نعم انه الملفان هوزايا
عادل دنو
شددت الرحال ايها العَلم.. ولكن الى اين؟ انك لن تبتعد عن القلب مهما غبت عن العين.
لن ينساك من حمل ولو جزءا من همومك الكثيرة..
فقد كنت كتابا مفتوحا لمريديك. كنت فنان في التعامل مع الاخرين ومهندس العلاقات الطيبة برغم الاختلاف في الرؤى. كنت ذا حنكة سياسية ادارية والكل واحد في اعرافك والاختلاف بين أبناء الامة الواحدة كان لديك هو مقدار العطاء، وصحة هندسة الطريق نحو الهدف المشترك.
كنت حيويا انهكتك الايام والليالي. كنت صاحب الالتزام المهني. الصحافي الوفي. الباحث الدؤوب. الصوت الجرئ ، ولا شك ابدا انك كنت مبدع هندسة القصيدة الرشيقة.
كاتب قصة عاشق متيم بامته. مهندس فرق عمل في الحقل الثقافي والمهرجانات الشهيرة في جمعية آشور بانيبال الثقافية الفنية الاجتماعية. اول مهرجان كبير اقمناه في الجمعية كان من تخطيطك وهندسته من فكرك النير وتشاركنا في وضع المنهاج وتنفيذ الجوانب الاعلامية.. وأشرفت بنفسك على جريدة المهرجان البسيطة التي اخرجناها بامكانات بسيطة جدا.
كنت عضوا في الهيئة التأسيسية لجمعية آشور بانيبال التي كانت حصيلة دمج جمعية الفنانين الناطقين بالسرانية و جمعية الامهات في الكنيسة الاشورية الانجيلية، حسب موافقة وزارة الداخلية العراقية في 23 نيسان 1987 .
وكنت المخطط للجانب الثقافي والمرشد في الجمعية التي تحولت على مدار اكثر من عقد من السنين الى مدرسة ثقافية ولغوية راح تأثيرها ينتشر بين مثقفي امتنا في العالم.
شاركتَ الشعراء وشجعت الاصدقاء والشباب على الكتابة والمشاركة في الفعاليات الثقافية كالاماسي الشعرية والمهرجانات الثقافية. أنا والشاعر شاكر سيفو ( الشاعر المتمكن الذي كان يشارك بقصائد باللغة العربية) وعبد المسيح بولص اصبحنا في عداد تلامذتك وشاركتنا مخاض ولادة الشعر فينا. ولا اشك ان آخرين ايضا دفعتهم وشجعتهم لدخول معترك الابداع الثقافي.
اذكر مشاركتك الشعرية في امسية 16 / 8/ 1988 . ثم انسحابك بتواضع من الاماسي الشعرية اللاحقة في 1/ 9/ 1988 ، 6 /1 / 1989 ، و 14 / 7 / 1989 لافساح المجال لاصوات جديدة، يا ربي هل هناك من يدير ظهره للشهرة وتغمره الفرحة حين يصفق الجمهور لشاعر بدأ رحلته الشعرية حديثا.؟! نعم انه الملفان يونان هوزايا.
ولكني لست متأكدا من مشاركتك في الامسية الشعرية التي اقيمت في الجمعية يوم 30 / 5/ 1989 .
كنت السباق بتحويل الانظار الى فنون الادب الاخرى وقدمت محاضرة عن القصة السريانية المعاصرة مساء الاول من آذار 1990.
شاركت في الامسية التي اقيمت بمناسبة اعياد الربيع في 18/ 3/ 1990 .
ربما كان اول تكريم معنوي تقيمه جمعية آشور بانيبال لمبدعيها وكنت انت احد المكرمين وذلك في احتفالية ذكرى تأسيس الجمعية في 29 / 8/ 1991.
شاركت بالقاء قصيدة في الامسية الشعرية التي اقيمت في 12 / 9 / 1991. وقدمت محاضرة في التاريخ السرياني واللغة مساء 23/ 11/ 1991. وابيت الا ان تقتحم باب النقد الذي كان الادب السرياني بامس الحاجة اليه وانت صاحب المبادرات التي تدير انظار المثقفين الى جوانب الابداع وقدمت محاضرة عن دراسة في قصيدة الشعاع لعوديشو ملكو مساء 17 / 1/ 1992.
شاركت ايضا في قراءة قصيدة في امسية 1 / 12/ 1992 وامسية نادي سومر العائلي في 3 / 12 / 1992 .
كنت انت مخطط فكرة وضع قاموس حديث وقدمت محاضرة قيمة عن المساهمة في وضع قاموس و أدرت بعدها جلسة نقاشية يوم 29/ 1/ 1993 .
شاركت الشعراء بقصيدة في الامسية التي اقيمت في 14 / 2 / 1993 .
وانفردت بقراءة قصائدك في امسية قراءات شعرية لك يوم 27 /8 / 1993
وكانت لك مشاركتك في قراءات شعرية لمناسبة يوم الشهيد في 1/ 12/ 1993 و امسية يوم 7/ 1/ 1994 .
ثم كانت لك محاضرة بعنوان الوطن في قصائد الشعراء السريان مساء يوم 24/ 1/ 1994 . وكانت لك مشاركة في قراءة قصيدة في مهرجان الجمعية الذي اقيم في 16 / 4/ 1994 .
شاركت في محاضرة بعنوان لغة الشعر وعلاقتها بالمضمون في الندوة التي تخصصت لموضوع اللغة والشعر في يوم 25 / 10/ 1994 .
قدمت دراسة في مدارس القوش اللغوية في 2 / 12 / 1994 في حفل تأبين الشاعر المرحوم عبد بتي عبدو .
قرأت قصيدة في الامسية التي اقيمت في 17 / 1/ 1995.
وابيت الا ان تشارك في ندوة عن قاطيني بدراسة تحت عنوان ملحمة قاطيني شفاهيا وذلك يوم 31/ 1/ 1995
وصرت ايها الراحل عنا مبكرا عنوانا وموضوعا لدراسة قدمها الاستاذ بنيامين حداد بعنوان القصة لدى الاديب يونان هوزايا يوم 2/ 5/ 1995 .
وفي يوم 13 / 6/ 1995 قدمت دراسة اخرى نقدية بعنوان مدخل نقدي لقصيدة الشاعر شاكر سيفو . وفي حفل تأبين القس ايشو القس عوديشو مساء يوم 27/ 6/ 1995 قرأت قصيدة بالمناسبة. لم يتوقف نشاطك وقدمت محاضرة بعنوان اللفظ والاملاء في اللغة يوم 1 /8 / 1995 . ثم شاركت في دورة التقوية التي اقيمت في الجمعية يومي 10- 11/9/ 1995 في اساليب وطرق تدريس اللغات .
غادرتنا بعد ذلك الى الشمال لتلتحق بركب السياسة والاعلام والثقافة في ميدان واسع وابدعت فيه ايما ابداع.
لاشك ان هذا الكم والنوع من الهموم بدأت تنخر في جسمك وتؤثر في صحتك ايها الراحل عنا بلا موعد..
من هذا الملفان الذي يعلمنا اليوم تتبع خطاه في وضع لبنات في بناء هذه الامة .. انه الملفان يونان هوزايا.
ما سردته ايها المعلم الكبير في سيرتك كما عرفناك.. هو تعبير عرفان لك لما تلقيناه منك وما حفرته في قلوبنا ونفوسنا.
يؤسفنا اننا نستعيد ابداعك ونجله في غيابك. يؤسفنا اننا نتعلم الدرس متاخرين هل هي سنة الامة ام انه سبات لتعيد هذه الامة بناء ذاتها.!؟ هل تبددت احلامك وأمالك مع تبدد ابناء الامة وتشرذمها ام انها تنحفر في الحجر لتبقى هادية الاجيال,!؟
نعم ما زالت شخصيتك وصورتك أمامنا بقامة لا تجارى.. نشعر بوجودك في الامال والشعر والقصة والنقد والدراسات وفي رفاقك السياسيون والاصدقاء والذين عرفوك عن كثب او عن بعد ..
انك تطوف لا شك فوق ربوع الوطن وتنشد للوطن، وللمحبة والسلام والمستقبل لامتك.
انك حملت الأمانة، والطيبة بكل معناها . علمتنا كيف ننسج العبارات مع بعضها البعض .. ونسطر بكلمات الحب لغتنا الحية بشموخ، وبلا خجل..
انك وحدك كنت تظاهرة ثقافية سياسية اعلامية تربوية لغوية .. فهل من ماثلك أو من سيماثلك بين اجيال امتنا القادمة..!؟ نريد بتوق وشغف ان يقوم مثل قامتك .. فاية قامة هذه ..؟ انه الملفان يونان هوزايا.
قلما الكلمات تجد حروفها لتعبر عن رجل عشق عشقك .. وعاش نبلك وصدقك بعمق .. رجل له قدراتك المتنوعة .. فمن هذا الرجل الذي عاش عصرنا وغادرنا قبل اوانه ..؟ انه الملفان يونان هوزايا.
كرست حياتك للارتقاء بوعي الشبيبة، ووضعت كل مواهبك هبة لارساء تقاليد كنا بأمس الحاجة اليها اليوم، وزعت فكرك المفعم بحكمة محببة خبرتها في حياتك الشاقة.
منحت قلبك لامتك ولغتك الذين كانا ملاذك للتميز والابداع .. ومنحت نفسك لأسرتك وأصدقائك .. كنت تسعى الى لم الشمل في عالم الشرذمة.. وفي عالم التشظي.. لعل يفطن الشباب ليجعلوك نموذجا يحتذون به .
اعذرنا لان الحزن يغلبنا ..
لم نكن قريبين منك ولكن الاحبة من المقربين منك والاصدقاء كتبوا انك كنت تنام والقلم قربك
ماذا يمكن ان نقول.. ما اروعك تتناسى المرض والدواء وبجهد لا يحتمل تغفو على ورقة وتنام على فكرة اردت ان تنقلها لاصدقائك ..
رفضت ان تموت خارج وطنك وخارج ارضك .
وانفاس الحياة انقطعت من صدرك حين هجر شعبك المسكين ، واغتصبت ارض اجدادك وامام ناظريك وقلت حينها للاصدقاء :" اليوم انتهيتُ. اليوم اغتصب سهل نينوى اليوم اغتصب منا اخر قلاعنا بغديدا لذا انا انتهيت."
لماذا ايها الملفان الكبير.. بدأت موتك مبكرا، لماذا ربطت نبضك بنبض من احببتهم وحملت همومهم الثقيلة، لماذا خضت الامواج المتلاطمة من اجل امتك، ولماذا هذا الارتباط الحميم بمصير امتك.. ؟
هكذا هو المحتوم .. ان نتشارك معك في كثير من الهموم ايها العلم البارز بين الادباء والكتاب .
الى اي معلم نلجأ بعد الان للاستنجاد بملاحظة ادبية لغوية لتقويم اخطائنا.. اي طريق نسلك والشعلة قد انطفأت..
بمن نرى الان وعيناك المتوقدتين اسبلتا. بأي امل نتشبث وكنت انت حامل الامال.. اي ابداع نرجو وكنت انت فريقا من الابداع.
هل سنبحر بعد الان في سفينة السياسة والثقافة والاعلام والتعليم والادب والابداع التي كنت انت ربانا فيها.؟
ااسف لانك ابحرت بدون وطن فالوطن ذبحوه..
خسرتك الامة .. الخائرة القوى.. ماتت دموعها .. وماتت مشاعرها
اعذرنا لأننا نرغب في ان نحتفي بعملك الجاد والعميق .. ولكن الحزن يعتصر قلوبنا..
ولكن امنحنا الوقت لنشفى من الصدمة اولا.
سنظل نجتمع وروحك معنا