية المرحوم مار حنا قلو لتثبيته في ابرشية مار توما .

وقد أهلت هذه الخدمة الطويلة المطران المنتخب بأن يكتسب خبرة متميزة وكفاءة عالية في الادارة الكنسية ،فعُرف عنه، التنظيم في العمل والحرص على المسؤوليات التي أنيطت له من قبل راعي الابرشية . كما يتميز بأمكانيته وكفاءته في حسم الامور بدقة ،وهو حريص ومتابع لامور الكنيسة التي يخدمها من أعقدها والى أبسطها ،فلو كشف الخوري عمانوئيل لمصباح كهربائي عاطل في الكنيسة فيقدم بنفسه ودون الانتظار الى تبديله،فكيف ياترى سيكون بمسؤولية راعي الابرشية ؟

وتمتع أيضا بالنزاهة ومنح المحبة والاحترام للاخرين المحيطين به ولمن يخدمهم ،وعلى أثرها أستطاع أن يٌحيط نفسه بقدر كبير من المحبين ،فتراه محاطٌا دائما باعداد كبيرة من الشباب المنظمين بانشطة مختلفة في الكنيسة .
ولهذه الخدمة الطويلة أستطاع المطران المنتخب الاب عمانوئيل أن يكتسب خبرة للتعاطي مع الوقائع والظروف الاجتماعية والثقافية والنفسية والحياة اليومية للمجتمع في بلاد المهجر، وتعرفه على طبيعة القيم والتقاليد التي تؤثر في التفاعل الاجتماعي ،وتكون  له ألمام في طبيعة الشباب والمراهقين وطرق التعاطي مع الاطفال وتربيتهم وتأثيرات الاعلام في السلوك وما الذي يطمحه الشباب .

فهو يدرك تماما مجريات الاحداث والقوانين وطبيعة المجتمع بكل أبعادها،خصوصا لكونه كاهن لابرشية كبيرة لها مكانتها وادارتها الناجحة منذ تاسيسها برعاية المطران مار ابراهيم  واستمرارها بعد تسلم رعايتها المطران مار فرنسيس قلابات .فهي أبرشية مشهود  لتاريخها في العطاء والخدمة لاعداد كبيرة من المؤمنين من خلال أنشطتها الدينية .وساعد أيضا وجوده كاهنا في أبرشية مار توما على بناء علاقات طيبة ومتينة مع زملائه الكهنة من الابرشية ،ومن الطوائف الاخرى في المدينة.

ساعدت ثقافته المتميزة وتعليمه العالي في التكيف والتعاطي مع المؤمنين في المهجر وأكتساب ما ذكرته آنفا من الخبرة ،فهو حاصل على شهادة الدكتوراة من روما عام 1987 في اللاهوت الكتابي ، ويتقن بطلاقة اللغات ، الانكليزية والفرنسية والايطالية مما ساعد ذلك في التكيف في المهجر بيسرِ، وتمكنه تحديدا في بناء العلاقة مع الاجيال المولودة والتي نشأت في المهجر ،فهي مسألة مهمة جدا على الكاهن أو المطران في بلدان الانتشار أن يتمتع بها، والا سيلاقي الصعوبة في العمل الكهنوتي.

 لتمتعه بالخصائص الشخصية المذكورة آنفا وخبرته للتعاطي وادراكه لطبيعة المجتمع في المهجر أهلته ليكون راعيا ناجحا لابرشية مار أدي في كندا . فسوف لن يلقي الصعوبات في أدارته بل تساعده تلك العوامل في التكيف السريع والانسجام مع المؤمنين والحياة الاجتماعية في عموم الابرشية .

في سياق الحوار معه في المقابلة الاذاعية تبين أن للخوري عمانوئيل على معرفة سابقة تامة بجميع الكهنة في الابرشية ،وله علاقات مع الجميع مبنية على المحبة والاحترام المتبادل ,اما عن ظروف الابرشية العامة وبحسب قوله فليس مطلعا عليها ، فهو يتمنى بالصلوات والتعاون مع الكهنة والمؤمنين سيواصل خدمة الابرشية، وأستنادا الى هذه المعطيات، في الحقيقة كان أختياره ليكون أسقفا لابرشية مارأدي موفقا بأمتياز .

ولكون الابرشية حديثة في تأسيسها ،ولان فترة رعاية المطران مار حنا زورا لها قصيرة،فلا بد أنها بحاجة الى الكثير في أدارتها .فهناك النقص الحاد في عدد الكهنة وأبنية الكنائس ، والابرشية تمتد على مساحة شاسعة في بلد يعد ثاني أكبر مساحة في العالم ،فعلى سبيل المثال تبعد أحدى كنائس الابرشية في  مدينة فانكوفرعن مركز الابرشية برحلة طيران لمدة خمس ساعات.
ولحداثة الابرشية وانتشار المؤمنين الكلدان في مدن صغيرة متباعدة وعدم وجود الكنائس والكهنة لتغطية الخدمات والطقوس الدينية، بالاضافة الى العدد الكبير من الكلدانيين الذين يعيشون في مدينة تورنتو الكبرى وضواحيها، ولبعد سكن المؤمنين من الكنائس في مختلف الخورنات ، أو لاسباب معينة شخصية وقد لجأ أعداد منهم الى الكنائس الاخرى من غير الكلدانية،وقد تكون هذه الحالة أكثر أهمية وألحاحا لكي يبدأ مطراننا الجليل بالحد منها .

و يكون توفير الكهنة وبناء الكنائس أكثر الامور الحاحا أيضا ، فعلى سبيل المثال يسكن في تورنتو الكبرى أكثر من( 12000) نسمة من الكلدانيين ( لاتوجد أحصائية رسمية موحدة ) وتخدمهم كنيسة واحدة وهي كنيسة الراعي الصالح مركز المطرانية وكاهن واحد أُستعيض مؤقتا للخدمة،بينما هذا العدد الكبير قد يحتاج الى ثلاث كنائس أو أكثر.
ناهيك عن حاجة الخورنات الى بناء العلاقات في الانشطة المشتركة وخاصة بين فئة الشباب ،وقد يكون قلة الكهنة والبعد الجغرافي عائقا لعدم تحقيق ذلك .

بالطبع أن الخوري عمانوئيل المطران المنتخب سيوظف خبرته ومؤهلاته التي تكونت لديه من جراء خدمته الكهنوتية الطويلة في المهجر ولتمتعه بروحية شبابية ،وادارة ناجحة اكتسبها من أبرشية معروفة بادارتها المتميزة في خدمة وتطوير أبرشية مار أدي في كندا،ولوجود كهنة شباب يتميزون بالعطاء المتميز في خورناتهم والتعاون والتضامن معهم، وتشكيله للمجلس الابرشي وبالتعاون مع العلمانيين ذوي الخبرة في المجالات المتعددة وترسيخ المواهب الشبابية من أبناء الابرشية سيساعد كل هذه العوامل بان تتكلل ادارة المطران الجديد مار عمانوئيل شليطا بالنجاح والسمو لتحقيق الاهداف الايمانية المتوخاة .

اتمنى للاسقف الجديد مار عمانوئيل  النجاح الباهر والتوفيق في مسؤوليته ،ولكم تهانينا القلبية الخالصة راجيا من الرب أن يحفظه لنا.

89
                        " لا أذهب الى بغداد فقط
                      وانما لاي مكان توجهُني الكنيسة"
  د . عبدالله مرقس رابي
      باحث أكاديمي
                       عنوان المقالة جواب لسؤال الاعلامي " شوقي قونجا" في أذاعة صوت الكلدان في مشيكن الامريكية، وجهه الى الاب باسل يلدو المنتخب للرسامة الاسقفية كمعاون بطريركي في بغداد في مقابلة معه مؤخرا، - الرابط أدناه - وكان السؤال :كيف ترى الكهنة الشباب في تحملهم المسؤولية لاختيارهم أساقفة وانت ذاهب الى بغداد  الصعوبات والمخاطر ؟.
فكان جواب الاب يلدو نعم أنها مسؤولية كبيرة وليست سهلة، وانما علينا تحملها مهما تكن ، فأني لا أذهب الى بغداد فقط ، بل  مستعد الذهاب الى اي مكان آخر توجهني الكنيسة .فالكنيسة تطلب مني ذلك وعلينا ان نعتبر أنفسنا جنود ليسوع المسيح . فلابد أن أقبل هذا العطاء بفرح وسرور .
لهذا الجواب من كاهن شاب مُنتخب للاسقفية أبعاد عظيمة يعبر عنها وهو متوجه الى بغداد عاصمة أسوء وأخطر بلد في العالم ،بلد الحروب الدامية والتفجيرات المفاجئة، والفساد الاداري ،والجريمة بكل أنواعها والفقر  والخطف والقتل على الهوية وبالاخص الهوية الدينية.
فهي رسالة واضحة لمن يكرس نفسه لخدمة الكنيسة ونشر رسالة المسيح التي لا تعرف حدودا ملتهبة أو أماكن مشتعلة ،فقبوله الاب يلدو التوجه الى بغداد هو أيفاء لعهد قطعه أثناء تلبية نداء الروح القدس ليكون كاهنا في كنيسة المسيح وما عهد به من الطاعة لرؤسائه .فهو لم يفكر آنذاك بأنه سيرسم كاهنا أو أسقفا ليخدم في مكان آمن وهادىء ومناخ معتدل ومحاط بالاغنياء.ولهذه الاسباب قالها الاب باسل أنه يذهب لاي مكان فأنا جندي ليسوع المسيح ،فالجندي لا يعيش في المكان الآمن بل يكون معرضا في خدمته الى المخاطر والصعوبات الجسيمة.
فهي رسالة جريئة للآخرين ،ولمن لهم آذان ليسمعوا ،فهي نابعة من ارادته الحقيقية ،والا لاستطاع بسهولة رفض أنتخابه كأسقف للخدمة في بغداد وله فيها تجربة مريرة وقاسية ،ويبقى يخدم كاهنا في بلد الامان والتكنولوجيا التي تُسهل الحياة. وينام ويستيقظ وهو في غاية السعادة والاطمئنان، وبالرغم من أنه  في عمر الشباب فيتوقع فرص أفضل له  ،ولكن فضًل بغداد وما يجري فيها على بقائه في مكانه الآمن ،معبرا عن ذلك في أجابته لسؤال آخر من الاعلامي بقوله: انا لست أحسن و أفضل من غبطة البطريرك والاساقفة والكهنة الذين يخدمون في بغداد والمؤمنين الساكنين فيها .
أن قبول الكاهن باسل يلدو وأستجابته لمن أنتخبوه لدرجة الاسقفية والخدمة في بغداد هي تعبير فعلي وصميمي للطاعة والالتزام ، وهو أدراك عميق لسر الكهنوت الذي يحمله ،فهو فرح كما قال في سياق اجاباته ليس لانه سيكون أسقفا، بل لاختياره ليكون أسقفا ،فلا تحزنوا يقول لاحبته المودعين لاني متوجه الى بغداد للخدمة هناك بل أفرحوا فهو أختيار ومشيئة روح القدس.ويقول أن ذهابي الى بغداد هي رسالة تضامن مع من هم هناك من الاساقفة والكهنة والمؤمنين ، رسالة التشجيع للعمل اينما طُلب من الكاهن دون الاكتراث للظروف التي يمر بها بلدنا .

أختيار موفق للاسقفية

                     فضٌل غبطة البطريرك مار لويس والسيهنودس في الكنيسة الكلدانية أن يكون الأختيار للاسقفية من الكهنة الشباب لتطعيم الادارة الكنسية بحيوية من دماء شبابية لهم خبرتهم المنسجمة مع التغيرات الحياتية الحديثة والى جانب الاساقفة من الاعمار المتقدمة ،وهكذا كان رأي الاب باسل الذي هو من مواليد 1970 بالاساقفة الشباب:
 انهم يتفاعلون مع معطيات عصرنا والعقلية المعاصرة للمؤمنين التي تتأثر بالخصائص الحضارية والثقافية ،فهم يتعاطون مع التغيرات السريعة. ويدركون ماذا يريد المؤمن وبأي عقلية يفكر ،فهم أفضل من يتعامل مع التكنولوجية الحديثة ،الاعلام المتطور ، فهو سيسعى الى تطوير الاعلام الكنسي لانه يعتبره رسالة وخدمة للكنيسة وواجهة له  ،الاساقفة الشباب يدركون الضغوطات التي تتعرض الكنيسة لها وكيفية التعامل للحد منها ،مع تأكيده أيضا على ضرورة وجود الى جانب الاساقفة الشباب من المتقدمين بالعمر ،فلهم الخبرة والحكمة ومنهم نتعلم ونكيف ما نتعلمه مع المتغيرات المعاصرة في أدارة الكنيسة.
يعد أختيار الاب باسل موفقا لانه يجمع بين بيئتين مختلفتين من العمل الكهنوتي،فهو خدم في بغداد منذ رسامته كاهنا وسكرتيرا لمثلث الرحمات البطريرك مار عمانوئيل دلي ،وفي ظروف ليست أجود من الظروف الامنية والسياسية الحالية في بغداد ، وثم عمله في أبرشية مار توما الكلدانية في مشيكن الامريكية ،فأكتسب خبرة العمل في أبرشيات الانتشار التي تختلف ظروفها وبيئتها الاجتماعية والحضارية عن أبرشيات العراق،فهو سيكون كما قال عونا في تبادل الخبرات للتضامن والتعاون بين الابرشيات في الانتشار والبطريركية والابرشيات الاخرى ،فهو يتمتع بعلاقات واسعة مع الاساقفة والكهنة ومع الكنائس الاخرى ،فيمكن أن يوظفها في الادارة كمساعد للبطريرك في بغداد.
ونظرا لما يتمتع الاب باسل من تعليم عالي لكونه حاملا شهادة الدكتوراة في اللاهوت من روما وله عدة مؤلفات في مواضيع مختلفة ومقالات منشورة في مجلات مختلفة ،ستساعده هذه الميزة الثقافية والعلمية الى العمل من أجل الرقي والتجديد في ادراة الكنيسة الكلدانية نحو الافضل لكي تنسجم مع معطيات الفكر البشري المعاصر والتخلص من الترسبات التاريخية المعيقة لتكييف النظام العلائقي في الكنيسة كمؤسسة سواء بين الاكليروس أنفسهم أو مع العلمانيين لترسيخ دورهم الحقيقي والاستفادة من خبراتهم في الشؤون الكنسية.
وأخيرا نتمنى للاب باسل يلدو التوفيق والنجاح في خدمته الاسقفية ليكون عضوا فعالا في الكنيسة الى جانب غبطة البطريرك وأخوته الاساقفة والكهنة والمؤمنين أجمعين،ولتكن رسامته فرح وبشرى عظيمة ورسالة لها مغزى روحي للاخرين للاقتداء بها . 
 http://www.chaldeanvoice.com/mod.php?mod=interviews&modfile=item&itemid

90
                    هل يجوز هرطقة ألآخر بسبب الاختلاف؟
                           مار نسطوريوس مثالا

د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
                 
              مقدمة
                             يكتب بعضٌ من الكتاب عن مواضيع مثيرة لمشاعر القارىء بحيث تُكون لديه مواقف سلبية تجاه الاخرين .يعتمد هؤلاء الكتاب على ما يتوفر لديهم من الكتب الدينية التاريخية القديمة ،أو تأثرا بالنزعة العاطفية التي تكونت لديهم عبر التنشئة الاجتماعية الاسرية التي تُبعده عن العقلانية فيصبح أسيرا لها ،فلا يكترث الا مما غُرس في ذهنه تجاه الظاهرة فلا يتمكن التخلص منها فتمنعه من التفكير العقلاني الذي يستند على العلوم الحديثة الوضعية.
 ومن هذه المواضيع التي تُثار حاليا ،وفي الوقت الذي نحن بأمس الحاجة الى تجاوزها وطي صفحة الماضي ، هي عن التعاليم النسطورية التي نوقشت واحتدم النقاش حولها منذ اكثر من 1500 سنة في ظل ظروف فكرية لا تستند على المنهجية الاستقرائية ، بل على الاستنباط الاستنتاجي وبمؤازرة عوامل سياسية وشخصية كما سياتي ذكرها.
 وقد يستغرب البعض من طريقة تناولي للموضوع ،لان الطريقة التي يتبعونها في دراسة الظواهر الاجتماعية والدينية  قد تخالف الطريقة العلمية في دراسة هذه الظواهر .فيتسرع بأصدار حكمه على المقال ،ولكن الباحث العلمي يتمسك بنتائج دراسته حتى وان كانت مخالفة للرأي العام الى أن تٌدحض من قبله أو من قبل الباحثين الاخرين .
تنطلق هذه الدراسة من منهجية علم الاجتماع والمفاهيم التي يستخدمها علم الاجتماع الديني في دراسة الظواهر الدينية ،فسوف لن أناقش الاختلاف العقائدي واللاهوتي وتفصيلاته فذلك من أختصاص الثيولوجيا .والمحاولة هي الاجابة على فرضية مفادها : " هل يجوز هرطقة الاخر بسبب الاختلاف" ؟وجئت بالنسطورية مثالا لدراسة الحال ومستندا عل التحليل السوسيولوجي ،وعلى مبدأ "نسبية الظاهرة الاجتماعية"
الفلسفة والعلم
            الفلسفة هي الدراسة التاملية لما تبحث فيه العلوم مباشرة ،فهي تحصر نفسها في دائرة من المشاكل ،وتقوم على التفهم والتجريد والتاملات الشخصية ،معتمدة على العقل في الاستنباط ،فهي لا تحمل غير ارادة فردية محتملة ،ولا تقبل الخضوع على التجربة .كانت الفلسفة الى القرن السابع عشر الميلادي جامعة لكل العلوم الطبيعية والاجتماعية ،وبدأت تنشق منها بفضل غاليلو ونيوتن وديكارت واوكست كومت وسان سيمون.
أما العلم ،فهو عبارة عن المعرفة المنسقة التي تنشأ من الملاحظة والدراسة والتجريب أي ان العلم لا يكتفي بالعقل فقط في دراسة اصول الظواهر الطبيعية والاجتماعية ، بل يتعدى ذلك الى الحواس الاخرى للاستقراء.وباجراءات منسقة بدقة للتحري عن حقيقة الاشياء وبالتناسب مع مضمون المستجدات البيئية،  وبموضوعية التي يتطلب الالتزام بها من قبل الباحث الذي يتخلى عن ذاته .فالفلسفة هي افكار مطلقة ،بينما العلوم الوضعية لها نظريات وقوانين تُكتشف بالتجربة،وأن كانت النظرية بحاجة الى مراجعة قد تُستبدل باخرى أو تُضاف اليها تفسيرات جديدة .
أن الغرض من هذه المقارنة بين العلم والفلسفة هو لقياس موقع الكتابات والاجتهادات الفلسفية والدينية في القرون الاولى الميلادية ،وتحديدا القرن الخامس الذي تميز مسيحيا بعقد المجامع والاجتهادات العقائدية والانشقاقات الكنسية ومنها موضوع الدراسة .
تقع تلك الاجتهادات والافكار بخصوص العقائد الدينية ضمن الكتابات الفلسفية القديمة ،فلم تكن العلوم قد انتقلت الى طورها الوضعي ،بل كانت في أحضان الفلسفة الام التي بنت أفكارها كما أشرت على الاستنباط التأملي .بعد أن اسس العلم الحديث قواعده ،بدأت الدراسات اللاهوتية " ثيولوجيا " وكذلك الفلاسفة المعاصرين هجر ميدان الميتافيزيقيا ليتقربوا تدريجيا من الميدان العلمي الوضعي ،فالعصر الحديث هو عصر الفلسفة العلمية " الابستيميلوجيا " . فأذا لابد من أعادة النظر في كل ما كُتب في تلك الفترة بطريقة تتناسب مع المستجدات العلمية والبيئية .

الدين والتنشئة الاجتماعية
                            الظاهرة الدينية في مواصفاتها هي ظاهرة أجتماعيةلانها عامة لافراد المجتمع،فالطفل يولد كتلة بايولوجية ،فهو لايمكن أن يختار مايشاء من الظواهر الاجتماعية ومنها الدينية.هذه حقيقة اجتماعية في علم الاجتماع ،فكل فرد منذ ولادته ينمو جسديا وتنمو معه عن طريق الاكتساب التعاليم الدينية واللغة والاساطير، وكلها من ميراث جماعته التي تتناقل عبر الاجيال وليست من صنعه .فيرى الانسان عند بلوغه محاطا ومقيدا بجملة من المعايير الدينية التي توجه افكاره وسلوكه وممارساته، والانحراف عنها يؤدي الى العقاب الديني أو احيانا المدني .
تعد دراسة المجتمعات البدائية الحالية البعيدة عن تأثيرات الحضارة الحديثة مختبرا واقعيا لعلماء الاجتماع لكشف الاسرار عن طبيعة الاديان في العصور القديمة .وقد توصل الانثروبولوجيون الى ان عادات وتقاليد وطقوس هؤلاء هي مثل تلك التي عاشها الانسان في المجتمعات القديمة ،فتبين أن العقائد الدينية تختلف مكانيا وزمانيا شأنها شأن الظواهر الاجتماعية الاخرى .
العقائد الدينية
              " وهي وسيلة أتخذتها الاديان لتحفظ ألاذهان من التشتت ،وعلى المؤمن أن يسلم بحقيقتها ويؤمن بها بدون تردد وفقا لمبدأ" الحرمان الديني "وكلما يزداد أتباع الديانة الواحدة تتعقد العقائد والممارسات والطقوس وتزداد الانشقاقات ،فعليه نلاحظ عند الديانات الطوطمية التجانس لقلة اتباعها مقارنة مع الدين المسيحي .
يشير علماء الاجتماع من خلال دراستهم للاديان البشرية الى وجود عوامل متعددة لانشطارها الى مذاهب عقائدية تتباين في بعض من أفكارها ،منها البعد الزمني من مؤسس الديانة وأتباعه ،فكلما مرت فترة على البداية الاولى لانتشار الديانة تبدأ الاجتهادات تظهر حول شخصية المؤسس والاختلاف في تفسير العقائد والتعاليم التي تبنتها الديانة .وتساعد العوامل الجغرافية التي تؤدي الى العزلة الاجتماعية ،والسياسية والشخصية المتمثلة بالنزعة الجسدية في توسيع الهوة بين المجتهدين ،وبمرور الزمن تصبح التغيرات الفكرية العقائدية ثابتة ويزداد عدد المعتقدين بها .
ومن الحقائق العلمية في علم الاجتماع الديني ، أن الاجتهادات الفكرية العقائدية لاتباع الديانة الواحدة كانت على أوجها في الانتشار في المرحلة الفكرية الاستنباطية التأملية ،أي قبل ظهور المرحلة الوضعية للعلوم في دراسة الظاهرة الطبيعية والاجتماعية في القرن الثامن عشر .فولد الانشطار العقائدي في تلك الفترة نوعا من الصراع الفكري بين المذاهب بحيث وصل الى تبادل التراشق والتحريم والهرطقة ،فكل مذهب يعد ما وضعه سليما وحقيقيا في تفسيره للعقائد .
لن تسلم الديانة المسيحية من هذه الانشطارات المذهبية وكانت على أشدها منذ مطلع القرن الخامس الميلادي ،ولا سيما بين أساتذة المدرسة الانطاكية برئاسة " تيودوروس المصيصي " وتبناها وأيدها بشدة بطريرك القسطنطينية " مار نسطوريوس ". وكنيسة الاسكندرية برئاسة " قورلس ".
نسطوريوس
             تشير عدة مصادر تاريخية كنسية أنه من مواليد "جرمانيقي " في سورية سنة 381 ميلادية .تلقى العلم في مدينة أنطاكية ،وتاثر بتعاليم تيودوروس المصيصي .وقد كان ذكيا وفصيح الكلام في التعبير عن آرائه ، في 10 نيسان من سنة 428 رُسم بطريركا في العاصمة البيزنطية .منذ توليه السدة البطريركية بدا بنشر تعاليم تيودوروس .
وقد كان شديد الجدال مع "قورلس " بطريرك الاسكندرية منذ سنة 412 ،فبدأ كل واحد يشرح موقفه ونظرته وتفسيره لطبيعة المسيح ،وكل منهما دافع عن آرائه بالوسائل والبراهين .فمثلما أُتهم نسطوريوس بوضعه سري التجسد والفداء في خطر ، أيضا أُتهم الطرف الاخر وضع وحدة المسيح في خطر في نظرتهم الثنائية .فأصبح كل واحد ينظر الى الاخر هرطوقيا !!! .
والهرطقة هي : "أتجاه فكري لا يتوافق مع نظام عقائدي معين ،فيحاول ضم أو الغاء مفاهيم عقائدية من النظام السائد " .فهو أختلاف فكري بين المفكرين أو بين الجماعات التي تتبنى  كل منها أفكار معينة ، وتتهم بعضها البعض بالهرطقة،أي الخروج عن الاسس الدينية التي وضعها مؤسس الديانة .
ما كتبه المؤرخون عن الاوضاع السائدة منذ بداية القرن الخامس الميلادي
                            كما ذكرت في البدء سوف لا أناقش الافكار اللاهوتية ،ولكن لكي ابرهن صحة فرضية الدراسة ،لابد من تحليل سوسيولوجي للاوضاع السائدة منذ مطلع القرن الميلادي الخامس حيث بدأت الجدالات وانعقاد المجامع بدأً من أنعقاد مجمع " أفسس " سنة 431 م ،وثم أفسس الثاني سنة 449 ،ومجمع خلقيدونية عام 451 م .ساقتصر على عرض بعض من العبارات المستلة من كتاب الاب البير ابونا المعنون " الكنيسة الشرقية "كما هي وبدون تغيير، وقد وردت أيضا في مصادر تاريخية كنسية عديدة أقدم من الكتاب المذكور وقد اعتمد عليها نفسه المؤلف، ومنها على سبيل المثال ، كتاب " أدي شير "المعنون " كلدو وآثور " المجلد الثاني . وذلك للوقوف على الظروف والملابسات التي رافقت انعقاد هذه المجامع والفترات التي تخللتها ،وأهم هذه العبارات المختارة:
" أن جلوس ملوك الروم في القسطنطينية رفع مرتبة الكرسي البطريركي القسطنطيني وفاق الكرسي الاسكندري منزلة ولذلك كان بطاركة الكرسي الاخير يحسدون بطاركة كرسي القسطنطينية ،فحدثت بينهما منازعات شديدة "
" اتفاق بين روما والاسكندرية ضد نسطورس البطريرك "
" الامبراطور تاودسيوس بدأ التدخل لحسم النزاع "
"تخلفوا اساقفة عن الحضور للموعد المقرر لصعوبة النقل وأخطار الطريق"
" كتب يوحنا بطريرك أنطاكية مع مطارنة سورية الى قورلس يستمهله قليلا ،فلم يصبر بل قرر افتتاح المجمع قبل وصول الاباء بكاملهم "
"دُعي نسطوريوس لهذه الجلسة ولكن أمتنع مع ستة اساقفة "
"لم يولي قورلس ذلك أهمية "
"أوصى الامبراطور الذي دعُي الى مجمع أفسس الثاني بعزل - هيبا – وبايجاد خلف له على كرسي الرها" "الاساقفة الذين أبوا أُرسلوا الى المنفى بقوة الحكومة "
" لعبت الاهواء البشرية دورها الكبير في اقناع الامبراطور وبطانته والتأثير على المتنفذين في البلاط لمحاولة ترجيح كفة على أخرى "
" هكذا أن مجمع افسس ،رغم ما تخلله من الشوائب والتصرفات التعسفية التي ابداها كل فريق ضد خصمه"
" بعد وصول البطريرك يوحنا بطريرك أنطاكيا مع مجموعة من الاساقفة وعلم ماحدث في المجمع ،وبالغبن الذي لحق بالبطريرك نسطوريوس ،فعقد هو أيضا مجمعا وعزل قورلس ومؤيديه"
" أعتبر الشرقيون قورلس منحرفا عن الايمان القويم "
"تدخلت السلطة الحاكمة لنفي بعض المطارنة الموالين لنسطوريوس "
 " توصل أوطيخا الى كسب نفوذ واسع في البلاط الامبراطوري مما أتاح له أن يساعد اصدقاءه ويقضي عل أعدائه "
" الامبراطور تادوسيوس كان ألعوبة بين الموالين لاوطيخا ،فأستعمل نفوذه لرفع الشجب عنه "
" عُرف مجمج القسطنطينية بمجمع اللصوص "
" ضم مجمع أفسس الثاني 130 أسقفا معظمهم من مؤيدي الامبراطور "
" التف حول المجمع جملة من الرهبان الغوغائيين ومن عملاء الامبراطور ،للضغط على المجتمعين وأجبارهم على أتخاذ القرار لصالح أوطيخا "
" أما ممثلوا بابا لاون لم يتسن لهم التعبير عن رايهم باليونانية،وقد أجلسوهم بعيدين عن بعضهم في المجمع لمنع التشاور بينهم "
" لم يسمحوا على قراءة رسالة البابا "
" سادت الفوضى وعم الاضطراب وتدخل الجنود بسيوفهم المستلة ولاذ بعض الاساقفة بالفرار "
" بعد أعادة الهدوء جمع ديوسقورس عددا كبيرا من تواقيع الاباء تحت الضغط والتهديد "
" لما بلغت هذه الاخبار الى البابا الروماني ،أبدى أسفه وأستيائه الشديدين لهذه الاجراءات التي أُتخذت تحت ستار الدفاع عن الحقيقة الارثودكسية "
" تمكنت بولكيريا  زوجة الامبراطور مرقيان سنة 450 تجزم السيطرة على الوضع حتى على الصعيد الديني ،وعملت على تقليص من نفوذ ديوسقورس وزجت أوطيخا في السجن "
" دعى الامبراطور مرقيان الى عقد مجمع في فينيقية سنة 450 في ايلول قبل ان يتلقى جوابا من البابا "
" أمر الملك أن ينتظروه الاساقفة المجتمعين لحين قدومه "
" هدد الامبراطور بأتخاذ أجراءات صارمة بحق كل من تسول له نفسه بمقاومة هذه المقررات "المقصود في مجمع خليقدونية سنة 451 .
" أن الاباء في أحدى الجلسات ،وبغياب ممثلي البابا قرروا أعطاء أهمية كبرى لكرسي القسطنطينية وتحوله الى سلطة واسعة توازي سلطة الكرسيين الاسكندري والانطاكي ،بل تضاهي سلطة الكرسي الرسولي في روما "
" أقحم تيودوروس ربولا جدالا جرى في العاصمة البيزنطية فحقد ربولا عليه "
" وعُرف برصوما أن يكسب بدهائه عطف الحاكمين الذين أستغلوه لاغراضهم السياسية "
" وسرعان ما تلبدت الغيوم السماء ثانية بالسحب الدكناء وأخذت الامور تتردى بين الجاثليق ومطران نصيبين "
كانت هذه العبارات اضافة الى العديد منها واكثر ألما وقسوة  مدونة في الكتب - لايمكن ان تدون في هذه الدراسة المختصرة - مؤشرات حقيقية طالما وردت في التراث الكنسي وفي مصادر مختلفة كُتبت من قبل الاكليروس نفسه والعلمانيين .ومن تحليل هذه المؤشرات يمكن الاستنتاج مايأتي :
أولا : يتبين جليا دور السلطات السياسية المتمثلة بالامبراطور نفسه والسلطات المحلية في الضغط على المجتمعين في المجامع المذكورة ، وان هذه المجامع قد حُددت مكانيا وزمانيا من قبل الامبراطور.انطلاقا لكسب الرأي العام للمصلحة المتبادلة بين السلطة والاساقفة المتجادلين. ويبدو أن السلطات الحكومية كان لها باع طويل في عزل وتثبيت من تشاء من الاساقفة ،وكذلك أن كل تحركات الاساقفة كانت مرصودة من قبل السلطة تماما ،فأكثر الادلة عمقا ووضوحا هو :تهديد الامبراطور باتخاذ اجراءات صارمة بحق كل من تسول له نفسه بمقاومة مقررات المجمع.
 ثانيا : غُلبة النزعات الانسانية الجسدية الدنيوية عند الاساقفة على الروحانية وذلك يتبين بوضوح،حبهم للسلطة وتبوء المراكز الدينية ، الحقد المتبادل بينهم ، الوشاية عند السلطات لاجل تحقيق مصالحهم، الرشاوي المقدمة لهم والمقدمة من قبلهم ،المراوغة والتحايل على بعضهم،وكثيرا ما وصفوا الخصم بالعدو اللدود.
ثالثا : لعبت العلاقات الثنائية وتبادل المصلحة والمنافع بين الاساقفة أنفسهم في ترجيح كفة على اخرى من المتنازعين حتى بالرغم من أنه لم يكن مقتنعا بما جاء صاحبه من أفكار،اضافة الى الاسقاط النفسي المتمثل اتخاذ موقف معادي تجاه الاخر بسبب العلاقة السيئة بينهما في الماضي .
رابعا : كان للعوامل الجغرافية دورا مهما في عدم التوصل الى صيغ عادلة وفسح المجال للعديد من الاساقفة للمشاركة في المجامع في الوقت المناسب للتعبير عن آرائهم وافكارهم ، لضعف وسائط النقل ومخاطر الطريق وبعد الابرشيات عن بعضها .
خامسا : كانت منطقة بلاد النهرين العليا منطقة الصراع بين الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية ، لذلك لعبت ظروف الصراع والحروب دورا مهما في الانشقاقات الكنسية آنذاك.
سادسا :  أضطلعت الترجمة دورا كبيرا في عملية النقاش الدائر بينهم للتعبير عن أفكارهم ،فمهما يتقن الانسان لغة الاخرين لابد وان يتلقى صعوبة في التعبير عن أفكاره وخاصة عندما تكون فلسفية ودقيقة ومعقدة مثل الافكار الدينية .
الاستنتاج
  بالاضافة الى خصائص المرحلة الفكرية التي طُرحت ونوقشت الافكار العقائدية التي تتميز بافكار النزعة الفردية التاملية،أليست الاحداث والظروف التي أحاطت بتلك المجامع عاملا مؤثرا في عدم حسم الافكار الصحيحة؟ كيف يتمكن الفرد من طرح أفكاره وهو محاط بمثل تلك المؤامرات والضغوطات المذكورة ؟بالطبع لايتمكن أن يرجح كفة النقاش لصالحه ،لابل لم يمنح المجال له للحضور وبمعيته أساقفته ومؤيديه.
اذن اين تكمن الهرطقة ومن هو الهرطوقي ؟ طالما ان النقاشات حُسمت في ظل الابتزاز والضغط والتهديد والطرد وحتى التدخل بالسلاح . فكل مجموعة هرطقة الاخرى ،وثم الذي كان محقا يوما ما بعدها قد زجه الامبراطور في السجن وعزله ونفى تعاليمه.وبعد ان انتصر قورلس ، وحرم نسطورس ،فهو الاخر أي قورلس حُرم  فيما بعد من قبل البطريرك الانطاكي يوحنا ،فكل فريق ينظر الى الاخر انه هرطوقي .
لكي نصل الى نتيجة فكرية سليمة يجب تهيئة بيئة مريحة وصالحة واستقلالية تامة للمناقشين لحسم موضوع النقاش ،وليس عن طريق وضع السيوف على الرقاب والتهديد،فمن هذا المنطلق أرى أن الامور لم تحسم في تلك المجاميع لمعرفة الاصح من العقائد المختلف عليها، فكيف كانت المواقف لو أن البطريرك نسطوريوس أستطاع الفوز وتثبيت أفكاره وقبولها؟.
ارى أنه لو كان نسطوريرس هرطوقيا لما انتشرت أفكاره في مساحات شاسعة من الارض واعداد كبيرة جدا من المؤمنين منذ أن تبنى الجاثليق" آقاق " و25 أسقفا أفكاره في المدائن وانطلقوا منها لنشر الايمان المسيحي .وذلك لسبب بسيط وهو شدة الخوف من حالة الهرطقة والحرم الكنسي ،لكن بالعكس لم يعيروا أهمية لها .
فتوالت الاجيال وهي مؤمنة بالافكار النسطورية ،وأصبحت من الثوابت لترسخها في عقلية المؤمن الذي تلقاها من اسرته عن طريق التنشئة الاجتماعية التي تكون له موقفا ايجابيا وفقا لمبدأ، أن ما يتلقى من والديه هو المثل الاعلى ،فبدأت بالنسبة للفرد الافكار النسطورية هي المُثل العليا والحقيقية ،كما في المقابل يحدث نفس الاتجاه بالنسبة الى المؤمن في المذاهب الاخرى الارثودكسية والكاثوليكية وغيرها ، خذ مثلا الاقباط الارثودكس ،فهم لايؤمنون بمعموذية مؤمني الطوائف المسيحية الاخرى قاطبة وبما فيها الارثودكسية ،وكم من حالات الزواج حدثت بين أبناء الاقباط وبناتهم للطوائف الاخرى ،فهم يرفضون هذا الزواج ما لم يتم تعميذ غير القبطي الارثودكسي ،والمعروف يبدأ الانسان مسيحيا منذ نيله سر العماذ  بالدرجة الاساس ،فهل يدل ذلك عدم اعتراف الاقباط الارثودكس بمعمودية غيرهم انهم يهرطقون الاخرين ؟ بالطبع نعم لان عدم اعتراف بمعمودية الاخرين انهم لايعترفون بهم كمسيحيين مؤمنين .
ومن هنا يمكنني القول :ليس الاختلاف في الفكر ذريعة لهرطقة الاخر ونحن نعيش في عصر تكشف لنا الافكار العلمية النسبية في الظواهر الاجتماعية التي تكونها وتصقلها التنشئة الاجتماعية ومن الصعوبة التخلي عنها ،وبل المجتمعات تخطو خطوات سريعة لقبول الاخر واحترامه طالما أنه لا يترك التمسك بافكاره خطرا على الاخرين، منطلقة بتأثُرها بالقاعدة العلمية التي مفادها " دراسة الظاهرة كما هي لا كما يجب وفقا لما يحمل الباحث من الافكار السابقة عنها .
وأخيرا أقول :بالطبع أن هذه الملابسات والظروف والاحداث التي أحاطت في المجامع التي عٌقدت في القرن الخامس الميلادي ،موثوقة ومعلومة لدى جميع المذاهب الدينية المسيحية وبما فيها الفاتيكان.فلماذا لا يُعاد النظر في تسويتها .فهل من المنطق  العلمي الحديث  نتمكن من جزم وتمييز الصح عن الخطأ في مثل تلك البيئة ؟وأرى أن السكوت عنها وأهمالها وتبادل الهرطقة في عصرنا هذا ماهو الا مؤشر دامغ بأن أصحاب الشأن لا يزالوا يعيشون تحت وطأة الفكر البشري في القرون ما قبل الوسطى.ولا تزال الاهواء والنزعات البشرية والجسدية تغلب عندهم على الروحية .وهذا ينطبق على المفكرين والكتاب العلمانيين المروجين للتمييز المذهبي وهرطقة الاخر.فشعبنا الكلداني والاشوري والسرياني في هذا اليوم بأمس الحاجة الى التضامن وقبول الاخر وكتابة ما يوحدنا،وذلك ليتمكن التصدي للظروف الماساوية التي يمر بها ،وثم لكي يحقق وجوده في بلدان الاغتراب ويرسخ هويته.

ملاحظة : تجنبت الحاق المصادر المعتمدة في الدراسة لكي لا تأخذ مجالا من الصفحات ،وهي موجودة بحوزتي وشكرا للقارىءالعزيز

91
                       في خيمة الميلاد مع المُهجرين
                        وتمنياتي لابرشية مار بطرس
 د . عبدالله مرقس رابي
     باحث أكاديمي
                      صمم غبطة البطريك مار لويس ساكو بطريرك الكلدان في العالم بأن يُقيم قداس الميلاد لهذه السنة في خيمة مع المهجرين ليكون معهم، مثل ولادة اليوم الطفل عمانوئيل ، اي  " الله معنا " .لاننا نحتاج الله في حياتنا .وهكذا أقام غبطته قداس الميلاد معهم  في خيمة متواضعة وليس في كاتدرائية ضخمة والى جانبهم لانهم بحاجة اليه ،أقامه مع المهجرين المنسيين من المجتمع الدولي ،والذين لا مأوى لديهم يقون برد الشتاء القارص ولا شجرة الميلاد موضوعة في بيوتهم لكي توضع تحتها هدايا بابا نوئيل لاطفالهم ،كان مع المعوزين والمرضى والعاطلين عن أعمالهم ،ومع الذين أُبعدو من كنائسهم التي كانت مكان رفع صلواتهم ومزاميرهم وشكرهم للرب ، فأين يحتفلون بقداس الميلاد ؟ فأستجاب غبطة مار ساكو ليكون معهم في الخيمة المباركة ليعكس مشاعر المحبة والرعاية وليقول كلنا معكم في طريق الجلجلة ، كلنا معكم لاستقبال الرب في ميلاده فلا تخافوا .
لخيمة الميلاد معاني ودلالات نفسية وأجتماعية وسياسية  ،فهي تعبر عن المشاركة في مائدة واحدة ، والتضامن الاجتماعي والشعور الوجداني ، مشاركة المؤمنين في ظروفهم المفروضة عليهم،مشاركة الاب للابناء .تعبر خيمة الميلاد عن منح روح التفاؤل وتقوية الايمان والمحبة والصبر ، خيمة الميلاد رمز للتضحية والصمود لاعلاء كلمة الرب وهي رسالة الى الكل لتقول : نحن باقون وعلى العهد سائرون وبه ملتزمون ، شارك غبطته مع المضطهدين والمتألمين ليخفف عنهم معاناتهم ويبشرهم بولادة المخلص رب السلام وليقول : اننا واحد ، وليس فينا كبير أو صغير.وجود غبطته بينهم عامل لترسيخ مبادء الروح الجماعية ،وأيضا يعبر عن بقائهم معهم ولم يسبقهم الى المهجر .
  ولعل حضور السيد نيجرفان البرزاني الاحتفال المقدس له دلالات سياسية  واشارات من الحكومة لرعاية اخوتنا المهجرين وأكدعلى  تضامنه معهم وعبرعن مشاعر حكومة وأقليم كوردستان عن معاناتهم  فكل ما جاء في كلمته هو تعبير عن الفلسفة التي تتميز بها حكومة ورئاسة الاقليم تجاه المكونات الاثنية  فهم قدموا ما بوسعهم لتدارك الازمة وتوفير الامان .
ان هذه الخيمة المقدسة  هي رسالة الى كل المعنيين بأننا اصحاب الارض الحقيقيين ولا يمكننا ان نفرط بها وهي الارض التي تلقت واستقبلت كلمة المسيح مباشرة من رسل السيد المسح .
هكذا نراه دائما البطريك ساكو لا يعرف الراحة والسكينة بل الحركة واليقظة والمشاركة مع أبنائه افراحهم وآلامهم ،وليس كما يقول البعض في مقالاتهم يقررون وينصحون وينعتون الاخرين باسوء ما يُقال .هكذا نراه يصافح الطفل والمُسن والشباب والمرضى ،ويسمع الى همومهم ومعاناتهم ، وليس جالسا ليعبر في مقال أو كرازة لزرع الفتن والخصومات والحقد كما يعبرون البعض عن مدفونات عقلهم الباطني .
نعم أن مار لويس ما يؤدي الا واجبه الابوي ،ولكن ألا يستحق الثناء والتقدير والطاعة والتضامن والتعاون معه من أجل النهوض بكنيستنا الكلدانية المتألمة ؟ ولكن مع الاسف لا يزال البعض لا يقيمون أعمال غبطته باستحقاق ورؤية موضوعية لتدارك كل الخلافات.
هناك البطريك ساكو معهم في خيمة الميلاد ، في الوقت الذي نرى تذمرا وخيبة آمال وفوضى وتهديدات بالقانون والمحاكم في ثاني أكبر أبرشية كلدانية ،أبرشية ماربطرس ، تلك الحالة التي أصبحت على لسان كل مؤمن ليقول : ماذا يجري في ساندياكو ؟ وليس على لسان الكتاب فقط ، وضع محرج ، الكل يأسف على ما وصلت الحالة اليه، راعي الابرشية يهدد المؤمنين بالمحاكم !!!!! أليس هذا تخبط في الادارة ؟ ألم يكن هناك من حلول الا المحاكم وضد من ،المؤمنون الكلدان الذين يعبرون عن موقفهم تجاه الكهنة المفصولين .؟
 كنت اتمنى بحلول عيد الميلاد ،ميلاد السلام والمحبة والتواضع والتسامح قد أستقرت الامور في هذه الابرشية ،وكنت اتمنى ارى سيادة المطران مارسرهد جمو الى جانب غبطة البطريرك مشاركا قداس الميلاد في خيمة الميلاد ليقدم رسالة المحبة والتواضع والسلام وليقول للمهجرين لستم لوحدكم واننا معكم ، كنت اتمنى لو تكللت ابرشية مار بطرس بالطاعة المفروضة في قوانين الكنيسة للرؤساء ،مثلما طلب سيادته من كهنته الطاعة لراعي ابرشيتهم واستلام التعليمات منه، فالطاعة مفروضة عليه تجاه رئيسه واستلام التعليمات منه.وليس بتبرير ان الطاعة هي لكرسي روما مستندا الى بعض النصوص القانونية المتناقضة في القانون الكنسي التي أراها وضعت بتخبط وارباك من المشرع وعليه جاءت متناقضة في العديد من نصوصها .
 كنت اتمنى بقية الكهنة والرهبان المنذورين بقرار البطريرك الامتثال له ،ولكن الاندفاعات الجسدية غلبت الروحانية الايمانية ورسالتهم الكهنوتية والرهبانية , فهم يريدون العيش بأمان متناسين بأن الرب هو الذي يحميهم ، ومتناسين لماذا دخلوا الرهبنة والكهنوت ،هل لكي يعيشوا في القصور أم يعيشوا حيثما الاضطهاد والالام والمعاناة ؟.
كنت اتمنى ارى كهنة اخرين حلوا محلهم من العراق وبينما هم نراهم مع المؤمنين في خيمة الميلاد ليشعروا بقية الكهنة والرهبان باننا واحد نتألم مع بعضنا ونفرح مع بعضنا . فهل ياترى لو ساوت الامور بهدوء ومناقشة وأخذ وعطاء كما بدأها غبطة البطريك برسائل داخلية ومكالمات هاتفية ، واذعانهم لقرار البطريركية والتحاقهم في ابرشياتهم واديرتهم،هل ياترى كان غبطة البطريرك ينسى أويهمل الشواغر في كنائس ابرشية ماربطرس ؟ لتكون حجة الابرشية في استئنافهم المرفوع الى الفاتيكان بحسب القوانين الهشة ، واقول هشة لانه لم أر قانونا لمؤسسة أو دولة أو حزب تقول في احدى نصوصه كما هو قانون 1319" طلب الاستئناف يوقف الحكم " فأي عاقل شرع هذا القانون وعلى أي منطق قد أستند؟ ، فهل من المعقول المحكوم عليه أو المجرم " ارجو أن لا تستغربوا"  من استعمالي  كلمة المجرم ، فهي واردة بوضوح ومستعملة في مجموعة القوانين الكنسية في الفصل الخاص " الجرائم والعقوبات على وجه عام " اضافة الى كلمات  الطرد والمحكوم عليه والحط والحرم الكبير " راجع القوانين الكنسية الشرقية رجاءا  " فهل من المعقول المحكوم عليه يبقى طليقا بعد ادانته لكي يمارس عمله ،؟ لاتوجد في اية من القوانين بهكذا حالة فالمحكوم عليه يجرد من حقوقه وتسلب حريته الى ان يصدر قرار الاستئناف فيودع السجن ، ولكن بالطبع هنا الحالة هي الكنيسة فلا وجود للسجن بل يمكن ايقافه عن ممارسة عمله لحين ورود حكم الاستئناف . ألم ينتبه المشرع في القانون الكنسي لهذا النص القانوني . واذا تساءل أحد ليس هنا محكمة أو محامي أو مدعي عام وما شابه ، ولكن القانون الكنسي يُقر بأن قرار البطريرك هو حالة خاصة قوته هي قوة القانون " راجع القوانين الكنسية الشرقية رجاءا "البند 3 من قانون 1402
كنت يوما ما متفاءل على أن النهضة الكلدانية ستنطلق من أبرشية ماربطرس ، ولكن أخطأت التقدير فلم تكن نهضة كلدانية بل نكسة كلدانية ،ومنذ بدايتها وذلك للتدخل المباشر لرجال الدين في توجيه العلمانيين مما عكس ذلك في القضية الكلدانية وحدث التخبط والارباك في عملهم وكانت النتيجة الفشل الذريع  ،و طالما منبرها الاعلامي يقبل المقالات التي تسيىء للكلدان  ورموزهم  وبرضى المسؤولين على الموقع،فلم نتوقع الانفتاح الفكري وقبول الاخر ،بل أن التعصب يزداد والتقوقع يتعمق  .
اتمنى النهاية لقضية ابرشية ماربطرس، النهاية المُفرحة التي تعبر عن الامتثال لقرارات البطريركية ،وثم مبادرة البطريركية الى رعاية وأحتضان من كان يوما قد رفض الطاعة والتكيف مع الظروف والضغوط التي تمر بها كنيستنا في العراق

92

                       أذاعة صوت الكلدان
                    لا تطرح الشعارات بل الانجازات
د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي

                تعهد كادر اذاعة صوت الكلدان في مدينة ديترويت الامريكية منذ ان دخل تنظيم داعش الارهابي الى مدينة الموصل ليواصلوا دعمهم لمهجري شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري الذي يمر باحلك الظروف واظلمها في بلده الام وعلى ارضه التاريخية .فبين حين وآخر يطلعنا هذا الكادر بأنشطة تصب في خدمة شعبنا ،ومنها النشاط الاخير في 24 /11 / 2014 على قاعة ( بيلا ) في مدينة ديترويت . وبالتعاون مع أبرشية مار توما الرسول الكلدانية وبرنامج تبني عائلة الذي يقوده (باسل بقال ) المعروف في حرصه ومشاعره الانسانية تجاه المحتاجين والمضطهدين من أبناء شعبنا ، فقد جمع اكثر من خمسة ملايين دولار منذ تأسيسه للبرنامج  وجميعها تذهب مباشرة نقدا أو خدماتيا الى من يحتاجهم من أبناء شعبنا في العراق وسو ريا والاردن ولبنان وتركيا .
 
وقد حضر الى الامسية التضامنية أكثر من 600 شخص ،يتقدمهم الاسقفان الجليلان مار فرنسيس قلابات مطران أبرشية مارتوما ومار ابراهيم ابراهيم المطران المتقاعد ومجموعة من الاباء الكهنة ،ويذهب ريع الامسية مباشرة الى لجنة البطريركية الكلدانية برئاسة المطران مار بشار ومار اميل في العراق لصرفه على أحتياجات أبناء شعبنا المهجرين.

 ومما هو جدير بالذكر أن المطرانين مار فرنسيس ومار ابراهيم أبدى حرصهما منذ دخول داعش الى الموصل  في تشكيل لجنة رئيسة في الابرشية لدعم المهجرين ،وشكلت لجان أخرى فرعية تقدم خدماتها مباشرة للمحتاجين ،وهي لجنة أطباء الرحمة برئاسة الدكتور ( مصعب كبي ) حيث تمكنوا من فتح 7 مستوصفات واثنتان في طريقهما للتاسيس أيضا ، وبرنامج التعليم الذي يساهم في سد أحتياجات المدارس المستحدثة ،ويتم صرف مبالغ أخرى لاقتناء الحاجات الاساسية للمهجرين من الغذاء والادوية والكساء والسكن .

وقد تم أختيار فعاليات متنوعة للامسية بعناية ودقة وكانت جميعها تعبر وتعكس واقع شعبنا المهجر من حيث معاناته ومآسيه وأحتياجاته والدعوة للتضامن وتقديم المساعدات .فتضمن برنامج الامسية التضامنية ،قصائد شعرية أبدع في القائها الشعراء شوقي قونجا ، يلدا قلا،دكتور  صباح قيا وجميل أوسي ،والمرنمة اللبنانية في تقديم الترانيم وقُدمت مقاطع مسرحية وأغاني جميلة ،والقى الاعلامي فوزي دلي كلمة معبرة ومثيرة عن مأساة شعبنا المهجر ،وقد نالت هذه المنوعات رضى الحاضرين لكونها تصب جميعها للتعبير عن أحوال شعبنا المضطهد على أرضه.

ماهي الدلالات المستخلصة عن هذه النخبة النشيطة؟

تعد مسالة تقديم الدعم للمهجرين من أبناء شعبنا هو الهدف الاساسي لانشطتهم منذ بداية المأساة فكل مايؤدونه من عمل لابد وان ينصب في خدمة شعبنا المنكوب ،فهم يعيشون الحدث فعلا ،فما الاعمال التي يقدمونها الا تعبير عن مشاعرهم الانسانية والمسؤولية تجاه أبناء شعبنأ .

تتفهم هذه الفئة النشيطة بأن الوضع المرحلي الذي يمر به شعبنا يتطلب توجيه كل المساعي لانقاذه من محنته ، على عكس  الذين لا يزالوا يتصارعون على الكراسي والمصالح . وهم لا يكترثون أهمية للتشبث بالاصالة وحفر الابار التاريخية ليوقع فيها غيرهم من أبناء شعبهم ،فهم أبناء اليوم وليسوا من يعيشون قبل خمسة ألاف سنة ويدعون الاصالة لهم بينما الشعب الان بحاجة لابسط ما يُقدم له.

فهم  ليسوا مثل هؤلاء الذين يعيشون بأحلام وبطولات الماضي السحيق التي أصبحت مجرد تاريخ مكتوب أو بقايا رقم طينية أو قطع تماثيل في المتاحف ويتركون شعبهم بآلامه سواء من الكلدان أو الاشوريين أو السريان . بل هم يُنسقون ويخططون في كيفية مساعدة شعبنا اليوم.

ليسوا هؤلاء الخيرين منهمكين في كتاباتهم عن تهميش الكلدان من قبل بليمر أو زوعا أو المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري أو من النائب يونادم كنا . بل يدركون تماما أن البيت الكلداني عليه أن يعتمد على نفسه وينافس غيره منافسة شريفة لا بالاسقاطات الشخصية ،فهم لا يلوموا أحدا في فشل الكلدان لتحقيق مبتغاهم بل يحترمون كل مكونات شعبنا من الكلدان والسريان والاشوريين ، ويدركون أن الخلل هو بالكلدان أنفسهم أكثر قبل أن يكون غيرهم السبب.

وهم هؤلاء الذين أستجابوا منذ البدء طلب البطريركية الكلدانية عن مساعدة أبنائها في الخارج لاخوتهم في الداخل ،فمنذ ذلك اليوم لا يعرفون الملل والسكون بل أبدوا بكل طاقتهم للتعاون مع الكنيسة في  أبرشية الرسول مار توما في مشيكن الامريكية لتلبية ذلك النداء البطريركي معتبرين أننا جميعا مسيحيون.

فهم لا يعاتبون ولا يشكون ولا يتذمرون يوما ما مثلما عودنا الاخرون على قولهم "ان بطريركنا همشنا ولا ينادي بتسميتنا " فهم يدركون الواقع و يسعون للعمل القومي والانساني بأنفسهم لانهم علمانيون .
لا نقرأ يوما مقالة أو تصريحا  لهم ليعلنوا عن أنفسهم ،وليسوا منشغلين بالقال والقيل انترنيتيا أو اعلاميا بل همهم هو العمل من أجل جمع لقمة العيش والكسوة والحليب وتهيئة المدارس للتعليم والسكن لابناء شعبنا الذي لا يزال مُبعدا عن ارضه .

أنهم منهمكون بجمع التبرعات ،وغيرهم يطلقون تصريحاتهم ويكتبون مقالاتهم مليئة من تعابير الحقد والكراهية لاخوته الاشوريين والسريان بقولهم :  الاعداء الاشوريين والنساطرة الهراطقة وما شابه من تعابير كأنما حرب بلا هوادة قائمة بينهم ،ولكن هؤلاء الاعلاميين والنشطاء يؤكدون مرارا أننا أخوة وأننا شعب واحد واننا نعتز بكلدانيتنا كما أيضا نعتز بالاشوريين والسريان ، فهم يدركون تماما أن العدو البغيض هو من هُجر وأضطهد شعبنا ورموه على الطرقات وهم داعش وليسوا الاشوريين.
ينطلق كادر اذاعة صوت الكلدان من مبدأ أننا جميعا مسيحيون وأن داعش يوجه سمومه نحوهم وليس فقط نحو الكلدان أو الاشوريين أو السريان . فعلينا أن ندرك الواقع وأن لانعيش في الماضي السحيق .

كل أعمالهم منسقة ويسودها التعاون وتوزيع الادوار ، ويعملون بروح جماعية لايمكن أن تميز من هو القائد ومن هو التابع بل تراهم يدا واحدة، مستوى واحد وقلب واحد ، وعليه تكون نتائجها متفقة مع مسعاهم ،فهم عمليون وجديون لا يصرفون وقتهم في وضع التوصيات والمقترحات في الايميلات وكلها بدون جدوى .فهم يدركون تماما أن الوقت ثمين لابد من العمل .

لم أرَ هؤلاء يوما ما يتجادلون ويبحثون عن التسمية لمضيعة وقتهم ،بل ما يؤكدونه أننا شعب واحد والجدالات لا تخدم شعبنا المنكوب بل تزيده مأساةً .

وهم كلدان يتميزون باليقظة والجدية ،بينما الاحزاب الكلدانية لا تزال تبحث أسباب أخفاقها وفشلها ،ونشطاء الكتاب من الكلدان يقولون لا لاقصاء الكلدان من قبل بليمر وزوعا ،ولم ينزلوا يوما الى العمل الجدي سواء داخل الوطن أو في المهجر .

وتعجز الاقلام عن الكتابة لتسطر الكثير الكثير مما يتميزون به الاعلاميون والفنيون في أذاعة صوت الكلدان في مشيكن وما سطرته فهو قليل بحقهم ،فكيف لا ، حيث كل خطوة يخطونها هو جني الثمار ومن أيدي محبيهم من ابناء شعبنا والى اخوتهم  المهجرين ،ولكي يرى ويسمع من كان على بعد بضعة أمتار عن موقع أحتفالهم لمناصرة شعبنا ،وبالرغم من أن الدعوة عامة للجميع وأُعلنت في الكنائس والاذاعات والصحف ،ولم يحضروا لانهم مشغولين بهتافاتهم وشعاراتهم ونداءاتهم الانترنيتية للدوران في حلقة فارغة .

وأخيرا تمنياتي لكل كادر أذاعة صوت الكلدان بالتوفيق والنجاح الدائميين لخدمة شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني المسيحي في كل مكان ، فهم حقا يدركون المسؤولية تجاه شعبنا وليسوا أهل الشعارات والهتافات بل أصحاب المنجزات .

93
                               " ليون برخو "
                        دروسك المُستخلصة موضوعية ولكن ....
د . عبدالله مرقس رابي
    باحث أكاديمي
               قدم الدكتور " ليون برخو " تحليلا صحفيا أكاديميا في منتهى الدقة والموضوعية في مقاله الموسوم " الدروس التي في الامكان أستخلاصها من الازمة التي تعصف بالكلدان وكنيستهم "رابط1، محاولا ربط الحدث الاخير المتمثل ببيان البطريركية الكلدانية في توقيف بعض الكهنة والرهبان عن الخدمة في العلاقة بين الفاتيكان والكنيسة الكلدانية وما سوف يترتب من تداعيات عن هذه العلاقة.مستندا على منهج " تحليل الخطاب " الذي غالبا ما يستخدمه الصحفيون ،فاعتبر كل ما كُتب من البيانات وردود الافعال نصوصا لتحليله .
قبل أن أدخل بموضوع المقال ، أرى من الضروري أن أضيف الى ما أكد عليه في مقدمة المقال عن مسالة ربط النص بالعوامل البيئة التاريخية والثقافية والاجتماعية ،عوامل أخرى وهي البيئة الطبيعية والخصائص الشخصية المكتسبة والموروثة للكاتب ،حيث جميعها تؤثر بالنص وتساعد هذه العوامل على أدراكه ،وهذا ما يؤكده علم الاجتماع المعرفة ، ومن هذا المنطلق تكون اللغة عاملا مؤثرا في الظواهر الاجتماعية وحركات المجتمع سلبا أو أيجابيا .
أن تحليلك للعلاقة بين الفاتيكان من خلال المجمع الشرقي كأحدى المؤسسات الفرعية للفاتيكان صائب على أعتبار أنه أحد العوامل المؤثرة في تأزيم الوضع الاداري في الكنائس الشرقية الكاثوليكية التي تطلق عليها الكنائس المستقلة ذاتيا ومنها كنيستنا الكلدانية .ولذلك كانت هذه المسألة من الاجندة الاساسية التي طرحها بطاركة كنائس الشرق الكاثوليكية في أعمال الجمعية العمومية لمجمع الكنائس الشرقية الكاثوليكية المنعقد للفترة بين 19 – 22 من شهر تشرين الثاني من عام 2013 بحسب ماجاء في كلمة بطريرك الموارنة والمقترحات المقدمة، وقد مضى سنة كاملة على انعقاده ودون الخروج بنتائج ملموسة. - وقد شخصت تداعيات هذه العلاقة على الكنائس الشرقية الكاثوليكية في مقال مستقل رابط2 -.
 تبين في حينه وبعد دراستي وتحليل للقوانين التي تنظم العلاقة بين الفاتيكان وهذه الكنائس ،أن التناقض الحاصل في بعض القوانين هو أحد العوامل المؤثرة على الوضع الاداري في كنيستنا الكلدانية مما يتشبث الاساقفة والكهنة في ابرشيات الانتشار بها فتعكس في تعاملهم مع البطريركية بازدواجية .وهذا ما حصل فعلا في ابرشية ماربطرس الكلدانية في غرب أمريكا حيث تشبثوا بالقانون رقم 150 البند 2 الذي ينص " القوانين التي يسنها سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية ويصدرها البطريرك ، اذا كانت قوانين طقسية ،تسري في كل أنحاء العالم ،أما أذا كانت قوانين تنظيمية ،أو تعلق الامر بسائر قرارات السينودس ،فلها قوة القانون داخل حدود منطقة الكنيسة البطريركية " .
بينما الابرشية المذكورة تغاضت النظر بقانون الذي يناقض القانون المذكور اعلاه والمرقم 88 ونصه " على أساقفة الكنيسة البطريركية أن يؤدوا للبطريرك الاكرام والتوقير ،ويقدموا له الطاعة الواجبة ، وعلى البطريرك أن يعاملهم بأحترام مماثل ويحوطهم بمحبة أخوية" . فأين أبرشية ماربطرس في أكليروسها من هذا القانون الذي تغاضوا عنه في بياناتهم وأعتراضاتهم . فهل من حق الابرشية الاعتراض لانها مرتبطة اداريا بالفاتيكان أم عليها الطاعة للبطريرك لانها مفروضة عليها قانونيا ،ولو أنه بتقديري مسالة توقيف الكهنة والرهبان لا ترتبط بالقانون رقم 150 بند 2 لان هؤلاء أساسا مشكلتهم مع أبرشياتهم ورهبنتهم داخل حدود البطريركية .ومن جهة أخرى لاتقبل الابرشية وبتصريح من المطران مار سرهد جمو بأن تكون تابعة أو تحت وصايا االدخلاء على كنيستنا الكلدانية . فلابد كما تفضلتَ أن يعاد النظر بوجود المجمع الشرقي في الفاتيكان وأن تقتصر علاقة الكنائس الشرقية الكاثوليكية بالفاتيكان على الشركة الايمانية دون الادارة المباشرة .
دكتور ليون ، كل الدروس التي استخلصتها من الخطاب المنشور مؤخرا موضوعية بكل المقاييس العلمية ولكن لا أتفق معك بخصوص تأكيداتك وتفسيرك الدائم على وجود ارتباط قوي بين الكنسية وديمومة احياء اللغة الكلدانية ،فدعني اناقش هذه المسالة أنطلاقا من مبدأ دراسة الظاهرة الاجتماعية.
تفضلت وأكدت قولا أننا لايمكن ادراك وفهم النص او الخطاب بتجريده من السياقات التاريخية والثقافية والاجتماعية ،أي بمعنى أنه لوجردنا الخطاب من هذه المقاييس ،أو أعتمدنا مقياسا واحدا في تفسيره ،حينئذ سيكون التفسير ناقصا ولم نصل الى النتيجة .لو قسنا مسالة دراسة أحياء اللغة واستمرارها كظاهرة أجتماعية على قياس تحليل النص ،يقودنا ذلك الى القول بأننا لانستطيع أن نحلل العوامل المسؤولة عن أحياء اللغة وارجاعها الى عامل واحد كما تؤكد على عامل الكنيسة فقط وفي عدة مناسبات .
المعروف مبدأيا في دراسة الظاهرة الاجتماعية ومنها اللغة ،لايمكن دراستها بأسناد وجودها وتكوينها الى عامل واحد ،وقد أصبحت النظرة الاحادية في دراسة الظاهرة في العلوم الاجتماعية مرفوضة تماما وأن اراد الباحث دراسة تاثير عامل واحد عليه أستبعاد العوامل الاخرى وبعمليات أحصائية متقدمة لابد أن يطبقها لكي يصل الى طبيعة العلاقة بين ظاهرتين فقط .
فعند دراسة مسالة أحياء اللغة الكلدانية التي نحن بصددها ،لايمكن أن نلوم الكنيسة لوحدها لانه هناك عدة عوامل مسؤولة عن أحيائها ،فهناك الاسرة التي اعتبرها هي العامل الاهم والاساس في أحياء اللغة واستمرارها، المدرسة ، الاعلام ، مكانة اللغة من بين اللغات السائدة ، وجود حكومة تدعم أستمرارية اللغة ، العامل السياسي ،واهتمام السياسيين ،اللغة السائدة حيث وجود الكلدان .الرغبة الشخصية في التعلم ،وهناك عدة عوامل تدعم وجود اللغة واستمرارها فلا يمكننا وضع اللوم على الكنيسة التي هي جزء بسيط من المسالة .
فلو أراد الباحث أجراء دراسة في ضوء الفرضية القائلة : هناك علاقة بين أحياء اللغة ودور الكنيسة .
فهذه الفرضية المفتوحة الجانبين عند أختبارها  - وهي التي تؤكد في مقالاتك عليها – لابد أن يستبعد تأثير العوامل الاخرى المتعددة بأستخدام معامل الارتباط الجزئي كمقياس أحصائي ، وهذا لا يمكن لانه من الصعوبة السيطرة في استبعادها ،وبالطبع ستكون النتيجة ناقصة ولم تغط موضوع الدراسة ،فيضطر الباحث الاستعانة بمعامل الارتباط المتعدد الذي يربط ظاهرة أحياء اللغة بعدة عوامل ،وثم أستخدام معامل الانحدار المتعدد لكي يتبين اي من هذه العوامل أكثر تأثيرا على أحياء اللغة الكلدانية وديمومتها .فالمسالة معقدة جدا دكتور ليون ،فلايمكن التعميم نظريا في مثل هذه الحالات لانها ستكون مرفوضة أكاديميا .
  ومن متابعتي تبين أن معظم الكنائس الكلدانية لها برامج في التواصل مع اللغة الكلدانية بتشجيع الصغار والكبار لتعلمها ،نعم يقضي معظم وقته المطران مار سرهد جمو في عقد حلقات دراسية عن الهوية واللغة والطقوس الكنسية، ولكن ليس لوحده  ،فخذ مثلا أبرشية مار توما الكلدانية في ديترويت الامريكية ،فمنذ تسلم المطران مار ابراهيم رعايته للابرشية كثف جهوده على ديمومة المجتمع الكلداني فركز على بناء الكنائس اينما حل الكلدان، اشرف على تاسيس معظم كنائس ابرشية مار بطرس قبل تاسيسها أضافة الى كنائس ابرشيته التي بلغت 11 كنيسة وجميعها بنيت في عهده ، وكان جلٌ تفكيره من سيخدم هؤلاء الكلدان الذين يتزايد عددهم تدريجيا فاستطاع رسامة 14 كاهنا بعد تخرجهم من الاكليريكية اللاتينية وبعد تدريسهم اللغة الكلدانية والخدمة بالطقس الكلداني ،وحاليا 8 آخرون في طريقهم الى التخرج والرسامة ،وقسم منهم من مواليد أمريكا . وللابرشية في مركزها مدرسة عامرة منذ سنة 1990 ومتكونة من عدة صفوف لتعليم اللغة الكلدانية للصغار والكبار وتمنح شهادات تخرج تقديرية لهم ،وتُدار من قبل نخبة متميزة من المعلمين .وهكذا في كل كنائس الابرشية برامج لتعليم اللغة .
و بالنسبة الى أبرشية مار أدي الكلدانية في تورينتو الكندية ، باشر منذ رعايتها المطران مار يوحنا زورا سنة 1992 في تشجيع الصغار والكبار للانضمام الى مدرسة كنيسة الراعي الصالح حيث مركز الابرشية لتعليم اللغة وأداء الطقوس الكلدانية وجميعها باللغة الكلدانية وبوجود معلمين أكفاء تحت أشراف ومتابعة المطران مباشرة ،حيث بلغ عدد التلاميذ في المدرسة لعام 2009 اكثر من 200 تلميذا أبتدأً من الروضة وحتى الاعدادي ، وضمن برنامج معترف به من قبل الحكومة الكندية ،وقد أثمرت جهود المطران يوحنا زورا في أعتبار اللغة الكلدانية أحدى اللغات المعترف بها ضمن وزارة التعليم العالي في مقاطعة اونتاريو الكندية.
وهنا في كنيسة مار توما التي اتردد اليها ،فان الاب نياز توما دائم التأكيد في كرازته على تشجيع الوالدين لانضمام الابناء الى المدرسة المجازة رسميا لتعليم اللغة الكلدانية فهي تضم حاليا 60 طالبا وطالبة ،وهكذا في كنيسة ماريوسف في لندن برعاية الاب عامر ساكا وكنيسة العائلة المقدسة برعاية الاب داود بفرو، ولا استبعد أن كل الكنائس تقدم هذه البرامج سواء داخل العراق أو في المهجر ،ولكن هل يكفي ذلك لديمومة اللغة الكلدانية :أعتقد الجواب كلا ،لانه هناك عدة عوامل مسؤولة لاحيائها وديمومتها .
أن مسالة تشتت الكلدان في مختلف أنحاء العالم يعد من الاسباب الاساسية في انصهارهم في المجتمعات الاخرى لسيادة ثقافة ولغة اخرى حيث وجودهم.عدم وجود حكومة ودولة ترعى اللغة لتقوم بتاسيس المدارس واعتبار اللغة الكلدانية اللغة الرسمية للبلد يعد عاملا معوقا لاحياء اللغة، فنرى
دائما الجماعت الاثنية التي لا دولة لها وقد اندثرت لغتها او في طريقها للاندثار ، والعوامل السياسية التاريخية في بلدنا الام كانت لها الاثر الكبير في تراجع لغتنا ، سيادة اللغات الاخرى في المجتمع الذي يتواجد فيه الكلدان وحتى في عقر دارهم بلاد النهرين . واكثر العوامل تأثرا باعتقادي هي الاسرة ، فالتنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الطفل والمفاهيم اللغوية المستخدمة هي المؤثرة في البناء الفكري للانسان – واذا اردنا الحديث عن أهمية هذه العوامل نحتاج الى مجلدات - . فلا تتمكن الكنيسة لوحدها أحياء اللغة ما لم تساندها العوامل المذكورة ، ففي الوقت الذي نركز على دور الكنيسة علينا أن لا نهمل هذه المتغيرات الاساسية .
ولماذا لم ندرس الموضوع من جهته الاخرى ، أي البحث في مدى تأثير هذه العوامل مجتمعة لجعل الكنيسة واضطرارها بأن تقوم باداء الطقوس والصلوات بلغات غير كلدانية ،لكي نحد من تأثيرها ،فماذا تعمل الكنيسة اذا لا تتحقق رغبة عند الافراد في تعلم لغتهم الام ؟ وهل تبقى الكنيسة مكتوفة الايدي وتصر على اللغة الكلدانية في تادية الطقوس المطلوبة ولكن دون وصول معانيها الى المصلين .فلابد لكي تقوم الكنيسة بدرورها لتادية الرسالة الدينية أن تعوض باللغة السائدة في المجتمع الموجود فيها الكلداني.
فلا تتصور مهما بذلت الكنيسة من جهود في احياء اللغة والحرص على تأدية المراسيم الدينية بها ، لايمكنها ذلك طالما لا يمكننا تقليص من دور العوامل المذكورة .
وهناك مسالة أخرى يؤكد عليها الدكتور ليون وهي ،دور الكنيسة في أحياء التراث والحفاظ عليه ، ، فلا أدري أي من التراث يقصد حضرته ؟هل تراث الكنيسة المرتبط بطقوسها ؟ أم التراث الاجتماعي ؟ فاذا كان القصد التراث الكنسي فهذه مسالة تحتاج الى دراسة أمكانية تكيف التراث مع التغيرات والمستجدات الثقافية والاجتماعية وظروف العمل وما شابه . فلنتذكر دائما ارتباطنا بأمور الحياتية اليومية حاليا ليس كما كان يربط آباءنا وأجدانا في قرانا ومدننا . وهكذا نقيس الامور الاخرى في ضوء هذا المتغير .
وأما اذا يقصد التراث الاجتماعي الكلداني ،فهذا ليس من واجب الكنيسة فليس من واجبها مثلا أحياء فلكلور الازياء وعادات الزواج وتقاليده ،فهذه الامور تؤديها الجمعيات والمراكز الثقافية وما شابه ،ولو أحيانا تقوم الكنيسة ببعض من هذه الممارسات .
خلاصة القول ، لايمكن أسناد مسالة أندثار لغتنا وتراثنا الى المؤسسة الكنسية فقط ونظريا دون الاعتماد على دراسات شاملة تغطي الظاهرة المدروسة لنصل الى نتائج تساعدنا على أحياء اللغة ، فالتشبث بالكنسية لوحدها لا يوصلنا الى بر الامان لغويا.
الهوامش :
 في حوزتي رابط يبين أشراف المطران ماريوحنا زورا على تعليم اللغة الكلدانية ،ولكن مع الاسف لم اتمكن فنيا من وضعه هنا  .
 رابط رقم 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=757968.0
 رابط 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,712859.0/nowap.html

94
                        " جونسون سياويش "
            بين قراءة الوضع السياسي ومستقبل شعبنا
                            رؤية وتحليل
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
                       نشر الاستاذ " جونسون سياويش " الوزير المستقيل في حكومة أقليم كوردستان الحالية مقالة معبرة وموضوعية في معظم جوانبها لقراءة وتحليل الوضع السياسي والصراعات المحتدمة بين الاقطاب الرئيسية في المنطقة من السنة والشيعة ، ودور الدول الاقليمية في المنطقة كالسعودية وايران في تفعيل حدة هذه الصراعات ،وثم بَين محللا النفوذ الامريكي في المنطقة ،ومشخصا الاثار التي تركتها وستتركها الاحداث السياسية والعلاقات الدولية على جغرافية وديمغرافية وسياسة المنطقة الشرق الاوسطية ،وثم ربط تلك التغيرات بأحوال شعبنا الكلداني ، الاشوري ، السرياني وتداعياتها على مستقبله .وأخيرا وضع مقترحات يناشد فيها الاحزاب السياسية للتكاتف والتعاون للعمل لانقاذ ما تبقى من شعبنا في العراق وبالتعاون مع الكنيسة.
وفيما يأتي رؤيتي فيما طرحه الوزير المستقيل من رؤى للصراع الدائر بين القوى المحلية والدولية وحالة شعبنا ومستقبله:
أولا : أبدع في تحليله للاحداث الجارية في المنطقة وتشخيصه للقوى الطائفية والدول الاقليمية التي تلعب ادوارها في الصراع، وشخص العوامل الاساسية المساهمة في أشعال المنطقة ،وثم شخص تداعيات هذه الاحداث على المنطقة وبعدها على شعبنا . وقد ارجع الاوضاع المضطربة بالدرجة الاساس بين السنة والشيعة فقط واعتبرهما قطبي الصراع متناسيا القطب الثالث وهو الكورد ،القطب الذي لعب دورا لا يقل أهمية في تأجيج الصراعات لتحقيق المصالح القومية والامنية المعروفة لهم ،فالاقطاب الثلاثة أضطلعت بدور كبير في الصراع ،وكانت النتيجة التأثير السلبي على شعبنا . وفي الوقت الذي يتحدث المحللين الكورد بصراحة عن دور الاقطاب المذكورة بما فيهم الكورد فيما يحصل ، ولكن المحللين من أبناء شعبنا يتجنبون دائما في تحليلهم مشاركة الكورد وتأثيرهم على الوضع في المنطقة،وقد عالج جزء من هذا الموضوع الكاتب " ابرم شبيرا " ببراعة في مقالته الموسومة " أفراغ المسيحيين من مناطقهم وفق نظرية المؤامرة ".
ثانيا : أنفراد الولايات المتحدة الامريكية في التحكم في العلاقات الدولية وأنها القوة الوحيدة في العالم وتركزه على انها اعادة لسياسة القطب الواحد ،أعتقد وبحسب المؤشرات ،المسالة هي معكوسة ، حيث ان روسيا تحاول أن تستعيد مكانتها المؤثرة في السياسة الدولية بدليل معارضتها للخطوات التي تتخذها أمريكا بهذا الخصوص ومواجهتها ووضع الشروط أمام القطب الامريكي ،أضافة على النمو الكبير لبروز القطب الصيني بدليل أن الاقتصاد الصيني سيكون أقوى اقتصاد في العالم قريبا جدا ، فعلية ستؤثر على العلاقات الدولية بقوة أقتصادها وستغير من المعادلة السياسية.
ثالثا : أما وصفه لدور الكنيسة بأنه ضعيف تجاه معاناة شعبنا بعد تعرضه للتهجير والاضطهاد ،فلم يكن موفقا الوزير سياويش في رايه ، أذ أن كل المؤشرات الميدانية تثبت بأن الكنيسة لعبت دورا كبيرا على المستويات الثلاث المحلي والاقليمي والعالمي ،وبالطبع الفروع المختلفة لكنائس شعبنا ولكن دور الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية كان بارزا جدا في تعاطيها مع الاحداث ومعاناة شعبنا على الارض . وباتت معروفة للجميع وجلية ،  والوقائع تبرهن ذلك .فلا يمكن أن يوصف دورها بالضعيف ، فلو لا تحرك رؤوساء كنائس شعبنا الكلداني ، الاشوري ، السرياني وبالتعاون مع الكنائس الاخرى في المنطقة ، لما تحرك الرأي العام الشعبي العالمي والرأي الرسمي للحكومات خطوة واحدة تجاه رعاية أبناء شعبنا المهجرين، وباستقطابها الراي العام أستطاعت تلبية أحتياجات شعبنا المنكوب كحد أدنى  .ولولاها لشاهدنا الاسوء لما يتعرض له شعبنا المضطهد في ظل المساعدات والخطوات المخيبة للآمال التي تسعى لتقديمها الحكومة المركزية ، او حكومة الاقليم معذورة لانها هي الاخرى تتعرض الى الحصار المالي من حكومة بغداد فلم يكن بمقدورها سد أحتياجات النازحين بأعدادهم الضخمة.
أتفق مع الوزير جونسون في مسالة عدم تأثير الكنيسة على الحكومات العالمية والقوى المهيمنة في التدخل السريع لانقاذ شعبنا والاقليات الاخرى ،ولكن لايرجع السبب في أخفاق الكنيسة وعدم المتابعة وأنما السبب الحقيقي في رايي هو: كما تفضلت لا تزال الولايات المتحدة الامريكية تنفرد كقوة مهيمنة على العلاقات الدولية والسياسة العالمية ، فهي تتبنى نظرية " تبادل المنفعة " وتسمى في علم الاجتماع والاقتصاد نظرية " الاختيار العقلاني " أو تسمى " سعر كل شيء ".أذ يتوهم العديد عندما يظنون بأن السياسة الامريكية يحركها الكونكرس الامريكي أو الرئيس الامريكي ، أنما المحركون هم المستشارون في مختلف العلوم الانسانية والاجتماعية والادارية والمالية والقادة هم المنفذون . ففي ضوء هذه النظرية توجه السياسة الامريكية بوصلة الاحداث والصراعات والسياسات في العالم بحسب مصالحها فهي تعطي سعر لكل شيء وتختار الوضع والموقف عقلانيا دون التأثر بالعواطف الانسانية ،فهي تتبنى هذه السياسة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لغرض السيطرة على الاقتصاد العالمي وباية صيغة ، حتى لو تطلب الامر فناء شعوب بأكملها من على الارض .
فالسياسة الامريكية لا تتعاطى مع المجتمعات البشرية في ضوء مبدأ أنساني كأن جماعة ما تعرضت للاضطهاد فعليها مساندتها والوقوف الى جانبها ،ولكن تقرر التدخل بعد دراسة مستفيضة والتوصل الى نتيجة مفادها :هل سيجلب تدخلها ومساندة الجماعة أو الشعب المظلوم المنافع الاقتصادية ومدى المساهمة في استمرارية سيطرتها على الاقتصاد العالمي؟في حينها أذا رأت هناك اكتساب للمنافع فتتدخل وعلى الفور وتحدد الفترة الزمنية لانهاء التدخل والقضاء على الظالم بحسب المعطيات ، فغالبا نسمع ونقرأ هذه الايام تصريحات المسؤولين الامريكان بأن القضاء على " داعش " يتطلب فترة زمنية معينة ،لماذا لان وجود داعش لا يزال يخدم المصالح الامريكية في المنطقة لاستخدام هذا التنظيم الارهابي ورقة ضاغطة على الدول الاخرى . دون الاكتراث للوجود الانساني ومساندة المضطهدين .
فالكنيسة وصلت الى الموائد المستديرة والى صناع القرار في امريكا والدول الاوربية ووضعت مطاليبها ،كما تمكن الاتحاد الاشوري العالمي ،وممثلي المجلس الكلداني السرياني الاشوري ومنظمات المجتمع المدني الكلداني في استراليا ومبادرات شخصية من السيدان جوزيف كساب وسامي يونو وغيرهم في ديترويت الامريكية وبالتعاون مع الكنيسة ،تمكنوا هؤلاء وضع وطرح مآساة شعبنا على طاولة برلمانات الدول وحتى على طاولة الكونغرس الامريكي ولكن بدون جدوى .لماذا ؟ ببساطة لانها ترى في وفوفها الى جانب شعبنا سوف لا تكتسب أية منافع سياسية أو أقتصادية، وبمعنى آخر لان كفتي الميزان في مسالتي مناصرة شعبنا من قبل أمريكا وتحقيق مصالحها غير متوازنة ، فلو أرادت مساندة شعبنا لعملت منذ دخولها العراق في 2003 وعلى مرأى منها تفجر الكنائس ويشرد المسيحيين ودون ان تفعل شيئا ،بينما تسارعت لتلبية المطاليب الكوردية لان الكورد يستقطنون منطقة أستراتيجية ولهم ثقلهم السكاني وبامكانها استخدام أراضيهم للانطلاق لتحقيق مصالحها في المنطقة ،وهذا الذي يتحقق في الاحداث الاخيرة ، والامثلة على هذا التصرف السياسي متعددة للقوى المهيمنة .
رابعا : أتفق مع الكاتب " جونسون " في قوله أن شعبنا فقد الثقة بقدرة وأمكانية أحزاب شعبنا ووممثليه في مواجهة التحديات الجديدة التي تواجه شعبنا المضطهد لضعف أدائها دون تشخيص عوامل ضعفها وتلكؤها .أنما أرى ومن المؤشرات والمتابعة أن أحزاب شعبنا ليست ضعيفة أو أخفقت في مواجهة التحديات بعد ظهور داعش الاجرامي،بل يظهر جليا منذ طهورها على الساحة السياسية العراقية ،فهي فشلت بدليل ما تعرض له شعبنا بكل مكوناته الاثنية منذ تبدل نظام الحكم في العراق ،فتعرض الى التهجير من مناطق سكناه في المدن العراقية في الجنوب والوسط ، تعرض الى الاغتيالات والاعتداءات على الممتلكات ،وفُجرت الكنائس في كل مكان باستثناء محافظات أقليم كوردستان ولم تتمكن من وضع حد لتلك المآسي سواء الاحزاب أو الممثلين في البرلمان. وفي رأيي يمكن حصر عوامل أخفاقها باربعة عوامل أساسية وهي :
1 – تفضيل المصالح الشخصية لكوادر الاحزاب وممثليهم في البرلمانات وفي الحكومة لمصالحهم الشخصية على المصلحة العامة لشعبنا ، وواضحا ذلك في صراعهم غير الطبيعي على الكرسي في البرلمان أو الوزارة دون الاكتراث لما يعانيه شعبنا منذ سنة 2003 ،بأستثناء شخصكم لاجرائكم التاريخي لتقديم استقالتكم من منصبكم الوزاري ، ذلك كان علامة مُشرفة ومثلا عاليا لمن يتحسس ويشعر ويتالم مع شعبه ،فكان المفروض منهم أن يحذو هذه الخطوة قبل الاحداث الاخيرة طالما لا منفعة أو تأثير لقرارات الدولة من خلال وجودهم في البرلمان والوزرارة .
2 – يحاول كل حزب السعي الى أستحواذ القيادة والانفراد بها والانفراد في العمل ليبين لشعبنا بأنه صاحب المبادرة .وذلك لنقص خبرتهم في المنافسة الشريفة والنافعة فبدلا من توجيه التنافس لاجل الابداع فوجه الى الصراع ثم الفشل .
3 – أرتباط أحزاب شعبنا بالكتل السياسية الكبيرة ،مما أصبحت أسيرة تحركات وتوجهات تلك الكتل وحتى أذا تعارضت تلك التوجهات مع مصالح شعبنا .
4 – تشبث الاحزاب الاشورية والكلدانية والسريانية بالتسمية التي يجب أن تطلق على شعبنا مستندة على ما يمكن أن يتماشى مع آرائها وفلسفتها من الكتابات التاريخية ، ويدل بوضوح مدى مساهمة هذه الظاهرة في عدم التوافق بين الاحزاب والعمل معا باخلاص، لتعصب كل جهة لتسمية معينة.
وقد فصل التحليل لاخفاق احزاب شعبنا الكاتب" أنطوان الصنا " في مقالته الموسومة "أسباب فشل تجمع تنظيماتنا في العراق"
 خامسا : تعترف بوضوح بفشل أحزاب شعبنا وممثليه بمواجهة التحديات ،ولكن السؤال الذي يفرض نفسه أستاذ " جونسون" هو : لماذا تريد تكرار الاعتماد عليهم في تفعيل مقترحك الحالي طالما فشلوا في تجربتهم ؟فهنا تتمنى أن تفكر الاحزاب بأن تضع مصالح واهداف الكبرى لشعبنا فوق انانيتها ومصالحها وفوق كل الاعتبارات .فهل ستتحقق الاماني ؟ أنا شخصيا متشائم لان المعطيات والمؤشرات الحالية لا توحي بذلك . وعليه حاولت تطعيم التجمع بالكنيسة ، وأعتقد هذا أعتراف ضمني منك في اعتراف بدور الكنيسة في الاحداث الاخيرة والتي عوضت عن دور الاحزاب ،وهنا تناقض نفسك عندما تفضلت بالقول أن دور الكنيسة كان ضعيفا .
وأرى طلبك بمشاركة الكنيسة ولو مرحليا في التجمع عبر ممثليها مسالة في غاية الاهمية فلها مكانتها وصوتها المسموع عند الشعب والراي العام العالمي وان كان صوتها مسموعا بشكل محدود عند القوى العظمى التي تبحث عن مصالحها كما وضحت آنفا . وباعتقادي أن مطلبك لتفعيل دور الاحزاب ثانية وبمشاركة الكنيسة يجب أن يقترن بمسالة تخلص الاحزاب من الاسباب التي ذكرتها وذكرها الاخرين في أخفاقها لمواجهة الاحداث وتحقيق مصالح شعبنا .
وأيضا طالما أنهم فشلوا فلماذا لاتطلب وتطعم هذا التجمع المقترح باحزاب لم تتمكن الوصول الى قبة البرلمان والمشاركة في الحكومة ،وقد يمكن الاستفادة من كوادرها سواء من أحزاب كلدانية او سريانية او آشورية ؟
سادسا : يبدو لي مطلبك بخصوص المستقلين في الفقرة الثامنة من مقترحاتك غير واضح . فما المقصود يتولون الاشراف ؟ هل يوجهون تحركات الاحزاب ؟ وما المقصود بمتابعة مقرراتهم ؟ كما ماهو المقصود بحفظ بياناتهم ومذكراتهم ؟ فهل تعني أن المستقلين يقلدون دور السكرتارية ؟ فلماذا لم يكن هناك مشاركة فعالة للمستقلين في اجتماعات ممثلي شعبنا واحزابنا  ويكون لهم صوت .فهناك من له القدرات الفكرية والعطاءات الميدانية قد تفوق بكثير قدرات الممثلين الحاليين .
سابعا : أن دعوتك لفصائل شعبنا في سورية لكي تتوحد مع فصائل شعبنا في العراق أنها مبكرة جدا ،وذلك لان تلك الفصائل تعيش في خضم ظروف سياسية تختلف عن ماهو في العراق ، فكلا الدولتين لهما ظروف خاصة وقوانين مختلفة لا تتلائم مع بعضها، وقد تزداد التعقيدات بهذه المشاركة لعدم وجود رؤية واضحة للاحزاب واهدافها ،كما أنه هل أتفقت الفصائل في العراق لكي تدعو تلك التي في سوريا ؟ فلو تُترك الفصائل السورية لشعبنا أن تعمل لوحدها أفضل ،وأذا تحقق شيئا ملموسا يمكن التعاطي بينهما مستقبلا ،لا بل ليمتد هذا التعاطي لفصائل شعبنا في ايران وتركيا ولبنان .
  تشكر على المبادرة واتمنى ان تحقق طموحاتك الساعية من أجل شعبنا المنكوب.

95
                                                            أ هكذا يُكافأ غبطة البطريرك ساكو؟ !


د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي


                   هناك من الكتاب يتعمد البحث والتنقيب في أعمال أو تصريحات الغير وتصرفاته ،لعله يجد خطأَ أو زلة أو فلتة ما ليقوم على الفور بأنتقاده ، وما هي هذه المحاولة من هذا القبيل الا لاشباع غريزة حب الانتقاد التي تقود الى أشباع غريزة حب الظهور ، مستهدفا من وراء ذلك أن يسمو بنفسه مقابل أن يحط من شأن الاخرين .وبالطبع من يقدم على هذا الاسلوب من النقد فيدخل ضمن النقد الهدام .
 عملية النقد مطلوبة ، وهي مكملة لمسألة تقييم  الاعمال كأحدى خطوات التخطيط في المؤسسات العامة والمشاريع الخاصة ،أو قد تتم عملية االانتقاد لاداء وتصريحات وافعال الافراد. وتنطلق المجتمعات المتقدمة من أسلوب النقد الذي يُعد أحد أسرار تقدمها،ولكن تنطلق منه باسلوب هادف بناء يدعم الثقة بالنفس للفرد المنتقد أو المؤسسة المنتقدة ويشجع نحو التقدم في الاعمال بحيث لن تكون عملية الانتقاد عاملا معوقا للطموحات.والانتقاد هو علم بحد ذاته يخصص دروس له في معاهد العلم فهو تخصص يحتاج الى دراسة وخبرة.
يتميزالنقد البناء بأنه يهدف الى" اضافة أشياء اخرى للمنتقد لتعزز روح العمل عنده ،ويحفز ويشجع ويكون دافعا من أجل تحسين المنتقد ودفع اعماله نحو الافضل ،ولابد أن يلتزم الناقد بالقواعد الموضوعية ،لان الانتقاد هو الحد من عمل لا ينسجم مع الواقع الاجتماعي والسياسي والاداري وغير مرغوب به وليس هدفه أثارة المزيد من الضعائن ".
فعليه عند النقد يستوجب أختيار الزمان والمكان المناسبين والطريقة المناسبة ،والاسلوب اللائق وأختيار الكلمات والعبارات بدقة متناهية لكي لا تقلل أو تجرح من شأن الشخصية المنتقدة ،فالناقد عليه أن يفكر ويتساءل :ماذا يريد من ايصاله للمنتقد وماهي أهدافه ومقترحاته وكيف يساعد المنتقد في تحقيق ما يريد .
وأما النقد الهدام ،يهدف الى  "اهانه المنتقد وتثبيط عزيمته وطموحه للتواصل ،فهو ينبع من الغضب والانفعال الواضحين في نوعية الكلمات والعبارات المستخدمة في النقد ،تلك التي تعبر عن أيذاء وجرح مشاعر وأحاسيس المنتقد  والتشهير به" .والنقد غالبا ما يكون موجها لشخصيته وليس للنص أو العمل.وفي النقد الهدام يفتقد الناقد الى الخبرة في المبدأ النفسي المعروف في علم النفس " التغذية الراجعة " ذلك المبدأ الذي يستعين به الباحثون والمقيمون لاداء الاخرين وتقديم النصائح للتخلص من المشكلات النفسية والاجتماعية .
بعد هذه المقدمة أعرج الى الانتقادات التي تعرض لها غبطة البطريرك ساكو والمنشورة على بعض من المواقع الالكترونية وبالاخص على موقع " كلدايا نيت " ذلك الموقع الذي غالبا ما يحتوي على مقالات ومواضيع  تكون موجهة بخط واسلوب واحد مثل تلك المواقع والصحف التي تمتلكها الاحزاب السياسية وتوجهها وفقا لايديولوجيتها الفكرية .
وهنا في مقالتي لا أخص شخص معين ، حيث تناولت الموضوع بشكل عام لكي لا يفسر تحليلي في ضوء  الاسماء بل المادة التي تحتويها  تلك المقالات .
أتفق مع الاب " بولس ساتي " عندما قال في مقالته " أندهش من قدرة الكثيرين على الكتابة عن أي شيء وبسرعة شديدة دون التروي والبحث والمراجعة للمعلومات التي يقومون بنشرها" وبالتأكيد أندهاش في مكانه عن هذ المقالات النقدية، فهي فعلا  توصف : بعدم الدقة  في المعلومات كما سيتبين ، وأفتقارها الى قواعد النقد والانتقاد ، تعكس الاسلوب المخابراتي في طرحها، فماذا تعتبر عملية كشف البريد الشخصي ؟ أليست تجاوزا على مبدأ الثقة والاحترام المتبادل ؟ وتصفية الحسابات بدليل ما أحتوته من عبارات تجريح واستهتار واستهزاء ،فهل من المعقول أن يهدي أحدهم في نهاية مقالته النقدية فديو لاغنية لغبطة البطريرك ؟ ماذا نسمي ذلك ؟ أليس استهتارا  وتعديا على الرموز الدينية ؟ وينشرها موقع أبرشية مار بطرس الرسمي ذلك الموقع الذي يستوجب على المشرفين عليه أبداء الطاعة والاحترام لرئيس مؤسستهم ورمزها البطريرك بحسب القوانين الكنسية وبحسب ما نطقوا به أثناء رسامتهم الكهنوتية . وفي مقالات أخرى ومنشورة في مواقع شعبنا عبارات لا تليق برموزنا مثل ، سيد ابراهيم وسيد سرهد وسيد ساكووما شابه من العبارات التي لا تدل على الاحترام أبدا.
 ومن الامور التي أحتوتها المقالات ، وتحتوي مقالات أبناء شعبنا ولا بل كتاب البلدان النامية على العديد من الامثلة الشعبية . تلك الامثلة التي لا تعد شيئا في القياس العلمي ،لانها قيلت في الفترة المرحلة الفكرية للعقل البشري التي سبقت المرحلة الاستقرائية أي في المرحلة الاستنباطية المعتمدة على التأمل في دراسة الظاهر .فالعلوم الاجتماعية حديثا تعتبرها من التراث الاجتماعي لانها تكونت من خبرة الانسان في الحياة في الجوانب الاجتماعية فهي لا تصلح الان لقياس الظواهر المدروسة ، فهي قيلت في زمان ومكان محددين ،علاوة على أن هذه الامثلة هي عبارة  عن نوع من الفن الادبي كالشعر تماما تحتاج الى توضيح وتفسير لانها دائما تعبر عن المكنونات النفسية اللاشعورية والمكبوتة في العقل الباطني للانسان، فغالبا لا يفهمها الا قائلها مما تُربك للقاريء استيعاب المقال . كما يقول الكاتب ( لوسيا ن) الكاتب المعروف في دقته وسعة معلوماته في الطرح  عندما يناقش الاخرين في موقع عينكاوة.
وبالمناسبة - جاء حديث مع مجموعة من الاصدقاء في جلسة اجتماعية ، وكنت قد قرأت مقالا لاحد الكتاب وجاء به المثل الشعبي القائل " طنبورة وين والعرب وين " وكنا نتحاور عن المقال ،فقلت لاحدهم هل تعرف معنى هذا المثل الشعبي ،فاجاب نعم : يعني العرب لا تعرف العزف على الطنبورة فهي آلة موسيقية خاصة بالكورد والترك ، فضحكت ،فقال لي لماذا تضحك ؟ وبالطبع من مجموع خمسة في جلستنا لم يعرف أحد معنى المثل.وهذا جواب متوقع من كل مجيب ، فوضحت له معنى الصحيح للمثل الشعبي هذا وبأية مناسبة قيل ،وصراحة لولا أحد الاصدقاء الدليم من البو عيسى قد وضحه لي أيام زمان لما عرفت معنى هذا المثل الشعبي.فاستغرب الجميع وقال احدهم الا يخجل كاتب المقال ويذكر مثل هذا المثل في مقالته ؟فالامثال الشعبية لا يمكن أستخدامها اذا يعتبر الكاتب نفسه أنه يخاطب الاخرين بعقلية المنطق الحديث الاستقرائي.وان كانت مقالة أنشائية في الفن الادبي أو صحفية فهذا لا ضرر فيه.
   
وماهي حجج هؤلاء النقاد وأصحاب بعض  الردود والتعليقات ؟

أعتبروا النقاد بان بيان البطريركية الخاص بالكهنة والرهبان الذين يخدمون في أبرشيات غير ابرشايتهم الاصلية وأديرتهم بأنه تهديد . ولماذا يعتبر تهديد ا؟ جميعهم يعملون في مؤسسات رسمية أو غيرها ،أو بعضهم يديرون مؤسسات . اليس لتلك المؤسسات قواعد وقوانين تنظيمية للضبط الاداري مثل قواعد التوبيخ والانذار والفصل ؟ والا هي مؤسسات تعمها الفوضى والارباك في العمل .فلماذا يُعد بيان البطريركية تهديدا وتكرر هذه الكلمة عدة مرات في المقال الواحد ؟ ولماذا لم تعتبر توبيخا أو انذارا ؟
يعتبرون أن بيان البطريركية موجه الى أبرشية مار بطرس الكلدانية دون غيرها .ماذا تعمل يا ترى البطريركية وان اغلبية المقصودين من الكهنة والرهبان هم في هذه الابرشية ؟أليس هذا تأجيج للخلافات وتوسيع رقعتها بين الابرشية والبطريركية، لان المسالة باتت واضحة للجميع فلماذا هذه الاثارة المتعمدة من قبل النقاد ؟فلو كانوا حريصين على وحدة كنيستنا الكلدانية لا قترحوا لتضييق الفجوة لا لتوسيعها .صحيح أن لهذه الابرشية انجازات وخدمات للمؤمنين ، ولكن لنكن حياديين، في الجانب الاخر لها مواقف سلبية وتصرفات غير مقبولة،ولها مردوداتها السلبية على الادارة الكنسية والمؤمنين.وضحها لنا العديد من الكتاب والمهتمين سواء من داخل الابرشية او من خارجها في مقالاتهم وردودهم.
ذكر بعضهم بأن هذا البيان هو عبارة عن محاولة انتقامية وتشهير من قبل البطريرك ساكو تجاه بعض الكهنة والرهبان او الاساقفة . ولماذا ينتقم البطريرك ؟ من هم هؤلاء هل هم أعدائه ؟ هل سبق وأن تلقى غبطته الاذى والاعتداء من أحدهم ؟وهل ينافسوا غبطته بالرئاسة  أو أي شيء آخر مثلا؟ الانتقام يحصل بين اثنين عندما ينافس احدهم الاخر حول مسالة ما ويحبط الاخر من تحقيق هدفه فيحاول أنزال الاذى البدني أو النفسي في خصمه ، اوسبق قد حصل اعتداء عليه أو اهانة من قبل غيره. فهنا لايوجد شيء يُذكر من هذا القبيل بين غبطته وهؤلاء الاباء لكي ينتقم منهم ، وعليه فأن البيان هو توجيه توبيخ وانذار لهم لغرض الضبط الاداري .
هناك من كتب بأن البيان هو معاكسة غبطة البطريرك لابرشية ماربطرس في غرب أمريكا لانها وعلى رأسها سيادة المطران مار سرهد يؤكدون على ترسيخ المفاهيم القومية للشعب الكلداني. هذه حجة لا أساس لها ،لماذا ؟ وكما قال الاب بولس ساتي : لم استلم يوما ما بيانا خطيا من البطريركية يدعوني الى عدم الاعتراف بقوميتي الكلدانية أو عدم الاعتزاز بها ،وهكذا بدوري أتصلت مع ثلاث كهنة أصدقاء البارحة للاستفسار عن نفس الموضوع فأكدوا لم نستلم ونحن أحرار بما نفتخر به من قومية . اعتقد أن موقف غبطته واضح جدا من هذا الموضوع ولم يأت ذكره هنا الا لهدف الاستفزاز وتوسيع الخلافات ، فالبطريرك ساكو لم ينكر يوما ما هويته القومية سواء أمام الاعلام أو في أية مناسبة أخرى .ولكن موقفه يتجلى في أنه ليس من واجبات رجل الدين أن يتدخل ويروج القضايا السياسية بما فيها القومية لكي لا يقصر في أداء واجباته الدينية الروحية . ويؤكد دائما هذا شأن يخص العلمانيين ،وان تدخل أحدهم  في السياسة ويروج مثل هذه المفاهيم يتحمل تبعاتها هو شخصيا ،ولكن لم يمنع أحدا، فهو يعمل وفقا للمقاييس الدينية وليست العلمانية ،و يتفهم من هو الكاهن أو الراهب والاسقف ، ومن هو العلماني وما المطلوب من كل واحد منهم . ومما هو جدير بالذكر هناك فرق في مساندة ومناشدة السياسيين والحكومات لاحقاق الحقوق من جهة والتدخل في السياسة من جهة أخرى .
ولعل أيضا موضوع الهجرة الذي حُشر في بعض الانتقادات هو لاغراض الاستفزاز وتوسيع الخلافات ، أي وفقا لمنظورهم، أن غبطة البطريرك يعاكس ابرشية مار بطرس لانهم يشددون ويروجون لهجرة شعبنا المسيحي من العراق . واضح جدا ان غبطته يدرك تماما أن مسالة الهجرة تعود لقرار شخصي لا يمكن لاحد منع الاخرين من الهجرة مهما كان في موقع المسؤولية ، فهو مدرك لحقوق الانسان في الانتقال وتغيير مكان أقامته ، وان كانت بعض تصريحات البطريرك ساكو بشان تشجيعه البقاء وعدم الهجرة فكانت في مرحلة لها ظروفها ، لكن بعد الاحداث الاخيرة وما تلقاه شعبنا المسيحي من أضطهادات وتهجير ومآسي بدأ يعبر عن موقفه بطريقة اخرى تعكس الواقع،وهذا هو الاسلوب الصحيح في ربط المتغيرات مع بعضها وفقا للمعطيات والمستجدات .
وهل يريدون من غبطته وأخوته الاساقفة والكهنة أن يغادروا العراق ويتركوا من تبقى من المؤمنين في عذاب ؟ فماذا يقول الشعب ؟، وأنا متأكد لو عملها غبطته لكانت السهام متوجهة نحوه بالقال والقيل ،لاحظوا ان بطريركنا شد حزامه قبل رعيته وترك العراق!!! ،والدليل ما يتعرض له قداسة مار دنخا رئيس الكنيسة المشرقية الاشورية من انتقادات لوجوده في شيكاغو لظروف تاريخية وسياسية استوجبت وجود الكرسي هناك .
ولا أدري لماذا جاءت قضية زيارة مار ساكو الى قداسة ماردنخا في مقال أحد الكتاب الناقدين. فلا مناسبة لذكرها  .أن زيارة غبطته لمار دنخا رأس الكنيسة المشرقية الاشورية لم تأت من قبل سياسي لكي توصف زيارة الاستهانة والاستخفاف ليضع نفسه والكنيسة الكلدانية بمثل هذا الموقف،أنما زيارته هي زيارة مستندة على أسس روحية دينية وليس غير ذلك ،منطلقا من التعاليم المسيحية، والدليل أجابته لتساؤل مار دنخا عن الوحدة القومية أولا لتسهل الوحدة الايمانية ، حيث أجابه هذه المسالة تُترك للعلمانيين ليتخذوا قراراتهم ونحن كرجال دين يهمنا الوحدة الايمانية والروحية . أليس هذا جواب غبطته ؟ هل يدل الجواب على الاستهانة وما شابه من الفاظ أم جواب منطقي وحازم وجريء  موجها لقداسة مار دنخا ؟
يقول أحدهم  للبطريرك أين وصلت محاولاتك لانقاذ الميسحيين من محنتهم في العراق ؟ فهي محاولات متسمة بالتوسل لانقاذهم ولا تتمكن من طرح القضية قانونيا وتأتي بالحجج . أليس هذا موقف أستهزائي بغبطته ؟ أصبح جليا للجميع ،الشعب ،رؤوساء وملوك الدول ، السياسيون ، رؤوساء الطوائف الدينية ، وكالات الاعلام المختلفة ، أن مار ساكو بطريرك الكلدان كان المتابع الاول والمهتم الاول في قضية طرح مأساة المسيحيين وغيرهم للراي العام ولكل الحكومات والمنظمات الدولية ، وبعد أستفساراته ومناقشاته مع أخوته البطاركة والاساقفة ، مسافرا من دولة الى اخرى ،لقاءاته المتكررة مع قادة الدول والمجالس النيابية والمنظمات وطرح المسالة قانونيا ومداولته لها بالححج والمنطق لنيل حقوقنا ،فهل هذا يعتبر توسل؟أعتقد أن الذي لم يكن يعرف الكلدان شعبيا أو رسميا في المجتمع العالمي فقد عرفهم عن طريق البطريرك مار ساكو وليس عن طريق رحلتين الى واشنطن ، أو عن طريق مقالات النهضة الكلدانية والامثلة الشعبية التي يبدو تأثيرها محدود جدا.
وقد وردت مغالطات في بعض المقالات ومنها كأمثلة :
منح درجة الشرف لسيادة المطران المتقاعد مارابراهيم ابراهيم ،بينما هذه الدرجة تمنح قانونيا وتلقائيا للاسقف المتقاعد ولم يمنحها غبطته حصرا بسيادة المطران ابراهيم ( راجع قوانين الكنائس الشرقية ).
وقيل ان البطريرك مار ساكو يستصغر المؤمنين ،كيف ومتى ؟ هل هناك بطريركا حاليا للطوائف الاخرى أو من بطاركة الكلدان السابقين ينشر طلبه وندائه اعلاميا لشعبه ومثقفيه تقديم ما لديهم من مقترحات في مختلف الشؤون المالية والادارية والطقسية للنهوض بواقع كنيستنا ؟ ومن غيره ناشد ويناشد قبل انعقاد السيهنودس السنوي شعبه ليقدم مقترحاته وفقا لاجندة السيهنودس وببيان واضح ؟ أ لم يعلن للجميع المساهمة لوضع برنامج تأسيس الرابطة الكلدانية ؟ والتي لم يقبل غبطته أن تُسمى الا بالكلدانية لاعتزازه بهويته الكلدانية ،بالرغم من أن بعض المهتمين عرضوا عليه تسميات أخرى ، مثل الرابطة المسيحية . الم يعلن غبطته نداءا للجميع لوضع مقترحاتهم لاخراج شعبنا المسيحي من مآسيه الحالية ولا يزال الاعلان على الصفحة الاولى من موقع البطريركية؟( راجع موقع البطريركية).
وكذلك من المعلومات غير الدقيقة اعلان الكنائس في شمال العراق لمغادرة المهجرين لقاعات الكنائس، والمعلومة الصحيحة هي محاولة افراغ المدارس لبدء الموسم الدراسي من المهجرين بعد تهيئة المساكن لهم حتى لو تكلف المال ، وبحسب تصريح المطران بشار في اذاعة صوت الكلدان .
 وأخيرا طلع علينا أحد المجتهدين لكي ينتقد شعار البطريرك مار ساكو الذي اطلقه عند أختياره بطريركيا ليفنده ويؤكد عدم الحاجة اليه ويسانده زميله الاخر . هل نسيتم أن لكل كاهن أو أسقف أو بطريرك أو البابا نفسه لهم شعارات يطلقونها أثناء رسامتهم أو أختيارهم لمنصبهم ؟ فهل حلال لهم وحرام لغبطة مار ساكو؟ .
استنتج مما تقدم بأن تلك الانتقادات الموجهة لغبطة البطريرك مار ساكو تحججا ببيان البطريركية حول الكهنة والرهبان ليست مبنية على أسس موضوعية ، فهي موجهة فقط  للمضايقة وزعزعة الثقة بالنفس .ولما كان بيان البطريركية ضعيفا في صياغته فهل يحتاج لكل هذه الضجة؟ ولكن انا متأكد أن غبطته أكبر من أن يتأثر عطاؤه بمثل هذه الانتقادات.
أتمنى من البطريركية تطوير الكادر الاعلامي لها ولموقعها الاعلامي لكي لا تكون الاخطاء أو الصياغات سببا أو حجة لنقد البطريركية وأحراج غبطة البطريرك أمام المعنيين .كما نؤكد اننا بامس الحاجة في مثل هذا اليوم للتضامن، كلدان ، أشوريين ، سريان وكل المسيحيين لتخليص شعبنا من مآسيه ونقترح ونتعاون للبناء ونتسم بالهدوء والصبر ونتجنب الغضب والانفعال ونفكر بمستقبل شعبنا المجهول .ولننتهز الفرصة ولنا بطريركا ذكيا وواسع الثقافةوالمعرفة وأمكانيات خطابية بحسب الموقف والمستجدات وذو خبرة طويلة في عمله على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي ،معروف  لدى الاوساط السياسية والدينية ومن كل الاديان والمذاهب ،وشجاع لالقاء كلمته على السامعين ولكن بروحية بعيدة عن الجرح والاساءة الى المستمع .



 



 

 






96
           
                لاتزال الحكومة العراقية مقصرة في أنقاذالمهجرين
                    في ضوء لقاء أذاعة صوت الكلدان مع
                         المطران مار بشار وردة
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

          اذاعة صوت الكلدان  في مدينة ديترويت الامريكية كل اسبوع ومنذ الأزمة التي حلت بشعبنا كل برامجها خُصصت لدعم ابناء شعبنا وكنيستنا الكلدانية من خلال التواصل اليومي والأسبوعي مع غبطة ابينا البطريرك ومع المطارنة المهتمين في العراق للوقوف على اخر المستجدات والأحتياجات , وهكذا تتواصل مع كنيستنا في ابرشية مار توما الرسول الكلدانية وبتنسيق من المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد  لتقديم ما يمكن تقديمه في هذا الأتجاه  . في الأسابيع وقبل عيد الشكر سيكون لها مهرجان تضامني ( شعر – موسيقى – فديو – اغنية  ) كلها تصب في تحفيز ابناء الجالية للأستمرار في التبرع , المبلغ الذي سيُجمع سيذهب لدعم صندوق الابرشية ليصل مباشرة الى المعنيين في البطريركية ومنه الى احتياجات شعبنا  .
 وفي آخر لقاء أجراه الاعلامي المعروف " شوقي قونجا " من أذاعة صوت الكلدان مع سيادة المطران مار بشار وردة رئيس اساقفة اربيل للكنيسة الكلدانية ،وبمداخلة من الناشط في جمع التبرعات واغاثة شعبنا (باسل بقال ) المعروف في مواقفه الانسانية وغيرته الجامحة في مساعدة المنكوبين من أبناء شعبنا في كل مكان وضمن برامج الاغاثة التي يعدها باستمرار وبدون توقف . أتضح من هذا اللقاء المهم آخر المستجدات لاحوال شعبنا المُهجر من قبل العصابات الاجرامية الذي انتهى به المطاف في أقليم كوردستان العراق.
في البدء عبر سيادته عن شكره لما يبذله المسيحيون من جهود كبيرة في التعاون مع الكنيسة في العراق لتدارك ومواجهة المآساة التي ابتلى بها شعبنا جراء الاحداث الاخيرة ،وفي سؤال عن المستجدات في الوضع الراهن لاحوال المهجرين وكيفية التعاطي معهم وجهه الاعلامي (شوقي ) للمطران مار بشار،حيث أجاب:
مرَ أكثر من خمسين يوما على تهجير أبناء شعبنا من قراهم في سهل نينوى ،وبالرغم من تعاطي الكنيسة مع الحدث لوحدها وقد تمكنت من وضع برامج لتقديم الخدمات للمهجرين وكان التركيز على مسالة أيوائهم وأيجاد المسكن لهم بدلا من بقائهم في الحدائق العامة والساحات ففتحت أبواب قاعات الكنائس والمدارس  لهم واستطاعت اللجنة وبمؤازرة الشباب المتطوعين الى متابعة أحتايجاتهم ،وبعد أن كانت المنظمات المدنية تُساهم في تقديم الطعام وبعض المعونات الاخرى في البداية ولكن تدريجيا تباطأت في الاسابيع الثلاثة الاخيرة وأصبحت مساهماتهم محدودة، وعليه فأن الكنيسة هي الوحيدة التي تقوم بوضع السبل الكفيلة لرعايتهم معتمدة على التبرعات السخية التي نفتخر بها المقدمة من اخوتنا في المهجر.
وأستطرد سيادته في حديثه وأكد على أن المشاكل تزاد يوما بعد يوم وبالاخص لان موسم الشتاء قادم لا بل الان بدأت درجات الحرارة تنخفض في المنطقة مما سيؤدي الى التعرض لمعوقات كبيرة لاننا بحاجة الى أسكان تلك العوائل التي تعيش في الخيم التي لا تقاوم البرد وهطول الامطار،ومن جهة أخرى فان المهجرين تركوا بيوتهم في ايام الصيف وعليهم ملابسهم الصيفية والان جاءهم الشتاء، فتواجهنا مشكلة الكساء المطلوبة لموسم البرد .ومن المشاكل الاخرى التي تواجههم وجود العديد من المهجرين في المدارس وبالاخص في مدينة عينكاوة فهي بحاجة الى أفراغها لكي يتمكن أبناء المدينة من مواصلة دراستهم ، علما أن وزارة التربية في الحكومة العراقية ستوفر المدارس  لابناء المهجرين لتبدأ الدراسة في 15 من الشهر العاشر بحسب قول سيادته .
ولكن الاهم في ما جاء في المقابلة تأكيد مار بشار على الدور السلبي للحكومة المركزية للمشاركة في رعاية المهجرين وأيجاد الحلول المناسبة للصعوبات والمشاكل التي يعانون منها ،وكما قال في مقابلته مع عمار الحكيم أحد القياديين البارزين في السياسة العراقية أثناء زيارته لمدينة أربيل ، لا يوجد دور للحكومة المركزية التي هي الاساس في مواجهة الكوارث والمآسي التي يتعرض اليها الشعب ،فمهما تقوم به الكنيسة فأنها لا تتمكن من تحمل المواجهة كالدولة التي لها نظام مؤسسات ومتابعة ولها الامكانيات والميزانية المالية  ،فأكد بأن دورها معدوم  لرعايتهم ، ومما هو جدير بذكره وعدت بأن توزع المنح الشهرية لهم والتي هي مستحقاتهم وأبسط حقوقهم  الانسانية ، ولكن لا يوجد لحد الان أي فعل جدي على الارض بأية صيغة من الصيغ، فمجرد وعود لا غيره .
 ويأمل سيادته من السيد الحكيم أن يؤثر في الجهات المختصة في الحكومة العراقية لتحرك نفسها وتتحمل مسؤوليتها تجاه المهجرين والحد من مآسيهم كما رأى بنفسه خطورة وضعهم . وكما يأمل من  غبطة البطريرك مار لويس سيشدد ويؤثر وكما يسعى دائما لكي تتدخل الحكومة المركزية لمواجهة المخاطر.
وتداخل السيد (باسل بقال) ليسأل سيادة المطران عن أحتياجات المهجرين وما المطلوب من الاجراءات للوقاية من آثار الشتاء . وأكد في سؤاله عن عدد العوائل المحتاجة الى أسكانهم في البيوت  وبأمكانهم المساهمة وبذل الجهود اللازمة . فأجاب تجهيز وتدبير الكسوة الشتوية التي يفتقدها جميعهم أضافة الى أيوائهم في المساكن لتحميهم من الامطار والبرد .فبشره  - عادل – في غضون ثلاثة أسابيع سيكون 10000 معطف شتوي جاهز وبمتناول لجنة المتابعة بالاضافة الى الاحتياجات الاخرى الاساسية للموسم الشتوي ،وتعمل اللجنة في أبرشية مار توما برئاسة وتوجيه المطران مار فرنسيس قلابات بكل جهودها لتأمين أحتياجات المهجرين بقدر المستطاع وهم على هذا المنوال منذ بدء الازمة ولا يزال ساهرون على مد يد العون لشعبنا في العراق .
أذن حديث المطران مار بشار شهادة واضحة على أن دور الحكومة المركزية معدوم في التدخل في مواجهة المآسي التي يتعرض لها المهجرون من المسيحيين والايزيدين والتي هي السبب لنزوحهم من ديارهم  لعدم تمكنها من بسط نفوذها على سهل نينوى لكي يستتب الامن فيه ولمواجهة العصابات الارهابية التي استغلت الفراغ الامني في المنطقة، وبالاخص لكونه من المناطق المتنازع عليها مع أقليم كوردستان .
الحكومة العراقية سواء في عهد المالكي أو العبادي تقع عليها المسؤولية الكبرى في رعاية المهجرين ومواجهة مشاكلهم مهما كانت المبررات ،طالما أن الحكومة لها وزارات لكل منها مسؤوليتها والانكى وجود وزارة الهجرة والمهجرين ضمن تكوينها .لو أعتبرنا جدلا أن وزارتي الدفاع والداخلية منهمكتا في مواجهة الاعتداءات الارهابية ، ولكن ماذا عن وزارة الاسكان والهجرة والنقل وكل الوزرات ذات العلاقة في مسؤولياتها لتوفر الاحتياجات للمواطنين في الاوضاع الاضطرارية والكوارث ،ام ان منتسبيها منهمكون في الفساد الاداري وتوجيه الاموال المخصصة لوزاراتهم الى البنوك للمنفعة الشخصية، فكل ما نسمع ونقرأ في الاعلام وما يصرح به هو تشكيل لجان وسنقوم بكذا وكذا ولكن لا يوجد فعل جدي على الارض .
أين كانت اللجنة العليا للنازحين المشكلة برئاسة نائب رئيس الوزراء صالح المطلك لحد الان ليأتي ويصرح بعد مرور ما يقارب شهرين على الكارثة الاسراع لانشاء 20 الف وحدة سكنية تضم خيما بعدة طبقات مقاومة للحريق وأضاف حولنا 50 مليار دينار الى اللجنة الفرعية في أقليم كوردستان لتوزيعها على النازحين .أليس هذا متأخر جدا في ظل دولة غنية وحكومة منتخبة حريصة على الشعب بمقاييسها ؟
لو كان المبرر عدم الاتفاق على الميزانية لحد الان في مجلس النواب ، أليس لحكومة تقود بلدا غنيا بموارده مثل العراق أن يكون له ميزانية مخصصة للكوارث في البلد ؟ وهل الاوضاع التي تعرض لها المواطنون بكل مكوناتهم من تهجير ورعب وما رافق ذلك من المآسي بحاجة الى الانتظار للاتفاق على الميزانية والناس معرضة للموت يوميا ؟حقا لا توجد حكومة مثل الحكومة العراقية بكل المقاييس في العالم .
لو كان العراق بلدا فقيرا لقلنا الحق مع الحكومة العراقية، ولكن المعروف عنه بلد غني بموارده وايرادته، ولا يحتاج الى برهان وقرائن ، وأخيرا وبحسب أنباء ( المدى ) صرح وزير المالية العراقية ،(أن مجموع الايرادات التي دخلت خلال السبعة أشهر الاولى من سنة 2014 بلغت 64 ترليونا ومائة وخمسين مليار دينار .وكشفت اللجنة النيابية المختصة أن حكومة المالكي أنفقت كل المبلغ المتأتي من عوائد النفط بالرغم من أنها لم تدفع مبالغ البترودولار للبصرة والمحافظات المنتجة ،ولم تدفع موازنة أقليم كوردستان ).
كما أعلنت وزارة النفط مؤخرا تصدير أكثر من 65 مليون برميل وتحقيق ايرادات زادت عن سبعة بلايين دولار خلال حزيران الماضي ،وبالرغم من الصراعات الدائرة في العراق الا أنه أرتفعت صادرات النفط العراقي من المرافىء الجنوبية في تموز الماضي مقتربة من مستوى قياسي ،حيث بلغ متوسط الصادرات النفطية 52. 2 مليون برميل يوميا .
نستنتج أن العراق هو بلد غني بالرغم من الصراعات الداخلية ومحدودية الصادرات النفطية لاقتصارها على الموانىء الجنوبية ،ولكن كيف يتم التصرف بهذه الاموال  فهناك حتما تُرتكب جرائم ذوي الياقات البيض كما يسميها علماء الاجتماع من أصحاب النفوذ والقرار والسلطة في الدولة العراقية ويُترك الشعب يعاني من الارهاب والدمار والمآسي وليدبر حاله بنفسه .وأقول الحق مع الاحزاب السياسية التي تشارك في تشكيل الحكومة ونواب البرلمان ما عدا بالطبع النائبة ( فيان دخيل ) وليس الحق مع الشعب لانه اي- الشعب - غمس أصبعه في الحبر البنفسجي ومنح صوته لهؤلاء ليتربعوا على الكراسي ويتصارعوا عليها والشعب الذي أختارهم في نكبة لا مثيل لها.فهل يتعلم الشعب العراقي الدرس ؟
ومما هو جدير بالذكر فأن أحزاب شعبنا الاشوري والكلداني والسرياني هي جزء لا يتجزأ من المهزلة السياسية التي يمر بها البلد ،ولو ان بعضها سجلت تواجدا محدودا قياسا الى حجم الكارثة والنكبة التي تعرض لها شعبنا المسيحي فهي الاخرى أدارت وجهها الحقيقي عن الشعب وتوجهت نحو الصراع على الكراسي ،وتركت  الشعب يتكفل بأحواله ويدبر أموره ، ألم يستحق هذا الشعب المشرد من دياره بعض ولو يسير من المدخولات الضخمة لنوابنا ووزرائنا تذهب لرعايته لوقت محدد الى أن يتجاوز المحنة ويرجع المهجرون الى بلداتهم  ؟
ومن جراء هذه المهزلة السياسية والصراع على المصالح الشخصية بات الثقل الكبير على الكنيسة فلو لا التحركات المكوكية للبطاركة الاجلاء وعلى رأسهم البطريرك مار لويس ساكو وتشكيل لجنة من الاساقفة للمتابعة الميدانية ودعم ومؤازرة أبرشيات الانتشار والخيرين من أبناء شعبنا المسيحي في المهجر لكان شعبنا المسيحي في خبر كان .
رابط المقابلة http://www.chaldeanvoice.com/mod2.php?mod=interviews&modfile=item2&itemid=24

 

97
رسالة مفتوحة الى الكاتب المهندس خوشابا سولاقا المحترم

الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
                 
            في البدء تحية لك ،وأثمن جهودكم المبذولة دائما لمتابعة شؤون شعبنا المتالم الاشوري والكلداني والسرياني ، الشعب الرافديني العريق ،وأني من المتابعين الدائميين لقراءة ما يسطره قلمكم الرائع والمعتدل الذي يدفع بالقارىء الى الجمع والوحدة والتكاتف والتماسك والتضامن بين أبناء شعبنا المنكوب ،بدلا من التشذرم والتفكك والاختلاف والصراع .وبالطبع هناك اخوة معك من الكتاب وهم سائرون في النهج ذاته.
   أذا كان البعض من السياسيين والكتاب يرون في اعتدالكم وأنصافكم لطرح المواضيع التي تعكس أحوال شعبنا هو نتيجة ما حدث لكم في التخلي عن الحركة الديمقراطية الاشورية ،لكن أرى شخصيا أنها مسالة طبيعية وأبداعية طالما أنك تفكر وتكتب وتبحث ، ففي هذه الحالة بأمكانك أن تغير أفكارك وارتبطاتك السياسية ،لان البحث يغير قناعة القائم به متاثرا بما يتوصل اليه من المستجدات الفكرية .
وقد يرى البعض ، على السياسي أن يكون مبدئي ،وأن لا يتخلى عن حزبه السياسي أبدا. ولكن أستخلصت الدراسات في علم الاجتماع السياسي بأن هذه نظرة تقليدية للسياسيين في البلدان النامية ،صحيح على السياسي أن يلتزم بأيديولوجية حزبه ويكون مخلصا لمبادئه ،ولكن أذا تغيرت قناعته لبحثه المتواصل فعليه ليحقق أخلاصه ويثبت على مبادئه أن يعلن عن ما توصل اليه والا يبقى أسيرا لايديولوجية متقوقعة أستاتيكية لا فائدة منها ،فالسياسي عندما يرى بأن الفلسفة السياسية التي يتبناها حزبه لاتسنجم مع المتغيرات والاوضاع المرحلية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية الراهنة، أو تبنى الحزب فكرة لا تلائم مع أفكار المنتسب. فله العذر المشروع في التخلي عن تلك الفلسفة التي لا تعرف الدينميكية في طياتها.فهذا ما حدث مثلا هنا في كندا ،عندما كان الحزب الليبرالي في سدة الحكم تبنى وشرع قانون الاعتراف بالزواج المثلي،أي أباحية الجنسية المثلية ،ولكن في الانتخابات اللاحقة فشل الحزب المذكور من الفوز بالاغلبية لفقدانه العديد من منتسبيه ومؤازريه لتبني وتشريع القانون اعلاه .
لكن مع الاسف تُفسر هذه الحالة أحيانا هي نتيجة الصراعات المصلحية والشخصية ،ولكن اراها شخصيا بانها حالة التواصل الفكري المستمرة وتشخيص عدم الفائدة من الافكار القديمة التقليدية للحزب الذي ينتسب اليه الفرد ،تلك الافكار التي تحول دون تحقيق الحزب السياسي لاهدافه ، وهذا ما يحصل للاحزاب السياسية في البلدان النامية .
    تاتي هذه الرسالة بمناسبة نشر مقالتك الموسومة " دعوة الى تبني تسمية ، الناطقين بالسريانية بدلا من المكون المسيحي "على المنبر الحر في موقع عينكاوة، فهي مقالة رائعة وقيمة بمحتواها الفكري الذي يتبنى مقترحا يسعى الى الوحدة ،فأثمن هذه المبادرة ،وطالما يسعى أخوة آخرون من الكتاب المهتمين الى نفس الهدف ، وأتمنى أن تُترجم الى أرض الواقع وأن لم ينته المطاف بما أقترحت من تسمية ،ولكنها هي الخطوة الاولى والبداية ونقطة الانطلاق للمضي والاستمرار بالنهج الوحدوي .
أخي العزيز خوشابا ومن خلالكم الاخوة الكتاب والقراء المهتمين جميعا :
  منذ قيامي لجمع معلومات  في سنة 1997 لتاليف كتابي الموسوم " الكلدان المعاصرون " والمنشور سنة 2001 ،وثم محاولتي الاخيرة في تاليف كتاب ودراسة موسعة بعنوان " الاشوريون ، الكلدان ، السريان ، وصراع التسمية "والذي سيرى النور قريبا جدا وبالطبع من منطلق انثروسوسيولوجي أستخلصت ما يأتي :
1 – تكونت قناعة يقينية لي بأننا عرق أثني واحد .
2 – لعب المؤرخون دورا سلبيا في تدوين التاريخ لفقدان الامانة العلمية والموضوعية لديهم ،وأخص بالذكر القدماء منهم لعدم أتباعهم المنهجية في كتباتهم وغالبا ما دونوا المعلومات من تفسيراتهم الشخصية وخصوصا ما يتعلق بالجوانب المعنوية المجردة من الحضارة.
3 – أضطلعت مسألة الترجمة والاشتقاقات اللغوية دورا سلبيا في ضياع تسمية شعبنا .
4 – كان للدين والكتاب من رجال الدين دورا بارزا في تشويه التسمية .
5 – ان الكتاب المتأثرين بأيديولوجيات سياسية كان لهم الاثر البارز في تشويه هوية شعبنا لمحاولتهم لتمرير أفكارهم وفقا لمصالح أحزابهم .
6 – تبين في السنين الاخيرة ظهور نمط من الكتاب الذين كان لهم دورا سلبيا كبيرا في ضياع وتشويه هويتنا القومية ،وثم في تجذير وتعميق الخلافات ،وهم الذين يكتبون بالتاريخ ومن خلفيات أكاديمية واختصاصات ليست لها صلة بالتاريخ ،فتراه مختصا بالفن والرياضيات والفيزياء والقانون والمحاسبة واللاهوت وكتب مجلدا ضخما بالتاريخ وتوصل الى أن الجماعة الاثنية التي ينتمي اليها هي الاصل ويُرجع وجودها منذ بداية الخليقة ، كأن يقول الكلدان ولا غيرهم ،أو آشوريين ولا غيرهم ، او سريان ولا غيرهم ،مع أحترامي لمثل هؤلاء ،اقول كل واحد بأمكانه جمع مئات المصادر ويؤلف كتابا ومجلدات عن ظاهرة ما ،ولكن هل يستطيع الاجابة بما تحتوي تلك المصادر من معلومات ،كيف ولماذا ومتى ليتمكن أن يحلل النص ويقارنه لان المعروف في علم التاريخ والعلوم الانسانية والاجتماعية مناهج المقارنة والتحليل ودراسة الحال تختلف عن نظيرتتها في العلوم الطبيعية .
ربما سائل يسأل وماذا عن الكتاب القدامى والذين كتبوا وبدون أختصاصات ودون وجود الجامعات ؟ أقول نعم ذلك صحيح،ولكن معظم ما كتبوه تبين لاحقا عند ظهور المدرسة الوضعية في الفكر البشري للبحث والدراسة ، خطأ ، بدأً من الفيلسوف الكبير في زمانه افلاطون وغيره ـ وهذا ينطبق على الرحالة والمؤرخين القدامى  - وهذه مسالة أكاديمية بحاجة الى تفصيلات لا مجال لذكرها هنا -  لكن بأختصار أن طبيعة الفكر البشري تميزت بحالة الجمع كل مجالات المعرفة عند المفكر الواحد الذي دُعي بالفيلسوف . فتراه نفس المفكر يكتب بالكيمياء والفن والرياضيات والاحياء والفيزياء والادب واللغة والنفس والاجتماع ... الخ بينما لتطور وسائل وطرق جمع المعلومات المعرفية ظهرت الاختصاصات العلمية ولكل منها ميدانها المعرفي وطرقها واساليبها المنهجية الخاصة في البحث والاستقصاء.
7 – وأخيرا تكونت لي قناعة تامة ، ان اختلافنا وتشبثنا سواء كلدان أو اشوريين أو سريان بالتاريخ والاصول والتسمية ،هي أحد العوامل الاساسية البارزة في ضياعنا وفقدان حقوقنا كسكان أصليين في بلدنا ونكباتنا التاريخية والمعاصرة ولا يزال بعض الاخوة متقوقعون ومصرون على ذلك ومعظم أبناء شعبنا يتألمون ومتشردون  وينامون خارج دورهم وبلداتهم وقراهم معرضين الى الالام والمآسي التي لم يتعرض اليها شعب في التاريخ المعاصر .
على كل حال ، ادعوك أخي خوشابا وكل من يؤازرك في أفكاره ويسعى الى الخير لشعبنا المتألم والمتشتت الى السير والاستمرار لتطبيق الافكار الوحدوية على ارض الواقع فالاصرار والطموح والتحدي المدروس ،كلها من صفات الشخصية المبدعة وفقا لعلم نفس الشخصية .مع تمنياتي لكم بالتوفيق.
د . عبدالله مرقس رابي
كندا في 20 من ايلول 2014                 

98
                                                          أنت السامريُ الحنون
                                                           يا غبطة البطريرك
  د . عبدالله مرقس رابي
       باحث أكاديمي
                         
                في مقالة لغبطة البطريرك  مار لويس روفائيل الاول ساكو المنشورة على موقع البطريركية في الاول من الشهر الجاري الموسومة " السامري الحنون ، كم نحن اليوم بحاجة اليه" يصف غبطته سلوك ثلاثة أشخاص في مثل يسوع عن السامري الصالح" لوقا 10 : 30 – 36 " وهم الكاهن واللاوي والسامري، ويربطها بالاحداث المأساوية لشعبنا في العراق اليوم . فمنها جاء قوله :كم نحن بحاجة الى السامري الحنون اليوم .
 أفرزت الاحداث الاخيرة التي أبتلى بها شعبنا العراقي وبالاخص المكون المسيحي والايزيدي وبعض الفرق الاخرى على يد الارهاب الاجرامي ،أفرزت العديد من الكهنة واللاويين وثم السامريين ،ولكن أرى وبدليل لغة الارقام من متابعتي الاحداث من وهلتها الاولى بأن السامري الاول وقدوتهم هو غبطتكم . نعم أنت السامري القدوة الذي يعترف بالاخر دون النظر الى اللون والدين و العنصر والاثنية  والغني والفقير،وبذلك تجتاز الحواجز فالكل عندك واحد ،المسلمون والايزيديون والكاكائيون والمسيحيون ،والكورد والعرب والتركمان والشبك والاشوريون والسريان والكلدان .
أنت الذي تقوم بالعمل ولا تكتفي بالمعرفة النظرية مثل الكاهن ، ويتجنب المريض كي لا يموت بيده ويتنجس مثل اللاوي، فتتحرك بسرعة وتذهب وتأتي ولا تحسب الملل في حساباتك ،فتأخذك الشفقة والحنية ، فالشريعة والقوانين تقوم عندك على القلب وليس على الافكار النظرية فحسب .فدائما أراك  المبادر الاول لتحمل المسؤولية التي تحملها السامري في مثل يسوع ،وتعرف كيف تتصرف وما هو الوقت المناسب وتمنح منه جزءاً لكل واحد بدون أستثناء .
غبطة البطريرك مار لويس : أعمالك ولقاءاتك ومبادراتك وتصريحاتك ونداءاتك المتكررة ،جميعها مؤشرات دامغة على تضامنك ورعايتك ومحبتك للمحتاج المنكوب،فأنت الذي تزور وتتفقد الانسان الذي هو بين الحياة والموت الفارش على الطرقات وتحت الجسور وفي الاماكن المكتظة بهم ،فتسمع اليهم وتتحسس همومهم  ،الطفل الذي حرمه اللصوص المجرمين من الحياة البريئة والمسن الذي يعاني من مرضه أو تعبه والمرأة التي حملت مصاعب الكارثة والشباب الذين فقدوا فرصتهم لمواصلة الحياة والطلبة الذين يبحثون عن مصيرهم ،وتوصي وتقترح كل ذلك من أجلهم، مثل الرجل  الذي أوقعه اللصوص وكان بين الحياة والموت وتحنن اليه السامري.
ومما هو جدير بالذكر ،أن أخوتك البطاركة في الشرق الاوسط  للمارونيين والروم الكاثوليك والسريان الارثودكس والسريان الكاثوليك ،وهكذا أخوتك الاساقفة من مختلف الكنائس الكلدانية والسريانية والاشورية الذين يعيشون مع الشعب المنكوب ليلا ونهارا لم تقتصر مشاركتهم على النداءات فحسب ، بل أن زياراتهم الميدانية وتفقد احوال النازحين وتبرعاتهم السخية وتضامنهم معك في سبيل أنقاذ شعبنا من محنته الا دلالات واضحة على أنهم أيضا هم السامري الحنون ،لا بل في الحقيقة عبروا عن الوحدة الصميمية بين المذاهب المسيحية دون رجوعهم للتاريخ والاختلافات والنعرات والقومية وما شابه، فكل مسيحي حول العالم شعر وأحس هذا التضامن وهذا التعبير الاخوي الحقيقي لان مصيرهم واحد وأن الارهابيين يوجهون سهامهم المسمومة ضد كل المسيحيين وليس لفئة دون أخرى.
 وليس خافيا لاحد بأن ما قمت به من أنشطة منذ بداية النكبة ولحد اليوم طالما ان الاعلام بمختلف وسائله يتابعها تفصيليا . فمن متابعتي الشخصية  تمكنت من حصر أحصائي بسيط لها مصنفة بحسب نوع النشاط ،فهي دليل واقعي وملموس لحجم المشاركة والحرص الشديد لكم والتعبير عن مشاعرك لابناء الكنيسة وجيرانهم من الاقليات الاخرى ،وما هي الا برهان على فرضيتي المعنون بها المقال " أنك السامري الحنون يا غبطة البطريرك.وفيما يأتي جدولا أحصائيا يبين طبيعة أبرز الانشطة التي مارسها لمدة أقل من ثلاثة أشهر ويمارسها لحد هذه اللحظة غبطة البطريرك مار لويس بالاضافة الى واجباته الدينية المعتادة :
نوع النشاط                                                          التكرار 
-----------                                                       ------------
 أبرز رسائل التضامن والنداءات التي تلقاها                        41
زيارة الوفود والشخصيات له                                         30 
 زياراته الميدانية للمسؤولين والعوائل النازحة                     19
النداءات التي بعثها الى الرؤوساء والمنظمات الدولية              17               
لقاءات وسائل الاعلام معه                                             9                         
المجموع                                                                116

"المصدر وكالات الانباء والفضائيات والمواقع الالكترونية وأخص بالذكر موقع البطريركية الكلدانية الرسمي "
كانت رسائل التضامن التي تلقاها غبطته من قداسة البابا فرنسيس والبطاركة والكرادلة والاساقفة من حول العالم ولمختلف المذاهب المسيحية،والمسؤولين القياديين في الحكومة العراقية وأقليم كوردستان والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني العراقية والكتل السياسية والامراء ورجال الدين الاسلامي ومن أبرزهم شيخ الازهر والامام السيستاني.
وأما الذين أستقبلهم غبطته في قلايته البطريركية في بغداد والصيفية في أربيل وهم البطاركة والكرادلة والاساقفة والوزراء  وأبرزهم رئيس وزراء فرنسا الاسبق ووزير خارجية لبنان والسفراء الاجانب في العراق ،وممثلي الاحزاب العراقية ووفود من المسلمين العراقيين للتعبير عن تضامنهم مع المسيحيين ومنظمات المجتمع المدني .
بينما تمثلت الزيارات التي قام بها مار لويس بالدرجة الاساس تلك التي التقى خلالها مع العوائل النازحة منذ تهجير ابناء الموصل المسيحيين  مرورا بنزوح أبناء سهل نينيوى الى اقليم كوردستان ،سواء لوحده أو برفقة ضيوفه من البطاركة والكرادلة أو أخوته الاساقفة ،أضافة الى زيارته لرئيس الجمهورية العراقية ورئيس اقليم كوردستان والى المرجع الديني الاسلامي الشيعي  الامام علي السيستاني،وزيارات أخرى الى خارج العراق للبرلمان الاوربي والاتحاد الاوربي .
وكانت نداءاته موجهة الى قداسة البابا فرنسيس ورئيس منظمة الامم المتحدة والبرلمانات ومنظمات الاغاثة والرئيس الامريكي والاتحاد الاوربي .
وأبرز لقاءاته الاعلامية هي مع الفضائيات العالمية والعربية والعراقية والاذاعات والصحف اليومية موضحا فيها مدى المآىسي التي يعاني منها شعبنا المسيحي والمكونات الاخرى من الشعب العراقي، وكان يطلق من خلالها أيضا النداءات الى اصحاب العلاقة والقرار في العراق والعالم.
فهل نحتاج عزيزي القارىء الى براهين اكثر من هذه لنقول لغبطة البطريرك مار لويس ساكو أنه" السامري الحنون "؟
                                                 

99
                                                   لماذا تتغاضى منظمة المؤتمر الاسلامي
                                                  عن أضطهاد المسيحيين والأيزيديين؟
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
                  تعد منظمة المؤتمر الاسلامي من المنظمات الدولية الكبيرة ،حيث تضم في عضويتها 57 دولة أسلامية .تاسست عام 1969 في الرباط في المملكة المغربية ردا على حريق المسجد الاقصى في القدس،وتعتبر المنظمة بمثابة الصوت الذي يُوحِدُ ويجمع ويتكلم بأسم العالم الاسلامي. وتنفرد المنظمة كونها جامع كلمة الامة وممثل  للمسلمين في مختلف أنحاء العالم بحسب ماجاء في مقدمة نظامها .
   لم تُشعر هذه المنظمة العالم ولم تُعبر عن موقفها  ،أدانة أو أستنكارا على أضعف الاحتمالات ولم تحرك ساكنا تجاه الاحداث الاخيرة التي بدأت بأضطهاد المسيحيين والايزيديين والكاكائية والتركمان والشبك الشيعة منذ أحتلال مدينة الموصل في بداية شهر حزيران الماضي من قبل العصابات الاجرامية المتشددة  التي تمارس أفعالها العنصرية منطلقة من العقائد الاسلامية ، ومهما كان مصدر صناعة هذه الجماعات الارهابية الذي يختلف المحللون في أثباته ،فانها تمارس عملها بأسم الدين الاسلامي ،وعليه أستوجب أن تكون منظمة المؤتمر الاسلامي المبادرة الاولى في تحديد موقفها والاحالة دون تحقيق هذه الجماعات لاهدافها الشريرة.
من مراجعتي لميثاق وأتفاقات ونظام هذه المنظمة ،تبين أنها لاتعمل وفق ما دونته وما اتفق أعضائها عليه حيال الارهاب.فأنطلاقا من أدبياتها ساناقش موضوع صمتها تجاه أضطهاد المسيحيين والايزيديين .
وفقا لميثاقها ترمي المنظمة الى ( حماية صورة الاسلام الحقيقية والدفاع عنها والتصدي لتشويه صورة الاسلام وتشجيع الحوار بين الحضارات والاديان ).وهنا اطرح السؤال للمنظمة أ لستم على دراية بأن ما تقوم به الجماعات الارهابية هو بأسم الدين الاسلامي ؟ فهي تقطع رؤوس الابرياء وتسبي نساؤهم وتستولي عل ممتلكاتهم وتطردهم الى البراري حفاة من بيوتهم ، أو أجبارهم واكراههم على أعتناق الاسلام وتدمير المعالم الحضارية والكنائس والمعابد والجوامع والحسينيات،كل هذه الممارسات على مرأى من الدول الاعضاء في المنظمة .فلماذا السكوت أليس هذا تشويه لصورة الاسلام ؟فكيف سيتم الحوار بين الحضارات والاديان وجماعات أرهابية في وضح النهار تُخير الناس بين الدخول في الدين الاسلامي أو قطع رؤوسهم ، أويُسلبون ويُطردون  من موطنهم الاصلي ،وتحت راية الاسلام.
لماذا لا تنطلق دول الاعضاء من المادة رقم 1 من معاهدة منظمتهم لمكافحة الارهاب الدولي لسنة 1999؟ حيث جاء( عملا بتعاليم شريعتنا الاسلامية السمحاء التي تنبذ كل أشكال العنف والارهاب ،خاصة ما كان منه قائما على التطرف ،وتدعو الى حماية حقوق الانسان ،وهي الاحكام التي تتمشى معها مبادىء القانون الدولي واسسه التي قامت على تعاون الشعوب من أجل اقامة السلام ) .أليست هذه الممارسات تدخل ضمن العنف والارهاب من منظوركم  ؟ وانتم تعرٌفون الارهاب كما يلي وفقا لمنظمتكم في المادة 1 ، الفقرة 2 لمعاهدة 1999  ( الارهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه ،يقع تنفيذا لمشروع أجرامي فردي أو جماعي ويهدف الى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بأيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمتهم أو حقوقهم  للخطر أو ألحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الاملاك العامة والخاصة أو أحتلالها والاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو المرافق الدولية للخطر أو تهديد الاستقرار أو السلامة الاقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدولة المستقلة ).فهو تعريف شامل فعلا لمفهوم الارهاب ،ولكن أين أنتم من الافعال التي تمارسها هذه الجماعات ؟ فهي تقوم بما أعتبرتموه أرهابا في تعريف المنظمة الرسمي .فهناك التهديد والترويع والايذاء والاعتداء على الاعراض والحريات الدينية والحاق الضرر في البيئة والاحتلال وتهديد الاستقرار فلماذا السكوت المطبق؟.
من التدابير الاحترازية التي وضعتها المنظمة لمكافحة الجرائم الارهابية ،جاء في المادة( 3 فقرة أ )مايأتي ( على دول الاعضاء الحيلولة دون أتخاذ اراضيها مسرحا لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الارهابية أو الشروع أو الاشتراك فيها بأية صورة من الصور بما في ذلك العمل على منع تسلسل العناصر الارهابية أو لجوئها اليها أو أقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات أو أسستقبالها أو أيوائها أو تدريبها أو تسليحها أو تمويلها أو تقديم اية تسهيلات لها).اين الدول الاسلامية المحيطة بالعراق مثل تركيا والسعودية وقطر وغيرها من هذه التدابير ؟ فكل ماورد  في الميثاق الذي تعاهدت عليه دول الاعضاء من حيث التدابير لمكافحة الارهاب تمارس العكس ، فتركيا تسهل مرور الارهابيين من أراضيها وتدربهم والسعودية وقطر تمولهم وتؤيهم وتستقبلهم وتسلحهم وترسلهم لابادة المختلف عنهم دينا ومذهبا .
ألا تتناقض هذه الممارسات مع الهدف الاساسي لمنظمة المؤتمر الاسلامي الذي وُرد في ميثاقها وينص ( تعزز الدول الاعضاء وتساند على الصعيدين الوطني والدولي الحكم الرشيد والديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الاساسية وسيادة القانون )وثم تؤكد في بند آخر ( تعمل المنظمة على محو العنصرية )؟
تناقض واضح فالدول المنضوية تحت هذه المنظمة تعزز بسكوتها وصمتها الرهيب الحكم الدموي والمتخلف وسلب الحريات الدينية والحقوق الاجتماعية والسياسية،وأنعدام القانون ، فالامر والنهي هو للخليفة المزعوم دون غيره .
من غرائب الحكومات الاعضاء في المنظمة هي دعوة الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في 15 / 8 / 2012 الى عقد مؤتمر اسلامي في مكة لمناقشة القضايا العربية الاسلامية الساخنة وفي مقدمتها المذابح التي يرتكبها النظام الاسدي ضد الشعب السوري الشقيق . فعلا أمر غريب في تعاطي دولة مثل السعودية لها دور مهم وأساسي ومؤثر في منظمة المؤتمر الاسلامي تعد ما يقوم به النظام الاسدي في سوريا مذابح ،بينما تسكت وتتغاضى عن المجازر التي ترتكبها العصابات الاجرامية باسم الدين ضد الايزيديين وطرد المسيحيين السكان الاصليين من دورهم وتسليبهم واكراههم لاعتناق الدين الاسلامي .فهل تعد السعودية هذه الممارسات نزهة أم بطولات ؟ ولماذا لم تدعو هي أو غيرها من الدول الاعضاء الى عقد مؤتمر أسلامي لمناقشة الاوضاع المأساوية التي تمارس بأسم الدين في العراق ؟أم أنها تغافلت ذلك لان ما تمارسه الجماعات الاجرامية هو ضد المسيحيين والايزيديين والاقليات الاخرى؟
وقد دعمت السعودية  ودول اسلامية أخرى في المنظمة بما لها من المال والامكانات لدعم مسلمي البوسنة والهرسك لينالوا أستقلالهم ودعت الدول الغربية لاتخاذ الاجراءات الحاسمة آنذاك للتسريع في أنقاذ المسلمين .في حين لا يسلم المسيحيين والايزيديين من أجرام الجماعات التكفيرية في العراق فحسب ولكن يطال المسلمين الشيعة من العرب والشبك والتركمان أيضا .فأية أزدواجية هذه في المواقف تجاه نفس الاحداث ؟لماذا اعتبرتم الاعتداء على مسلمي البوسنة والهرسك أعتداء على الحقوق الدينية وأنها أبادة جماعية؟ وتتغاضون عن ما يحدث ضد المسيحيين وغيرهم كأنما بفلسفتكم ليس أعتداء على الحقوق الدينية التي ثبتموها في ميثاقكم .
منذ بدء الاعتداءات المتكررة على المسيحيين وغيرهم من الاقليات في العراق ومن متابعتي للاحداث والاعلام لم أر أية دولة من الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي قد أتخذت خطوات جدية على كل المستويات سواء الاستنكار والتنديد أعلاميا أو المساندة الانسانية للمضطهدين أوالاسناد العسكري ،ولم تصدر اية فتوى تجاه ما يقوم به دعاة الدولة الاسلامية من هذه المنظمة التي تعتبر نفسها بأنها (جامع كلمة الامة وممثل المسلمين  وبمثابة الصوت الذي يوحد ويجمع ويتكلم بأسم العالم الاسلامي وتؤكد على أنها منظمة تسعى لتعزيز السلم والامن بين مختلف شعوب العالم).
وكل ما نلمسه هو السكوت المطبق على المستوى الرسمي أو الشعبي ،حيث كان باستطاعة الدول الاعضاء في المنظمة الاسلامية تنظيم تظاهرات شعبية أستنكارية على أبسط الاحتمالات ،أو المساهمة الانسانية للمضطهدين في تقديم الغذاء والدواء والماء والكسوة للمهجرين من مدنهم الذين ينامون في العراء وتحت الجسور، فلو لا نداء الكنائس وأخص بالذكر النداءات واللقاءات المتكررة لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العالم ، ودعم أقليم كوردستان رئاسة وحكومة الذي عمل المستحيل بحسب أمكاناته وأيوائه لهؤلاء النازحين لكانت الكارثة تتضاعف سوءاً فسوءاً.
 أن عدم التحرك لدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي جديا على الارض لمساعدة العراق وأقليم كوردستان لدحر هؤلاء المجرمين الذين يسفكون دماء الابرياء  ويضطهدون ويسلبون بسبب الهوية الدينية، يدل بكل وضوح بأنها راضية ومقتنعة ومؤيدة لممارسات المجرمين الارهابية، وألا ماذا يفسر هذا السكوت منطقيا ؟فلو أرادت أن تعيش هذه البلدان في عالم متعدد الحضارات سلميا وتنبذ كل ممارسات العنصرية وأنتهاك لحقوق الانسان التي أوردتها في ميثاقها كحبر على ورق دون أن نلمسه على ارض الواقع ،عليها أن تراجع ذاتها ومواقفها مما يحصل في العراق وتكون صريحة في رغبتها لدحر من ينتهك حقوق الاخرين وحرياتهم الدينية والاجتماعية والسياسية بغطاء ديني ومذهبي مقيت ومتخلف .وألا يمكن تفسير حالة التغاضي هذه عن الجرائم المرتكبة تحت راية الاسلام من قبل الارهابيين هي تعبير عن العقل الباطني لحكومات ومواطني الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي ،أي أنها راضية ومقتنعة بما يجري لانهم هكذا تلقوا في تنشئتهم الاسرية والدينية ، ولا يمكنهم التخلص منه حيث ترسخت في الاعماق النفسية ،عدم قبول الاخر دينيا وحتى مذهبيا ،فيكتفون بالتظاهر الشكلي أمام الخلق على أنهم غير ذلك .


100
                                                                         مٌعجزة طاقم
                                                           أذاعة صوت الكلدان في ديترويت
د . عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي

                     منذ أن أطلق البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك بابل على الكلدان ندائه لمساعدة المتضررين  النازحين المهجرين قسرا من الموصل وتوابعها بسبب الاضطهاد الذي تعرضوا اليه من العصابات التكفيرية ،منذ ذلك الحين تسارعت الكنائس والجمعيات الخيرية والمراكز الاعلامية لتلبية نداء غبطته .وأحدى هذه المؤسسات الاعلامية هي أذاعة صوت الكلدان في مدينة ديترويت الامريكية التي أصبحت موضع أفتخار لشعبنا المسيحي بمختلف مكوناته الاثنية لِما تؤديه من نشاطات اعلامية لتغطيتها كل الاحداث المتعلقة بشعبنا سواء في الوطن أو في المدينة التي تبث منها حيث مقر ابرشية مارتوما الكلدانية، ففيها أكبر تجمع كلداني في العالم ، وتعيش فيها أكبر جالية تتحدث العربية في امريكا من المسيحيين والمسلمين.
    وقد تاسست هذه الاذاعة عام 1980 م ،فأستطاع كادرها الاعلامي والفني من أكتساب خبرة فنية واعلامية على مدى 34 سنة فحققت مكانة اعلامية وشعبية  في الجالية العراقية وغيرها في مدينة ديترويت .وهي أذاعة كلدانية مستقلة تبث برامجها المتنوعة باللغتين الكلدانية والعربية ،تلك البرامج التي أصبحت المفضلة لدى الجالية لتأثيرها المباشر والعميق في الرأي العام لمصداقيتها ودقتها وصراحتها في نقل الخبر وتغطيتها للنشاطات والاحداث الدينية والاجتماعية والفنية والاقتصادية والتاريخية للمجتمع الكلداني وغيرهم من المكونات الاثنية في ولاية مشيكن.وهي السباقة دائما في أجراء اللقاءات مع كبار رجال الدين والسياسيين والفنيين والمبدعيين وكبار الاقتصاديين وأصحاب الكفاءات العلمية وغيرهم من أبناء الجالية .
       تساهم أذاعة صوت الكلدان في تغطية الاحداث المأساوية التي يمر بها شعبنا المسيحي في العراق من التهجير والنزوح والاضطهاد الديني لمتابعتها كل التطورات وبثها لمستمعيها على مدار الساعة،وكان من أبرز اللقاءات التي أجراها كادرها الاعلامي مؤخرا مع الاشخاص الذين هم في التماس المباشر مع هذه الاحداث تلك التي أُجريت مع:
  غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو ،حوار من بغداد حول الاحداث في شمال العراق
  سيادة المطران مار يوسف توما رئيس أساقفة كركوك والسليمانية ،حوار من كركوك حول الاحداث في  شمال العراق
الاب فيليب نجم الوكيل البطريركي الكلداني في مصر ، حوار حول الاحداث في شمال العراق
سيادة المطران مار فرانسيس قلابات راعي أبرشية مارتوما في ديترويت ،حوار حول أحداث الشمال  .
  ولكن المفاجئة الكبرى التي تلقيناها من أذاعة صوت الكلدان هي التي قام بها كادرها الاعلامي والفني وبعض المتطوعين من ابناء شعبنا وهم : الاعلاميون ،فوزي دلي وشوقي قونجة وضياء ببي والفني ساهر يلدو، ومجموعة من الاشخاص المتطوعين ،اضافة للتعاون الذي ابداه الاستاذ باسل بقال المسؤول عن برنامج ( تبني عائلة مهجرة ) .وقد أستطاع هؤلاء الغيارى بخبرتهم الاعلامية وقدرتهم التأثيرية على الرأي العام ،وبسبب ما يتمتعون به من علاقات أجتماعية ومصداقية في العمل الاعلامي وحبهم للعمل الجماعي والاحترام الذي يتلقونه من الجالية بكل مكوناتها ،تمكنوا هؤلاء المبدعين من أستحصال مبلغ من التبرعات مقداره 150000 مائة وخمسون الف دولار أمريكي خلال فترة قياسية لا مثيل لها ولم تتجاوز ثلاث ساعات فقط  لا غيرها عن طريق الاتصال الهاتفي بالاذاعة من قبل المتبرعين وذلك يوم السبت المصادف 16 / 8 / 2014 من الساعة الواحدة ظهرا, وصمموا لرفعها الى ربع مليون دولار .فاية قدرة يتميزون بها هؤلاء؟ أليست معجزة ؟ في الحقيقة يعجز الادباء من وصفها ،حدثٌ لم نسمع بمثله من قبل وخصوصا في مجتمعنا .
هذه هي الارادة الحقيقية في العمل الجماعي وحب الخير والعطاء والتكافل ،وهي تعبير عن المشاعر الانسانية العميقة تجاه المنكوبين والمضطهدين ،وهم يعبرون عن الوفاء لشعبهم في أوقات المحن،ويقدرون معاناة شعبهم، ويتنكرون لمصالحهم الشخصية ويضعون مصلحة الشعب فوق كل الاعتبارات،فهم مَثلٌ للاقتداء بهم ،وليس بمن يتصارعون على الكراسي ويبحثون عن المناصب بحجة أن الشعب أنتخبهم ،وأي أنتخاب ؟ بديمقراطية العراق والكتل الكبيرة!!! بالطبع يُستثنى منهم الوزير ( جونسون سياويش ) في حكومة أقليم كوردستان لاستقالته من منصبه بحسب المبررات التي قدمها للتضامن مع شعبه المتألم ،وليس بمن يتمردون عن كنيستهم ويتخلون عن الطاعة لرؤسائهم التي نطقوا بها عند رسامتهم الكهنوتية،وبمن يتشبثون بالقومية والتاريخ  والاقاليم والامبراطوريات لشعبنا، وكذلك اولئك الذين يجادلون حول الاصالة  لعدم تداركهم  للمقاييس الزمكانية للظواهر البشرية الاجتماعية،وليس بمن يتبادل الشتائم والنصائح في الايميلات والمواقع الالكترونية .  والشعب نائم على الطرقات ومتشرد من قراه ومدنه ،وجُرد من كل مقومات الحياة الانسانية ،والاطفال حُرموا من براءة طفولتهم والطلبة ينادون ويبحثون عن حل لمواصلة دراستهم  .فهم في وادي والشعب في وادٍ آخر.
نعم لنحيي طاقم أذاعة صوت الكلدان في ديترويت  والايدي السخية التي تبرعت ونقدر شعورهم بالمسؤولية تجاه شعبنا المضطهد ولهم كل الحب والاحترام فهم في الحقيقة فرسان الكرامة والشموخ والانسانية الصادقة عبر الاثير وعلى الارض.


101
                                                     تجربة أبناء منكيش في المهجر لدعم النازحين لبلدتهم
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

                                 أفرزت الاوضاع المأساوية التي يمر بها المسيحيون في العراق مواقفا اجتماعية لها أبعاد تكافلية وتماسكية وتضامنية .عكست المشاعر الموحدة للمسيحيين  مهما أختلفت أنتماءاتهم الاثنية والمذهبية والقروية . وبعد النزوح السكاني الجماعي للمسيحيين من بلداتهم في سهل نينوى تخلصا من العصابات الداعشية الاجرامية وصل الى بلدة منكيش اكثر من 430 عائلة من تلك القرى المسيحية والايزيدية . وبالرغم من محدودية أمكانات سكان البلدة، وتضاعف عدد العوائل الوافدة ثلاث مرات تقريبا لعدد العوائل المنكيشية في البلدة ،وقدوم العوائل النازحة بدفعة واحدة بهذه الاعداد ، الا أن  أبناء منكيش فتحوا أبواب بيوتهم لهم بدون أستثناء بحيث شاركت اكثر من ثلاث عوائل في بيت واحد ، ولما فاق العدد فُتحت أبنية المدارس والروضات والابنية التابعة للكنيسة وقاعاتها لايوائهم . وتسارع أبناء منكيش لتقديم الخدمات والاعانات اللازمة لضيوفهم.
أما في المهجر فقد أنتاب ابناء منكيش شعورا انسانيا تجاه هؤلاء النازحين بأنهم بحاجة الى اسناد لتلبية أحتياجاتهم ،ولكي لا يقصرأبناء بلدتهم المقيمين فيها تجاه ضيوفهم، أطلق موقع منكيش الاعلامي وبمبادرة من الدكتور جورج مرقس جنو المشرف العام للموقع الالكتروني وبتعضيد من صاحب الامتياز ( ايسر موفق ) والاداريين جميعا ندائه الى أبناء منكيش أينما وجدوا في دول الانتشار للمساهمة في التبرع  لغرض دعم النازحين الى بلدتهم من المسيحيين والايزيديين الذين حلوا ضيوفا على أهل منكيش وتلبية أحتياجانهم المتنوعة الاساسية. بالاضافة الى ما تبرعوا به في الخورنات الكنسية التي يتبعونها في المهجر على اثر النداء الذي أطلقه غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك بابل على الكلدان في العالم .
  وكان أبناء منكيش رهن الاشارة لتلبية النداء فعلى الفور تشكلت لجان فرعية في كل مدينة يتمركز المنكيشيون فيها بكثافة في بلدان المهجر للمباشرة في جمع التبرعات ،فتسارع الغيارى الى التبرع وبوقت قياسي ولا يزال التبرع جاري وأعضاء اللجان يعملون جميعهم  بجد وأخلاص،  ومن ثم ارسال المبالغ  بوجبات منتظمة الى الاب القدير( يوشيا صنا ) راعي خورنة كنيسة مار كوركيس في منكيش،والذي شكل بدوره لجنة كنسية تقوم بمتابعة التصرف بتلك الاموال لتحقيق الهدف الانساني تجاه ضيوف منكيش الكرام .
ويدير هذه التجربة  الدكتور( جنو) من مدينة ويندزر الكندية بدقة وانتظام وشفافية وروح تعاونية وأخوية  ، وذلك لتمتعه بخبرة عالية في الادارة والاشراف التي أكتسبها من عمله الاداري كمعاونا للعميد في المعهد الطبي الفني وثم مساعدا لرئيس الجامعة الى أن تقاعد ، أضافة الى مؤهلاته الذاتية من الصبر وسرعة البديهية في الاداء ولطفه وطيبته الانسانية وقدرته العلمية وكفاءته العالية في التنظيم، ويحقق الادارة الناجحة بالتعاون مع أعضاء اللجان الفرعية المنتشرة في المهجر الذين هم أيضا أُنتخبوا لكفاءتهم وخبرتهم في الادارة والعمل الجماعي وحُسن علاقاتهم الاجتماعية.( الرابط أدناه).
ليست هذه المرة الاولى تحتضن وتستضيف منكيش الوافدين أليها في العصر الحديث ،حيث نزح الى منكيش مجموعة من العوائل الاثورية سنة 1933 هربا من الاضطهاد الموجه ضدهم آنذاك من الحكومة العراقية ومكثوا تحت حماية أهل منكيش وأستضافتهم  لحين مغادرتهم الى سورية وأصدار العفو لاحقا،  وهناك حالة النزوح من أبناء القرى في صبنا على أثر الاضطرابات التي حصلت أثناء قيام الثورة الكوردية في مطلع الستينيات من القرن الماضي ،حيث وفد الى منكيش العديد من العوائل لتلك القرى ففتحوا المنكيشيين أبواب بيوتهم لهم وتقاسموا المعيشة معهم في ظل تلك الظروف الاقتصادية والامنية والسياسية المضطربة الى أن هاجروا تدريجيا الى المدن العراقية الاخرى , ونزح الى منكيش أيضا في الستينيات من القرن الماضي أعدادا كبيرة من العوائل الكوردية قدِمت من القرى المجاورة لفقدان الامن فيها ،وفتح أبناء منكيش بيوتهم لهم وعاشوا جنبا الى جنب سوية  حتى صدور بيان 11 آذار سنة 1970 فرجعوا الى قراهم .
في الحقيقة أنها تجربة متكاملة  ورائعة ولها أهداف أنسانية سامية تُسهم بجزء من الاسناد المالي للنازحين من أبناء شعبنا المسيحي المضطهد في العراق لتلبية أحتياجاتهم ورعايتهم الى أن يأتي يوم الذي به تنتصر أرادة المحبين للسلام دائما . فهي تجربة تحقق أهداف أساسية هي :المساعدة المباشرة للنازحين الى البلدة لان الاموال المُتبرعة ستصرف جميعها لسد أحتياجاتهم ،و الدعم المعنوي لابناء البلدة المقيمين فيها، ورفع العبء عنهم لعدم تركهم لوحدهم لتحمل المسؤولية لاداء واجبات الضيافة اللائقة ،وأنها ستٌخفف  العبء عن البطريركية في التخطيط والمتابعة الميدانية لتلبية أحتياجات المهجرين، أضافة الى أنها ستحقق جمع تبرعات مضاعفة لاسناد النازحين مع تلك التي تمنح من الكنيسة والجمعيات الخيرية.
    وهكذا لو خطت جميع القرى والبلدات المسيحية في أقليم كوردستان مثل هذه الخطوة لاسهمت مساهمة كبيرة في دعم النازحين لاستضافتهم  الى يوم الرجوع  لبيوتهم . فمن المعروف لكل بلدة وقرية مسيحية من أقليم كوردستان أبناء في بلاد المهجر بنسب متفاوتة،وبأمكانهم المساهمة المباشرة في الدعم المالي لضيوفهم في قراهم وبلداتهم لو أرادوا الاستفادة من هذه التجربة ،وبحسب معرفتي هناك بلدات أخرى تمارسها لتحقيق التكافل الاجتماعي ،ونطمح المزيد والمزيد .
هناك مسالة مهمة لابد الاشارة اليها ،قد يظن البعض بان مثل هذه التجربة تعكس التعصب القروي أو التقوقع القروي مما يخالف المشاعر الانسانية والانفتاح نحو الكل وتساوي الكل . ولكن أجتماعيا ونفسيا لها تفسير آخر وكما يلي :
 أن مسالة الانتماء الى الجماعة هي من أحدى الغرائز التي يتزود بها الانسان طبيعيا ،وتتطور مع نموه الاجتماعي والنفسي والبايولوجي ،فيرى نفسه أنه مٌلزم لاشعوريا للانتماء الى جماعات بشرية معينة ،وأولى هذه الجماعات هي العائلة ،وثم تليها العشيرة ،وبعدها القرية والمجتمع الاقليمي ويليه المجتمع الكبير في بلده ,اخيرا الانتماء للمجتمع البشري .أو قد يكون متغير الانتماء هو العقائد الدينية فالانسان يشعر بالانتماء الى كنيسة معينة محلية وثم المذهب الديني وبعدها الدين الذي يجمع عدة مذاهب،وهكذا قد يكو المتغير هو الاثنية أو الانتماء السياسي وحتى على مستوى المؤسسات الصغيرة كالمدرسة مثلا وهكذا تتكون حلقات انتمائية محيطة بالانسان ولكل منها درجة من الانتماء في قوتها وشدتها .
ولما كان هذا الشعور بالانتماء جزءا من نمو شخصية الفرد فلا يستطيع أن يتخلص منه مهما تؤثر المتغيرات المكتسبة تباعا على شخصيته كالتعليم والعمر والنضج الفكري ،فهناك من يقول أنا  لا أهتم بالانتماء القروي أو الديني أو الجغرافي وما شابه وأن الكل عندي سواسية ، عندما يقولها يعني بها أنه ليس عنصريا أي ـ لايميز على  أساس هذه المتغيرات  ،نعم أنه مٌحق في ذلك ،ولكن مسألة الشعور بالانتماء لا يستوجب أن تكون على أساس التمييز وفق متغيرات الانتماء ـ وأنما على أساس الاهتمام تباعا بالحلقات الاجتماعية المحيطة به الى أن تنتهي بالحلقة الكبرى التي هي الانتماء البشري الانساني ،أي أنه يعتز بابناء قريته أو مذهبه الديني ولكن هذا لا يمنع الاعتزاز واحترام الاخرين الذين يختلفون عنه،فأذا تجاوز هذا الاعتزاز الى كره الاخرين سيتحول ذلك الى مرض أجتماعي ناجم عن ما تلقاه في التنشئة الاجتماعية الاسرية منذ طفولته .
دافع الانتماء الى الجماعة يولد مع الانسان ولكن التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها الفرد في حياته وبالذات في فترة الطفولة تهذب هذا الدافع وتوجهه طبقا لما يسود في الجماعة من المعايير الاجتماعية التي تقيس النظرة الى الاخر المختلف ،فأما سيكون التهذيب هو الافراط في التنكر لانتمائه ،أو سيكون التهذيب عنصريا لان الفرد سيتلقى مفاهيم التعصب والتقوقع والغاء الاخر المختلف، وهاتان الحالتان هما مرضيتان،  أو قد تكون حالة التهذيب معتدلة بحيث يٌكون شخصية متزنة في أنفعالها الانتمائي، أذ تٌصقل  تلك الشخصية  على أساس الاعتزاز بالانتماء وحبه لجماعته،  وفي نفس الوقت يعتز ويحترم الاخر المختلف كما هو ، وهنا ستتكون الشخصية السوية السليمة .
 عليه وفقا لهذا الاتجاه فأن  مثل هذه التجربة الانسانية التي طرحتها لا تدخل ضمن الاطار التعصب القروي أو ماشابه ،وذلك لان الهدف الاساسي كما ذكرت أعلاه هو دعم النازحين من القرى الاخرى دون النظر الى انتماءاتهم المذهبية والدينية أو الاثنية ،فهي مساعدات مٌقدمة الى أبناء تللسقف وباقوفة وباطنايا والقوش وبعشيقة وبرطلة وبخديدا والموصل ـ والى اليزيديين والمسلمين والمسيحيين ، وأثنيا الى الاكراد والكلدان والسريان والشبك والعرب.فلها هدف أنساني سامي يتجاوز التعصب القروي والاثني والديني وليس الى أبناء قرية منكيش .
فالعمل ضمن هذا الاطار الانساني سيحقق تضامنا كبيرا بين أبناء شعبنا لانقاذ ومساندة من تعرض الى الاضطهاد المنظم من قبل العصابات التكفيرية ، وستحقق  التماسك الاجتماعي وتقلل من المشكلات التي يتعرضون الاخوة النازحين اليها بشكل مباشر وسريع . 
http://www.mangish.com/forum.php?action=view&id=7063

102
ليتضامنَ المسيحيون
لدرء المخاطر المتوقعة
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

                        أصبح واضحا للرأي العام الرسمي والشعبي محليا واقليميا وعالميا ما يتعرض له المسيحيون في العراق على أنها جرائم أبادة جماعية تُرتكب بحقهم وبالاخص في مدينة الموصل جراء الاحداث الاخيرة على يد الارهابيين من المسلمين المتطرفين .وقد نفذ الارهابيون ما سعوا اليه من تهجير المسيحيين وسلب ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة باستخدام أبشع الاساليب وأحقرها ،ونتج عنها التحطيم المعنوي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والصحي ،تلك التأثيرات التي تُعد هي الاخرى جرائم تنص عليها القوانين الدولية .لم ينته السيناريو لحد الان ،فمن المتوقع تَعرُض المسيحيون في بلداتهم وقراهم المحيطة بمدينة الموصل الى كارثة ستكون أكثر دمارا وسوءاً  وبؤساً وشقاءاً من التهجير والسلب ،وذلك عندما يحاول هؤلاء المجرمين توسيع رقعة سيطرتهم الجغرافية بأتجاه سهل نينوى حيث الكثافة السكانية العالية لشعبنا ، في ظل الصمت الدولي وتلكؤ الامم المتحدة غير الطبيعي تجاه الاحداث. ومن هنا جاء عنوان المقال في التأكيد على مفهوم ( المخاطر المتوقعة ) طالما هناك غموض في تفسير الاحداث ،الامر الذي يقودنا الى القول بأن المسألة هي أكبر مما نتصورها محليا لوجود أيدي خفية تُحرك الدمى الارهابية .فيحتم على المسيحيين وكل من موقعه سياسيا وكنسيا ومدنيا وفكريا أن يتحمل المسؤولية للبحث عن وضع التدابير الوقائية فيما أذ تطورت الاحداث في سهل نينوى نحو الاسوء.
   فما هو المطلوب من كل واحد بحسب مؤهلاته وقدراته  في المرحلة الراهنة ؟ وبدوري وضمن سياق أختصاصي سأضع تفسيرا لآهمية التضامن الاجتماعي في ضوء نظرية المثير والاستجابة في التعلم ولكي نتعلم جميعنا .
يتكون كل مجتمع من مؤسسات متنافسة في الظروف المستقرة والطبيعية ،وتحتوي على افراد يتميزون بخصال ومفردات متباينة بحكم قانون ( الفروق الفردية )،وهم في وضع التنافس أيضا ،وقد تحصل بينهم الاختلافات في المواقف الاجتماعية والسياسية والدينية ،وهذه حالة طبيعية أذا لم تتحول الى صراع ونزاع أجتماعي .لكن ستختلف الحالة عندما يتعرض المجتمع الى أخطار خارجية ،فحينئذ يتطلب الوضع تحول السلوك الفردي الى السلوك الجمعي الذي يتميز بالعقل الجمعي ليوحد الافراد لدرء المخاطر عنهم. ولكن متى تتم هذه الحالة ؟
    لبناء أية علاقة أجتماعية أو نشوء أية ظاهرة أجتماعية لا بد  أن تتضمن ( المثير والاستجابة ) ،والمثير هو حادث أو منبه أو محرك يحدث في البيئة المحيطة بالانسان ويوقظ في نفسه الاحساس والمحاولة  لقيام بفعل من الافعال لحدوث الاثارة الداخلية في النفس البشرية ، كشعور الانسان الحاجة الى الطعام وشعوره بالخطر أو الخوف ،وعلى أثر هذا الشعور يحاول الفرد الاستجابة لذلك المثير ،فالاستجابة هي ردة فعل باسلوب وسلوك ما عندما يتعرض الفرد للمثير .
وتطبيقا لذلك يعتبر حدث تعرض المسيحيين في مدينة الموصل الى الاضطهاد مثيرا أو منبها لهم ،فيضطرون الى أتخاذ الاجراءات والتدابير الوقائية لابعاد الاثار المتوقعة من الفعل ،فيكون ما يتبنى من سلوكيات وردة فعل هي بمثابة الاستجابة للمثير ،ويتطلب في مثل هذه الحالات الشديدة الخطورة والمصيرية ،أن لا تكون ردود الافعال أنفعالية ومتشنجة وعشوائية وفوضوية ،بل يتطلب التنسيق والتدبير ،وسوف لم يتحقق التدبير ما لم تتوفر فرصة التضامن الاجتماعي .
فالتضامن الاجتماعي حاجة ملحة ومشتركة بين افراد المجتمع ،وهي حاجة الدفاع عن النفس ،ولا يتيسر تحقيقها ألا في الحياة المشتركة. ويأتي التضامن بسبب عجز الفرد من الصمود أمام التحديات المتمثلة بالارهاب .ولما كان الافراد مختلفين فيما بينهم في قدراراتهم ومواهبهم ،فلابد هنا الحاجة الى التضامن الذي يعد أتفاقا مع الغير من الذين يختلفون عنه ماديا وأجتماعيا ومعرفيا وقياديا .وهو مسؤولية الجميع كل بحسب امكانياته ،وهو أيضا التزام عاطفي وقيمي برموز تتصل بالهوية العامة والثقافة المشتركة ،فالذي يتحلى بالتضامن ويندفع اليه ،له شخصية مفعمة بالمشاعر الانسانية والحس الاجتماعي .
أن درجة التضامن تعتمد على طبيعة الجماعة والمؤسسات السائدة في المجتمع التي تؤثر تأثيرا مباشرا على أنماط سلوك الفرد ،فيظهر التضامن عندما تكون :
المقاييس والقيم مشتركة
وجود مصالح مشتركة
ألتزام الفرد باخلاقية وسلوكية جماعته
أن هذه المقومات متوفرة تماما عند المسيحيين العراقيين ،فالقيم الاجتماعية ومقاييس المفاهيم العامة مشتركة بين الجميع تحت تأثير البيئة الجغرافية والاجتماعية الواحدة والتاريخ المشترك ،والقيم الدينية ،وطالما أنهم يبحثون سوية الى سبل الحياة الكريمة والعيش بسلام وأمان ورخاء وفي ظل عدالة أجتماعية ، فأن مصالحهم مشتركة أيضا ،وكذلك الفرد المسيحي ملتزم بأخلاقية وسلوكية جماعته الدينية ولا يمكنه التخلي عن تلك المبادىء التي تلقاها أثناء التنشئة الاجتماعية .ومن رصد للأحداث ومتابعتها تبين جليا بوجود مظاهر التضامن بين أبناء شعبنا المسيحي ،ومن أبرزها : تعاون الكنائس بمختلف الطوائف لتجاوز الازمة والمتابعة المستمرة من رجال الدين  ،وأندفاع أبناء البلدات والقرى المسيحية لفتح أبواب بيوتهم أمام أخوانهم المهجرين من الموصل ، وحملة التبرعات من قبل المسيحيين في دول الانتشار ،وما المسيرات الاحتجاجية التي يؤدونها في المدن المختلفة وأخص بالذكر مسيرة مدينة عينكاوة الا تعبيرا للشعور بمسؤولية التضامن لغرض اعلام وتحريك الرأي العام الرسمي والشعبي بالوضع المأساوي لمسيحي العراق.
ماذا يحقق التضامن الاجتماعي ؟
 للتضامن الاجتماعي مردودات كثيرة فهو : يخفف من حدة التوتر النفسي وآثار الارهاب التي يتعرض لها المسيحيون ،ويؤدي الى التآزر والتحالف والاتفاق على الرأي ،وثم الاتجاه نحو الاندماج والانضمام تحت راية واحدة ،ومن نتائجه تجديد الطاقة بعدما يخمد الحماس وتضعف الهمم ، ويدفع الافراد للتحرك بعيدا عن الانانية والعمل بأكثر من عقل ،كل بحسب مؤهلاته وأمكاناته .وثم أستعادة الثقة العامة لمواجهة الازمة .
  ولكي نحقق تضامناً أفضل في المرحلة الراهنة ونحن أمام توقعات توسع نطاق الارهاب باتجاه بلدات شعبنا المسيحي في سهل نينوى يتطلب :
     التركيز على المصلحة العامة لكي تعلو على المصلحة الشخصية من قبل منظمات المجتمع المدني والاحزاب السياسية والكنائس في هذه الظروف القلقة .
    التماسك والتضامن عموديا ، ابتداءً من مراكز صنع القرار في القيادات الكنسية والسياسية .
    الالتفاف والتعاون مع الكنيسة وتقدير وتقييم المحاولات الرائدة التي يقدمها رؤوساء الكنيسة ،وفي مقدمتهم أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو بطريرك الكلدان ، وغبطة البطريرك مار أغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك السريان الكاثوليك  ،والاساقفة الاجلاء للجهود التي يبذلوها في طرح قضية شعبنا للرأي العام الشعبي والرسمي عبر زياراتهم الميدانية ولقاءاتهم الاعلامية والرسمية دوليا ومحليا لتحريك المشاعر الانسانية  تجاه محنة مسيحي العراق .
  الكف والابتعاد عن أثارة النعرات الطائفية والقومية والاتهامات الشخصية بين الاحزاب السياسية لشعبنا من مكوناته الاثنية الاشورية ،الكلدانية ، السريانية ونبذ حالة القال والقيل والتشكي والتذمربينهم.
ألتزام الوسائل الاعلامية التي يديرها أبناء المكونات الثلاث من المواقع الالكترونية والصحف اليومية بعدم نشر أي موضوع أو تعليق يثير هذه النعرات لانها لاتخدمنا بالذات في المرحلة الراهنة .
 التنسيق لاجراء اللقاءات مع صناع القرار في الدول المتقدمة لتوخي الفوضى والارتباك والالتباس عند الاطراف المعنية .
التأكيد وبل التشديد على الحماية الدولية المؤقتة لشعبنا المسيحي في مناطق تواجده بكثافة والمعرضة الى المخاطر المتوقعة في كل يوم وبل ساعة في سهل نينوى لتكون حاجزا أمنيا بين بلداتنا ومصادر الارهاب في مدينة الموصل .
التركيز على التعاون مع حكومة أقليم كوردستان طالما أصبح التواجد الكثيف للمسيحيين ضمن الحماية العسكرية الكوردية ،وتقدير وتقييم الدور الذي يبذله الاقليم رئاسة وحكومة في حماية المسيحيين وما تصريح  الرئيس مسعود البارزاني المعبر عن الحس الانساني تجاه المسيحيين ( أما أن نحيا سوية أو نموت سوية ) الا رسالة واضحة للعالم على مدى الوعي الكامل لحقوق الانسان في أقليم كوردستان ،والرغبة الحقيقية في العيش المشترك بسلام وأمان ونبذ العنصرية.
التنسيق لتوفير البدائل من البنى التحتية التي أفتقدتها التجمعات السكانية المسيحية في سهل نينوى بسبب حجبها من الموصل .
ألتزام المسيحيين العراقيين في دول الانتشار تجاه الازمة والمخاطر التي تعرض له أخوتهم في العراق على المستوى المالي وطرح القضية في المحافل الدولية، والتأثير على الرأي العام .
 

103
رسالة مفتوحة الى الاحبة الكتاب والقراء الموقرون في موقع عينكاوة المتميز

م / أعتذار
          أود أن أقدم اعتذاري الشديد الى كل الاخوة الكتاب والقراء الاعزاء بدون أستثناء لحجبي الردود على مقالاتي  ،اني أحترم وجهة نظر الجميع ،فكل شخص له وجهة نظر وموقف تجاه الظواهر السياسية أو الاجتماعية وماشابه تتبلور لديه تأثرا بخبرته الحياتية  ،.لكن حجبي للردود هو لسببين رئيسيين هما :
1 –أحترام الاخر واللياقة الادبية مطلوبة مني الرد على المعلق أو الناقد سواء كان مؤيدا لافكاري أو مختلفا ،لكن لا أمتلك الوقت الكافي للرد . اتمنى أن تصلني الردود على البريد الالكتروني وحينئذ سارد بتأني وبحسب ما يتوفر الوقت .
2 – وجود مع الاسف بعض الاخوة يحاولون توجيه الموضوع الى نقاشات عقيمة خارج اطار المقال ،مما يفقد قيمته .هذا ما لمسته عند العديد من السادة الكتاب في الردود على مقالاتهم.
وقد سبق وناشدني أخوة أعزاء متعددون  من الكتاب والقراء على عدم حجب الردود ،منهم الصحفي الاكاديمي العالمي الدكتور ليون برخو والاخ الكاتب والمحلل السياسي اللامع أنطوان الصنا والصحفي المتمرس زيد ميشو والاعلامي فوزي دلي والدكتور العزيز جورج مرقس جنو والاخ عبدالاحد سليمان بولص وكوركيس أوراها منصور وابلحد مرقس وعوديشو المنو وآخرون وصلتني نداءاتهم تلفونيا أو ايميليا .
وكما أقدم أعتذاري الخاص للاخوة الذين علقوا على مقالي لهذا اليوم ( لقاء البطريركين المشرقيين ) وثم رُفعت ردودهم ،أذ حدث سهو في عدم الحجب ،وهم كل من الاخوة آشور كوركيس ،وتيري بطرس ،وسامي ديشو .أقدم شكري واعتزازي لهم وللجميع .
تحيتي ومحبتي لكم
الدكتور عبدالله مرقس رابي
كندا في 17 / 7 / 2014

104
لقاء البطريركين المشرقيين
رأي وتحليل
د . عبدالله مرقس رابي
      باحث أكاديمي
                    جاء المقال توافقا مع ما أكد عليه غبطة البطريرك مار لويس في رسالته الرعوية بمناسبة عيد مارتوما  ،الموسومة ( الكنيسة الكلدانية بين الواقع والطموح ) ، تلك الرسالة التي عبر خلالها عن بعض المؤشرات التي تُشخص واقع الكنيسة الكلدانية ،والتي سبق وأن طُرحت من قبل بعض الكتاب والمهتمين ،ولمسها غبطته شخصيا من زياراته الميدانية للابرشيات الكلدانية .وانطلاقا من الكتابة بواقعية ومن دون استسلام للاحباط من جراء الظروف الماساوية التي يمر بها شعبنا ،ومن تأكيد غبطته في ختام الرسالة ،أذ طلب من الجميع رفده بآرائهم ومقترحاتهم وافكارهم حول محاور الرسالة بما يُفيد كنيستنا وشعبنا ، ساكتب عن هذه المحاور تباعا لعله سنحقق الفائدة المرجوة ،ولاهمية موضوع زيارة مار لويس التاريخية  الى البطريرك مار دنحا  في 12 حزيران الماضي، وتداعياتها  ، اعطيت الاولوية  للموضوع.
       حرص البطريرك مار لويس منذ تسلمه السدة البطريركية قبل اكثر من سنة على تنشيط وتفعيل السبل من أجل وحدة كنيسة المشرق ،وقد طرح الموضوع في عدة مناسبات ،وعبًر في نداءاته الرعوية المستمرة عن الرغبة لتحقيقها ،وكانت أبرز المناسبات وأكثرها أهمية الزيارة المذكورة اعلاه ، وذلك لانها تعد الاولى من نوعها بين البطريركين الموقرين ،ولما لها من أبعاد نفسية وأجتماعية لانها مباشرة وجها لوجه وبدون وسيط يُذكر،وكذلك تعكس مدى أهتمام وأصرار وادراك الطرفين الضرورة القصوى للتقارب والنقاش لأزالة المعوقات من أمام طريق الكنيستين للوحدة .
  يطلق على الحوار الذي تحقق أو المفاوضات التي تجري بين الكنيستين علميا ( المفاوضات الابتكارية ) من ضمن مجموعة متعددة من أنواع المفاوضات – لست الان بصددها – بحسب تصنيف ( فرد آيكل ) في جامعة جورج تاون الامريكية ،والذي مفاده  ( خلق علاقة جديدة لانشاء مؤسسة جديدة ،الامر الذي يكون من شأنه تغيير طبيعة العلاقة بين الاطراف المتحاورة ) .ولانجاح أية عملية للحوار لابد ان تتضح  المقومات التالية : الهدف ، المواقف ، الاساليب الشخصية ، الاتصالات ، النزعة العاطفية ، الوقت وتنظيم الفريق .
وانطلاقا من هذا المفهوم فان الحوار بين البطريركين يهدف الى خلق مؤسسة جديدة في دمج المؤسستين، أي ابتكار مؤسسة جديدة من الوحدة المرتقبة.ولكن الموقف هنا لتحقيق الهدف  تباين من الوهلة الاولى أو اللقاء الاول ،وذلك للاختلاف في الالية لسيطرة وهيمنة الافتراضات أو التصورات المسبقة للاحداث ، وطبيعة التفكير عند  الطرفين،فالبطريرك مار لويس أنطلق  لتفعيل وحدة الكنيسة من المفهوم الديني أستنادا الى الغاية الانجيلية " ليكونوا واحدا " ( يوحنا 16 : 11 ). بينما أنطلق البطريرك مار دنحا من المفهوم الاجتماعي وهو " الوحدة القومية بين مؤمني الكنيستين " . وهنا تحققت أحدى النتائج التي توصلت اليها الدراسات الاجتماعية التي تشير الى أن الحوار أو المفاوضات بين الاطراف تتأثر بالثقافة ،وهنا لا أقصد بالثقافة المستوى التعليمي ،بل العناصر المعنوية من حضارة المجتمع ،. كيف ذلك ؟ تعرض المؤمنون في الكنيسة الشرقية الاشورية تاريخيا الى جملة من المتغيرات الاجتماعية منذ القرن السادس عشر وزاد تأثيرها في القرن التاسع عشر عندما كانت عمليات الانشقاق في الكنيسة الشرقية على أوجها ،ومن أبرز تلك المتغيرات هي منح السلطة الزمنية والروحية للبطريرك ، مما تكون بحكم قانون ( التمركز السلالي ) الانثروبولوجي ، الاندماج بين الافعال الاجتماعية الحياتية والمفاهيم الدينية عبر الاجيال المتعددة سمة فكرية للمجتمع الاشوري المعاصر ،فتميز الاكليروس في الكنيسة الشرقية الاشورية بأن يكون  أكثر اهتماما في المسائل الاجتماعية والسياسية من الاكليروس في الكنيسة الكلدانية ،فاصبحت في الاولى مثل هذه المسائل تعطى لها الاهمية والاولوية كما للمسائل الدينية  ،وهذا التاثير واضح جدا لاقدام الكنيسة في تغيير تسميتها تاريخيا ،فبعد أن كانت الكنيسة الشرقية أصبحت الكنيسة الشرقية النسطورية ، وأخيرا أستقرت على الكنيسة الشرقية الاشورية ،تلك التسمية التي أعطت لها البعد القومي الاثني. ومن جانب آخر تشير الدراسات الاجتماعية والنفسية الى أن : بعض القيم والتقاليد الاجتماعية أقوى تأثيرا في سلوك الفرد من القيم الدينية تاريخيا وحاضرا ،بدليل أن العديد من المفاهيم الدينية في الاديان السماوية والوضعية قد تأثرت في وجودها وصياغتها بالقيم الاجتماعية ،والامثلة عليها متعددة لا مجال هنا لذكرها . فالحوار مع الكنيسة الشرقية الاشورية سيتاثر بذلك الارث الحضاري والاجتماعي الموروث لوجود نظام أجتماعي تلقيني لم يتحرك خارج نطاق منظوماته.
فلا غرابة من أن يفاجىء غبطة البطريرك مار دنحا الوفد الزائر بقوله (أن وحدة شعبنا القومية هي التي تحقق وحدة كنيستنا ). فهو الرأي الذي تبلور عنده تاريخيا لانه تلقى تنشئة أجتماعية تمزج بين المفاهيم الدينية والاجتماعية وتعطي لهما الاهمية نفسها .  بينما أكد في جوابه البطريرك لويس ( الوحدة القومية مسؤولية العلمانيين بالدرجة الاولى ،والوحدة الكنسية هي مسؤوليتنا ).فالوحدة بين الكنائس بمفهوم مار لويس هي ( أنها ليست فدرالية كنائس بل شركة مبنية على وحدة الايمان والاحتفال بالاسرار المقدسة ووحدة الرسالة الانجيلية ،والكنيسة مجمعية بطبيعتها لانها شركة ).وعلق مار ابراهيم ابراهيم من الكنيسة الكلدانية وقال ( أن كنيسة المشرق كانت تضم شعوبا وقوميات عديدة فما الضرر أن تضم اليوم أقواما مختلفة لان الكنيسة جامعة ). لاحظ أخي القارىء كيف تختلف المفاهيم بين الاكليروس في الكنيستين .
 وتحقق المقوم الاخر من الحوار عن طريق الاتصال المباشر ،بدون وجود وساطة ،وذلك لان الامور واضحة ولكن سمة بعض الاختلافات البسيطة وأبرزها الادارية تشكل مصدرا في الافتراق تاريخيا بين الكنيستين .
وكان مقوم الاساليب الشخصية في اللقاء من الامور المهمة ،ويتمثل في طريقة أداء المتحاورين والاستقبال ونوع الملابس واسلوب المخاطبة والتحية والتي تشير الدراسات الى أنها تختلف باختلاف الثقافات ،فعلى سبيل المثال ، المخاطبة بالاسم الاول للشخص في الثقافة العربية والفرنسية واليابانية يعتبر سلوكا يدل على عدم الاحترام ،أما الامريكي أو الكندي يعتبر مناداة الشخص باسمه سلوكا وديا ومن ثم فهو امر طيب ،وهكذا يختلف نوع وطريقة أداء التحية مثلا وامور أخرى .ومن أبرز المواقف في الاساليب الشخصية التي لفتت انتباه المتطلعين للحوار هو طريقة أستقبال الوفد المرحلية ،بدأت باستقبال الوفد من قبل أسقفين وثم انتظار الوفد حتى قدوم غبطة البطريرك مار دنحا ،وثم الموقف الاخر هو تقبيل البطريرك  مار لويس يد مار دنحا ،مما أثار الموقفين أستياءا وجدلا وتذمرا عند بعض من أتباع الكنيسة الكلدانية ،وان لم يكن معلنا ،بل الجريدة غير الرسمية التي نطلق عليها في علم الاجتماع ( نميمة المجتمع ) كانت واضحة .
ارى شخصيا أن الموقفين هما تعبير لسلوك شخصي ،فالشخص حر في طريقة التعبير لاحترام الاخر ،أذ يعتمد السلوك المتبع على السمات الشخصية للانسان والمؤثرات في التنشئة الاجتماعية التي تصقل شخصية الانسان بمفاهيم اجتماعية يترجمها في تفاعله الاجتماعي مع الاخرين ،فاذا تفاعل مار لويس مع الموقف في احترام نظيره البطريرك بهذه الطريقة هي مسالة شخصية بحتة تعبر عن ما تلقى في تنشئته الاجتماعية ،وادراكه لطبيعة ولغة الايماءات ومدى تأثيرها في الحوار بين الاشخاص . وأما الاستقبال المرحلي ، فيرجع الى طريقة المراسيم  المعتمدة  لدى الكنيسة الشرقية الاشورية وتصوراتها عن الوفد الزائر ،فمن المعروف ان المراسيم المعتمدة في الاستقبال والضيافة تختلف من مجتمع الى آخر ومن مؤسسة الى اخرى.
ويأتي تفسير هذا التذمر بحسب التحليل الاجتماعي، التوارث في النظرة المترسخة في عقلية الفرد الشرقي تجاه رئيسهم سواء كان رمزا أجتماعيا كشيخ العشيرة أو رمزا دينيا أو سياسيا في لقاءاته مع الاخرين المناظرين له بأن لايتنازل بالاداء التعبيري للاخر ،وهذا يناقض علميا أسس نجاح الحوار الذي يتطلب التنازل من الطرفين لتحقيق عملية التكيف وثم الوصول الى الهدف . .وقد ترك الموقفان انطباعا سلبيا عند البعض .الا انهما لا تشكلان ذات أهمية مقارنة مع أهداف الزيارة التاريخية التي ترمي الى الوحدة الكنسية .
ومن المقومات الاساسية لنجاح الحوار هي :النزعة العاطفية لدى المتحاورين .فاذا أمتلك أحد الاطراف الحساسية العاطفية المفرطة تجاه الحدث والامور التي تناقش ،والطرف الاخر ينظر الى تلك الاحداث بطريقة عقلانية ،فالطرفان يبتعدان عن بعضهما في تحقيق الهدف من الحوار . وعليه يتطلب في حوار الكنيستين عدم سيطرة ثقافة غيبوبة الماضي في النقاش ،وأذا كان الحنين الى الماضي والتاريخ شيء من الايجابية ،اذ ما أحسن توظيف هذا الماضي .ولكن اذا يرى المتحاور في احداث التاريخ مرجعا أساسيا لانطلاق عملية الحوار فتلك مصيبة المصايب ،لانه يتذكر الماضي جيدا ويوظفه في الحوار بينما ينسى أو يتغافل دروسه بسرعة غريبة .ولا يعي التطورات السريعة جدا في الفكر وفي كافة نواحي الحياة الاجتماعية التي لا تتماشى مع الانماط السابقة من الحياة ، بل قد تتناقض معها . فالاستكانة الى الماضي في حوار الكنيستين لايخدمهما أبدا ، بل سيعرقل المسيرة وتفعيل الوحدة المنشودة ، وعلى المتحاورين فهم التاريخ والاحداث في سياقها الزمكاني .
وأما مسالة التوازن والاعتدال فهي من المتطلبات الاساسية في الحوار والتفاوض ، فاحادية الفكر والانغلاق الذي عادة يمارس بصورة لا شعورية ولوجود افتراضات مسبقة ثابتة للحوار ، لا تجدي نفعا في التفاوض بين الكنيستين .فالطبيعة البشرية الموروثة والمتمثلة بالدوافع أو ما تعرف الغرائز تصقل شخصية الفرد معتدلة بالتفاعل مع البيئة المحيطة بالفرد منذ الطفولة .فالغالبية العظمى من الناس تقع سمات شخصيتهم في الوسط الاعتدالي من المقياس التكويني للشخصية وبالطبع في أطار المجتمع الذي يعيش فيه الفرد .ولكن لعوامل متعددة – لا مجال لذكرها هنا – قد يحدث تطرف الى أحد القطبين السلبي أوالايجابي من المقياس التكويني ،ففي الحالتين ستنعكس سلبا في التفاعل الاجتماعي مع الاخرين .
وتطبيقا على موضوع المقالة / طالما أن المؤسسة تتكون من الافراد الذين تكونت شخصيتهم وفقا لقانون المقياس التكويني للشخصية .فاذا سيتاثر حوار المؤسسة بطبيعة هذا التكوين . فالكنيستين الشرقية الاشورية والكلدانية تعدان مؤسستان مقبلتان على الحوار ،فلابد أن يحرص المتحاورون على التوازن والاعتدال ،وأن لا يصران على الاتجاه نحو القطبين من المقياس التكويني فكلما ابتعد المتحاورون نحوهما كلما كانت فرص النجاح ضئيلة في تحقيق الاهداف .
فالتنازلات مطلوبة من الطرفين لتحقيق التوازن الذي يأتي من استبعاد الفكر الاحادي والاصرار عليه في الحوار ،فمثلا ،أطلق غبطة البطريرك مار دنحا رأيه في الوحدة القومية أولا ،ولكن عندما نأتي للحوار سنرى أن الشعب الذي يتحدث عن ضرورة وحدته قوميا ليتوحد كنسيا ،فهو في الواقع شعب واحد طالما مقومات المجتمع هي ذاتها عند الاشوريين المعاصرين والكلدانيين المعاصرين فلهما ،تاريخ مشترك ،لغة واحدة ، ديانة واحدة ، قيم وتقاليد مشتركة .بيئة جغرافية واحدة . فهنا يتطلب الامر التركيز على الادارة الكنسية والاليات الاخرى  التي تسمو على كل أعتبار  في الحوار ولتترك التسمية عند  شعورالفرد فهو الذي يتحمل مسؤولية تحديدها طالما هي من الصفات المكتسبة للشخصية فله القرار  وليس لاي جهة أخرى سواء كان كلدانيا أو سريانيا أوآشوريا ، فالوحدة الكنسية كخطوة أولى ستحقق الاحترام المتبادل بين الاثنيات وتزول المعوقات التي تقف في طريقهم على مختلف الاصعدة  .
ومن الامثلة الاخرى في تحقيق التوازن في القياس التكويني لعملية الحوار ساورد الاتي ، التطرف في التواضع، فالتواضع الذي يتميز غبطة البطريك مار لويس به ارى في الافق ومع جل أحترامي وتقديري له يتجه نحو القطب الموجب من المقياس لدرجة كبيرة ،مما يؤدي الى فقدان التوازن ،فتاكيده في رسالته الرعوية الموسومة ( الكنيسة الكلدانية بين الواقع والطموح )على قوله ( من أجل تحقيق الوحدة الكنسية أقبل يد قداسته بل رجله !! ) فهي مؤشر للاتجاه تواضعا نحو القطب الايجابي الذي له نفس التداعيات لو اتجه نحو القطب السلبي .فالتواضع مطلوب من الطرفين لكي تتعادلا كفتي الميزان ،والا سوف تنعكس في الحوار . وتلك لا أتمناها ابدا ،بل أتمنى وجود بطريرك واحد للكنيسة الشرقية ليكون رمزا لوحدة فروعها .
ولتكن الاحداث الاخيرة التي تعرض لها شعبنا في مدينة الموصل ومعاناته في سهل نينوى حافزا الى الوحدة ،فالارهاب لا يطال  الكلدان أو الآشوريين أو السريان ،بل يتعاطى مع شعبنا لاننا مسيحيين  ، فالمصير واحد مهما أختلفنا  .

105
رسالة مفتوحة الى غبطة البطريرك مار لويس الاول
والاساقفة الكلدان الاجلاء
ليكن دور العلمانيين عمليا وليس هامشيا
الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

              أعلنت البطريركية الكلدانية في 22 / 5 / 2014 عن موعد انعقاد السينودس القادم في 24 من شهر حزيران الحالي لغاية 28 منه ، مبينا فيه المواضيع التي ستطرح للمناقشة في جدول أعمال السينودس ،ومنها الموضوع السابع الذي يخص " دور العلمانيين في الكنيسة" حيث تشير الفقرة السابعة الى " الاستفادة من قدرات العلمانيين ومواهبهم في مواجهة التحديات والتطلعات الراهنة ،وأعطاؤهم دورهم في اللجان والمؤسسات الكنسية " .  وقد يكون التثبيت والتأكيد على هذه المسالة المهمة في السينودس انطلاقا مما جاء في المجمع الفاتيكاني الثاني عن دور واهمية العلمانيين في الكنيسة ،اذ يؤكد المجمع " ان العلماني ينال الاسرار المقدسة الثلاثة (المعمودية والتثبيت والمناولة ) وعليه يحصل على هبة خاصة ويصبح مكرسا للعمل في الكنيسة التي هي مجموع العلمانيين المؤمنين مع الاكليروس ومتحدين ليساهموا في عمل الكنيسة في الفكر والقرار والتنفيذ،لان العلماني هو قوة الكنيسة ورجاؤها لانه رسول يعيش في وسط العالم .ولا يعني عمل العلماني تنازل الكاهن من احدى واجباته له ،انما هو حق له وواجب عليه".
      وانطلاقا من القانون الكنسي الكاثوليكي والخاص بالكنائس المستقلة ،تلك التي تتمتع بالحكم الذاتي والمرتبطة بالفاتيكان .يشير البند 3 من قانون رقم 15 الى "ولهم الحق بحسب ما يتمتعون به من علم واختصاص ومكانة ،بل عليهم الواجب ان يبدو رايهم لرعاة الكنيسة في الامور المتعلقة بخير الكنيسة ،وان يطالعوا سائر المؤمنين على هذا الراي مع عدم الاخلال بسلامة الايمان والاحترام الواجب للرعاة ومع وضع المصلحة العامة وكرامة الانسان في الاعتبار". وكذلك جاء في قانون رقم 408 بند 1 "العلمانيون الذين يتميزون بما يجب من معرفة وخبرة ونزاهة ،اهل لان تستمع اليهم السلطات الكنسية كخبراء أو مستشارين سواء كأفراد أو كاعضاء في مختلف المجالس أو اللقاءات الرعوية والابرشية والبطريركية " .
وكذلك جاءت اهمية الموضوع من الفلسفة التي تبناها غبطة البطريرك مار لويس التي تنعكس في افكاره الموضوعية والمستندة على الاسس العلمية والمشاركة الجماعية للمؤمنين في المؤسسة الكنسية منذ تسلمه السدة البطريركية، وتأكيده في جميع المناسبات على اهمية دور العلمانيين للاستفادة من خبراتهم في ادارة شؤون الكنيسة . ويرى غبطته لمنح الشرعية التامة لهذا الدور وتعميمه على الابرشيات فلا بد من ان يكتسبها من السينودس ،وعليه اصبح موضوعا مهما للمناقشة ضمن جدول أعمال السينودس المرتقب .
من ملاحظة القوانين الكنسية المذكورة  اعلاه يتبين بوضوح :
ان الكنيسة هي مجموع الاكليروس والمؤمنين العلمانيين ومتحدين مع بعضهم
ان عمل العلمانيين اساسي في ثلاث مراحل ،الفكر أي طرح الاراء والقرار،بمعنى المشاركة في اتخاذ القرار وثم التنفيذ ،اي  لا يقتصر دورهم على ابداء الرأي فحسب بل يتعدى ذلك الى اتخاذ القرار والتنفيذ .
تمنح بوضوح هذه القوانين شرعية لاستماع السلطات الكنسية لآرائهم باعتبارهم مستشارين او خبراء.
أي أن لكل مؤمن مؤهلاته وقدراته الذاتية ومواهبه التي يتمتع بها ،قد لا تتوفر عند الكاهن أو الاسقف أو البطريرك ،ويمكن أستغلالها في ادراة شؤون الكنيسة .
غبطة البطريرك والاساقفة الاجلاء
التغير الاجتماعي مسالة حتمية ومُقرة علميا ،فالتغير لابد منه في جميع مناحي الحياة ،فهناك التغير في الفكر البشري الذي يُحتم التغير في المكونات الحضارية المادية ،وتحديدا التكنولوجية ، وبدورها تؤثر لتلحق تغيرا في القيم والاعراف والتقاليد الاجتماعية ،ومواقف الافراد من المفاهيم الدينية ،وذلك لزيادة نسبة المتعلمين ،وتطور المعرفة ،وأعتماد الفرد على نفسه وأمكاناته الذاتية في أتخاذ القرارات وتحديد مواقفه واتجاهاته نحو الظواهر الاجتماعية المختلفة .وكل مرحلة بحاجة الى أستحداث متطلبات ادارية وفنية لخلق الانسجام والتكيف مع المتغيرات الجديدة لغرض تجاوز المشكلات المتوقعة .
ولما كانت المؤسسة الدينية أحدى المؤسسات الاجتماعية التي تشارك في البناء الاجتماعي ،فعليه تؤثر وتتأثر بالمؤسسات الاجتماعية الاخرى ،فكريا ، أداريا ، وعلائقيا ،ولكي تتجاوز المؤسسة الكنسية مرحلتها التقليدية لتواكب المتغيرات ،فلابد من أعادة النظر في النمط الاداري والفني والعلائقي على مستوى العلاقات مع المؤمنين وعلاقتها مع المؤسسات الاجتماعية الاخرى ،وهذا يتم عن طريق تشريع قوانين جديدة لتنظيم الكنيسة ،أضافة الى تنشئة الاكليروس أثناء دراستهم الاكليريكيةً لتؤهلهم لمواكبة التغيرات. وبما أن تأهيل الاكليروس يتركز في أكتسابه للمعرفة الدينية الى جانب الالمام بالمعرفة العامة للعلوم الاخرى، لذا سيكون العمل الاساسي للكاهن هو العمل الروحي وأما تلك الاعمال المرتبطة بالاختصاصات الاخرى سيكون ثانويا ،ومن هنا لابد من ترسيخ فكرة تقسيم العمل في المؤسسة الدينية لمشاركة العلمانيين بشكل فعال .
ان المام الكاهن  بالمعرفة الاجتماعية والاقتصادية والادارية والقانونية وغير ذلك من جوانب المعرفة عن طريق تلقيه العلوم ذات الصلة بها أثناء دراسته  لا يعني بأن الكاهن قد أكتسب الخبرة بحيث تؤهله أن يكون خبيرا أداريا أو أجتماعيا أو اقتصاديا أو نفسيا وما الى ذلك ،بقدر أنه أكتسب المعرفة الدينية لتؤهله أن يكون مرشدا روحيا وعقائديا .ففي هذه الحالة لايمكن بكل المقاييس العلمية أن يقلد الكاهن دور الاداري والاقتصادي والاجتماعي والنفسي والقانوني والسياسي في عمله الكهنوتي .وأذا مارس الكاهن تلك الادوار يعرض مسيرة المؤسسة الكنسية الى الارباك في العمل والتلكؤ في تحقيق اهدافها الدينية .
بعد أستقراء ميداني لادارة العديد من الكنائس ظهر أن الكاهن لايزال يمارس الادوار الفنية المذكورة الى جانب وظيفته الاساسية  في الارشاد الروحي ، الامر الذي يؤدي الى زعزعة وأرباك العلاقة بينه وبين المؤمنين ويعرض نفسه الى التساؤلات ،ليس لان الكاهن ينحرف ويُتهم، بل يرتكب أخطاءأً قد تكون جسيمة أحيانا لعدم أتقانه فن ممارسة الادوار غير الدينية. أن أستمرارية ممارسة الكاهن لتلك الادوار ناجمٌ من أمتداد تأثير المرحلة التقليدية للمؤسسة الدينية والمجتمع دون مراعاة ومواكبة التغيرات التي حصلت في الفكر البشري .
حاولت كنيستنا الكلدانية أجراء التغيرات المطلوبة وفقا لما جاء بالقوانين الكنسية التي أستحدثت جراء المجمع الفاتيكاني الثاني والمذكورة اعلاه المرتبطة بدور العلما نيين ،لكن تلك الاجراءات والتغيرات كانت بطيئة جدا لعدم القدرة الفكرية والعقلية للاجيال المستمرة في العمل الكهنوتي سواء من الكهنة أو الاساقفة من أستيعاب وتقبل الافكار الجديدة ،بحيث يتمكن من الاعتماد والاستشارة بخبرات العلمانيين لتأدية الادوار  الاخرى  من غير الارشاد الديني .ظنا منه بأنه مُفوض من الله ليعمل ما يشاء متوهما أن هذا التفويض برأيي يقتصر على أداء وتقديم اسرار الكنيسة المعروفة للمؤمنين والتي لا يحل لغيره من البشر تأديتها .فهو مُفوض مثلا بمنح سر الزواج  والافخارستيا ولكن ليس مفوضا لوضع خطة لاستثمار أموال الكنيسة وفرضها على الواقع لانه قد يقع بأخطاء فنية في عملية الاستثمار لافتقاده الى المعرفة التامة بمجرياتها أو حل لمشكلة أجتماعية بين الزوجين أو التدخل المباشر في الشؤون السياسية .
غبطة البطريرك والاساقفة الاجلاء
    لهذه الاسباب لاتزال عملية المشاركة الفعلية للعلمانيين وتأدية أدوارهم في ادارة شؤون الكنيسة متبعثرة وهامشية وغير منتظمة في كنيستنا الكلدانية .
أذن كيف يتطلب أن يكون دور العلمانيين في الكنيسة ،وما هي الاجراءات التي يستوجب القيام بها ،وما هو النمط الفكري الذي يستوجب أن يتميز به الكاهن والاسقف لكي ينسجم مع المرحلة الجديدة ؟ وهذه وجهة نظري في الاجابة على التساؤلات المذكورة .
أن لا يقتصر دور العلمانيين في الانخراط بمجالس الخورنات والابرشيات للخدمة العامة التقليدية في الكنيسة لمساعدة الكاهن او الاسقف باعمال بسيطة ،لان الباب مفتوح امام كل المؤمنين للانضمام لهذه المجالس ،وقد يكون بعضهم غير مهنيين وأصحاب خبرة فنية علمية في مختلف ميادين المعرفة ،فمن الافضل ان يكون اختيار خاص لاصحاب الخبرات والمؤهلات من بين المؤمنين ليكونوا كاستشاريين لراعي الخورنة أو الابرشية وبمختلف الاختصاصات ،ولا يُشترط وجودهم ضمن مجلس الخورنة ،لكي يلجأ الكاهن أو الاسقف اليهم عند الحاجة  .
التركيز في المعاهد الاكليريكية التابعة للبطريركية وفي الابرشيات على توعية فعلية لتلاميذها لتفهم الدور الاساسي للعلمانيين ومبرراته في المؤسسة الكنسية ،ولتشمل هذه التوعية للكهنة الحاليين ، كذلك من الضروري جدا التركيز والتوعية  للتفسير الصحيح لمفهوم "وكيل المسيح على الارض " .بحيث يُميز بين هذه الوكالة في منح الاسرار الكنسية المقدسة  والاعمال الروحية وتلك الاعمال التي لا يستوجبها التفويض الالهي ليتسنى للعلمانيين أداء دورهم الفعلي ضمن الاطار الفكري لهذه المسالة ،فمثلا عندما يتطلب ترميم كنيسة ما ، أو وضع برنامج لتدريس اللغة لابناء الابرشية ،هل تدخل ضمن الاطار الفكري لمسالة التفويض الالهي ؟ ،أعتقد أنها خارجة عن هذا الاطار .فهنا تكمن المشكلة "التصور الخاطىء في تفسير فكرة التفويض الالهي لرجل الدين " بحيث تُحبط وتُعيق من مشاركة العلمانيين في أدارة الكنيسة  .
أن لا تقتصر المسالة على القول فقط ،فكثيرا ما يكرر الكاهن او الاسقف في كرازته على دور العلمانيين قائلا :"ما هي الكنيسة ؟الكنيسة ليست كومة حجارة وبناء ،بل هي أنتم المؤمنون وعليه لكم دورا فيها كما لي ايضا "فكثيرا ما نسمع هذه العبارة ولكن تقف لحد القول دون الفعل فالكاهن والاسقف ما يريده هو الذي سيتحقق في كل المجالات  الروحية وغير الروحية وهذا هو الواقع لحد هذه اللحظة ،فكثيرا ما يقولون ويؤشرون على رؤوسهم أن هذا الذي يخطط وينفذ ما يخططه، كأنما توقف تفكير البشرية عند تفكيره والاخرين لا يفقهون شيئا .
توعية الكهنة الالتزام بادوارهم الروحية في المؤسسة الكنسية دون التطفل للادوار الاخرى التي تخص العلمانيين ، وأخص بالذكر الكهنة الجدد لكي لا  يسيروا على خطى الاجيال السابقة ، صحيح أن الكهنة تلقوا دراسات في العلوم غير الروحية ،ولكن لا يعني ذلك انهم تأهلوا لاداء ادوارهم في سياق تلك الاختصاصات ، لان الاكليريكي يتلقى الاساسيات لتلك العلوم فقط  فالعديد من المشكلات الاجتماعية التي تُعرض على الكاهن من المؤمنين ،يُزيدها تعقيدا بدلا من حلها، ولا أظن أن بمقدور اغلب الكهنة التمييز مثلا  بين السلوك الجمعي والسلوك الاجتماعي للمؤمنين فلكل منهما  أسبابه وتداعياته، فما حدث أخيرا من أحداث مؤسفة في كاتدرائية الراعي الصالح لابرشية مار أدي في تورنتو في خميس الصعود لم يكن سلوكا أجتماعيا بل يدخل ضمن السلوك الجمعي الذي لا يستطيع تفسيره الا اهل الاختصاص، وليس بامكان الكاهن أيضا ارشاد المخطوبين حينما يلتقي معهم قبل منحهم سر الزواج بطرق تحديد النسل والتخطيط العائلي ،وامور اخرى متعددة لا تدخل ضمن عمله الاساسي ، فليس عيبا أن يرشد الكاهن المؤمن  عند الحاجة الى ذوي الاختصاص ،وهكذا في المجالات الاقتصادية والتخطيط والادارة والسياسة وغيرها ، وفي أرشاده للمؤمن الى مراجعة العلماني المختص يكون مؤشرا لأداء العلمانيين ذوي الخبرات لدورهم فعليا في المؤسسة الكنسية الى جانب الكهنة .
يُفضل الاستعانة أيضا براي العلمانيين عند ترشيح الكهنة للاسقفية ،فهم أكثر تطلعا وأحتكاكا من أسقف الابرشية على أعماله ومدى صلاحيته ليكون اسقفا .
يستحسن أن لا تلعب عوامل المناطقية والانتماءات القروية والعلاقات الشخصية دورا في تحديد مستشاري الكهنة والاساقفة ،بل تعتمد على أسس موضوعية و تستند على المؤهلات الحقيقية لهم ، وقد يُلاحظ أحيانا أن بعض الكهنة يستعينون بآراء غيرهم من العلمانيين تجاه أمور معينة تخص الكنيسة ،ولكن تعتمد عملية أختيارهم على العلاقات الشخصية التي تربطهم ببعض العلمانيين من غير الاختصاصات العلمية المهنية ،او يلجأ الى الاثرياء من العلمانيين كأنما الراي الصائب هو عند هؤلاء الاثرياء،حتى لو كوَن ثروته من بيع الباجلاء ولكن يفتقد الى الخبرة في الموضوع المطروح له ، مما يؤدي الى التخبط والارتباك لمواجهة الموقف المطلوب معالجته.
ليكون دور العلمانيين في الكنيسة ذو فاعلية منظمة ومدروسة ، وعليه يستوجب تنظيم دورهم بلائحة من القواعد التي تُميز أعمالهم ،وتُحدد ما الذي يقومون بأدائه ومتى على الكاهن أستشارتهم ،وتُعمم على الكنائس ،ومساءلة الكاهن الذي يهمش هذا الدور. ويفضل أن تمنح الشرعية لتلك اللائحة من السينودس .
لمنح الاهمية للموضوع وتفعيل دور العلمانيين يستوجب أعلان اسماء المختارين   من المستشارين العلمانيين في كل خورنة وأبرشية ،ويكون للبطريركية دراية  بتلك الاسماء .
واقترح أيضا لاهمية الموضوع أن تُقيم الكنيسة مؤتمرا شاملا يجمع الاساقفة والكهنة والعلمانيين ذوي الخبرات والمؤهلات لدراسة الموضوع ووضع الاسس السليمة لتفعيل دور العلمانيين في الكنيسة بشكل فعال .
 ولا أقصد هنا التحجيم الكلي لدور الكاهن أو الاسقف بالمسائل غير الروحانية ،بل أعتماد مبدأ أبداء الراي والاستفادة من مشاركة الاطراف المعنية في وضع آليات وخطط لتنفيذ العمل المناط  للعلمانيين ، والتخلص من مبدأ " حق الفيتو " للكاهن ،فاذا مارسه ،بوضوح يعني ذلك الرجوع الى المربع الاول وهو يحق للكاهن أن يقرر ما يشاء وما يراه مناسبا لافكاره وتطلعاته ،ويبقى دور العلمانيين مهمشا فعلا ، ولكن اتمنى العكس تبادل الخبرات والاراء لتحقيق دورا هاما وفعليا للعلمانيين لخدمة الكنيسة أنطلاقا من الشعور بالمسؤولية الفردية نحو الاخرين.
أتمنى لكم النجاح والموفقية في أجتماعكم السينودسي المرتقب وشكرا
كندا
في 1 / 6 / 2014. 
                 



106
الرابطة الكلدانية
وقرع أجراس الخطر

د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

                       
                          أطلق غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول بطريرك الكلدان صرخته الابوية الرعوية الشهيرة التي لم يسبقها مثيل لبطريرك كلداني، أو اي بطريرك للطوائف المسيحية في الشرق الاوسط الملتهب والمضطرب  الى العالم بأجمعه ،الى الحكام والى الكنيسة بشموليتها وكل من تهمه المسالة .وذلك في 26 / 4 / 2014 حينما قال غبطته في كلمة له : " اقرع أجراس الخطر ،وأعلن أننا كنيسة منكوبة ". وقد أعلن ذلك غبطته لاستقرائه الميداني المعتمد على الملاحظة  والدقة في ربط المتغيرات للواقع الحالي للكنيسة في العراق . فدعى كل المعنيين الى شد الانتباه والتركيز واتخاذ الاجراءات الجدية للحد من هذه الكارثة .
  يعد اعلان البطريرك لهذه المأساة بمثابة انذار رسمي صادر من اعلى سلطة كنسية ،فالواجب يتحتم على ابناء الكنيسة باكليروسها ومؤمنيها العلمانيين الى تكريس الجهود سياسيا واعلاميا وعلى كل المستويات المحلية والاقليمية والعالمية للتحرك بجدية وكل بحسب ما تتوفر الامكانات والفرصة للمشاركة في الحد من هذه النكبة ،وان لا تقتصر التحركات على الكتابة الانتقادية فحسب وتكرار الافكار عن اسباب هجرة  المسيحيين التي باتت معروفة للكل ،بل يجب أن يكون التحرك شموليا ومدروسا وسريعا، ونابعا من الشعور بالمسؤولية وأدراك الفرد انه امام أختبار انساني تجاه شعب أقتربت ساعته للانقراض ولو من على أرضه التاريخية.
  ولما كانت الكنيسة هي جمع من المؤمنين ،فوجودها مرتبط بوجودهم في بقعة جغرافية محددة ،وتمكنهم العيش بامان وطمأنينة وتوفر كل المقومات الحياتية الاساسية للاستمرار في بيئتهم ،بينما نرى أفتقاد المسيحيين تلك المقومات في العراق، ولا سيما في السنين الاخيرة التي تعرضوا خلالها الى أبشع أصناف الاضطهاد والتهجير، وقلعه من أرض الاجداد وبشكل خاص بعد سنة 2003 للاضطرابات الامنية التي أجتاحت البلد والمنطقة الاقليمية في الشرق الاوسط،مما تسببت تلك التغيرات الى دفعهم لترك المنطقة تدريجيا بصورة جماعية لم يشهد لها مثيل في التاريخ المعاصرلاسباب باتت معروفة للجميع كما ذكرنا ،وأبرزها تلك التي لخصها غبطته في كلمته التاريخية .
أطلق البطريرك صرخته لكي يتحمل كل واحد مسؤوليته للمشاركة في الحد من الكارثة ،ولما كانت الظاهرة متشعبة ومعقدة في تكوينها وحدوثها ،فالمسالة تتطلب التكاتف من الجميع وبمختلف الاختصاصات لوضع السبل الكفيلة التي تنقذ كنيستنا من النكبة ،ويُفترضُ في مقدمتهم السياسيين من أبناء شعبنا في العراق والجماعات الضاغطة منهم في بلدان الانتشار ،ولكن كما يبدو من أستقراء الواقع ، أن الرغبة الحقيقية مفقودة على كل المستويات للتحرك ،وأصبح مكشوفا بان السياسيين ميدانيا لايفكروا بشيء الا بمصالحهم الشخصية ، بدليل منافستهم الهزلية في انتخابات مجلس النواب العراقي مؤخرا كما قرأنا وسمعنا وشاهدنا في مختلف وسائل الاعلام لدرجة وصلت الحالة بهم الى التخوين والنيل من بعضهم البعض من أجل الكرسي.
وأما منظري هذه الاحزاب " أذا صح التعبير " فهم منهمكون لاكثر من عقد في كشف سر مهم من أسرار الكون ،وهو سر التسمية القومية لشعب بيث نهرين  التي اصبحت شغلهم الاساسي، ودون الاكتراث لما يحدث لهذا الشعب المنكوب ، فكل همومهم وجهودهم منصبة على الاصالة لمن ؟ فهم اسرى التاريخ الذي يُكتب بحسب الاهواء والامزجة والايديولوجيات السياسية ،والاخطر من ذلك كتابته من غير الاختصاصيين في علمي التاريخ والاثار .
ولتمتع مفكرينا وقادتنا بهذه العقلية السقيمة والمتقوقعة والاناوية ، لا ارى شخصيا فائدة مرجوة منهم لانقاذ شعبنا من نكبته ومحنته ،ولهذا السبب الاساسي ،من المهم جدا تفعيل مسألة تأسيس الرابطة الكلدانية المقترحة من قبل غبطة البطريرك لتكون منبرا شموليا من خلالها يتحرك المهتمين الى الحد من الكارثة الواقعة على شعبنا المسيحي بكل طوائفه ، رابطة تتحرك من الواقع والمهنية ،  وليس من احلام الامبراطوريات البائدة قبل آلاف السنين ،ولتكن رابطة الجميع ،وأن لاتسعى لمنافسة أحد لكراسي البرلمان او المحافظة ، بل تستند على من يرى مصلحة شعبه لكي ينهض ويستقر ويعيش بكرامة ،فهي لا تسعى الى سحب البساط من تحت الاحزاب السياسية كما يتصور البعض ،لان انطلاقها ليس أيديولوجيا، حيث ان من شروطها الاساسية في طلب الانتماء هو أن يكون المتقدم مستقلا لكي يتحرك وفقا لاهداف الرابطة وليس وفقا لايديولوجية وبرنامج حزبه ، فهي لا تعير اهمية للجدالات التاريخية العقيمة ،وانما تؤكد اننا شعب واحد ومصيرنا مشترك والكل يسند ويحترم الاخر ،لان الجميع مستهدفين في الاضطهاد والتهجير والاعتداء والتهميش ، فهي تتحرك من الواقع وكما هو عليه شعبنا من الاحوال.
سوف تتبنى الرابطة فلسفة شعور الفرد بالمسؤولية تجاه الاحداث التي تصيب شعبنا فينطلق من قدراته وامكاناته المتاحة ليقدم ما باستطاعته فكريا وتخطيطيا وماليا لتحقيق أهداف الرابطة التي ستسهم بدورها في الحد من المخاطر والمشاكل المختلفة التي يتعرض لها شعبنا المسيحي في العراق، تلك المسؤولية التي ستكون مستقلة من الفكر الجمعي المتأثر بايديولوجيات سياسية تتمحور فلسفتها على المصلحة الحزبية الضيقة ،وتُقيد الفرد في ترجمة قدراته في قالب ونطاق محدد لا يمكنه تجاوزه، لانه مكبل بأفكار محددة مفروضة عليه.
ستكون الرابطة الكلدانية ردة الفعل الواقعية والمعبرة لنداء البطريرك مار لويس في اعلانه بان الكنيسة هي منكوبة ،فهي التي تسمع جديا رنين الاجراس التي تُقرع لتنبه العالم أجمع بان كنيستنا في العراق في خطر وان شعبنا على وشك الزوال،وذلك لشمولية اهدافها وبرامجها التي تتوخى الى تحقيقها ، وحياديتها ، وثم انها ستكون بمباركة كنسية ،وأن تحركها لا يتعارض والتعليم الكنسي .فالاسراع والتحرك في دعم فكرة تاسيس الرابطة ،سيكون عاملا اساسيا في المساهمة للحد من النكبات التي يتعرض اليها شعبنا المسيحي بكل مكوناته،لكي توفر عوامل الاستقرار والعيش السليم على أرضه التي رُويت من دم الشهداء في المسيحية على مر العصور.

107
كُتاب شعبنا في ضوء
 محاضرة " سمير خوراني"
عن الاعلام المسيحي
الدكتور عبدالله مرقس رابي

       تناول الدكتور سمير خوراني أمور أساسية عن الاعلام المسيحي في محاضرته الموسومة " أشكاليات خطابنا الاعلامي المسيحي بين الواقع والطموح – مقاربة نقدية " التي القاها في قاعة جمعية الثقافة الكلدانية في عينكاوا في 2 /3 / 2014 . وفي قراءة لمحاور المحاضرة المنشورة على موقع عينكاوا  وقراءتي لمقالات العديد من كتابنا يمكن استخلاص ما يأتي :
  اعتقدُ ان الدكتور سمير، فضلّ أن يطلق تسمية ،الاعلام المسيحي ، بدلا من أن يشير الى التسمية الاثنية لشعبنا تجنبا من مشاكل التسمية العويصة ،وحسناً ما فعل . ومن هذا العنوان يوحي للقارىء بان البصمة والفكر الاكاديمي في الطرح كان جليا في محاور المحاضرة ،اذ لم تظهر أية توجهات أو آثار لايديولوجية سياسية معينة،فالمحاضرة كانت منتظمة بخطة منهجية رائعة وموضوعية ،وقد تناول ابعاد الظاهرة بشمولية واتساق في ربط المتغيرات المعتمدة والمستقلة من خلال استقرائه للمعلومات الميدانية ذات الصلة بموضوع المحاضرة.
    وقد شخص الدكتور خوراني التحديات التي تواجه الاعلام المسيحي ولخصها في متغيرات اساسية وهي : قمع النظام العربي وفرض اللغة العربية ،وهجرة المسيحيين ،والارهاب الاسلامي السلفي وثم العولمة .وهذه المتغيرات تعد بمثابة عوامل خارجية تؤثر في الاعلام المسيحي. فعلا انها تشكل خطرا على تواصل تقدم الخطاب الاعلامي المسيحي لكي يعتمد على الموضوعية والاسس العلمية لتوصيل الرسالة الى شعبنا  ،باعتبار ان الاعلام هو المرآة العاكسة لديناميكية المجتمع في نشاطانه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفنية والعلمية.
      كان الدكتور " خوراني " موفقا في تشخيصه الازمة في لغة وتحليل الخطاب في اعلامنا المسيحي ،وقد استقرأ بموضوعية بأن لغة الاعلام مؤدلجة من قبل الاحزاب السياسية لشعبنا ،فمن تحليل النصوص الاعلامية التي تُبث وتُكتب يتبين أستغلال الثغرات والصراعات التاريخية وأثارتها لغرض التسقيط السياسي ،والتفرقة الاجتماعية ،وألغاء الاخر ،وعدم القبول بالواقع الاجتماعي لشعبنا ،فمثلا ، النص الذي يحتوي بين سطوره عبارات مثل " أعداء الكلدان " أعداء الاشوريين " أعداء السريان " الخونة المتأشورين والمتكلدنين ،المتآمرون،هو نص تحريضي ويثير التباعد والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد ،هل يعي هؤلاء ما هو مفهوم العدوان ؟ فالعدوان الاجتماعي هو أحدى العمليات الاجتماعية التي تُطلق على الصراع الاجتماعي بين فردين أو جماعتين لانزال الاذى بالخصم ،وقد تكون نتيجته القتل أو الاعاقة . فكم مرة وقع العدوان بين الاشوريين والكلدان والسريان يا ترى بحيث حدث القتال ؟ وكم مرة شهرت الحركة الديمقراطية الاشورية سيفها بوجه الحزب الديمقراطي الكلداني ،أو كم مرة شهر المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري سيفه بوجه احزاب شعبنا ومتى رفعت الاحزاب الكلدانية سيوفها بوجه الاحزاب الاشورية والسريانية ؟ ولكن نرى العكس في الواقع الاجتماعي، فأينما وُجدت تجمعات من أبناء شعبنا بمختلف أثنياته ،فأنهم يعيشون بأنسجام وتوافق وسلام ،ولكن العدوان يقع بين كتابنا فقط على المواقع الالكترونية .
       أليس ما تحتويه النصوص الاعلامية لبعض كتاب شعبنا على الشتائم والاستهزاء وكلمات بشعة تعبر عن الرذيلة وبأبشع صورها مؤشرا ت لتدني مستوى اعلامنا ؟ تلك العبارات التي لا يمكن نطقها أذ تقشعر منها الابدان ،وقد تصل الحالة الى ذروتها في الشتائم من خلال الردود تجاه الذي لايتفق مع أفكار الكاتب ،فهي شخصنة لا محال ، وليست الردود من أجل الاحترام المتبادل للاراء ، وقد توصلت الدراسات النفسية والاجتماعية الى أن الصياح والانفعال والهستيريا التي يعبر عنها بالشتائم عند المناقشين سواء لفظيا أو كتابيا، ما هي الا التهرب من المواجهة والتستر خلفها ،فهي اليات الانسان الدفاعية في اللاشعور تطفو الى السطح عند الحاجة. ويعتقد ان مايكتبه هو الحقيقة بعينها ولا يمكن لاحد الاعتراض أو ابداء الرأي لجهلهم أو تجاهُلهم بأن كل فرد أو مجتمع يعد ما يؤمن به هو الحقيقة ،فلا أقول شيئا عن الحقيقة الا ما توصلت اليه أنا وزميلتي الدكتورة فهيمة كريم في الثمانينات من القرن الماضي في بحث مشترك عن" اجرام النساء " ميدانيا في مدينة الموصل .حيث كانت أجابات "الباغيات" في عينة البحث هكذا " في الحقيقة أن ما نقوم به هو فعل سليم وحق مشروع طالما نحن مقتنعات به" ،تصور عزيزي القارىء" الكل" وحتى المنحرفين يبررون أفعالهم بالحقيقة . فأية حقيقة تتحدثون عنها وانتم تبحثون عن ظواهر مرً عليها الاف السنين؟ يتفق علماء الاجتماع على أن"  الانسان يرى الحقيقة وفقا لمصلحته ومألوفات محيطه ،فأذا اتحدت مصلحته مع تلك المألوفات الاجتماعية ،صعب عليه أن يعترف بالحقيقة المخالفة لهما ولو كانت ساطعة كالشمس في رابعة النهار " – الوردي ،مهزلة العقل البشري –.
      وقد تبين أيضا ،ان بعض الكتاب الذين لهم القدرة والأمكانية للكتابة الادبية الفنية الانشائية يتصورون بأنهم محللون اعلاميون وباحثون من الطراز الاول لاتقانهم اللغة نحويا وتعبيريا لاستخدامهم المفردات المتنوعة والبلاغية في نصوصهم الاعلامية ،ولكنها بعيدة عن التحليل العلمي الاستقرائي المعتمد على المناهج العلمية.يقول عالم الاجتماع العراقي " علي الوردي" بصدد اللغة في الكتابة في رد صحفي له عام 1979 عبر لقاء مجلة العربي معه عندما تلقى سؤالا عن سذاجة لغته في الكتابة ،فيقول :" اللغة وسيلة وليست غاية ،وأذا نحن ركزنا على اللغة أكثر من الموضوع الذي نحن بصدد طرحه للقارىء ،لربما لم نصل الى الهدف والغاية ،فنظل نتخبط ونلف وندور ونلهث وراء اللغة والتركيز على المفردة ،وربما قد نبتعد عن الموضوع ونتيه مابين المصطلحات ،أذ أن الهدف هو الموضوع لا اللغة " وهذا هو الرأي الجامع لكل الباحثين المنهجيين .فمعظم الكتاب لايميزون بين اللغة العلمية البسيطة التي لا تحتاج الى القاموس اللغوي لفك رموزها،وتلك اللغة الفنية والبلاغية والمطعمة بالامثلة الشعبية وابيات الشعر التي  لاتعني شيئا في العلم، فهي تعبير عن المكنونات النفسية لقائلها فقط ، وهم يفتخرون ويتباهون في ذكرهم والتلميح للقارىء بأنهم يمتلكون مكتبة ضخمة تحتوي أمهات الكتب،ولكن العبرة ليست بامتلاك الكتب،فأي فرد بمقدوره القيام بذلك مثل اية هواية أخرى ،انما العبرة هي كيف وبأي منهجية وعقلية يتعامل مع تلك الكتب ؟ .
       وقد صنف الدكتور "خوراني " معوقات الخطاب الاعلامي المسيحي الى خارجية وداخلية ،فأعتبر كل مايرتبط من متغيرات ذات صلة بشعبنا هي معوقات خارجية  أحبطت من المستوى الخطاب الاعلامي المسيحي،كالصراع السياسي ومعضلة التسمية والتقوقع الطائفي والمناطقي ،وثقافة البعث الموروثة من النظام السابق التي يقصد بها الغاء الاخر.واما العوامل الداخلية ،فهي في نظره تلك المتغيرات المرتبطة بالاعلام نفسه اي المؤسسات الاعلامية والاعلاميين ،ومن أبرزها ،عدم وجود ثقافة اعلامية، والمقصود بها النقص في الخبرة الاعلامية ،فهو يؤكد أن أغلب العاملين والكتاب في المؤسسات الاعلامية معظمهم هواة أو أدباء ،وعليه سيهتم الاعلام بالفن والادب والتاريخ اكثر مما يهتم بالاعلام كمهنة.وأعتبرالخطاب السائد في الاعلام المسيحي هو الخطاب السياسي المتأثر بالاحزاب السياسية والطائفية ،وهوأعلام لا يعتمد مبدأ الراي والرأي الاخر ،وأنه اعلام غير محترف ولا يحمل نفسا ديمقراطيا .
     وتماشيا مع تطلعاته الاكاديمية ،فقد وضع جملة من المعالجات كمحاولة للحد من معوقات الاعلام المسيحي ومنها ، الاستقلالية والحرية ،وخلق اعلام مهني يتسم بالحيادية ،ويُبنى على أرض الواقع وليس مجرد أحلام ،بمعنى على الاعلاميين معالجة الوضع الراهن وتشخيص المشاكل المعاصرة لشعبنا ،وليس التشبث بالاحداث التاريخية التي قد مرت عليها الاف السنين التي تُؤجج المشاعر الانسانية وتخلق الصراعات بين مكونات شعبنا المسيحي .ويؤكد على نبذ الحس المناطقي والعشائري والمذهبي  في الاعلام ،ويشدد المحاضر على ،أننا بحاجة الى اعلام وحدوي في الخطاب مع الحفاظ على الخصوصية السياسية وقبول الاخر .
   ووضع الدكتور " خوراني " جملة من الاليات تضمن تحقيق البدائل ومنها ، تبادل الخبرات الاعلامية مع مسيحي الشرق الاوسط ،واستثمار رؤس الاموال ،والتعاون والتنسيق بين المؤسسات ،والتوعية الاعلامية لاهمية الاعلام،وحث الشباب الى الاقدام للانخراط في أقسام الاعلام العلمية في الجامعات لكي يتخصص منتسبي المؤسسات الاعلامية ،وأخضاع العاملين الى دورات تأهيلية في الاعلام ،ويؤكد على تبني المؤسسات الاعلامية وجود مختصين مستشاريين في اللغة وعلم النفس والاجتماع والسياسة ،فهي العلوم ذات الصلة بالانسان واجتماعياته وحضارته ،وهي التي تتمكن من الوقوف على المكنونات النفسية للانسان ، والتي تساعد بدون شك في وضع البرامج الاعلامية ،وثم يشير الى اهمية وجود مراكز للدراسات والاحصاء لتقييم وتقويم عمل المؤسسات الاعلامية .
        وقد تميزت محاضرة الدكتور سمير خوراني ببصمتها الاكاديمية في تحليل الظاهرة الاعلامية لشعبنا المسيحي،فهي عبارة عن دراسة شاملة لتغطية الجوانب المتعددة للاعلام المسيحي . وقد أكدت بدوري مرارا في مقالاتي السابقة على تلك الامور التي بحثها " خوراني " منطلقا  لبناء اعلام يعتمد على الاسس العلمية لتفادي الصراعات،والتخلي عن التاريخ السحيق الذي لا يخدم قضيتنا وأنما نلجأ الى حاضرنا ونفكر بمستقبلنا،ونؤكد على قبول الاخر وتوحيد كلمتنا لاننا شعب يتجه ديمغرافيا واجتماعيا للانصهار والاندماج بالمجتمعات الكبيرة بسبب الهجرة الدائمية الى بلدان الانتشار ،ولم تكن مقالة الاستاذ " بطرس هرمز نباتي " الاخيرة والموسومة " لنتق الله ونكف عن هذه المهاترات " الا صرخة من أكاديمي آخر أيضا لكتابنا وأحزاب شعبنا السياسية .والى متى سنتشبث بالتاريخ  ياترى لكي نشتم بعضنا ؟.
     
         

108
نداء البطريرك مار لويس ساكو
لتأسيس الرابطة الكلدانية
د. عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

                   دأب غبطة البطريرك مار لويس بطريرك الكلدان منذ تسلمه السدة البطريركية قبل سنة االى حشد الطاقات من اجل بناء البيت الكلداني الذي تأزم في المستويات المتعددة ، كنسيا ,اجتماعيا وثقافيأ وديمغرافيا بفعل الظروف السياسية المضطربة وفقدان الامن وسيادة القانون في العراق،فهو في دوامة من التفكير والمناقشات البناءة من اجل أيجاد الصيغ المناسبة لمعالجة وحد كل ما يتعرض له الكلدان  والمسيحيين عامة في وطنهم الام من المعانات بمجملها .
       أن ما حقق غبطته ويحقق من انجازات أصبح معروفا عند الجميع ، فمنذ البدء التفت الى الاصلاح الاداري والتنظيمي والمالي في الكنيسة ،بأعتبارها هي التي تجمع وتوحد المؤمنين وتشجعهم على البقاء في الوطن ،فنظم الابرشيات والخورنات بتفقده المستمر لكل منها ،والاطلاع المباشر على أحتياجاتها ،وما الاسراع في تعيين الاساقفة في الابرشيات الكلدانية الشاغرة الا انجازا كبيرا ومؤشرا لابقاء وديمومة الحيوية في الكنيسة الكلدانية ،وأشعار المؤمنين بأن الكنيسة ستحضنهم بالرغم من كل الظروف السيئة التي يمر بها البلد ،فهي علامة ترسيخ مفاهيم البقاء والالتصاق بارض الاجداد ،ومؤشر لاهمية ودور ووجود المسيحيين في العراق الى جنب الاطياف الاخرى من الشعب العراقي .
      وليس خافيا على أحد الدور الذي لعبه وباستمرار في ترسيخ مبادىء السلام والاخوة والعيش المشترك في الوطن الجريح العراق ، فهو يطرح مبادراته على كل المستويات السياسية داخل البلد وعلى النطاق الدولي ،ليس من اجل العراقيين فحسب، بل من أجل دعم السلام في الشرق الاوسط الملتهب والمضطرب بسبب الصراعات السياسية والدولية ،فلا تمر مناسبة الا وشارك بها ليؤكد على نشر السلام وتقديم المقترحات الموضوعية لتحقيقه بين كل الاطياف الدينية في المنطقة ومكونات الشعب العراقي بشكل خاص .
       يضع غبطة البطريرك في أولويات أهتماماته تثبيت ودعم المسيحيين للبقاء في أرض الاجداد،وقد أخذت هذه المسالة بعدا عميقا في تفكيره فهو دائم البحث عن سبل بناءة لمكافحة الهجرة المستمرة من ابناء شعبنا الى بلدان الانتشار . فالى جانب أنجازاته المتعددة في الفترة القياسية من رعايته للبطريركية ،وقد أطلق يوم أمس ندائه ومقترحه الهام الى المؤمنين عامة ،وأصحاب الفكر والمعرفة والقدرات بشكل خاص ليعلن ويطرح مسالة في غاية الاهمية وهي "تأسيس رابطة كلدانية " وما أعلانه لهذه المبادرة للمناقشة الا انعكاس لمدى احترامه للراي الاخر ،وحرصه واهتمامه بمناقشة الامور مع الاخرين والاستفادة من الفكر الجمعي ونبذ الانفرادية في الادارة .
    من مطالعة ما اعلن غبطته مبدئيا وبشكل اولي عن فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية ، أنه يحدد أهدافها برؤية دقيقة وموزونة علمية وشاملة لبناء البيت الكلداني داخليا ،  ومد جسور البناء مع كافة المسيحيين في الوطن من السريان والاشوريين والارمن ،وثم كافة الاطياف الاخرى ،وأهم ما يرمي غبطته من تحقيقه لتأسيس هذه الرابطة ما يأتي :
1 – حشد طاقات الكلدان في العراق وفي دول الانتشار وبالاخص الطاقات الفكرية والثقافية والمالية لتعزيز العلاقات داخل البيت الكلداني ومع الاشقاء كافة لتحقيق الوحدة الكنسية .
2 – تعمل من أجل الدفاع عن حقوق الكلدان والمسيحيين كافة في العراق ،وهذه اشارة هامة تعكس حب البطريرك للانفتاح ونبذه للتقوقع على الذات ،فالرابطة ليست من أجل الكلدان فحسب بل لتعمل من أجل المسيحيين كافة .
3 – ستكون هذه الرابطة قوة ضغط لاستمرار وجود الكلدان في البلد الام من خلال النتائج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي ستحققها .
4 – ومن أهم أهدافها ،الحفاظ على تراثنا المشرقي والكلداني منه .
5 – ومن أبرز مهامها ، الحد من المشكلات الاجتماعية التي يتعرض لها الكلدان في الوطن الام ،منها مساعدة العوائل المحتاجة ،توفير فرص العمل عن طريق الاستثمار وضغطها على أصحاب القرار في الدولة لتحقيق المساوات بين جميع اطياف المجتمع العراقي لمنح الفرصة للاقوام الاصلية الصغيرة في حجمها ،ولكن العظيمة في نوعيتها وكفاءتها في العيش بسلامة وأمان وكرامة تليق بها.
6 – ستكون هذه الرابطة جسرا للعلاقة بين الكلدان في الانتشار والكلدان في البلد الام ،للاستفادة من الطاقات المتنوعة لكلدان المهجر في دعم أخوتهم في البلد .ومن جهة أخرى ستكون جسرا هاما بين الكلدان وبقية المسيحيين من الطوائف الاخرى في الكنيسة الشرقية برمتها من الاشورية والسريانية والارمنية والمارونية والروم الملكية والقبطية ،لتحقيق التقارب والتعاون وتبادل الخبرات .
7 – ستنظم وترتب العلاقة بين الكلدان وأطياف المجتمع العراقي الاخرى من غير المسيحية لتحقيق سبل العيش المشترك بالامان والطمأنينة .
وبهذه المناسبة الرائعة ولهذا النداء القيم من أبينا البطريرك نهيب بكافة المؤمنين من ذوي الخبرة والاختصاص والقدرات الى التجاوب لهذه المبادرة التي لها ابعاد انسانية لتحقيق أهداف سامية تليق بالبيت الكلداني والمسيحيين كافة في الشرق الاوسط ،وليقدم كل واحد مقترحاته وبحسب أمكاناته أينما وجد . فالجميع أمام مسؤولية تاريخية انسانية ترتبط بالمسيحيين كافة .ونتمنى النجاح والموفقية لهذه المبادرة  برعاية غبطة البطريرك مار لويس ساكو،ولابد أنها ستلقى الصدى من الجميع.
كندا
7 /2 / 2014

109
المؤتمر الكلداني العام
النجاح في أتخاذ القرارات والاخفاق في التنفيذ
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

                        قد يتساءل القارىء الكريم ما المناسبة من هذه المقالة وأن المؤتمر عُقد وانتهى ومضى عليه أكثر من ستة أشهر.؟ نعم سؤال مشروع ووجيه ، فالدافع من المقالة هو ربط بعض الكتاب مؤخرا في كتاباتهم مسألة زيارة السيد ريان صادق الملقب ( الشيخ ) الى مدينة ساندييكو الامريكية بالمؤتمر الكلداني في مشيكن .وتساؤل الاخ " لوسيان " الكاتب المعروف في المنبر الحر لموقع عينكاوة لمداخلاته الموضوعية  لمقالات كتاب شعبنا عن موقف المؤتمر الكلداني عن الاحداث الجارية حاليا.حيث جاء في احدى تعليقاته على المقال الموسوم " نقاش مع منتقدي موقف البطريرك وتصريحه الاخير حول هوية الشيخ " للكاتب يوحنا بيداويذ " المؤتمرات الكلدانية الاخيرة فشلت فشلا ذريعا بأن تشكل قائمة أنتخابية وركضت خلف شيخ لدعم مجتمع عشائري بدوي ولكي يحصلوا على اصوات العرب ".وعليه حاولت تسليط الضوء على المسألة.
                  تلقيت في شهر نيسان من عام 2012 دعوة من تنظيم المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد للمشاركة في اللجنة التحضيرية التي ستقوم بتنظيم التدابير اللازمة لاقامة مؤتمر كلداني عام في مدينة ديترويت الامريكية برعايته ،وقد اعتذرت في البداية لعدم التمكن من التواصل لانشغالي ولم يتوفر الوقت الكافي لامنحه للعمل في اللجنة .ولكن لاصرار السادة في قيادة التنظيم لمشاركتي في اللجنة فابديت الموافقة ،وبعد أن اصبحت لي قناعة بأن  الفلسفة  التنظيمية للمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد ،تتميز بمبادىء معتدلة بعيدة عن التعصب والانفرادية بالعمل ،فلبيت طلبهم .  فمن مبادئهم الاساسية هي ، قبول الآخر كما هو لا كما يجب وفقا لتصوراتهم ،يمتلكون نظرة موضوعية للاحداث الجارية في العراق، وبالطبع مايخص شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني ،ويتعاملون بارادة وطنية ديمقراطية ،ويدعون في كل المناسبات الى الحوار البناء والتعاون والعمل الجماعي لتحقيق الاهداف ،ونبذ الانفراد في أتخاذ القرارات ،وهذا ما لمسته فعلا من خلال تواجدي معهم ميدانيا ،مما شجعني الموقف لانضم الى اللجنة التحضيرية مستقلا وبعيدا عن اية تأثيرات أيديولوجية سياسية .
             كان الدافع الاساسي لقادة المنبر في أقامة مؤتمر كلداني عام هو أدراكهم وقناعتهم بعد دراسة واقع البيت الكلداني ،بأن هذا البيت يعاني من التعثر والانفرادية في العمل القومي والسياسي ،وأيمانا منهم بالعمل الجماعي سيحققون الافضل والانسب للخطوة اللاحقة سياسيا وقوميا ( العمل المشترك، توحيد الخطاب القومي الكلداني وصولا الى توحيد التنظيمات ). وبعد مشاورات مع الاحزاب السياسية الكلدانية والمستقلين الناشطين ،تبنى المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد عقد المؤتمر الكلداني العام في ديترويت المدينة الامريكية للفترة من 15والى 19 من شهر أيار لعام 2013 .
        بعد مرور أكثر من ستة أشهر على عقد المؤتمر ،تكونت لي قناعة بان المؤتمرين قد اخفقوا تماما في تفيذ مقررات المؤتمر ، وللتطورات الحالية التي ظهرت ميدانيا واعلاميا حول مسالة الانتخابات البرلمانية المركزية العراقية،ارى من الضروري ان أطرح انطباعي الشخصي عن المؤتمر وتداعياته واشخص اسباب الاخفاق ،طالما كنت على متابعة تفصيلية ومشاركة فعلية في كل الاجراءات التنظيمية قبل واثناء وبعد انتهاء المؤتمر لعضويتي في اللجنة التحضيرية ،ورئاستي لجلسات المؤتمر ومتابعة  الاحداث ما بعد المؤتمر ،وسوف لا تكون النتائج التي توصلتُ اليها مزاجية واسقاطية، لانني أستخدمت أداة الملاحظة العلمية المقننة في جمع المعلومات وتحليلها بحكم عملي باحثا أجتماعيا .
       والملاحظة
 هي من الادوات المهمة المستخدمة في العلوم الاجتماعية للبحث العلمي ،والمقصود هنا ،الملاحظة العلمية ،وليست الملاحظة العابرة،والملاحظة العلمية هي ،الانتباه المقنن والمقصود والموجه لدراسة الظواهر الاجتماعية بما فيها سلوك الافراد والجماعات المتفاعلة بقصد تفسيرها وتشخيص أسبابها لاختبار الفروض . ولعل أهم أنواع الملاحظة ، الملاحظة بالمشاركة أو المعايشة ،التي يتطلب تطبيقها من الباحث ان يؤدي دورا في الجماعة أو المجتمع ،لكي تتقبله الجماعة كواحدا منها لا كباحثا ، ويُفضل الباحثون الاجتماعيون والانثروبولوجيون الملاحظة بالمشاركة ،لانها توفر للباحث الفرصة للحصول على معلومات دقيقة ووفيرة ،ويكون صورة واقعية للظاهرة المدروسة فيتوصل الى تحليل عميق لامكانياته في أستخدام الحواس الخمسة في جمع الحقائق.
    عليه تمكنت من تطبيق قواعد الملاحظة العلمية المقننة والمقصودة أثناء عملي مع الجماعات التي شاركت في المؤتمر في مراحله المتعددة .وفيما يأتي ما توصلت اليه شخصيا ،وأرجو أن لاتعتبر هذه التحليلات بانها تعبر عن راي  أي حزب من الاحزاب المشاركة  في المؤتمر .وأبرز ما توصلت اليه ما يأتي :
1 – بذل السادة أعضاء المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد في مشيكن جهودا أستثنائية في الاعداد والتنظيم والتحضير للمؤتمر من خلال لجنتين ،الاولى ضمت الناشطين  في المجال القومي الكلداني من جميع أنحاء العالم بما فيه الوطن الام لتقوم بوضع المحاور الاساسية للمؤتمر والاتصالات بالمدعوين .واما الثانية تلك اللجنة التي شُكلت للعمل الميداني لاجراء التدابير اللازمة للتهيئة لعقد المؤتمر ، الاموال لتحقيق بيئة ملائمة ميدانيا من حيث توفير السكن للاقامة والقاعات المناسبة لجلسات المؤتمر والضيافة..فأعتمد المنبر على التمويل الذاتي للمؤتمر حصرا باعضائه ومؤازريه من أصحاب رؤوس الاموال ،وكان هذا عاملا مهما لاستقلالية القرارات التي أُتخذت في المؤتمر.
2 – لما كانت سياسة المنبر الانفتاح والعمل الجماعي أنطلق بعض أعضاء اللجنة الى دعوة كل الاحزاب الكلدانية  بدون أستثناء ومنظمات المجتمع المدنية وبعض الكتاب الكلدان والمهتمين بالشأن القومي الاخرين ، ولكن لحسم المواضيع المطروحة بالتصويت لم يكن بالامكان دعوتهم ،وهذا مؤشر على مدى التعصب والتقوقع الذاتي لبعض اعضاء اللجنة غير المبرر  وانعكس ذلك أيضا في أروقة المؤتمر وتنفيذ مقرراته. وقد طرح بعض من الاعضاء في اللجنة من حزب التجمع الوطني الكلداني مسالة دعوة السيد ريان صادق الى المؤتمر ،ولكن لم تحصل موافقة الاكثرية في اللجنة لعدم تمكن صاحب الفكرة من تزويد اللجنة بمعلومات كافية عن السيد ريان صادق سواء كانت شخصية او سياسية أو ثقافية .كما هو معمول به في كل المؤتمرات . علما اكد نفس العضو على امكانيته لدعوة رئيس الوزراء المالكي ومستشاره الخزاعي وتأكيده على حضورهم الى المؤتمر.
3 – دُعيت كافة التنظيمات القومية لشعبنا الكلداني والسرياني والاشوري العاملة في مشيكن لحضور الحفل الافتتاحي.كما دُعيت الاحزاب السياسية العراقية الاخرى كافة أضافة الى القنصل العراقي في مشيكن،وممثلين عن سماحة السيد السيستاني ،وممثلا عن حكومة أقليم كوردستان.
4 – دُعي السادة الاساقفة للابرشيات الكلدانية في شمال أمريكا وهي أبرشية مارتوما في مشيكن ومار بطرس في غرب الولايات المتحدة الامريكية ومار ادي في كندا الى الحفل الافتتاحي فقط ،وعليه لم يحمل المؤتمر صفة دينية على الاطلاق طالما أقتصر حضور الاساقفة الاجلاء على الحفل الافتتاحي والقائهم لكلمات عبرت عن وجهة نظرهم ،ومباركة من غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية،حيث أرسل رسالة خاصة الى المؤتمر وقُرأت في يوم الافتتاح ونشرت في كراس المؤتمر .بالعكس من مؤتمر ساندييكو الذي أُعتبر مؤتمرا بتدخل  جلي من رجال الدين فيه بكل تفاصيله ،أنما في مؤتمر مشيكن لم يكن هناك حضور أو مداخلة من رجل الدين بتاتا في جلسات المؤتمر ،وكنت مقررا ،لو حصل أي تدخل لمنعته ،لان موقفي واضح من تدخل رجال الدين في مثل هذه المناسبات .
5 – توصل المؤتمر الى نتائج أيجابية ولم يتوقعها المؤتمرون لشموليتها وتوافقها مع أهداف ومحاور المؤتمر ،وعليه أن المؤتمر كان ناجحا بالمقاييس التنظيمية طالما أن نتائجه تطابقت مع اهدافه ومقبولة من قبل المؤتمرين كافة ،وأن أية أشارة الى فشله في بأعتقادي غير صحيحة ،أنما الفشل واضح وضوح الشمس في تطبيق وتفعيل القرارات وتنفيذها على ارض الواقع ،وهنا يتحمل المسؤولية الهيئة المنبثقة من المؤتمر واتحاد القوى السياسية الكلدانية الذي تشكٌل نتيجة لمقررات المؤتمر،وبحسب راي وقناعتي ودراستي للموضوع تكمن عوامل فشل تطبيق مقررات المؤتمر الى الاسباب الاتية:
أولا : لم يكن هناك تنسيق كامل ومدروس بين أتحاد القوى السياسية الكلدانية الذي تكون من الحزب الديمقراطي الكلداني والمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد وحزب التجمع الوطني الكلداني وثم الحزب الوطني الكلداني ، ولجنة  المتابعة المنبثقة من المؤتمر التي تشكٌلت من بعض المؤتمرين تطوعا منهم ،وذلك لتنصلهم وعدم شعور معظمهم  بالمسؤولية في المشاركة في العمل الميداني،باستثناء اللجنة المالية التي وضعت خطة عملية لتوفير الاموال باشراف الدكتور بولس ديمكار.
ثانيا : الاسقاطات الشخصية في الحوارات التي جرت بين الاحزاب السياسية في أجتماعاتهم في اتحاد القوى السياسية ولاسيما قيادي الحزب الديمقراطي الكلداني وحزب التجمع الوطني الكلداني ،تلك الاسقاطات التي كانت نتيجة لسوء العلاقة بين قيادي الحزبين منذ تاسيس حزب التجمع ،وقد أستطاع المؤتمر وبامكانية كل من الدكتور نوري منصور السكرتير العام للمنبر الديمقراطي الكلداني الموحد والدكتور نوري بركة من أحتواء تلك العلاقة وسوء التفاهم ،وتعهدهم في نبذ كل ما حصل وطي صفحة الماضي. ولكن لاسباب تافهة جدا برايٌ رجعت كما سبق من العلاقة السيئة والتقاطع التام لمبررات غير مقنعة ،وعلى أثر تلك الخلافات أعلن حزب التجمع الوطني الكلداني الانسحاب من أتحاد القوى السياسية الكلدانية،ولم تفلح المحاولات في أبقائهم واستمرارهم في الاتحاد.
ثالثا : تبين لي أن تسرُع حزب التجمع الوطني الكلداني من الانسحاب لم يكن مفاجئة لان قيادي هذا الحزب كانوا مترددين من الحضور الى المؤتمر ،وكأنما حضورهم هو لارضاء الجهة المضيفة للمؤتمر ،ومن جهة أخرى تصريحاتهم المستمرة لوجود لهم دعم  ووعود من كتل سياسية كبيرة ،وتبين ذلك من قوة عىلاقتهم مع السيد ريان صادق ،ومن أبرز أسباب الخلاف بين الحزبين هو عدم قناعة حزب التجمع الكلداني في المشاركة مع الحزب الديمقراطي الكلداني في الانتخابات البرلمانية القادمة ، اضافة الى مسألة تمويل قائمة الانتخابات التي ستكون تحت مظلة القوى السياسية الكلدانية الموحدة ،مما برروا موقفهم في الانسحاب لتأخر أقرار من وكيف ستمول القائمة الانتخابية ،وسيتبين فيما بعد أنهم لم يرشحوا انفسهم لحد هذه اللحظة لخوض الانتخابات .
رابعا :  كان لتحفظ الامين العام لحزب الديمقراطي الكلداني لفقرتين من الميثاق المبرم بينهم وهما ، عدم ترشيح القيادي الاول والثاني لكل حزب الى انتخابات البرلمان والثانية تجرى القرعة لتحديد ترتيب الاسماء في القائمة الموحدة ،وأصرار قيادي التجمع الكلداني الوطني على الفقرتين سببا في تعميق الخلافات وفقدان الثقة بين الحزبين.
خامسا : بالرغم من الدعوات المتكررة من الدكتور نوري منصور باعتباره الرئيس الحالي لاتحاد القوى السياسية الى تهدئة الوضع وتجاوز الخلافات وتفضيل المصلحة القومية العليا للشعب الكلداني على المصالح والعلاقات الشخصية ،وتأكيده على التصويت على مواضيع الخلاف بطريقة حضارية ، مع الاسف ،فلم تكن هناك أستجابة من الطرفين .
سادسا : بادر المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد وبمقترح تبناه السيد فوزي دلي  القيادي فيه معتمدا على آراء سابقة طُرحت من قبل بعض السادة لتشكيل مكتب عمل لاحياء المحادثات بين الاحزاب السياسية وتقريب وجهات النظر لامكانية الاتفاق لقائمة  كلدانية موحدة للانتخابات البرلمانية .وقد باشر هذا المكتب عمله  بجدية وبجهود أستثنائية وبتواصل مستمر من المحادثات مع الاطراف المعنية ،لا سيما الحزبين الديمقراطي الكلداني والتجمع الوطني الكلداني ،وذلك بعد ان تبين هناك قائمتين كلدانيتين لا محال لخوض الانتخابات هما ، " بابليون " و" اور الوطنية " .
سابعا : بدأ مكتب العمل محادثاته مع قيادي حزب التجمع الوطني الكلداني باعتبارهم من المشاركين في قائمة بابليون ،وصرحوا بأنهم الطرف الرئيسي مع السيد ريان صادق،وأن أحتاج الامر الى مرشحين ،فكل قيادة الحزب سيرشحون انفسهم ،لمسنا في المكتب وجود تناقضات في تصريحات السادة في هذا الحزب وعدم الوضوح في أحاديثهم ،واصرارهم في البداية على عدم التعاطي مع قيادة الحزب الديمقراطي الكلداني وعدم خوض الانتخابات معهم، وبعدها صرح لنا أحد قياديه " لا علاقة لنا بقائمة بابليون ويمكن التفاوض مع السيد ريان مباشرة وهو رئيس القائمة .
ثامنا : كلف المكتب بعض من أعضائه للالتقاء مع السيد ريان لنتمكن من معرفة الحقيقة ومدى امكانياتهم من توحيد القائمتين ،والنتيجة باءت بالفشل لاصرار كل من الطرفين على شروطه .
تاسعا : كان تعامل المكتب مع قائمة بابليون على استناد أن حزب التجمع الوطني الكلداني يتبنى هذه القائمة وهو من المشاركين في المؤتمر .ووجود اثنان من الكلدانيين المشاركين في المؤتمر من ضمن المرشحين في القائمة .
عاشرا : توقف المكتب المكلف بتقريب المواقف لتوحيد القائمتين بالفشل ،ولم يصدر أي تصريح رسمي من اللجنة المنبثقة من المؤتمر  لحد هذه اللحظة لتحديد موقفها من القائمتين وأي منها لها الشرعية من المؤتمر .وعليه لا علاقة لزيارة السيد ريان الى أمريكا بالمؤتمر الكلداني وأنما الدعوة الموجهة اليه هي من الكنيسة في ساندييكو ،بالرغم من تبليغ المكتب لاعضائه من المدينة المذكورة للتريث في توجيه الدعوة ليتسنى الاطلاع على شخصية السيد ريان سياسيا وانتمائيا وثقافيا ولكن بدون جدوى .
ألحادي عشر : تبين لي ان المستقلين الذين شاركوا في المؤتمر بالرغم من أعلان حياديتهم في المواقف ،لكن ظهر نوع من التعاطف مع حزب على حساب الحزب الاخر ،وكتمانهم للصراحة في التعامل وأبداء الرأي ، وأخص بالذكر الناشطين الكلدان في مدينة ساندييكو الامريكية  وأستراليا .
ألثاني عشر : لاحظت أن التركيز ما بعد المؤتمر هو خوض الانتخابات البرلمانية وكانما هي التوصية أو القرار الوحيد المنبثق من المؤتمر الكلداني ، علما أن المؤتمر توصل الى قرارات مهمة للعمل الميداني القومي الكلداني ومن أبرزها تفعيل سبل تقوية الوعي القومي الكلداني،والاعلام ،ولعل الاهم وباعتقادي هو الانفتاح الذي اقره المؤتمر للاحزاب القومية لشعبنا الكلداني والسرياني والاشوري وبناء العلاقات معهم على مبدأ الاحترام المتبادل،والتنسيق مع الكنيسة لتحديد دورها واهميتها  وتعاونها في الحصول على حقوق الكلدان ، والتمويل لتلك الانشطة التي لو بدأ العمل بها لكانت مساندة لعملية خوض الانتخابات.ولكن كل القضايا أُهملت، وكان التركيز على الانتخابات البرلمانية ،الشيء الذي يبدو واضحا أن المصالح الشخصية وتحقيق الطموحات الشخصية كانت بارزة في التعاطي مع البعض بدون أحراج ،مفضلين تلك المصالح على المصلحة العامة لقضية شعبنا بمكوناته الثلاثة ومتناسين هموم وتطلعات شعبنا المضطهد والمحروم من أبسط حقوقه ،ولماذا لا ؟ طالما تلك الاحزاب هي من نفس صنف الاحزاب الاخرى من شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري التي يفتخرون بصراعاتهم وخلافاتهم وانشقاقاتهم المتكررة من أجل شيء واحد فقط هو الطموح الشخصي المتمثل بجموح غرائز التملك وحب الظهور ومرض القيادة وحب التسلط  والانانية القاتلة.

كندا في 8 / 1 / 2014


110
مواقف الكنيسة الكاثوليكية
وتطور العقل البشري
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

        المقدمة
                   ألهدف من هذه المقالة هو محاولة الربط بين مواقف الكنيسة الكاثوليكية التي تُدار شؤونها من الفاتيكان في ارجاء المعمورة ،سواء على الكنائس الخاضعة لها مباشرة أو تلك التي تتمتع باستقلالية ،أو أدارة ذاتية ،مثل كنائسنا الشرقية التي يرأُسها البطريرك وتطور العقل البشري ،أي بمعنى آخر المحاولة للأجابة على الفرضية الاتية : هل تغير تعاطي الفاتيكان مع الكنائس الاخرى والظواهر الاجتماعية والاحداث العلمية والسياسية وغيرها تحت تاثير تطور العقل البشري ؟وعليه تتكون الفرضية من متغيرين الاول موقف الكنيسة الكاثوليكية وهو المتغير المعتمد والثاني تطور العقل البشري وهو المتغير المستقل ،وساعتمد على منهجي تحليل المضمون والمقارن لغرض الوقوف على النتائج . مستندا على مفاهيم ونظريات علم اجتماع المعرفة ،ومن بين هذه النظريات " أن لكل زمان ومكان مفكرون ،تؤثر أفكارهم وتتأثر بالبيئة الاجتماعية السائدة ،والمقصود بالبيئة الاجتماعية : كل نواحي الحياة السياسية والدينية والاقتصادية والثقافية والعائلية والقانونية وغيرها" . وتأتي هذه المقالة تواصلا لمقالات متعددة كتبتها عن الكنيسة لكي تكتمل الفكرة .
          والدافع من المقال هو رد عام عن المقالات التي ظهرت مؤخرا على مواقع شعبنا، ومن قبل بعض الكتاب وبالاخص منهم الصحفي  الدكتور ليون برخو الذي كتب وبالحاح عن الدور السلبي الذي لعبته الكنيسة اللاتينية كمؤسسة في التاثير تاريخيا على الكنيسة الشرقية، وما نتج عنها من ردود أفعال متباينة من الكُتاب الاخرين  .كانت هذه المقالات عبارة عن تحليل صحفي هدفها جذب انتباه واستثارة القارىء، وهذه هي أحدى الطرق التي يتعامل معها الصحفي في الكتابة الصحفية ،وهي في غاية الاهمية لتنبه الباحثين وأصحاب الشأن لدراسة القضية .وتناولت  أي المقالات تحليل الظاهرة انطلاقا من القياس الاستنباطي ،وهذه الطريقة قديمة جدا في القياس وهي ترجع الى عصر الفلاسفة التأمليين ،وباتت طريقة لايُعتمد عليها في تفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية  .  بينما حاليا يتوجه المفكرون الى الطريقة الوضعية الاستقرائية التي تعتمد على جمع البيانات والمعلومات عن الظاهرة المدروسة وتحليلها منهجيا.
        وأستخدمَ أيضا هؤلاء الكتاب نظرية ( البعد الواحد ) في التحليل ،تلك النظرية التي تفسر نشوء الظاهرة في ضوء العامل الواحد ،وهي مرفوضة حاليا في التفسير والتحليل ومثل تلك النظريات /نظرية كارل ماركس في تفسيره لحركة التاريخ الاجتماعي في ضوء العامل الاقتصادي فقط ،وسيجموند فرويد الذي يُرجع نشوء الظاهرة والتفاعل الاجتماعي الى غريزة الجنس فقط ، ولومبروزو الذي فسر الاجرام في ضوء العامل البايولوجي فقط ، وقد ظهرت ردود أفعال لهذه النظريات، فمثلا ظهرت الماركسية الجديدة التي هي أكثر شمولية من نظرية ماركس ، وظهرت نظريات عديدة فندت كل من آراء فرويد ولومبروزر في تفسير التفاعل والاجرام ،وهكذا هؤلاء فسروا التغير الذي حصل في الكنيسة الشرقية في ضوء عامل واحد، هو الكنيسة اللاتينية المتمثلة حاليا بالفاتيكان.

تطور العقل البشري والفاتيكان
                                  كان رأي الفلاسفة القدامى عن العقل هو " أن العقل موهبة طبيعية تنمو من تلقاء ذاتها سواء عاش الانسان في مجتمع أم عاش منذ ولادته وحيدا منعزلا " ظلت هذه الفكرة قائمة عند المفكرين الى القرن السادس عشر حيث بدأت محاولات المفكرين في تفسير ظاهرة العقل على انه نتاج المجتمع، وهو لاينضج وينمو اِلا بوجود التفاعل الاجتماعي ،وقد غَيًر( ديكارت  1596 – 1650 ) مجرى تفسير المعرفة وتحصيلها بطريقة القياس الاستنباطي التي أعتبرت الظواهر مطلقة الى تفسيرها بطريقة القياس الاستقرائي التي تعد الظواهر نسبية في وجودها ،وهكذا بدأت ثورة فكرية عظيمة في الفكر البشري كانت سببا في ظهور النظريات والقوانين العلمية لاحقا وعلى أثرها تغيرت معالم الحياة في الصناعة والزراعة والسياسة والدين والاقتصاد والشؤون الاجتماعية،فشُرعت قوانين جديدة  لتنظيمها.
          وجاء عالم الاجتماع الفرنسي الذي يعد مؤسسا لعلم الاجتماع ( أوكست كومت 1798 – 1857 ) وسماه ( الفيزياء الاجتماعية )ليكتشف ثلاث مراحل تطورية لتقدم العقل البشري وتغير نمط التفكير وهي : المرحلة الاولى : الدينية التي تقوم على تفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية في ضوء المفاهيم الدينية وارجاع نشوء اية ظاهرة الى الالهة،والمرحلة الثانية هي : الميتافيزيقية التي تقوم على التأمل النظري والبحث المطلق وثم المرحلة الثالثة وهي الوضعية التي تقوم على الملاحظة والبحث عن أسباب الظاهرة بمنهجية نسبية غايته كشف القوانين العلمية،وبين أن المجتمعات تتباين في أجتيازها لهذه المراحل .
       فلا بد من دراسة قوانين الحركة الاجتماعية والكشف عن مدى التقدم الذي تخطوه الانسانية في تطورها،لكي نتمكن من أدراك مظاهر الحياة القانونية والسياسية والدينية والاخلاقية والاجتماعية من خلال معرفتنا لظاهرة تطور الفكر البشري.فالتقدم هو سير اجتماعي نحو هدف ما لايمكن الوصول اليه الا بعد المرور بادوار مهمة محددة ،فالمجتمع يسير وفقا لقوانين ضرورية تحدد مسيرة التقدم له والشروط والظروف الملائمة لذلك .فأنطلق الباحثون من مبدأ تعدد القوانين، أو الاسباب المسؤولة في تحديد معالم الظاهرة ونبذ طريقة ربطها بالعامل الواحد، أي علينا عند دراسة الظاهرة أن لا نجردها من الواقع المحيط والمتغيرات المرتبطة بها .   
      لا ينمو عقل الانسان أِلا في حدود ألاطار الذي يضعه المجتمع له ،أي ضمن الثقافة الاجتماعية السائدة ،فلكل مرحلة يمر بها المجتمع " عقلٌ بشريٌ " ألذي يكون نتاج لتلك المرحلة ،فالنظريات وبل القوانين العلمية التي تفسر الظواهر الفلكية الكونية وما توصلت اليه العلوم في المجالات المتعددة كما نرى اليوم ،لايمكن للعقل البشري أستيعابها تدريجيا لو رجعنا تاريخيا الى الوراء .فما كان من فلسفة وافكار في الفترة الميتافيزيقية من التفكير لايمكن ادراكها من قبل المجتمع في التاريخ القديم ،وأن ما أكتشفه وأخترعه العقل البشري من النظريات والافكار في المرحلة الوضعية من التفكير مِثل ما توصل اليه نيوتن واينشتاين وفلسفة سان سيمون واوكست وكارل ماركس وغيرهم ،لم يكن بمقدور الانسان من أستيعابها في العهود السابقة ,ولم يكن بأمكان الانسان في القرن التاسع عشر من أستيعاب قدرة الاجهزة الحديثة في الاتصال والنقل وأختراق الفضاء وما الى ذلك من الظواهر . وقد كان العلماء أنفسهم حتى أواخر القرن التاسع عشر يعتقدون أن الذرات هي أصغر دقائق المادة وغير قابلة للانشطار،وقبل 500سنة كان الناس يعتقدون ان الارض هي مركز الكون والشمس والكواكب الاخرى تدور حولها ،بينما الانسان المعاصر يدرك أن الارض والكواكب هي التي تدور حول الشمس .
     وهكذا بالنسبة الى الظواهر الاجتماعية من القيم الدينية والسياسية والعلائقية والاعراف والعادات والسلوكيات والافعال بشكل عام تباين قبولها من فترة زمنية الى اخرى، فالظاهرة التي نراها اليوم مقبولة ومعقولة قد تصبح بعد فترة مرفوضة،وكانت النظرة اليها مختلفة ايضا في السابق،وقد تكون أيضا نفس الظاهرة مقبولة في مجتمع ما،بينما مرفوضة  في مجتمع آخر . فتعليم النساء قبل 80 سنة كان مرفوضا تماما في مجتمعنا ولكنه أصبح مقبولا في يومنا هذا ،ولم تكن ظاهرة قيادة المرأة وتقلدها المناصب السياسية والادارية مقبولا في القرن التاسع عشر في العالم الغربي بينما تتصدر المراة الرجل في قيادة المجتمع اليوم، والامثلة على هذه التباينات متعددة .وعليه يقول علماء الاجتماع ،شتان بين تفكير القرون الوسطى وتفكير القرن العشرين ونحن في القرن الحادي والعشرين .فهناك مقاييس ذهنية يطبقها الفرد في تفكيره تختلف عما كانت عليه قبل قرن أو أكثر،فالحقيقة المطلقة اليوم فقدت قيمتها وحل محلها النسبية.فما هو حق في نظري ونظرك ،قد يكون باطلا في نظر الاخرين " ولا تخلو أية ظاهرة من محاسن،كما أنها لا تخلو من المساوىء أيضا، فعلينا أن لا نضع عقولنا في قوالب الاسلاف من حيث لانشعر كما عمل الفلاسفة القدامى لحفظهم ما قال السلف لهم.
      أذن كيف نفسر تطور عقل المؤسسة الدينية الكاثوليكية،الفاتيكان اليوم ،موضوع البحث، وفقا للمعطيات العلمية ألانفة الذكر؟ وكيف يتعاطى هذا العقل في مراحل تطوره مع ما حوله من الظواهر بما فيه الكنائس الشرقية؟لنحاول الاجابة على السؤالين .
  الفاتيكان
           لا أُفضلُ الخوض في تاريخ نشوء الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ،ولا أُفضل الخوض في ما تعتقده من المفاهيم الدينية وأختلافها مع الكنائس الاخرى لكي لا أنحرف عن موضوع الدراسة،وليس من اختصاصي من جهة أخرى.وعليه ساتناول كما ذكرت في المقدمة، الموضوع من منظور علم الاجتماع المعرفة معتبرا هذه المؤسسة ظاهرة أجتماعية بمعنى أنها تتفاعل تاريخيا مع المحيط بتاثير متبادل.
تطور عقل الفاتيكان
                      كان المجتمع البشري برمته عند انتشار المسيحية لا يزال يعيش تحت تاثير العقلية التي تفسر الظواهر استنادا الى المفاهيم الدينية ،ماعدا في أثينا وروما اللتان كانتا تحت تأثير الافكار الميتافيزيقية لفلاسفتهم المعروفين من سقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، أي كما ذكرنا أعلاه ان تفسير الظواهر عندهم يرجع الى قوى خارقة ،وكانت فكرة الحقيقة المطلقة هي السائدة بمعنى ان مايؤمن به الانسان هو مطلق بالنسبة له ،فلكل جماعة بشرية آنذاك افكار دينية تؤمن بها وتعد مطلقة لا جدال عليها وكان هذا النمط من التفكير أحد العوامل الاساسية التي أدى الى الانشقاقات في الكنيسة المسيحية ،أضافة الى عوامل سياسية وبيئية أخرى .
             فالكنيسة الرومانية ومعها الكنائس الاخرى الشرقية أعتقدت بمفاهيم دينية أعتبرتها مطلقة في الكمال ،فمن دراستنا لتاريخ الكنيسة نكتشف ظهور جماعات بشرية اعتقدت بمفاهيم دينية وفقا لمعايير أبتدعتها لتبرر عقيدتها ،فلم تكن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية هي الوحيدة التي اعتبرت ما تؤمن به هو المطلق وله الكمال ،بل النسطورية والارثودكسية أيضا امتازتا بتلك العقلية التي هي عند الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ،ولاستمرارية العقل البشري تحت تأثير هذه المرحلة،ظلت الكنائس ترشق بعضها البعض باتهامات الهرطقة وبطلان تعاليمها والتحريمات المتبادلة على مر العصور.وكما نوهت أعلاه أن تغير نمط التفكير يتباين من جماعة الى أخرى ومن زمن ألى آخر ،بالطبع فأن المؤسسة الدينية تكون أشد من غيرها التزاما وتشبثا بالحقيقة المطلقة من المؤسسات المجتمعية الاخرى .وبدليل أن المذاهب المسيحية أصرت التمسك بما تؤمن به ولا تعترف بالاخر،بالرغم من المجامع المسكونية المعروفة التي عُقدت لمحاولة الخروج بنتائج لوحدة الايمان، ولكن كانت تنتهي تلك المجامع بتعميق الخلافات والتحريمات ،وأتساع الفجوة بينها، وهكذا الحال في الاديان الاخرى غير المسيحية.
         ومن جملة المؤثرات البيئية الاخرى التي أثرٌت بالكنيسة الرومانية هي طبيعة النظام السياسي الامبراطوري الذي استمر في ترسيخ شرعيته بمباركة الكنيسة فأصبحت سلطته مطلقة في كل نواحي الحياة، وكانوا هؤلاء سندا لسلطة الكنيسة وتشريعاتها  من جهة أخرى ،أي علاقة متبادلة وتأثير متبادل ،فلم يقتصر رفض كل جديد على الكنيسة بل أيضا الحكومات وافراد المجتمع الذين خضعوا لملوكهم خضوعا تقديسيا رفضوا كل جديد في المجتمع ،وللاسناد المتبادل بين الاقطاعيين والكنيسة ،أصبحت مسالة تلقي العلوم محظورة على من لاينتمي الى طبقة النبلاء والكنيسة ،ولهذا السبب يُذكر تاريخيا وجود دور كبير وعظيم للكنيسة في تطوير العلوم بمختلف المجالات فالعديد من العلماء في الطبيعيات والعلوم الاجتماعية كانوا من الرهبان والعديد  من الافكار التي تبنت نشوء التكنولوجية بدأت في الاديرة ،وهذا مؤشر اِيجابي لدور الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الذي يهمله الذين ينقدونها.
          ومن العوامل الاخرى المهمة التي تأثرت المؤسسة الكنسية الرومانية بها هي ،تلك النظريات العنصرية التي رسخت افكارا ومواقفا عنصرية للجماعات البشرية تجاه بعضها، وأخص بالذكر التي أدعت على تفوق الانسان الابيض الاوربي على باقي سكان المعمورة ،وأعتبر نفسه سيد الجنس البشري ،وقد دلت الاحداث التاريخية – لست الان بصددها – اِن الاوربيين تعاملوا مع المجموعات البشرية التي سيطروا عليها بعد تطور وسائط النقل والاكتشافات الجغرافية ما وراء البحار تحت عقلية عنصرية تأثرا بتلك الافكار .
 وهنا قد يُطرح سؤال ،ما علاقة المؤسسة الدينية بتلك الافكار العنصرية ؟ الجواب بسيط ، طالما أن المؤسسة تُدار من قبل البشر وهؤلاء تلقوا تنشئة اجتماعية في طفولتهم ورسخت في عقولهم مثل تلك الافكار ،فبالرغم من تلقيهم التنشئة الدينية أثناء اعدادهم وفقا للتعاليم المسيحية ،لكن ستظل التلقينات الطفولية ملازمة للفرد ،انما في العقل الباطني ،وعندما يتعرض الى موقف ما قد تُثار تلك الافكار ويعبر عنها لاشعوريا بالرغم من أنه رجل دين ،وهنا أود الاشارة ألى أن هذه الحالة لا تنطبق على من هو من العنصر الاوربي فقط بل على جميع الناس ،وعليه من يكتب عن ما أقترفه رجال الدين في المؤسسة الدينية الكاثوليكية تجاه الاخرين ينبه القارىء ،ان تلك التصرفات لاتخصها وأنما عامة في البشرية  .
مدى تاثير العقلية الفاتيكانية على الكنيسة الشرقية ؟
                                                      ألاحظ من الكتابات الاخيرة حول العلاقة التاريخية بين الكنيسة الرومانية اللاتينية "الفاتيكان " والشرقية، يفسر أصحابها تلك العلاقة دائما بالتاثير السلبي لكنيسة الرومان الكاثوليكية على الكنيسة الشرقية، ويعزون أسباب التغيرات الحاصلة في الكنيسة الشرقية الى عامل واحد وهو الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وساطرح وجهة نظري في الظاهرة هذه كما يأتي:
لا أحد يمكن ان ينكر الاثار السلبية التي تركتها الكنيسة الرومانية على الكنيسة الشرقية ،بدليل الانشقاقات التي حدثت فيها ،ولا أريد ان اكرر تلك الاثار حيث بحثتها في مقالتين سابقتين .ولكن لكي أكون أكثر منهجيا في طرحي للمسالة ،لابد الاجابة على هذا السؤال ،هل الكنيسة الرومانية كانت المسؤولة الوحيدة لتلك الاثار ؟ بالطبع من مراجعة تاريخ الكنيسة الشرقية يتبين وباختصار ،أن ثمة عوامل داخلية كانت أكثر قوة في التأثير على الكنيسة الشرقية وهي:
1 - نظام الوراثة التي آلت اليه الكنيسة في الرئاسة البطريركية عام 1450 وفقا لمرسوم أصدره الجاثليق شمعون الرابع " شمعون الباصيدي "لكي تنحصر الرئاسة البطريركية في اسرته بحيث تتوارث لابن الاخ أو لأبن العم. وبعد موت شمعون السابع المعروف "أبن ماما " سنة 1551، قبل قسم من النساطرة بأبن أخيه " دنخا " خلفا له على الكرسي ،بينما أعترض قسم آخر فاختاروا رئيس دير الربان هرمزد " سولاقا دانيال " لكي يكون بطريركيا ولكن باتحاد مع روما . اشتد الانشقاق وعزم العديد من النساطرة الى الانضمام للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عندما ظهرت حالة لايمكن أن يتقبلها ويدركها عاقل وهي أختيارالبطاركة بحكم الوراثة  وهم في سن الطفولة وكانت لهذه الظاهرة تداعيات سلبية في ادارة الكنيسة الشرقية النسطورية فيما بعد ،وأصبحت هذه القصة معروفة للجميع لاحاجة للتفاصيل ،ولكن المهم أنها تعد مؤشرا أساسيا لانشقاق الكنيسة الشرقية .
وعليه بدأ تدخل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في تنظيم المنضمين الجدد اليها ،فتوجهت الارساليات الرهبانية اللاتينية الى المنطقة ،وقد تركت تلك الارساليات آثار أيجابية على أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في الوعظ الديني  والتعليم والصحة والثقافة وقدمت خدماتها لكل المذاهب ولغير المسيحيين أيضا ،(وأحيل القارىء الكريم الى كتاب الشماس المعروف" بهنام حبابة" الموسوم " الاباء الدومنيكان في الموصل " حيث التفاصيل عن تلك الخدمات) .
والمهم هنا لكي نربط متغيرات البحث لابد طرح السؤال الاتي :هل يعتقد أحد لو تأمل جديا بما قدمته أعلاه من صورة تكوينية لعقلية الكنيسة الرومانية في تأثرها بما أُحيطت به تاريخيا، سوف لن تنعكس في تعاطيها مع الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في ذلك الزمان ؟بالطبع أنعكست في ظل تلك العقلية ،ولكن لم تكن الكنيسة الرومانية في ذلك الزمان لوحدها تمتلك تلك العقلية بل كل الكنائس والاديان الاخرى كما وضحت أعلاه ،وعليه أن لانفهم علاقة الكنيستين بتجريدها من العوامل الاخرى الموضوعية والذاتية .
2 – من العوامل الاخرى التي أثرت على الكنيسة الشرقية النسطورية هو التخلف الثقافي والاجتماعي لابنائها من جراء ما خلفه نظام الوراثة البطريركية والبطاركة الاطفال من الصراعات الداخلية بين أبناء الكنيسة الشرقية والجمود الفكري والتخلف الذي أصابها جراءهذه المسألة ،مما حاول البعض تجنب ذلك الوضع بدخولهم الى الكثلكة.
3 – تعرض كل من الرؤساء الدينيين في الكنيستين الى الاستغلال من قبل الحكام المحليين مما دفع بعضهم الى ابرام اتفاقات محلية عشائرية مع أولئك الحكام للنيل من الجماعة الاخرى مما خلف ذلك نوع من الكراهية وفقدان الثقة والتحريمات الدينية بين الجماعتين فتوسعت الفجوة الاجتماعية والفكرية  بين أبناء الكنيستين.
4 – تعتبر الفترة التي تزايد عدد االمؤمنين في الكنيسة الشرقية الذين تحولوا الى الكثلكة أحلك الفترات وأشدها توترا بحيث تمخضت عنها الاضطهادات تجاه أبناء الكنيسة الشرقية من قبل الاتراك وبعض من آغوات الكورد في ظل نظام سياسي ديني وعشائري متخلف.
5 – وأما مسالة التراث والطقوس في الكنيسة الكلدانية ،لايمكن وضع اللوم كله على الفاتيكان في تغييرها ،وقد يرجع السبب الى عوامل أخرى ترتبط بالظروف الموضوعية المحيطة بالكنيسة نفسها ،فهي تقع جغرافيا ضمن دول فرضت على أبناء الكنيسة لغتها الرسمية كالعربية والفارسية والتركية ،مما أدى الى تراجع اللغة الكلدانية( سميها ما تشاء لا يهمني ) تعليميا وحتى تربويا في العائلة وأخص بالذكر عند هؤلاء الذين عاشوا في المدن، فاذا لم يفهم المؤمن في الموصل أو بغداد وبالاخص الاجيال الحالية اللغة الكلدانية فما الفائدة من حضوره الى الكنيسة ،لان المعروف ،لابد من المصلي ان يندمج مع صلاته ويكون واعيا لها لانها واسطة بينه وبين الرب،لابل أن المؤمنين جميعهم لايفهموا وحتى أغلب الشمامسة اللغة الكلدانية المقروءة في الكنائس أذ يرددونها كالببغاء ،وللوقوف على هذه المسالة أقوم بين حين وآخر بطرح سؤال لبعض المؤمنين عن شرح معنى صلاة "لاخو مارن وقديشا آلاها التي نرددها في القداس الالهي ومن أبناء القرى ،يكون الجواب لا أعرف !!. وبل أيضا ضمن هؤلاء من شمامسة هذا الزمن، فلا أعتقد أن للفاتيكان تدخل وأثر يذكر في هذه المسألة المهمة لان البطريرك يوسف أودو وضع حدا لها  .ولكن ثمة عوامل أخرى علينا أن نبحث عنها بدلا من أتهامنا للفاتيكان في محو هويتنا وطقوسنا .وذلك أن القوانين التي تؤكد على أستمرارية اللغة والطقوس لكنائس الحكم الذاتي واضحة كما أشرت اليها في مقال سابق لي.
6 -  التغير الاجتماعي والاقتصادي والتكنولوجي بسبب المدنية  والتصنيع التي اجتاح المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية ،كان هذا التغير سببا رئيسيا في تغير ظروف العمل والتعليم والوقت المتاح للانسان وتقيده بتعليمات البيروقراطية الادارية ،فلم يعد وقت الانسان ملكا له بل للمؤسسات التي يعمل فيها ،ولمن يعمل ،وبدورها أثرت في نزعته الدينية والوقت الملائم لصرفه في أداء الطقوس وحضوره في الكنيسة ،وعليه باتت تلك الطقوس التي مورست في كنائسنا في القرن التاسع عشر وبداية العشرين لاتتوافق وتنسجم مع نمط الحياة منذ منتصف القرن العشرين ،فمثلا اذا لم يعتاد المؤمنون الحضور الى صلاة الرمش والصبح، فلمن يؤديها الشمامسة والكهنة؟علاوة على مبدأ الانتشار والاقتباس الحضاري بين المجتمعات وبالاخص الذي ازداد وِزره في عصرنا ،حيث بسب الاحتكاك لابد وان تدخل الى ثقافتنا الطقسية واللحنية مستجدات او أنماط من ثقافات مذهبية أخرى قد تنسجم مع واقعنا الحالي وهذه المسالة لايمكن السيطرة عليها طالما هناك قانون الانتشار والاقتباس الحضاري . 
 
 أذن كيف بدأ تغير عقل الفاتيكان ؟
                                      الكل على معرفة من التغير الهائل في جميع نواحي الحياة الذي افرزه التقدم في التفكير البشري في جانبيه المادي والاجتماعي ،وكما اشرت اعلاه منذ منتصف القرن السادس عشر بدأت بوادر التغير في البحث العلمي ،فبدات المرحلة الوضعية في الدراسة .فتغيرت العقلية التي تعزو تفسير وحدوث الظواهر والحركات الاجتماعية الى قوى خارقة الى عقلية تعزوها لاسباب وضعية ،فظهرت النظريات العلمية الجديدة في مجالات المعرفة كافة، الطبيعية والاجتماعية ، وعلى اثرها انبثقت ثورة تكنولوجية وثورة في الفكر الاجتماعي والسياسي والاقتصادي  ،وكان من نتائجها التغير السريع في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية ،فأنهار النظام الاقطاعي الذي كان السند الاساسي للكنيسة ،فبدات الطبقة الوسطى في المجتمع تلعب دورا رئيسيا في شؤون المجتمع ،وبدأ نظام الدول القومية ،وأضطرت الحكومات الجديدة الى سن قوانين جديدة تواكب التغيرات التي حصلت في بلدانهم ،فظهرت قوانين تخص الاسرة والعمل وعن المراة والتعليم والاعلام وحرية الفرد والفكر وفي جميع مجالات الحياة .كل هذه التغيراة أثرت تدريجيا في العقل البشري ومواقف الافراد تجاه الظواهر ومنها الدينية.
                     بدأ تدريجيا يتقلص دور الكنيسة امام تحديات العقلية البشرية الجديدة ،وكان المنعطف الجديد في التغير هو بعد انهماك الدول الاوربية وماتلقته المجتمعات الاوربية من المآسي في الحرب العالمية الثانية ،فحصلت تطورات عظيمة في الفكر البشري وكان من نتاجها اعلان لائحة حقوق الانسان التي كانت عاملا اساسيا في تغيير معالم الحياة العامة ليس في اوربا لوحدها بل في العالم كله . واستمرت الاكتشافات والاختراعات في مجالات متعددة وشرعت قوانين جديدة لظواهر غير مالوفة سابقا في حرية الاعلام والحقوق المدنية والشخصية والتعبير عن الرأي وحرية المرأة ومساواتها مع الرجل ورعاية الطفولة ،كل هذه التغيرات جاءت على أثر النظريات العلمية التي وضعها علماء النفس والاجتماع والانثربولوجية والسياسة  والاقتصاد والادارة،وترجمها الى ارض الواقع السياسيون في حكوماتهم. 
               أستمر العقل البشري في التقدم ،فأحدث تغيرا هائلا في العقدين الاخيرين من القرن العشرين بسبب الاختراعات الالكترونية .وعلى أثرها تطورت وسائط النقل السريعة ووسائل الاتصال والاعلام وأستخدمت في كل مجالات الحياة ، وعلى كل المستويات وبمتناول كل الافراد ولم تكن حكرا لطبقة دون اخرى أو لفئة عمرية دون أخرى ،وبأختصار جعلت من العالم قرية صغيرة. ولازلنا في هذه المرحلة من العقل البشري والله أعلم ما الذي سيعقبها.
      هل نعتقد أن الكنيسة كانت بمعزل عن هذه التغيرات التي حصلت في البشرية ؟ بالطبع كلا ، لاسباب أهمها تراجع النزعة الدينية عند الافراد ،فقدان الكنيسة لسلطتها في تشريع القوانين التي تنظم الحياة الاجتماعية ،انضمام جيل من رجال الدين اليها يتمتعون بعقلية المرحلة الجديدة من تطور العقل البشري .  وعليه كانت نتائج المجمع المسكوني الذي عُقد في مطلع الستينات من القرن الماضي في روما أكبر برهان موضوعي ومؤشر واضح على التغير في " عقل الفاتيكان " تجاه التغيرات الحاصلة في المجتمع البشري وتفهم الوضع الراهن لكي تواكب هذه التغيرات ،فمنذ ذلك الحين بدا البابا بولس السادس في تشكيل لجنة موسعة لاعادة النظر في القوانين التي تنظم علاقة الفاتيكان مع الكنائس الاخرى ، وأولى التجديدات هو الاعتراف بالكنائس الاخرى وطي صفحة الخلافات والتحريمات التي ابعدت بين الكنائس في السابق ، وهناك أمثلة متعددة لانفتاح الفاتيكان مع الكنائس الاخرى في العقدين الاخيرين ، أولها تقارب مع الكنيسة الشرقية النسطورية في عقد التسعينات في تشكيل لجنة مشتركة لدراسة أمكانات الشركة بين الكنيستين ،وأملنا أحيائها من جديد من قبل غبطة البطريرك مارلويس روفائيل  الاول ويستجيبوا له غبطة البطريركين مار دنخا ومار أدي ،وثم الانفتاح الى الكنيسة الارثودكسية ،فكم هي مؤثرة عبارة رئيس أساقفة السريان الارثودكس في حضوره للصلاة التي دعى اليها البابا فرنسيس من أجل سوريا حيث قال " أن بادرة البابا فرنسيس ودعوته الى سهرة صلاة من أجل سوريا تُظهر لنا كيف ان الصلاة قادرة على تغيير مجرى التاريخ " والمقصود هنا تغيير العلاقة بين الفاتيكان والكنيسة الارثودكسية . ولعله الزيارة الاخيرة للبابا" تاوضروس" للأقباط الارثودكس الى الفاتيكان والتي اعتبرها زيارة محبة وتعميق المودة والسعي نحو الوحدة الايمانية ،خير دليل على أنفتاح الفاتيكان .
    ولم يقتصر أنفتاحها على الكنائس الاخرى بل الاديان الاخرى .فالحوار بين الفاتيكان والاسلام متواصل عبر لجان خاصة، وقد أشاد " أكمل الدين أحسان أوغلو " الامين العام لمنظمة التعاون الاسلامي برؤية البابا فرنسيس المنفتحة على الحوار بين الاديان ،ودعوة البابا الاخيرة لشيخ الازهر للعودة الى الحوار ورحب الاخير بها. وأختم هذه الامثلة بالدعوة التي وجهها البابا فرنسيس الى رئيس تحرير جريدة " ريبوبليكا " الايطالية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والناهضة عادة للاكليروس والكنيسة بشكل عام ردا على رسالتين قد بعث بها رئيس تحريرها " أوجينو سكالفاري " وكان جواب البابا صدمة أيجابية ومثيرة لرئيس التحرير عندما عبر البابا عن قناعته بانه  "من الاهمية بمكان أن يتم الحوار بين ملحدين ومؤمنين عن موضوع هام مثل موضوع الايمان ،بل هو واجب ينبع من طبيعة الايمان المسيحي الحوارية".
ومن هذا التحليل المقارن بأمكاني قبول الفرضية التي وضعتها في المقدمة التي تؤكد على وجود علاقة بين تطور العقل البشري ومسالة تعاطي الفاتيكان مع الاحداث المجتمعية والكنائس الشرقية الكاثوليكية منها والعامة.
أذن ما المطلوب ؟
                أنطلاقا من مبدأ النسبية العلمية ، وصحة هذه الفرضية ،علينا أن ندرك ونأخذ بقانون حتمية التغير،فالتغير لا بد منه في كل المجتمعات وفي كل الازمنة ،وأن كان نسبيا في سرعته بين المجتمعات ولكن لابد منه ،وعلينا القبول أيضا لكل زمان عقلية بشرية تؤثر في التفكير وثم يحدد هذ التفكير المعايير والمقاييس التي يرى ويفسر الانسان الظاهرة انطلاقا منها .وثم علينا أن ندرك أن محاولة تفسير أية ظاهرة وفقا لعامل واحد لا تصلح لهذا العصر من العقل البشري.
            علينا أن نركز على الحاضر والمستقبل، وكل المؤشرات العلمية تؤكد على أنهما السبيل الى التقدم وليس العيش في ذكريات وما قيل في الماضي ،وان لا نستغل صراعات الماضي التي وجدت لذلك الزمان في علاقاتنا اليوم ،فما ذنبنا نحن بما أقترفه اجدادنا قبل مئات السنين لا بل قبل آلاف السنين فأية عقلية تستسيغ هكذا تفكير ؟ أذا قبلنا بهكذا عقلية ،فعلينا أن نقبل بما وضعه في حينها صدام حسين عن معاقبة أبن العم او أو أو، فيما اذا انضم أحد الى المعارضة لحكمه ،تؤكد لائحة حقوق الانسان وكل القوانين الوضعية أن الشخص هو المسؤول عن فعله وهو يتحمل تبعاته ،فما ذنبنا نحن الكلدان والاشوريين والسريان المعاصرين أن نتحمل تبعات الماضي، وهذا ينطبق على كل الحالات سواء الفاتيكان أم غيرها . هكذا يقول المنطق النسبي العلمي الحديث أما أذا أخذ أحد بالمنطق القديم معناه انه يعيش في الاغتراب عن واقعه.
           وختاما أقول كما أكده عالم الاجتماع الكبير الدكتور علي الوردي " المشكلة أن البعض لا يعترفون بوجود فكر جديد ولا يهتموا بما أكتشف العلماء اليوم في النظريات تكاد تنسخ النظريات القديمة ، حيث يعيش أحدهم بين الكتب القديمة وهو يكاد لا يخرج منها وقد تراه أحيانا مغرورا بها،يظن أنها جاءت بالقول الفصل ولا حاجة له أذن بالسعي وراء علم جديد ".فاقول أخواني القراء الكرام يكتفي أن تهزنا الكتب التاريخية التي غالبا ما تكتب لاسقاطات شخصية أو أيديولوجية أو لمنافع شخصية فهم وعاظ السلاطين .وأن قرأ أحدنا الكتب التاريخية ،أتمنى أن يخصص بعض من وقته لقراءة كتب الانثروبولوجية والاجتماع والنفس فهي التي تقوده الى معرفة النفس البشرية .
واترككم بتمنيات سعيدة بمناسبة عيد الميلاد المجيد وراس السنة الميلادية الجديدة ،متمنيا أن تكون سنة خير لشعبنا الاشوري والسرياني والكلداني ولعراقنا الحبيب والبشرية جمعاء .
وأخيرا أقدم شكري لكل القراء الكرام الذين يتابعون ما أكتبه ،وشكري للاخوة الدكتور ليون برخو وعبدالاحد سليمان بولص وزيد ميشو ولوسيان وغيرهم لم تسعفني الذاكرة بأسمائهم الذين اثنوا في مداخلاتهم على مقالاتي السابقة.
المصادر المعتمدة في البحث هي 20 مصدرا فلا أتمكن من وضعها لكي لا تأخذ مساحة أكبر.
كندا في 22/ 12 / 2013

 
 

   
                           

111
تداعيات ،لعدم وجود السلطة للبطريركيات المشرقية الكاثوليكية على ابرشيات الانتشار
 على أبرشيات الانتشار

د. عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي

مقدمة

              أنطلق في هذه المقالة لتحليل العلاقة بين الكرسي الرسولي في الفاتيكان والكنائس المعروفة بالكنائس الشرقية التي أتحدت في شركة الايمان من القوانين التي وضعتها الكنيسة في روما لتنظيم علاقتها الادارية والايمانية مع الكنائس المذكورة ،وهنا أتجنب المداخلة في المسالة الايمانية ذلك الجزء الاساسي من المؤسسة الدينية لانه لا شأن لي به فهو خارج عن أختصاصي ،انما ساركز على الجانب العلائقي الاداري وأليات تنفيذ هذه العلائق.
      ياتي اعداد هذه المقالة بدافع القاء ضوء على بعض القوانين التي تنظم العلاقة بين الكنائس الشرقية الكاثوليكية وكرسي روما الرسولي لمناسبة أنعقاد اعمال " الجمعية العمومية لمجمع الكنائس الشرقية الكاثوليكية" بعد خمسين سنة من أنعقاد المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني ،وقد بدأت أعمالها في 19 من الشهر الجاري وانتهت في 22 منه .
       تحدث في الجلسة الافتتاحية " مار بشارة بطرس الراعي " بطريرك الموارنة متناولا في القسم الاول من موضوعه "هوية الكنائس الشرقية القانونية والليتورجية والمجمعية " في ضوء الافكار المطروحة منذ انعقاد المجمع الفاتيكاني الثاني،ومن النقاط الاساسية المطروحة في المذكرة المقدمة الى البابا فرنسيس " علاقة الكنائس الشرقية مع الكرسي الرسولي الروماني ،الكنسية والادارية والراعوية في الشرق وعالم الانتشار ". وفي البيان الختامي تم التاكيد على هذه النقاط البارزة.
     يدل بوضوح ان البطاركة الاجلاء المجتمعين في جعبتهم مسالة مهمة شددوا عليها وهي تنظيم أو اعادة النظر في القوانين الكنسية الشرقية التي تنظم العلاقة الادارية مع كرسي روما ،ولاسيما سلطة البطريركيات على ابرشياتها في بلدان الانتشار. ومن هنا تأتي أهمية تسليط الضوء على النظم الادارية لانه لابد أن الاجتماع قد يشكل لجانا لدراسة المواضيع المطروحة.

مقتضب عن تاريخ تنظيم القوانين
                                       كانت ولا تزال الكنائس الشرقية الكاثوليكية منذ شراكتها الايمانية مع الكرسي الرسولي في روما بين فترة واخرى في مناقشات ومداخلات حول المسائل السلطوية والطقوسية لكنائسهم مع كرسي روما الرسولي ،أنما المسالة الايمانية كانت محسومة منذ البدء باقرار ايمان موحد ،وألا أن لم يكن الايمان نفسه فلم تتم الشركة.  
     مرت مسالة وضع القوانين الكنسية الخاصة بالكنائس الشرقية الكاثوليكية لتنظيمها وتنظيم علاقتها مع الكرسي الرسولي في روما بعدة مراحل بدأًًًًً من اليوم الذي أعلن فيه البابا بيوس التاسع أهمية تنظيم قوانين تخص الكنائس الشرقية ،وعلى أثر هذا الاهتمام اسس "مجمع نشر الايمان للشؤون الطقسية الشرقية "عام 1862 .
      رأت اللجنة المكلفة للتحضير لانعقاد المجمع الفاتيكاني الاول ،أن الكنائس الشرقية بحاجة ماسة الى مجموعة من القوانين الكنسية يقوم عليها تنظيمها الكنسي ،أنما هذه اللجنة عدلت في وقت لاحق عن رأيها مقترحة نظاما واحدا للكنسية بأسرها . وقد أدى هذا التغير في الرأي الى أرتفاع الاصوات المشرقية في قاعة المجمع تأييدا لحماية النظام الكنسي الشرقي ،ومن ألمع الذين تحدثوا وأعترضوا هو البطريرك يوسف أودو بطريرك بابل على الكلدان ،أِذ دافع في الجلسة السادسة عشر للمجمع بقوة عن التنوع " فيما لايمس الايمان " .على أثرها توقف المجمع الفاتيكاني الاول قبل تمامه لتدهور الاوضاع .ولو لا هذا البطريرك لاصبحت كل الكنائس الشرقية بأسرها المعروفة اليوم تعمل بالطقس اللاتيني .  
      ثم تشكلت لجان مشتركة من خبراء الشرقيين والكرادلة في روما ،فأُقرت القوانين تدريجيا ،وأُعيد النظر ببعضها ألآخر،وثم أُقرت البعض الآخر في مجمع الفاتيكاني الثاني ،وفي عهد البابا بولس السادس شُكلت لجنة حبرية عام 1972 لأعادة النظر في القانون الكنسي الشرقي وأُعلن  عن ما توصلت اللجنة اليه تباعا.ولا تزال تُستحدث قضايا تستوجب صياغة قوانين جديدة أو أعادة النظر بالقوانين المعمول بها .

بعض القوانين الكنسية
                  اِن بعض من القوانين التي تنظم الكنائس الشرقية الكاثوليكية والتي تعتبر متمتعة بالسلطة الذاتية أو تُنعت بالمستقلة شُرعت لاجل تنظيم السلطة الكنسية وتحدد السلطة البطريركية على الكنيسة .يعد الحبر الروماني رأس الكنيسة بحسب ماجاء في مجموعة القوانين المتعلقة بالسلطة الكنسية ،فالقانون رقم 44 بند1 يشير الى " يحرز الحبر الروماني السلطان الاعلى التام على الكنيسة بانتخابه على وجه شرعي وقبوله لهذا الانتخاب بالاضافة الى السيامة الاسقفية " وفي قوانين اخرى متعدد تَتَبين سلطته على الكنيسة وعلى البطريكيات المستقلة فمثلا في القانون رقم 370 يؤكد على الطاعة للحبر الروماني اذ جاء فيه " على الاكليروس واجب خاص في أبداء الاحترام والطاعة للحبر الروماني والبطريرك والاسقف الايبارشي ".
     وفي القانون 92 بند1،  يحدد ولاء وطاعة البطريرك للحبر الروماني حيث يشير الى " على البطريرك أن يبرز وحدة الشركة في الرئاسة بدرجاتها مع الحبر الروماني خليفة القديس بطرس،بالولاء والتوقير والطاعة الواجبة للراعي الاعلى للكنيسة باسرها " .بينما تمنح صلاحيات سلطوية للبطاركة على كنائسهم بحسب قوانين اخرى ولكن يجب أن يتم كل امر بمعرفة الحبر الروماني .
    تظهر بوضوح سلطة البطريرك في القانون 56 حيث يؤكد المشرع " البطريرك هو أسقف له السلطان على جميع الاساقفة بما في ذلك الميتربوليت ،وعلى سائر مؤمني الكنيسة التي يرئسها وفقا للشرع المعتمد من قبل سلطة الكنيسة العليا".اِنما بحسب قانون 78 البند 2 تتحدد سلطة البطريرك ضمن الحدود الجغرافية للبطريركية حيث يؤكد على " بوسع البطريرك ممارسة سلطانه على وجه صحيح ضمن حدود منطقة الكنيسة البطريركية فقط ،ما لم يلبث غير ذلك ،اِما من طبيعة الامر ،واِما من الشرع العام أو الخاص المعتمد من الحبر الروماني " وفي القانون رقم 103 يؤكد المشرع على " للبطريرك أن يدعو سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية ألى الانعقاد وأن يرأسه ".
وفي القانون 150 البند 2 يميز بين السلطة الادارية والطقوسية للبطريرك على الايبرشيات التي تقع خارج حدود المنطقة الجغرافية وقد يشير الى " القوانين التي يسنها سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية ويصدرها البطريرك ، اِذا كانت قوانين طقسية ،تسري في كل أنحاء العالم ،أما اِذا كانت قوانين تنظيمية أو تعلق الامر بسائر قرارات السينودس ،فلها قوة القانون داخل حدود منطقة الكنيسة البطريركية "
وعليه تؤكد الفاتيكان على الارتباط الاداري للابرشيات الخارجية في تدخلها المباشر لتعيين الاساقفة حيث ينص القانون 149 على " على سينودس اساقفة الكنيسة البطريركية أن ينتخب وفقا لقوانين انتخاب الاساقفة ،ثلاثة مرشحين لا أقل للاضطلاع بوظيفة اسقف ايبارشي أو اسقف مساعد أو اسقف معاون خارج حدود المنطقة الكنسية البطريركية ويقدم عن طريق البطريرك الى الحبر الروماني لتعيينهم "
   وأما لبيان العلاقة بين الاساقفة والبطريرك فأن القانون رقم 88 يوضحها بما يلي " على اساقفة الكنيسة البطريركية أن يُؤدوا للبطريرك الاكرام والتوقير ،ويقدموا له الطاعة الواجبة ،وعلى البطريرك أن يعاملهم بأحترام مماثل ويحوطهم بمحبة أخوية " وينص القانون رقم 150 البند 1 " للاساقفة المقامين خارج حدود منطقة الكنيسة البطريركية جميع حقوق وواجبات السينودسية التي لسائر الاساقفة تلك الكنيسة مع سريان القانون 102 البند 2 " والذي جاء فيه " يجب أن يُدعى الى سينودس أساقفة الكنيسة البطريركية جميع الاساقفة المرسومين التابعين لنفس الكنيسة دون سواهم ،أينما كانوا مقيمين "
الاستنتاج
          من مراجعتي لقوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية التي تنظمها وتنظم علاقتها مع الفاتيكان مقر الكرسي الرسولي الروماني والتي تعد بالمئات ،تبين : أن هذه الكنائس هي في شركة أيمانية مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ،وأنها تخضع لسلطة مطلقة للطاعة للحبر الروماني وهو يمثل رأس الكنيسة وكل ما يقره لا يمكن نقضه ،وأنما تمنح هذه القوانين السلطة لهذه الكنائس على طقوسها ولها الحرية في أدائها وتؤكد على الاهتمام واستلهام من تراث الاباء في كنائسهم ، ولكن أغلب الامور الاساسية التي تُقر في سينودساتها  يجب أن تتم موافقة أو علم الحبر الروماني بها .والقضية المهمة التي تُثير الانتباه والجدية في الدراسة هي السلطة المطلقة للفاتيكان اداريا على الابرشيات التي تقع خارج الحدود الجغرافية للبطريركيات التي تعرف أيضا بابرشيات الانتشار، باستثناء السلطة على الطقوس التي تمارس في كنائسهم .
  تشير بوضوح القوانين المذكورة أعلاه ،ان الفاتيكان لها الحق في أختيار اساقفة الابرشيات بعد ترشيحهم من السينودس،وتشير الى ان مايقره السينودس لا تسري قوته على الابرشيات في الانتشار ما عدا ما يرتبط بالطقوس،ولكن من جهة أخرى ،أكتشف نوع من التناقض في تنظيم هذه العلاقة فالقانون رقم 88 واضح في المحتوى حيث يؤكد على أبداء الطاعة الواجبة للبطريرك من قبل الاساقفة بدون أن يحدد طاعة ادارية او ما تخص بالطقوس ،فطالما لا تسري قوة قرارات السينودس الادارية على اساقفة الانتشار بحسب القانون 150  البند 2 ،فاذا قد يتشبث الاسقف به فيما لوحصل سوء للعلاقة بينه والبطريركية  باعتبار تقع أبرشيته خارج الحدود الجغرافية ،وهذا الذي يحصل فعلا هذه الايام.
   ومن جهة أخرى هناك عدم وضوح في القانون رقم 150 البند 1 الذي يؤكد فيه المشرع للاساقفة المقامين خارج الحدود البطريركية " حقوق وواجبات السينودسية " وهذا يتناقض مع القانون نفسه في البند 2 الذي  يؤكد فيه المشرع لا سلطة ادارية للبطريرك على اساقفة الانتشار،فكيف سيؤدون واجباتهم يا ترى ؟ وهذا ما يتناقض مع القانون 88 الذي يؤكد على الطاعة من قبل الاساقفة بدون تحديد اماكن اقامتهم للبطريرك ،فهل هذه الطاعة تشمل أساقفة الداخل ؟
  ما هي الحكمة من عدم سريان قوة قرارات السينودس التي تخص الادارة على أبرشيات الانتشار ؟
    لا يمكنني الكشف عن الحكمة من الموقف الفاتيكان تجاه الابرشيات الواقعة خارج حدود البطريركيات ، فهي لم تُستحدث ضمن الأطار الجغرافي لكرسي روما الرسولي فما علاقة هذا الكرسي جغرافيا مع استراليا والامريكيتين ،فلو تقع ضمن حدودها الجغرافية في اوربا فلها الحق في أدارتها مثلا .هذه ابرشيات تشكلت لظروف خاصة لتجمع مؤمنين لبطريركية معينة في بقعة جغرافية بحكم عوامل الهجرة، ولا يعني هذا الانتقال الجغرافي خروج هؤلاء من سلطة كنيستهم ،فهم المؤمنون الذين كانوا ضمن حدود البطريركية يوما ما ولم تكن السلطة الادارية للفاتيكان تشملهم .
ان لجوء الفاتيكان على هذا النهج القانوني لتبرير السلطة لا حكمة له ولا مبرر ،فلو فرضنا جدلا عدم وجود وسائط نقل متطورة أو وسائل الاتصال السريعة كما كان قبل منتصف القرن الماضي، سنقول من الاجدر أن تدير الفاتيكان هذه الابرشيات للصعوبة أو فقدان التواصل مع البطريكية ،لكن في يومنا هذا أصبح العالم قرية صغيرة بفضل تطور وسائل الاتصال والنقل السريعة التي لم يتصورها العقل البشري في ذلك الزمان .
    وأن وجدت في السابق مناطق جغرافية محددة للكنائس الرسولية ،فقد أنحصرت تلك الحدود الجغرافية بسب تأخر وسائط النقل أيضا ،بالاضافة الى العامل السياسي الذي يتمثل بتدخل الامبراطوريات تاريخيا في الشؤون الدينية  مثل هذا التدخل واضح من الاحداث التاريخية للكنيسة ،لابل ان تلك الحدود الجغرافية تشكلت للكنائس من جراء قوة الامبراطوريات في توسعها وفرض سلطتها فكانت سلطة البطريركية مرتبطة بمدى توسع سلطة الامبراطوريات .
        اني أرى في هذا الاجراء الفاتيكاني سيؤدي الى تقسيم الكنائس البطريركية على نفسها طالما لا توجد سلطة بطريركية على اساقفة الانتشار الا على الطقوس فقط ،وان هذه البطريكيات تتعرض الى ظاهرة النمو السكاني السلبي بسب الهجرة المتفاقمة لمؤمنيها الى دول الانتشار ،فالهجرة هي جماعية وسريعة جدا ،وكل المؤشرات السياسية والامنية والاقتصادية تؤكد في المناطق الجغرافية لهذه البطريكيات الى تفاقمها يوما بعد يوم من جراء الحروب المستمرة على السلطة والاضطهاد على الهوية الدينية من قبل المتشددين الاسلاميين وعدم تمكن الحكومات القائمة من ضبط الامن وحماية المسيحيين في بلدانهم ،وهذا ما نلاحظه جليا في العراق وسوريا  .
     وعليه الانتباه الى مسالة أخلاء الشرق الاوسط من المسحيين تلك الظاهرة التي تجعل من ابرشيات البطريركيات ان تنتقل الى دول الانتشار عاجلا أم آجلا  مما يعني ستمحو تلك البطريكيات من خارطة الكنيسة بحكم القوانين الفاتيكانية التي تبرر سلطتها الادارية على ابرشيات الانتشار،فستبقى الكنائس الشرقية الكاثوليكية بدون ابرشيات تُذكر.وتمحو هويتها،وعليه اتمنى من غبطة البطاركة الاجلاء انهم قد وضعوا أسسا وخطة عمل مع الفاتيكان لاعادة النظر ببعض القوانين التي تخص علاقتها الادارية مع البطريكيات وخاصة في الانتشار لوضع حد لهذه المسالة الجادة والمرتبطة بكيان وهوية الكنائس الشرقية الكاثوليكية ،ولتجنب تقسيمها وتفاقم الاشكالات بين الابرشيات والبطريركية .وطالما ان الكنائس الكاثوليكية مشتركة في ايمانها فلا يستوجب هذا التدخل الاداري المباشر.  


112
عقوبة الاعدام
بين القبول والرفض
د. عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي


مقدمة
                       في مقالٍ للاستاذ ضياء بطرس رئيس هيئة حقوق الانسان / كوردستان، المعنون " الغاء عقوبة الاعدام بالنسبة لجميع الجرائم وايا كانت الظروف " والمنشور في 9 – 11  -2013 على موقع عينكاوة ،أراد الكاتب من القراء أبداء رأيهم ومناقشة الموضوع . بالطبع يتميز الموضوع باهمية كبيرة  لنشر ثقافة حقوق الانسان المطلوبة من الجميع ،وهو يطبق مبادىء الامم المتحدة في ايجاد ثقافة عالمية لحقوق الانسان من خلال نقل المعرفة والمهارات وتشكيل الاتجاهات ،وهي القضية التي تهم معظم الدول المنضوية تحت منظمة الامم المتحدة وكل شعوب العالم ، اذ تتصاعد الحركات والنداءات من المنظمات الانسانية لتكريس ونشر ثقافة حقوق الانسان بكل مضامينها الاجتماعية والشخصية والثقافية والسياسية. واما القضية التي أثارها الاستاذ ضياء هي جديرة بالاهتمام لانها ترتبط بحياة الانسان،فالمادة 3 من اعلان حقوق الانسان تشير الى " كل أنسان له حق في الحياة والعيش ". وفي المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية جاء ( الحق في الحياة حق ملازم لكل أنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا ).
    أفتخر  لكون السيد "بطرس " من أبناء شعبنا في مقدمة المدافعين عن حقوق الانسان في العراق الذي أنهكته الحروب المستمرة ،وسببت انتشار ثقافة التمييز العنصري والديني والقومي والمذهبي والجنسي ومختلف أشكال التمييز الاخرى ، فهو يذكرني بالعلامة الدكتور " شارل مالك " المسيحي اللبناني الذي كان من بين الثلاثة الذين كلفوا بصياغة أعلان حقوق الانسان لاول مرة ،وهما السيدة "ايلنور روزفيلت " الامريكية والبروفيسور " رينيه كاسان " الفرنسي ،ومراجعته من قبل الخبير الكندي " جون همفوي " في سنة 1948 ،وتم أعلانه في باريس في العاشر من كانون الاول من نفس السنة.
        كانت فكرة حقوق الانسان مقترحا مقدما من دولة " بنما " بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.ولكن أختلفت ردود الفعل للدول في منظمة الامم المتحدة تجاه هذ المقترح ،فقد رفضته الاتحاد السوفيتي حيث اعتبرته تدخلا وتجاوزا على سيادة الدولة والتدخل بالشؤون الداخلية لها . وقابلته بريطانيا ببرود بسبب علاقاتها مع مستعمراتها ،وأما الوفد الامريكي كان مترددا ومنقسما .وكانت مناقشاتهم تستند على الخلفيات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية لمجتمعاتهم. فأخذت المناقشات تعبر عن طابع الصراع الفكري والفلسفي المتأثر بالابعاد السياسية والخلفيات الثقافية للحضارات ،وكان أكثر المسيطرين على المناقشات هو " شارل مالك ".
    أن منظمة العفو الدولية هي من اولى المنظمات العالمية التي دعت الى الغاء عقوبة الاعدام ،ولكن ظلت الدول في جدل حول الموضوع بسبب خصوصية كل بلد من الناحية الدينية والانظمة العقابية التي تتيح أستخدام هذه العقوبة كحد أقصى،وعلى أثر الاهتمام بهذا الموضوع أعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1989 في 15 – كانون الثاني بروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي يتعلق بالغاء عقوبة الاعدام،ودخل حيز التنفيذ في 11 – 7 – 1991 ،وصادق عليه حتى نهاية التسعينات من القرن الماضي 28 دولة فقط وليس من بينها دولة عربية .
 ولتعريف القارىء بالبروتوكول الاول ،فهو : جزء من الشرعة الدولية لحقوق الانسان ،يمكن اللجنة المعنية بتطبيق حقوق الانسان من أستلام الشكاوي المقدمة من الافراد الذين يدعون أنهم ضحايا انتهاكات حقوق الانسان المقرر في العهد الدولي ،وقد أُعتمد في 23 – 3 – 1976،وصادق عليه حتى اواخر التسعينات 92 دولة .
 الجريمة :
             الجريمة ظاهرة اجتماعية سلبية ،ترتبط بالفرد القائم بالفعل الاجرامي والمجتمع الذي يعيش فيه ،فالجريمة هي كل فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة جزائية .ويرتب القانون العقوبة للسلوك المرفوض اجتماعيا بحسب الفلسفة السياسة الجنائية والتشريعية المتبعة في الدولة والمتأثرة بالبيئة الاجتماعية من حيث معتقداتها الدينية وتراثها الحضاري والنظام السياسي والاقتصادي .فهناك اختلافات في القوانين الجزائية زمانا ومكانا في المجتمع البشري ،وهذا يضفي على الجريمة طابع النسبية . وعليه أن تعريف الجريمة قانونيا في زمن ما ومكان ما يكون مقبولا ،ألا أنه لايستمر هذا التعريف في زمن ومكان آخر .ولعله أبسط الامثلة هو :القانون العراقي،ففي نظام الحكم السابق أعتبر سلوك المعارضة السياسية فعلا أجراميا موجها ضد الدولة وأمنها ،ولكن أولئك المنفذين للقانون آنذاك أُعتبر سلوكهم حاليا فعلا أجراميا، تأثرا بالنظام السياسي السائد في المرحلتين ،أو قد تعتبر أفعالا أجتماعية مقبولة وتعد من القيم المثلى في بعض المجتمعات ولكن نفس تلك الافعال تٌعد سلوكا أجراميا ،وأبسط الامثلة على ذلك هو : الجنسية المثلية التي يعتمد تفسيرها كفعل من مجتمع الى آخر وقد يعاقب عليه في البلدان العربية ووصلت عقوبته في العراق في عهد النظام السابق الاعدام ،بينما نفس الفعل مباح في كندا ودول أوربية أخرى وتنظم العلاقة على أنها علاقة زواج .
         يحدد القانون الجزائي أركان الجريمة ،كما يحدد ردة الفعل الاجتماعية عليها .ولكي يكون الفعل جريمة يجب أن تتوفر فيه الاركان الثلاثة : أولهما : الركن المادي الذي يمثل السلوك الصادر من الفرد .والثاني الركن الشرعي وهو الصفة غير المشروعة للسلوك التي تأتي من خضوعه لنص قانوني ويترتب على أنتهاكه عقوبة أو تدبير أحترازي .وأما الركن الثالث هو المعنوي ويتمثل بأدراك الفرد وأختياره " الارادة " عند قيامه بالسلوك لتحدد مسؤوليته الجنائية ومساءلته وبالتالي وصفه مجرما أذا ثبت ذلك أنه مخالف للقانون .
المجرم
       مما تقدم يمكن تعريف المجرم، كل أنسان أقترف جريمة ،وكان أهلا للمسؤولية أثناء أرتكاب الفعل الاجرامي ،وكانت له أرادة معتبرة ،اتجهت أتجاها مخالفا للقانون.
المسؤولية الجنائية
                    أثارت مسألة مدى تحمل الانسان المسؤولية لارتكابه الفعل الاجرامي منذ القدم ولا يزال الى يومنا هذا أختلاف كبير بين المفكرين والمختصين في القانون وعلماء الاجرام والاجتماع والنفس ،لانه هذه العلوم مشتركة في دراسة الجريمة والمجرم وظروف أرتكابها.وعليه لايزال هؤلاء يبحثون للاجابة على هذا السؤال : هل الانسان وهو يرتكب الجريمة مجبرا " مسيرا " أم مخيرا الى ذلك ؟ وللاجابة عليه أنقسموا الى ثلاث اتجاهات .
الاول : مذهب حرية الاختيار
                           ويسمى بالمذهب التقليدي ويتلخص في تاكيده على أن الانسان يمتلك حرية في تقدير السلوك أو الفعل الذي يرتكبه ،فهو حر في الاختيار دون أن يكون مجبرا أو مسيرا من جهة خارجة عن ذاته ،وهذا يستلزم أن يكون مدركا لافعاله ووميزا لها.فاذا ارتكب الانسان وفقا لهذا التفسير جريمة فان ارتكابها هو بمحض ارادته وبامكانه تجنب هذا الفعل وعليه يكون مسؤولا عن فعله .
 ثانيا : مذهب الجبر
 يستمد هذا المذهب تبريراته من النظرية الواقعية التي تطبق قوانين السببية الحتمية على تصرفات الانسان .ينكر أصحاب هذا المذهب تماما أفكار المدرسة التقليدية الانفة الذكر،فافعال الانسان من منطلق أفكاره ليست وليدة الارادة الحرة ،فهو يشعر ظاهريا أنه يفعل ذلك بمحض أرادته ، ألا أن ارادته في الواقع ليست حرة بل تتكيف وتتوجه تبعا للمؤثرات الخارجية المحيطة به في الواقع الاجتماعي الذي يعيشه،أو لعوامل تكمن في تكوين شخصيته.
وقد أرتبطت أفكار أصحاب هذا المذهب بالتقدم الذي أحرزته العلوم الطبيعية في كشف وجود قوانين تحكم ظواهر الكون ،مما أدى بعلماءالقانون والاجتماع الى تطبيق تلك النتائج على أفعال الانسان ومنها الجريمة ،فأعتبروا الظواهر الاجتماعية نتيجة حتمية لاسباب معينة .
ثالثا : المذهب التوفيقي
         يرى المختصون في العلوم المهتمة بالجريمة بعد دراسات ميدانية علمية متعددة وتبلور الافكار الفلسفية الحديثة، أن كل من المذهبين السابقين قد تطرفا في رأيهما ،ووفقا لارائهم أن الانسان لايتمتع في تصرفاته بحرية مطلقة ،ولا يخضع بصورة مطلقة أيضا الى قوانين السببية الحتمية ،الا انهم يرون ،أن الانسان كائن واع ِ يدرك مايحيط به ،كما أنه يستطيع تحديد غاياته التي يسعى لتحقيقها بافعاله .فثمة ظروف محيطة به تدفعه لارتكاب سلوك ما ،ولكن له قدرا من الادراك بما يفعله فتتيح له الحرية ولو بشكل من الاشكال للاختيار والتمييز .
العقوبة
          هي الجزاء الذي يقرره القانون الجنائي لتحقيق مصلحة المجتمع تنفيذا لحكم قضائي على من تثبت مسؤوليته عن الجريمة ،تتلخص أهدافها في ضبط السلوك الاجتماعي وتحقيق المصلحة الاجتماعية والعدالة .وتقر القوانين أن تكون العقوبة واحدة لجميع افراد المجتمع بدون تمييز على اساس الانتماء الديني أو السياسي والعرقي والطبقي وما شابه.وأما فكيف تُحدد العقوبة ؟ يكمن ذلك في تأثُر الفلسفة العقابية بفلسفة المسؤولية الجنائية ،فكلما كانت فلسفة المذهب التقليدي سائدة ،كانت نظرة المشرعين لقانون العقوبات منصبة نحو الفعل الاجرامي من حيث ضخامته دون النظر الى المجرم كشخص وما الظروف المحيطة به أثناء أرتكابه للجريمة .وعليه أُنزلت بالمجرمين أشد العقوبات وكانت الفلسفة العقابية السائدة هي التخلص من المجرم في تعذيبه أو فنائه من الوجود باعدامه بشتى الوسائل.
     أما بعد أنتشار آراء المذهب الواقعي في تحديد المسؤولية الجنائية بدأت الفلسفة العقابية تتغير تدريجيا ،فرفضت المدرسة الوضعية في علم الاجتماع التي بدأها الايطالي " لومبرورزو " في منتصف القرن الثامن عشر وثم " فيري " مبدأ المعاقبة المتساوية للمجرم ،أي بدأت التشريعات تأخذ بنظر الاعتبار شخصية وظروف المجرم.وعلى أثرهم أكد بعض الجنائيين ولا سيما الاجتماعيين منهم ومن بينهم " الكونت غرامتيكا " وزملائه ممثلوا مدرسة الدفاع الاجتماعي الايطالية،أن المجتمع هو الذي يحدد الافعال بانها جريمة، أي ان وجود الجريمة يفترض وجود المجتمع .
    فاصبحت الفكرة من وضع القواعد القانونية هي لحماية المجتمع وأفراده ومصالحهم ،فلما كانت الافعال تختلف في شدة تأثيرها على المجتمع ،فأستوجب صياغة القواعد القانونية العقابية في ضوء ذلك التأثير ،فاصبحت الغاية من العقوبة الردع والوقاية عن طريق عزل المجرم عن المجتمع ،وتحددت أنواع الجرائم بثلاث مستويات هي : الجناية التي تتراوح عقوبتها بين خمسة سنوات والى الاعدام كحد أقصى ،والجنحة التي تتراوح العقوبة بين ثلاثة أشهر وخمسة سنوات ،والمخالفة التي تتراوح العقوبة بين يوم واحد والى ثلاثة أشهر أوبغرامة مالية .وهذا التصنيف يتباين من بلد الى اخر .
    وقد تأثرت الفلسفة العقابية حديثا بنتائج الدراسات التي أُجريت من قبل المختصين في علم الاجتماع والنفس والاجرام فتحولت النظرة من مجرد عزل المجرم وعقابه الى نظرة عزل المجرم عن المجتمع من أجل أصلاحه وتهذيبه وتقويم سلوكه عن طريق برامج أصلاحية تُطبق في المؤسسات الاصلاحية ،فاعتبر هدف العقاب ردع المجرم وتحقيق سلامة المجتمع وأمنه بدلا من الانتقام ،ويكون العمل الاصلاحي هو مكمل للعقاب لا بديل له . وأما عقوبة الاعدام ،كان لها حيز من الاهتمام الكبير عند الباحثين والمختصين .
عقوبة الاعدام
                يقصد بالاعدام عقوبة الموت ،وهي عملية ازهاق روح المحكوم عليه بوسيلة يُحددها القانون ،وهي اقدم العقوبات وأشدها قسوة ،وقُررت لعدد كبير من الجرائم.وغالبا ما كان تطبيقها بحسب مزاج الملك أو حاكم المقاطعة وثم بمرور الزمن أصبحت تُنظم بقانون.وبسبب تطور الفكر البشري الذي أستطاع تغيير الاتجاهات نحوها، بدأ تطبيقها ينحصر تدريجيا لجرائم محددة ،أبرزها جرائم المخلة بأمن الدولة والقتل العمد ولاصحاب الجرائم المتعددة والسطو المسلح والابادة الجماعية والخيانة الكبرى للدولة والتجسس .
  وقد بادرت بعض البلدان الى الغاء عقوبة الاعدام ،ولكن رجعت الى تطبيقها بحسب الظروف والمخاطر التي يتعرض لها المجتمع ،كما حصل لايطاليا التي الغتها 1899 ثم اعادتها 1930،وكذلك الاتحاد السوفيتي الغتها 1947 واعادتها 1958 ، أما في العراق فلم تخلو القوانين العقابية من قواعد لتطبيق هذه العقوبة في مختلف العصور ولم يذكرنا التاريخ اية محاولة لالغائها ،وهي مقررة في القانون العراقي لجرائم خطرة مثل الجرائم المخلة بامن الدولة وجرائم التي تؤدي الى الموت من خلال الاعتداء على المرافق العامة وبعض جرائم القتل العمد.   
        ينقسم المفكرون المهتمون في عقوبة الاعدام الى فريقين في مواقفهم نحو الغائها أو بقائها ،حيث يرى الفريق المطالب بالغائها وجود عدة دعائم تؤيد مطالبتهم ،منها ،أن الله يهب الحياة للانسان وليس المجتمع فهو الذي يقرر،وهي عقوبة لا تنسجم مع روح العصر لانها ضد الشعور الانساني الذي يتوجه نحو فلسفة الاصلاح الاجتماعي للمجرم ،وان عملية وجود عقوبة الاعدام في المجتمع لم تشير الى ردع للجريمة .ولايمكن تدارك آثار عقوبة الاعدام اذا تبين خطأ تنفيذها .
    ويرى مناصروا أبقاء عقوبة الاعدام فيبررون موقفهم بدعائم أهمها بما أن المجتمع لم يهب الحياة للفرد لكي يسلبها ينطبق هذا على تقييد حرية الفرد أيضا ،ويؤكدون على ان لا يُنظر الى الشخص فقط في القضية وانما لماذا لانفكر ما خلفه فعل المجرم من زهق ارواح ،ولا يمكننا معرفة مدى قابلية هذه العقوبة في ردع الجريمة لعدم توفر وسائل واقعية لقياس الظاهرة، وأما عدم فسح عقوبة الاعدام فرصة لاصلاح المجرم فهو زعم لا يمكن الاستناد عليه ،اذ لو ألغيت سيكون البديل السجن المؤبد ،وهذه العقوبة غير مجدية هي الاخرى لاصلاحه لان بقائه في السجن الانفرادي يكون مردوده النفسي أكثر سلبا وشقاءا من الاعدام ،وكل محاولة لاصلاحه لا تنفع لان الاصلاح يهدف الى أعادته للمجتمع .
بالرغم من هذه الدعائم لكلا الفريقين فأن المؤشرات في المجتمع البشري تؤكد على الميل نحو الغاء هذه العقوبة ،فمنذ صدور اعلان حقوق الانسان عام 1948 بدا العد التنازلي للبلدان التي تطبق عقوبة الاعدام وذلك للتكثيف الاعلامي ونشر الوعي وبمختلف الوسائل التي تقدمه منظمة العفو الدولية .وقد خصصت المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي بدأ تنفيذه منذ23 – 3 – 1976 لكي توضع قواعد تخص عقوبة الاعدام ( راجع الامم المتحدة / المفوضية السامية لحقوق الانسان  ).
 ولعدم وجود الدقة في الاحصاءات المرتبطة بعقوبة الاعدام ولسريتها لبعض الدول ،أنما تتمكن منظمة العفو الدولية من الحصول عليها بطرق متعددة، ولكن لايمكن الاعتماد عليها في تعميم النتائج، ومن الاحصاءات التي وفرتها هذه المنظمة تبين بأن عدد الدول التي تتطبق عقوبة الاعدام أنخفض في العقدين الاخيرين وبالعكس ارتفع عدد الدول التي لاتطبق هذه العقوبة ففي سنة 1991 بلغ عدد الدول التي طبقت عقوبة الاعدام 32 دولة،وارتفع عدد الدول التي الغتها الى 48 دولة وفي سنة 2010 انخفض الى 23 دولة طبقت العقوبة، بينما ارتفع عدد الدول التي ألغتها الى 96 دولة وفق آخر الاحصاءات  وكما نلاحظ من الجدول أدناه
السنة                             عدد الدول التي تتطبق عقوبة الاعدام                    عددالدول التي لا تطبقها
1991                                     32                                                      48
1995                                     37                                                      59
2000                                     27                                                      75
2005                                     22                                                      86
2010                                     23                                                      96
          ويمكن تصنيف البلدان بحسب مدى تطبيق عقوبة الاعدام لعام 2010 كما يأتي
لا توجد عقوبة الاعدام لكل الجرائم             96
منعت عقوبة الاعدام للجرائم العادية            9
منعت تطبيقها تحت التجربة ،أي لم تنفذها     34
لعشر سنوات الاخيرة
المطبقة لعقوبة الاعدام                        58
وفيما يأتي ترتيب خمسة أعلى دول في عدد حالات الاعدام في العالم لعام2010  باستثاء الصين لان عدد الحالات فيها بالالاف سنويا فهي شاذة أحصائيا
الدولة                              عدد حالات الاعدام المٌنفذة
أيران                                     أكثرمن   252
اليمن                                         أكثر من  63
كوريا الشمالية                              أكثر من  60
الولايات المتحدة الامريكية                   46
السعودية                                    أكثر من  27 
وتشير آخر أحصاءات العفو الدولية الى ،على الاقل 682 من الاشخاص أُعدموا في العالم ماعدا الصين بالطبع،وأنخفض عدد الدول التي تطبق عقوبة الاعدام الى 21 دولة فقط عام 2012.
ولعدم تمكن منظمة العفو الدولية من ضبط الاحصاءات لحجبها من بعض الدول فلا يمكننا من أثبات فيما اذا كانت عقوبة الاعدام رادعة، اي تنخفض الجرائم الاخرى في البلدان التي تطبقها وترتفع نسبتها في البلدان التي لاتطبقها ،أنما هناك أحصائية دقيقة للولايات المتحدة الامريكية التي تؤكد الفرضية القائلة بان عقوبة الاعدام غير رادعة ،حيث تشير الاحصاءات كما هو مبين في الجدول أدناه الى أن الولايات التي تطبق فيها عقوبة الاعدام ترتفع نسبة جرائم القتل فيها كاخطر الجرائم المرتكبة ،بينما نلاحظ انخفاض نسبة جرائم القتل في الولايات التي لا تطبق عقوبة الاعدام مما يدل بوضوح بأن عقوبة الاعدام ليست رادعة اي ان نسبة الجرائم ترتفع بالرغم من وجود هذه العقوبة.( النسبة تشير في الجدول لكل 100000 نسمة ).
السنة                  نسبة جرائم القتل في الولايات                      نسبة جرائم القتل في الولايات       الفرق النسبي
                        التي تطبق عقوبة الاعدام                            التي لا تطبق عقوبة الاعدام
1991                           9.94                                                     9.27                          7%
1995                           8.59                                                     6.78                          27%
2000                           5.70                                                     4.25                          35%
2005                          5.87                                                      4.03                          46%
2010                          5.00                                                      4.01                          25%
خلاصة القول :يتبين من تقارير منظمة العفو الدولية ومفوضية حقوق الانسان أن الوعي الاجتماعي والسياسي وبلورة الرأي العام العالمي يتجه صوب الغاء عقوبة الاعدام طالما أنها غير رادعة ،اي لاتوجد مؤشرات الى انخفاض نسبة الجرائم المرتكبة بالرغم من تطبيقها ،وبالعكس كما لاحظنا من البيانات المتوفرة عن الولايات المتحدة الامريكية أن الولايات التي تطبق فيها عقوبة الاعدام ترتفع نسبة جرائم القتل بينما تنخفض نسبتها في الولايات التي لا تطبقها .ومن المعروف عالميا لاتزال الجريمة متفاقمة بالرغم من تطبيق هذه العقوبة في مختلف البلدان وبالاخص النامية منها .
     ولما كانت أسباب الجريمة متعددة ترتبط بشكل مباشر بالبيئة الاجتماعية والدينية والاقتصادية والسياسية المحيطة بالفرد ،اضافة لعوامل ترتبط بتكوين شخصيته فأنها ستظل قائمة طالما أن اسبابها تكون مستمرة الوجود في المجتمع،فمن هذا المنطلق على الجهات المسؤول أستئصال هذه الاسباب بقدر الامكان وبالذات تلك التي تدفع بالافراد الى ارتكاب الجرائم البشعة التي تكون ضحيتها زهق ارواح الاخرين كما هي العمليات الارهابية والقتل على الهوية الدينية والقومية والسياسية والتي اصبحت ميزة من مزايا البلدان الشرق أوسطية.
حيث كبح الدوافع الارهابية يكون عاملا لميل المجتمع نحو التشجيع لالغاء عقوبة الاعدام ،ولكن طالما أنها ستكون قائمة فان الرأي العام سيطالب بانزال اقسى العقوبات بهؤلاء .فالمسالة تحتاج الى تكثيف الجهود من منظمات المجتمع المدني وهيئات حقوق الانسان المنتشرة في الدول النامية لتنشيط التعاون بين الحكومات للقضاء على جذور الارهاب ،فالمسالة ليست بالغاء عقوبة الاعدام من عدمه ،فلو أفترضنا بان عقوبة الاعدام ألغيت في العراق المعاصر فهل سيؤدي الى انخفاض نسبة الجرائم والاخص الارهابية؟ وبالاتجاه الاخر اذا ؟ظلت عقوبة الاعدام قائمة كما هي الان فهل هناك انخفاض في نسبة الجرائم المرتكبة وبالاخص الارهابية ،اعتقد ان المؤشرات اليومية تدل على عدم الجدوى من عقوبة الاعدام في ردع الارهاب.
فمن هنا تاتي اهمية أستئصال جذور الارهاب اولا لكي نتمكن من توجيه الرأي العام العراقي نحو الغاء عقوبة الاعدام فطالما يكون الارهاب قائما فلا يمكننا من تحريك الرأي العام لالغاء عقوبة الاعدام ،لان الاثار التي يتركها الارهاب هي ابادة جماعية ويطال ضد الابرياء .وعليه أفضل بان تنصب المسالة في التوعية بهذا الاتجاه مرحليا على الغاء تنفيذ عقوبة الاعدام للجرائم السياسية والجنسية المثلية أو تعدد الجرائم وثم تأتي مرحلة الغائها لجرائم القتل العمد الفردي وهكذا .
المصادرالمعتمدة
Federal Bureau Of Investigation In U.S.A ,FBI
Amnesty   International  Research, Death Penalty Information Center 2013
Modern  Sociological  Theory , George  Ritzer
The Study Of Social  Problem , Earl  Rubington
أصول علم العقاب ، عبدالرحمن محمد، 2001
لطيفة المهداتي، حدود سلطة القاضي التقديرية في تفريد الجزاء، 2005
أمين مصطفى ،علم الجزاء الجنائي، 1995
ومصادر اخرى
كند/ا في 17 تشرين الثاني 2013


       

113
اتركوا منكيش وشأنها
ولماذا؟
د. عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي

                      منذ أن نشر موقع عينكاوة نداء عِبر رسالة  أطلقها مجموعة من ثلاث أشخاص مجهولي الهوية بعنوان " أهالي منكيش يستغيثون ويطلبون النجدة " في 19/9 / 2013 ،وجهت أنظار المهتمين من أبناء شعبنا الى بلدتنا منكيش للوقوف على ما الذي يجري ؟وقد تبين لاحقا أن الرسالة مفبركة من قبل جماعة غير معروفة ومدفوعة من قبل تنظيم سياسي لتحقيق مكاسب انتخابية ـ لانها تزامنت مع انتخابات برلمان أقليم كوردستان العراق .وكان الدافع من وراء العملية واضحا جدا ،وأن ما جاء ذكره من معلومات لا تمس الحقيقة ،حيث أن الامور جرت في بلدتنا منكيش بشكلها الطبيعي وفقا للضوابط الرسمية كما وردنا من هناك.
وكانت غايتها القصوى أثارة الفتنة بين أبناء بلدتنا والاخوة الاكراد القاطنين فيها وبرضى أهلها،وذلك من خلال التذكير بعدد الشهداء الذين سقطوا على أرض منكيش وملابسات استشهادهم ،فهم شهداء معروفون لدى أهالي بلدتنا.لا يخفى على أحد منهم ظروف استشهادهم ، فمنهم اُستشهدوا لحالات اجرامية فردية ،وآخرون لاسباب سياسية، أو خلال تواجدهم في الافواج الخفيفة ،أو أثناء خدمتهم العسكرية أسوة بكل العراقيين .
وقد منح سكان منكيش أصواتهم لقائمة 127 التي تضم " الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية "،وذلك أخلاصا ووفاءا من أبناء منكيش لتلك الخدمات الاسكانية والترفيهية والخدمية التي قدمها المجلس الشعبي لهم منذ تاسيسه،وهذا ما نلمسه على الواقع " وقد ذكرت هذه المشاريع في مقالاتي المنشورة في موقع منكيش حصرا عن بلدة منكيش "،ومن جهة أخرى أن هذا السلوك هو القاعدة المعروفة في كل البلدان الديمقراطية ،اذ يمنح المواطنون أصواتهم للاحزاب التي تقدم برامجا افضل لهم .ٍ
يبلغ عدد سكان منكيش  حسب آخر احصائية أجريتها بالتعاون مع بعض الاخوة الغيورين من بلدتي منكيش،أكثر من 6000 نسمة موزعين في بلدان العالم ،و1000 نسمة فقط تمسكوا بارضهم وثبتوا عليها في منكيش بحسب أحصائية وفرها لي السيد مدير الناحية مشكورا قبل بضعة أشهر، بالاضافة الى 2000 نسمة من الاكراد الذين هاجروا اليها منذ الثمانينات من القرن الماضي أي ان نسبة الكلدان فيها 33% فقط ،ولو لا الهجرة المعاكسة من مدن العراق اليها بعد عام 2003 ،لبلغ تعدادهم 759 نسمة حيث يمثل هذا العدد سكان منكيش الكلدانيين فقط سنة 1996 أثناء أحصاء ميداني شامل أجريته عندما كنت أجمع المعلومات لتاليف كتاب " منكيش بين الحاضر والماضي "وتبين حينئذ أن نمو سكان منكيش هو سلبيا بسبب الهجرة المستمرة الى خارج العراق ولا تزال لمن تتحقق الفرصة له، أي لولا الهجرة المعاكسة كما أشرت أعلاه لكان العدد أقل من هذا كثيرا .  
وللاجابة على سؤالي، لماذا نترك منكيش وشأنها؟سأوضح الاتي
أولا : يعتز ويفتخر سكان منكيش بتسميتهم الكلدانية المعاصرة ،مثلما يعتز ويفتخر الاخوة الاشوريين والسريان  المعاصرين" وفي نفس الوقت يعتقدون بأننا شعب واحد مع الاشوريين والسريان بالرغم من أختلاف المذهب الديني.وقد يتبادر الى ذهن البعض بأن ما أشرت اليه هو من أجتهادي الخاص ،ليس كذلك ، أذ من أستطلاعاتي الميدانية تتراكم لدي المعلومات حول هذا الموضوع ،واني حاليا منشغل بقياس الرأي العام لسكان منكيش حول هذا الموضوع وتاتي النتائج تباعا بعد أن وضعت مقياسا للرأي العام منطلقا من أسس البحث العلمي الرصين، وساعلن عن هذه النتائج قريبا بعد اكتمالها ،أذ أن عامل التباعد المكاني يُعيقني لانجاز هذا المشروع بسرعة " واتمنى بل وأقترح للمهتمين بهذه المسالة أن يحذو بنفس الاتجاه في كل قرية أو بلدة كلدانية واشورية وسريانية  معاصرة، ليكون الشعب هو الحاسم وليس الاحزاب السياسية التي تفسر الموضوع حسب فلسفتها ومصالحها الخاصة. وبهذه المناسبة أقترح أيضا بأن يتم قياس الرأي العام لشعبنا في سهل نينوى لاستحداث المحافظة ومنح الحكم الذاتي له، لان سكان المنطقة هم المعنيون بالمحافظة من عدمها . بدلا من الجدال العقيم  الدائر بين المهتمين بشؤون شعبنا .
 أرى أن لكل شخص منظوره الخاص الى الظواهر الاجتماعية يتبناه نتيجة جملة من العوامل الذاتية والبيئية التي يخضع لها الكاتب ،وهذا ما تعلمته وأختبرته على مدى أكثر من 30 سنة في علم الاجتماع المعرفة الذي يهتم بالمعرفة والعارف.وسأطرح وجهة نظري في هذا الموضوع ، المستخلصة من الدراسات الميدانية المعاصرة وليس من الخوض في دهاليز التاريخ كما يفعل البعض ، وهم من أختصاصات بعيدة عنه سواء كانوا من الكتاب الكلدانيين أو الاشوريين أو السريان المعاصرين ، وذلك لان المسألة تخص بلدتي منكيش التي كتبت عنها كتابا أجتماعيا وقادتني عملية الكتابة الى جمع المعلومات التفصيلية من بين الاسطر المكتوبة في المصادر والعمل الميداني ولا أزال .
قبل كل شيء، ولكي لايُساء الظن، أود التأكيد على أنني مقتنع تماما على أننا شعب واحد له تاريخ مشترك ولغة واحدة وقيم وتقاليد واحدة وجغرافية محددة عاش عليها منذ القدم ،وبتسمياته التاريخية، الكلدان والاشوريون والسريان ، وقد صُغت أفكاري مفصلا في كتابي المعنون"الكلدان المعاصرون "الصادر سنة 2001،اعتمادا على المنهج السسيوأنثروبولوجي.وانا مع كل الاحزاب من شعبنا  التي تضع برامجها لخدمته،فقد سألني أحد الاصدقاء ذات مرة عبر البريد الالكتروني عن الحزب أو الجهة التي انتمي اليها فأجبته اني مستقل لكن مع كل الاحزاب السياسية الكلدانية والاشورية والسريانية التي تخدم شعبنا الكلداني والسرياني والاشوري، وآخر سألني أيضا وقال : يبدو أن مواقفك قد تغيرت بالنسبة لهذه القضية ،فأجبت ،أنني باحث والباحث يبحث على الدوام ويدرس الظواهر فاذا ظهرت مستجدات في دراساته عن الظاهرة فأنه سيغير رأيه وفق النتائج المستجدة فالباحث لايرى ويدرس الظواهر كما يجب وانما كماهي ،عكس المرتبط سياسيا فأنه سيواكب أيديولوجية حزبه أي فلسفته الفكرية ولا يستطيع تجاوز موقف الحزب من القضايا المطروحة فاذا حصل ذلك فانه سينال العقاب ،وعليه حتى وان كان كاتبا سيوجه اهتماماته ولا ينتقي المعلومات من المصادر الا تلك التي تتماشى مع فلسفة الحزب .
  أنطلق في التحليل لدراساتي عن الموضوع من المنهج الانثروبولوجي،"علم الانسان " الترجمة الحرفية له،وأرجو أن يُفهم هنا عندما تتم الاستعانة بقوانين الانثروبولوجية العلمية في دراسة الشعوب ،لا تقتصر على القانون الطبيعي الذي تختص به الانثروبولوجية الطبيعية، والذي يمثل الصفات الطبيعية للانسان التي يمكن ملاحظتها مباشرة أو يمكن الحصول عليها من اختبار "دي ،أن ،أي " .وأنما نستعين بقوانين الانثروبولوجية الاجتماعية والحضارية والنفسية تلك القوانين التي تكمل بعضها البعض وتساعدنا على تمييز شعوب العالم الى أثنيات واعراق وأقوام ،تلك القوانين التي تعتمد على قياسات علمية  يعتمدها الانثروبولوجيون وعلماء الاجتماع والنفس  لغرض بنائها - لست بصدد تفصيلها- وأنما أذكر واحدا مهما هو " جمع البيانات عن طريق الملاحظة والمشاركة "أي معايشة الباحث المجتمع المدروس والمشاركة في الفعاليات والانشطة اليومية للافراد لكي يتوصل الى الابعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية ونمط التفكير لهم، ومن ثم صياغة القوانين العلمية . أي بمعنى آخر لا نتصور أن اختلاف الاثنيات يكمن في الجانب البايولوجي الطبيعي وانما في كل الجوانب الاخرى المذكورة ومن ضمنها بالطبع اللغة.
وهكذا اقول من استنتاجاتي :  لا يمكننا الاعتماد بالدرجة الاساسية على مايكتبه المؤرخون لنا من معلومات عن الحياة الاجتماعية والنفسية كالمشاعر القومية مثلا واللغوية غير المنظورة ، والتي ترجع الى 7000 سنة ، أو حتى الى عصور متأخرة،وذلك لان الحضارات البشرية في داينميكية مستمرة وفي تلاقح مستمر بفعل عاملي الانتشار والاقتباس الحضاريين،وكما هو معروف فأن نشوء الافكار القومية جاء متأخرا فقد كانت بدايته القرن السادس عشر في شمال أوربا ،وثم تبلورت النزعة القومية في منتصف القرن الثامن ،وعلى أثر ذلك نشأت الدول القومية ،أي بمعنى لم تكن النزعة القومية معروفة قبل هذا التاريخ ، وعليه فلا وجود شيء اسمه القومية العربية أو الكوردية أو الاشورية أو السريانيةأو الكلدانية أو الالمانية أو الفرنسية قبل هذا التاريخ .وعليه انطلق من هذا المبدأ عندما أقول الكلدان والاشوريين والسريان المعاصرين.
فقد برهن الانثروبولوجيون هذه الظاهرة من خلال دراساتهم المستفيضة عن الشعوب البدائية المعاصرة في الغابات الاستوائية والامازون وجنوب شرقي آسيا وفي الجزر النائية التي لم تصلها الحضارة الجديدة.حيث عايش الباحثون تفاصيل الحياة الاجتماعية لهذه الشعوب ،ومارسوا الانشطة اليومية لهم لكي يحللوا الادراك العقلي والفكري والعقائدي لهم، فتبين أن النزعة الانتمائية لديهم لاتعتمد على المفهوم القومي بقدر ما هي معتمدة على النزعة القبلية.وهكذا استفادت الدراسات الاكاديمية في مختلف الاختصاصات من الدراسات الانثروبولوجية عن الشعوب البدائية في تفسير أصول العديد من الظواهر كالعائلة والزواج والدين والاقتصاد والقانون وغيرها في المجتمع البشري ،حيث أن تلك المجتمعات أصبحت بمثابة مختبر علمي ميدأني لدراساتهم.
عندما أدرس المشاعر القومية لابناء شعبنا ،لا اعتمد على ما قيل من قبل الاحزاب السياسية أو الكتب التاريخية التي لا تتمكن من تفسير هذه الظاهرة دون الرجوع الى المنهج الانثروبولوجي ،كتلك الفرضيات التي يتشبث بها البعض تحت تأثيرات أيديولوجية ومعتمدة على المنطق القديم في تحليلها ،كأن نقول " ان سكان القرى التي هي على أرض آشور هي آشورية " ،منكيش أو أية قرية أخرى تقع على ارض آشور حاليا ،فاذا منكيش وغيرها آشورية . أو مثل تلك الفرضية التي تقول عندما تسقط الامبراطوريات يُباد الشعب ، الامبراطورية الاشورية سقطت عام 613 قبل الميلاد ،فاذا الاشوريون أُبيدو تماما ، وتنطبق أيضا على الكلدان .مثل هذه التفسيرات تعتمد على المنطق الاستنباطي القديم الذي وضعه ارسطو طاليس الفيلسوف اليوناني ،الذي لا تأخذ العلوم الانسانية به اليوم لتفسير الظواهر الاجتماعية ،بل تعتمد المنطق الحديث الذي يعتمد على الاستقراء ،أي جمع المعلومات عن الظاهرة المدروسة وثم تحليلها .
 فعندما أدرس ظاهرة الانتماء القومي في منكيش مثلا لا يمكنني الاعتماد على الفرضية المذكورة والتفسير المذكور،بل ألجأ ألى جمع المعلومات ميدانيا، ساستعين بالاحداث واحاديث الناس ، فمثلا لم يثبت لي من دراستي الميدانية سنة 1996 أن أحدا من المسنين في منكيش ذكر كلمة آشوريين عند وصف احداث سميل وحماية الهاربين من القرى المجاورة من مجلمخت وكوندكوسا الى منكيش بل كل ما نُطق به هو"تيارايي : أو, بزنايي " فكلما كنا نمر في طريقنا ومنذ طفولتنا من قرية "كوري كافانا " ونسال الكبار لمن هذه القرية ،الجواب تيارايي وهكذا عند السؤال من كان يسكن قبل 1933 قرية " ملجمخت " فالجواب تيارايي ، وعندما كنا نمر من أمام قرية باكيرات ونسال اهالينا لمن هذه القرية فيقولون  بزنايي، ولا يزال الى يومنا هذا تطلق على مأساة سميل وتداعياتها " فرمان دتيارايي " وليس فرمان دآشورايي ،فهل كانوا أهالين وآبائنا "بهليي" لدرجة لم يعرفوا انهم ’آشوريون لكي يقولوها لنا.
 وألجأ الى دراسة التراث ،قياس مشاعر الناس تجاه الظاهرة المدروسة ،اللغة ، الانشطة والممارسات اليومية ,اضافة الاخذ بنظر الاعتبار وهو عامل مهم جدا ، التلاقح الحضاري عن طريق الاقتباس والانتشار بواسطة الحروب بين الشعوب ،فكم من مرة هدمت منكيش وبنيت اخرى على الانقاض /وكم من المرات تغيرت تسميتها بحسب العوامل الدينية واللغوية ،وكم من الجماعات البشرية قدم اليها وغادرها، وكثيرا ما يتحجج بعضهم بان أصول العديد من العشائر في منكيش أو القرى الاخرى قد انحدرت من قرى هكاري وعلى هذا الاساس انهم آشوريون،ومن أثبت علميا أنهم آشوريون أو, كلدان أو سريان ؟ ،وهذا ماينطبق على المنطقة باسرها من القرى والمدن.
فمن يتعصب و يُرجع اصول الاثنيات الثلاث الاشورية والسريانية والكلدانية الى اثنية واحدة كلدانية او آشورية او سريانية ويلغي الاخريات ومنذ الاف السنين فذلك غير منطقي ، فكيف يقتنع الكلداني بانه مستمر في الحياة بعد سقوط دولتهم وانما لا يقتنع باستمرار الشعب الاشوري في الوجود بعد سقوط دولتهم؟ ،وهكذا بالنسبة للاشوري كيف يقتنع بأبادة الكلدان لانهم تعرضوا للاضطهاد الديني في موطنهم؟ ولم يقتنع بأبادة الاشوريين، فلماذا لايقتنعوا بفكرة هروب الكلدان من الجنوب بسبب الاضطهاد  وتوجههم شمالا ؟،علما هناك ادلة منذ الحملات العسكرية الاشورية وحملهم للكلدان كاسرى في مناطقهم ،أو هروب الكلدان من الاضطهاد الديني نحوالمناطق الوعرةفي شمال العراق.فاذايتضح وجليا بان ما يدلي به البعض نحو هذه الظاهرة متأثر بالايديولوجية السياسية . لانه ببساطة تشير كل الدراسات الى انه لم تظهر النزعة القومية عند الشعوب الا بعد القرن السادس عشر كما ذكرنا أعلاه .ومن هذا المنطلق نقول لنترك المسالة للفرد فهو صاحب الحق في تقرير مايشعر به وليس ما يفرض عليه.ولنحترم بعضنا البعض ونتكاتف ونتعاون والا نحن معرضين للاندماج مع الشعوب الاخرى لا محال.
أما الجواب الثاني عن سؤالي فهو :
تعد منكيش مركز ناحية الدوسكي المسماة نسبة الى عشائر الدوسكي الكوردية.وهي القرية الوحيدة في الناحية كلدانية مسيحية ومحاطة ب 58 قرية كوردية أسلامية ،ماعدا قرية " كوندكوسا "الاشورية .ويعيش في منكيش كما ذكرت اعلاه 2000 كوردي ولهم جامعين لتقديم الخدمات الدينية.وأما سكان منكيش من الكلدان فهم 1000 نسمة ولهم كنيسة واحدة وتعدادهم يتميز بنمو سلبي بسبب الهجرة الفتاكة . وهذه هي أحدث الاحصائيات التي وصلتني قبل ثلاثة شهور من مديرية ناحية منكيش.
من خلال دراستي الميدانية كما قلت لاغراض تاليف كتابي عن بلدتي ، تبين بأن العلاقات بين منكيش والقرى الكوردية كانت تاريخيا مبنية على التقارب والعلاقات الاجتماعية التي أمتازت بالطيبة والاحترام المتبادل فكل الاسر المنكيشية كانت لها اسر صديقة في القرى الكوردية ،ولم تحدث اية صدامات جماعية بينهم على الاطلاق ،فكان دائما المنكيشيون يشعرون بالامان والهدوء في ناحيتهم وهي محاطة بقرى كوردية ،ولحد قيام الثورة الكوردية عام 1963 كانت المنطقة تعيش بأمان وأبرز مثال على ذلك هو مبيت الاهالي ليلا في موسم جني العنب من الكروم التي تشتهر بها منكيش ولمدة شهرين تقريبا في المزارع نفسها دون أية حوادث تذكر،الذي يسمى موسم " الطماشا " ،ولان الحكومة المركزية كانت مسيطرة على مركز الناحية ولم تخضع القرى الاخرى لسيطرتها ،فلا بد من وقوع ضحايا من أهالي منكيش بسبب الحرب الدائرة بين الثوار الاكراد والحكومة ،فاستشهد بعض الافراد مثلا وهم في طريقهم للسفر الى دهوك أو خروجهم على مسافة بعيدة من القرية للعمل الزراعي وما شابه.
ولم يكن استشهاد المختار حنا صنا عام 1956 الا غدرا بسبب مسالة الحدود .وأما حنكرا وقد استشهد عن طريق الخطأ فكان المقصود أحد الاكراد المخاصمين وليس هو ،وقصة استشهاده معروفة لدى المنكيشيين ،وأما الباقين أستشهدوا لاسباب ذكرتها في مقدمة المقال .
كان الآغوات هم المسؤولون عن الامن والضبط وبالتعاون مع مختار منكيش والوجهاء تاريخيا. فبالرغم من تواجد كثيف للاكراد من القرى المجاورة منذ سنة 1963 في منكيش ،أذ كانت دور المنكيشيين مفتوحة لهم فسكنوا في البيوت غير المؤهولة التي غادرها أصحابها الى بغداد وتوزعت العوائل الكوردية في البيوت الاخرى بتخصيص غرفة لهم ،وبالرغم من هذا التواجد فلم تحدث اية اضطرابات تذكر ’حيث كان الاغا المرحوم جعفر البيسفكي مسؤولا على امنها وحريصا على القرية من كل سوء .كانت تبادل الزيارات العائلية المتبادلة تتميز بالعلاقات الجيدة بين الكورد والكلدان ،وكانت المشاركات في الافراح والاحزان قائمة بينهم فلم يخلو عرس منكيشي من الاكراد يعبرون عن فرحتهم وبهجتهم لزواج جيرانهم،وهكذا لنا من ذلك العهد أصدقاء من الكورد حضرنا المدرسة سوية  وشاركنا اللعب سوية وسافرنا سوية ولم نشعر بفرق بيننا على أساس الدين أو القومية .
أستمرت هذه الحالة حتى سنة 1970 حيث عم السلام بعد 11 آذار ،فغادرت العوائل الكوردية متطوعة ,واتذكر ومعي كل المنكيشيين كيف كانت المواقف محزنة وتراجيدية عندما كانت تلك العوائل تودع جيرانها المسيحيين ،وكان الفراق صعبا بعد عُشرة أخوية.
وبدأت العوائل الكوردية ثانية يزداد عددها في منكيش منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بحكم الوظيفة في دوائر الناحية ’وثم حصولهم على قطع اراضي سكنية بحسب القوانين الحكومية  وليس عن طريق الاستيلاء،وازداد عددهم بعد ألاستقرار الامني منذ 1991 فوصل عددهم الى المذكور اعلاه ،وهم يعيشون مع بعضهم بالمحبة والتعاون ولاحترام المتبادل والاخوة ،فأستمرت  ثانية الانشطة الاجتماعية المشتركة بكل جوانبها وأشكالها دون أية أضطرابات تذكر ،فهناك العيش المشترك والمصير المشترك.بين الكلدان والكورد ،ويضطلع دورا مهما كبيرا اغا آزاد أبن المرحوم جعفر آغا  لتقوية أواصر المحبة والاحترام وحفظ الامن وبالتعاون مع المختار والوجهاء من بلدتنا " فقبل شهرين اتصلت تلفونيا معه ،فقلت هل تعرفني ،فأجابني يكفي أن تقول أنا منكيشي " كم هي هذه العبارة عظيمة ولها أبعاد نفسية وأجتماعية لا حدود لها ،فهي تكفي لتفنيد ما قيل مؤخرا عن المنكيشيين وعلاقتنا مع الكورد ،وهو الاغا نفسه الذي كان في موكب أستقبال غبطة البطريرك مار لويس ساكو في زيارته الاخيرة الى منكيش الى جانب المنكيشيين .
ولهذا أقول أتركوا منكيش وشأنها فلها خصوصيتها الاجتماعية والسكانية والتاريخية ، ولا يمكن أن تخترق جدارها الاجتماعي ونسيجها السكاني المتحد أية محاولة فحتما ستكون بائسة ، فالذين يزرعون الفتن لا وجود لهم بين أهالي منكيش من الكلدان والكورد ، فهم يحترمون الكورد والاشوريين والسريان، فلم يفكروا يوما بوجود فرق بينهم .فالا تخافون من زرع الفتن واحزاب شعبنا وكل المهتمين يسعون لبقاء وتشبث شعبنا بارضه /فهل هذه الطريقة السليمة هي عندكم لبقاء شعبنا على ارضه؟ أم نفكر بخلق سبل العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب العراقي لنحافظ على سلامتهم.  
                    

114

المطران مار توما روكس* خنجرخان
وقضية كلدان الملبار
في ضوء رسائل البطريرك مار يوسف أودو
الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي

                 قدمت الاسر المنكيشية على مر السنين عددا من أبنائها لخدمة الكنيسة ونشر كلمة الرب ،وشكلوا اكليروسا يفتخر به سكان المنطقة والكنيسة الكلدانية .ومما يؤسف عليه أنني لم أتمكن من حصر جميع الاكليروس من أهالي منكيش في العهود الاولى ما قبل دخول الكثلكة ،عدا ما ورد ذكره عن الطوباوي ( قفريانوس ) من ( بيت مكوشي ).(وقد تحدثت عنه في سلسلة مقالاتي عن منكيش والمنشورة في موقع منكيش حصرا ،الحلقة رقم 11 )  وورد ذكر القس ( خوشابا )في العهد النسطوري القريب، ويعتقد أنه كان آخر كاهن نسطوري في منكيش ،وله أحفاد في القرية ويشكلون الان عائلة ( آل قاشا ) نسبة أليه، كما أورد ذلك بعض المسنين من هذه العائلة، وينتسب أليها الاب(ممتاز عيسى قاشا )وظهر المطران مارتوما روكس خنجرخان أكثر شهرة ومكانة في تاريخ الاكليروس من أبناء منكيش  القرن التاسع عشر،وعليه ساسلط الضوء على حياته كطرف رئيسي في القضية الملبارية الكلدانية.
                                          المطران مار توما روكس خنجرخان
وهو أحد أبناء عائلة خنجرو الحالية ،ولكن جاء ذكر لقبه في سجل الرهبنة الانطونية الكلدانية وفي رسائل البطريرك مار يوسف السادس أودو ( خنجرخان )، ولد في منكيش في مطلع القرن التاسع عشر بدليل أنه دخل الرهبنة الانطونية الكلدانية في 20/ 4 /1823 . رُسم كاهنا في الموصل في كنيسة( مسكنتة ) على يد المطران ( مار يوسف السادس أودو ) بتاريخ 3/ 12 /1848 .
       وقد أحتمل الاضطهادات الكثيرة التي شنها حاكم العمادية آنذاك على الاديرة الكلدانية وتحديدا على دير( مار هرمزد ) المطل على سفح جبل القوش ،وذلك بتحريض من ( بيت أبونا ) ضد هؤلاء الرهبان الكاثوليك باعتبار ان ممتلكات الدير ترجع الى هذه العائلة ، حيث نُهب الدير وتشرد الرهبان لعدة مرات،ففي سنة 1835 سجن مار توما عندما كان راهبا في الدير مع المطران مار يوسف أودو في العمادية على أثر تلك الاضطهادات .
       أُنتخب في 20/ 9 / 1860 ليكون أُسقف لابرشية عقرة والزيبار ،لكنه أعتذر . وبعد ثلاثة أيام أي في 23 /9 /1860 أنتخب مطرانا للملبار في الهند  عندما ظهرت بوادر القضية الملبارية مابين بطريركية بابل الكلدانية والكرسي الرسولي في روما ،تلك القضية التي ارادت روما من جعل كلدان الملبار تحت رعايتها وادارتها مباشرة ، وتغيير طقسهم الكلداني ،بينما أعترض البطريرك مار يوسف السادس أودو على هذا التصرف الصادر من روما ،مما بادر لارسال مطرانا كلدانيا الى الملبار وبطلب والحاح منهم، أي من كلدان الملبار تحديا لتلك التصرفات التي كانت تدخلا مباشرا في شوؤن الكنيسة الكلدانية . 
      أشترط مار توما قبل رسامته أن تكون أسامته لابرشية البصرة ،وبموافقة المطارنة المجتمعين في الموصل، أسامه البطريرك ماريوسف السادس أودو مطرانا على البصرة في التاريخ أعلاه. وسافر الى الهند عن طريق البحر ،ومكث هناك قرابة سنة واحدة،وثم رجع الى الموصل في شهر تموز عام 1862 .مكث في القلاية البطريركية منذ 24 / 4 / 1863 معاونا بطريركيا ،أي مساعدا للبطريرك في تدبير شؤون الكنيسة ،وبعدها أتجه الى ألقوش وأستقر هناك في الدير .وقد حضر الاحتفال بوضع الحجر الاساس لكنيسة اللاتين في الموصل المعروفة بكنيسة الساعة في 9 / 4 / 1866 ،وحضر أيضا مجمع انتخاب البطريرك ( مار أيليا عبو اليونان ) في دير السيدة قرب ألقوش سنة 1878 .وتوفي في 24 / 3 / 1889 ،ودفن في كنيسة ( مسكنتة ) في الموصل .* *
   وقد رافق المطران مارتوما خنجرخان البطريرك المعروف مار يوسف السادس أودو منذ أن كان راهبا وثم كاهنا،ذلك البطريرك الذي أشتهر في قضية الملبار الهندية كما أشرنا أعلاه، فكسب مارتوما شهرته أيضا لموافقته أن يكون زائرا وموفدا من قبل البطريرك الى الهند في أصعب الظروف التاريخية والعصيبة والمهمة، وفي ظل أسوء علاقة بين البطريركية الكلدانية وكرسي روما حول كلدان الملبار .وفي هذه المقتطفات التي أخترتها من رسائل البطريرك مار يوسف يتبين مدى أهتمام الاخير بالمطران مار توما.
      تلبية لرغبة الملباريين في الهند وفقا لرسالتهم الموقعة من قبل 187 كنيسة كلدانية و650 كاهنا الموجهة للبطريرك مار يوسف أودو في شباط 1853 ،يطالبون فيها البطريرك( ارسال اسقفا من بين الكلدان والطقس الكلداني،ليتخلصوا من عبودية اللاتين أعداء طقسنا ،هؤلاء الذين أتلفوا حوذرتنا وابطلوا كزناـ وشوهوا كتبنا الخدمية ،لقد شوهوا طقسنا واحتقروا لغتنا وصلواتنا ،فهم بالحقيقة غرباء عنا فأصبحنا نحن غرباء عن ذاك الذي هو رئيسنا الشرعي وأبونا الطبيعي ،ورغم كونهم دخلاء فهم يريدون التسلط علينا ،هؤلاء الظلام والرؤساء غير الشرعيين.....الخ ،ويصرحون بأنه لايعرفون غيره رئيسا لهم فاعتبروه بطريركهم الشرعي والقومي)( ص10- 11  رسائل مار يوسف السادس اودو بطريرك الكلدان ،ترجمة المطران ابراهيم ابراهيم والشماس خيري فومية 2010 ).
     ففي رسالة البطريرك ماريوسف المؤرخة في 1 تشرين الاول عام 1860 في مدينة الموصل، والموجهة الى مار توما خنجرخان يقول فيها ( لأخينا الحبيب مار توما خنجرخان ميطرافوليط "براث ميشان " البصرة الكلي الوقار ،بالرب السلام.
أما بعد أننا بطريرك بابل ومعنا جميع أخوتنا احبار الكنيسة الكلدانية الجزيلي الاحترام ، قد أخترناك وأمرناك بالذهاب الى بلد الملباريين في الهند ،لتقف على أحتياجات المسيحيين الكاثوليك أبناء طقسنا الكلداني في تلك الامصار....ألخ .كتبنا لك  هذه الرسالة للتأكيد والاطمئنان ،وسلمناها بيدك لتكون حجة عند الحاجة وأبرازها )وكانت الرسالة موقعة من قبل سبعة مطارين ومعهم الرئيس العام لرهبنة مارهرمزد الكلدانية.
      وفي رسالته المؤرخة في 12 تشرين الثاني عام 1860 في مدينة الموصل ،والموجهة الى كلدان الملبار ،وأرسلها بيد مار توما نفسه وجاء فيها : ( قد رسمنا أسقفا اخانا مار توما الموقر ،هذا الذي كان ومنذ العام 1828 م ،ولهذا اليوم يعمل بأمرتنا ،بصفته وكيلنا وهو الذي كان يرعى ويدبر جميع اعمالنا بصفته أمينا لسرنا ،ورغم ذلك فقد بترناه عنا ،وارسلناه الى طرفكم ،وقد قبلنا بهذه الخسارة كي يكون لبنائكم وفائدتكم ) ص 21. وجاء في الرسالة أيضا ( ثم أعلموا أننا هنا من جهتنا قد لبينا طلباتكم ، الطلبات التي أنتم وآباؤكم طلبتموها ومنذ زمن، وبالحاح من كرسينا البابلي،بدموع سخية ،واستغاثات حزينة وحسرات كئيبة . أي ، ها أننا قد ارسلنا لكم مطرانا كلدانيا من بني قومكم وأمتكم ، فالمطلوب منكم وما يلزم عليكم عمله الان هو : أن تقبلوه بغلية الفرح وتكرموه باطاعتكم اياه ووفاقكم معه كما يليق بدرجته المقدسة .....الخ ص 22 ).
    ويأتي ذكر مارتوما في الرسالة المطولة والمؤرخة في 14 /تشرين الثاني عام 1860  والموجهة الى كلدان الملبار( واننا مستعدون اذا لزم الامر ،أن نضحي من أجلكم لتحريركم من أيدي سالبي حريتكم الكنسية ،ولاعادتكم بسلام الى طقس آبائكم الحقيقي ،الذي قبلوه من الرسل الطوباويين وسلموه لكم مع الكتب المقدسة وباللغة الكلدانية التي هي لغة مملكة بابل .ص 24 ) ويقول مار يوسف ( وعليه فبرهانا على محبتنا لكم واشفاقا عليكم نرسل اليكم أبننا العزيز وأخانا الموقر مار توما مطران البصرة حسب حقوق كرسينا عليكم.نرسل لكم هذا الاخ ليزوركم نيابة عنا ويرى أحوالكم وليثبتكم ويعزيكم لتجابهوا صنائع وتجارب الشرير،وأظهروا وبواسطة نائبنا المذكور محبتكم واستسلامكم الشامل للكرسي البابلي ص26 -27 )ويؤكد ( أن تعملوا وتواظبوا على اتمام أوامرنا وتنبيهاتنا وارشاداتنا ونصائحنا التي باسمنا يعطيكم اياها مار توما. ص 28 ).
       وجاء في رسالة مرسلة من المطارنة الكلدان الى كلدان الملبار والمؤرخة في 14 تشرين الثاني عام 1860 ،حيث يقولون ( ولاظهار اهتمامكم الصادق لنا ،نرتأي انه حينما يصل مار توما بمراحم الرب على مقربة من بلدكم ،لا يليق به أن يدخله دخلا بسيطا وعاديا ،بل ليمكث في بلدة مجاورة لبلدكم ،حتى تزف لكم بشرى وصوله وغاية مجيئه مع نسخ من رسالة ابينا البطريرك حول ارساله ،فتذهبون انتم للقائه وزيارته وأظهار عظيم محبتكم وغيرتكم ووفاقكم ،ونطلب منكم ردا صريحا وموقعا من جميع كهنة ووكلاء ورؤساء الكنائس وشعب ملبار كله .حينئذ اذا قمتم جميعكم وفرزتم انفسكم من اللاتين ،واعتقتم رقابكم من نيرهم وتجاوزتم ضيقاتكم أمام العالم وأمام عظماء مملكة الانكليز ومواطنيكم ،وأظهرتم جليا بأنه هو راعيا لكم ، وأخرجتم اللاتين الذين بالاكراه يريدون أن يتحكموا فيكم ،ورافقكم عدد من أناس معروفين من لدن " كوبار " المحافظ والحاكم الكبير على " مدراس " ،وذلك لادخال المطران توما بكل وقار وزياح الى مدنكم وكنائسكم ،حينئذ يدخل كراعي الى رعيته ،وكمطران الى كرسيه ص 37 ) . ويشيروا الاساقفة في رسالتهم الى ( فأخانا مارتوما ،وبلا شك عند زيارته للكنائس سيشيد المدارس حيث يجد الحاجة اليها ،فأقبلوه كما تقبلون البطريرك بشخصه واعملوا بحسب قوانينه واكرموه كأب ،ولا تقصروا في خدمته . ص 39 ) .
      وفي مستهل رسالة البطريرك مار يوسف أودو المؤرخة في تشرين الثاني 1860 الموجهة الى مارتوما  ويدون فيها الوصايا والقوانين يقول ( أنا يوسف أودو بطريرك بابل لاخينا الموقر مار توما خنجرخان مطران "براث ميشان " الموفد من قبلنا ومن قبل جميع مطارنة أمتنا الكلدانية الى الملبار وعموم الهند من الكلدان والهراطقة وغير المؤمنين الذين في تلك الامصار.ص 40 ) .
    وفي رسالته من الموصل والمؤرخة في 15 تشرين الثاني لعام 1860 والموجهة الى المطران مار توما عند وصوله بابل ( بغداد ) وهو في طريقه الى الملبار يقول : ( الى أخينا الحبيب مار توما السامي الاحترام ،السلام بالرب،لتعلم وأنت في الطريق التي ستسلكها ،قد تصادفك صعوبات وتجارب كثيرة ،بأشكال وأصناف مختلفة ،ومن كل الجهات وبوجه خاص تلك التي سيثيرها عليك وبلا سبب مبغضونا المعروفون لديك ،لكن رغم كل ذلك لا تفزع ولا تخاف ولا يضطرب قلبك من أي كان لان الله معك.....ألخ  ص 44 ).
   وجاء في رسالة البطريرك التي تُعد رد على رسالة المطران توما والمؤرخة في 10 كانون الاول من عام 1861 في الموصل ( الى أخينا مار توما المملوء مدحا وغيرة السلام بربنا لتعلم سيادتكم،باننا اليوم استلمنا رسالتكم المؤرخة في 10 كانون الاول ،وتعرفنا على كل ما أحتوته من الافكار ،اننا نشكر الرب على سلامتك وغيرتك للرب وغيرها من اهتماماتك خدمة للقريب،كما وعلى أتمامك أوامرنا وبحرص ....ألخ ص 45 ).
     وفي رسالة الملباريين في المنطقة الشرقية المؤرخة في 30 آب 1861 جاء فيها ( قارئ اللبيب ،حينما سافر مار توما الى بلاد الهند ووصل لتلك الديار ،فرح به كلدان تلك الامصار ،فأخذوا يكتبون له الرسائل ويرسلون الوفود من جهاتها الاربعة ممن كانوا تحت سلطة بطريرك بابل،أي لا ممن كانوا تحت سيطرة اللاتين ...الخ ص 47 )  وأما رسالة الملبار الشرقيين المرسلة الى المطران توما في نفس التاريخ اعلاه ،جاء فيها ( كلنا نحن كلدان المنطقة الشرقية نقول : لايخفى على سيادتكم بانه ولمرات عدة أرسلنا اليكم شمامسة من لدننا ليُرتسموا كهنة ،فارسلتموهم بدون رسامة معللين بذلك بعلل شتى.والان كلنا وبصوت واحد عمداء الكهنة والكهنة وكبار القوم نستغيث بكم ونقول : سيدنا انتم هو رئيسنا ومطراننا الكلداني ،وكلنا تبعناك واتحدنا معكم ،وعليه أُعتُبرنا كلنا هراطقة ومُحرمون من قبل المطران " برنردوس " اللاتيني ،فالى من نذهب ؟ليس الا لدى أبوتكم ...الخ ص 48 ) .
   وأما الرسالة الموجهة من البطريرك مار يوسف أثناء وجوده في روما الى المطران مارتوما والمؤرخة في 7 أيلول 1861 يقول فيها : (  الى أخينا العزيز مار توما الكلي المديح والوقار،بربنا السلام ،لا يخفاكم كيف كانت الخلافات والخصومات بيننا وبين " أماتون " القاصد الرسولي الموقر بشأن كلدان الملبار وغيرها . وأنه أوفدناكم الى تلك البلاد . ونزولا عند رغبة ودعوة قداسة الحبر الاعظم وان صعب علينا ترك مقر كرسينا البطريركي ،بدأنا السفر الى روما ،والان وبعون الله وصلنا بسلام وبرفقتنا مار بطرس دينتالي الموقر .وبعد وصولنا روما عاصمة قداسة سيدنا البابا فقد أعلن لنا عن أرادته ، أي يجب وقبل أن يبدأ معنا بالتحقيق في الامور الخاصة بقضية الملبار ولاتمام رغبة الشعب الكلداني الذي يرغب في نيل مبتغاه قال : لتعد أحوال ملبار الى سابق عهدها " أي كما كانت قبل وصول المطران مار توما خنجرخان " وبما أننا مطيعون لصوت راعي الكنيسة ورأسها المنظور ،لم نشأ مضادة أرادته ،أذ طاعته هي واجبة علينا .لذا أيها الاخ الموقر أننا نطلب من سماحتكم وحال استلامكم رسالتنا هذه مغادرة أرض الملبار والعودة الى مقر كرسيكم في براث ميشان ....ألخ ص 49 ).
    وكتب البطريرك مار يوسف رسالة أخرى الى مار توما وهو في روما ومؤرخة في 23 شباط 1870 جاء فيها ( الى مارتوما خنجرخان الجزيل الاحترام ،سلام ،وبعد لا يخفاكم انه قبل هذه الرسالة وبعد وصولنا روما أرسلنا لك ثلاث رسائل أخرى ،الاولى في 29 كانون الاول ،والثانية في 15 كانون الثاني ،والثالثة في 8 شباط الذي صادف اليوم الاخير من أيام صوم الباعوثا . وفي ثلاثتهم كتبنا لك كل ماكان ابلاغك ضروريا ." وهي رسالة مطولة يوضح البطريرك ما جرى من محادثات بينه وبين البابا وماجرى في المجمع من الاختلافات ،وكذلك ذكر فيها كيف خدعهم القاصد الرسولي "نيقولا " وهم في حلب في طريقهم الى روما، لولا تلك الخدعة لرجع البطريرك ووفده الى الموصل من حلب دون حضوره المجمع كما ذكر في متن الرسالة. ص 82 – 87 ) .
 وفي 18 ايار 1870 وجه البطريرك من روما رسالة اخرى الى المطران مارتوما جاء فيها ( لاخينا الحبيب مار توما خنجرخان الجزيل الاحترام ،بالرب سلام ،ليكن معلوم لديك بأننا قبل هذه الرسالة كنا قد أرسلنا لك ولجماعة الموصل وآخرين رسائل عديدة كلها ليدك وآخرها الرسالة التي ارسلتها في 11 أيار 1870 ،نطلب منك أن تبلغنا استلامك لتلك الرسائل ،وان تخبرنا بما يحدث بين ظهرانيك ،ويطلعه عن مايجري في روما من موضوعات ورفوضات في المجمع والمتعلقة " بعصمة البابا " تحديدا .ص 90 – 92 ) .
    وجاء في رسالة أخرى من البطريرك وهو في روما والمؤرخة  في 28 تموز 1870 (لاخينا مار توما خنجرخان الجزيل الاحترام ،السلام بالرب ،اعلم ،انه من جهة أعمالنا قد انتهينا ،والتأم المجمع برفض المائة والستون " عقيدة " العصمة وبعدم تنازلهم عن صلاحيتهم ،وكذلك نحن وبطاركة الروم والموارنة والسريان لم نحضر الجلسة الختامية ويعلم بذلك الجميع والمائتين من المؤيدين وافقوا لانهم يعتاشون على مساعدات البابا والباقون وافقوا خوفا ورياءا وطمعا بالمال والهدايا التي ينالونها بسبب مناصبهم ...ألخ ص 92 – 93 ).
 وجاء ذكر المطران مار توما في رسالة البطريرك ماريوسف الموجهة الى مار ايليا مطران عقرة والزيبار والمؤرخة في سنة 1874 ويشرح فيها ما آل أليه شعبنا الكلداني في الملبار .ص117 . وفي رسالة موجهة من القس أوغسطين المرسل الى الهند من قبل البطريرك أودو والمؤرخة في 6 كانون الاول 1874 جاء ذكر مارتوما خنجرخان في سياق حديثه عن الاعمال الشنيعة التي ارتكبها اللاتين في الهند تجاه الكلدان الملبار ،ويحث  الرؤساء على عدم الاستماع الى الدومنيكان وأن لايخافوا من حروماتهم لان هذه الحرومات ليست من الكنيسة . ص135 .
   وذكر البطريرك مار يوسف في رسالته الموجهة الى مار أيليا ميطرافوليط الملبار في 26 تموز 1875 في الدير الجديد " وهو دير السيدة " ذكر حضور مار توما خنجرخان في مراسيم رسامة مطرانين للكلدان . ص149 .وأخيرا جاء ذكر مار توما خنجرخان في رسالة البطريرك الموجهة الى مطران العمادية مار بولس من القوش والمؤرخة في 21 كانون الثاني 1877 ،والتي فيه يعلمه برسائل التهديد والوعيد التي وصلته من قداسة البابا عن طريق الاباء الدومنيكان .ص 180 .
يتبين من الرسائل المرسلة من قبل البطريرك مار يوسف السادس أودو الى المطران مارتوما خنجرخان مباشرة ،أو الى غيره وجاء ذكره فيها ،يتبين بوضوح:
 بأن مارتوما كان يتمتع بمكانة عالية ورائعة  في الكنيسة الكلدانية أثناء خدمته الكهنوتية والاسقفية وخاصة في القضية الملبارية ،مما يدل أنه لعب دورا مهما في تلك الاحداث لان معظم رسائل البطريرك كانت موجهة اليه من روما ليطلعه على مجريات الامور وتفاصيلها هناك .
أن محتوى هذه الرسائل يتمركز حول القضية الملبارية الكلدانية ،واتخاذ التدابير الرعوية لتخليص كلدان الملبار من سيطرة اللاتين وفرض طقوسهم عليهم .
من قراءة تفصيلية لهذه الرسائل المتبادلة بين البطريرك ووكيله مارتوما ـ يتضح جليا مدى الضغوط التي تلقاها رجال الدين في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية من المرسلين الكرملين والدومنيكان في محاولة منهم لتغيير الموروث الكنسي الكلداني من الطقوس والتقاليد والسلطة ، ومحاولتهم لربطهم اداريا بسلطة كرسي روما مباشرة .
أستغلوا اللاتين المرسلين الى ديارنا والذين تجولوا في قرانا، طيبة الشعب الكلداني والاكليروس بشتى الوسائل كما يُذكر في الرسائل لتغيير مواقفهم والايقاع بين المؤمنين ورجال الدين ،وعليه انقسم الاهالي في القرية الواحدة والكهنة والاساقفة الى فريقين المؤيدين لروما بالضد من المؤيدين لبقاء تقاليدنا وطقوسنا وسلطتنا الكنسية.
تؤكد الرسائل المتبادلة وبوضوح وصراحة على التصرفات القمعية والمشينة والتخويفية وحتى الاستهزائية التي لا تليق برجال الدين التي استخدمت من قبل اللاتين للقمع الفكري وتغيير الاتجاهات من قبل مستويات دينية متقدمة في الرتب الكنسية كالقاصد الرسولي لاخضاع المؤمنين الى سلطة روما .
أشارة واضحة في الرسائل المتبادلة وجود الوعي القومي عند رجال الدين الكلدان في تلك الفترة اكثر مما هوعليه الان اذ نلاحظ دائما تكرار في الرسائل عبارات مثل ،الشعب الكلداني ـ الامة الكلدانية ـ وابراز اصالة الشعب وانتمائهم الى بابل ،واللغة الكلدانية. ،ويبدو جليا أن تأثير المعهد الكهنوتي الدومنيكاني في الموصل ( معهد ماريوحنا الحبيب ) كان له التأثير على هذه المفاهيم القومية على تلاميذه من حيث لا يشعرون ويدركون ما يجري حولهم، وقد درسوا فيه  وأعمارهم لا تزيد عن اثنتي عشرة سنة ،وبالرغم من تدريس اللغة الكلدانية الى جانب الفرنسية.
ربما سائل يقول : ما مدى مصداقية ما نُقل عن اولئك اللاتين ؟ الرسائل المتبادلة بين رأس الكنيسة الكلدانية ووكيله وأساقفته هي خير برهان على ذلك .وعليه نتمنى ان تُبنى العلاقة المعاصرة بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكرسي روما على مبادئ الاحترام المتبادل وحق تقرير المصير والابتعاد عن الخضوع والوصاية السلطوية والتدخل المباشر بالشؤون الادارية لكنيستنا ووضع حلول لسلطة الكرسي البابوي على الابرشيات الخارجية وفقا لمبدأ ان الارض ليست ملكا لجهة دينية دون أخرى.وذلك بتعديل المادة القانونية الكنسية التي تعالج تعاطي الفاتيكان مع الابرشيات الكاثوليكية غير اللاتينية التي تقع خارج الحدود الجغرافية للبطريركية .أذ يعد هذا مفهوما مصطنعا بكل المقاييس  لاستحواذ السلطة وفرضها على الغير ،فليس هناك حدود جغرافية تذكر لاي كرسي رسولي من الكراسي التقليدية المعروفة في الكنيسة ,لكي تفرض هذه الحدود الان .
          ----------------------------------------------------------
•   روكس: هوشفيعه سمي به عند اسامته مطرانا
•   المصادر المعتمدة
•   سجل الرهبنة الانطونية الكلدانية
•   رسائل مار يوسف ألسادس أودو بطريرك الكلدان ،تعريب وتحقيق المطران ابراهيهم ابراهيم والشماس خيري فومية ،مشيكن 2010 .
 
     

         
       


115
الدلالات المستخلصة من البيان الختامي
لسهنودس البطريركية الكلدانية
وفي ضوء اللقاء الاخير لصوت الكلدان مع سيادة المطران مارابراهيم ابراهيم
د. عبدالله مرقس رابي
استاذ وباحث اكاديمي

                         تضطلع القيادة في المؤسسة أو اي تنظيم أجتماعي دورا كبيرا الى جانب العوامل الاخرى الذاتية والموضوعية في التخطيط والمتابعة لتحقيق الاهداف ،وفي مؤسستنا الدينية الكلدانية الكاثوليكية برز دور القيادة بعد تسلم غبطة البطريرك مار لويس روفائيل الاول ساكو السدة البطريركية ،ففي فترة قياسية لا تتجاوز الخمسة أشهر تمكن بجدارة في التهيئة لعقد السيهنودس الكنسي المقرر أقامته سنويا ولكن مرت اربعة سنوات من دون انعقاد ،وعليه ظلت العديد من المسائل الكنسية الهامة معلقة بدون أجراء .
وبعد أن وضع غبطته برنامجا شاملا لمناقشته مع الاباء الاساقفة كما أشار اليه سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم في لقاء أجراه الاستاذ شوقي قونجا في أذاعة صوت الكلدان مع سيادته أثر عودته من بغداد ، وجه الدعوة لهم لحضور السينودس للفترة بين5 -  11 من شهر حزيران الحالي ،وقد تلبى الدعوة جميعهم باستثناء راعي ابرشية مار بطرس سيادة المطران مارسرهد جمو لاسباب غير معلنة ،في الوقت الذي كان حضوره مهما جدا لتقديم مقترحاته ومشاركته في المناقشات بشكل مباشر ليكون هناك التأير المتبادل والوصول الى تحقيق المطلوب.
ومن الدلالات المستخلصة من السينهودس من وجهة نظري يمكن أجمالها كما يأتي :
 عكس أنعقاد السينهودس عدة رسائل عامة موجهة للجميع ومن أبرزها ،
أولا  : عقدُ السيهنودس على ارض الوطن وفي العاصمة بغداد في الظروف الامنية السيئة دليل واضح ورسالة الى الشعب العراقي بكل مكوناته لتؤكد ، نحن مسيحيو العراق، سكان البلد الاصليين ولا يمكننا التخلي عن ارض الاجداد مهما تعرضنا اليه من أضطهاد وبؤس وظلم،فبالرغم من تشتتنا ،لكن نعود لنطلق رسالتنا في السلام والاستقرار والعمل والبناء من ارضنا العراقية.
ثانيا  :تشير تلبية الاباء الاساقفة لدعوة غبطة البطريرك لحضور السيهنودس في بغداد ،دليل واضح على مدى تمتع البطريرك مارلويس ساكو بشخصية كارزماتية مؤثرة في استخدامه الحكمة واساليب الاقناع وتغيير الاتجاهات والمواقف لان بعض من الاباء الاساقفة انفسهم لم يبادروا وبل رفضوا سابقا الحضور الى بغداد لعقد السيهنودس .
ثالثا : مشاركة القادة السياسيين العراقيين وتلبية الدعوة الموجهة لهم لتناول عشاء المحبة والسلام  من غبطة البطريرك مار لويس أمر في غاية الاهمية ، اذ تشير الى تمتع ابينا البطريرك بمكانة رائعة وقيمة وتقديرواحترام عند الاطراف السياسية المختلفة في العراق وتعكس في أهمية دوره لصنع السلام والتوفيق وايجاد سبل المصالحة والتكافل من أجل الشعب العراقي وانقاذ الوطن من شر الحرب الطائفية المدمرة ، ومن ثم يُفهم ان هذه الامكانية هي دليل على تمتع الكنيسة الكلدانية بدور تاريخي انساني ومرتبط بالوطن لتحقيق السلام العادل والشامل والمحبة وبغض الانانية في السلطة وادارة البلد .
رابعا : عبرت نتائج السيهنودس عن عدم صحة التفسيرات والتكهنات لبعض الكتاب من شعبنا التي أزدادت في الفترة الاخيرة لتفسير أقوال أبينا البطريرك وما سوف يتمخض عنه السيهنودس ،مما يدل بوضوح اخفاقهم لتفسير المعطيات لافتقارهم لاساليب الفن الصحافي ،أو التحليل العلمي الاستقرائي السليم ،بل أن أغلب تفسيراتهم تعتمد على المنطق الاستنباطي القديم في تفسير النصوص أو الظواهر ، والذي من ميزاته تدخل العوامل الشخصية للكاتب في التفسيرات والتحليلات مثل ، الاسقاطات الشخصية والعلاقات وتاثير العواطف التي تبعد الانسان من التفكير العقلاني مما تؤثر على نتائجه .وكذلك أخفق بعضهم في تفسير محتوى البيان الختامي للاعتماد على التحليل المتأثر بالعوامل الذاتية ،فقد غاب عن ظنهم بان هناك مقررات قد تكون سرية ولم تعلن الى يوم دراستها وحسمها ،وما أدلى به سيادة المطران ابراهيم ونوه أليه في جوابه للاخ شوقي في مقابلته لسؤال عن قضية المطران مار باوي،حيث أجاب مار ابراهيم أنها كانت من أولويات البرنامج ودرست القضية وفقا للقوانين الكنسية وان هذه القوانين واضحة وسيعلن في حينه عن النتائج  .لايعد هذا الادلاء الا مؤشرا على أخفاق من هتف بفرح على عدم ذكر قضية مارباوي في البيان الختامي مما فسروا ذلك على أنها حُسمت سلبا ولكن ظهر العكس. وهذا ينطبق على ما تكهنوا به بالنسبة الى المسائل القومية والهوية.
 وأما ما يمكن استدلاله من البيان الختامي للسهنودس فتشمل من وجهة نظري بما يأتي :
 أولا : كانت اهتمامات الاباء الاساقفة منصبة في ترتيب البيت الكلداني الذي انهكته الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية المحلية والاقليمية التي سادت المنطقة منذ عام 1992 وزادت بؤسا وقساوة بعد 2003 . ومن الامور التي نوقشت وفقا للبيان ومقابلة سيادة المطران ابراهيم هي :
 1  - التأكيد على الوحدة ، وحدة كنيستنا الكلدانية لكي نتجاوز الاختلافات الابرشية ،فانها تمثل جسدا واحدا ،وثم تعمل بتوجه اداري وفقا للقوانين الكنسية التي تنظم العلاقة بين الاكليروس مع بعضهم من جهة ومع المؤمنين من جهة اخرى، وركزت التوصيات على ألتزام الكهنة بالاصول الادارية في تنقلاتهم والانصياع الى القوانين الكنسية والمركزية وعدم تجاوز لهذه الاصول الادارية ،التي تعكس تنظيما أداريا يحقق اهداف الكنيسة الروحية وراحة الكهنة ،وفي الالتزام الاداري ستنبذ المزاجية والانانية الشخصية والعلاقاتية في التعامل بين الاكليروس .
2 – التأكيد على الطقوس الموحدة في كل الابرشيات بعدما ظهرت في الفترة الاخيرة المزاجية في انتقاء الطقوس وممارستها من قبل الاساقفة وبل من قبل الكهنة ايضا .
3 – تطوير المعاهد الاكليريكية  التي تهتم بتنشئة الكهنة وفتح ابوابها وتقدم خدماتها لكل الطوائف المسيحية في العراق ، تلك الخطوة الهامة برأيي التي تفتح آفاق التقارب والتكافل ووحدة الايمان بين الطوائف جميعا عندما يشترك كهنتها في تنشئة ودراسة موحدة .
4 – التأكيد على الابرشيات الشاغرة وترشيح المؤهلين لدرجة الاسقفية لاشغال هذه الابرشيات،وثم تقديم الطلب الى الفاتيكان لاستحداث أبرشية في اوربا باعتبارها خارج الحدود الجغرافية للبطريركية الكلدانية .
5 - كانت من أولويات الاهتمام بالدوائر المالية في الكنيسة وأعادة تنظيمها ،ونتمنى بان تكون واحدة من هذه الامور المالية هي النظر في مسالة التكافؤ المالي بين الابرشيات ،وبين الكنائس في الابرشية الواحدة.
ثانيا : رسالة واضحة على تمسك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعقيدتها الكاثوليكية بشراكتها مع كنيسة روما . مما يدل على ان اية محاولة للوحدة مع الكنائس الاخرى بما فيها الكنيسة الشرقية الاشورية ستكون وفقا على هذا المبدأ الروحي والاداري . والتبعية واضحة لكرسي البابا في الفاتيكان  وهذا ما أكده السيهنودس كما نوه أليه سيادة المطران ابراهيم في اذاعة صوت الكلدان  ،الامر الذي لا يستسيغه الاطراف غير الكاثوليكية في هذه التبعية ، وعليه ان أية محاولة للوحدة لا بد أن ترافقها تنازلات أدارية بالدرجة الاساس وألا ستكون الوحدة متوقفة في حدود التكافل والتضامن ولاحترام المتبادل .
ثالثا : ركز الاساقفة المجتمعين على القضايا الاجتماعية التي تخص المؤمنين في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ومن أبرزها:
 1 – الحد من مشكلة الهجرة التي تؤثر سلبا في النمو السكاني للمسيحيين في ارض الاباء ، والتوجيه لتشكيل لجنة من الاكليروس والعلمانيين لدراسة الموضوع بجدية ، وبهذه المناسبة ادعو البطريركية بأن تشكل اللجان من المختصين في شؤون الهجرة واوضاع المجتمع لكي تحقق الدراسة نتائج موضوعية مبنية على الاسس العلمية .
2 – أناط السيهنودس بحسب البيان الختامي تعليم اللغة وتطويرها ونشر الوعي القومي الى العلمانيين ،مما يوحي الى أهمية هذه المسائل بالنسبة الى الكنيسة ولكن أن يتحمل مسؤوليتها العلمانيون لكي لا يحيد الاكليروس عن واجباتهم ومسوؤلياتهم الروحية الايمانية التي هي رسالتهم لكل البشرية بدون استثناء، وأيضا أدعو البطريركية الى التعاون مع المختصين في اللغة وعلم النفس والانثروبولوجية وعلم الاجتماع  في  مسالة تطوير اللغة وأن لاتقتصر على اناس مجرد يعرفون بناءوتصريف اللغة الكلدانية أو تحت اي مسمى آخر  .
3 – التأكيد على ارتباط وتواصل المؤمنين المنتشرين في جميع أنحاء العالم مع الكنيسة وبطريكيتها في البلد الام لانهم أحفاد أولئك ألذين نشروا الايمان في اقاصي الارض ،وعليم الثبات في ايمانهم وأن لايتزعزع أمام المغريات المادية .
4 – عكس البيان الختامي ، وهي الهوية الكنسية ،فجاء فيه "تفتخر كنيستنا بهويتها الكلدانية لانها تعود بتاريخها الى زمن الرسل ،الى مارتوما وأدي وماري "مما يدل بوضوح بان الرسالة المسيحية التي بدأتها كنيستنا كانت وتاسست على يد الرسل في "كوخي " في بلاد الكلدانيين على ارض بلاد النهرين ،وعلينا أن نفتخر بهذه الهوية التاريخية .
5 – دعوة صريحة وتأكيد على أن العمل السياسي والقومي هو متروك للعلمانيين المقتدرين ، نعم فهو الموقف المطلوب من الكنيسة والاكليروس مهما تكن درجته الكهنوتية ،لكي لا يمتزج العمل السياسي والقومي مع الرسالة الروحية التي كرس حياته من أجلها لخدمة كل البشرية ،وفعلا أثبتت التجارب من تدخل بعض رجال الدين في مثل هذه المسائل بانها فاشلة وحدث نوع من التخبط واللامسؤولية والتدخل بشؤون العلمانيين السياسيين وبل حتى في شؤون الكتاب والمهتمين بالشأن القومي وذلك من خلال انعكاس السلوك الفردي في التعامل مع الاخرين أسقاطا من الفكرة التسلطية لرجل الدين كما هي سائدة في المؤسسة الكنسية , وبهذه المناسبة أُثمن الموقف الرائع والمسؤول الذي أبداه سيادة المطران مارابراهيم راعي ابرشية مارتوما في مشيكن على وقوفه بمسافة بعيدة ومكوثه في مكتبه وبعيدا عن جلسات المؤتمر الكلداني العالمي الذي اقيم في مشيكن للفترة من 15 – 19 من الشهر الماضي ،فاقتصر وجوده على مباركة للمؤتمر في افتتاحيته وثم الختام بقداس الهي اقامه بالمناسبة .
رابعا : ولما كانت الكنيسة وشعبها المؤمن محاطة بالبيئة السياسية والاجتماعية والدينية كونتها العوامل التاريخية والدينية والسياسية بمرور الزمن ،فلابد من تحديد نمط العلاقة والتعامل مع الوضع القائم والمستجدات والاوضاع المتغيرة ،فجاء تأكيد الاباء الاساقفة على الوعي العميق في اهمية العلاقة المسيحية والاسلامية في الشرق لحاجتها الى الدعم والمساندة والمبنية على الاحترام المتبادل ،الامر الذي سيؤدي بمسيحي الشرق بالتمسك والارتباط بأرضهم التاريخية .
وعلى هذا الاساس أيضا لتضطلع الكنيسة الكلدانية بدور مهم في نشر ثقافة السلام والمحبة والتآخي بين جميع مكونات الشعب العراقي وتلعب دورا مهما في المصالحة الوطنية للحد من سفك الدماء في بلدنا العراق والعيش بسلام ووئام .
وأخيرا أقدم التهاني لاساقفتنا الاجلاء لنجاح السيهنودس الكلداني الذي طال ترقب الجميع لانعقاده ،وتمنياتي للنجاح دائما الى مخطط ومعد البرنامج السيهنودسي الذي كان شاملا في محتوياته وواقعيا ومستخلصا من الوضع الخاص لكنيستنا والوضع العام لمجتمعنا العراقي البطريرك مارلويس روفائيل ساكو الاول .
كندا في 16/6/2023




 

116
الدكتور برخو
بين الصحافة والاكاديمية
وكُتاب المقاهي الشعبية
الدكتور عبدالله مرقس رابي
باحث اكاديمي
           المقدمة

                        من الحقول المعرفية التي تدرس الصحافة هو علم الاجتماع الاعلامي الذي يركز في دراسته على عمليات الاعلام والاتصال وتحليل مضامين الرسائل الاعلامية، سواء كانت احداث أو مقالات أو معلومات حول ظاهرة ما ،ومدى تأثير المواضيع الاعلامية على الفرد والمجتمع.ويشير علماء الاجتماع الاعلامي ان التاثير الاعلامي يعتبر من الظواهر الاجتماعية التي يمكن مراقبتها وتوظفيها لنقل المعارف الى الفرد ،وبما ان الفرد ينفعل لتأثره بالمادة الاعلامية فيحاول المختصون تحويل هذا الانفعال الفردي الى سلوك جماعي يُستغل في تنمية القدرات الاجتماعية .
الدافع الى كتابة المقال
            ان السبب الذي دفعني لكتابة هذا المقال،هو العبارة التي جاء بها الدكتور ليون برخو في تعقيبه على المعقبين في مقاله الموسوم"نعم تسمياتنا صنيعة الاستعمار ،ولكن ليس لغتنا وموروثنا – تعقيب على البطريرك مار لويس روفائيل الاول"والعبارة هي"واخيرا كوني اكتب في منتديات شعبنا،هذا معناه انني لا أرى نفسي الا مثل اي واحد من القراء والكتاب ،المنتديات هي مقاهي شعبية ،والذي يرتاد المقهى معناه حاله حال الكل وان حمي الوطيس لا تفيد في المعمعة، الشهادة أو المكانة العلمية،كلنا سوى". واما الهدف من المقال هو الاجابة على السؤال الاتي : ماذا نصنف كتابات الدكتور ليون برخو ،صحفية أم أكاديمية أم كتابات المقاهي الشعبية؟وما هو نمط كتابات كُتابنا؟. ولدراسة الموضوع استخدمت منهج تحليل المضمون والمقارنة فهما من المناهج المهمة التي يستعين بهما الباحث الاجتماعي لدراسة ظاهرة ما.هذا وكانت مقالاته المنشورة على مواقع شعبنا هي موضوع الدراسة.وقبل الولوج في الموضوع لابد من توضيح ما المقصود من بعض المفاهيم التي وردت في عنوان المقال وهي:.
الصحافة:
 تُعرف الصحافة بانها مهنة الصحفي في تجميع الاخبار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية،ويحللها وينشرها في وسائل الاعلام المختلفة .وتُحقق الصحافة وظائف اساسية هي ؛نقل الاخبار والاحداث العامة وتحليلها ،الاستطلاع أو مراقبة البيئة ،توثيق الاحداث لتصبح مصدرا للتاريخ،تكوين المواقف وتوجيهها لبناء الرأي العام حول ظاهرة ما ،التحليل للظواهر المختلفة ،الاعلان والدعاية ،ووظيفة الترفيه والتسلية.
      وأما الصحفي :هو كل من اتخذ الصحافة مهنة له، يمارسها بعد اجتياز المتطلبات العلمية التي تؤهله لهذه المهنة،فهو لايكتب من فراغ ،ولا يوجه رسالته الى المجهول ،بل يسعى لتحقيق هدف معين من خلال وظائف الصحافة المذكورة.
    بينما الصحافة الاكترونية
 هي تلك الصحافة التي تُمارس عبر الشبكة العنكبوتية ،وقد ترتبط بالصحف الورقية المطبوعة فتكون نسخة منها ،او قد تكون منشورة في مواقع الكترونية يمتلكها افراد أو جماعات أو مؤسسات رسمية وغير رسمية متنوعة.
الاكاديمية :
 يرجع الاصل اللغوي لهذا المصطلح الى اللغة اليونانية ،وقد أُُطلق على المدرسة التي انشأها الفيلسوف اليوناني افلاطون سنة 386 قبل الميلاد في حديقة اكاديمس المسماة على اسم الاله اكاديموس في مدينة اثينا،وثم حافظ تلاميذه على هذا اللقب ،وظلت التسمية تُطلق على المجامع العلمية والادبية والفنية فانتشرت في جميع انحاء العالم،بينما تعرف الاكاديمية كمصطلح على انها تلك الدراسات والبحوث والاعمال التي يؤديها حاملي الشهادات العليا والدرجات العلمية  وبمختلف الاختصاصات في الاقسام العلمية او المراكز العلمية التابعة للجامعات.
واما الاكاديمي
 فهو الذي يحمل المؤهلات والدرجات العلمية المتدرجة من المدرس والاستاذ المساعد وثم الاستاذ بعد ان يقضي فترة زمنية وله مجموعة من البحوث القيمة أو الاصيلة ومقيمة من اكاديمي يحمل درجة علمية اعلى بين كل درجة من هذه الدرجات العلمية ،والاكاديمي هو الذي مارس أو يمارس العمل التدريسي في الجامعات والمراكز العلمية التابعة لها ويستمر في العطاء والانجاز العلمي، وقد اوقف حياته للتحصيل المعرفي من اجل الوصول الى الدرجة العلمية لتؤهله للبحث العلمي المستوفي للشروط المنهجية وتطوير المعرفة الانسانية لخدمة المجتمع البشري ،فهو لا يعرف الراحة وانما غارق في البحث والاستقصاء في المكتبة أو في المختبر ،مما يؤدي ذلك الى تميزه بحياة تختلف عن غيره،فاصبح الاكاديمي في هذا العصر الذي يُطلق عليه عصر الاختصاصات الدقيقة محركا لخطط التنمية للموارد البشرية والاقتصادية في المجتمع ،وعليه يتمتع بدور خطير في المجتمع البشري . وعلى هذا الاساس عندما يطلق احد الكتاب على نفسه، أو اطلق على كل من يحمل شهادة الدكتوراه والماجستير انه اكاديمي وهو  يعمل خارج الحرم الجامعي هو خطأ كبير جدا ،وكذلك تطلق التسمية خطأ على خريجي الجامعات ،فلا يجوز ذلك طالما لم يمارسوا التدريس الجامعي والاستمرار في البحث العلمي ،وعليه هناك فرق بين التحصيل العلمي والتحصيل الدراسي .
ومن هو الناشط السياسي
 وهناك من يكتب ويتحدث في مناسبات معينة يُطلق عليه الناشط السياسي ،والمقصود به ذلك الشخص المهتم بالشؤون السياسية،وله افكاره وآراؤه حول القضايا السياسية المحلية والوطنية والدولية ،ولا يشترط ان يكون منتميا الى حزب سياسي ،ويتميز بالحيوية والبروز والعمل المستمر مقارنة مع غيره ويستمد افكاره ومعرفته من ما يقدمه الاكاديميون في مجال العلوم الاجتماعية والانسانية واحيانا من حيث لايدري وليس لكتاباته او طروحاته قيمة علمية لعدم توفر الشروط المنهجية فيها ولاتحمل المصداقية ،وهي غير اختصاصية،فلايمكن الاعتماد عليها في التنمية والتخطيط . ومن تكرار وجود الناشط السياسي ضمن وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة والمسموعة ،قد يؤدي الى تكوين بناء نفسي من الاغراءات بالشهرة وثم يتحول الى نمط آخر في ادائه، يتمثل المحاولة لتحقيق مصالحه الشخصية اكثر من توصيل الرؤية ،وغالبا ما يتعرض الى الانتقادات لنيل منه ومن سمعته.
   وأما المقصود بالمقاهي الشعبية
فهي تلك المحلات أو الاماكن التي يتردد اليها الناس بمختلف خصائصهم الديمغرافية من حيث العمر والتعليم والحالة الزواجية والاجتماعية والاقتصادية ،ولكن غالبا ما يتردد اليها العاطلون عن العمل ،وذلك للتسلية ،وقد تجري بين رواد المقاهي الشعبية حوارات ونقاشات حول مواضيع واحداث اجتماعية وسياسية واقتصادية متنوعة واحيانا تكون حامية جدا بحيث تنتهي بالمشادة الكلامية والقذف والتشهير والاساءة الشخصية،لابل هناك حالات تصل الى الاعتداء البدني وشهر السلاح .
     بعد هذه التوضيحات عن المفاهيم الواردة في المقالة ،فهل نعتبر المواقع الالكترونية من المقاهي الشعبية؟
لو اجرينا المقارنة بين رواد المواقع الالكترونية ورواد المواقع الشعبية سنصل الى نتيجة انه فعلا تعتبر مقاهي شعبية لبعض منهم ،فلا فرق بينهما ،فهم يكتبون ما لايعرفون به مثلما يتحدثون في المقهى الشعبي بمواضيع لا معرفة لهم بها فهي مجرد للتسلية والتنفيس عن مكنونات العقل الباطني لهم، وثم يغادر المقهى سالما هادئا أو منفعلا ومهموما فهي لحظة ومرت، وثم اللامبالات.وكذلك في المواقع الالكترونية تتكرر الحالة ،فيكتب بعضهم للتسلية والاساءة للاخرين ،والنقد من اجل النقد والعناد والاصرار على الرأي وعدم احترام اراء الاخرين، وكثيرا ما تحتوي كتابتهم من التناقضات ، تلك الحالات التي تعبر عن الخصائص الشخصية لهم وكما يحدث بين المتحدثين في المقاهي الشعبية تماما. . فتلاحظ المهندس او الطبيب والمحاسب والقانوني وبمستويات دراسية مختلفة فمنهم خريجي الاعدادية والمعاهد يكتبون فيما هو خارج عن اختصاصهم، وما كتاباتهم الا عبارة عن خطابات سياسية انشائية لاثارة عواطف القارىء ليكسبه الى جانبه والى مايفكر به الكاتب ،فكيف مثلا خريج معهد الادارة في المحاسبة او ادراة المخازن او المهندس او الفيزيائي يكتب عن قضايا تاريخية او اجتماعية وهو يفتقد الى ابسط مقومات المنهجية والطرق التحليلية في التاريخ او الاجتماع او اللغة او علم النفس لمجرد أنه يقرأ كتاب او كتابين عن الموضوع، في حين يحتاج المرء الى سنوات دراسية لاتقل عن اربعة اعوام لكي يتفهم اصول المعرفة تلك مثل مااتقن اصول الهندسة او المحاسبة او الفيزياء مثلا،  وبل يقدم مقترحاته وتوصياته الى المؤسسات والاحزاب السياسية، فمهما يكتب هؤلاء لايمكن ان نعتمدها علميا وانما حديث المقاهي الشعبية، وهنا لا اقصد احدا انما الكل سواء كان عربيا او كرديا اوانكليزيااو فرنسيا او كلدانيا او اشوريا وسريانيا .فهذا مثال مقتبس من مقال لاحد كتاب شعبنا يقول " لانها حالة مرضية يعكسونها على الاخرين بما هم عليه وهذا هو الاسقاط بعينه كما يسميه علم النفس السلوك"لاحظ ان هذا الفيلسوف والبحاثة والاستاذ الكبير كما لقبه احد المعقبين على مقالته لانه يعبر عن ما في ذهنه ،يفسر في ضوء علم النفس لكن لايدري أية مدرسة نفسية فسرت الاسقاط النفسي، اذ ان المدرسة السلوكية لم تفسره بل مدرسة التحليل النفسي التي يتزعمها سيجموند فرويد.
واين المصيبة
واين المصيبة الكبرى نفس الكاتب المفكر يقول في مقالته "وأنا الذي كنت قد انتقدته بشكل علمي ومضوعي وتاريخي" لاادري كيف يصرح هذا الكاتب الكبير انه موضوعي ولكن ليس له المام بالنظريات العلمية ،فمن قال في كتاباته اني اكتب بموضوعية وعلمية ومنهجية وشفافية صدقوا انه عكس ذلك لان الفرد لايمكن ان يقيم نفسه، فالكاتب لايمكنه ان يقيم كتاباته بنفسه انها موضوعية او علمية بل غيره يقيمون ذلك فلا احد يقول انا على خطا بل دائما كل ما يقوم به هو الصحيح وهو المثالي .وياتي غيره ويقول الكلدان منذ بدء الزمان او احدهم يقول الاشوريون او السريان منذ بدء الزمان ،اذا كانت كتاباتهم تتقدمها هكذا عناوين فكيف سيكون المتن ياترى ؟منذ القدم ولا اقول منذ بدء الزمان يناقش ويحلل الفلاسفة والعلماء متى بدأ الزمان ومتى سينتهى فلم يفلحوا فكيف هؤلاء حددوا بداية الزمن ؟
   وأما عن الاقتباس فحالة كتابنا تؤلمنا كثيرا لانهم يقتبسون ويزورون بالفقرة المقتبسة، وقد قرات مقالات وفيها اقتباسات من كتبي الشخصية والتزوير واضح فيها واكتفي بهذا المثال البسيط كتب احدهم "منكيش قرية اشورية تقع شمال مدينة دهوك ويسكنها....الخ "ويذكر المفكر المزور المصدر المعتمد عليه في اسفل مقالته بصراحة "د.عبدالله مرقس رابي ،منكيش بين الماضي والحاضر "ما هذه الكتابات الموضوعية اذا كان اخينا في قرارة نفسه ان منكيش اشورية ليحتفظ ذلك لنفسه وان لا يأتي ويعتمد على مصدر والمصدر بريء من هذه المعلومة فأنا لم اكتب منكيش اشورية او كلدانية او سريانية فمن اين جاء بهذه العبارة ولصقها بمصدري الشخصي.وبل زُورت كتب كثيرة من هذا القبيل.لا مجال لذكرها.
التناقض
      وأما عن التناقض ،فانها مليئة ومشبعة كتابات كُتابنا بها في المقال أو في التعقيبات، ففي تعقيب على احد المقالات يقول المعقب " استاذنا الكبير --- أنا بصراحة اوافقكم كليا على ما ورد في مقالكم " وبالطبع هذا المقال يفند الكلدانية ويؤكد على الاشورية ،ولكن في مناسبات اخرى نفس المعقب يقول " نحن شعب واحد واخوة ولنبدأ تاريخ جديد وصفحة جديدة وما شابه" وفي مقال اخر يقول احدهم " وليس صحيحا ان نبقى اسرى لما نمتلكه من معلومات لم تستند على اراء ذوي التخصص في مجال تاريخنا كشعب وكنائس ومذاهب وغيرها" ومن جهة اخرى يمتدح من يؤكد على ان الاصل هو مكونه الاثني.وهناك من يعطي في الاونة الاخيرة توصياته للبطريرك في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بان لايتدخل في الشؤون السياسية والقومية ،وبعين اخرى يبارك لبطريرك مار دنخا للكنيسة الشرقية الاشورية رسائله المحتوية على الاثارة القومية والغاء الاخر ويتغنى بنفسه بامجاد البطاركة الذين استشهدوا لتدخلهم بالشؤون السياسية، فله بنظر كاتبنا حلال ولغيره حرام .
     ويلاحظ على معظم الكتابات انها مكتوبة بتاثير ايديولوجي واضح فالكتبة المنتمين الى الاحزاب السياسية من الكلدان والاشوريين والسريان لا يستطيعون الانفلات من سجن الايديولوجية فهم ملزمون بان يسايروا مبادىء أحزابهم وفلسفتهم ومواقفهم نحو الظواهر السياسية وغيرها فكثيرا ما يوظفون التاريخ في الصراع الاثني وهذه كارثة بحق شعبنا بمختلف مكوناته فالتاريخ لايكذب ابدا بينما الكاتب فيه هو من يصنع الكذب .
الجهل بالاختصاصات
وأما الجهل بالاختصاصات العلمية واضح جدا عند عموم كتابنا ولانهم كتاب المقاهي الشعبية فهم لايتمكنوا من التمييز بين الميادين وطبيعة الظاهرة التي يدرسها كل اختصاص ،لابل منظمي المؤتمرات والندوات يجهلون ذلك، فعلى سبيل المثال تأكيدهم على المختصين في التاريخ واللغة فقط.ويعد الاستعانة بدراساتهم وآرائهم حول اللغة والاصول الاثنية عمل غير صحيح، فهم يفتقدون الادراك ان العلوم متكاملة ومترابطة مع بعضها وان الاتجاه السائد في البحث العلمي هو تشكيل فريق من مختلف الاختصاصات لدراسة الظاهرة، فمثلا لدراسة اللغة يجب أن لا نكتفي بالمختص اللغوي فقط، بل اننا بحاجة الى اختصات تدرس اهمية اللغة ودورها في الاتصال الاجتماعي ووظيفتها الاجتماعية وكيف تؤثر في بناء الشخصية، وهي الاختصاصات الانثروبولوجية وعلوم النفس والاجتماع لمساندة المختص في  تركيب اللغة وصرفها .
    وهناك ظاهرة اكثر خطورة في هذا المجال واخص بالذكر لغتنا باية تسمية كانت ،وهي الرجوع الى بعض متقني اللغة ولكن ليسوا من المختصين في اللغة، بل لهم مؤلفات في الصرف والنحو فاصبح مختصا بها وهذا لايكفي مهما يمتلك من مؤلفات ان لم يكن اكاديميا لاننا نعيش في عصر الاختصاص والتزود بالمعرفة المنتظمة والبحث الرصين ،وهذا ينطبق على الذين يكتبون كتبا في التاريخ والاثار ولكن خلفيتهم الدراسية قد تكون في اختصاصات اخرى كالقانون والسياسة والهندسة والادارة وغيرها ومثل هذه المؤلفات باطلة علميا ما لم تكن اكاديمية ومن مختص قضى دراسته في ذلك الحقل، فالذي يقضي عشر سنوات في دراسته للتاريخ واصول البحث فيه يعترف انه لايتمكن من ضبط دراسته للتاريخ فيأتي غير المختص لمجرد اعتمد على عشرات الكتب والف كتابا في التاريخ،ويعتبر نفسه خبيرا أو مختصا في التاريخ،نعم كل واحد يستطيع العمل ذلك،لكن كيف وباية طريقة منهجية يتعامل مع تلك المصادر والمراجع ياترى ؟ وهنا يمكن ان نصنفهم ضمن كتابات المقاهي الشعبية وليس غير ذلك .ومن هذا المنطلق يفضل على كل من يكتب مقالا ان يذيل المقال باختصاصه حتى وان لم يذكر المستوى الدراسي لكي يتعرف القارىء على الخلفية الدراسية والعلمية للكاتب ويتمكن من تقرير مدى صحتها ومنهجيتها ويمكننا التمييز فيما اذا كان الكاتب مجرد ناشط سياسي أو كاتب هاوي أو صحفي أو مختص .
     واكثر ما يؤلمنا هو فقدان اخلاق الصحافة والكتابة، ولكم امثلة قاسية جدا تشير وتبرهن على عدم الالتزام بابسط اخلاقيات الصحافة التي تُدَرس لسنة دراسية كاملة في قسم الاعلام في الجامعات ومنها: العاهرات، الكذاب،المتهور، السخيف، التافه،الوجه الاسود،المنافق،القومجي،الانفصالي،الطرطور،القزم،العربنجي، العراب، الدوني،المنحط ،وغيرها لاتحصى .
 ولكن ماذا عن الدكتور برخو،هل هو من رواد المقاهي الشعبية الالكترونية ؟
من مراجعتي لمقالات متعددة له المنشورة في مواقع شعبنا وبعض الصحف العربية تمكنت من تحليل محتواها،فاستنتجت ماياتي :  انها فعلا مقالات اكاديمية يتبع في كتابتها المنهجية الصحفية تماما فهي مستوفية لشروط الكتابة الصحفية من حيث التوقيت مع وقوع الحدث والتاثير والوقع النفسي الذي يتركه على القارىء بسبب العنوان الذي يختاره لمقالته ،وانها تخلو من كلمات التجريح والتشهير والاساءة، وبل تخلو لابسط كلمات الاساءة مثل تلك التي يأتي بها بعض الناشطين السياسيين . وأما كيف نبرهن ذلك فهذه بعض من عناوين المقالات العائدة للدكتور برخو:"نعم تسمياتنا صنيعة الاستعمار....الخ" ،"مهرجان الجوقات والاخويات في السويد ضربة قاصمة....الخ"،" المدارس السريانية فخر لشعبنا والذي يعرقل عملها يقترف الخيانة الكبرى"،"تركة ثقيلة وملفات خطيرة تنتظر البطريرك الجديد"، "ملاحظات هامة جدا على شعبنا اخذها في عين الاعتبار"،"هل ستصبح الدول العربية دولا فاشلة".
     لاحظ العبارات او الكلمات
 التي تثير انتباه القارى ويستدرجه للقراءة كما في عناوين مقالاته،"البطريرك يفجر قنبلة" "قنبلة مزلزلة" بطش الاستعمار" "لا اخشى المؤسسة ولا أخشى رجل الدين" والحبل على الجرار" ساقاومه" وأتحدى " أجدادنا العظام" اقسم بالله " الغالبية الساحقة" لفضح النهج المدمر ":ان له وقع الصاعقة ". ان مثل هذه العناوين والعبارات التي يستعملها الدكتور برخو في كتاباته لاتصلح ان تكون عناوين لبحوث علمية أو تتضمن البحوث والمقالات العلمية مثل هذه العبارات.فهي صحفية لا محال.ومن جهة اخرى تختلف عن مقالات التي تكتب من قبل الناشطين السياسيين التي تحتوي في مضامينها على الانتهازية والمراوغة وبروز الاهداف الشخصية والتاكيدات على الانا والتاثيرات الايديولوجية.
    لان الدكتور برخو اكاديمي ويتعاطى مع البيئة الاكاديمية فنلاحظ دائما وقلما تخلو مقالته من التاكيد على الاكاديمية في الكتابة فيقول "احاول ان لا اكتب أو اتكلم في غير اختصاصي " "الشعوب الحية تفعل العكس تماما تهمش ولا تعير أية أهمية لكل من يكتب في غير اختصاصه "،"وتعلين شأن المختصين وتسمع لهم وتعمل حسب نصيحتهم" "وعنوان احدى مقالاته كان " الى الاستاذ ابرم شبيرا ومنه الى كل كتاب ومثقفي شعبنا قللوا من الكتابة في غير اختصاصاتكم رجاءا"الدليل العلمي والبحث الاكاديمي الرصين" " الامم الحية ومثقفيها وكتابها يأخذون العلم والتجربة والبرهان والدليل الاكاديمي محمل الجد للرقي والحضارة "ويقول "لنتخذ ولو لمرة واحدة في تاريخنا المعاصر خطوة مهمة كهذه بطريقة حضارية ونترك شانها للعلماء والاكادميين والمختصين في صفوف شعبنا ".
مبادئه الصحفية
   يتناول مقالاته وفقا للمبادىء الصحفية الاكاديمية ،لذا نلاحظ انه يتوقف عند تشخيص الظاهرة وتحليلها وفق السياقات المعتمدة في فن الصحافة ويترك المجال للمختصين في نمط الظاهرة التي حررها بعد ان اثار ولفت انتباه الباحثين عنها،حيث وضع المعالاجات ليس من اختصاص الصحافة ،بل تتحول الى المختص،فاذا تناول موضوعا عن ضعف القومي لدى مكون اثني مثلا ،أو موضوعا عن الجريمة يقتصر عمله في نقل القصة وتحليلها بشكل مبسط ومن ثم يُترك العمل للباحث المختص لدراسة الوضوع منهجيا وعلميا ليقدم المعالجات.
 ولكن في تعقيبه على المعقبين في مقالته الاخيرة الموسومة "نعم تسمياتنا...الخ " نسف الدكتور برخو كل ما يؤكد عليه من الاكاديمية والمنهجية عندما قال عبارته المشار اليها في بداية مقالتي هذه والتي توحي للقارىء ان الدكتور برخو حاله حال من يكتب في المقاهي الشعبية، فلماذا ينادي ويؤكد على الاكاديمية وفي نفس المقال يقول العبارة "التعقيب هو بمثابة نقاش بين اكاديمي واكاديمي " اي يقصد بينه وبين البطريرك مار لويس روفائيل الاول .ولكن اخفق الدكتور برخو في ذلك كيف هو نقاش اكاديمي ويؤكد دائما على الاكاديمية ومن جهة يقول حالي حال من يكتب في المقاهي الشعبية طالما اني اكتب بها ،وهنا تساؤلي له، هل يعني ذلك يجب علينا ان لا نأخذ ما تكتبه بمحمل من الجدية وانه ليس ما تكتبه فكر اكاديمي طالما انك تساوي نفسك بمن ترجوهم الكفاية من الكتابة غير الاكاديمية ؟
من يتردد الى المقاهي؟
    من المعروف يتردد الى المقاهي الشعبية الواقعة على طرقات المدن مختلف الفئات الاجتماعية بدأ من الأمي والى الاكاديمي ،ولكن هل سيتصرف الجميع على مبدأ واحد متشابه؟ ،بحسب رايي كلا ، لان الاستجابة للمؤثر وفق قوانين علم النفس الاجتماعي تختلف من شخص الى آخر بسبب الاستعداد الذي يمتلكه الفرد، أو تأثرا بالتنشئة الاجتماعية التي تلقاها  من اسرته أو بحسب الطبيعة الشخصية وعقدها لمن يشترك بما يدور في المقهى، فهناك من يشتم ،والبعض ينافق ،أو يطلق عبارات الاساءة الشخصية تجاه الاخرين والبعض من يضرب ويعتدي ،وقد يكون هادئا في حواره وآخر ينتابه الصياح الهستيري،وهناك من يقبل الرأي الاخر ويحترم النقاش، وبالعكس هناك من يعاند ويلغي الاخر ولايسكت الا ان ينال منه بابشع الطرق ،وعين العقل تشبه مواقعنا بالمقاهي الشعبية هذه تماما، ولكن ليس كما تعتقد ان الاكاديمي هو نفسه الأمي، وليس الناشط السياسي كالاكاديمي، وليس المختص في الهندسة ويتناول موضوع تاريخي مثل المختص في التاريخ وليس مايوصي به خريج معهد الادارة حول ظاهرة اجتماعية ونفسية مثل ما يوصي به المختص في علم النفس وهكذا.
 اعتقد ان الدكتور برخو كان منفعلا بسبب التعقيبات غير اللائقة احيانا وتحدث بهذا المنطق وان لم يكن ذلك فلا فرق بينه وبين كتاب المقاهي الشعبية ،بينما مقالاته وتأكيداته  توحي غير ذلك تماما،لانه يختار عناوين ومواضيع اعلامية سياسية واجتماعية ويستخدم اسلوب التضخيم بدلالة العبارات والكلمات التي اشرنا اليها ،وعنصر الضخامة يرتبط ارتباطا وثيقا بالدلالة الاعلامية ومدى اهتمام افراد المجتمع بها.
ماذا نصنف مقالاته؟
  ومن هذا المنطلق استطيع ان اصنف مقالات الدكتور برخو ضمن النظريات الاعلامية المتعلقة بالقائم بالاتصال التي تصنف على انها مرتبطة بالمرسل أو القائم بالاتصال وتحديدا تصنف مقالاته تحت نظرية " الرصاصة أو الحقنة تحت الجلد " اذ تعتمد هذه النظرية على ان وسائل الاعلام تؤثر تأثيرا مباشراوسريعا في الجمهور المتلقي ،وان الاستجابة لهذه الرسائل مثل رصاصة البندقية تؤثر بعد انطلاقها"،ويكون هذا التأثير السريع جليا في المجتمع الذي تسوده الصراعات مثل شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني اكثر من المجتمعات المستقرة .
      
      

      

117
اختيار الاب داود بفرو
لمرتبة الاركذياقون فخر لنا

الدكتور عبدالله مرقس رابي
      في نبا رائع ومفرح اطلقته ابرشية مار ادي الكلدانية الكاثوليكية في كندا بتاريخ 22 / 11 / 2012 مفاده،قيام راعيها المطران مار يوحنا زورا الجزيل الاحترام باصدار أمره الرعوي الاداري بتعيين الاب داود بفرو راعي كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزر بمرتبة نائب الاسقف العام " الاركذياقون " للابرشية المذكورة اضافة الى الى خدمته في خورنته الحالية .وستقام مراسيم التنصيب وتلبيس الصليب والمحبس الخاص بهذه المرتبة في 24 /1 /2013.
 تعتبر ابرشية مار ادي الكلدانية احدث ابرشية كلدانية، حيث تاسست في 10 /6 /2011، ونصب اول اسقف عليها سيادة مار يوحنا زورا، ومركزها في كاتدرائية الراعي الصالح في مدينة تورنتو عاصمة ولاية اونتاريو ، تلك الكاتدرائية الكلدانية الكاثوليكية التي اشرف سيادته على بنائها وتاسيسها وبذل كل ما بوسعه لتشمخ قلعة دينية كلدانية في بلادالمهجر،فشجاعة واخلاص الكلدان في مدينة تورينتو بعطائهم السخي وصلواتهم، وادارة وحكمة وصبر ومباركة الراعي مار يوحنا زورا نورت كنيسة الراعي الصالح لتنطلق منها خدمة راعيها الجليل لابرشية مار ادي .
 وهي اكبر ابرشية مترامية الاطراف، لان كنائسها تنتشر على امتداد كندا ثاني اكبر بلد مساحة في العالم .وبحكم التوزيع الجغرافي للجالية الكلدانية ادى الى تباعد كنائس الابرشية  عن بعضها بالاف الكيلومترات، فمثلا تبعد كنيسة فانكوفر عن مركز الابرشية حوالي ست ساعات سفر بالطائرة، وعليه جاء قرار راعي الابرشية السليم بادراك اهميته وفاعليته لكي ينصب الاب داود بفرو المساعد الاسقفي العام لهذه الابرشية المترامية ليكون عونا له، وللمشاركة في ادارتها والسعي لنهضتها وشد مؤمنيها الى طريق الرب الذي هو الهدف الاسمى للجميع .
      فكان الراعي الجليل صائبا في هذا الاختيار ،وذلك لما يتمتع الاب بفروا بخبرات شخصية ومؤهلات ادارية ودينية تمتد الى 34 سنة مكنته ان يكون مؤهلا لاي منصب ديني يكلف به او يترقى اليه .ولنا الثقة الكاملة بان يكون الاب بفرو اهلا لها ومقتدرا للمشاركة مع الراعي الجليل مار يوحنا واخوته الكهنة جميعا في الابرشية لدفع مسيرة الابرشية قدما للنهوض بها لخدمة المؤمنين الكلدان في كندا .   
     وقد خدم الاب بفرو في معظم كنائس الابرشية ، في اقامة القداديس والطقوس الدينية اضافة الى مايقدمه في خورنة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور منذ سنة 2001 ولمدة ثلاث سنوات ،وقد اسسس كنيسة مار توما في هاملتون  وماريوسف في لندن اونتاريو، وزار العديد من الكنائس في غرب كندا من فترة الى اخرى لتقديم الخدمة للمؤمنين الكلدان. فبالرغم من مشقات الطرق في ايام الشتاء الكندي القارص ومخاطر الطريق بسبب الثلوج المتراكمة لم يبخل الاب بفرو في تلبية احتياجات المؤمنين في هذه المدن،وبعد ان جاءها الكهنة انحصرت واجباته في كنيسته الحالية .
 وأما عن الاب داود بفرو قبل قدومه الى كندا
 ولد الاب داود بفرو عام 1942  في بلدة منكيش في اسرة عريقة اصيلة، عرفت محبة المسيح ووصايا الرب،فتلقى داود الابن تنشئة اجتماعية مزودة بمفاهيم دينية وخصال اجتماعية مهذبة متسمة بروح المودة والمحبة والتعاون والاحترام التي تمتاز المجتمعات الريفية بها . وعليه كانت نتيجتها ان لبى نداء الرب لكي يدخل الى كرمته ليعمل ويجني ثمارها ،وهكذا دخل داود بفرو الشاب اليافع في الثانية عشرة من عمره الى معهد ماريوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل عام 1954 ليتلقى مختلف العلوم الدينية والفلسفية واللغات ،وثم رسم كاهنا في 12 /6 / 1966 ليبدأ مسيرة الرب ونشر كلمته .
                فانضم الاب داود الى كوكبة ابناء منكيش الذين انضموا قبله الى كرمة الرب ،حيث تشير سجلات الاديرة والكنائس الى انضمام اكثر من اربعين شاب منكيشي الى الرهبنة الانطونية الكلدانية منذ تجديدها عام 1808 على يد الاب جبرائيل دنبو،بل وان الرهبان الستة المؤسسين الاوائل للرهبنة الانطونية الكلدانية هم من شباب منكيش بحسب سجلات الرهبنة الانطونيةالكلدانية. وعند اجراء فرز احصائي في سجل الرهبنة الانطونية عام 1996 اثناء قيامي بجمع المعلومات لتاليف كتاب منكيش ،تبين ان بلدة منكيش جاءت بالمرتبة الثالثة بعد القوش وتلكيف في العدد المطلق لرهبان الانطونية الكلدانية منذ تجديدها .واذا اخذنا بنظر الاعتبارالمتغير الديمغرافي اي عدد السكان "نسبة وتناسب "لقلة سكان منكيش بالنسبة للبلدتين فانها تاتي بالمرتبة الاولى .أما عن الكهنة فبلغ عددهم 26 كاهنا منذ دخولها بالكثلكة عام 1798 حتى يومنا هذا ،وثلاثة منهم ارتقوا الى الدرجة الاسقفية ومنهم المطران مارتوما روكس خنجرو الذي رسمه البطريرك يوسف اودو مطرانا على الملبار في الهند. المصدر "سجل الرهبنة الانطونية الكلدانية باللغة العربية " . 
             كان أول المشوار للاب داود هو خدمة قرى ابرشيته في العمادية فعمل هناك متنقلا لاداء الخدمة وواجباته الكهنوتية بين تلك القرى الوعرة الاراضي والبعيدة وفي ظل ظروف سيئة مناخيا وامنيا ،وبعد ان تعرض لحادث انقلاب سيارته في طريقه الى العمادية في احد الوديان ، وارادة الرب خلصته وحمته من كل مكروه واذى، فعثر عليه احد المارة ليساعده ونقله الى المركز الصحي توجه الى بغداد للمعالجة .
    وبعد شفائه بدا الخدمة عام 1972 في كنائس متعددة في بغداد بتوجيه من غبطة البطريرك مار بولس شيخو بتنسيبه لابرشية البطريركية، وثم تسلم خورنة كنسية مار توما في النعيرية .ودأب منذ بداية عمله في كنيسة مار توما على بذل الجهود ليكون في خدمة ابناء خورنته ،وقد اهتم في مختلف الانشطة الكنسية التي واكبت التغيرات الاجتماعية والحضارية والثقافية فنظم الاخويات الشبابية واهتم بالتعليم المسيحي وابدى اهمية كبيرة لتنشئة الصغار على المفاهيم والمبادىء الدينية، وقد تلمذ على يده من الشباب الذين اختارهم الرب كهنة لكنيسته.وتعلق به ابناء خورنته وعاش معهم حياة مليئة بمحبة روحية مسيحية ومعبرة بالوفاء والاخلاص.
     وبعد ان انهكت الحرب العراقية الايرانية القوة الاقتصادية للعراق وتلاها الحصار الاقتصادي تاسس فرع اخوية " كاريتاس الخيرية العالمية " في بغداد وتراسه الاب داود بفرو اضافة لخدمته في كنيسة مارتوما من سنة 1992 والى 1999 .وقد نالت الاخوية نجاحا باهرا في ادارته لها وتنسيقاته للحصول على الغذاء والاموال لمساعدة المحتاجين من كل اطياف الشعب العراقي ،فقد بذل جهودا حثيثة في تعجيل مسيرة تلك الاخوية في العراق نحو الافضل لتلبي احتياجات المؤمنين المسيحيين وغيرهم.
     وفي سنة 2001 باشر عمله في كنيسة العائلة المقدسة في مدينة ويندزور الكندية ،وبعد ان تسلم بناية الكنيسة في حالة بنائية قديمة محتاجة الى الادامة، فبدأ بالتعاون مع ابناء الرعية بمحبة مسيحية واخلاص وحكمة ودراية وخبرة ادارية في ترميمها وتمكنوا من اخراجها بصورتها البهية والرائعة، وتمكن أيضا وبمساعدة وتعاون الجميع من ايفاء كل الديون المستحقة،فاصبحت مركزا لتقديم الخدمات للمؤمنين الذين يترددون اليها ،فنظم الاخويات الشبابية ومدرسة للتعليم المسيحي للصغار .وانطلق منها الى مدينتي هاملتون ولندن لخدمة الكلدان فيهما كما اشرنا اعلاه ولمدة ثلاث سنوات .
   حقا كان اختيار الراعي الجليل مار يوحنا زورا لمساعده في ادارة شؤون الابرشية موفقا ومدروسا بكل جوانبه ولتكون خطوة للنهوض بالابرشية وتقديم افضل الخدمات الدينية للمؤمنين، فالاب بفرو تمكن في فترة عشرة سنوات من اكتساب الخبرة العملية للعمل ككاهن  في المجتمعات الغربية، اذ ان العمل في مجتمع مغاير في عاداته وتقاليده وقيمه وسياسته الاجتماعية في حقوق الانسان وطريقة التعامل مع الافراد بمختلف صنوفهم الاجتماعية والثقافية والعمرية عن ما هو عليه في مجتمعاتنا الشرقية تحتاج الى خبرة ومؤهلات وتعايش الواقع لكي يتمكن الكاهن من اداء واجبه ويحسن التصرف مع المؤمنين باداء يتكيف مع الاوضاع الجديدة، وما اصعبها عندما يتعامل مع افراد يعيشون في خضم الصراعات الثقافية والاجتماعية او مع جيل قد تربى في احضان المجتمع الغربي ،اضافة الى اتقان اللغة التي هو بامس الحاجة اليها للتعامل اليومي.
   فنتمنى الموفقية والنجاح للاب داود بفرو في منصبه الديني الجديد، فان اختيارك فخر لمحبيك وابناء خورنتك وكل المؤمنين في ابرشيتنا ولنا جميعا ، وليكن اختيارك هو تعبير للمحبة والاخلاص والتفاني والتواضع والاحترام والتعاون بين اسقفنا وكهنتنا  والمؤمنين على امتداد ابرشية مار أدي الكلدانية الكاثوليكية ومن الرب التوفيق .   

118
منح شهادة الدكتوراه للسيد حبيب تومي


   استنادا للمادة 4 من نظام الجامعة العربية المفتوحة لشمال امريكا وكندا
                                     "شؤون الدراسات العليا "

   ومابذله الطالب حبيب يوسف صادق تومي من جهد في دراسته ودفاعه عن اطروحته الموسومة
                    "البارزانيون ودورهم السياسي في المسالة الكوردية " 

                   وكونها مستوفية للشروط العلمية والمنهجية تقرر منحه     
                          شهادة دكتوراه فلسفة في العلوم السياسية
     بتاريخ 12/8 2012 في مكتب رئاسة الجامعة في مدينة هاملتون الكندية
 فالف تهنئة من رئاسة الجامعة للدكتور حبيب تومي وتمنياتنا له بالتوفيق والنجاح الدائم
               
الدكتورصالح الرفاعي
رئيس الجامعة

119
اعلان عن المؤتمر القومي الكلداني الثاني


م / دعوة مشاركة في البحوث

             الى السيدات المدعوات والسادة المدعوين للمشاركة في المؤتمر الكلداني الثاني المنعقد في مدينة ديترويت الامريكية برعاية المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد للفترة من 5/ 9 /2012 ولغاية 8 / 9 /2012.
نود اعلامكم ان المحاور التي تدور حولها البحوث لمناقشتها في المؤتمر والتي تنسجم مع اهدافه وتطلعات المؤتمرين هي كما مدون ادناه.ويرجى تزويدنا بملخص البحث او ورقة العمل التي تسعون لاعدادها في فترة 15 يوما من تاريخ هذا الاعلان .وان يصل البحث أو ورقة العمل كاملين بعد 40 يوما اعتبارا من التاريخ ادناه ،كما ويرجى ان لا تزيد عدد الصفحات عن 15 ورقة (حجم 8.5 × 11 انج) .ولنا كل الثقة بانكم سترفدون المؤتمر بمقترحات بناءة لتحقيق اهدافه لخدمة الشعب الكلداني في كل مكان .

المحور الاول : المطلوب بحوث أو ورقة عمل حول نيل الكلدان حقوقهم القومية والوطنية واهم المواضيع المفضلة
1.   دور الاحزاب الكلدانية السياسية
2.   دور الجماهير الكلدانية
3.   دور المؤسسة الكنسية
4.   الدعم المالي
5.   وضع ستراتيجيات العمل الميداني
المحور الثاني : حول تنمية الوعي القومي
واهم المواضيع المفضلة
1.   الاهتمام بمكون الشباب الكلداني
2.   دعوة المرأة والاسرة لتفعيل دورها في تنمية الوعي القومي
3.   رعاية اللغة الكلدانية بايجاد سبل لتعليمها  ونشرها
4.   دور منظمات المجتمع المدني الكلداني في دعم الوعي القومي
5.   تنشيط التراث الاجتماعي لتنمية الوعي القومي
المحور الثالث : العلاقات مع الاحزاب الاخرى
1.   البحث في العلاقة بين الكلدان والاحزاب الوطنية
2.   البحث في التواصل مع الاحزاب الاشورية والسريانية  
المحور الرابع :بحوث عن مقومات لبناء الوحدة في الخطاب السياسي للاحزاب الكلدانية السياسية

  لكم منا جزيل الشكر والتقدير لاهتمامكم وتعاونكم
ملاحظة :يرجى ارسال الملخص والبحث أو ورقة العمل على احد الايميلات
dr.rabi5@gmail.com
info@chaldeansun.com
مع تحيات اللجنة المشرفة على البحوث
المؤتمر الكلداني الثاني
3 تموز  2012

120
الاصالة الكلدانية
في ساندييكو الامريكية

الدكتور عبدالله مرقس رابي

                               تعد اللقاءات الاجتماعية والسياسية ظاهرة ذات مدلول تضامني وركيزة اساسية للتشاور في شوؤن الجماعات البشرية ودراسة اوضاعها والتخطيط السليم لمستقبلها،فهي ظاهرة حضارية تستند على الاسس الحديثة في الحوار المباشر وطرح الافكار تنسيقا لخدمة المجتمع.وانطلاقا من هذا المبدأ بادرت التجمعات الكلدانية وبمؤازرة ابرشية مار بطرس الكلدانية والاثورية الكاثوليكية في مدينة ساند ييكو الامريكية في ولاية كاليفورنيا للقيام في تحقيق مثل هذا اللقاء تحت تسمية " المؤتمر الكلداني العالمي " ولاول مرة في التاريخ الحديث للكلدان وتحت شعار شامل هو"النهضة الكلدانية " وذلك لاثارة الفرد الكلداني الذي يعتز بقوميته ان الكلدان يتعرضون لاحباط اجتماعي ونفسي وسياسي مصدره قوى ذات نفوذ غير طبيعي في العراق.
        تحاور العديد من الكتاب والمفكرين المهتمين بالشأن القومي الكلداني لتحقيق هذا المؤتمر لاشهر عديدة شعورا منهم بان الكلدان هم بامس الحاجة في الظروف الراهنة للتشاور وتصحيح المسارات والمواقف السياسية،وقد تبلورت الفكرة بعد مناقشات عديدة ،وفي حينها لبت هذا المطلب القومي التجمعات الكلدانية في ساندييكو الامريكية "حيث الاصالة الكلدانية"،
   وبعد توجيه الدعوات للعديد من التجمعات الكلدانية والمفكرين والباحثين السياسيين والمستقلين،واعلان موعد المؤتمر في 30 اذار والى 1 نيسان ،توافد المدعوون الى ساندييكو من مختلف انحاء العالم والعراق للمشاركة بهذا الحدث الكبير الذي كان بمثابة صدمة صاعقة للعديد من المؤسسات والاحزاب التي لم تتوقع من الكلدان يوما ما سيعقدون مثل هذا المؤتمر العالمي .
    وصلنا الى ساندييكو، وللوهلة الاولى تجلت الاصالة الكلدانية في التجمع الكلداني فيها بدأ من رجال الدين الافاضل واللجنة التحضيرية للمؤتمر والجمهور الكلداني الذي كان حاضرا لمؤازرة ودعم هذا المؤتمر،اذ ان توافدهم الكبير في الجلسة الافتتاحية يعد مؤشرا كبيرا للشعور القومي الكلداني الذي يمتازون به والاصالة الكلدانية التي يفتخرون بها .
    لمست شخصيا وعلى المستوى الميداني لمدة ثلاثة ايام ان الكلدان في هذه المدينة جادون في تحقيق نهضة كلدانية اجتماعية، اقتصادية،  سياسية،وثقافية شاملة .فالجميع تكاثفوا وتضامنوا وكل واحد ادى دوره المطلوب لدفع مسيرة المؤتمر الى الامام .حيث التعاون اللامحدود،في تهيئة كل المستلزمات والوسائل التي ساعدت المؤتمرين لنيل راحتهم  للقيام بواجباتهم تجاه المؤتمر .
  ساند رجال الدين، والشباب ،والشابات،والراهبات وكل كلداني غيور على قومه في توفير المسكن الملائم والنقل الملائم والاطعام والترفيه الذي وفرته التجمعات الكلدانية مساءا لتخفيف الارهاق اليومي للمؤتمرين ،فلم يتردد احدهم اذا طلب منه اي عمل يؤديه، كانت مساندتهم لبعضهم البعض كمساندة اعضاء الجسم الواحد لبعضها البعض .ولا افضل ذكر الاسماء لان شعوري تجاه الجميع واحد ،لم يبخل احد منهم في تحقيق اي طلب لاخوتهم الزائرين من اللحظة الاولى في المطار، لحظة اللقاء والفرح والى اللحظة الاخيرة في المطار ،لحظة الوداع والمحبة. وبعد كل هذا الا يستحق هؤلاء ان نصفهم بالاصالة الكلدانية ؟.
   وكانت هذه المواقف من الكلدان في ساندييكو دعما هائلا للمؤتمر للخروج بنتائج ايجابية تسعى لخدمة كل كلداني في بلدان المهجر والوطن،تلك النتائج التي سيلمسها الكلدان تدريجيا ومن حين لاخر في التطبيقات الواقعية وعلى مختلف الاصعدة .
واخيرا تحية حب ووفاء الى كل كلدانية وكلداني واثوري في ساندييكو الذين احتضنوا اول مؤتمر كلداني عالمي، ذلك الحدث الذي كان حلما، وبسواعدهم تحقق ميدانيا .شكرنا وتقديرنا لكم يا اسود بابل ،شكرنا وتقديرنا للمفكرين والباحثين والسياسيين الكلدان المعاصرين الذين ساهموا في احياء هذا المؤتمر تطوعا منكم لغيرتكم على الامة الكلدانية ،اذ قطعتم المسافات الطويلة من الكيلومترات وبدون مقابل مالي ومنصب سياسي يذكر ،وانما حبا منكم لنهضة الكلدان.   
     



   
                       
                     

121
ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية
الدكتور عبدالله مرقس رابي
استاذ جامعي


  بدأ لابد الاشارة الى أن المقصود برجل الدين في هذه المقالة كل من هو بمثابة المختص في الشؤون الدينية ويقوم بالواجبات الدينية دون غيره من الافراد سواء في الاديان السماوية أو الباطنية أو الوثنية وفقا لفلسفة علم الاجتماع . أما الذي أعني به كل الاديان ولا اقصد دينا معينا لتلافي الالتباس والتفسير الخطأ لما سيرد في المقالة .

تشير الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية للشعوب البدائية والقديمة ان السلطة فيها استندت على الحق الالهي أي(التفويض الالهي).ولاتزال بعض القبائل الطوطمية القاطنة في الغابات الاستوائية والجزر النائية تمارس هذا النوع من السلطة .ففي الحضارات البشرية القديمة استند الملوك والاباطرة في سلطتهم على القوة وامتلاك مصادر الثروة والجاه ,وتأثير شخصيتهم الكارزماتية التي تمتاز بقابليات فذة مكنتهم من التأثير على عواطف واتجاهات الافراد ومواقفهم   مما خضعوا وأدوا الولاء المطلق لهم .وقد ساعدهم في تحقيق هذا الى جانب السيف نخبة من كهنة المعابد الذين لقنوا الناس التعاليم الدينية التي بررت شرعيتهم في السلطة حتى ولو كانوا من الظالمين.
   ظلت السلطة الدينية في اوربا تؤثر في الحكومات الاوربية والمجتمع بشكل عام الى بداية القرن السابع عشر بعد أن بدأت تلك الحكومات التحرر من السلطة الكنسية والتدخل في شؤونها .وأما في الشرق الاوسط ساد نظام الخلافة بعد انتشار الاسلام والذي يولي الافراد فيه ولاءا دون نقاش فيما يأمر وينهي به الخليفة فهو الاخر تفويض الهي لايجوز الطعن فيه أبدا مهما كانت النتائج من تصرفات الخليفة , دعم هذا النظام وعاظ السلاطين في خطبهم اذ دعوا الناس بان لايشتكون من الخليفة والسلطان وفهم دائما كما يقول عالم الاجتماع العراقي (الدكتور علي الوردي)يتزلفون الى الجلاوزة وأصحاب القوة .وعليه شعر الخليفة أو السلطان من جراء ايحاء هؤلاء الواعظين انه ظل الله على الارض ,حقا له الامر وعلى رعاياه الطاعة العمياء فان عصوا فهم زنادقة ملحدون يستحقون العقاب وعلى سبيل المثال ,لاينكر أحد أن العهد العثماني كان من أشد العهود التي شهدها التاريخ عسفا ولؤما ودناءة وسفكا للدماء ,ورغم ذلك كان الوعاظ يرفعون ايديهم عقب كل خطبة يدعون الله أن ينصر الدين والدولة معا.(الوردي- وعاظ السلاطين).وعلى هذا المنوال تعمل الحكومات التي تستند في شرعيتها على المبادىء الدينية وعلى وعاظ السلاطين.
   والان ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية التي تستند في وضع فلسفتها على كتب التفسير والشرائع الدينية ؟
   الاحزاب الدينية هي احزاب سياسية يحاول أعضائها الوصول الى السلطة تحت الغطاء الديني مستمدة أيديولوجيتها وفلسفتها الفكرية من المفاهيم الدينية ,وتضع برامجها في ضوئها.وطالما ان كل دين أومذهب يرى في قياساته انه الافضل والامثل بين الاديان أوالمذاهب الاخرى لان مصدرها الخالق .فالمسؤول الروحي لذلك الدين أوالمذهب هو المفوض من الله لتطبيق التعليمات الدينية على الارض .وعليه فان الاحزاب الدينية طالما تستند على التعليمات الدينية فيرى كل حزب هو الافضل والامثل لادارة شؤون المجتمع ,ولاتستطيع اتخاذ القرارات الحاسمة الا بالرجوع الى المسؤول الروحي الاعلى الولي الفقيه أو أي رجل  ديني آخر لتكون أفكاره هي الاساسية لاصدار الفتاوى للتعامل مع الوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الشخصية في المجتمع.
   ان رجل الدين  يستمد أفكاره من الكتب المفسرة لمبادىء الدين وتعليماته ,والكتب المفسرة ,ما هي الا محاولات اجتهادية لاشخاص لايختلفون عن غيرهم من البشر لهم ميولهم وقيمهم وتنشئتهم الاجتماعية وظروفهم المجتمعية العامة التي تأثرت في أفكارهم وفلسفتهم بشكل وآخر.والاهم من ذلك لهم ماهو مكبوت في العقل الباطني من الرغبات التي لايتمكنوا من تحقيقها في حياتهم ,وعليه تعكس تلك الرغبات الشخصية في كتاباتهم ومواعظهم .مما يؤدي الى الاختلاف في مواقفهم وأفكارهم ,بدليل أن أي كتاب ديني الذي هو الكتاب الشرعي لأبناء ذلك الدين يفسر بطرق مختلفة في أزمنة وأماكن متعددة ,وهذا يدل على أن المفسر لايختلف عن البشر العاديين الا بقدراته العقلية مثله كأي مؤلف لكتاب آخر ,فهو ليس معصوم من الخطأ, وليس هناك مايبرر التفويض الالهي له,ولو كان ذلك واردا لاصبحت تفسيرات الكتب الدينية واحدة في كل زمان ومكان.وعليه يؤدي الوقوع في أخطاء قد تجلب على البشر الظلم ونشوب حروب الابادة الجماعية .وهي لاتقتصر على أتباع الديانات المختلفة بل أيضا تنشب بين أتباع الدين الواحد وفي المجتمع الواحد.كما حدث في الامراطورية الرومانية للاختلاف بين المذاهب المسيحية.وماحصل في المجتمع العربي الاسلامي بعد الثورة على الخليفة عثمان بن عفان وبعده الصراع الذي وقع على السلطة بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (الوردي – وعاظ السلاطين). والى يومنا هذا لاتزال أثار ذلك الصراع قائمة بشكل وآخر .وخير مثال على ذلك مانلمسه في بلدنا العراق اليوم والذي ماهوالا امتداد له ,وحصيلته ان الشعب العراقي يقع ضحية للصراع على هذه السلطة التي يدعي كل طرف انه المخول من الله للحكم على البشر وله الاحقية في السلطة.
    وماذا نتوقع من الاحزاب الدينية التي تبني فلسفتها السياسية على مبادىء لاشخاص فسروا الكتب الدينية المقدسة التي لاجدال حول محتوياتها قبل الاف السنين .فهي تعتقد ,أي الاحزاب الدينية, ان السلف الصالح كان معصوما من الخطأ والعيب .وبهذا يريدون كل أفراد المجتمع أن يكونوا من طراز الخلق الصالح .وعلى هذا الموجب عليه أن لاننتظر من هذه الاحزاب تحريك المجتمع الى الامام والتقدم به نحو الافضل .حيث أكدت الدراسات الاجتماعية ان المجتمعات البدائية التي تؤمن وتتمسك بتقاليد الاباء والاجداد ايمانا كليا لاتخضع الى التغيير والتطور الا قليلا ,اذ أن الحالة تؤدي الى الجمود الفكري ولايكون التحرك الا في ضوء ما قاله الاجداد .ففي ضوء هذا الايمان لم تبدأ الثورة   الصناعية والنهضة العلمية في اوربا الا بعد أن فصلت السلطة عن الدين في بداية القرن السابع  عشر ,وقد أحبطت الكنيسة العديد من الافكار العلمية من مجرد اعلان أصحابها عن أفكارهم العلمية  الابداعية ,على سبيل المثال قد قيدت العالم المعروف (غاليلو) وحكم عليه بالمراقبة والاقامة الجبرية في داره عن اثباته لكروية الارض في القرن السادس عشر.وذلك الموقف الصارم الذي وقف رجال الدين ضد النظرية التطورية وغيرها ,ولكن فيما بعد صححوا موقفهم فتركوا العلم وشأنه .
   ان تاريخ البلاد العربية الاسلامية زاخر أيضا بمثل هذه المواقف ,وبل حتى في العصر الحديث فكل ما اوتي به من الغرب كفر وزندقة حتى لو كان الغاية منه مصلحة المجتمع وتقدمه .وقد اعترض رجال الدين على الاحزاب العلمانية ,واعترضوا على دخول النساء الى المدارس ,وهذا المثل الذي يجسد النظرة الرجعية والجمود الفكري عند رجال الدين ,وقد رفض رفضا قاطعا فقهاء (نجد)في السعودية عندما أدخل الملك عبدالعزيز سعود في بلاده المدارس الحديثة والمحطات اللاسلكية ,فقد أفتوا ان المدارس الحديثة تعلم الكفر والمحطات اللاسلكية تستخدم الشياطين في نقل الاخبار .(راجع الوردي –مهزلة العقل البشري- لمزيد من التفاصيل ص27 ).وترفض الاحزاب الدينية والجماعات  الدينية المتطرفة في كل انواع الاديان العديد من القوانين الوضعية التي تشرعها الحكومات العلمانية طالما أنها لاتستند على الكتب الدينية ,وهذا مايظهر جليا في العديد من البلدان مثل ,باكستان ,العراق,ايران,مصر,الجزائر,افغانستان والكويت وغيرها.
   ماذا نتوقع من الاحزاب الدينية التي تتعارض مفاهيمها مع الحرية الشخصية تماما ,فهي باختصار مقتضب تؤكد على خضوع الفرد لمبادىء الدين خضوعا كاملا لانقاش عليه أبدا.بينما تؤكد فلسفة حرية الفرد على الحرية في التعبير عن الراي,حرية الاعتقاد الديني والسياسي,حرية الاختيار لاسلوب الحياة الذي يراه الفرد مناسبا له من العلاقات الاجتماعية والماكل والمشرب والملبس.وهي تؤكد على حرية المراة ومساواتها مع الرجل واختيارها الحياة المناسبة لها.وتؤكد مبادىء الحرية الشخصية على حرية الاعلام,التعليم,الاقتصاد,الاجتماع , السياسة,السياحة والفن .كل هذه المبادىء تؤكدها المجتمعات والاحزاب الديمقراطية ,في الوقت الذي لاتتناسب وفلسفة الاحزاب والحكومات الدينية .فاذا ادعائها بالديمقراطية ادعاء باطل طالما لا تتوفر مبادىء الحرية الشخصية في فلسفتها .
   أية ديمقراطية نتوقع منها اذا لم تعط الفرصة في دساتيرها على ظهور التنظيمات السياسية التي تستند في وضع برامجها على القوانين الوضعية .وان ظهرت المحاولات الشكلية للديمقراطية فلا تعدو المنافسة بين الاحزاب الدينية نفسها ,وبالتالي فان مرجعها الاساسي هو رجل الدين الاعلى مقاما في البلد فلا يمكن ان يتصرف الحزب في السلطة ما لم يرجع اليه .وهذا ما نلمسه بوضوح في ايران اذ بين حين وآخر يقابل رئيس الجمهورية الولي الفقيه ,ويزاول رئيس الوزراء العراقي نفس المبدأ للتشاور مع الولي الفقيه وأخذ المشورة منه. على هذا الضوء يمكن القول لافرق بينها وبين الاحزاب الدكتاتورية التي لاتنافسها على السلطة أحزاب اخرى ,فكلاهما لايعطيان الفرصة للمنافسة السياسية .
   من الخصائص النفسية لمنتسبي الاحزاب الدينية الازدواجية في الشخصية السياسية ما بين الولاء الى الفقيه والعيش والولاء للوطن المحدد .لكن هاتين الظاهرتين متناقضتين ,فالدين لايلتزم بحدود وطنية ,فكل جماعة دينية متطرفة تحاول بكل الاساليب ,حتى الدموية منها في فرض نظام عالمي وفقا لاحكامها الدينية .فالسياسي الديني يتظاهر بالتقوى ويدعي التدين ,ولكن مع ذلك ذا اتجاه دنيوي يحاول استغلال المفاهيم الدينية في تحقيق رغباته الشخصيةالمكبوتة في العقل الباطني التي من أهمها حب السيطرة والغاء الاخر والاحقية له في ادارة شؤون المجتمع .متناسيا ان الاخرين أيضا قد تلقوا تنشئة اجتماعية استندت على مبادىء دينية لايمكن التخلي عنها مثله .
   خلاصة القول يجب أن لاتخدعنا الاحزاب الدينية بانها سياسية في حكمها فهي تتصرف في الظاهر كأنها ديمقراطية ولكن في العقل الباطني لمنتسبيها ماهي الا دكتاتورية ,ولها الحق المطلق في السلطة وهي ظل الله على الارض .وهي تستغل المبادىء الدينية في احداث الصراع الاجتماعي بدلا من استغلال وظيفة الدين السامية في الضبطالاجتماعي والتكافل والتماسك والسلام في المجتمع .
   ووفقا لهذه المعطيات والحقائق يجب أن لاتوهمنا الاوضاع السياسية في العراق الجديد بوجود ديمقراطية سليمة فهي حاليا مفروضة على الاحزاب المشاركة في الحكم من قبل الولايات المتحدة الامريكية ,فهي تلزم مشاركة الاحزاب الدينية والعلمانية معا في اللعبة السياسية .واني على يقين لو تخلت هذه الدولة عن العراق ,سوف لن تتوفر أية فرصة للاحزاب العلمانية للمشاركة في السلطة ,فهي تتقيد تدريجيا أمام دكتاتورية الاحزاب الدينية .
     



122
أثر كتابات رجال الدين في تشويه هوية الكلدان القومية

الدكتور عبدالله مرقس رابي
كندا             

    يعد هذا الموضوع مكملا لمقالتي السابقة الموسومة ( الدور السلبي لرجال الدين في المجتمع المعاصر ) ولاهميته في الظروف الراهنة لشعبنا خصصت هذه المقالة لمناقشة وطرح الدور الاكثر سلبا لرجال الدين من حيث كتاباتهم وبعض طروحاتهم وخطبهم في تشويه هوية الكلدان القومية. اذ تعد كتابات رجال الدين من العوامل المؤثرة في تشويه هوية شعبنا القومية لعدم وضوح المفهوم القومي في معظم كتاباتهم وغالباً ما  يمزج هؤلاء بين المفاهيم الدينية و القومية.  وقد طالعت العديد من الكتب والمقالات التي كتبها الاباء والاساقفة والكهنة والرهبان عن تاريخ الكنيسة وشؤونها, ومن هذه المتابعة أثارت انتباهي بعض العبارات والنصوص التي تشوه وتزيد المفاهيم القومية واللغوية غموضاً.  فعلى سبيل المثال لا الحصر هذه العبارات التي جاءت في متن بعض الكتب والمقالات.
     
      ففي المقال الموسوم (أرشيف البطريركية الكلدانية) للاب بطرس حداد, جاء "ان السلف الصالح كان يعتز باللغة الكلدانية فالمراسلات بين البطريركية والاكليروس كانت تتم بهذه اللغة الشريفة وتراجعت تدريجياً في عهد البطريرك عمانوئيل". واما في مقدمة مقاله في مجلة نجم المشرق عدد 3/4 استخدم عبارة "لمناسبة احتفال الطائفة الكلدانية" وفي المقال نفسه كتب عبارة "السجل مكتوب بالكلدانية" وعنون مقال اخر بعبارة " الكتابات السريانية في ديارات المشارقة". والكاتب الاب جاك اسحاق اطلق على أحد كتبه( المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد).
     
     واما الكاتب الكنسي الاب البير ابونا فهو اكثرهم تخبطاً في استخدام المفاهيم, ففي مقال الموسوم (تطور الفكر اللاهوتي في كنيسة المشرق) جاءت عبارة "كانت لغة التعبير عن الديانة المسيحية هي الارامية في معظم مناطق بين النهرين....الخ" ويذكر في هوامش كتاب الرؤساء لتوما المرجي "والاب بولس بيجان الذي اعاد طبع النص الكلداني وغيره ممن كتبوا في الاداب السريانية.وجاء في سنة 1893 قام العلامة المستشرق الانجليزي السير ي.أبدج بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية, وايضاً حتى ان المرء ليعجب من سعة اطلاع هذا العالم على دقائق اللغة الكلدانية"
وتسمية جديدة غريبة جاء بها الاب البير ابونا هي " الكنيسة الكلدانية السريانية الشرقية الكاثوليكية" يا له من مجتمع او مذهب جديد مركب التسمية.  وعنون احد كتبه بعبارة "تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية". وفي كتابه هذا جاءت عبارة " تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية" وله كتاب بعنوان (ادب اللغة الارامية).                                                      وعنون الاب لويس ساكو (المطران حاليا ) احد كتبه بعبارة "اباؤنا السريان". وسمى الاب حنا شيخو احد كتبه بعبارة "كلدان القرن العشرين, دراسة مجملة عن المجتمع الكلداني". وفي مقال للمطران عمانوئيل دلي ( البطريرك حاليا ) في مجلة نجم المشرق جاءت عبارة " وكتبت الرسالة باللغة الكلدانية."وهناك العديد من الكتب والمقالات المليئة في طياتها مثل هذه العبارات الغامضة  لا مجال لذكرها .
     ومن متابعتي لبعض الخطب والتصريحات لاباء الكنيسة في المناسبات العديدة  تبين ايضا الغموض وعدم الوضوح في طروحاتهم .على سبيل المثال ما جاء في خطاب البطريرك روفائيل بيداويد, امام البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في 14 تشرين الاول 1994, عبارة "الكنيسة الكلدانية" عدة مرات, وفي حديثه  في المقابلة التلفزيونية لمحطة لبنانية بأن " الكلدان مذهب والشعب الكلداني اشوري"فهو لايميز بين المذهب الديني والقومية.ذلك الحديث الذي استغله بعض افراد وكتاب الشعب الاشوري كورقة للترويج وتحقيق هدفهم الطوبائي لالغاء القومية الكلدانية  اذ انه  مجرد تعبير عن رايه الخاص فلا يمثل رأي المفكرين و الباحثين, وكيف استنتج ذلك ولم يستند على نظرية أو فرضية علمية, وان قصد البطريرك بيداويذ ان الكلدان كانوا نساطرة قبل دخولهم في الكثلكة, هذا لا يعني ان كل من يتبع التعاليم النسطورية في الكنيسة الشرقية هو اشوري .ففي الماضي بحسب الحقائق التاريخية المعروفة كانت قبائل كلدانية في مركز الكنيسة الشرقية (كوخي) المدائن وما حولها تتبع التعاليم النسطورية علاوة على ان هناك دلائل تاريخية تشير الى تهجير العديد منهم عبر العصور المختلفة نحو شمال بلاد النهرين, اضافة الى قبائل عربية وفارسية وتركمانية ومغولية وهندية وغيرها اتبعت الكنيسة الشرقية النسطورية مما يدل على ان كل اتباع هذه الكنيسة ليسوا من الاشوريين, لقد ضمت شعوباً مختلفة من قبرص غرباً الى جاوة والتبت والصين وسومطرة ومنشوريا والهند شرقا. ولاغرابة أن يكون البطريرك بيداويذ اشوريا ويرأس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية طالما يتميز بسمات تؤهله لرئاسة هذه الكنيسة .فالدين لايربط بين الرئاسة والقومية والعشائرية ,حيث إنتشر الرسل والمؤمنين الاوائل في ارجاء العالم وترأسوا كنائس لشعوب تختلف عن إصولهم العرقية . ومن جهة اخرى لا يعد الالتزام برأي رجل الدين عن امور غير دينية واجب ,فهذه مسألة قومية اجتماعية سياسية وليست مسألة اجتهاد او تفسير ديني كمنح صفة القديس لأحد الرهبان أو الاساقفة على سبيل المثال, أو تغيير في الطقوس الدينية, حينها يقول الجميع نعم لأنه رأس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية.
     وفي عام 1999 التقيت مع ثلاثة مطارنة من الكلدان في الاردن وانا في طريقي الى المهجر ودار الحديث معهم حول هذا الموضوع للاستفادة من معلوماتهم اذ كنت منشغلا في تأليف كتابي (الكلدان المعاصرون ) فطرحت عليهم سؤالا : من هم الكلدان ؟ وقد أجاب أحدهم ان الكلدان شعب قديم لا نعرف عنه شيئا ,وقال الثاني ان الكلدان هم جزء من مسيحي العراق , وأما الثالث أجاب ان الكلدان هم الاراميون وسمي فيما بعد بالكلدان . في الحقيقةتدل هذه الاجابات على النقص الفعلي في معلوماتهم عن الكلدان واصولهم وعن المفاهيم القومية فلا يمكن الاعتماد عليهم في نشر الوعي القومي بين افراد شعبنا .
      يبدومما تقدم الغموض وعدم الدقة جلياً في استخدام هؤلاء الاباء للمصطلحات القومية في كتاباتهم الدينيةوطروحاتهم, حيث التناقضات الواضحة بينهم واحياناً عند الكاتب نفسه في ذات المقالة, اذ يستخدم تعابير متعددة ويعني بها مفهوما واحدا, وهذه العبارات او المفاهيم المستخدمة هي : الكلدان, اللغة الكلدانية, اللغة الارامية, اللغة السريانية, الطائفة الكلدانية, الكلدانية السريانية, الكلدانية النسطورية, السريانية, الشعب الكلداني, المجتمع الكلداني, الاداب السريانية, النص الكلداني, الناطق بالسريانية, الاشورية, الاثورية, كلد واثور, ألا تثير الدهشة والحيرة هذه المفاهيم المتناقضة الغريبة والتي تربك الفرد الكلداني وتؤثر عليه سلبا في شعوره القومي وفهم قوميته!. وبالاخص العامة من الشعب اذ كما اشرت سابقا معظمهم يعتقدون ان ما يأتي به رجال الدين هو الاصح ولايجوز مناقشتهم ,بالاضافة الى اعتقاد البعض ان دراسة اللغة وما يتعلق بتراث شعبنا مرتبط بالكنيسة وهذا خطأ شائع .
  ساهم رجال الدين في دراسة تاريخ الكنيسة و امجاد الاباء وانتشار المسيحية في بلادنا مساهمة قيمة وجادة, بينما اخفقوا في تحديدهم للمفاهيم القومية, بالطبع هذا ليس من اختصاصهم,فقد اقتصرت دراستهم قبل رسامتهم الكهنوتية على اللغة الارامية الحديثة والعلوم الدينية والقوانين الكنسية دون دراسة تاريخ الاقوام والبلدان والحضارات والدراسات الاجتماعية. وعليه الالتزام بالحذر عند استخدام المفاهيم المذكورة اعلاه لكي لا يزيد من تشويه الافكار عند القارئ الكلداني, فهذه مسألة بعيدة عن اللاهوت اعني-المسألة القومية واللغوية- فهي ظواهر اجتماعية نفسية موضوعية وواقعية تحتاج الى البحث والاستقصاء المبني على المنهجية العلمية .




123
الدور السلبي لرجال الدين
في المجتمع المعاصر
تحليل سسيولوجي
الدكتور- عبدلله مرقس رابي
   
استاذ جامعي \ كندا

تشير الدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية الى وجود نخبة من الاشخاص يتحكمون في تنظيم العلاقة بين افراد المجتمع و الخالق في المجتمعات البشرية القديمة والطوطمية البدائية التي لاتزال موجودة في المناطق النائية من العالم . وقد تحددت تلك العلاقة على نحو ان هذه النخبة من الكهنة هي الوحيدة المخولة للتحدث مع الخالق للتدخل في تقرير مصير المجتمع البشري اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا , وعليه اكتسبوا مكانة اجتماعية مرموقة اثرت بدورها في العامة من الناس لاعتقادهم ان تلك العلاقة مصدرها ( التفويض الالهي ) للتحكم في شؤون المجتمع .
  برزت هذه الظاهرة في الديانة الاسلامية لتاكيدها على عدم فصل الدين عن الدولة والرجوع الى الشريعة لتنظيم الحياة الاجتماعبة بابعادها المختلفة .وظهرت في المسيحية تدريجيا في اوربا يشكل واخر لحين بسطت الكنيسة سلطتها على معظم معالم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى العلمية للمجتمع الاوربي مثل تنصيب الملوك ومعارضة اصحاب النظريات والمكتشفات العلمية وكثيرا ما اعدمت محاكمها العلماء الذين لهم الفضل في تقدم البشرية .
  استمرت هذه الحالة لحين ظهور النهضة الفكرية التي بدات بوادرها في القرن السابع الميلادي اذ تمكنت من التأثير على الوضع القائم انذاك في العلاقة بين الكنيسة والمجتمع فأدت الى تقليص دور الكنيسة ورجال الدين في التحكم بشؤون المجتمع واقتصرت واجباتها في تنظيم وتأدية اسرار الكنيسة فقط محققة بذلك موقف المسيحية من هذا الموضوع الذي لخصه السيد المسيح في عبارة (اعطوا ما للقيصر للقيصر وما لله لله )- انجيل لوقا اصحاح 20 اية 24 - . وكثيرا ما نقرأ في تاريخ الكنيسة والطقوس الدينية التأكيد على الصلاة من أجل الحكام لكي يحكموا بعدالة وانسانية ويحققوا السلام دون ان يتدخلوا في شؤونهم الا في حالة تعرض المؤسسة الدينية الى التهديد والنيل من الايمان المسيحي فذلك من حقهم التدخل .
  ان تدخل رجل الدين في الشؤون السياسية والدنيوية الاخرى للمؤمنين يقود ذلك الى نوع من التحفيز النفسي للتمييز بين الافراد , في الوقت الذي يتطلب منه معاملتهم بالعدالة والمساواة , علاوة انه يهبط من عزيمة وشجاعة القادة السياسيين للدفاع عن حقوق شعبنا . فأذا حصل هذا التدخل سيكون ايديولوجيا كالاحزاب السياسية التي تعتبر كل منها الافكار التي تؤمن بها هي الامثل والاسمى ولاتعلو عليها مبادىء أخرى .
  يسود في بلاد الرافدين هذه الايام نوع من الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي اضافة الى النهضة الفكرية والوعي السياسي والقومي في مجتمعنا الكلداني .فهي فرصة تاريخية ثمينة لنيل حقوقنا القومية على ارضنا لم تتوفر من قبل .مما يجدر برجال الدين عدم التدخل فيما لايعنيهم من الامور بل فسح المجال للاحزاب السياسبة والمجالس الشعبية لحسم القضايا الراهنة لشعبنا سواء مسألة المنطقة الامنة أو غيرها من القضايا .اذ الخلفية العلمية والخبرة السياسية لهم لا تؤهلهم لرسم السياسة الاجتماعيةللمجتمع فهي تقتصر على دراسة اللاهوت والطقوس الدينية فقط , ومهما يمتلكون من الوعي المعرفي فأن مواقفه دائما تستند على انه مفوض من الله لكي يحل ويربط ما يشاء من الظواهر الاجتماعية
  هذا الموقف لايمكن الاستناد عليه في عصر التنوير والتقدم الحضاري والوعي الفكري عند عموم افراد المجتمع ,وقد يصلح ذلك في المجتمع الذي تسوده الامية والتخلف الحضاري كما في السابق اذ أن عدد المتعلمين كان محدودا والمستوبات العلمية العالية معدومة ,وعليه تفسر الظواهر الاجتماعية وفقا للمفاهيم الدينية .والكاهن كان المتعلم الوحيد مع بعض الشمامسة في المجتمع فهو المرجع الوحيد لمساعدة الافراد في حل مشاكلهم وأعتقادا منهم ان ما يقوله هو من عند الله فلا يجوز مناقشته بتاتا .أما اليوم فأن رجال الدين معظمهم في المستوى المتخلف قياساالى التقدم الاجتماعي والفكري الذي حصل في العالم ,وتراجعت مكانتهم الاجتماعية على أثر الوعي الحاصل لدى الافراد عن علاقة المؤسسة الدينية بالانشطة الاجتماعية الاخرىوعن دورهم في المجتمع المعلوماتي الحديث .
  يفضل أن يركز رجال الدين جل اهتمامهم في تأدية اسرار الكنيسة التي لايجوز لغيرهم تأديتها ووضع الحلول المناسبة للتصدعات التي طالما تحدث بينهم .والعمل على ايجاد الية بواسطتها يمكن التصدي للاعلام الفاسد الذي ينعكس سلبا على الايمان الديني للافراد .وليكن من واجباتهم الاساسية الصلاة من اجل القادة السياسيين لكي يتمكنوا من ادارة شؤون مجتمعنا في هذه الظروف الحرجة .
  يبدو حصول نوع من التخبط والخلط بين المفاهيم السياسية والقومية والدينية ,أي عدم التمييز بين ما هو سياسي أو ديني أوقومي ,وعدم الادراك ان قضايانا هي قومية سياسية تاريخية وليست دينية فحسب .
  واخيرا ان تدخل رجال الدين في قضايا شعبنا يعني بكل صراحة انها محاولة الانتكاس الفكري للرجوع للحياة البدائية الطوطمية ,واخطر من ذلك يؤدي الى تهميش دور الاحزاب السياسية والمجالس الشعبية لشعبنا ,وتغيير اتجاهات ومواقف الحكومة المركزية والاحزاب الاخرى نحوهم ,اضافة الى الاحباط المعنوي لقادة النهضة الفكرية والوعي القومي المتنامي لافراد شعبنا .وعليه يجب ان تترقى عقلية رجال الدين للتفهم واستيعاب الفرق ما بين المؤسسة الدينية ومؤسسات المجتمع الاخرى والتمييز ما بين مفهوم المؤمنين لتأدية واجباتهم الدينية وبين افراد المجتمع والتعامل معهم خارج نطاق  تلك الؤسسة .

124
تبلور الشخصية القومية
وتطبيقاتها على القومية الكلدانية

الدكتور عبدلله مرقس رابي
استاذ جامعي - كندا
يعد تبلور الشخصية القومية والانتماء الى الجماعة البشرية ضرورية جدا في حياة الانسان لكي يحدد مكانته الاجتماعيةبالنسبة للجماعات  الاخرى .لم تكن الشخصية القومية واضحة عند الافراد في الماضي لسببين هما الدين الذي لا يهتم بالشؤون القومية .ونظام الامبراطوريات السياسي الذي كان يتوسع عن طريق الحروب والزواج السياسي , أي زواج الملوك والامراء من بنات الملوك والامراء في المناطق الاخرى .
  انما ظهرت النزعة القومية قرابة القرن الثامن عشر ,وذلك لضعف السلطة الدينية في امور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسقوط الامبراطوريات وقيام نظام الدول القومية .علاوة على انتشار الطباعة باللغة المحلية مما ساعد على نشاط الوعي القومي .
  يؤكد علماء الاجتماع والانثروبولوجية ان الانسان كائن اجتماعي بالطبع , فهو يولد مزودا بالقدرات والقابليات التي تصقلها البيئة الاجتماعية لكي يتأهل للعيش والتكيف مع الجماعة التي ينتمي اليها ,بفعل اللغة المتداولة بين الافراد الذين يتصرفون حيال الاشياء على اساس ما تعنيه تلك الاشياء لهم .وهذه المعاني هي نتاج للتعامل الاجتماعي في المجتمع الانساني . وبعدها تحور هذه المعاني وتعدل ويتم تداولها عبرة عملية تأويل يستخدمها كل فرد في تعامله مع الاشارات التي يواجهها عن طريق التفاعل الاجتماعي الذي يولد المعاني ,والمعاني تشكل عالمنا ,وهذا يعني أننا نخلق عالمنا بما نضفي عليه من معان .وان هذه المعاني تتغير وتتطور فان العالم  يتغير معها ويتطور .
  هذه العملية تنطوي على المجال الادراكي اوالمعرفي الذي يعتمد على التفكير والتصور الذهني عن الجماعة القومية , والمجال الانفعالي الذي يتضمن المشاعر والحوافز والرغبات عن الجماعة .اضافة الى المجال الفعلي الذي يتضمن الاعمال التي ينجزها الافراد .وتتوقف هذه المجالات على عملية التعلم التي تضطلع الاسرة دورا كبيرا فيها ,وتتحدد في ضوئها الشخصية القومية وفقا لمفاهيم انتقلت اليه عبر التنشئة الاجتماعية واصبحت جزءا لايمكن فصلها عن شخصيته  .
   تنطبق هذه العناصر على القومية الكلدانية التي تكونت لنشوء لغة خاصة باعضائها لا يفهمها غيرهم من الاقوام الاخرى, بفعل التراكم الثقافي عبر التاريخ. وتبلورت شخصية الكلداني القومية وفقا للمعايير الثقافية, والرموز الثقافية, ويفهم الفرد ذاته من تصور الاخرين له منذ الطفولة حيث تبلورت شخصيته وفقا لمفاهيم انتقلت اليه عن طريق التنشئة الاجتماعية وأصبحت جزءا لا يمكن فصلها عن شخصيته, فسيطرت على تفكيره ومجاله الانفعالي, ثم أن الافعال التي ينجزها الفرد تدور ضمن ثقافة قوميته. وهذا التصور اللاشعوري لشخصية الفرد يؤدي الى تقوية النزعة القومية عنده (روح الجماعة) , وتنمو عنده بمرور الزمن وبحكم (التمركز السلالي) عبر الاجيال, والارادة الكافية للشعور القومي, والانتماء والولاء, والتضامن, وهكذا لدى غيره من الافراد, وبالتالي تتشكل الجماعة القومية ويحاولون الحفاظ عليها.

     تكفي الفترة الزمنية, والتمركر السلالي عبر الاجيال, لتقوية روح الجماعة والشخصية القومية عند الكلدان المعاصرين, حيث تكونت الارادة القومية لدى الكلداني ولا يرضى تسميته بغير تسمية الكلداني. فأصبحت جزءا من كيانه ونطق بها لا شعوريا وفقا لاحكام الظاهرة الاجتماعية التي تنمو عند الفرد لاشعوريا كما أكدها عالم الاجتماع الفرنسي (أميل دوركايم) . فالقومية ظاهرة اجتماعية من صفاتها: أنها لا شعورية, والزامية, ولها زمان ومكان محددان وهي انسانية,.وموجودة قبل وجود الفرد فمهما حاول الاخرون تجريد الكلداني من كلدانيته لا تحصد هذه المحاولة غير الفشل مثلما لا يمكن تجريد العربي من عروبته, والاشوري من اشوريته, ولا السرياني من سريانيته.
     المعروف في علمي الاجتماع والنفس أن الاسرة تغرس المعاني والمفاهيم في أذهان أبنائها, وتنطبع كأحرف الطابعة على الورقة, ولا يمكن ازالتها مهما تعرض الفرد الى العوامل التي تتعارض مع المفاهيم الاجتماعية, وقد يكون التغيير في الجوانب المادية للانسان عملية سهلة جدا فيمكنه أن يتماشى مع المودة في الملابس, وقصة الشعر, وتبديل المسكن, والانتقال اقليميا, لكن من الصعب جدا تغيير المشاعر والقيم والتصورات الذهنية تجاه الحالة المعنوية مثل الانتماء القومي .

     الاسرة لها دور كبير في نقل معالم الثقافة المعنوية للجماعة القومية التي تنتمي اليها عن طريق التنشئة الاجتماعية الىأبنائها, فالشخصية القومية للفرد تتوقف على العمليات الاجتماعية التي تحيط به منذ ميلاده. باعتبار أن الوالدين هما المثل الاعلى له, وتجعل هذه التنشئة من اعتقاد الفرد الحازم بسمو و رفعة جماعته القومية, والاسرة الكلدانية تعلم الفرد الطرق الشعبية والاساليب الشعبية والاعراف الشعبية.  والاسلوب الشعبي يكون وليد تكرار العمليات السلوكية التي يقوم بها الفرد, في حياته اليومية, وهذه العمليات السلوكية هي انعكاس لعادات الفرد وعادات جماعته القومية, ويكتسب الفرد اسلوبه الشعبي بصورة غير شعورية, وعليه يتمسك به تمسكا شديدا, ويعتقد أنه اسلوب حقيقي وصحيح واخلاقي في أن واحد.

     التنشئة الاجتماعية للفرد هي التي تكسبه الشخصيةالقومية والانتماء القومي, حيث لا يرث الانسان قوميته بالولادة, فليس كلدانيا بالوراثة, ولا اشوريا, ولا كرديا, ولا عربيا لو افترضنا أنها وراثية, كيف سيكون شعور طفل كلداني رضيع شاءت الاقدار وعاش ونشأ في أحضان عائلة اشورية؟ هل ستكون شخصيته القومية كلدانية أم اشورية؟ بالطبع اشورية, وفقا للعمليات الاجتماعية والنفسية التي ذكرناها -انفا- وهكذا لو اخذنا طفلا عربيا رضيعا ليعيش في احضان عائلة كلدانية, بالطبع لا يكون له ذرة من الشخصية  القومية العربية بقدر ماتكون شخصيته كلدانية ولتقريب المسألة. لو أخذنا طفلا (بوذيا) ليعيش في احضان عائلة مسيحية, هل ستكون مشاعره بوذية أم مسيحية؟ بالطبع مسيحية, وبنفس الابعاد هي المسألة القومية.

     اذن كيف نجرد الكلداني, أو الاشوري أو السرياني أو الكردي وغيرهم من مشاعرهم القومية التي اكتسبها منذ طفولته؟ هذا لا يمكن فعله مهما خضع الفرد الى المؤثرات. الا اذا كانت تلك المؤثرات وسيلة لاشباع واكمال عقدة النقص عند الفرد, مثلا, يعاني من عقدة حب السيطرة, والزعامة واثبات الذات, أو عقدة التملك, أو عقدة النقص في المشاعر الجنسية, أو عقدة النقص العاطفي, أو كانت الشخصية بشكل عام سايكوباثية (مريضة). ففي حينها يمكن انكار انتمائه القومي, أو الديني, لكي يشبع عقدته في جماعة أخرى, فالشعور بالنقص عامل نفسي اجتماعي مهم يجعل الفرد يتخلى عن قومه بل من مقدساته أيضا, ويتمرد لعدم التمكن من مواصلة حياته الاجتماعية الطبيعية ضمن جماعته القوميةالمرجعية, وهذه حقائق علمية أكدتها الدراسات الاجتماعية والنفسية في مختلف المجتمعات البشرية.

     ووفقا لهذه المعايير,تتشكل الشخصية القومية للكلدان المعاصرون بانتمائهم القومي الذي تبلور في أذهانهم عبر التنشئة الاجتماعية, وايضا بالنسبة للاشوريين, أو السريان فمهما قيل للكلدان أن الاصول العرقية لهم هي اشورية, هذا لا يفي بالغرض لتغيير مشاعره القومية والعكس صحيح, مهما قيل للاشوريين أن أصولك العرقية كلدانية, أو ارامية أو غيرها, لا يفي ايضا بالغرض.

    نلمس هذه الحقيقة في مجتمنا المعاصر, فرغم من المحاولات السياسية الايديولوجية, ومهما كان التعمق في دراسة الاصول العرقية لاقوام بلاد النهرين, لا جدوى من التأثير على الهوية القومية للافراد, مما يدل على قوة المعايير الاجتماعية التي ذكرناها في صقل شخصية الفرد القومية, وتأصيل النزعة القومية عنده, فكم يشعر بالاشمئزاز والانفعال الاشوري عندما يقال له أنك كلداني أو عربي أو سرياني وكذلك نلاحظ هذه المشاعر عند الكلداني عندما يقال له أنك اشوري أو عربي وهذا ينطبق على العربي والكردي وغيرهم.

    ان مسألةالشخصية القومية عند الفرد هي المحك الاساسي في تمييز وفرز الانتماء القومي لسكان بلاد النهرين الاصليين الذين عاشوا على أرضه منذ فجر التاريخ والى يومنا هذا وعبر الاف السنيين فهو البديل عن المجادلات العقيمة, والافكار المعتمدة على التاريخ الطويل, وفي الوقت الذي لا يتفق المؤرخون على كل ما كتب بانه مطلق وحقيقة, بل أنها مجرد فرضيات وضعت استنادا الى بعض المتغيرات التي تحتاج الى برهان أدق وأشمل, وبالاخص في الظواهر العرقية واللغة وأصولها.

     نلاحظ أن كل كاتب يميل في كتباته الى فرضية دون أخرى حسب ما تتفق وأفكاره وانتماءاته السياسية والقومية, فهويعد المبررات والشواهد التي تعدمن اهتماماته هي الاصح والارقى في التفكير البشري, ويتخلى, أو يهمل الشواهد والحقائق الاخرى, أو يدعى أنها متحيزة.
     لكن مهما حاول الكاتب, أي كان انتماؤه الغوض في أعماق التاريخ, وبالاخص ما قبل ظهور الكتابة يجد صعوبة في الكشف عن الظواهر الاجتماعية على حقيقتها, وبالاخص في بلاد النهرين الذي كان محطة لعدة أقوام أصلية وغريبة, فامتزجت الدماء, وتداخلت اللغات, ولكن حقيقة واحدة تبقى لا يمكن الاختلاف عليها الا لاغراض سياسية, هذه الحقيقة هي:(أنها لايمكن ابادة قوم من الاقوام مهما بلغت الاعتداءات والمؤمرات التي تحبك من قبل الاقوام الاخرى, فالقوم حي الى الابد).
   واخيرا ارى ان المهم هوللاتحاد الكلداني الاشوري السرياني لا الغاء الاخرطالما ان تجريد الفرد من شخصيته القومية عملية صعبة وشاقة كما اكدت في المقال السابق.

صفحات: [1]