عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - صباح قيا

صفحات: [1]
1


في ضيافة  مؤسسة الجالية الكلدانية والمركز الثقافي الكلداني
د. صباح قيّا

تم يوم السبت 11 تشرين الثاني 2023 عقد مؤتمر بيث نهرين السنوي الثاني لكتاب بلاد الرافدين من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الثانية بعد الظهر على قاعة مؤسسة الجالية الكلدانية في مشيكن. ساهم في تنظيم المؤتمر ألمركز الثقافي الكلداني الذي مقره في نادي شنندوه ألكائن في منطقة ويست بلومفيلد, مشيكن, ومؤسسة الجالية الكلدانية التي مقرها في منطقة سترلنك هايت, مشيكن ايضاً. 
حضر المؤتمر لفيف من المهتمين بالكتب والكتّاب من مشيكن ومن مدينة وندزر الكندية أيضاً, بالإضافة إلى قناة القيامة التي  مقرها في كاليفورنيا. كما تابعها عدد آخر على منصة الزوم.
تضمن منهاج المؤتمر:

1.  تطوير الكتاب الجدد من مجتمع الناطقين بالآرامية – ألأستاذ روي كيسفورد باللغة الإنكليزية
2. ألكتابة عن الإبادة الجماعية والبقاء – ألأستاذ سعد مراد باللغة الإنكليزية
3. ألكتابة عن التأريخ القديم للكلدان - ألأستاذ حبيب حنونا الذي تعذر حضوره, للأسف الشديد, بسبب ظرف صحيّ طارئ. ألتمنيات المخلصة  له بالشفاء العاجل.
4. ألمرأة الإسطورية في بلاد ما بين النهرين – ألإعلامية وئام نعمو باللغة الإنكليزية
5. جوانب معينة من الشعر العربي – د. صباح يعقوب باللغة العربية. كان لي شرف تلبية دعوة منظمي المؤتمر والمشاركة بالموضوع المنوه عنه والذي سأتطرق إلى حيثياته باقتضاب لاحقا.
https://www.facebook.com/photo?fbid=733572515462923&set=pcb.733572555462919
6. تجربة الكتابة وأهمية التعليم والهوية الكلدانية – د. عضيد ميري باللغة العربية
كانت للأستاذ نبيل رومايا حصة للتعريف عن كتابه الذي صدر حديثاُ والموسوم " سيرة عراقية في المهجر الأمريكي.  وأيضاً كانت للمحامي مرشد كرمو حصة للتعريف عن كتبه وكتاباته.
 
جوانب معينة من الشعر العربي
تعريف الشِعر
فكرة تتجسد إلى كلمات ذات إيقاع موسيقي تنفذ إلى أعماق الذوق الإنساني, وبالأخص عندما تصدر بإلهام عفوي, وقد لا يُصدّق الشاعر بعد حين بأنه حقاً من صاغ تلك الكلمات.

أشكال الشِعر العربي
 1- الشعر العمودي:
 يعدّ الجذر الأصلي لكل أنواع الشعر.
 تضم مجموعة أبيات كل بيت يتألف من مقطعين (شطرين)؛ يُسمّى الأول (ألصّدر)، والثّاني (ألعَجْز). 
تُطلق كلمة القصيدة على سبعة أو أكثر من الابيات الشعرية
يلتزم بالبحر (16 بحر): ألمُتدارَك، ألمُتقارِب، ألمُجتثّ، ألمُقتَضَب، ألمُضارِع، ألخفيف، ألمُنسرِح، ألسّريع، ألرَّمَل، ألرَّجَز، ألهَزَج، ألكامل، ألوافر، ألبَسيط، ألمَديد، ألطّويل. والوزن (ألتفعيلة) والقافية.
ألتطور اللغوي للشعر العمودي
ألشعر في عصر الجاهلية (إمرؤ القيس)
 قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ      بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحومَلِ
 
ما تم نشره في كتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين
  عن إنتحال الشعر الجاهلي، وتأكيد هذا الانتحال بأدلة كثيرة، أهمها:
1- أن هذا الشعر المنسوب إلى الجاهليين لا يمثل الحياة الجاهلية
2- وأنه لا يمثل اللغة نفسها             
3- كما أنه لا يمثل اللهجات العربية

 الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري (718م 786م) واضع علم العروض والقافية, أي في العصر العباسي. إذن كيف تم تنظيم القصائد قبل ذلك العصر بحسب بحور الشعر التي وضعها.

 ألشعر في العصر الأموي (الأخطل)
   صريعُ مُدام يرفع الشَّرْبُ رأسه   ليحيا وقد ماتتْ عظامٌ ومفصلُ
 نهاديه أحيانًا وحينًا نجره            وما كاد إلا بالحشاشة يعقلُ
  ألشعر في العصر العباسي (ألبحتري)
 وأطلس ملء العين يحمل زوره    وأضلاعه من جانبيه شوى نهدُ   
 ألشعر في العصر الحديث (معروف الرصافي)
 لقيتها ليتني ما كنت القاها        تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثّةٌ والرجل حافية         والدمع تذرفه في الخدّ عيناها
 ألشعر في العصر الحديث (ألجواهري)
 سلام على هضبات العراق           وشطيه والجرف والمنحنى
على النخل ذي السعفات الطوال     على سيد الشجر المقتنى

 2- الشعر الحديث (ألشعر ألحر؟):
حرية إختيار الوزن وعدم الإلتزام بتفعيلات البحور الـ16
 عدم الإلتزام بتفعيلة أو قافية واحدة أو طول محدد للأسطر
 يمتاز باللّحن الموسيقي المُصاحب للأبيات/ المقاطع الشعريّة
بدايات هذا النوع من الشعر ظهرت من العراق عام 1947 على يد الشاعر بدر شاكر السياب، وبعض الشعراء ينسبونه لـ نازك الملائكة التي عاصرته.
- بدر شاكر السياب من إنشودة المطر
 ومنذ أنْ كنّا صغاراً، كانت السماءْ,
تغيمُ في الشتاءْ
ويهطل المطرْ،
وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ
ما مرَّ عامٌ والعِراق ليس فيه جوعْ.
مطرْ...مطرْ...مطرْ...

 3- الشعر الحر(ألشعر المننثور أو النص النثري أو
القصيدة النثرية؟):
 لا يلتزم بأي معيار من معايير الشعر العمودي أو الحديث.
من قصيدة الرحيل – مظفر النواب
يا وحشةَ الطرقاتِ
لا خبرٌ يجيءُ من العراقِ
ولا نديمٌ يُسكرُ الليلَ الطويلْ
مضت السنينُ بدون معنى
يا ضياعي
تعصفُ الصحرا وقد ضلَّ الدليلْ
لم يبقَ لي من صحبِ قافلتي سوى ظلّي
وأخشى أن يفارقني
وإن بقي القليلْ

 4- شعر الرباعيات
هذا الشكل من الشعر دخل اللغة العربية من الأدب الفارسي
عادةً تكون الرُباعيّات مكونة من أربعة أبيات فقط، تحمل فكرة تنتهي بانتهاء الأبيات الأربعة
 عمر الخيام 1131-1048 م
نوسترا داموس 1566-1503 م
 (1889 - 1957) من رباعيات ألطلاسم – إيليا أبو ماضي
 جئتُ، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيتُ
ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيتُ
 وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيتُ
 كيف جئتُ؟ كيف أبصرتُ طريقي؟ لست أدري

رد المطران السرياني بولص بهنام ” كلمات إيمان“
أنا في الدنيا وأدري كيف للدنيا أتيتُُ
قد رأيت الدربَ قدامي ضياءً فمشيتُ
وسأبقة ماشياً بالنور هذا ما رأيتُ
أنا أبصرت بعين العقل والقلب طريقي
أنا أدري

من ملحمة أين حقي - محمد صالح بحر العلوم  (1909 - 1992) 

رحت أستفسر من عقلى وهل يدرك عقلى
محنة الكون التى استعصت على العالم قبلى
ألأجل الكون أسعى أنا أم يسعى لأجلى
وإذا كان لكل من فيه حق: أين حقى؟!

ألشعراء المسيحيون عبر العصور
 شعراء النصرانية قبل الإسلام
 شعراء النصرانية بعد الإسلام
 لويس شيخو اليسوعي (1859 – 1927م)
راهب يسوعي كلداني
 أَدِيبٌ ومُؤرِّخٌ ولاهُوتِيٌّ رَائِد
أَحَدُ أَبرَزِ أَعلَامِ النَّهضةِ العِلمِيةِ والأَدبِيةِ فِي العَالَمِ العَرَبِي

ألشعراء ألكلدان
لا يتوفر إحصاء مُوثّق
عدد كبير ممن يقرض الشعر بالعربية أو الكلدانية أو الإنكليزية ولغات الشتات الأخرى
تشجيع ودعم الباحثين وطلبة الدراسات العليا في هذا المجال

من ديوان تراجيديا: كم مرةً كم؟
كمْ مرةً كمْ مِنَ المرّاتِ نَصْرُخُ كمْ وكمْ ؟
كمْ مرةً يخرجُ من صدورِنا ماءٌ ودمْ ؟
كمْ مرةً نرضى الشهادةَ بعزٍّ لا ندمْ ؟
كمْ مرةً مِن أجلِ الصليبِ نحتملُ الألمْ ..... كمْ ؟

من ديوان ومضات الألم الحاضر
نحنُ في سومرَ كتبناها حروفاً بديعه
وفي بابلَ شيّدنا ما تضاهيه الطبيعه
ومِنْ آشورَ أجبرنا الممالكَ أنْ تطيعَ
كيفَ للآثارِ تلكَ أنْ تضيعَ؟...منْ أنادي؟

من ديوان جدائل مزركشة

من قصيدة عذراً لدجلة والفرات
            أسفي لدجلة يستجديَ ماءَ              تباً لمنْ سقيَ العراقَ دماءَ                 
           وذا الفراتُ يبكي يومَهُ عطشاً          فبدى بطولهِ رقعةً جرداءَ 

وتستمر إلى أن تنتهي بالبيتين التاليين:

 عُذراً لدجلة والفرات كلاماً              حَبَسْتُ لهُ دمعَ عينيَّ حياءَ
 نظَمْتُهُ شعراً يُجَسّدُ داخلي               إنَّ الفؤادَ يهفو لهُما وفاءَ

من ديوان معشر الكلدان, متى نصحو؟
معشرَ الكلدانَ, لا تَجزعوا مِنْ صَدى أشعاري
ليسَ ما قيلَ في القريضِ إلّا سيْلُ أفكاري
صَراحَتي لا تُشترى بدولارٍ أو دينارِ
ونَقْدُ الذاتِ ينبعُ مِنْ معاناةِ الاحرارِ
متى نصحو؟

من قصيدة نَعمْ أنا كلداني

 أنا لا أرى العيبَ في كونيَ كلدانيْ          بلْ العيبُ كلُّ العيبِ في غدرِ الزمانِ
أنا مِنْ بابلَ أصلي وهذيْ كُنيَتيْ           والفخرُ أن تَظلَّ مَجْدَ كلِّ إنسانِ

وتستمر إلى أن تنتهي بالبيت التالي:

 إني خُلِقْتُ لأبٍ قالَ ما قالهُ             نَقلاً لهُ أجدادي نعمْ أنا كلداني

بالإمكان الإطلاع على مجريات المؤتمر بالنقر على الرابط أدناه وإدخال كلمة المرور
uK9zE=.m
https://us06web.zoom.us/rec/share/MIuXzJ7JCtlsy5efHMe07SCrJoNwgC9Lo_hdWoVFdZI2q7BJ3VwdaHPdjTZKISPb.H4uPmtEW2_bWtKdq


 
[/b]

2

في ضيافة يوم الشهيد الآشوري
د. صباح قيّا
ألثقافة صديقة الجميع وللجميع.
في ساحة الثقافة المعرفية كما في سوح الرياضة المختلفة تلتقي الأطياف والأجناس من كلّ مكان وقد تتعانق مع بعضها البعض بغض النظر عن مدى العلاقة التي تربط الدول فيما بينها والتي تمثلها تلك الأطياف والأجناس.
شعار الثقافة للجميع, إلتزم بالسعي لتحقيقه ألصالون الثقافي الكلداني الذي كان لي شرف طرح فكرته والبدء في إختياري لمجموعة من معارفي الكلدان بغية تأسيس نواته. وبالفعل تمّ ذلك بجهود إستثنائية ونكران ذات, وكانت باكورة نشاطه في أيلول من عام 2014 م, ولا يزال مستمراً بعطائه الثقافي بإنتظام.
بالرغم من أن الصالون الثقافي يحمل الإسم الكلداني إلا أنه, وحسب ما تؤكده نواته بين الفينة والأخرى, كلدانيّ التسمية لكنه ثقافة للجميع. من هذا المنطلق المعزز بالأفعال الجادة وليس مجرد أقوال إستهلاكية, يحضر نشاطه مزيج من مذاهب وقوميات وإنتماءات متعددة تختلف في مجالات شتى, لكن يجمعها ألقاسم المشترك الذي يتمثل بشغف هذا المزيج وعشقه للثقافة المعرفية البعيدة كل البعد عن الشأن الديني والسياسي.
يبادر الإخوة الآشوريون, حسب علمي,  بالإحتفال بيوم الشهيد الآشوري في 7 آب من كل عام بتنظيم مهرجان تطغي القصائد الشعرية على أغلب فقراته. وجّه لي أكثر من شخص من الشعراء الآشوريين الذين يفخر صالوننا الثقافي الكلداني بحضورهم أمسياته والمساهمة في رفدها بالمداخلات أو الأبيات الشعرية أو حتى تقديم المحاضرات الهادفة والعلم الكندي والكلداني أمامهم, وجه لي دعوة للمشاركة في مهرجان يوم الشهيد الآشوري المزمع إقامته مساء الإثنين 7 آب 2023 على قاعة كنيسة القديسة ماري ألآشورية الكاثوليكية في مشيكن, وذلك بتقديم قصيدة بالمناسبة.
وافقت على تلبية هذه الدعوة بكل سرور وخاصة أن نفس الإخوة سبق لهم وأن دعوني للمشاركة في مهرجان عام 2022 ولكني إعتذرت في حينه لإلتزامي بشأن آخر.
ملاحظاتي الشخصية حول الإحتفال:
ساهم, إن لم أكن متوهماً,  كل من الإتحاد الآشوري والنادي الآشوري ورابطة الشعراء الآشوريين بتنظيم الحفل. مثل هذا العمل الجماعي حتماً له مردودات إيجابية على بقية التنظيمات للمشاركة مستقبلاً.
إفتتح راعي الكنيسة المهرجان بالصلاة. لم يغادر إلا بعد إنتهاء الحفل. مبادرة وميزة رائعة.
أعجبني ما قاله أحد المتحدثين بأنه رغم الإختلافات التي تحصل بين الآشوريين أنفسهم إلا أن هنالك مناسبتان توحدهم كلياً, وهما عيد أكيتو ويوم الشهيد. تشخيص سليم بحاجة إلى علاج فعال كي يتوحدوا مع بعضهم البعض تماماً.
كانت اللهجة الآشورية هي السائدة في الحفل. بصراحة, إنتابني شعور بالغربة كوني الوحيد بين الحضور جميعاً ممن يتكلّم العربية ولا يًجيد حتى الكلدانية حواراً بطلاقة. فكرت أكثر من مرة بالإعتذار والمغادرة, وطرقت لي أيضاً فكرة التظاهر بإستلامي نداءً هاتفياً كي أخرج للإجابة ولن أعود. تمكنت في النهاية من طرد كل الأفكار الإنهزامية من مخيلتي والصمود, ثم مواجهة الأمر بواقعية ووضوح عند تقديمي وصلتي الشعرية. ذلك الذي حصل ونال على إستحسان الإخوة جميعاً.
قدّم سبعة شعراء قصائدهم, وساهمت شاعرتان. أصبح المجموع تسعة وأنا بينهم في التسلسل الخامس للتقديم. كان الثقل الأدبي من وندزر كندا بمجموع أربعة شعراء وشاعرة واحدة. شاعران من ديترويت. شاعر من شيكاغو. وشاعرة من ألمانيا.
كانت الحصة الأولى للشاعر دشتو ريكاني من وندزر بالآشورية. أعقبه الشاعر جان يلدا خوشابا من ديترويت بالآشورية والعربية. ثم ألشاعر إدمون أوشانا من وندزر بالآشورية. تلاه ألشاعر وردا زيّا من ديترويت بالآشورية والعربية. بعده دوري أنا من وندزر بالعربية. ثم ألشاعرة نهرين يلدا من ألمانيا بالآشورية. أعقبها ألشاعر المخضرم بولص شلّيطا من وندزر بالآشورية والعربية. ثم ألشاعرة نهى لازار من وندزر بالآشورية. وأخيراً ألشاعر نينوس نيراني من شيكاغو بالآشورية والعربية.
كنت المساهم الكلداني الوحيد بين المشاركين, لم ألقّ منهم غير الحفاوة والإستقبال الأخوي والكلمات التشجيعية المصحوبة بالإمتنان من الرسالة التي أوصلتها إليهم من خلال الأبيات الشعرية التي قدّمتها. ممكن القول أن ما يحصل على المنبر الحر بين الحين والآخر من جدالات عقيمة ومشاحنات سطحية لا تجد ذلك الحيّز من الإهتمام على أرض الواقع بعيدأ عن المصالح الشخصية والصراعات السياسية المصطنعة. أي هنالك مشتركات كثيرة ممكن أن توحدنا وتُقرّب بعضنا للبعض الآخر, ولتذهب حبائل سياسيي الصدفة وأجندتهم إلى الجحيم.
أعدّ المنظمون مأدبة عشاء فاخرة حضرتها أنا مع عدد غفير ممن واكب منهاج الحفل. ألشكر الجزيل على كرم الضيافة ألمعروف عند الأعزاء الآشوريين من خلال إختلاطي معهم خلال المراحل الدراسية أو المهنية.
أرحب بكل إضافة إلى ما أوردته في هذا الإيجاز من قبل أي من المشاركين بطريقة أو بأخرى في إحياء هذا اليوم المبارك سواء كانت الإضافة بالكلمات أو بالصور, مع إعتذاري عن أي سهو غير مقصود.


يوم الشهيد
أيُّ الشُهداءِ عنهُ أتكلّمُ؟                                     ومسيحُنا في كلِّ يومٍ يُعدَمُ
كأنَّ جمعةَ الآلامِ تحضُرُنا                                   ففي كلِّ بيتٍ هنالكَ ألَمُ
بالأمسِ سُمَّيْلُ واليومُ في وطني                           كلٌّ إلى هِجرةِ الأجدادِ مُرْغَمُ
مواكبٌ مشتْ بدرْبِ الشهادةِ                               فخطّتْ ما مِنَ الشهادةِ أعْظَمُ
نعيماً شادَتْهُ رفاتُ بنينِها                                   نَصَبَ لها الأهلُ عرساً لا مأْتَمُ
مَنْ قالَ رايةُ الآشوري تختلِفُ؟                           فكلُّ مَنْ حَمَلَ الصليبَ عَلَمُ
كلدانٌ وسريانٌ في المصيرِ سَوىً                         فعلامَ معَ الآشوري نَخْتَصِمُ؟
ألسنا جميعاً على نونِ النصارى                          لقينا كماضي الزمانِ بلْ أظْلَمُ؟
لغةٌ ورسالةٌ تُوَحِّدُنا                                         وعلى مجْدِ ماضينا نَتَرَحَّمُ
أرضٌ خسرناها بفعْلِ فِرْقَتِنا                               فمتى جِراحُ شعْبِنا تَلْتـَئمُ؟
ومتى تعودُ إلينا حقوقُنا                                    وما كانَ قبْلاً بهِ نَتَنَعَّمُ؟
أسفي لما آلَ إليهِ حالُنا                                     حُزَيْباتٌ هجينةٌ وتَشَرْذُمُ
أحقاً نيْلُ الأماني يأتي شعبنا                              ممنْ يرتدي العمامةَ ويلطُمُ؟
أو ممنْ في الجبالِ أمضى كفاحَهُ                         وما زالَ بِدوْلةٍ كُبرى يَحْلَمُ؟
لا هذا ولا ذاك بل كلٌّ منهما                               مِنْ أجْلِ المصالح قطعاً لا يرْحَمُ
دمُ الشهيدِ لكَ إحناءةُ الرأسِ                              فلنْ يجازيكَ القولُ ولا القَلَمُ
هيَ الشهادةُ فخرٌ لصاحبِها                                تزهو بذكراها الأجيالُ والأممُ
يومُ الشهيدِ لكَ منّي تحيّةٌ                                  في كلِّ عامٍ تُستضافُ وتُكْرَمُ
  [/b][/b][/b][/color]
               
https://www.facebook.com/LunaPauls.Media/videos/1795208300909662/?d=w&mibextid=I6gGtw
[/size][/b]



3

ألبطريرك المُرتقب والمهمّات الضرورية الملحّة
د. صباح قيّا

كررتُ أكثر من مرة خلال مداخلاتي بمناسبة أو أخرى بعد دخولي هذا المنبر عام 2013م  بأن هنالك مخطط دوَلي لإفراغ الشرق الأوسط عموماً والعراق خصوصاً من مسيحييه. ليست الهجرة إلى بلدان الشتات حديثة العهد فهي مستمرة على قدم وساق منذ مدة ليست بالقصيرة إلأ أن نزيفها إشتدّ بعد الإحتلال الأجنبي للوطن الجريح عام 2003م وزاد الطين بلّة دخول داعش إلى الموصل في حزيران عام 2014م وما أسفرَ إثناءها وبعدها من تهجير وتشريد.
لقد عبّرتُ عن واقع الهجرة المفروض قسراً أو طوعاً في عدد من أبيات قصيدتي التي ألقيتها بمناسبة عيد أكيتو في نيسان 2023 م.

وعن الكنائسِ حدِّثْ ولا حرَجٌ                     تحضرُها في الآحادِ أعدادٌ يسيرهْ
ألبعضُ قدْ أغلقتْ أبوابها والأخرى              على بابِ السفاراتِ تبتغي التأشيرهْ
كأنَّ الذي خطّتْهُ دولُ النفوذِ                        يتراءى أمامَ كلِّ عينٍ بصيرهْ
أنْ يفرغَ عراقُنا مِنْ أُصَلائهِ                        رغْمَ ما عليْهِ مِنْ تبعاتٍ خطيرهْ


يُستشفُّ مما ذُكِرَ أعلاه بأن ما حصل من تضارب ولا يزال بين رأس القيادة الدينية الكلدانية وزعيم المليشيا الملقب بالكلداني لا علاقة له بسيل الهجرة لا من قريب ولا من بعيد. ولا أظنّ بأن الحدث سيساهم في زيادة الحماس لمغادرة الوطن الجريح كون الذي خطط لمغادرته سيغادرعاجلاً أم آجلاً, ومن لم يُخطط لذلك سيظل رابضاً هناك لحين تبدّل نيّته وأحواله.
لكن, وآه من هذه اللاكن (مع المعذرة على إضافة حرف الألف حيث للضرورة أحكام), ماذا يُمكن الإستدلال منه كنتيجة حتمية لذلك العراك الصبياني غير المتكافئ؟ وليس المقصود بالصبياني وصفَ المُتضاديْن بالصبيان فحاشاهما ذلك, وإنما طبيعة الصراع يُذكرني بالإسلوب الذي كنا نتًبعه في المحلة أنا والصبيان الآخرين عند إختلافنا أفرادأ أو مجاميعاً ( أنت/أنتم كذا... لا, بل أنت/أنتم كذا, حقاً أمرٌ مضحك مبكي). أما عن كونه غير متكافئ كون أحد الأطراف جزء من منظومة تحمل السلاح المنفلت وضمن مؤسسة فاشلة لا همّ لها غير تحقيق مآربها الشخصية بأية وسيلة ممكنة, بالإضافة إلى تبعيتها لدولة أجنبية لم تكن يوماً نيتها عبر التأريخ صافية مع أرض الرافدين وأهلها,  يواجهه طرف أخفق في قراءة هذا الواقع المرير وهنالك من أعضاء إكليروسه من خذله وسيخذله بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبالخفاء أو العلن,  ورعيته تسبح في بحر من التناقضات والتي يستحيل عليها أن تتوحد بموقف واحد إطلاقاً. ويظل لسان حالي يردد: حتى لو إتفق الملاك مع الشيطانِ لن يتفق مع بعضه شعبنا الكلداني.
أعود إلى ماذا يُمكن الإستدلال منه كنتيجة حتمية لذلك العراك الصبياني غير المتكافئ؟
إحتمال ألمصالحة. ربما, ورغم أنّ كل شيْ ممكن في السياسة اللعينة, إلا أن هذا الإحتمال, حسب رأيي المتواضع, بعيد المنال.
إحتمال أن تتغير المعادلة الحالية وتسقط الكفة المليشياوية الراجحة. أيضاً هذا الأمر مستبعد لإرتباطه بالتحالفات والمصالح المشتركة للفئات المتنفذة, والأهم بموقف الدولة الأجنبية التي تتحكم فعلياً بشؤون البلد وشعبه المغلوب على أمره.
إحتمال زيادة الضغط النفسي على رأس القيادة الدينية. نعم, ذلك وارد جداً وقراءة سير الأحداث تشير إلى هذا الإتجاه. ولا أستبعد أن يصب طلب رئاسة الجمهورية لمقابلة القائم بأعمال السفارة البابوية جزئياً في تعزيز النية المبيتة لإبعاد غبطة البطريرك بطريقة أو أخرى.
بعيداً عن العواطف وإلا سكت المنطق, فإني لست متفائلاً من عودة القيادة الكنسية الكلدانية إلى ما كانت عليه كون كفتها هي الأضعف ومن الصعب جداً أن تفلح في مجابهة خباثة سياسيي الصدفة وألاعيبهم الملتوية حتى وإن تحقق الإحتمال الثاني. وقد تضطر فتلجأ لترك موقعها تحسباً لإختلاق مكائد أخرى هي في غنى عنها بعد الذي حصل. وكما أسلفت آنفاً فإني لا أستبعد طرح خيارات رئاسية أمام السفير البابوي بغية إختيار بديل يخفف من عمق الصداع الذي أفرزته مسيرة تلك القيادة  المعبدة بالعديد من الاشواك.
يتبادر الأن السؤال التالي: ما هي المهمّات الضرورية الملحّة لغبطة البطريرك المُرتقب؟
  1. حل مشكلة الكهنة والرهبان الذين يُطلق عليهم بالمتسربين أوالهاربين أوما شاكل بروح مسيحية متواضعة ترتكز على أركانها الأربعة المتمثلة بالمحبة والتسامح والغفران والعطاء مع ضرورة إعادة تأهيل من أساء بطريقة أو أخرى إلى رأس الكنيسة أو إلى أي مرجع كنسي أعلى والتأكيد على الإلتزام بمبدأ طاعة الرؤساء مستقبلاً. غالباً ما يتساهل الأب تجاه جسارة إبنه حرصاً على تماسك العائلة, والكنيسة اليوم بأمس الحاجة إلى تكاتف ووحدة رعاتها لا إلى تشتيتها كما في هذا الرابط:
هو أول الغيث / ألكنيسة الكلدانبة المستقلة مثالاً
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,790498.msg7417863.html#msg7417863
صحيح أن تطبيق القانون ضروري ويسري على الجميع, ولكن حتى القانون لو وُضع على بغل لفطس كما في هذا الرابط:
لو وُضع القانونُ على بغلٍ لفطسْ
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,757224.msg7328474.html#msg7328474
2. ألعمل الجدي على إعادة إسم بابل إلى كنية البطريرك والذي هو مطلب الأغلبية الساحقة من النخبة المتعلمة والمثقفة للكلدان.
3. إلغاء تبعية الرابطة الكلدانية العالمية للكنيسة والتي إنحرفت عن أهدافها الأصلية فأصبحت مجرد واجهة إعلامية لغبطة البطريرك, تقول نعم أو لا حسب ما يقرره هو بنفسه. بالإضافة إلى تحالفاتها مع البعض من التنظيمات السياسية رغم تعارض هذا الإتجاه مع نظامها الداخلي. لا بأس من الإستفادة من تجربة الرابطة المارونية. مع العلم أن مبتكرها ومهندسها قد أقرّ بعدم كفاءة عدد من قيادييها لإدارتها وكما جاء في الرابط التالي:
شكراً غبطة البطريريك لتشخيصكم ولكن كيف ومتى العلاج ؟
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,834050.msg7516284.html#msg7516284
http://saint-adday.com/?p=16566
4. ألإبتعاد عن المواقف السياسية عموماً كونها لا تنسجم إطلاقاً مع رسالة الكنيسة, وإبقاء الكنيسة خيمة محبة على الجميع بغض النظر عن التطلعات الفكرية لهذه الفئة أو الأخرى. مع الإستمرار على الدفاع عن حق الشعب المسيحي عموماً والكلداني خصوصاً دون الإنحياز لجهة معينة ضد أخرى أو الولوج في دروب السياسة النتنة.
5. تشذيب الإعلام البطريركي من كل ما يجعله يبدو إعلاماً هزيلاً من خلال إقحامه في مهاترات عقيمة مع هذا أو ذاك, وعدم الإكتراث بما يُنشر من نقد أو إنتقاد بحق أي من الرعاة الأجلاء والترفع عن الهبوط إلى مستويات الثرثرة الفارغة. ألرابط أدناه يلقي الضوء على جانب من الإعلام غير الصحي الذي لا يزال سائداً:
" رفقاً بالرعية " يا إعلام البطريركية ويا موقع كلدايا نت
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,756749.msg7326309.html#msg7326309
ماذا يٌستشفُّ من مسلسل بيانات البطريريكية حول الأبرشية
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,759417.msg7337183.html#msg7337183
6. إختيار نخبة من المستشارين تتجدد بإستمرار ممن تتوسم فيها إستقلالية القرار وعدم المحاباة, وعدم السقوط في حبائل المادحين حيث أخطر مصيدة يقع بها المرء عندما يظن أن مادحه صادق. ألمشورة جداً مهمة وخاصة عند الإقدام على إتخاذ موقف مصيري قد تكون له أبعاداً سلبية أو سيفاً ذي حدّين رغم توفر حسن النية كما في الرابط التالي:
ألمشورة والإستشارة في قرار ظهورغبطة البطريرك مع التظاهرات الشبابية
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,956810.msg7679378.html#msg7679378
7. ألحرص على الظهور بلباس البطريرك الكنسي الرسمي مع الإيعاز إلى كافة المطارنة الأفاضل بالعمل بذلك أيضاً. أللباس الكنسي الأحمر أو مع الرداء الأحمر يضيف ألى لابسه وقاراً مميّزاً ويمنح الوجه شعاعاً روحانياً بهياً.
8.  ألإصرار على تولية الكنيسة على الأوقاف وعدم التساهل في هذا الأمر أبداً مهما كانت الإجراءات قاسية. ألكنيسة لا يمكن أن ترضخ للإبتزاز حتى لو كان الإستشهاد هو الثمن. قال الرب: دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله. لتدع الدولة ما للكنيسة للكنيسة ولن ترهبها قعققة رصاص بنادق الأجيرين
9. ألتواصل مع الرعية بإنتظام من خلال تحقيق لقاءات للمصارحة بين فترة وأخرى وعلى كافة الأصعدة والمستويات. كما أن المريض يأتي أولاً بالنسبة للطبيب, فإن الرعية يجب أن تأتي أولاً بالنسبة للرعاة
 وأخيراً لا آخراً فإن كل إجراء يستهدف إستصغار أي من رعاتنا الأكارم بغض النظر عن موقعه الوظيفي أو درجته الكهنوتية مرفوض رفضاً قاطعاً بل هو مقرف حقاً. هنالك وسائل متعددة لتطبيق الإجراءات القانونية من الممكن إتباعها دون المساس بكرامة حاملي رسالة الإيمان كما في الرابط أدناه: 
سلوك أقل ما يقال عنه مقرف/إسلوب تبليغ غبطة البطريرك مثالاً
 https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1016365.msg7752941.html#msg7752941
[/size]

4
قراءة في كتاب الدكتور عامر حنا فتوحي: يهود بابل ماضياً وحاضراً
د. صباح قيّا



ألدكتور عامر حنا فتوحي شخصية متنوعة المواهب تجمع بين الفن التشكيلي والأدب والتصميم والتأريخ ومواهب أخرى أغدق الخالق بنعمته عليها.
للدكتور فتوحي عدة مؤلفات باللغتين العربية والإنكليزية تتناول مواضيع حياتية شتى وبالأخص ألتأريخ الكلداني. وله أيضاً ديوان شعر وصفحات عديدة على الشبكة العنكبوتية. كما أنه مصمم العلم القومي الكلداني المعمول به منذ عام 1985.
يُسعدني أن أتطرق بتواضع إلى إصداره الأخير باللغة الإنكليزية والموسوم "يهود بابل ماضياً وحاضراً". والذي صدر هذا العام 2023.
يعكس الكتاب بشفافية قصة الشعب اليهودي ببابل كجزء من السكان الأصليين لبلاد ما بين النهرين ممن إستوطن الأرض الكلدانية من عام 7300 قبل الميلاد وحتى الوقت الحاضر. وتشترك الإكتشافات الأثارية والتوراة كمصدر عظيم لربط  بابل عموماً وأور الكلدان خصوصاً  بإبراهيم أب العبرانيين.
 يثير الكاتب نقطة مهمة في مقدمة كتابه بأن أغلبية اليهود التي إستقرت في بابل كانت تنتسب إلى سبط يهوذا وهو نفس السبط الذي بنتسب إليه المسيح. ساهمت هذه الاغلبية في العمل ضمن الخدمات الحكومية, وفي الأعمال التجارية الحرة, وكان لها دور فعال في هيكلة الإمبراطورية لا كعبيد بل كمواطنين من الدرجة الاولى.
يتطرق الكتاب في فصله الأول إلى جذور تسمية عدن وجنتها الواردة في العهد القديم من الكتاب المقدس. ويؤكد أيضاً بأن اليهود الذين جُلبوا إلى بابل لم يكن لهم ذلك الشعور بالغربة كون بابل ترتبط بأجدادهم وبأبيهم إبراهيم الذي خرج من أور الكلدان نفسها. كما أشار أيضاً إلى السامريين اليهود من إصول كلدانية والذين أجبرهم الآشوريون لمغادرة بابل إلى بلدة السامرة في الاراضي المقدسة. وتضمن الفصل أيضاً  الحرية التي تمتع بها اليهود في بابل وكم من أسفار العهد القديم كُتبت هنالك بحيث أن الكثيرين من الذين عادوا إلى الاراضي المقدسة بعد الإحتلال الفارسي لبابل, رجعوا مرة ثانية إلى بابل وبالأخص التجار ورجال الاعمال. ولم يغفل الكاتب ذكر اليهود في خطاب الملك فيصل الاول وفي قصيدة الشاعر جميل صدقي الزهاوي والشاعر معروف الرصافي في رثاء صديقه الوزير ساسون حسقيل. كما أشار أيضاً ألى فرهود اليهود عام 1941 وفرهود المسيحيين في كركوك عام 1924. ولم ينسى مرقد النبي ناحوم في ألقوش والنبي عزرا في قضاء العزير في محافظة ميسان.
وقد أظهر الكاتب في هذا الفصل عدداً من يهود بابل البارزين في مجالات شتى منذ عام 1800 وللوقت الحاضر.
أما في الفصل الثاني من الكتاب فركّز الكاتب على العديد من الشخصيات المبدعة في حلقات حياتية متشعبة والتي تعود جذورها إلى بابل الكلدان ولكنهم غادروها إلى إسرائيل, ورغم ذلك ظلت تلك النخبة تفخر بماضيها البابلي والرافديني.
ألكتاب جدير بالقراءة والدراسة لكل مهتمٍ بالتأريخ اليهودي في أرض بابل خصوصا وبحضارة بابل عموماً. يتميز الكتاب بجاذبية خاصة من ناحية التصميم ونوعية الورق وحجم الأحرف, كما انه زاخر بالصور التوضيحية التي يُنشر الكثير منها لأول مرة, ومجموع صفحاته 64 صفحة قياس 27 سم طولاً 19.5 سم عرضاً.


لا يسعني إلا أن أقدم خالص التهاني لللمبدع ألدكتورعامر فتوحي على إنجازه المتميز الذي حتماً سيضيف عبقاً فريداً للثقافة المعرفية وللرسالة الإنسانية التي تستهدف السلام أولاً بأوّل, فطوبى لصانعي السلام  لأنهم أبناء الله يُدعون.[/b]

 

5

طبيب ومؤلف في ضيافة المركز الثقافي الكلداني
د. صباح قيّا
كان لي موعد للقاء المركز الثقافي الكلداني عبر برنامج الزوم في الساعة الحادية عشر (حسب التوقيت الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية) من صباح الإثنين 1 كانونن الأول 2022.
تأسس المركز الثقافي الكلداني في شباط 2003 ومقره في نادي شنندوه في مدينة ويست بلومفيلد في ولاية مشيكن. يتوفر في المركز متحف يغطي 5000 سنة من التأريخ الكلداني ويحوي نسخة طبق الأصل من مسلة حمورابي ألموجودة في متحف اللوفر. تتجلّى أهدافه من خلال أعماله التي تستهدف المحافظة على التراث الكلداني التليد وجعله معروفاً لأجيال المستقبل من الكلدان خصوصاً وللجمهور من مختلف الأطياف عموماً. أعماله هي التي تتكلم من غير سماع "جعجعة من غير طحين" والتي تسود أغلب التنظيمات الكلدانية وبالأخص ذات الطابع السياسي والتوجه القومي.
ألمزيد من المعلومات عن المركز على هذا الرابط:
https://www.chaldeanculturalcenter.org/
https://www.chaldeannews.com/features-1/2021/2/26/preserving-our-heritage-the-chaldean-cultural-center-and-museum

أجرت المقابلة الإعلامية "وئام نعمو" التي تضطلع بمهمام المدير التنفيذي للمركز. قد لا أكون منصفاً بقولي الإعلامية. من يطالع سيرتها الذاتية يتيقن أنها قامة كلدانية متنوعة المواهب والإمكانات ومفخرة ليس للكلدان فحسب بل لكل محبي الثقافة المعرفية.
ألمزيد عن الموهوبة وئام نعمو في الرابط التالي:
www.weamnamou.com

إستهلّت المقابلة بتقديمي إلى الجمهور:
ضيفنا لهذا اليوم صباح يعقوب
 وُلِدَ في العراقِ مِن عائلةٍ كلدانيةٍ تَنحدرُ جذورُها مِن سكّانِ البلا دِ الأصليّين الّذين دخلوا المسيحيّةَ في عهدِ القدّيس توما الرسول أحد التلاميذ الإثني عشر للفادي يسوع المسيح.
تَخرَّجَ من كليةِ طب بغداد, ونالَ الشهادةَ العليا مِن المملكةِ المتحدةِ, وقد أمضى سنين حياتِه في ممارسةِ إختصاصِه بالأمراضِ الباطنيةِ والقلبيةِ.
أصدر كتابه الشعري  الرابع "معشر الكلدان, متى نصحو؟"

وأبدت رغبتها بقراءة أشعار ذلك الكتاب, ووعدتها بإيصالي نسخة منه.
ثم بدأت بتوجيه الأسئلة لي تباعاً.
س: هل من الممكن أن تتحدث عن طفولتك في العراق؟ وما هي الدوافع لمغادرتك العراق؟
ج: شكراً وئام, شكراً للمركز الثقافي الكلداني الذي أنا معجب بنشاطاته ويسرني أن أكون تحت خيمته.
لا شيء متميز في طفولتي. مجرد طفولة إعتيادية وطبيعية. ترعرعت في عائلة تركّز على التحصيل الدراسي بكافة مراحله. كان ذلك من أولويات طموحات الوالدين وبالأخص والدي الذي لم يسمح لي ولإخوتي أن نعمل في عطلة الصيف إطلاقاً كما كان يفعل أقراننا. فلسفته الحياتية أنني لو تعودت على  جني النقود فإن ذلك سوف يؤثر على حماسي الدراسي. قد يكون رأيه صحيحاً أو غير صحيح, لكن هذه الفلسفة ساهمت بأن يحضى كل من إخواني وأخواتي بتحصيل معيّن.
أما الشق الثاني من السؤال الخاص بمغادرة العراق:
فعلياً, لم يفكر والدي أبداً بمغادرة العراق ولم تكن هذه الرغبة ضمن مخططاته إطلاقاً ولم يتقبلها يوماً ما.
تغيّر كا شيء بعد إحتلال الحلفاء للعراق. من حسن الحظ أن زوجتي الحاصلة على شهادة الماجستير والدكتوراه في إدارة المشاريع الهندسية وهي أساساً مهندسة مدنية تعمل تدريسية في كلية الهندسة-ألجامعة المستنصرية- ببغداد, حصلت على زمالة إلى المملكة المتحدة عام 2004. رافقتها أنا وتركنا الدار كما هو. أشار إلينا الجميع ومن ضمنهم الجيران بعدم العودة لفقدان الأمان. قررنا البقاء, ولم يكن البقاء صعباً بالنسبة لي حيث أنني حاصل على الشهادة العليا من المملكة المتحدة. كل ما كنت أحتاجه هو تجديد إجازتي الطبية والحصول على عمل, وهذا ما حصل. قررنا البقاء في المملكة المتحدة حتى موعد هجرتنا إلى كندا. لم تكن لنا خطة معدّة للهجرة, بل كانت خطة قسرية للهجرة.
وئام: إنها نوع آخر من الهجرة.
س: كيف كان شعورك وتجربتك بمغادرة البلد واختيارك بلد آخر للإستقرار؟
ج: مغادرة الوطن ليست مشاعره سلسة. دوماً من المحزن التفكير بمغادرة الوطن وترك كل المتعلقات هناك. كان لي كيان وكان لزوجتي كيان.
تجربتي في المملكة المتحدة جميلة. أحبها وتحبها زوجتي وكافة أطفالي. كنا سعداء هنالك. كنت أعمل كطبيب كوني طبيب مسجل بالكامل. كانت زوجتي تدرس لتنال شهادة دكتوراه إضافية, وحصلتْ على شهادة بالتعليم الجامعي, وكانت تعمل بدوام جزئي بالجامعة.
ما حصل أن معظم أفراد عائلة زوجتي في كندا, ألوالدان والأخ والأخوات. هم من أكملوا معاملة هجرتنا. بالنسبة لي, بصراحة, لا أشعر أن كندا مناسبة لحملة التحصيل العالي. ليست هنالك فرص للعمل. كندا دولة مترامية الأطراف والعمل فيها يعني الذهاب إلى أماكن بعيدة جداً. لست مسروراً بتجربتي في كندا مقارنة مع المملكة المتحدة.
س: هل تمكنت من الإستمرارفي عملك في كندا؟
ج: هذا سؤال جيد. أديت الإمتحانات, ورغم كون الإمتحانات هي معلومات طبية عامة بعيدة نوعاً ما عن إختصاصي, لكني أفلحت في إجتيازها من المحاولة الأولى. لم أتلكأ في إجتياز الإمتحانات, لكن المشكلة لو أردت العمل لا بد وأن أغادر إلى ألبرتا أو نيوفاوندلاند. كنت أقول إذا كان لا بد لي من العمل في تلك الأماكن, إذن لماذا تركت المملكة المتحدة؟ هاجرنا إلى كندا كي يلتم شملنا مع العائلة المستقرة في أونتاريو وبالذات في وندزر, لذلك حاولت الحصول على عمل ضمن دائرة إختصاصي الطبي, فعملت في مركز للأمراض القلبية حيث كنت أجري فحص الإيكو, إعطاء بعض الإستشارات, مراقبة ضربات القلب, والتعليم. كنت مسروراً بما أعمل.
وئام: إذن هذا يعني أنك تمكنت من مواصلة العمل في حقلك الطبي.
صباح: نعم
س: كيف وجدت الوقت لتأليف كتبك, وأنت لك عدة كتب؟ ماذا تبحث كتبك؟ وكيف وجدت الوقت لكتابتها رغم إنشغالك بالعمل؟
ج: هذا أيضاً سؤال جيد. كتبي جميعاً هي عن الشعر الذي بدأت كتابته في المرحلة الأولى من دراستي الثانوية والتي تعادل الصف العاشر هنا. توقفت بعد دخولي كلية الطب لإنشغالي بالدراسة, وكنت أكتب نادراً. عدت للشعر تلقائياً وعلى غير ميعاد عام 2014 . مجرد إستعادة ما كنت قد نسيته. كان لأشعاري وقع مقبول عند معارفي رغم أني لا أعتبر نفسي شاعراً, لكني أستطيع أن أرتب الكلمات وأنهيها بقافية ويقال عنها شعراً. هذا هو إحساسي.
س: هل تحت يدك الآن نسخة من كتابك الأخير؟
ج: نعم. أصدرت أربعة كتب
س: أريني كتاب "معشر الكلدان, متى نصحو؟", وبالمناسبة هل كتبك بالعربية أو الإنكليزية؟
ج: هذا سؤال مثير للإهتمام. كافة كتبي باللغتين, صفحة بالعربية تقابلها الترجمة للإنكليزية. هي ترجمتي غير الحرفية. كما تعلمين لا يمكن ترجمة الشعر حرفياً حيث سيفقد معناه. لذلك فضلت عدم إعطاء النص العربي الأصلي لمترجم أو مترجمة لعدم معرفتهم بالقصد والمعنى مما كتبت, فأخذت المهمة على عاتقي رغم الجهد المبذول والوقت الطويل. أصدرت كتبي باللغتين, حيث لا معنى لإصدار كتاب باللغة العربية فقط وأنا أعيش في بلد يتكلم ساكنوه لغة أخرى.
وئام: أحب ذلك. ألأب بزي ألّف كتبه باللغة العربية والإنكليزية وحتى السورث. هذا أيضاً يساعد على فهم المعنى بطرق مختلفة.
س: إذكر لنا عن كتابك الأخير, وإن كان تحت يدك, إقرأ لنا واحدة أو إثنتين من رباعياتك إذا أمكن؟
ألغلاف جميل. من الذي صمم الغلاف؟
ج: أنا من إخترت الغلاف حيث إشتريت الملف الذي يشمل إختيار تصميم من بين آلاف التصاميم حسب الرابط الذي يزوده الناشر لي.
وئام: أسمعنا بعض الشعر, واختر أية لغة تراها مناسبة لشعرك.
صباح: سوف أختار عشوائياً
في كل كتاب هنالك مخططات بالأبيض والاسود تم رسمها من قبل عدة فنانين, منهم من المحترفين, ومنهم من الهواة. بينهم أخي وإبنتي وإبنة أختي, وزملائي.
معشرَ الكلدانِ, هل أنتمْ حقاً شعبٌ واحدُ؟
منكمْ يدّعيْ لنسلِ الأعرابِ هو عائدُ
والبعضُ عن الآشوريةِ بالفكرِ ذائدُ
وهنالك مع الكُرْدِ في خندقٍ يُجاهدُ...متى نصحو؟
وئام: جميل جداً
أنتِ يا بابل كنتِ زماناً باباً للإلهْ
وردَ إسمُكِ في الكتابِ المقدّسْ ما أحلاهْ
أعدمكِ الذي مَحوُ الكلدانيةِ مُبتغاهْ
منْ يُصدّقُ امرءً بالسياسةِ وعظُهُ تاهْ؟...متى نصحو؟
رباهْ, لِمَ الشرُّ على الخيرِ هوَ المُنتصِرُ؟
ولِمَ الشرّيرُ في رُحى الكونِ يتبخترُ؟
هل الجوابُ أنَّ الأحياءَ كلّهُمْ بشرُ؟
وفي الملكوتِ كلٌّ للحسابِ ينتظرُ؟...متى نصحو؟
س: كيف إنعكست كتبك وأشعارك على الصالون الثقافي الكلداني الذي هو حالياً في كندا؟ كيف تمَّ تأسيسه, وهل كان لك زملاء هناك من نفس العمل؟ ما هي نشاطاته, فحسب معلوماتي أنه نشط جداً؟ سمعت عنك كثيراً, ولكن تمّ الإتصال بيننا بعد إستلامي دعوة من الصالون عبر الإيميل لحضور أحد نشاطاته, كان ذلك مثيراً للإهتمام. هل تشاركنا ببعض أعمالكم؟
ج: تأسيس الصالون هو فكرتي, هدفي, وحلمي. كنت دوماً متأثرأ بالصالونات الثقافية عبر التأريخ.
س: هل ممكن إلقاء الضوء على ما قلتَ؟
ج: بدأت الصالونات في فرنسا في القرن السابع عشر أو الثامن عشر كأمكنة للقاءات وتبادل الآراء. إنتقلت إلى إيطاليا ثم إلى بقية أنحاء العالم. إستهوتني فكرة الصالونات وفكرت للبدء بتأسيس صالوناً يعمل كما عملت الصالونات سابقاً. هذه كانت الفكرة خلف تأسيس الصالون عام 2014 بعد الإتصال ببعض من معارفي من رعية الكنيسة. نجتمع في الخميس الثاني من كل شهر لتقديم محاضرة لمدة ساعة يعقبها نقاش لمدة نصف ساعة, ثم الفترة الإجتماعية. لم يتوقف الصالون منذ عام 2014 حتى آذار 2020 وقت الإعلان عن "كوفيد". ألوقت الوحيد الذي تعذر فيه اللقاء كان في خميس الصعود. أعدنا النشاط في آب 2022 بعد التخفيف عن التحديدات. نتناول كافة المواضيع باستثناء الدينية والسياسية.
وئام: لا تريدون الصداع
صباح: ما تقوليه صحيح حيث روادنا من مختلف الإنتماءات وليسوا فقط من الكلدان
وئام: هذا جميل.
س: هنالك موضوع جديد سوف تقدمونه, وهل تسافرون إلى أماكن أخرى لتقديم نشاطكم؟
ج: هذا سؤال مثير للإهتمام. كنا نجتمع في البدء في قاعة الكنيسة الكلدانية, وانتقلنا لسبب أو آخر إلى الكنيسة المارونية حيث كنا محط ترحيب جاد وإستقبال متميّز. ألآن نجتمع في قاعة الفيلق الملكي الكندي بإيجار مخفض. أستطيع القول أنه مقرنا ومكان تجمعنا كل شهر.
س: قل لنا عن نشاطكم القادم؟ أعتقد عندكم يوم 8 كانون الأول؟
ج: ألمتكلم من مشيكن. مهندس ولاهوتي يحمل شهادة في اللاهوت, وله إلمام في علم الفلك. إسمه كرم شماس ومعروف بالنسبة لمتابعي الحلقات الدينية عبر الإنترنيت حيث يساهم بها بفعالية. لست متأكداً من حيازته على شهادة بعلم الفلك لكني واثق من خبرته وولعه في هذا المجال. هو فلكي وسوف يتكلم عن علم التنجيم. أنا متأكد أن أغلب الناس يستهويه علم التنجيم مثل قراءة الحظ وخاصة النسوة.
وئام: يظهر انه موضوع مدهش. سأحاول الحضور, وإن تعذر حضوري, أنا متأكدة بأني سأتصل بهذا الشخص حيث أنني أنظم قائمة بالمحاضرين في الصالون لمقابلتهم أو التعريف بأعمالهم كونهم يقدمون مواضيع مهمة, وكانت لكم سابقاً إحدى السيدات التي قدمت محاضرة وقرأت شعراً.
ج: صحيح. بعد كل محاضرة, هنالك من يقدم شعراً.
وئام: أرى مواضيعكم متميزة ولها علاقة بالتأريخ وبتراثنا وبالفن والثقافة. أنا مسرورة بما تقدمون والأمل أن تسنح الفرصة للقيام بعمل مشترك في المستقبل, وخاصة نحن جيران.
صباح: يسرنا ذلك علماً أن كافة المحاضرات تنقل مباشرة عبر الفيسبوك
س: هل صفحتكم على الفيسبوك بالعربي أو الإنكليزي؟
ج: ممكن متابعتنا على
Chaldean Cultural Forum
وئام: سوف نشمل رابط لصالونكم ونضعه على صفحتكم. إرسل لي أي رابط  له علاقة بكم كي نضعه في خططنا للتواصل الإجتماعي مع هذه المقابلة
صباح: نعم, سأعمل على ذلك
س: هل لك عمل جديد أو مشروع لإصدار كتاب جديد؟
ج: نعم. لدي أشعار تتسع لثلاثة كتب أخرى. حالياً أعمل على واحد منهم. ألترجمة تأخذ الوقت الطويل. ممكن أن يكون جاهزاً خلال بضعة أشهر وإسمه "عثرة على عتبة الإيمان"
س: كيف يمكن الحصول على كتابك؟
ج: متوفر على موقع الامازون في كافة أنحاء العالم وأيضاً في دور النشر المنتشرة في كندا والولايات المتحدة مثل بارنز اند نوبلز وجابتر
وئام: إذن ممكن الحصول عليه بمجرد البحث عن إسمك. أنا مسرورة عندك عمل لكتب أخرى مستقبلاً
ألسؤال الأخير: هل عندك كلمات الحكمة للجيل الجديد أو للمجتمع وخاصة نحن نشترك بالإهتمام بكل ما يخص الجالية, وتوثيق ذلك؟
ج: أقول: لا يهم ما أنت عليه بل المهم أن تبدع بما أنت عليه. سواء كنت طبيباً أو كاتباً أو مهندساً أو طباخاً. نحن نكمل بعضنا الآخر. لا توجد حرفة واحدة بل حرف متنوعة. ألمهم الإبداع في المهنة.
باعتباري طبيب, أقول للجيل الجديد: ليس المهم أن تكون مجرد طبيب سريري. أشبه الطبيب الجيد بمضلع خماسي أي تشكيل خماسي الأضلاع. كل ضلع يمثل حقلاً معيناً ضمن مهنة الطب. ألأول يمثل الحقل السريري, ألثاني: الجانب البحثي, ألثالث: الحقل التعليمي, ألرابع: ألجانب الإداري, والضلع الخامس يشمل حقل النشر. متى ما حققت أضلاع المضلع الخماسي عندها تصبح طبيباً حقيقياً.
وئام: قيلت بجمالية. شكراً والأمل أن نعمل سوية, وإني متلهفة لحضور أحد نشاطاتكم في كندا.
صباح: أنتِ على الرحب والسعة
س: هل ستزورنا؟
ج: نعم, من دون شك
وئام: سنزور أحدنا الآخر
صباح: شكراً. شكر شخصي لك وئام. ألشكر للمركز الثقافي الكلداني. أنا فخور ومسرور أن أكون هنا وأشكر المركز على إتاحته هذه الفرصة
وئام: باركك الرب
صباح: وباركك أيضاً
أدناه رابط المقابلة الأصلية باللغة الإنكبيزية:
https://www.youtube.com/watch?v=CurXJOQeNmY
عيد ميلاد مجيد وعام مبارك جديد على الجميع

6
معشر الكلدان, متى نصحو؟  في ميزان نبوخذنُصّر
د. صباح قيّا

أفلح قلمي بإصدار كتابي الشعري الرابع بعنوان "معشر الكلدان, متى نصحو؟" الذي يتوفر حالياً في مواقع الأمازون في كافة أنحاء العالم, وأيضاً في كافة مكتبات البيع المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
من الممكن الحصول عليه من موقع الأمازون (ألولايات المتحدة) مع كتبي الثلاثة الأخرى (1. تراجيديا:كمْ مرةً كمْ؟, 2. ومضات الألم الحاضر, 3. جدائل مزركشة) على الرابط التالي:
https://www.amazon.com/s?k=Sabah+Yacoub&crid=2F9ORK8HZNMYN&sprefix=sabah+yacoub%2Caps%2C689&ref=nb_sb_noss_1

يتضمن الكتاب رباعيات شعرية باللغتين العربية والإنكليزية في نفس الكتاب وموزعة على ثمانية محاور: 1. هل أعول على الكلدان؟, 2. كنيستي الكلدانية, ماذا يحصل؟, 3. بابل يدفنها الرداء الأحمر, 4. ألرابطة الكلدانية ولادة معوقة, 5. ألخلافة مفهوم إسلامي, 6. ألبرلمان العراقي صوت هزيل, 7. ألرعية تطلب والراعي لا يستجيب, 8. ملاحظات ختامية. تنتهي الرباعيات الشعرية بقصيدة عمودية عنوانها: نعم أنا كلداني.

أبدعت أنامل صديقي المتنوع المواهب الدكتور عامر حنا فتوحي في رسم صورة تعريفية هادفة للكتاب والتي أجاد في صياغتها كما أجاد قبلاً في صياغة كلماته النقدية لكتابي الشعري الثالث "جدائل مزركشة".
 تعود معرفتي بالدكتور عامر فتوحي إلى عام 2014 بعد أن استجاب فوراً وبدون مقابل لطلبي بتصميم شعار الصالون الثقافي الكلداني الذي تأسس في نفس العام. لا أريد أن أتسلسل في الحديث عن معرفتي به حيث سأعرج على ذلك في مناسبة أخرى. لكن ما يستحق القول الآن بأنني وجدت فيه خصال الشخص المحب لعمل الخير وتقديم ما يتمكن عليه إلى الآخرين, بالإضافة إلى دعمه للمواهب الصاعدة والخامات الرائدة في مجال اختصاصه. أما عن إمكانياته الذاتية, فلا أبالغ في وصفي له بالإنسان المتنوع المواهب الذي يتقن الفن التشكيلي والتصميم, ونظم الشعر والكتابة بلغة عربية سليمة, بالإضافة إلى تخصصه في التاريخ, وهذا غيض من فيض. كما أن له عدة مؤلفات باللغتين العربية والإنكليزية, وسأتطرق إلى تفاصيلها لاحقاً.
لا شك أن من يتمتع بمواهب متعددة وإمكانات متميزة قد يثير حفيظة العديد من المتفوقين في التنظير والعاجزين عن إداء العمل الجاد المنتج, وقد قيل "ألعين تحسد الأرجح منها".
شكري الجزيل وعمق امتناني لشخصك الكريم أخي د. عامر على ما خطّ به يراعك من كلام جميل وتحليل دقيق عن رباعياتي الشعرية المتواضعة.
سأترك الحديث عن الكتاب إلى ما أجادت به أنامل الدكتور عامر حنّا فتوحي أدناه:

O Chaldeans When Do We Rouse?

معشر الكلدان، متى نصحو؟  رباعيات شعرية – قراءة أولية

صباح ميخائيل يعقوب

فرح الرجاء وحلاوة الإيمان وعذوبة المحبة بدأت في بلاد الكلدان، هذه البديهة تؤكدها كل المصادر الكتابية والآثارية، هنا لن نتناول تاريخ الكلدان (سكان العراق الأصليين) ومآثرهم في شتى مجالات المعارف، علاوة على أسبقيتهم في المجال الروحي، لأن ذلك ليس مدار موضوعنا. لكن ربّ سائل يتسائل، لماذا تناول الشاعر في رباعياته موضوعات كلدانية محضة، قد يعدها البعض نوعاً من النقد والتقريع اللذين يتميزان بإداء ذا صبغة إجتماعية عميقة وخاصة! هنا من حقنا أن نتسائل بدورنا، متى كان الشعر بعيداً عن تناول الحياة اليومية ومفازاتها ومنقلباتها الإجتماعية والنفسية؟

من نافلة القول، أن أول نص أدبي معروف في التاريخ هو الملحمة الشعرية (شا نقبي مورو / هو الذي رأى كل شيء) المعروفة عالمياً بأسم ملحمة (كلكامش) قد تناولت أصلاً وقائع حياتية وإجتماعية وفلسفية. كما أنها تعتبر أولى النصوص الأدبية التي أسست لمنظومة الشعر الرافدية المستخدمة حتى اليوم، لا سيما في الأبوذية (الغزل المتوجع) والدارمي، حيث يتألف البيت الشعريُ في الأبوذية، أو كما يعرف بالدور، من أربعِ شطراتٍ؛ ثلاثُ قوافيها مجنَّسةٌ ورويٌّ واحد، والرابعُ مخالف. وأغلبُ أوازن الأبوذية على بحرِ الهزجِ المسبِّع، بمعنى سبع مرات مَفاعيلن. تنحدر الأبوذية المربعة من النمط الشعري الرافدي السومري – الأكدي الذي أزدهر في وادي الرافدين منذ العصر البابلي القديم، وأشهرها قصائد الغزل المعروفة (شوسين، إنانا وتموز، إنانا وإدن دكن، وغيرها).

كل هذه العراقة التي تمثلها بابل، تتعرض اليوم لعملية ذبح ثقافي ممنهج من قوى عالمية وإقليمية بالتعاون مع أدواتها التي تم إستيرادها من حيكاري وأورميا ومن لف لفهم من الإنفصاليين الهمدانيين، تارة بأسم إعادة كتابة التاريخ، مثل مهزلة مقترح (صرعة) بناء (جنائن بابل المعلقة) في نينوى بدلاً من بابل، التي طلعت بها علينا إستيفاني دالي، أقرأ تفنيذ هذا المقترح الهزيل بشكل تفصيلي في كتاب (مآثر الكلدان)، أنظر أيضاً تفنيد هذا المقترح الهزيل بشكل مبسط على الرابط أدناه:
http://amerfatuhi.blogspot.com/.../the-hanging-gardens-of...

وتارة أخرى بحجة (كُلّن سورايي) التي تعمل فقط على إلغاء التسمية الكلدانية الأصيلة، والتي تعود وفقاً للمكتشفات الآثارية وكتابات مؤرخي ما قبل الميلاد للألف السادس ق.م. لذلك أشد على يد شاعرنا الحكيم د. صباح ميخائيل قيّا الذي تناول هذه المواضيع الحساسة بأسلوب أدبي راقٍ ومعالجة سلسة.
جدير بالذكر أيضاً، أن شاعرنا الفذ د. صباح على الرغم من كونه أبنا لكنيسة (بابل على الكلدان في العالم) الكاثوليكية، لكنه لم يتوانَ وبكل شجاعة عن نقد ممارسات الرئاسات التي تتجاوز على تاريخ وتراث الكلدان بحجج واهية تتناسب مع أمكانات رئاسات الصدفة التي عملت ظروف غير طبيعية على وضعهم في سدتها. لعل من أسطع الأمثلة على تكالب قوى الشر مع الرئاسات (العلمانية والدينية) غير المؤهلة، إلى ضرب الكلدان في الصميم مطلع القصيدة التي تقول:

معشرَ الكلدانِ متى نصحو من غفوةِ الأمْسِ؟
متى نصحو ونقبلُ النقدَ حتّى على النفْسِ؟
متى نصحو ونطوي ما جرى في الجهْرِ والهمْسِ
متى نصحو قبل أن يقعَ الفأسُ على الرأْسِ؟
متى نصحو؟

وفي معالجته بصدد التجاوز المريض على الكلدان، أي المحاولة التي سيكون مصيرها (الخيبة والهوان) إن آجلاً أو عاجلاً والمتمثلة في حذف أسم (بابل) من (كنيسة بابل على الكلدان في العالم)، والتي هيّ مجرد خطوة أولى لمحو أسم الكلدان من أسم الكنيسة أصلاً، وهذا ما ينبه إليه شاعرنا المفعم بمشاعر الأسى والتوجع لهذه المؤامرة التي لا يوغل فيها إلا أعداء الكلدان حسب، حيث يقول الشاعر في قصيدة (بابل يدفنها الرداء الأحمر):

أنتِ يا بابلُ كنتِ زماناً باباً للإلهْ
وردَ أسمُكِ في الكتابِ المقدّسِ ما أحلاهْ
أعدمكِ الذي محْو الكلدانيةِ مُبتغاهْ
من يصدّقُ أمرءً في السياسةِ وعظُه تاهْ؟
متى نصحو؟

ولتأكيد محبته وإنتمائه المسيحاني مستذكراً تاريخ الشهداء والقديسين منذ أن غزا الفرس أرض بابل مروراً بعصر الحجازيين الغزاة فالمغول والصفويين ومذابح الأغوات الكرد الثلاثة عشر حتى عصر الدواعش والولائيين في يومنا هذا، حيث يقول:

أتدري في عصورِ الخلافةِ لنا ما حصلْ؟
كنائسٌ صارتْ جوامعَ ومنها ما أفلْ
شعوبٌ تحوّلتْ إلى الإسلامِ أو تُقتتلْ
ومن سلِمَ, بماله عاشَ ذميّاً مُذلْ
متى نصحو؟

الحق لم يترك الشاعر شاردة أو واردة لم يتناولها، لا سيما الرابطة المتكلدنة الهزيلة التي ولدت ميتة، والتي يصفها الشاعر بعبارة (الولادة المعوقة), مثلما تناول فضائح ومخازي ما يسمى بالبرلمان العراقي الولائي، ولمن لا يعرف من القراء الأعزاء فأن أول نظام برلماني حقيقي ووطني ولد في بلاد ما بين النهرين قبل ما يزيد على خمسة آلاف عام، كما أن أول نظام لفصل الدين عن الدولة نشأ أيضاً في أرض بابل، للإستزادة حول هذا أنظر الصفحات أدناه من كتاب (مآثر الكلدان باللغة الأنكليزية):
Chaldean Legacy, PP. 126-128 | 131-133
 www.ChaldeanLegacy.com

لعل ما يشد إنتباه القاريء في هذه المجموعة المتميزة، هو اللازمة (متى نصحو؟) التي أفترشت صفحات المجموعة على طول الرباعيات من مبتدأها حتى منتهاها، وهيّ اللازمة التي شدت لحمة القصائد ومنحت هذه المجموعة الشعرية طاقة إضافية على الإفصاح، مثلما أهلتها لأن تكون ضمن عنوان المجموعة التي أفصحت عن مكنون نفوس وتطلعات الغيارى الكلدان ممن يؤمنون بمحبة بجميع أطياف العراق، لكنهم يؤمنون أيضاً حقاً وفعلاً ، بأن العراق لن يكون عراقاً حراً ومزدهراً وسعيداً، إلا بوجود سكانه الأصليين (الكلدان) الذين هم وليس من أحدٍ غيرهم (ملح أرض العراق). أتمنى أن ترعوي رئاسات الكلدان (دينية ومدنية) في الوطن الأم والمهجر وأن يضعوا نصب أعينهم الأمانة التي وضعت في أعناقهم، والتي عبر عنها شاعرنا الفذ د. صباح ميخائيل قيّا بكل صراحة وجلاء وبمحبة كاملة.

د. عامر حنا فتوحي

إنتباهة: لمن يرغب بالحصول على المجموعة الشعرية (معشر الكلدان متى نصحو؟) باللغتين العربية والأنكليزية إقتناءها من دور البيع العالمية، أونلاين كما يمكنهم الحصول عليها من دار نشر أكسلبرز حسب الرابط أدناه:
 www.sabahyacoub.com
 

7

"جدائل مزركشة" في ضيافة الأمسية الشعرية للمجلس الثقافي العربي
د. صباح قيّا
فاجأني المجلس الثقافي العربي الذي مقره مدينة وندزر الكندية بتوجيهه دعوة شخصية لي للمشاركة كضيف شرف في تقديم البعض من أشعاري ضمن الأمسية الشعرية التي نظمها المجلس مساء الرابع من تموز 2022 في أحد المطاعم الشرق أوسطية بمناسبة العيد الوطني الكندي.
أرسلت أربع قصائد من كتابي الأخير "جدائل مزركشة" الذي صدر حديثاً ورباعية شعرية واحدة من كتابي "ومضات الألم الحاضر" الذي صدر عام 2019, تاركا لهم الأمر باختيار ما يرتأيه المجلس حسب ما يسمح به الوقت والمضمون. كما طلب المجلس إرسال نبذة تعريفية مختصرة لتقديمي للحضور في حينه.
تأسس المجلس الثقافي العربي, حسب ما علمت,  يوم 13 آب 2021. يقدم المجلس هويته كمؤسسة غير ربحية لا سياسية ولا دينية ولا عنصرية, مدنية إجتماعية تعزز التناغم الإجتماعي والسلام وقبول الآخر من خلال برامج ثقافية وإجتماعية وفنية. يضم المجلس الأفراد الناطقين بالعربية ألمقيمين في كندا والعالم على اختلاف انتماءاتهم ومعتقداتهم. كما أن المجلس مُرخّص من قبل حكومة أونتاريو- كندا ويخضع لقوانين وتعليمات المؤسسات غير الربحية.
تم إعلامي باختيار ثلاث قصائد من كتابي "جدائل مزركشة" ضمن منهاج ألأمسية الشعرية.
إمتلأت صالة المطعم بالحضور الذي تجاوز الأربعين شخصاً من الجنسين ومن إنتماءات وأقطار عربية متعددة.
قام الدكتور(ألإقتصاد) زياد الغزالي من سوريا بمهام عريف الحفل حيث أعلن عن إفتتاح الأمسية بتلاوة النشيد الوطني الكندي, واستمر في تقديم المساهمين تباعاً حسب المنهج المقرر.
ألقى الدكتور (ألكيمياء العضوية) علاء الدوري من العراق كلمة المجلس.
إبتدأ بعدها الدكتور (أللغة العربية) مديح الصادق من الإخوة العراقيين الصابئة بإلقاء أبياته الشعرية الرقيقة على أنغام آلة الكمان بقيادة المايسترو الدكتور ( ألموسيقى) زيد هشام من العراق.
تبع ذلك قصيدة لأستاذ اللغة العربية محمد الفاعوري من سوريا.
جاء دوري لتقديم القصائد المختارة من كتابي "جدائل مزركشة". شكرت المجلس على دعوته بعد أن أنهى عريف الحفل تقديمي للحضور. أوضحت بأني لست شاعراً ويدهشني وصفي بالشاعر, ولكن لي الإمكانية أن أرتّب الكلمات وأنهيها بقافية فيُقال عنها شعراً. وأضفت بأني أشعر وكأني في المراحل الأولى من السلّم اللغوي حيث أنا مجرد طبيب فقير باللغة أقف الآن بين دكتوراه باللغة العربية من جهة وأستاذها من جهة أخرى.
باشرت بإلقاء قصيدتي الأولى "عذراً لدجلة والفرات" مع الإيقاع الصادر من آلة الكمان للمايسترو د. زيد.
أسفي لدجلة يستجديَ ماءَ
تباً لمنْ سقيَ العراقَ دماءَ
وذا الفراتُ يبكي يومَهُ عطشاً
فبدى بطولهِ رقعةً جرداءَ
*****
يا بئسَ منْ سدَّ المنابعَ أصْلَها
وزاغَ عنْ مهدِ الحضارةِ أسماءَ
تلكَ المياهُ كمْ شِعرٍ ألُقَتْ بهِ
وكمْ مُطربٍ صَدحَ لها غناءَ
*****
وعاشقٍ ناجى الهزيعَ حبيبةً
فخالَها في ليلةِ البدرِ حوراءَ
وصائدٍ جنتْ منَ الأسماكِ وزناً
شِباكُهُ زادَ منْ مالِهِ رخاءَ
*****
وغريقٍ لفَّ منْ وحْلِها كَفَناً
قدَراً طالَهُ الحمامُ أمْ رِضاءَ
وكمْ منَ الأقوامِ مدّتْ بساطَها
خصوبةُ الأرضِ كانتْ لها إغراءَ
*****
روافدُ الخيرِ ضاقتْ غدرَ راعيها
فخطّت من القريضِ لهُ هجاءَ
مسكينةٌ خضرُ المروجِ تناثرتْ
مِنْ شدّةِ القَيْظِ أوراقُها صفراءَ
*****
وعنْ ضفافِها قبائلٌ رحَلَتْ
على أرضِ الشتاتِ ذاقتْهُ شقاءَ
وكمْ منَ الأشجارِ ماتتْ عروقُها
ومنَ الطيورِ هجرَتْها ظِماءَ
*****
أينَ العيونُ لمْ تبصُرْ فواجِعَنا
ولا الآذانُ تَرْنو لها سُمَعاءَ
فِعْلُ المروءَةِ غابَ عنْ مزاياهم
فغَدى التآخيَ داءً لا دواءَ
*****
تلكَ السِقامُ لا يدنو لها بَشرٌ
إلا الذي ركَبَ الرؤوسَ غباءَ
يا ويلَ منْ حسِبَ البلادَ لُعبةً
عَبَثاً بأمرِها يلهو متى شاءَ
*****
يا حسْرَتي لتاريخٍ مجدُهُ شطٌّ
منَ النهرينِ ماءٌ لمْ يبخلْ عطاءَ
يا ليتَهُ منْ دمْعِ السماءِ يُدامُ
ونعمةُ الخالقِ لا تذهبْ هباءَ
*****
عُذراً لدجلة والفرات كلاماً
حَبَسْتُ لهُ دمعَ عينيَّ حياءَ
نظَمْتُهُ شعراً يُجَسّدُ داخلي
أنَّ الفؤادَ يهفو لهُما وفاءَ
*****
شرحت للحضور مغزى القصيدة الثانية " زهور الروض" التي نظمتها إكراماً لإحدى زميلاتي في كلية الطب التي ألتقي معها ومع لفيف من الزملاء من نفس دورتي عبر الزوم مرة واحد شهرياً, حيث للزميلة شغف إستثنائي في الإهتمام بالورود والزهور.
لولا زهورُ الروضِ ما كنتُ باقيا           
ولا كان قلبي عنِ العُشقِ راضيا
أشمُّ رحيقَ الوردِ ومن عِبقِهِ               
 أخالُ نفسي طيراً حلّقَ عاليا
*****
مررتُ ببستانِ الهيامِ لاهثاً                 
فاحترْتُ بين النرجسِ والماغنوليا
أحسستُ حبّي بين الضلوعِ صارخا       
هي الكاردينيا مَنْ للجوى مُداويا
*****
لواعجُ الصِبا أودعْتُها باكراً               
فكان لي مِنْ غيرِها عهداً ثانيا
أمضيتُ زماني في رِحابِ مهنةٍ           
رضعتُ مِنْ ثغْرِها عسَلاً صافيا
*****
هيَ حكمةُ الطبيبِ كمْ أحببتُها             
حتى ورودُ الأمسِ صارتْ خواليا
عاد الحنينُ حينَ شابتْ مشاربي         
واحْدوْدبَ ما كانَ استقاماً ماشيا
*****
بانَ الربيعُ في حديقةِ منزلي               
أجولُ بين الزهورِ لها ساقيا
تباركَ مَنْ شاخَ ولمْ يَزَلْ على             
خُلقِهِ لأسقامِ الحياةِ شافيا
****
أما القصيدة الثالثة والأخيرة خلال الأمسية والموسومة "بذر البقاء", فقد نظمتها نتيجة عتاب إحدى الزميلات من مجموعة الزوم بأني أعصر قلبهم في كل لقاء بسبب الأبيات الشعرية التي تمس المشاعر الأليمة في أرض الوطن الجريح, وتسألني لماذا لا أُسمعهم شعر الغزل.
سألتني لِمَ لا تكتبُ شِعرَ الغزَلْ               
وترتشِفُ مِنَ الزهْرِ رحيقَ العسَلْ
ألا تعلمُ أنَّ الحُبَّ بذرُ البقاءِ                 
يَنبُتُ كلّما سُقيَ بماءِ الأمَلْ
*****
إنظرْ للعصافيرِ على غُصنِ الشجرِ         
تُزَقزِقُ كما تشاءُ مِنْ دونِ خجَلْ
أليسَ في عينيكَ لَمَعانُ الشبابِ             
يغارُ منهما حتى المُشتري وزُحَلْ
*****
كأنَّ أُذنيْكَ لمْ تسمعْ أنَّ الحياةَ               
بغيرِ شِراكِ العُشقِ قنوطٌ ومَلَلْ
فاطلقْ لشفاهكِ نُطْقَ عذْبِ الكلامِ           
تُحاكي يراعَكَ ما للحبيبِ حصَلْ
*****
قلتُ زماناً ودّعْتُهُ كما ودّعْتُ               
سوادَ شعري ومَنْ غابَ عني وارتَحَلْ
إنْ كانَ فؤادي قدْ أسرَّ حينها أو           
عذّبَ مَنْ أسرَّ بلا عُذرٍ أو جَدَلْ
*****
فتلكَ نزوةُ الصِبا وما ادراكِ ما             
للصِبا مِنْ نَزَواتٍ تخاليها حِيَلْ
هيَ عِلّةٌ في النُضْجِ فاتَ أوانُها             
ومِنْ بَعدِها تعلّمتُ الدرسَ والمَثَلْ
*****
تباركتْ دُنيايَ بأحلى شريكةٍ               
أودعتُ فأودعتْ بُنصري رمزَ الأهَلْ
هيَ أنا وأنا هيَ وما بيننا
تنامى معَ الأيامِ باليُسْرِ والثِقَلْ
*****
أهديتها أشعاري ولم يكنْ بينها           
منَ القريضِ ما يوحي بالمدحِ والدّجَلْ
هيَ تعلمُ أنَّ المحبّةَ أفعالٌ                   
وما الأقوالُ إلا سحابُ فصلِ أفَلْ             
*****
أعقبت الوصلة الشعرية أغاني تراثية وعزف قطع موسيقية تراثية ساهم بها الفنان أبو مصطفى من سوريا والفنان محمد البيك من لبنان وأيضاً المايسترو د. زيد هشام من العراق.
حقاً كانت أمسية رائعة برزت فيها الألفة وحب المعرفة ووحدة الكلمة مؤطرة براية الثقافة الشعرية  ومظللة بخيمة الطرب التراثي الخالد. هذا بالإضافة إلى الكرم العراقي الذي لاح خلال فترة الإستراحة.

   

8
د. صباح قيّا       
أفلح قلمي بإصدار كتابي الشعري الثالث بعنوان "جدائل مزركشة" الذي يتوفر حالياً في مواقع الأمازون في كافة أنحاء العالم, وأيضاً في كافة مكتبات البيع المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
من الممكن الحصول عليه من موقع الأمازون (ألولايات المتحدة) على الرابط التالي:
https://www.amazon.com/Bobble-Braids-Poetry-English-Languages-ebook/dp/B09ZXSXTBB/ref=sr_1_1?crid=219U7VQ21EBR6&keywords=Sabah%20Michael%20Yacoub&qid=1652752990&sprefix=sabah%20michael%20yacoub%2Caps%2C103&sr=8-1&fbclid=IwAR1Ag5-az3RoCBPLDN0CFURke-mP3B2-7mqTgk2prYYap-2NdOYQAUPHPjg
خطت أنامل الأخ الدكتور المتنوع المواهب عامر حنّا فتوحي بعض الملاحظات التعريفية عن الكتاب المنوه عنه.
عرفت الدكتور عامر عام 2014 م, بعد أن إقترح أحد أعضاء نواة الصالون الثقافي الكلداني, ألذي بزغ إلى النور في مدينة وندزر الكندية ذلك العام, بالإتصال به بغية تصميم شعار خاص بالصالون كون الموهوب عامر يتقن فن التصميم ببراعة. إتصلت به شخصياً عبر الهاتف بعد ان قدمني له قريب لي وصديق له. سألني بضعة أسئلة عن ماهية الصالون وأهدافه. ثمّ فاجأني بقوله أن التصميم جاهز غداً بعد أن شرحت له ما أراد بإيجاز. بصراحة, خلته يمزح في بادئ الأمر. لكنه أكّد بأن التصميم جاهز غداً وما عليّ إلا استلامه من المركز الثقافي الكلداني في مشيكن الذي كان يديره شخصياً, وحصل ما وعد به.
لا أريد أن أتسلسل في الحديث عن معرفتي به حيث سأعرج على ذلك في مناسبة أخرى. لكن ما يستحق القول الآن بأنني وجدت فيه خصال الشخص المحب للخير وتقديم ما يتمكن عليه إلى الآخرين بدون مقابل. أما عن إمكانياته الذاتية, فلا أبالغ في وصفي له بالإنسان المتنوع المواهب الذي يتقن الفن التشكيلي والتصميم, ونظم الشعر والكتابة بلغة عربية سليمة, بالإضافة إلى تخصصه في التاريخ, وهذا غيض من فيض. كما أن له عدة مؤلفات باللغتين العربية والإنكليزية, وسأتطرق إلى تفاصيلها لاحقاً.
شكري الجزيل وعمق امتناني لشخصك الكريم أخي د. عامر على ما خطّ به يراعك من كلام جميل وتحليل دقيق عن كتابي الشعري المتواضع.
لا بدّ أن أضيف للقارئ الكريم بأن الكتاب يحوي قصيدة موجهة إلى الإعلامي زيد ميشو بعنوان "ليست نصيحة", وأخرى مهداة إلى الزميل الأكاديمي ليون برخو بعنوان "همسات باكية", وأيضاً قصيدة موجهة إلى موقع عنكاوة بعنوان "شكراً موقع عنكاوه". ذكرت هذه القصائد كون الإعلامي زيد والزميل ليون من المعروفين في المنبر الحر, وكون الموقع هو المنبر الذي يحلو لقلمي أن يكتب فيه.
سأترك الحديث عن الكتاب إلى ما أجادت به أنامل الدكتور عامر حنّا فتوحي أدناه:
         جدائل مزركشة

قصائد باللغتين الإنكليزية والعربية
صباح ميخائيل يعقوب
Bobble Braids … Book of Poems in English & Arabic
By Sabah Michael Yacoub

أهداني قبل أيام أخي الكبير الطبيب د. صباح ميخائيل قيّا كتابه الشعري الجديد الموسوم (جدائل مزركشة) مع إهداء جميل ومعبر عن محبة أخوية وإعتزاز صادق.
قبل الخوض في مجموعته الشعرية الثالثة هذه، أود أن أشير إلى أن د. صباح قد خدم في الجيش العراقي برتبة (لواء / طبيب) وكان آمر مستشفى الناصرية والعمارة العسكريين، وقد أشتهربما يعرف عنه من دماثة أخلاق بمساعدته للمرضى من مدنيين وعسكريين حتى حظي بإحترام ومحبة جميع العراقيين على تنوع أطيافهم الجميلة.
كتابه الشعري الجديد (جدائل مزركشة) هو تنويعات شعرية من ستة وعشرين قصيدة تنحو منحى الرباعيات (المربع البغدادي) وهيّ من الأساليب الشعرية التي أشتهرت في الثقافتين (السومرية – الأكدية) والتي نجد صداها اليوم في الدارمي والنايل وغيرها من الأوزان الشعرية العراقية التي تدعى بأدب النساء، وذلك لما للنساء من مشاعر جياشة وتعابير ماضية لغوياً، حتى أن أول شاعرة في التاريخ هيّ أنخيدونا أبنة الإمبراطور الأكدي سرﮔون، وما لا يعرفه المستعربون أن هذه التسمية (أدب النساء) متأتية أصلاً من قصائد الإيمي سال السومرية، والتي تعني (لغة النساء) المتأصلة في الملحمة الشعرية الخالدة (ﮔﻟﮔﺎمش) المكتوبة باللغة الأكدية، والتي تعتبر أقدم كتابة أدبية في التاريخ البشري
ولعل من أمثلة قصائد الدارمي

كون من ادگ الباب يطلعلي هوه
واخذ سبع بوسات من حلگه گوه

وعلى مثالها من قصائد النايل
انته الوحيد إللي .. رسمك ابوسط حشاي
وانته الملكت المضه .. من عمري وإللي جاي

الجدير بالذكر هنا أن قصائد المربع تنقسم إلى مربع بغدادي ومربع الناصرية ومربع الفرات، ومن المربعات المشهورة: (يامعذبة الصياد ياريم الفلا) والمربع البغدادي الشهير (يا أبن الحمولة)الذي غناه بلبل العراق المطرب وقاريء المقام ناظم الغزالي

يا ابن الحمولة عليهّ شبدلك
حسنك مرقيك لو عادة الك
ما شفت مثلك بالعالم ابد
عالمودة تمشي شويّه يا ولد

والجدير بالذكر هنا أن الشاعر الرافدي قد نوع بحور شعره من قصائد الشطرين إلى ثلاثة وأربعة (رباعيات/ مربع) حتى يصل إلى القصيدة التساعية ...
ومع أن د. صباح قد تجنب قصائد الغزل التي يشتهر بها الدارمي والمربع، إلا أن قصائده (رباعياته) تناولت موضوعات شتى (موضوعية منها وذاتية)، ولعل قصيدته عن ذبح نهري وادي الرافدين الخالدين (عذراً لدجلة والفرات) واحدة من ألمع قصائد المجموعة التي يبدأها برباعيته التي تقطر ألماً

أسفي لدجلةَ يستجديَ ماءَ
تباً لمن سقيَ العراقَ دماءَ
وذا الفراتُ يبكي يومَه عطشاً
فبدى بطولهِ رقعةً جرداءَ

أما قصيدة رثائه الموسومة (نجم أفل) عن أخينا الحبيب الخالد الذكر د. حبيب تومي، فبرغم ما فيها من ألم وحزن إلا أنها تبين أن الخالدين، هم من يتركون الدنيا بأيد فارغة ولكن بمنجزات لا تعد ولا تحصى

أرثي كتاباتٍ ودّعتْها أصائلُ
وأرثي يراعاً عنهُ غابتْ أناملُ
قَدرٌ دنى كانَ الحبيبُ حصادَهُ
جسدُ توارى فكرُه باقٍ ماثلُ

أما قصيدته (زهور الروض) فأنها تعبير فائق عن المحبة وثقافة الحياة التي تعاكس ثقافة الموت السائدة، وهيّ بشكل أو بآخر دعوة لتمجيد الحياة.
بورك قلمك أخي د. صباح ميخائيل.
شخصياً أدعو قُرَّاء صفحة (نبوخذنصر) إلى قراءة هذا الكتاب الشعري المتميز، علماً بأن مترجمة القصائد (إنستازيا جمينيز) بالتعاون مع الأستاذ الشاعر د. صباح قد نجحا في التوصل إلى ترجمة بتصرف، حافظت على موسيقى ولغة القصائد. للمزيد من المعلومات عن الكتاب يرجى زيارة الرابط أدناه
د. عامر حنا فتوحي

https://www.xlibris.com/.../840215-bobble-braids-poetry...

فاتني أن أذكر بأن المجموعة الشعرية للأستاذ د. صباح ميخائيل قيّا قد أحتوت على العديد من الرسوم التي أبدعتها أنامل عدد من الفنانين التشكيليين منهم الطبيبة الفنانة سلافة رومايا والطبيبة الفنانة فريال السكافي والطبيب الفنان نزار عزّو، والفنانة المتمكنة سهاد الطريحي والتشكيليين وردا إسحق وطارق ميخائيل (الشقيق الصغير لدكتور صباح)، وطالبة الفنون التشكيلية وأبنة د. صباح الفنانة هبة، والفنانة الشابة المتألقة لانا أللشي. الحق، أضافت الرسوم المرفقة بالقصائد أجواء حميمة ومنحت الكتاب مساحة حرة لمخاطبة القاريء بلغة الخطوط والمساحات، مما أضاف بعداً تعبيرياً آخر لهذا الكتاب المتميز. ~
د. عامر حنا فتوحي



 

9
شيءٌ عن نفسي في زمن الجائحة
د. صباح قيّا
عيد ميلاد مجيد وعام مبارك جديد
في شهر آذار من العام 2020 أبلغني مدير مركز القلب الذي أعمل فيه, كما أبلغ العاملين أيضا, بأن التعليمات الصحية تستوجب على معظمنا التوقف عن الدوام,  ولن يستمر إلا العدد القليل جداً لتمشية الأمور الطارئة. كنت أنا ضمن الفئة صاحبة الحظ السعيد الذي تم اختياره مع الأغلبية للجلوس في البيت.
للأسف الشديد, تم إغلاق الحدود بين المدينة الكندية التي أسكن فيها وبين المدينة الأمريكية المجاورة التي من الممكن أن أحصل فيها كالسابق على عمل  يتلاءم مع خبرتي المهنية , وذلك بسبب تبعات الجائحة اللعينة التي شلّت الكون على حين غرّة.
إستسلمت لواقع الحال واضطررت إلى المكوث في منزلي حالي حال السواد الأعظم من البشر الذي سلك نفس المصير.
لم أتشاءم أو أمتعض إطلاقاً لأني مع الفلسفة الحياتية " ألأشياء الجميلة تأتي في الوقت المناسب". : كما أنني أتذكر دائماً مقولة المرحوم والدي التشجيعية لي بأن "العثرة هي طفرة إلى الأمام". 
شاءت الصدف وأنا أتصفح الفيسبوك أن يقع بصري على إعلان يدعو الراغبين للتسجيل في دورة تثقيفية بعنوان "تاريخ الكنيسة الكاثوليكية من عصر المسيح إلى اليوم" والتي يقيمها افتراضياً "ألمعهد الثقافي الكاثوليكي" الذي مقره في ولاية فرجينيا الأمريكية. لم أتردد في التسجيل إطلاقاً, وباشرت الدوام بانتظام حسب المنهج المقرر الذي يتضمن محاضرة ومناقشة لمدة ساعتين في الاسبوع. تنتهي الدورة بعد إكمال أربعين ساعة. هنالك اختبار بعد كل محاضرة, ثم إجراء الإمتحان الشامل بعد نهاية الدورة. يُمنح من يحصل على درجة لا تقل عن 70% في كل إختبار وفي الإمتحان الشامل أيضاً شهادة اجتياز الدورة.
أدناه شرح مختصر للدورة باللغة الإنكليزية, وأعتذر عن ترجمتها, كما أعتذر عن ترجمة المختصرات الخاصة بالدورات اللاحقة.
HISTORY 102
The Church from Christ to Today
Course Description
This course will cover the history of the West from Late Antiquity through Early Modernity. Students will learn about the Roman foundations of Christian civilization, the rise of ecclesiastical institutions in the medieval West, the relationship between Eastern and Western Christianity through this period, the medieval conflict between Christianity and Islam, and the rise of modernity.
Required Course Materials
•   James Hitchcock, History of the Catholic Church: From the Apostolic Age to the Third Millennium (Ignatius Press, 2012)
•   A Bible. If you do not already have one, we recommend the RSV2CE (Ignatius Press)
أيقنت أن هذه الدورة ليست سوى امتداد للثقافة المعرفية للدورة التي سبقتها والموسومة "ألعالم القديم وعالم الكتاب المقدس". جذبني ما تعلمته من الدورة أعلاه لأنهل المزيد من الدورة التي سبقتها, وهذا ما حصل.  أدناه ملخص هذه الدورة باللغة الإنكليزية.
f-Paced Course
HISTORY 101
The Ancient and Biblical World
Course Description
The Incarnation of Our Lord, for which the Old Covenant was a preparation, occurred in a world that was united by Roman statecraft and Greek culture and learning. It is the objective of this course to bring that world to life. Taking the truth of Divine Revelation as its methodological starting point, the course traces the history of the chosen people as presented in the Hebrew Scriptures, examines the rise of classical Greek and Hellenistic civilization, and follows the development of the tremendously influential empire of Rome.

Required Course Materials
•   Warren H. Carroll, The Founding of Christendom, Vol. 1 of A History of Christendom (Front Royal: Christendom Press, 2004)
•   Any Bible. If you do not already have one, we recommend the RSV2CE (Ignatius Press)

ألكنيسة في السابق هي أشبه نوعاً ما بالمنظور النسبي بما هي عليها اليوم في حلقات متعددة منها الروحية والإدارية والمادية وأخريات. هنالك من البابوات من حول المقر البابوي إلى أشبه ما يكون بالماخور. هنالك في فترة معينة تبوأ على كرسي البابوية أكثر من بابا وأحياناً ثلاث بابوات وفي أكثر من مقر واحد. في زمن معين وفي فرنسا بالذات كان لكل كاهن عشيقة فظهرت الهرطقات كرد فعل للحالة المزرية التي وصل إليها سلوك الكهنوت ذلك الوقت. هنالك العديد والعديد من المعصيات والخطايا والآثام أبطالها من الإكليروس وبكافة الدرجات والمواقع. رغم ذلك ظهر أضعاف ما حصل من الرجال الذين نالوا مشعل القداسة من خلال أعمالهم البارة وإنجازاتهم الإيمانية وتضحياتهم التي لا يصدقها العقل. لم يتغلب الشر على الخير, ولم يتمكن الشيطان أن يزعزع إرادة الرب. لذلك صمدت الكنيسة رغم كل التحديات والدسائس والمؤامرات والإنتكاسات ووووو, وستبقى صامدة أمد الدهر كما خطط لها الفادي المخلص فإن "أبواب الجحيم لن تقوى عليها. "
كم كانت فرحتي عندما علمت بأن الدورة التالية ستكون حول رحلات القديس بولس التبشيرية تحت عنوان "ألسماء الثالثة: مقدمة لرسائل القديس بولس" والتي مدتها 34 ساعة. طالما تساءلت مع نفسي وسألت الغير: لِمَ يقتصر القداس عند قراءة الرسائل على رسالة القديس بولس فقط ولا يتطرق إلى رسائل القديسين الآخرين أمثال بطرس الرسول ويعقوب ويهوذا ويوحنا؟. جاءني الإيضاح الشافي الوافي مما تعلمته خلال الدورة عن القديس بولس الذي كان بحق وحقيق سفير المسيحية بجدارة واستحقاق. ما عمله خلال رحلاته التبشيرية المسيحانية  لم يتحقق لأحد غيره لا من قبل ولا من بعد, ربما عدا القديس "فرانسس زافير" الذي سار على هدى القديس بولس في رحلاته التبشيرية بالمسيح إلى الهند واليابان ومناطق عديدة أخرى في الشرق الأقصى.
أدناه ملخص لفحوى مواضيع الدورة.
THE THIRD HEAVEN
An Introduction to the Epistles of Saint Paul
Course Description
As St. Peter once wrote: "So also our beloved brother Paul wrote to you according to the wisdom given him, speaking of this as he does in all his letters. There are some things in them that are hard to understand…" (2 Pet 3:15-16). This statement is as applicable today as it was two millennia ago. While St. Paul's letters contain great "wisdom," they also contain many things "hard to understand." But there is a solution to this age-old problem and it begins with answering important historical questions. Who was St. Paul? To whom, from where, and why was he writing? In this course, we will learn the answers to these critical questions as we study, in their original historical context, the Letters of St. Paul and find therein, as countless generations have before us, ancient and invaluable "wisdom" for our Christian lives today.
Required Course Materials
•   Any Catholic Bible, RSV-2CE recommended

 حقاً, كما قيل: هنالك إثنان لا يشبعان وهما طالب العلم وطالب المال. نعم طالب الثقافة المعرفية سيظل جائعاً على الدوام, وسيرافقه الشعور بالجهل مهما التهم من غذاء المعرفة.
كانت الأربعون ساعة من محطتي الرابعة مع الفلسفة في الدورة الموسومة "ألسعي وراء الحكمة" وحسب ملخصها:

PHILOSOPHY 101
The Pursuit of Wisdom
Course Description
This course is an introduction to philosophy especially through reading dialogues of Plato. Since Socrates and Plato stand as foundational pillars of the great Western tradition of philosophy, in reading these dialogues we have occasion to consider the major areas of philosophical thought and many of the main questions of the greatest thinkers through the ages. The course will emphasize first principles of reasoning, foundational concepts, docility to reality and to the wise, and a philosophical habit of mind. Pre-Socratic thinkers will also be treated.
Required Course Materials
•   Plato, G.M.A. Grube, trans., Five Dialogues (Hackett Publishing)
•   Plato, G.M.A. Grube, trans., Republic (Hackett Publishing)
كما كانت الدورة الخامسة والاخيرة لهذا العام 2021 حول الفلسفة أيضاً بعنوان "ألواقع والإنسان"
PHILOSOPHY 102
Reality and the Human Person
Course Description

This course is an introduction to a philosophical understanding of reality especially through the wisdom of Aristotle. It will culminate in an examination of human nature by turning to St. Thomas Aquinas, the great "student" of Aristotle. Key areas of focus include nature and teleology, essence, form and matter, and basic notions in human nature, such as powers of soul, intellect and will, why we have a body, and the end of man. The course will also consider some profound implications for life today.

Required Course Materials
•   Aristotle, ed. Richard McKeon. The Basic Works of Aristotle. New York: Modern Library, 2001. ISBN 978-0375757990.
[/color][/b][/color]
[/color]
بصراحة لم يكن تفاعلي مع الفلسفة كما هو مع الدورات الثلاث التي سبقتها. لم يستهويني التمنطق الفلسفي إلا حينما يستلهم القديس أوغسطين والقديس توما الإكويني من حوار سقراط وفلسفة إفلاطون ونظرة أرسطو والإستفادة من البعض من حيثيات الجميع  لتأطير المفاهيم المسيحية بما يعزز تعليم الكتاب المقدس من خلال الشروحات والإضافات الفلسفية الملتحمة مع الإيمان.
لا بد أن أشير بأن كافة الدورات مجانية عملاً بالأية المقدسة التي يرددها بين فترة وأخرى المسؤولون على المعهد "مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا". يعتمد تمويل كافة الفعاليات الثقافية المعززة بالإيمان والهادفة إلى التبشير على عطاء المؤمنين من كافة أنحاء العالم.
تولد لدي الإنطباع من خلال الدورات التي حالفني الحظ لدخولها بأن المسيحية لا تزال بخير رغم كل الصعاب والظروف الشاذة التي تفرضها القيادات السياسية ورغم كل الأنشطة الإضطهادية الإعلامية والقتالية التي تجابه المسيحيين في أرجاء متعددة من عالم اليوم.
ألحضور مميز حيث يتجاوز العدد في أغلب الأحيان الألف من كافة الأعمار والأجناس ومن انتماءات لمذاهب مسيحية متباينة التي تقطن دول العالم المتعددة.
لا يسعني إلا أن أرفع القبعة للكاهن الكاثوليكي البيزنطي الشاب الذي أسس هذا الصرح الثقافي المسيحي المجاني.
إنها الأعمال من تتكلم عسى هنالك من يتعلم.

10
هل يستجيب الرب لدعاءِ راعٍ لا يستجيب للرعية/كهنة الكلدان مثالاً
د. صباح قيّا
أكرر ما سبق وأن بينته سابقاً بأني أقف على مسافة واحدة من كافة رعاتنا الأفاضل مهما بلغ المركر الروحي أو الموقع الكنسي لأي واحد منهم.  كما أن الإشارة إلى السلبيات لا تعني الوقوف بالضد من المعني, والإشادة إلى الإيجابيات لا تدل أني على وفاق مع المنوه عنه. ألموقف سلباً أو إيجاباً هو مع الحدث وليس مع المتحدث.
لا يختلف إثنان من المتعلمين بأن المؤسسات العراقية لن تستجيب إلى أي طلب شخصي عبر البريد أو ما شاكل إلا بالحضور الذاتي لصاحب الطلب. أي أن المؤسسات العراقية بمختلف عناوينها لا ترد على الإستفسارات والمطالب المشروعة للمواطنين غيابياً. 
لقد حصلت معي أكثر من مرة, ولم يتم الإستجابة إلى ما مطلوب إلا بعد حضوري شخصياً. ليجرب أي من الإخوة مخاطبة مدرسته أو كليته أو جامعته راجياً تزويده بأية وثيقة تخصه فماذا سيكون رد الفعل؟ وبالمقارنة ليحاول مخاطبة أية مؤسسة تعليمية في الدول الغربية كي يقف على الفرق الشاسع بين ما سيحصل أولاً بالمقارنة مع ما سيحصل ثانياً.
يُعزى اختلاف السلوك في الحالتين, بكل بساطة,  إلى مدى الإلتزام بمفهوم الحقوق والواجبات الخاصة باهل كل بلد.
ما تفعله المؤسسات ينعكس على ما يقوم به الأفراد والعكس أيضاً صحيح. تقاعس الفرد من تقاعس المؤسسة, وتقاعس المؤسسة من تقاعس الفرد, والويل لمن يستهدف التغيير حتى ولو بحسن نية.
ربما انتقلت عدوى السلوك التقاعسي السائدة في مؤسسات مجتمعنا إلى البعض من رعاتنا الأفاضل سواء على المستوى الشخصي أو المؤسساتي. أشدد على كلمة البعض. نعم البعض حيث هنالك من الآباء من يرد حالاً على أية مراسلة بغض النظر عن مصدرها , ويعتذر إن تأخر عن ذلك لسبب ما.
ما سأطرحه من تجارب حصلت لي مع من أنوه عنه ليس بداعي النقد أو العتاب وإنما بهدف التصحيح والتقويم, إن صح التعبير, عسى أن يتعلم جميعنا من بعضنا.
ألتجربة 1: أرسلت رسالة كتابية عبر الهاتف إلى أحد الرعاة مستفسراً عن صحته ومتمنياً له الشفاء العاجل  بعد أن أعلمني أحد معارفي بانه يعاني من أزمة صحية. لم أتلقى الجواب لا خلال مرضه ولا بعد شفائه. إلتقيت به بعد فترة وجيزة معلقاً: أبونا: يظهر أنك تهمل الرسائل التي تصلك, لذلك سوف لن أراسلك مستقبلاً لأي سبب كان. بدت على محياه علامات الحرج وحاول اقناعي بتكرار اعتذاره, ولكن بعد ما حصل الذي حصل.
ألتجربة 2: إستضاف الصالون الثقافي الكلداني أحد الآباء المقتدرين لإلقاء محاضرة على رواده. جرت العادة أن يتم إعلامياً تغطية وقائع اللقاء الثقافي لاحقاً. أرسل الأب الفاضل رابط محاضرته إلى بريدي الألكتروني. من سوء الحظ, لم أفلح بفتح الرابط. كتبت للأب رسالة ألكترونية أعلمه بذلك وراجياً توجيهي لفتحه. لم يصل الجواب, أكدت على رجائي برسالة ثانية ثم ثالثة, ولا أتذكر كم من الرسائل كتبت لحين استلام الجواب, ورغم ذلك لم أستطع فتح الرابط. تركت الموضوع لعدم رغبتي بخوض التجربة المملة مرة أخرى, فظلت محاضرة الراعي الجليل بدون تغطية, وهي الوحيدة كذلك لحد اليوم.
ألتجربة 3: إلتحق إلى أبرشيتنا مطران جديد. إستبشرت الرعية الخير. بادر الصالون الثقافي الكلداني بمد الجسور الثقافية مع غبطته من خلال تعريفه عبر رسالة ألكترونية بنشاط الصالون منذ تأسيسه عام 2014 مع ملاحق تغطية المحاضرات المنفذة. إنتظرت مع أقراني في نواة الصالون جواباً من سيادته, ولكن بدون طائل. تم التأكيد برسالة ثانية وثالثة وربما رابعة أو أكثر. وصل بعدها الجواب معرباً سيادته عن سروره ومباركته لفعاليات الصالون الثقافية مع تمنياته باستمرار العطاء. إكتفى الصالون بهذا المكسب المعنوي المتأخر ولم يحاول عرض نشاطه أمام سيادته مجدداً.
ألتجربة 4: أحاول قدر الإمكان أن أطالع ما ينشر موقع البطريركية من أخبار ومواضيع وخاصة ما يتعلق بالإيمان المسيحي والتعليم الكنسي. من المواضيع التي أحرص على المرور عليها بانتظام هي التي ينشرها غبطة البطريرك كل يوم سبت. إستفسرت من غبطته برسالة ألكترونية عن بعض ما جاء في أحدى طروحاته ليوم السبت. لم يصلني الجواب. أكدت على غبطته بعد فترة ليست بالقصيرة برسالة ثانية فكان مصيرها كالأولى. أيقنت, وقد أكون متوهما, بأن غبطته لا يرغب بالرد على استفساري. صادف أن نشر الكاتب الساخر نيسان سمو الهوزي على هذا الموقع رسالة موجهة إلى غبطة البطريرك الكلي الطوبى. أجاب عليها غبطته إعلامياً على الفور. أوعز لي إحساسي المهني أن اؤكد على استفساري الآنف الذكر لقناعتي أن الثمرة أينعت وحان قطافها. صدق حدسي ولكن جزئياً, حيث أتاني الجواب بتوقيع سكرتارية البطريركية مشيرة أن غبطته ينصحني باستشارة أحد الإختصاصيين في الكتاب المقدس للإجابة على استفساري. تركت الامر جانباً لعدم معرفتي من هو صاحب هذا الإختصاص.
يا حبذا لو تبادر البطريركية بتعريف الرعية عن اختصاصات الرعاة كافة بغية طلب المشورة حسب العائدية بدل أن يحتار السائل ويطرق باباً مغايراً. 
ألتجربة 5: أرسلت رسالة ألكترونية إلى غبطة البطريرك الكلي الطوبى قبل عدة أسابيع طارحاً أمامه أمراً يخص الرعاة والرعية. لم يصل الجواب. أكدت على رسالتي برسالة أخرى ولكن بدون نتيجة. لا أظن أن غبطته سيجيب بعد مرور هذه الفترة من عدم الرد.
ما ذكرت من التجارب هي غيض من فيض. كل المراسلات موثقة ( حسب مصطلح الأستاذ الشماس مايكل سيبي) ولا يمكن نكرانها أو تبريرها.  قد لا أكون صادقاً إن ذكرت بأنني أجهل الدوافع التي تكتنف مثل هذا السلوك,  ولكن, أستميح القارئ الكريم, بأني أفضل الإحتفاظ بها لنفسي إلى حين.
لا شك أن هنالك انتقائية في الرد على مراسلات أبناء الرعية, والإنتقائية تخضع لعوامل متعددة لا تخفى على حتى البسيط من ابناء الرعية. رجائي أن تعامل الرعية بالسوية حيث الجميع من أبناء الكنيسة وخدامها.
من المعروف أن هنالك سكرتارية في مقر البطريركية, وأيضاً سكرتارية في كل أبرشية أو خورنة. أنا لا أعلم بالضبط ما هي مهام مثل تلك السكرتاريات, ولكن خبرتي في المجال المهني والإداري تدل على أن إجابة معظم المراسلات تقع على كاهل السكرتارية. فهل المهام في الكنيسة مختلفة؟. لا أعتقد ان هنالك صعوبة التنسيق بين الراعي والسكرتارية لتحقيق ذلك على الوجه الافضل.
للبطريركية ولمعظم الابرشيات والخورنات, إن لم تكن جميعها, صفحة على الإنترنيت. أقترح عمل نموذج لمخاطبة غبطة البطريرك أو المطران أو الكاهن على غرار ما هو معمول به عند مخاطبة قداسة البابا. مثل هذا النموذج ضروري جداً حيث أن عدداً لا بأس به يجهل أصول مخاطبة المرجع الديني حسب درجته. مع العلم أن مقر البابوية له توجيهاته الخاصة بالكتابة لقداسته تختلف بالنسبة للكاثوليك عن غيرهم.
رجائي إلى رعاتنا الأجلاء بدون استثناء أن يمنحوا ما يتيسر من وقتهم لسد رمق أبناء الرعية من جوعهم الإيماني والكنسي. كما أن لجميعنا وقت لتناول الطعام والإستحمام وتبادل الحديث والكلام وما شاكل من حاجيات الدنيا والأنام, فحتماً هنالك متسع من الوقت لمنح الرعية بعض الإهتمام. لا أرغب ذكر ما يحويه الكتاب المقدس من آيات بهذا الخصوص, بل أكتفي بالإشارة إلى أركان المسيحية المتمثلة بالمحبة والعطاء والتسامح والغفران. لو عشناها جميعاً رعاة ورعية لما حصلت ولن تحصل ثغرات في البنيان.
يقول الفيلسوف ديكارت: ألتجرد عن كل شيء عند البحث عن الحقيقة.
رباعياتي التالية تشير إلى جزءٍ من الحقيقة. قد تكون مرة بطعمها, لكن متى كانت الحقيقة حلوة المذاق؟

لِمَ يهملُ الكاهنُ مراسلاتِ الرعيّهْ؟
ينتقي ما يحلو لهُ وللأزبالِ البقيّهْ
فبأيِّ معيارٍ تسيرُ عليهِ الكهنوتيّهْ؟
وهلْ هذا السلوكُ مِنْ تعاليمِ المسيحيّهْ؟...متى نصحوا؟

أليْسَ في الكنيسةِ للكاهنِ سكرتيرهْ؟
تتولّى الردَّ حتى ولوْ جُملٍ قصيرهْ
أم أنّها تتسلّى في الدوامِ كالأميرهْ؟
كأنَّ الغُنْجَ عند الراعي مقاييسُ المديرهْ...متى نصحوا؟

مَنْ يقتنعُ أن الكاهنَ دائماً مشغولُ؟
وهْوَ لاهٍ بالزوّارِ وبالسفْراتِ يجولُ
يستكبرُ على الأهلِ مع الأغرابِ حمولُ
كانّهُ بديلُ الربِّ على الخلْقِ مسؤولُ...متى نصحوا؟

تبّاً لراعٍ يستجيبُ لِمنْ يتملّقُ
ويصغي صاغِراً لِمنْ مالُهُ يتدفّقُ
لا يعي أنَّ رؤى الكلدانِ لا تتحقّقُ
إلا بالذي معَ المبادئِ يتخندَقُ...متى نصحوا؟


 

11

قراءة في كتاب الدكتور نزار ملاخا: القرى والمدن الكلدانية في بلاد ما بين النهرين
د. صباح قيّا
أصدر الدكتور نزار عيسى ملاخا كتابه الموسوم " ألقرى والمدن الكلدانية في بلاد ما بين النهرين" حسب ما ورد على صفحة الغلاف. وأشار إليه على الصفحتين الأولى والثانية بعنوان  اكثر شمولية "ألقصبات والقرى والمدن الكلدانية والمسيحية في بلاد ما بين النهرين من المنبع إلى المصب عبر القرون".
صدر الكتاب عام 2020عن مطبعة Laser Tryk.dk في أغوس-ألدنمارك, ويبلغ عدد صفحاته 425 صفحة.   
زُينت صفحة الغلاف بلوحة لدير الربان هرمز في ألقوش.
تضمن متن الكتاب, بالإضافة إلى الإهداء, كل من المقدمة مع هوامشها, ثم نبذة تعريفية عن المواقع التي أشار إليها عنوان الكتاب مبوبة حسب أحرف الهجاء العربية من الألف إلى الياء مع هوامش لكل حرف.
تطرق الباحث في المقدمة إلى تعريف القرية ومعنى البلد والبلدة. ثم أشار إلى تواجد الكلدان جغرافياً في محافظات العراق وتوابعها. كما بيّن أسباب انحسار المسيحية في قرى وقصبات كثيرة خاصة في فترة سيطرة الإمبراطورية العثمانية على منطقة سكن الكلدان.
أفلح الكاتب في جولته عبر القرى والمدن المسيحية من استعراض ما مجموعه 661 موقعاً موزعاً على 25 حرفٍ من الأحرف الهجائية ال 28, وكما يلي:
 74 موقعاً في حرف الألف (ا) ومن ضمنها أرادن, أربيل, ألشيخان, وألقوش.
148 موقعاً في حرف الباء (ب) ومنها بعشيقه, باقوفا, برطله, بطنايا, بغديدا, وبغداد.
30 موقعاً في حرف التاء (ت) ومنها تكريت, تل أسقف, وتلكيف.
26 في حرف الجيم (ج) مثل جبل سنجار.
15 في حرف الحاء (ح) ومنها الحيره.
15 حرف الخاء (خ).
43 في حرف الدال (د) مثل دهوك وديانا.
7 في حرف الراء (ر)
8 في حرف الزاء (ز) وضمنها زاخو
32 في حرف السين (س) تضمنت سامراء, سرسنك, سميل, سناط, وسهل نينوى.
27 في حرف الشين (ش) منها شقلاوه.
9 في حرف الصاد (ص) ومنها صوريا.
1 في حرف الضاد (ض).
9 في حرف الطاء (ط) مثل طوز خورماتو.
21 في حرف العين (ع) شملت عانه, عنكاوه, عينزاله, عين سفني, عماديه, وعقره.
2 في حرف الغين (غ).
6 في حرف الفاء (ف) مثل فايده وفيشخابور.
27 في حرف القاف (ق) وضمنها قامشلي وقره قوش.
63 حرف الكاف (ك) ومنها كركوك, كرمليس, كوفه, وكويسنجق.
6 حرف اللام (ل).
57 حرف الميم (م) شملت موصل, منكيش, مركا, ماردين, ومدائن.
12 حرف النون (ن) مثل النجف والنعمانيه.
25 حرف الهاء (ه) منها هاوديان.
4 حرف الواو (و).
4 حرف الياء (ي).
يستخلص الكاتب من استعراضه الشيق والمؤلم في نفس الوقت بأن الكثير من القرى الكلدانية والمسيحية المنتشرة في بلاد ما بين النهرين والواقعة في تركيا وسوريا والعراق بين نهري دجلة والفرات اندثرت ولم يبق منها أثر. هذه المنطقة كانت تعج بالمدن والقرى والقصبات الكلدانية اغتالتها يد القدر ولم يبق إلا القلة القليلة لتحكي للأجيال الحالية والقادمة قصة حضارة وتاريخ وتراث, قصة أناس تم ذبحهم وتهجيرهم وسلب دورهم ونهب أملاكهم بسبب اختلاف الدين او القومية.
يؤكد الكاتب بأن كتابه لا يخلو من النواقص والزلل, ويرجو ممن لديه إضافة أو تعقيب الإتصال به على بريده الألكتروني.
لا يسعني إلا أن أقدم أرق التهاني وأخلص الأمنيات للزميل الدكتور نزار ملاخا على منتوجه القيّم الذي من دون شك سيحضى بحيز متميز في المكتبة الكلدانية خصوصاً وفي بحر الثقافة المعرفية عموماً.













 

12
ألأب سرمد باليوس كما عرفته
د. صباح قيّا
لا بدّ أن أعيد ما سبق وأن بينته بأني أقف على مسافة واحدة من كافة الرعاة مهما بلغت منزلتهم الروحية أو مواقعهم الوظيفية. كما أن الإشارة إلى السلبيات لا تعني انني بالضد من المعني, وأن  ذكر الإيجابيات لا تدل على  كوني داعماً له. من الضروري التوضيح بأن الغاية من هذا العرض المتواضع هو إظهار الحقيقة من وجهة نظري الشخصية التي قد  يكون مذاقها مراً عند البعض وحلواً عند البعض الآخر, وحتماً سيمتد المذاق إلى المعني نفسه. إنها الحقيقة ولا بد من تقبلها بعسلها وعلقمها, وما على المرء إلا أن يصب العسل على العلقم حتى تصير الحقيقة سكرية الطعم مستقبلاً.
ربما أسامح العديد من سلوكيات الراعي السلبية, وقد أحثه بطريقة أو أخرى, إذا تطلب الأمر, للإقلاع عنها. لكن, واشدد على "اللاكن", سوف لن أغفر لأي راع "يحاول أن يلعب أو يلعب بذيله فعلياً " إذا صح التعبير. بصراحة, سألاحقه حتى ينزع لباس الكهنوت إلى الأبد. لا ولن أتساهل بهذا الصدد إطلاقاً مهما كان المبرر أو الظرف. عفة الكاهن خط أحمر لا يُقبل تجاوزه, ومن ينتهكها فليودع الحياة الروحية ويسلك الدرب الدنيوي إلى غير رجعة.
قبل أن أدخل في صلب الموضوع لا بد أن أشير, بحسب تحليلي لواقع الحال, بأن طلب الأب سرمد باليوس راعي كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية الكلدانية في وندزر منحه "إجازة سبَتيه" لمدة عام لم  يكن أختياراً أعدّ له بنفسه, وإنما كان حدثاً اضطرارياً تم اللجوء إليه أو جرى الإيعاز به بعد سلسلة من الشكاوي التي رفعها عدد محدود جداً من أبناء الرعية بحق أو بدون حق ضد راعي الكنيسة, والأهم من كل ذلك هو العلاقة المتوترة التي كانت سائدة في الفترة الاخيرة بين الأب سرمد ومطرانه المباشر باوي سورو لأسباب قد يتحمل الراعي نفسه بعضها ويتحمل المطران البعض الآخر. أقولها بصراحة بأنه لولا هذه العلاقة المتوترة لما حصل الذي حصل, ولكان مصير شكاوي العلمانيين, مهما بلغت وأي كان مصدرها, في سلة المهملات . نعم, في سلة المهملات, فمتى وفي أي زمن تم الأخذ برأي العلمانيين؟ دلًوني رجاءً.
بدون شك أنه مهما كانت درجة الضغط النفسي أو الوظيفي أو الروحي الذي فرضه المطران على الراعي, فإن الحكمة أن يتقبلها الراعي حيث طاعة المرجع الاعلى, حسب معلوماتي المتواضعة, تُعتبر بمثابة فرض تفرضه الكنيسة عند رسامة أي كاهن, والأب سرمد غير مُستثنى من ذلك.  سؤالي إلى القيادات الروحية: هل الطاعة المقصودة هي طاعة عمياء أم ممكن مناقشة حيثياتها بروح المحبة والتسامح والغفران؟ أجيبوني رجاءً.
أعود إلى العفة عند الكهنة والخط الاحمر قبل الولوج في تفاصيل الحدث.
حاول أحد الشمامسة أن يكسب جانبي لدعم موقفه مع المجموعة القليلة العدد والمستمرة في التخطيط والعمل الدؤوب ضد راعي الكنيسة. سألت الشماس: هل أبونا سرمد "يلعب بذيله"؟ أجابني: يجوز. حقاً جواب سمج ويدل على نية عكرة. قلت للشماس: يجوز كلمة خطرة وفي الحياة كل شيء يجوز. لكن الأمر لا يسير وفق يجوز وإنما بالدليل القاطع, فهل عندك الدليل"؟ أجاب كلا. قلت له: إذن رجائي أن لا تعيد كلمة يجوز بهذا الصدد. ألحق يُقال, بأن تلك التهمة لم يتطرق إليها أي من مناوئيه لا ذلك الحين ولا بعد الحين رغم سيل التهم التي رُفعت أو قيلت بحقه. كما أنني تأكدت من مصدر موثوق في فانكوفر كندا حيث كان الأب سرمد راعياً هناك قبل نقله إلى وندزر كندا بأنه بعيد كل البعد عن ذلك السلوك الشائن رغم المغريات المتوفرة حوله آنذاك. ومن هذا المنطلق فإن الراعي الجليل خرج بجدارة من دائرة "اللعب بالذيل", فقررت بعد خروجه هذا كتابة المقال.
من العدل عند تقييم أي امرء أن توضع الإيجابيات في إحدى كفتي الميزان والسلبيات في الكفة الأخرى. يتم القرار من خلال الكفة الراجحة. وبعبارة أخرى أن تقييم الفرد يعتمد على المحصلة الناتجة من مقدار إيجابياته مقارنة بسلبياته, فلا وجود لمتكامل في الكرة الأرضية إطلاقاً.
يتبادر السؤال التالي: هل الأب سرمد هو كاهن جيد؟ ألجواب, من وجهة نظري الشخصية: نعم أنه كاهن جيد حسب المحصلة الناتجة عند مقارنة سلبياته بإيجابياته.
ألسؤال الذي يفرض نفسه الآن؟ ما هو الدليل؟. سؤال مشروع, فتعال معي.
أطل الأب سرمد في مطار وندزر يوم 18 كانون الثاني 2017 . كنت أنا ضمن مستقبليه ممثلاً عن الصالون الثقافي الكلداني بصحبة عدد من أعضاء نواة الصالون الكلداني وحسب الرابط المرفق:
تفاؤل رعية وندزر براعيها الجديد 18 ك2 2017
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,831474.msg7511897.html#msg7511897
ظهرت بوادر الأنشطة الثقافية والأعمال الإعمارية حال استلام مهمته من الأب السابق داود بفرو.
كنت أحضر بانتظام محاضراته في حلقة دراسة الكتاب المقدس التي كانت تُعقد مرة واحدة كل أسبوعين. لاحظت عنه محاولة تجنبي. لم أكترث للأمر أبداً لشعوري الصائب بان هنالك من قام بتشريحي أمامه كما يشاء والذي أعرف من هو بالتحديد. لم يعيقني سلوكه معي من الإستمرار في الحضور والإشتراك بالمناقشة حسب الأصول.  بعد فترة من الزمن طلب مني أن نلتقي على انفراد في مكان بعيد عن أنظار أبناء الرعية. أيقنت أنه قد تأكد بنفسه بأني لست تلك الصورة التي عرضها أمامه ضعيف النفس. وبالفعل التقينا ودارت بيننا أحاديث في مواضيع متعددة. فهمت منه بأن هنالك من حذره من الكلام معي وأوهمه بأني سأكتب مقالاً ضده عن كل ما يصدر منه. قلت له موضحاً: أبونا: أنا لا أريد منك أن تقف معي أو مع من نقل لك الصورة المشوهة, ولا أن تقف ضدي أو ضده, بل قف مع الحقيقة وخاصة أنك كاهن وبمثابة خيمة تبسط محبتها على الجميع. لاحظت دهشته من جوابي فقال لي على الفور: هل أنت متديّن؟ أجبته: بصراحة أبونا أنا غير ملتزم بما تفرضه الكنيسة ولكني مؤمن بالخالق وبمسيحيتي.
سألني أيضاً: كيف له أن يكسب ثقة الرعية؟ أجبته: أبونا ما يشغل الرعية كمحور للقال والقيل هو الشأن المادي. إقترحت عليه أن يُعد سجلاً فيه الواردات والمصروفات ويترك السجل في الطبلة الموضوعة عند مدخل الكنيسة, ويعلن بعد كل قداس عن السجل ومن يرغب بمراجعة حسابات الكنيسة من الوارد والمصروف.  أكدت له بعدم قيام أي واحد من رواد الكنيسة بمراجعة السجل ما دام متروكاً هنالك بكل ثقة. للأسف الشديد لم يأخذ بهذا المُقترح فاستغلت المجموعة المعادية تلك النقطة فبدأت تعزف على اللحن الذي يخدمها بالرغم من تيقن الجميع بان الكنيسة بدأت واستمرت بالإزدهار عمرانياً بشكل لافت للنظر. طيّب... لماذا تُوجه الشكوك نحو الكاهن وهنالك لجنة مالية؟ لماذا لم توجه الإتهامات إلى الكاهن السابق الذي لم يتم وضع طابوقة عمرانية واحدة في عهده رغم السنوات التي قضاها راعياً لنفس الكنيسة؟ إذن, لا بد وان هنالك من تضررت مصالحه فبدأ بإثارة الشكوك التي تفتقد إلى الدليل الملموس. إذا كانت هذه النقطة من ضمن النقاط التي انعكست سلباً على الكاهن في علاقته مع سيادة المطران, فلا يسعني إلا أن أقول " مع الأسف". ليس هنالك أسهل من أن تأتي لجنة لتقصي الحقائق أفضل من تصديق من تضررت مصالحه.
لا بد وأن أشير بأن بصمات الأب سرمد باليوس العمرانية ظاهرة للعيان ولكل ضمير حي وعقل واع. جمالية الكنيسة سواء في الداخل أو في الساحة الخارجية تبهر كل عين بصيرة. كما أشدد بكل جرأة بأنه, للأسف الشديد, لم تُضاف طابوقة عمرانية واحدة منذ رحيله قبل أكثر من عام ولحد اليوم. إذن كيف يكون الكاهن الجيد؟ هل الذي يبني له دوراً يسكن في واحدة ويستثمر البقية لشخصه؟ أم الذي يبني للكنيسة ثم يغادرها خالي الوفاض؟ أسعفوني رجاءً.
لا أنكر بأن الأب سرمد يشتط في أحيان كثيرة عن موضوع الوعظ أو المحاضرة. لا بأس أن يكون للمحاضر روح الدعابة أو حس فكاهي كي يشد المستمع أو يلطف الجو. لكن أن يسترسل في الشطط لمرات متعددة فحتماً أن ذلك سيؤدي إلى الملل وأن المستمع سيزوغ في انتباهه عن لب الموضوع الأصلي وعندها تفقد المحاضرة رونقها ولن تحقق هدفها على الوجه الأكمل.
يتبادر السؤال التالي: هل أن الراعي الجليل يفتقد الأسلوب القياسي المتعارف عليه في الوعظ أو عند تقديم محاضرة ما. ألجواب كلا. لقد أثبت الأب سرمد حبه للثقافة المعرفية من خلال إلحاحه على عودة الصالون الثقافي الكلداني إلى الكنيسة ثانية بعد أن غادرها مطروداً بأمر من راعي الكنيسة السابق وبتحريض من مكتب الرابطة الكلدانية في وندزر ودعم فرع الرابطة بكندا  على خلفية مقالي الموسوم " هل أن الرابطة الكلدانية علمانية أم كنسية؟" والمنشور في هذا الموقع. وبالفعل عاد الصالون إلى موقعه الأصلي وقدم الأب سرمد ثلاث محاضرات أبدع فيها إسلوباً ومعلومة وتقديماً, وأثبت من خلالها أنه محاضر جيد في إيصال المعلومة وفي امتلاكها. وأرفق أدناه روابط المحاضرات الثلاث:

ألمتصوفة والمعتزلة 2 شباط 2018
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,870373.msg7571434.html#msg7571434

ألإثنيات عبر التاريخ 17 مايس 2018
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,907470.msg7620040.html#msg7620040

أثر الثقافة السريانية على العصرين الأموي والعباسي 14 شباط 2019
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,932423.msg7650532.html#msg7650532
هنالك من يعيب على الأب سرمد اجتهاده في تفسير النصوص الإيمانية. طيب. لماذا لا يعاب على من هم ضمن القيادات الروحية التي تجتهد بالنصوص كما تشاء وما أكثرها؟. من دون شك أن هذه المسألة ممكن تجاوزها من خلال التثقيف المستمر والتواصل مع الآباء من ذوي الإختصاص في المجال المعني.
أتفق مع من يؤكد أن الأب سرمد ينفرد برأيه ولا يأبه بآراء الآخرين إن تقاطعت معه. من خلال تجربتي معه أنه يستمع للآراء, لكن أن يأخذ بها أم لا فحاله حال أغلبية رعاتنا الأفاضل إن لم يكن جميعهم وعلى مختلف المستويات ممن تطغي عليهم النزعة الدكتاتورية والتسيد في القرار. إذن لماذ يُحاسب هو وليس غيره؟
رب سائل يسأل من الذي ساهم في إيصال الأذى النفسي والمعنوي والوظيفي إلى كاهن شاب يتمتع بإمكانية جسمانية وفكرية وقدم الكثير من الفعل الإيجابي للكنيسة التي يرعاها. ألكثير يشهد بأنه يواظب في الكنيسة حتى منتصف الليل, ثم يأخذ المكنسة وأدوات المسح ليكنس ويمسح الكنيسة بنفسه.  :من مِن الرعاة يفعل ذلك؟ أجيبوني بصراحة.
من حرض ضده معروفون وعددهم ضئيل جداً. أعرفهم فرداً فرداً. جميعهم من دون استثناء ممن تضررت مصالحهم أو ممن أوقفهم الراعي عند حدهم وأحبط طموحاتهم الشخصية في السيطرة على الكنيسة أو على الكاهن نفسه. أنا أفهم أن العمل الكنسي هو خدمة وليس امتياز أو جاه أو سلطة. لا أرى مبرراً أن يدّعي كائن من كان بأنه أحرص من غيره على الكنيسة أو على الإيمان. من يحرص على الكنيسة عليه أن يخدم بصمت ويغادر بصمت بعد الإنتهاء من الخدمة.
ربما امتعض البعض من الشمامسة من موقف معين. لكن ذلك يمكن حله بالتفاهم مع الراعي أو مع المرجع الاعلى لا بترك الخدمة أو الإنتقال إلى كنيسة أخرى ثم التحريض على الكاهن. أية مسيحية هذه؟ إرحموني.
هنالك المزيد مما في حعبتي, وقد أُعرّج على ذلك من خلال المداخلات.
قناعتي, وأرجو أن أكون على وهم, بأنه لو كانت العلاقة مع المطران على ما يرام وكما كانت سابقاً لما حصل الذي حصل. أرفق ألرابط الذي يستدل منه بصورة غير مباشرة  على مدى الوفاق بين الراعي والمطران أيام زمان.
ومضات من لقاء مطران كندا بالصالون الثقافي الكلداني – وندزر السبت 10 آذار 2018
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,868802.msg7569266.html#msg7569266

أبرشية كندا بانتظار وصول المطران الجديد. أقول جئت سهلاً وحللت أهلاً.
سيدي المطران الجليل. أنا الخاطئ ومن هو ليس بالخاطئ؟. أركان المسيحية المتمثلة بالمحبة والعطاء والغفران والتسامح. رجائي أن لا تكون هذه الأركان مجرد كلمات.
ألأب سرمد باليوس له البعض من السلبيات, لكن ثق سيدي المطران الجليل بأن إيجابياته تفوق كثيراً سلبياته. إنه كاهن جيد, ويكن له بالمحبة أغلب أبناء الرعية. بالإمكان التأكد مما أقول بالإستئناس برأي الرعية بعد قداس الأحد سواء كان بالإقتراع السري أو العلني كي تقف بنفسك على حقيقة الأمر وتتيقن أن من حرض عليه لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين والقدمين. هنالك منهم من حاول أن  يشغل موقعاً أكثر من حجمه, ومنهم من أراد أن يقوم بدور الكاهن في كل فعل باستثناء العمل الروحي, ومنهم من رغب أن يُسيّر الكنيسة على هواه, وهلم جرا.
سيادة المطران الجليل: الأمر متروك لشخصكم الكريم, ولكن الكنيسة بحاجة إلى خدمات رعاتها, والراعي سرمد باليوس له من المؤهلات ما تجعله يسد فراغاً شكت منه ولا تزال كنيستنا العزيزة. إسمح لي أن أُذكّر: من كان منكم بلا خطيئة فليرجم الحجر أولاً.


13
رسالتي الثامنة إلى راعي الكنيسة الكلدانية
د. صباح قيّا
لا أعلم إن كان سوء الحظ أو حسنه أن أُكلّف بمنصب الآمر أو المدير في كل رتبة عسكرية حملتها فعليّاً خلال خدمتي الطويلة في الطبابة العسكرية من رتبة ملازم أول إلى رتبة لواء, ولحين نقل خدماتي إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتنسيبي للعمل في كلية الطب - جامعة بغداد.
من دون شك أن المنصب العسكري يُحتّم عليّ ممارسة العقاب والثواب. ولا بد أن أعترف بأني قد عاقبت العديد من المنتسبين كما أكرمت العديد منهم أيضاً. لكن, والحق يجب ان يُقال, بأنني لا أتذكر معاقبة أي من المنتسبين بأمرتي بدون إفهامه سبب عقوبته. كنت أتبع سياقاً منتظماً عند معاقبتي لأيّ كان بقولي له أن العقوبة ليست موجهة له شخصياً, وإنما هي موجهة للمخالفة التي اقترفها. ولكون المخالفة هو من قام بها, فلا بد أن يتحمل هو بنفسه العقوبة. وكنت أضيف أيضاً, بأنه سيحصل على تكريم مني عند إجادته بالعمل, وأن التكريم سيكون للعمل المُنجز الجيد والذي سيتمتع به شخصياً  باعتباره من أنجز ذلك العمل. 
ما أبتغي الوصول إليه من هذا السرد المقتضب بأن النقد الموجه لغبطة البطريرك أو أيّ من المطارنة الأجلاء أو الكهنة الكرام عن سلوك أو حدث  كنسي لا يستهدف أيّاً منهم شخصياً بل هو موجه لذلك السلوك او الحدث. لكن حتماً تبعاته ستقع على من سبب أو ساهم في حصول ذلك السلوك أو الحدث. أي ما معناه أن النقد هو للحديث وليس للمتحدث, وما يصيب المتحدث هو بسبب حديثه. لذلك لا يجوز أن يؤثر النقد على العلاقة الشخصية أو الرعوية بين الناقد والمُنتَقَد أو يحددها, كما لا يجوز أن يحصل نفس الشئ بين المافوق والمذنب المادون حسب التعبير العسكري. وكي أكون أكثر صراحة ووضوحاً أن نقد أي فعل صادر من أي عضو في الإكليروس لا يعني المساس الشخصي به, بل أن ذلك يخص الفعل, ولا بد أن يتحمل الفاعل تبعاته.
لا يوجد ما هو مخفي في عالم اليوم بل كل شيءٍ مكشوف أو سيُكشف عاجلاً أم آجلاً, كما أن كافة تحركات البشر مرصودة وبالأخص من يتبوأ منهم مركزاً معيناً بدون استثناء.     
والآن إلى بيت القصيد:
أجرت إذاعة صوت الكلدان لقاءً مع سيادة المطران فرنسيس قلابات والمنشورة على الصفحة الرئيسية للموقع حسب الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1023280.0
نشرت تعليقاً على بعض ما جاء في الحوار ومنه:
"سيدي المطران الجليل: صحيح كلمة الخلافة هي عربية, ولكنها تشير إلى توصيف إسلامي بحت. ألخلافة تخص الحكم الإسلامي والحاكم الأعلى هو الخليفة. كان الأفضل استخدام جملة  أخرى مثل " يجوز له حق الإنابة, أو حق الإعاضة" والتي تعني أن المشار إليه سوف ينوب عن الغائب سوى كان الغياب وقتياً أو دائمياً, أو أن المشار إليه سيعوض عن الغائب. إذا كان القصد من الخلافة أن المشار إليه سيخلّف الغائب, فالإنابة أو الإعاضة تعنيان كما أسلفت, والنتيجة واحدة في الهدف مع البون الشاسع بين جوهر ومعنى الكلمتين مقارنة بكلمة الخلافة.  من وجهة نظري أن الإعلام البطريركي سقط في مطب لغوي يمس العمق الإيماني"
وفي اليوم التالي نشر غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو مقالاً بعنوان " التعليم الراعوي للبطريرك – الوعي الديني (الإيماني)" على موقع بطريركية بابل الكلدانية وحسب الرابط:
https://saint-adday.com/?p=45282
وتطرق غبطته إلى مفهوم كلمة "الخلافة" التي وردت في مقررات السينودس قائلاً:
"وهنا اسوق مثالا على عدم الوعي والمعرفة. انتقدَ البعض السينودس الكلداني الاخير عندما اختار اسقفاً معاوناً لألقوش مع حق “الخلافة”، فقالوا بما يحاكي الجهل: هذا تعبير اسلامي، ذلك ان الخلافة تعبير قانوني في اللغة العربية، يؤكد حق المعاون أن يأتي بعدي… فلا يعني زحف عبارات في التداول لدى ديانة ما! ألا نستخدم هذه العبارات في ما تعنيه أساساً. وأبسط مثال على ذلك، أن سيادة المطران رمزي كرمو، كان، في منتصف التسعينيات (أي قبل داعش بعقود) قد انتخب اسقفاً معاوناً في أبرشية طهران للكلدان والآشوريين الكاثوليك، مع حق الخلافة، التي حصلت فيما بعد،"! ولم يكن ثمة من يستغرب"
قد لا أتفق مع ما جاء في المقال التعليمي الرعوي لغبطته في تعبيره " عدم الوعي والمعرفة" وأيضاً "يحاكي الجهل". مثل هذه التعابير تدخل ضمن الإشارات المطلقة التي قد تسبب إحراجاً لقائلها عند عدم ثبوتها أو دحضها بالدلائل. ولا بد أن أشير, بكل صراحة, بأني لم أفسر قوله كرد على مداخلتي أعلاه أو مقصودة ضد أي شخص آخر, وإنما رد فعله لوجهة نظر الأغلبية من النخبة الكلدانية المتنورة التي لم تقبل بتعبير "حق الخلافة".
من حسن الحظ أن مهنتي علمتني ان أدعم معلوماتي بالدلائل. وعليه أدرج بعض ما ورد حول مفهوم الخلافة على لسان المؤمنين بها, والذي يؤيد بوضوح ما اشرت إليه في تعليقي على لقاء سيادة المطران قلابات.
كتبت السيدة صابرين السعو في  أكتوبر ٢٠١٦
مفهوم الخلافة
الخلافة: هي مصطلح يطلق على نظام الحكم المتبع في الشريعة الإسلاميّة، حيث تقوم الدولة الإسلاميّة باستخلاف قائد مسلم ليقوم بحكمها وفقاً لتعاليمها، وسميت الخلافة بهذا الاسم لأنّ الخليفة أو قائد المسلمين يخلف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الإسلام في شأن قيادة المسلمين والدولة الإسلاميّة.
الهدف الأسمى من الخلافة يتمثل في حمل رسالة الدعوة إلى العالم وحفظ أمور وشؤون المسلمين، ومن المعروف بأنّ نظام الخلافة لا يطبق منذ سقوط الخلافة العثمانيّة عام 1924، في هذا المقال سنتحدث عن مفهوم الخلافة

إقرأ المزيد
https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9
https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9
https://mawdoo3.com/%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9
كما كتب السيد طلال مشعل حول الموضوع  في يوليو  2016
معنى الخلافة
 جاء لفظ الخليفة في القرآن الكريم عندما أراد الله سبحانه وتعالى أن يجعل في الأرض بشرًا يخلف بعضهم البعض، قال تعالى (وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة)؛ فالخلافة في معناها اللّغوي تأتي من فعل خلف أي تعاقب وتبع بعضه بعضًا في أمر مُعيّن، فيقال خلف الابن أبيه في حكم البلاد معناه جاء بعده وأعقبه في هذا الأمر. الخلافة اصطلاحًا تعني وجود خليفةٍ في الأرض يحكم بين النّاس وفق نظام سياسي، ويتعاقب على هذا الحكم عدّة أشخاص يكونون مؤهّلين لذلك، قال تعالى مخاطبا نبيّ الله داود عليه السّلام ( يا داود إنّا جعلناك خليفةً في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتبّع الهوى فيضلّك عن سبيل الله، إنّ الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديدٌ بما نسوا يوم الحساب)
أول خلافة على الأرض
كان سيّدنا آدم عليه السّلام أوّل خليفةٍ على الأرض، ثمّ جاءت من بعده ذرّيته وتعاقبت الأجيال من بعده كلّ حضارةٍ ومجتمع يتّخذ له حاكم يسوسه ويقوده، وإنّ الخلافة بمعناها الشّرعي لا تطلق إلاّ على الحاكم المسلم الذي يقوم بتطبيق شرع الله تعالى على النّاس وفق أسس العدالة والمساواة ويحفظ حدود الله تعالى، ويقيم الشّعائر الإسلاميّة من صلاةٍ وصيام وحج

إقرأ المزيد
https://mawdoo3.com/%D9%83%D9%8A%D9%81_%D9%86%D8%B4%D8%A3%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9
https://mawdoo3.com/%D9%83%D9%8A%D9%81_%D9%86%D8%B4%D8%A3%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81%D8%A9
سؤالي إلى غبطته والرجاء الإجابة بتجرد: أما زلت أنت على رأيك بعد درجي هذين الرأيين وهما غيض من فيض؟
أكرر ما ذكرته لسيادة المطران قلابات بأن كلمة " الخلافة" رغم كونها كلمة عربية إلا أن مفهومها يخص الإسلام تحديداً. كان بإمكان السينودس التعويض عن هذه الكلمة بأي تعبير يصل الهدف وخاصة أن اللغة العربية غنية بمفرداتها.
لا بد أن اذكر بأن اهتمامي وولعي باللغة العربية ليس وليد اليوم بل رافقني منذ البدء بتعلم قواعد اللغة. ولا أبالغ إن قلت بأني متمكن منها بنسبة 90% أو أكثر, وما أكتب من مقالات ومداخلات وأشعار خير دليل على ذلك. الأمل بالبطريركية أن لا تشملني بمن "يحاكي الجهل" أو من هو "عديم الفهم والوعي". ويؤسفني ان أذكر المثل "الحجارة اللي متعجب تفشخ"
رجائي من الإخوة المتداخلين أن تقتصر مداخلاتهم على ما يضيف إلى الموضوع من معلومات يستفاد منها الجميع سواء في حقل اللغة أو التاريخ أو الأديان وما شاكل كي نتعلم جميعنا من بعضنا.
والأهم, رجاءً رجاءً,عدم استغلال كلماتي النقدية التقويمية للمساس بشخص غبطته أو أي من الإكليروس. من له مثل هذا التوجه أدعوه إلى كتابة مقال منفصل يعبّر فيه عن خلجاته.




14
قراءة في كتاب الكاتب جان يلدا خوشابا: ليلى والبقية تأتي
د. صباح قيّا
أردد دوماً, بل هي جملة موثقة في رباعياتي الشعرية المتواضعة المنشورة في كتابين صدرا عام 2019, فأقول" إنها نعمةٌ وبركةٌ يغمرُ الخالقُ بها كلَّ من أينعتْ له زهرةٌ يافعةً من برعمٍ غرسه في حقلٍ ليس من اختصاصه".
نعم لقد غمر الرب الكاتب القدير جان يلدا خوشابا بنعمته وبركته فأينع البرعم الذي غرسه, بعيداً عن اختصاصه, عن خواطرَ عميقة المعنى وأبيات شعرية حرة ذات كلمات عذبة تطرب السامع من جهة وتقود بروحه إلى عالم الاحلام اللامتناهي.
صدر الكتاب عام 2020 ويتضمن خواطر من مدرسة الحياة, همسات, نصوص قصيرة, وأبيات شعرية متنوعة موزعة على 102 صفحة. تتخلل الكتاب ايضاً مخطوطات من الفن التشكيلي بريشة أخيه الفنان "جوني يلدا خوشابا" والذي قام بتصميم الغلاف أيضاً. يذكرني هذا الإبداع الرائع بمؤلفات الكاتب الفنان والشاعر الفيلسوف "جبران خليل جبران: الذي أفلح في تجسيد أفكاره الكتابية بمخطوطاته التشكيلية.
يشكر الكاتب الأديب زوجته في الصفحة الاولى من الكتاب بعبارة رومانسية مفعمة بالوفاء قائلاً "شكراً لزوجتي ورفيقة دربي فلولاها لا طعم لهذا الكتاب". همست لنفسي وأنا أقرأ تلك العبارة: يا تًرى هل "ليلى" هي المقصودة؟ أم أن هنالك "ليلى" من فترة العزوبية والصبا؟ بالتأكيد المعنى في قلب الشاعر.
قدّم للكتاب الأستاذ "يلدا قلا"  الذي يصفه المؤلف أنه معلمه وملهمه. ويقول عن نفسه: أنا لست بشاعر ولكن هاوي خواطر وقصص قصيرة وحكم... تتجلى هنا صفة التواضع المعروفة عن الكاتب القدير من خلال مقالاته على هذا المنبر.
يصور الأديب مشاعره المتفجرة من تجاربه التي خبرها من مدرسة الحياة التي نهل منها قائلاً: تخونك....... الدنيا كلها وتهملك إلا قلب إمك لا, لم, ولن يخون.
وعن تجربة أخرى يعلن: من أنقذته يوماً هجاني, ومن أخلصت له يوماً نساني, فالإنسان يا ولدي أناني.
وينشد في إحدى همساته: ليس التفاخر بجمال الوجه وكثرة المال يا صاحبي...بل بالفكر والخلق وراحة البال.
وفي همسة أخرى تعكس معاناته الذاتية في مرحلة حياتية معينة يكتب: لو كان قلبي من حديد لتحطم وتصدأ لما عملت وصنعت تلك المراهقة وخططت ونفذت ضدي.
ويسترسل في نصوصه القصيرة في التعبير عن تفاعله مع عجلة الحياة قائلاً: تحزن لدموع عيني ولكنك لا تهتم لنزيف قلبي!!!
ويستطرد في نص آخر: تستطيع اعتقالي ولكنك لا تستطيع مهما حاولت تغيير أفكاري.
من العسير اختيار نموذج أبيات شعرية من بين مجموعة تتميز كلها بجمالية رائعة تحكي قصة الأمس التي أضحكت وأدمعت, أفرحت وأحزنت, إقتربت وابتعدت, أشرقت ثم غابت ولكن ظل دفء بريقها يدغدغ ذكريات تلك الأيام بحلوها ومرها, فيظل منادياً:
إقتربي يا ليلى....إقتربي
إسرحي في صدري
لحظات
إعصري يدي حنيناً
تنهدي واطمئني
فأنا قد تركت الغزوات 
ومغازلة الحسناوات
مُنذ سنوات 
لا يسعني إلا أن أتقدم للصديق العزيز الكاتب والأديب جان يلدا خوشابا بأرق التهاني على صدور باكورة إنتاجه, وسأردد عبارته الشهيرة "والبقية تأتي" على أمل أن أقرأ له مراراً وتكراراً.
 

 

15


رسالتي السابعة إلى راعي الكنيسة الكلدانية
د. صباح قيّا

هنالك حقيقة معروفة في الكنيسة الكاثوليكية بأن أشد منتقديها هم من جهابذة اللاهوت والمتعمقين في التاريخ الكنسي والضليعين في الكتاب المقدس من الكاثوليك أنفسهم. بالرغم من ذلك فإن الكرسي الرسولي والكرادلة في الفاتيكان يتقبلون ما يصدر من نقد وملاحظات سلبية بروح مسيحية عالية وبمحبة أخوية لثقة الكنيسة الكاثوليكية بنفسها من ناحية ولقناعتها بأن ما يبدر من آراء متقاطعة تصب في خدمة الرسالة المسيحية من ناحية أخرى. ذلك يعني بأن ناقدي السلوكيات السلبية البارزة في واقع الجسد الكنسي هم أكثر الناس حباً للكنيسة وتعلقاً بها.

رباعياتي الشعرية التي تم حذفها من صفحة الفيسبوك لكنيسة الراعي الصالح في تورنتو كندا وصفحة الفيسبوك لكنيسة العائلة المقدسة في وندزر كندا بدون حق أو سبب معقول ومقبول ليست سوى انعكاس جازم وصريح للواقع الذي تتارجح فيه كنيستنا الكلدانية وهي لا تمثل إلا قشة في البحر المتموج الذي يعصف بالكنيسة نفسها رعاة ورعية.

ما كان يصدر من الراعي قبل الإنفجار المعلوماتي السائد هذا اليوم وقبل التوسع الإعلامي اللامحدود الإنتشار من وعظ أو تثقيف أو توجيه يظل أسير الجدران الأربعة التي تغلف المكان. ربما تحصل بعض التعليقات من قبل الحضور علناً أو سراً لكنها تظل محددة ولن يكون لها صدىً يُذكر سواء سلباً أو إيجاباً. اما اليوم فكل كلمة معلنة لساناً أو كتابة قد تصل إلى أقصى بقعة في المعمورة بلمح البصر وقد تبرز آراء ووجهات نظر متقاطعة أو متفقة, وأحياناً تأخذ ردود الأفعال أبعاداً قد لا تسر صاحب الشأن أو معاضديه. فلا غرابة إذن أن يواجه من ينشر في الإعلام خبراً ما حول اية قضية حياتية زخماً معاكساً مماثلاً له أو متفوقاً عليه بالحجة. من السذاجة الإعتقاد ان من يطرق باب الإعلام لن يلقى الرد من الطرف المقابل وليس بالضرورة أن يناسب الرد أهواء الطارق أو يتعاطف مع غاياته. ألإعلام سيف ذو حدين, فهو يوصل المعلومة في حده الأول وقد يطعن مصدر ناشر المعلومة في حده الثاني.

لقد تم نشر ما أُطلق عليه "بيان من مطران كندا للكلدان" على صفحتي الفيسبوك أعلاه بخصوص كاهن كنيسة العائلة المقدسة الكلدانية الكاثوليكية المتمتع بإجازة روحية لمدة عام واحد "سنة سَبَتيه". ظهرت هنالك ردود فعل متباينة بين مشجع للإجراء ومستنكر له, وهنالك من أبدى وجهة نظر متوازنة لا مع ولا ضد. من يستعرض مداخلات أبناء الرعية يتيقن أن العدد الذي تعاطف مع الأب المجاز يفوق بأضعاف عدد الرأي المؤيد لبيان سيادة المطران أو الرأي المتوازن. ألظاهر بأن هذه النتيجة لم تسر المسؤولين الإعلاميين على الصفحتين, فتميز جوابهم على المداخلات المتقاطعة بحدة في بعض الأحيان  من ناحية, وبحذف العديد منها من ناحية أخرى. كان نصيب رباعياتي الشعرية رغم أنها لا تتعاطف أو تتقاطع مع أي من الاطراف المعنية الحذف بالإضافة إلى حجبي شخصياً عن أي تعليق على صفحة البيان.
أبدى البعض من أبناء الرعية امتعاضهم من حذف التعليقات المعارضة للإجراء كونه لا يتماشى مع حرية إبداء الرأي في بلد يُقر دستوره بصراحة تلك الحرية ويحرص على ممارستها بشفافية من قبل الجميع بدون استثناء. كانت حجة المسؤولين عن الصفحتين أن التعليقات المحذوفة تفتقد الذوق الأدبي وتخدش الحياء. ألحجة غير مقنعة إطلاقاً من وجهة نظري لخلو رباعياتي الشعرية أدناه من كل ما يتحجج به المسؤولون. ألرباعيات ليست سوى تساؤلات عن ما يحصل من سلوكيات رعوية تناقض ما جاء في الكتاب المقدس.

ألأمل أن لا يكون لسيادة المطران أي دور في عملية قمع حرية الرأي والتعبير. رجائي من سيادته أن يكلف بمسؤولية الإعلام في الأبرشية من يتحلى برباطة الجأش وسعة الصدر والثقافة المعرفية التي تؤهله لقبول الرأي المقابل سواء اتفق أو تعارض مع توجهات الأبرشية وكنائسها. لا أحبذ أن يتحمل مثل هذه المهمة من هم سمتهم مجرد الولاء والتبعية  ولكن واقعهم من أنصاف المتعلمين أو من غير المثقفين.

لا بد  أن أشير بأنه رغم كل الحذف الذي مارسته جوراً عبقرية الإعلاميين في الصفحتين, أظهر النموذج المختار عشوائياً من التعليقات والمداخلات على بيان الأبرشية تعاطف 40 من أبناء الرعية مع الكاهن المجاز مقابل 11 من الآراء المؤيدة للبيان و 9 من التعليقات المحايدة. ذلك يُشير بوضوح إلى ما يتمتع به الكاهن المجاز من محبة وإعتزاز بين أبناء كنيسته التى خدمها لأكثر من ثلاث أعوام. من لا يقتنع بإمكانه الإطلاع على ما ذكرته بنفسه.
 
ألأمل أن لا ترتعد فرائص من يفتقد إلى الثقة بالنفس ويستمر بحجب القليل من تلك الحقائق المتشعبة والمؤلمة التي تبلورها مساهمات العزيزات والأعزاء من رعية الكنيسة,  وأيضاً ما تُعبر عنه الرباعيات الشعرية, وهي غيض من فيض, والفيض غير خاف على أي من المهتمين بالشأن الكنسي الكلداني عموماً والكاثوليكي خصوصاً.
 

ماذا يحصلُ في الكنيسةِ إلى أين تمضي؟
أبرشياتٌ على روحِ البشارةِ تقضي
إلى متى السماءُ تشتكي ممن على الأرضِ؟
رعاةٌ يتحاملُ البعضُ سُخْطاً على البعضِ... متى تصحوا؟

في كلِّ عهدٍ كاهنٌ مهمشٌ أو مطرودُ
هيَ علةُ الكاهنِ أمْ مَنْ على الكرسي يسودُ؟
أينَ الغفرانُ ومنْ بوعظِ المسيحِ مَقودُ؟
وأينَ المحبةُ وما في الإنجيلِ موجودُ؟... متى تصحوا؟

لِمَ البَغضاءُ واللهُ في الكنيسةِ محبهْ؟
أيعقلُ أنْ يظلمَ مَنْ المخلصُ ربّهْ؟
لو كلُّ خاطئٍ نالَ العقابَ حبةً حبّهْ
فلِمَ البحثُ إذن عن خروفِ أضلَّ دربهْ؟...متى تصحوا؟

قرارٌ يُصاغُ بين جدرانِ المتنفذينْ
أيصدقُ المنطقُ ذلكَ رأيُ المؤمنينْ؟
كمْ مِنَ الرعيةِ حضرَ الإجتماعَ المُهينْ؟
أمْ اقتصرَ الأمرُ على رهْطٍ من النفعيينْ؟...متى تصحوا؟

كيفَ للمسؤولِ تصديقَ مَنْ قالَ وما قيلا؟
أليسَ العدلُ أنْ يتبحّرَ في القولِ تحليلا؟
فكمْ ضحيةً سقطتْ مما قالوا تضليلا
وماذا عن الذينَ لهم في القولِ تعديلا؟...متى تصحوا؟

مَنْ منكمْ بلا خطيئةٍ لْيرجمَ بالحَجَرْ
تدنيسُ عِفّةِ الكهنوتِ هيَ مَنْ لا تُغْتَفَرْ
كمْ من الرعاةِ يعبُدُ الدولارَ ويُسْتَتَرْ
عجباً لراعٍ يعشِقُ الدنيا بها يؤتَمَرْ...متى تصحوا؟

أسفاً لِمنْ نشرَ الغسيلَ على المواقعْ
وجعلَ مِنَ القاصيْ والدانيْ خطيباً بارعْ
واحدٌ يكبسُ بكفيّهِ وآخرٌ رافعْ
والجالسُ على عرشهِ لنْ يهزَّهُ رادِعْ...متى تصحوا؟

كلامُ الحقِّ يذوبُ في بحرِ المتملقينْ
كمْ مِنَ الكلدانِ خذلَ اتفاقَ المؤتمرينْ
وأنكرَ حتى الذي جمعَ شملَ القوميينْ
تباً لدعيِّ المبدأ من المتقلبينْ...متى تصحوا؟

لا تعوّلْ على الكلدانِ أنتَ المؤمنُ الطاهرْ
يخذلوكَ أوّلَ فرصةٍ بالسرِّ والظاهرْ
خَبِرْتُهُمْ أنا والعديدُ من أهلِ الضمائرْ
ديدنُهمْ الأنا ونيلُ اعتلاء المنابرْ...متى تصحوا؟

كفى الكلدانُ تزلّفاً بالحقِّ وبالباطلْ
أحقاً هنالكَ من بالفعلِ والقولِ كاملْ؟
أنعبدُ الربَّ أمْ مَنْ اليومَ أو غداً زائلْ؟
أسفي للمقاييسِ غدتْ صيداً للمهازلْ...متى تصحوا؟

إزدواجية المعيارِ سِمةُ هذا الزمنْ
راعٍ يُلامُ على وعظٍ وآخرُ يؤتَمَنْ
كلاهما قد يزوغُ عن اللاهوتِ والسُنَنْ
لكنَّ غضَّ الطرْفِ ممن في التزلّفِ افتتنْ...متى تصحوا؟

لِمَ لا يُسألُ مَنْ أنكرَ ملكوتَ السماءْ؟
لِمَ لا يُعابُ مَنْ ظنَّ بعضَ النصوصِ هُراءْ؟
لِمَ لا يُعْذَلُ مَنْ شكّكَ بسفرِ الأنبياء؟
لِمَ السكوتُ عنِ الزَللِ, لِمَ هذا الرِياءْ؟...متى تصحوا؟

كمْ كاهناً لمْ يشْتَطْ يوماً عن الطريقِ القويمْ؟
أليست التجاربُ مَنْ تجعلُ المرءَ حكيمْ؟
ما معنى لا تدينوا كي لا تُدانوا مِنَ العليمْ؟
كلّ الذنوبِ قدْ تُغتَفَرْ إلا مِنْ راعٍ أثيمْ...متى تصحوا؟

... يتبع

16
سلوك أقل ما يقال عنه مقرف/إسلوب تبليغ غبطة البطريرك مثالاً
د. صباح قيّا
تعود بي الذكريات إلى ثمانينات القرن الماضي وأنا أتابع السطور الصادرة من أحد مراكز الشرطة في العاصمة بغداد تستدعي فيها غبطة البطريرك لويس ساكو الكلي الطوبى للحضور بغية التحقيق معه فيما نًسب إلى غبطته من اتهام أطلقت عليه تلك السطور بجريمة الإحتيال. تعود بي الذكرى إلى عام 1988 حيث دخل عليّ في عيادتي الخاصة في بغداد بعد أن انتهيت من معاينة المرضى جميعاً شخص بلباس مدني عرّف نفسه مفوضاً في أحد مراكز الشرطة القريبة من عيادتي. أخبرني أن هنالك شكاية قدمها أحد المواطنين ضدي وتتطلب حضوري للتحقيق حول شكوى ذلك المواطن. ثم أضاف أن المركز علم بأنني طبيب عسكري برتبة عميد ( والتي كانت رتبتي العسكرية ذلك التاريخ)  لذلك قرر المسؤولون هناك إرسال ممثلٍ لتبليغي شخصياً وذلك لقناعتهم بأنه من العيب أن يحضر ضابط بهذه الرتبة إلى مركز الشرطة للتحقيق معه أمام كل من هب ودب. وأضاف أنه حضر إلى عيادتي بلباس مدني كي لا يثير الشكوك والتساؤولات وخاصة أنه مفوض معروف في المنطقة. سلمني بعض الأوراق التي تحوي عدد من الاسئلة القضائية وطلب مني الإجابة عليها وإعادتها إليه في اليوم التالي حيث سيحضر في عيادتي ثانية. تم إجراء اللازم من قبلي ومن قبله. ثم انتهى الموضوع بعد فترة زمنية قصيرة بسحب المواطن طوعاً لشكواه ضدي بدون أن أصل أنا إلى باب مركز الشرطة إطلاقاً.
هذا ما حصل ذلك الزمان والذي سردته باقتضاب. ليكن ذلك الزمان ما يكن. قد يكون سيئاً في مجالات معينة ولكن والحقيقة يجب أن تًقال بأنه أفضل وأفضل من هذا الزمان في تشعبات حياتية شتى.
ماذا يًستنبط مما حصل معي بالمقارنة مع ما جرى لغبطة البطريرك؟ ألجواب بكل بساطة أن الجهة الرسمية تجاوزت كل الإجراءات الأصولية إجتهاداً ذاتياً منها حال علمها بموقعي كي لا تلحق ما قد يكون مهيناً لشخص يخدم مهنياً برتبة متقدمة ضمن القوات المسلحة العراقية والتي قد تنعكس سلباً على سمعته الشخصية من جهة وسمعة المؤسسة التي يعمل فيها من جهة أخرى. مع العلم أنني في تلك الفترة لم أكن سوى طبيب عسكري معروف بين أقرانه ضمن الكادر الطبي والصحي وبين مرضاه ليس إلا.
يتبادر السؤال التالي: هل غبطة البطريرك شخصية خافية على أي من أطياف الشعب العراقي بكافة تفرعاته وانتماءاته؟ ألجواب بدون شك كلا.
وهل غبطته غير معروف عند أي من مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية؟  ألجواب أيضاً كلا.
ألسؤال الأهم: ألم يكن بإمكان المرجع القضائي أن يسلك سلوكاً يتناسب مع موقع غبطة البطريرك الروحي كبطريرك بابل على الكلدان في العالم وأيضاً ينسجم مع مكانته في الدولة العراقية باعتباره أعلى سلطة روحية لأكبر طائفة مسيحية في الوطن الجريح؟ ألجواب نعم ونعم, وخاصة أن كل شيء ممكن في بلد يتميز بكل المحرمات بدون منازع.
تساؤولات متعددة ومتشعبة وجوابها واحد يشير بوضوح بأن أقل ما يمكن قوله عن هذا السلوك أنه مقرف.
والأن بعيداً عن العواطف والتعابير الإنشائية التي لن تخدم أية قضية أود الإشارة إلى بعض ما جاء في رد وتوضيح إعلام البطريركية راجياً  إلإجابة على تساؤولاتي سواء من قبل الإعلام نفسه أو من قبل أي ضليع في الشؤون ذات العلاقة.
ورد في إعلام البطريركية بأن المشتكي أبدى رغبته باستثمار أرض تابعة للكنيسة قبل أكثر من خمس سنوات. منحته الكنيسة وكالة خاصة لمتابعة الأمر مع التسجيل العقاري, وثبت أن الارض تعود لشخص سعودي... طيب. سؤالي: أتجهل الكنيسة وقفها؟ كيف تم منح المشتكي وكالة خاصة لاستثمار أرض من غير ملكيتها؟. هذه النقطة تحتاج إلى توضيح مقنع. لا أزال أنا محتار من أمري لعدم تمكني استيعاب منح وكالة خاصة لشخص بغية استثمار أرض على أساس أنها كنسية وهي تعود لشخص آخر؟
هنالك في إعلام البطريركية اتهام لجهة سياسية معينة بالتحريض وإيصال الموضوع إلى ما وصل إليه...طيب. لماذا يتردد إعلام البطريركية من تحديد تلك الجهة السياسية؟ إن كانت مسيحية فهي أضعف من طنين الذباب, وإن كانت من الأسماك المفترسة, فكلي ثقة أن البطريركية لا تهاب لا الأسماك المفترسة ولا من يتكفل بتربيتها. إذن من الضروري تحديد الجهة السياسية المتورطة وعندها لكل حادث حديث.
جاء في إعلام البطريركية حدوث تزوير بملك للكنيسة... طيب. شكراً للقاضي الشريف, ولكن ألا تملك البطريركية إمكانية الحد من التجاوز على ملكيتها؟. إن كان ذلك يحصل للكنيسة بعظمتها, إذن ما هو حال المساكين من الرعية الذين سُلبت ممتلكاتهم جوراً وبهتانا. أرى من الأسلم أن تراجع الكنيسة ملكيتها بشمولية حيث من الممكن أن هنالك تزوير قد حصل لأملاك أخرى تفتقر إلى القاضي الشريف وعندها لن ينفع الندم.
وأخيراً لا آخراً. رجائي من إعلام البطريركية أن لا يعلن ما سيفعل, بل يفعل وليعلنها الآخرون بعد أن يفعل. ألتجارب تُعلم أن الأفعال لن تتحقق بترديد الاقوال, وإنما الأفعال من تفتح الأبواب للأقوال.
من السذاجة النظر ببساطة أو عفوية إلى الإسلوب المشين الذي سلكه مركز الشرطة تجاه غبطة البطريرك. لا بد من التعمق ودراسة الحدث من جوانب متعددة بعقلانية بعيداً عن العواطف الضبابية. مسألة تهجير المسيحيين تجري داخل الدار على قدم وساق, وربما هنالك من يشعر أنه آن أوان المسيحية لمغادرة الدار.
     
 

17
دردشة يابانية مع الحضارات الرافدينية
د. صباح قيّا
سألني زملائي من فرع الطب الباطني في كلية طب بغداد بعد عودتي من مدينة كيوتو اليابانية حيث شاركت في تقديم بحثي الموسوم  "حالة العلاج بالعقاقير في مجموعة من السكان المصابين بفرط ضغط الدم" ألذي سبق وأن تم قبوله كملصق في المؤتمر الدولي السادس والعشرون للطب الباطني الذي انعقد في مدينة كيوتو- اليابان- للفترة 26-30 مايس 2002.
سألني الزملاء: كيف وجدت اليابان؟. أجبتهم: وجدت الله هنالك... وجدت الإيمان وما ذكرته الأديان السماوية من فضائل وخصال إنسانية عند اليابانيين. أضفت: إنهم لا يؤمنون بالرب السماوي الذي نؤمن نحن به,  ولكنهم أشد التزاماً وتطبيقاً لتعاليمه من أي واحدٍ هنا.
بدت الدهشة على أوجه زملائي التي سرعان ما انقشعت بعد أن سردت لهم القليل من تجربتي مع الجنس الاصفر.
صعدت الباص مع من صعد من المسافرين بعد مغادرتي باحة مطار كيوتو الدولي لينزلني مع الجميع إلى وسط المدينة والساعة تجاوزت منتصف الليل. عثرت, لحس الحظ, على من يتكلم الإنكليزية بين المجموعة, وكانت فتاة من أصول كورية. رجوتها ان تستأجر لي تاكسي لإيصالي إلى الفندق الذي سبق وأن حجزت للمكوث فيه علماً بأني حاولت مع أكثر من سائق بدون جدوى لعدم فهم السواق اللغة الإنكليزية. أوقفت الفتاة إحدى سيارات الاجرة وبعد أن تكلمت مع السائق أخبرتني انه يرفض إيصالي. سألتها لماذا؟ قالت: أخبرها السائق بأن الفندق قريب وأستطيع ان أصل إليه مشياً على الاقدام بمجرد عبور أنفاق القطارات... بصراحة, ساورني القلق وخاصة بعد أن تذكرت الجرائم التي كانت تحصل في اليابان خلال مشاهدتي أفلام جيمس بوند, فتساءلت مع نفسي كيف لي أن أعبر الأنفاق شبه المظلمة وحيداً وأنا غريب لا أفقه اللغة ولا أعرف المكان ومن فيه من البشر وماذا سيحصل لي في تلك الليلة الحالكة؟... ثم اضافت الفتاة بان عداد التاكسي يستوفي عشرة دولارات قبل الحركة والسائق لا يرضى بأن يقبض مثل هذا المبلغ لإيصالك خلال دقيقتين أو ثلاث إلى مكان من الممكن أن تصل إليه مشياً ولا يكلف ثمناً.  قلت للفتاة: أخبريه بأنني راضٍ عن ذلك. جاءني الجواب: حتى لو أنا راض فهو يصر على الرفض كونه يعتير ذلك عملاً غير عادل... وبين ذهولي وصمتي بدأ أحد الشباب الواقفين في موقف الباص بتبادل الحديث مع الفتاة. بعدها توجهت الفتاة لي بابتسامة مشرقة لتخبرني أن ذلك الشاب يعمل بالفندق المجاور لفندقي وهو مستعد للسير معي عبر الانفاق إلى الفندق. شكرتها على حسن صنيعها. ثم مضيت مع الشاب الذي حمل حقيبني الكبيرة لنعبر الأنفاق صعوداً ونزولاً إلى أن وصلنا الفندق بعد حوالي عشر دقائق. عندها نطق لأول مرة باليابانية التي لم افهم منها ولا كلمة إطلاقاً, وأشار إلى الفندق المجاور لفندقي فاستنتجت أنه يعمل فيه. أخرجت من جيبي عدداً من أوراق الين الياباني, ولكنه رفض بشدة حسب فهمي لتعابير وجهه وإشاراته لا لكلماته... إستعرضت هذا المشهد وقارنته بما حصل لي في الهند, وأيضاً بما حصل لي في مصر, حيث سأعرج على الحدثين عند سردي "دردشة هندية" و "دردشة مصرية" إن سمح الظرف.
توجهت في المساء إلى موقع انعقاد المؤتمر. إستقبلتني موظفة التسجيل ببشاشة. فتشتْ عن إسمي ضمن قوائم المشاركين, ثم طلبت مني تسديد ثمن الإشتراك في المؤتمر بعد ان عثرت على الإسم. أكدت لها بأن الشركة المكلفة بإيفادي قد حولت المبلغ عن طريق المصرف من عمان قي الأردن. إنهمكت في البحث والتمحيص, ثم رفعت رأسها قائلة: لم يصل المبلغ. أكدت لها دفع المبلغ من قبل الشركة وإني لا أحمل وصل المصرف لإثبات ذلك. عندها سلمتني حقيبة المؤتمر وأومأت لي بالتوجه إلى قاعة افتتاح المؤتمر. سألتها: وماذا عن مبلغ الإشتراك؟ قالت لي: أنت تمتع بوقائع المؤتمر ولا تشغل بالك, ونحن سنتابع الامر. لا أعلم ماذا حصل ولم يتطرق  أي من مسؤولي التسجيل لبدل الإشتراك طيلة فترة المؤتمر... قارنت الأسلوب الحضاري المضياف الذي تعاملت به موظفة التسجيل معي وبين نفس التجربة التي صادفتني في تونس و سأسردها عند كتابة "دردشة تونسية".
في أحد أيام المؤتمر, إقتربت مني فتاتان لا يظهر من جسميهما إلا وجهيهما. عرفت من النظر إلى بطاقة المؤتمر التعريفية المعلقة على صدر كل منهما بأنهما من جمهورية إيران الإسلامية. والظاهر بانهما انتبهتا إلى بطاقتي التي تشير إلى كوني من العراق. علمت بأنهما من سلك التمريض, وذلك ما اثار عندي بعض الشكوك حيث ان المؤتمر طبي تخصصي ولا أجد تفسيراً مقنعاً لتواجد ممرضتين في مؤتمر بهذا المستوى. ما قالته أحداهن خلال الحديث العمومي الذي دار بيننا بأن اليابانيين أناس سيئون. إستفسرت منها: لٍمً هم سيئون؟. أجابت: لأنهم يحتسون الكثير من الخمر. سألت: وهل الخمرة هي المقياس للإنسان الجيد أو السيْ؟. قالتا سوية: طبعاً. عبرت لهما عن رأيي الصريح باليابانيين من خلال مشاهداتي في المدينة وتجربتي في المؤتمر. ألظاهر أن رأيي قد أذهلهما وفعل فعله المثمر بحيث أنهما لم يقتربا مني بعد هذا اللقاء وإلى الأبد.
حزمت حقائبي وأنا أهمُّ بمغادرة الفندق والرحيل. توقفت عند أمينة الصندوق لأسدد ما بذمتي. لاحظت من خلال تدقيق قائمة الحساب أن المبلغ الذي عليّ دفعه يتضمن اليوم الأول أيضاً والذي سبق وأن تم تسديده من قبل الشركة المكلفة بإيفادي حسب تعليمات الفندق بدفع مبلغ اليوم الأول عند الحجز. شرحت لأمينة الصندوق ذلك. أخبرتني بعد التدقيق والمراجعة بأن المبلغ لم يصل. بالرغم من ذلك لاحظت أسفها بادٍ على تعابير وجهها ونبرات صوتها. إعتذرت أكثر من مرة. ثم اتصلت بالمصرف الياباني, وبعد اتصالات بين هذا الجانب وجوانب اخرى متعددة تأكد تحويل المبلغ من عمان. تكلمت معي إحدى موظفات المصرف الياباني فأخجلتني بعدد مرات اعتذارها. ثم ودعتني امينة الصندوق وكلمات الإعتذار تتكرر بلا انقطاع... أسأل نفسي: من أي كوكب جاء هذا الشعب؟. يعتذر ويعتذر وهو لا ذنب له بل لمجرد شعوره بأنه ربما قد قصّر تجاهي أو جرح مشاعري. حقاً كما كتب الناقد الساخر داود الفرحان عن اليابان: بلد صاعد بلد نازل.
بعد هذا الإستعراض الوجيز لكل مدهش غريب في بلد استفاق من اندحاره في الحرب الكونية ليصنع كل ما هو عجيب, لا بد وأن أعرج على الدقائق المخصصة لتقديم ومناقشة بحثي المشار إليه أعلاه.
حضرت اللجنة العلمية المكلفة بمناقشة وتقييم البحث. بعد أن انهيت عرض البحث والإجابة على استفساراتهم المقتضبة. بادرني أحدهم معاتباً بابتسامة لعدم إشارتي للصور الملصقة اسفل متن البحث وطلب مني  شرح مضمونها... بدأت التعريف بحضارات وادي الرافدين: ألسومرية, ألاكدية, ألبابلية, ألآشورية , والكلدانية. أخبرتهم عن أصل الكتابة, وعن مسلة حمورابي والجنائن المعلقة وعن مكتبة آشور بانيبال. كنت اشعر بالزهو والفخر كلما ألاحظ تعابير الإعجاب وشوق الإستماع على وجوه الحضور. بعد أن انهيت ما تذكرته عن مهد الحضارات علّق أحد أعضاء اللجنة قائلاً: ينبغي أن نأتي نحن لنتعلم منكم ونستمتع بهذه الآثار التاريخية في بلد الحضارات... أجبت أهلاً وسهلاً.
حينما طرقت فكري لصق ما يشير إلى حضارة وادي الرافدين حاولت أن أجد ما يدل على كل الحضارات. ربما لم افلح في العثور على ما رميت إليه كاملاً  لكن ما عرضته كان كاف لجلب الإنتباه. لم يخطر ببالي إطلاقاً أن أغفل حضارة وأبرز أخرى أو أميز بين هذي وتلك. ماكان يهمني هو إظهار تأثير بلدي العراق بتاريخه الحضاري على التقدم الإنساني والتطور البشري. لم يختلف عندي اسد بابل عن الثور المجنح, ولن تفرق عندي إن كان الحديث عن أور أو أكد أو بابل أو آشور. جميعها من تربة بلدي العراق, وأهلها هم شعب العراق... هذا ما كان في العام 2002, فإن تغيّر ذلك المفهوم في العام 2003 وبعده إلا أنه لم ولن يغير من وجهة نظري بأن الإنسان ليكن أصله ونسبه ما يكن لكن المهم أن يظل متمسكاً بفضائل الإنسان.
ألإعتزاز ظاهرة صحية وضرورية للتمسك بما جُبل عليه المرء, أما التعصب أو التطرف فإنه مظهر مرضي بامتياز.
وكما قال الشاعر:
كُن اِبنَ مَن شِئتَ واِكتَسِب أَدَباً       يُغنيكَ مَحمُودُهُ عَنِ النَسَبِ
فَلَيسَ يُغني الحَسيبُ نِسبَتَهُ          بِلا لِسانٍ لَهُ وَلا أَدَبِ
إِنَّ الفَتى مَن يُقولُ ها أَنا ذا        لَيسَ الفَتى مَن يُقولُ كانَ أَبي



 
 
 


18
رحلة قداسة البابا إلى موطن النبي إبراهيم نزهة عابرة أم ضرورة دائمة؟
د. صباح قيّا
سويعات ويطلُ قداسة البابا فرانسس الاول على بلد الرافدين حيث خرج النبي ابراهيم, بأمر الرب, قبل أكثر من 4000 سنة  من أور الكلدان مرتحلاً إلى أرض كنعان.
لقد نشر الكثيرون منذ الإعلان عن الزيارة ولحد اليوم بين متحفظ من البعض ومتحمس من البعض الآخر, وكل له مبرراته لموقفه المتحفظ او المتحمس. ومن دون شك أن من هذين الموقفين المتباينين, تبرز تساؤلات متعددة تتطلب رؤية متجردة بعدسة منفرجة بغية الإجابة عليها باعتدال.
ألملاحظ من خلال إستعراض التاريخ البابوي بأن حركة الكرسي البابوي كانت محدودة إلى حد ما بحيث أن المجامع الكنسية الأولى ( المسكونية وغيرها)  لم تشهد, بصورة عامة, حضوراً بابوياً شخصياً وإنما حضور من يمثله بدلاً عنه. واستمر الحال على هذا المنوال تقريباً إلى وقت ليس بالبعيد,  ثم تغير تغيراً جذرياً بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1962-1965) الذي دعى إليه البابا القديس الراحل يوحنا الثالث والعشرون (فترة البابوية 1958-1963), ومن بعده تم إكمال جلساته في عهد البابا الراحل بولس السادس (فترة البابوية 1963-1978) الذي شهد عهده عدة رحلات إلى مناطق مختلفة من العالم. وحصل الامر نفسه بل اكثر في عهد البابا القديس الراحل يوحنا بولس الثاني (فترة البابوية من 1978-2005), وأيضاً في زمن البابا المتقاعد بندكتوس السادس عشر (فترة البابوية 2005-2013), وأخيراً في عهد البابا الحالي فرانسس الاول (فترة البابوية 2013- ويستمر بعون الرب). يمكن القول ان ما حصل ويحصل قد يكون تحصيلاً حاصلاً لحركة الإنفتاح الكنسي التي أقرّها المجمع الفاتيكاني الثاني.
لا بد من الإشارة أن البابا القديس الراحل يوحنا بولس الثاني خطط لزيارة العراق زمن النظام السابق الذي اعتذر عن استقباله بحجة عدم إمكانية تأمين الحماية له, مع العلم انه لم تكن هنالك دعوة رسمية من قبل ذلك النظام لقداسته حول الزيارة المذكورة. وإنما كانت مبادرة من الكرسي البابوي نفسه.
إذن , من الممكن القول ان رحلة البابا الحالي إلى موطن النبي ابراهيم مسالة طبيعية جداً سواء جاءت بدعوة من مسؤول حكومي او من مرجع ديني, أو هي مجرد مبادرة بابوية.
لا بد أن أشير, حسب رأيي المتواضع, بأنه من المهم جداً ان يقوم كل بابا خلال عهده بهذه الزيارة وأيضاً بزيارة الأراضي المقدسة واقتفاء خطوات المسيح المخلص, بالإضافة إلى زيارة الأماكن التي استشهد فيها رسل المسيح, مع عدم إغفال الرحلات إلى المناطق التي كانت يوما ما مراكزاً ومدارساً للمسيحية والتي فقدتها بعد الغزو الإسلامي كالقسطنطيينة في تركيا وأنطاكية في سوريا والإسكندرية في  مصر. تلك من اولويات مشروع سفريات البابا لأنها تمثل إرثاً مسيحياً وتاريخاً مشعاً بغض النظر عن تواجد المسيحيين في تلك المناطق او خلوها منهم. ولا أرى ان تحقيق ذلك المشروع يتوقف على دعوة حكومية أو دينية بل أن يكون سياقاً منتظماً للكرسي الرسولي. ذلك جزء جوهري من التاريخ المسيحي الذي يجب أن لا يُنسى إطلاقاً.
هنالك من يتحفظ على رحلة البابا إلى الوطن الجريح بحجة الحرص على حياته في ظل أوضاع سائبة تتوزع فيها السلطات بين هذا الجانب وذاك وتقف السلطة الحكومية بين ذلك الكم من المتسلطين كأضعف سلطة.
قد لا أتفق مع هذا الجانب المتحفظ لسببين. أولهما ان الوضع المستقر ظاهرياً في هذا الزمن الغادر لا يعنى سلامة مواطنيه, أي أن حياة أي كان وبضمنهم قداسة البابا قد تكون معرضة للخطر حتى في الدول الآمنة كلياً أو جزئياً, وما محاولة الإعتداء على قداسة البابا الراحل بولس السادس ومحاولة اغتيال البابا القديس الراحل يوحنا بولس الثاني إلا دليل واقعي على ما تم ذكره. أما السبب الثاني فيكمن في كون المعروف عن الرسالة المسيحية عبر التاريخ الغابر والحاضر بأنها مشروع إستشهاد, والذي أشار إليه بوضوح اللاهوتي "ترتوليان" في القرن الثاني أو الثالث الميلادي عبر مقولته الخالدة "شهداء المسيحية بذور الكنيسة". كما أنه لا يمكن إغفال التاريخ الكنسي الحافل بآبائه الأوائل وقديسيه وكافة مؤمنيه الذين ركبوا الأهوال والمخاطر من أجل البشارة ونشر الكلمة. فهل من المعقول أن يتردد البابا الحالي عن إتمام هذه الرحلة المهمة بسبب الاوضاع الأمنية المقلقة والتي حتماُ ستحاول السلطة الحالية, على الأقل لتبييض وجهها, باتخاذ أقصى ما يمكن من الإجراءات لتأمين حماية قداسته؟. ألجواب كلا للتردد.
أما عن زيارة قداسته للمرجع الشيعي "ألسيستاني". نعم أنها ضرورية ولا بد منها, على الأقل من ناحية أصولية كون السيد السيستاني يمثل أعلى مرجع للمذهب الشيعي في العالم وتفرض اللياقة والفضائل المسيحية أن يؤدي قداسته المراسيم الأصولية. الأمل ان لا ينسى المعنيون من الإكليروس الكلداني المرافق للبابا من إيصال المعلومة إلى قداسته كي يذكرها امام السيستاني في كلمته بأن  للمسيحيين دَيْن ازلي على الشيعة, ألا وهو الثمن الذي دفعه الراهب المسيحي لشراء رأس الإمام الحسين وغسله وتنظيفه. هذه نقطة جداً مهمة تثير مشاعر الشيعة عموماً. وايضاً أن يشدد المرافقون لقداسته على عدم تكرار ما فعله البابا القديس الراحل يوحنا بولس الثاني عند تقبيله كتاباً يقدسه غير المسيحيين. لا أظن أن أي من ابناء الشعب المسيحي تسره رؤية مثل ذلك المشهد الشاذ. وحسب رايي المتواضع أن الزيارة ستكون بروتوكولية أكثر من أي شيء آخر, وإن غيرت من واقع الحال فسيكون التغيير هامشياً ومرحلياً.
قد يذهب البعض بعيداً في بناء آمال نرجسية على زيارة قداسته. من دون شك ستطغي الإبتسامات والمجاملات على الأجواء إلا أن ذلك لن يغير من ألم المسيحيين خصوصاً ومعاناة الشعب العراقي عموماً. ألخلاص من الآلام والمعاناة لا يتم إلا بعد الخلاص من النظام الطائفي والمذهبي المعتمد على المحاصصة الضيقة, ومن ثم إحلال النظام العلماني الذي يمنح الحقوق لكافة أطياف الشعب العراقي ويؤمن العدالة للجميع. فهل يتمكن قداسته أن يُلمح بذلك حتى بصورة غير مباشرة؟.
هنالك من يشير عن استفادة هذا الجانب اوذاك من زيارة قداسته إلى أرض الرافدين. مهما كانت الإستفادة المزعومة على المستوى الحكومي أو الديني فلن تكن سوى استفادة مرحلية ظرفية.   
برأيي المتواضع أن ألتاريخ وحده هو المستفيد الأزلي من رحلة البابا إلى أرض النبي ابراهيم في أور الكلدان. نعم سيسجل التاريخ هذه الزيارة الميمونة باحرف مسيحية مضيئة. إنها دعم للإرث المسيحي الذي نهضت به الشعوب الأصيلة في هذه الارض المعطاءة التي غرست بذور الحضارة الأولى فمنحت الإنسانية القلم والقانون, ثم اعتنقت رسالة الحياة الابدية عبر إيمانها بالمسيح الرب. نعم, ألتاريخ المسيحي في بلد الحضارات هو الذي سيكلل بتاج الفائدة من رحلة قداسة البابا فرانسس الاول, والأمل ان ينحو اسلاف قداسته نفس المنحى وتستمر الرحلات عبر الآتي من الزمان.

19
وصلني هذا المقال فوجدت فيه مادة تستحق المطالعة والتأمل
د.صباح قيّا
ظاهرة مناهضة اللقاحات بين الماضي والحاضر... د. شفيق يازجي                       
                     
ترافق انتشار وباء كورونا (كوفيد 19)
وما تبعه من تصنيع لقاحات لهذ المرض الذي اجتاح العالم بأسره، بحملة موازية مشككة بحيثياته، ومناهضة لأخذ اللقاحات المضادة له على امتداد طول الأرض وعرضها.
فهل ظاهرة مناهضة اللقاحات حديثة العهد في تاريخ البشرية؟
أم هي خاصة بلقاح (كوفيد 19)؟
وهل هي ظاهرة تاريخية تشترك بها كافة اللقاحات الأخرى؟
 وماهي الدوافع لظاهرة مناهضة اللقاحات على مستوى العالم؟
وهل يمكن أن نستنتج من تاريخية هذه الظاهرة قناعاتنا المستقبلية بشأن قبول اللقاح أو رفضه؟.
الحقيقة أن ظاهرة مناهضة اللقاحات تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، عندما اجتاح أوروبا وأمريكا وباء الجدري، وقتل مئات الآلاف من سكان هاتين القارتين، وترك أعداداً كبيرة من المصابين بتشوهات دائمة ومنها العمى.
بدأت القصة حوالي عام (1798) عندما نجح "ادوارد جينر" في استخلاص جرعة خفيفة من بثور المصابين بالجدري، وحقنها للأشخاص السليمين للوقاية من مرض الجدري.  تلك الفرضية التي قامت على ملاحظة "جينر" أن حلابات الأبقار -المصابة بالجدري البقري- لايصبن بالجدري البشري، أو تقتصر اصابتهن على بثور سطحية خفيفة، لا تتجاوز أماكن التماس كاليدين، ولا تلبث أن تشفى سريعاً، وعندما لمس "جينر" نجاحاً في تجاربه الأولى، انتقل في عام (1801) إلى تعميم اللقاح على الشعب البريطاني، ولكن فكرة التطعيم تلك اصطدمت بمعارضة شعبية واسعة جداً، وذلك لأسباب متعددة:
منها دينية، فرأى بعض المتدينين أن اللقاح لا يتناسب مع العقيدة المسيحية.
ومنها صحية، فقد رأى دعاة الأسباب الصحية أن اللقاح خطر، وغير مضمون النتائج، وأن الاهتمام بالصحة العامة كافٍ لدرء الوباء.
يضاف إليها العوامل السياسية، فقد رأى أنصارها نتيجة اهتزاز الثقة بالطبقة الحاكمة، والأطباء غير المؤهلين، أن اللقاح قد يكون مؤامرة على صحتهم وصحة أبنائهم.
وذهب بعضهم أبعد من ذلك فاعتبروا أن اللقاحات تهدف إلى إبادة الجنس البشري بأكمله. وهنالك الأسباب الاقتصادية، فقد ربط بعضهم بين اللقاحات والربح المادي للشركات والدول المنتجة لها.
 إلا أن الاحصائيات أثبتت أن تكلفة المرض أكبر بكثير، وأن كل دولار ينفق على التطعيمات يتسبب في توفير (16) دولاراً يمكن أن ينفق في الرعاية الصحية بسبب المرض، وفي تراجع الإنتاجية أو الوفاة.
قامت مظاهرات واحتجاجات شديدة مناوئة لللتطعيم في بريطانيا، وصل بعضها لدرجة العنف، مما جعل الحكومة البريطانية تتمهل، وتتدرج في سن قوانين التلقيح، بين الاختيار والاجبار، وبين التشجيع والعقوبات على من يرفض التلقيح، مع تقديمه مجاناً.
إستغرق قبول الناس لهذا اللقاح العديد من العقود، ومع تشريع اللقاح وانتشاره العالمي،  تراجع الجدري, وسجلت منظمة الصحة العالمية آخر حالة اصابة في الجدري، وكانت في الصومال عام (1977)، وأعلنت عام (1980) عن انقراض وباء الجدري في العالم.

أما بالنسبة لمرض "الحصبة"، فقد تسبب في وفاة  (111 ألف شخص) كما ورد في تقرير (WHO) منظمة الصحة العالمية, أغلبهم من الأطفال حول العالم عام (2018)، وعزت المنظمة العالمية ذلك إلى الأخبار الكاذبة والخرافات المرتبطة بالتطعيمات، وإلى ضعف الأنظمة الصحية.
أهم هذه الخرافات التي انتشرت حول لقاح الحصبة، أنه يسبب التوحد لدى الأطفال، وأن الجهاز المناعي للطفل لا يتحمل تعدد الطعوم. وكان طُعم الحصبة قد بدأ بالتطبيق عام (1963) في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد شهدت الاحصائيات تراجعاً كبيراً لهذا المرض بعد ذلك التاريخ  في كل دول العالم التي طبقت اللقاح. وأكدت المنظمة أن التراجع في التطعيم قد يتسبب في عودة فوعة المرض وانتشاره، وهذا ما حدث في العالم عام (2018).

 هذا ينطبق على لقاح الحصبة الألمانية والنكاف وعلى الكزاز والسعال الديكي والديفتيريا. ومن الاعتقادات الخاطئة المناهضة للقاح شلل الأطفال الوبائي التي انتشرت بكثرة في نيجيريا وباكستان وأفغانستان،( لاحظ الثلاث دول متخلفة وإسلامية) وأدت إلى التراجع في قبول لقاح هذا الوباء، هو أن الغرب يريد من خلال هذا اللقاح تعقيم الفتيات في هذه البلدان، ومنع تكاثرهن، ونشر وباء الإيدز هناك، وهو بالتالي مؤامرة غربية على تلك الشعوب.
ومن أنصار الحركة المناهضة لإعطاء اللقاحات بعض الأطباء الذين يعتمدون دراسات لبعض المراجع أو المراكز البحثية، والتي لم ترقَ إلى الإجماع العالمي الذي تتطلبه اعترافات (Approvals) كما إن بعض الأطباء يميلون إلى ترجيح العامل الصحي كالتغذية والوقاية والنظافة وتحسين شروط العمل والسكن على التلقيح في مقاومة الأوبئة. إلا أن الاحصائيات تؤكد أهمية العاملين الصحي والتلقيح معاً في مقاومة الأوبئة والقضاء عليها. وهنالك مناهضون لإلزامية اللقاحات، ويرون في الإلزام خرقاً فاضحاً لمفهوم الحرية الشخصية. لكن  منظمة الصحة العالمية وأنصار الإلزام في اللقاحات يرون: أن الفرد قد يكون ناقلاً للوباء دون أن يدري، وبالتالي فإن اللقاح هو ضمان للفرد والمجتمع من انتشار الأوبئة، فإلزامية اللقاح تحمي الجميع، كما يحمي قانون السير الجميع دون أن يتعارض مع الحرية الشخصية.
وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في تزايد شعبية حركة مناهضة اللقاحات، وأضحت هي المنصة الأساسية لمزاعم هذه الحركات، فعلى الرغم من أن أعداد الناشطين من مناهضي اللقاحات قليلة جداً في العالم، إلا أن تلك المواقع تجعلهم يبدون وكأنهم أغلبية ساحقة، فهم يستغلون طبع الإنسان وخوفه من المجهول ومن المغامرة، وتنشر وسائل التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات عاطفية لأطفال مرضى، وأرقاماً مضخمة عن عدد الوفيات وعن عقابيل اللقاحات، أكثر بكثير مما ينشر الحياديون أوالإيجابيون حول اللقاح.
وقد وصفت منظمة الصحة الدولية التطعيم بأنه واحد من أرقى الإنجازات للصحة العامة التي عرفتها البشرية في القرن العشرين، وأن التردد في قبول اللقاحات هو من بين أكثر الأخطار التي تواجه الصحة العالمية، على الرغم من أنه لا يوجد تطعيم فعال بنسبة مائة في المائة، لكن التطعيمات الدورية أثبتت فاعليتها بنسبة (85-95%) لدى من يتلقونها.
 من كل هذا نستنتج أن ظاهرة مناهضة اللقاحات هي ظاهرة قديمة، رافقت جميع اللقاحات التي عرفها الإنسان، ولا تقتصر على ما نراه ونسمعه في الوقت الحاضر حول لقاح (كوفيد 19)، وأن أسباب رفض اللقاحات السابقة تكاد تكون نفسها الحالية التي بموجبها يتم رفض لقاح (كوفيد 19)، فهل يمكن أن نستفيد من تجارب الماضي من أجل قبول اللقاح الجديد؟ سؤال يرسم المستقبل...
أكرر آسفي لطول المقال
ابعد الله عنكم شر هذا الوباء



20
قراءة في كتاب الدكتور نزار ملاخا: الكلدان في المجتمع العراقي- دراسة تاريخية-
د.صباح قيّا
 
أصدر الأخ الدكتور نزار ملاخا عام 2019 ألطبعة الاولى من كتابه الموسوم " ألكلدان في المجتمع العراقي - دراسة تاريخية -" ألمستمد من أصل أطروحته لنيل شهادة  الدكتوراه بعنوان " أسباب تهميش الكلدان في العراق في العصر الحديث والمعاصر" والتي حاز فيها على درجة  إمتياز.
تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن الكلدان كقومية رئيسية في حضارة وادي الرافدين القديمة تعرضوا للتهميش في التاريخ الحديث والمعاصر لأسباب متشعبة منها الدينية ,السياسية ,الذاتية, الإجتماعية, وغيرها.
تضمن البحث أربعة فصول تناولت الأحداث التاريخية التي مرّت على الكلدان في عصرين:
ألعصر الحديث: 1492م – 1789م   
ألعصر المعاصر:1789م- الآن

ألفصل الأول: ألكلدان في تاريخ  العراق القديم والحديث والمعاصر
ألمبحث الاول: ألكلدان في التاريخ القديم
يتناول باختصار  الكلدان عبر التاريخ, أصولهم, ممالكهم وملوكهم, ألتسميات التي حملها الكلدان, أماكن تواجدهم, ألعلوم التي مارسها الكلدان وما علاقة أهوار العراق بهم.
يناقش الباحث بالإعتماد على مصادر متعددة أصل التسمية الكلدانية وأصل الكلدان وماذا تضم الأمة الكلدانية من شعوب بالإضافة إلى ابداعاتهم في مجالات شتى إنعكست آثارها لوقتنا الحاضر. 
يستنتج الباحث أن الكلدان هم من أسلاف سكان ما بين الرافدين القدامى.
لغتهم هي الكلدانية التي هي آرامية بلاد الرافدين.
ألإمبراطورية الكلدانية 612-538 ق م هي آخر واعظم دولة لسكان الرافدين وتعتبر آخر حكم وطني حكم البلاد قبل الميلاد.
 ألمبحث الثاني: ألكلدان في التاريخ الحديث والمعاصر
يتطرق إلى  سكن الكلدان والاقوام الاخرى في بلاد ما بين النهرين قديماً, وإلى نشاط الكلدان وامتداد امبراطوريتهم العظيمة, وإلى تواجدهم الحالي, مع إحصاء بسيط عن القصبات والقرى والنواحي الكلدانية, بالإضافة إلى ذكر عدد من رجال الدين الكلدان ومسؤولياتهم في مناطق متعددة من بلاد ما بين النهرين. كما أبرز الباحث باقتضاب ما لحق الكلدان من اضطهاد وتشريد في تلك الحقبة.

ألفصل الثاني: تراجع الدور السياسي والإجتماعي للكلدان في العراق
ألمبحث الأول: ألتهميش
أبدع الباحث في عرضه الشيق للأسباب التي ساهمت بشكل أو بآخر في تعميق واتساع ظاهرة التهميش وما تركته من آثار آنية ولاحقة على الكلدان خصوصاً والأقليات المسيحية الاخرى عموماً. فقد تطرق ببراعة إلى تأثير العامل الديني وما صاحبه من تشريع وفتاوي, وتم ذكر الدين الإسلامي كمسبب لللتهميش, وايضاً تصرفات رجال الدين المسيحيين أنفسهم, بالإضافة إلى دور السلطات الحكومية المتعاقبة في تعزيز تلك الظاهرة. كل ذلك أدى إلى ضمور الوعي القومي للكلدان وتغيبه.
ألمبحث الثاني: ألسيطرة العثمانية
أوضح الباحث كيفية سيطرة الدولة العثمانية على العراق ودورها الكبير في تهميش الكلدان, وأيضاً ما حللته انطلاقاً من اعتبار العثمانيين وكلاء الإسلام والمسلمين على الارض.
ألمبحث الثالث: ألمجازر العثمانية المرتكبة بحق الكلدان (إبادة شعب)
تطرق الباحث إلى المجازر العثمانية بحق الكلدان مما أدى إلى تقليص وجودهم القومي في مناطق متعددة من الدولة العثمانية بحجة أنهم ذميّون, بحيث أن جميع مناطق تركيا اليوم يسكنها شعب لا يمت للكلدان بصلة.

ألفصل الثالث: ألأسباب الحقيقية وراء انكماش الكلدان
ألمبحث ألأول: ظهور الأحزاب القومية ودورها السلبي تجاه الاقليات
يتطرق الباحث إلى التحولات السياسية في العراق من نظام حكم ملكي إلى نظام حكم جمهوري ومقارنة أي النظامين أنصف الكلدان ولو جزئياً.
ألمبحث الثاني: ظهور أحزاب الإسلام السياسي ومعاداتها للأديان الاخرى
ناقش الباحث فترة ظهور الاحزاب القومية ومدى تأثيرها على الساحة القومية الكلدانية, وهل ساهمت الاحزاب القومية في تهميش الكلدان؟ أم أن هناك من الكلدان من انضم إلى تلك الاحزاب؟ وهل قام الكلدان بتأسيس أحزاب قومية خاصة بهم أم انخرطوا مع احزاب اخرى متناسين إسمهم القومي؟ ولماذا تأخر الكلدان في تكوين أحزاب سياسية أو منظمات سياسية خاصة بهم؟

ألفصل الرابع: ألدور الإيجابي للكلدان في المجتمع العراقي
ألمبحث الاول: دور الكلدان في نشر الوعي الثقافي
أبرز الباحث مساهمة الكلدان الجادة والفاعلة في نشر الوعي القومي من خلال عدة مجالات وفي مسارات مختلفة مثل إصدار الصحف والمجلات وطبع الكتب , إقامة المهرجات القومية الكلدانية, دور المسرح الكلداني والاغنية الكلدانية, وأيضاً دور الرحالة الكلدان, بالإضافة إلى الدور الريادي الكبير للأديرة والكنائس.
ألمبحث الثاني: دور الجمعيات الكلدانية في الحياة الإجتماعية في العراق, ألإنفتاح على العالم الخارجي( ألهجرة ومسبباتها).
ذكر الباحث ألمنظمات الكلدانية خاصة في بلدان المهجر التي هاجر الكلدان إليها طوعاً أو اضطراراً.

بعض ما استنتجه الباحث من دراسته المستفيضة عن الكلدان بأنهم هم أصل السكان للعراق القديم, وأن الدساتير السياسية لجميع الحكومات المتعاقبة في العراق لم تنصفهم, لذلك بقي الكلدان مهمشين وخسر العراق أعداداً هائلة من هذا المكون الذي يحوي الكثير من المؤهلات والتخصصات في مجالات الحياة المختلفة بسبب هجرتهم إلى بلدان الشتات خلال العقود السابقة والتي سوف تستمر عبر العقود اللاحقة.

ملاحظاتي الشخصية:
رغم أن الإضطهاد بأنواعه طال المسيحيين بكافة أطيافهم خلال الزمن الغابر والحاضر إلا ان الباحث ركز بالأساس على ما حصل للكلدان خصوصاً باعتبار أن الدراسة تستهدف تاريخ الكلدان بالذات.
أفلح الباحث في طرح الاحداث الماساوية والمجازر الرهيبة التي استهدفت الكلدان خصوصاً والمسيحيين عموماً بإسلوب واضح وصريح, تؤطره الجرأة والشجاعة, والذي غالباً ما يحاول المرء تلافيه عند مناقشة مثل هذه المواضيع الحساسة.
أورد الباحث معلومات مستفيضة عن واقع الكلدان ماضياً وحاضراً والتي من الممكن أن تشكل مصدراً للدراسات المستقبلية بالإضافة إلى أهميتها لعشاق الثقافة المعرفية.
هنالك عدد قليل جداً من الهفوات النحوية. من الممكن تجاوزها في الطبعة الثانية من الكتاب عند مراجعته من قبل مصحح لغوي أو من المعارف الضليعين باللغة العربية كالفنان والباحث عامر فتوحي مصمم غلاف الكتاب نفسه, وأيضاً الأستاذ الشماس مايكل سيبي.
كل نتاج مهما كان نوعه لا يتحقق إلا بالمثابرة والجهد, وذلك يتضح جلياً من خلال حجم المعلومات الواردة في مجموع صفحات الكتاب التي تصل إلى 324 صفحة والكمّ الهائل من المراجع المعتمدة.
لا يسعني إلا أن أهنئ الأخ الدكتور نزار ملاخا على مساهمته المتميزة في خدمة الثقافة الكلدانية خصوصاً والمعرفية عموماً, وإلى المزيد.

 







         



21
تصريحات قداسة البابا حول المثلية الجنسية في ميزان الحقيقة
د.صباح قيّا
توطئة
كثرت الأقاويل وتشعبت الإتهامات والتبريرات حول ما نُسب إلى قداسة البابا فرانسس بخصوص المثليين الجنسيين. هنالك, للأسف الشديد, من تجاوز الحدود ليطعن جزافاً بشخص قداسته وأهليته للكرسي الرسولي الذي يتبعه أكثر من مليار من سكان العالم الذي يقترب تعداده نحو الثمان مليارات. وقد ذهب البعض أكثر من ذلك في إفراز سموم ضغينته على الكثلكة خصوصاً والمسيحية عموماً ليشكك بعصمة البابا وبنقاوة الكرسي الرسولي عبر التاريخ الكنسي, وفات هذا البعض أن الكنيسة الكاثوليكية كانت دوماً هي السباقة في كشف هفواتها وما اقترفته حفنة ضئيلة من قيادتها العليا والدنيا من شرور بحق البشرية والإنسانية, بالرغم من الكمّ الهائل من آبائها الأوّلين ولاهوتييها وفلاسفتها العظام ممن ساهم, على مر التاريخ الغابر والحاضر,  برفد الكرة الارضية  بمبادئ العدالة والمحبة وقوانين الحياة السوية , وما تمارسه الكنيسة اليوم وتقدمه لمخلوقات الكون من خدمات جليلة ونافعة على كل الأصعدة.
لا بدّ من التذكير أنه لولا الكرسي الرسولي في رقعة الفاتيكان لأصبحت المسيحية في الغرب وربما في عموم العالم في خبر كان,  وخاصة بعد أن فتح جهابذة العقيدة أبواب الشرق للغزاة من جهة, وسقوط المعقل الحصين بسبب التعنت الصبياني لقيادته الروحية من جهة أخرى.
ما يحصل حالياً من اختراق للمجتمعات الغربية نتيجة الهجرة العشوائية, ومن خروقات لقوانين الطبيعة الإنسانية المستقيمة بسبب التشبث بالحرية اللامحدودة, ليس إلا تحصيل حاصل لانحسار الإيمان المسيحي في تلك المجتمعات إضافة إلى ابتعادها عن الجذور التاريخية والدينية التي أرست ركائز الحضارة خلال الأزمنة المتلاحقة بعد بزوغ فجر البشارة. ألأمل أن ما يحصل حالياً ليس إلا كبوة مرحلية سيخمد أفُلها بعد حين؟
نبذة مقتضبة عن المثلية الجنسية Homosexuality تاريخياً
تذكر المصادر المتوفرة عبر الشبكة العنكبوتية بأن الشذوذ الجنسي كان معروفاً عند الإنسان منذ القدم سواء في عهد الفراعنة أو أبان عصر الإغريق أوالرومان. لقد كان للفيسوف اليوناني "إفلاطون" رأياً يتصف بالليونة في بادئ الأمر, وإعتبر ممارسته سلوكاً غير مقبول بعدئذ. أما الكتاب المقدس ففيه من الآيات الصريحة التي تؤكد اعتبار ممارسة الشذوذ الجنسي خطيئة وتدنيس لوصايا الخالق. من هذه الآيات: لاويين 18:22 و 20:13, رومة 1: 24-27, كورنثوس 6:9-10, تيموثاوس الاولى 8:1-10.  كما ان هنالك العديد من الآيات التي تؤكد على أن الزواج هو بين رجل وإمرأة, منها: تكوين 27:1-28, متى 4:19-6, أفسس 28:5-31.


ألإتجاه الجنسيSexual Orientation
يتبادر الآن السؤال التالي: لماذا يسلك البعض سلوكاً شاذاً؟
 ليست هنالك إجابة بسيطة على هذا السؤال. يعتقد الإختصاصيون في هذا المجال بأن هنالك عدة عوامل تشترك في تحديد الإتجاه الجنسي عند المرء, منها البايولوجية ( ألأحيائية), ألسايكولوجية ( ألنفسية), وعوامل المحيط. ويسود الإعتقاد أيضاً بأن للجينات أو الهورمونات تأثير في تحديد ذلك الإتجاه. وأيضاً يتفق معظم العلماء بأن الإتجاه الجنسي عموماً ليس بالشيء الذي يختاره الإنسان بمحض إرادته, وإنما هو جزء طبيعي من تكوينه.
وقد يسأل من يسأل عن المقصود بالتوجه الجنسي؟
 هو مصطلح يُستخدم لوصف نمط الإنجذاب أو الميل  العاطفي أو الرومانسي أو الجنسي. قد يتضمن الميل إلى نفس الجنس Homosexual, أو إلى جنس مغاير Heterosexual, أو إزدواجي الميول الجنسية Bisexual أي إلى الجنسين معاً, أو إلى جميع الأجناس Pansexual, أو يفتقد الميل الجنسي قطعاً Asexual. ويختلف الميل الاخير عن الإمتناع عن الجنس Sexual Abstinance أو العفة Celibacy.
هنالك حقيقة علمية ربما يستغرب منها العديد من القراء الكرام, وهي أن في فترة المراهقة قد يتولد هنالك ميلٌ إلى نفس الجنس أو إلى الجنس الآخر. وأيضاً قد يدخل المرء في تجربة جنسية مع أحد الجنسين أو كليهما, إلا أن ذلك لا يعني كونه مستقيماً أو شاذاً. يتغير الإتجاه الجنسي مع الوقت, فقد ينجذب المرء إلى الجنس الآخر حينا, ثم بعد حين ينجذب إلى نفس الجنسً الذي من الممكن أن يتنامى عند البعض ويترسخ أكثر فيغدو مثلياً جنسياً.
ألموقف الكنسي عموماً
يصف القديس توما الإكويني 1225-1274 م  المثلية الجنسية بأنها أبشع الخطايا الجنسية, ويصنف الأفعال الجنسية المثلية كأعظم خطيئة بين أنواع الشهوة الاخرى لأنها تتعارض مع النظام الطبيعي للأشياء كما أمر بها الله.
أما التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية, فيسمي "الأفعال الجنسية المثلية" على أنها "غير أخلاقية في جوهرها وتتعارض مع القانون الطبيعي", وينص أيضاً على أن "الأشخاص المثليين مدعوون إلى العفة". ومع ذلك ، فإن العقيدة تحدد أيضًا أنه "يجب قبول هؤلاء الأشخاص باحترام وحساسية وينبغي تجنب كل علامة تدل على التمييز الظالم فيما يتعلق بهم.
 بالرغم أن الكنيسة الكاثوليكية لا تعتبر "التوجه الجنسي المثلي" خاطئًا في حد ذاته ، إلا أن لديها موقفًا سلبيًا جدًا تجاهه. تنص رسالة عام 1986 على ما يلي: "على الرغم من أن ميل الشخص المثلي الخاص ليس خطيئة، إلا أنه اتجاه قوي إلى حد ما تجاه شر أخلاقي جوهري؛ وبالتالي يجب أن يُنظر إلى الميل نفسه على أنه اضطراب.
في عام 2003، كتب الكاردينال راتزينغر (ألبابا بندكتوس السادس عشر) وثيقة عن الاتحادات المدنية للمثليين جنسياً والتي أكدت بقوة أنه لا ينبغي الترويج لها في حالة عدم وجود تشريع في مكانٍ ما سواء خاص بها أو خاص بزواج المثليين.
يبقى تعليم الكنيسة واضحًا أن النوع الوحيد من الزواج والأسرة الشرعي هو الأحادي بين جنسين مختلفين والذي يعتمد في الواقع على القانون الطبيعي للبشر. هذا هو التعريف الوحيد للزواج المقبول في الكنيسة.
ما نُسب إلى قداسة البابا
تم عرض فلم وثائقي عن قداسة البابا فرانسس في مهرجان روما السينمائي والذي من خلاله ذُهل العالم المسيحي عموماً والكاثوليكي خصوصاً بما نسب إليه من آراء عن مثليي الجنس والتي تسربت إلى الإعلام يوم الاربعاء 21 تشرين الاول (أوكتوبر) 2020.
Homosexuals have a right to part of a family.
They’re children of God and have a right to a family. Nobody should be thrown out or be made miserable because of it.
What we have to create is a civil union law. That way they are legally covered. I stood up for that.
للمثليين جنسياً الحق في أن يكونوا جزءً من الأسرة.
 إنهم أبناء الله ولهم الحق في الأسرة. لا ينبغي طرد أحدٍ أو جعله بائسا بسبب ذلك
ما علينا أن ننشئه هو قانون اتحاد مدني. بهذه الطريقة يتم تغطيتهم قانونيا. لقد دافعت عن ذلك

ومن الجدير بالذكر ان الترجمة الإنكليزية أعلاه هي عن أصل المقابلة الصحفية باللغة الإسبانية التي أُجريت مع قداسة البابا عام 2019 والتي لم تُنشر كاملاً إلى حد اليوم. ويظهر أنها إجابة مجزءة لأكثر من سؤال حول الموضوع, وقد تم ترتيبها على هذا النحو لغاية في قلب عرقوب أو يعقوب كما يُقال.
منطقياً وإنسانياً يتفق الجميع على الرأي الاول " للمثليين جنسياً الحق في أن يكونوا جزءً من الأسرة"
أما الرأي الثاني فيكتنفه الغموض في جملته " ولهم الحق في الاسرة". هل المقصود تكوين أسرة بالتبني؟ أم المقصود لهم الحق في أن يكونوا ضمن العائلة كما جاء في الرأي الاول؟ هذا ما يحتاج إلى توضيح لأن العائلة تعنى الإرتباط الرسمي (ألزواج) بين رجل وإمرأة مع تملّك أطفال بالولادة أو بالتبني, ولا يجوز كنسياً تكوين عائلة بين مثليي الجنس, وعلمياً يستحيل ذلك.
أما الرأي الثالث الذي يشير إلى تنشئة قانون إتحاد مدني فهو الاكثر إثارة للجدل. صحيح أن الإتحاد المدني يختلف بالتعبير اللغوي عن الزواج ولكن هل هنالك تباين في الحقوق والواجبات بين الخاضعين للإتحاد المدني والخاضعين للزواج؟  يمكن الإجابة حسب مفهوم الإتحاد المدني المتداول قانوناً الذي مفاده:
"ألإتحاد المدني هو ترتيب معترف به قانونًا مشابهًا للزواج ، تم إنشاؤه في المقام الأول كوسيلة لتوفير الاعتراف في القانون للأزواج من نفس الجنس. تمنح الإتحادات المدنية معظم أو كل حقوق الزواج باستثناء اللقب نفسه".
وجاء توضيح آخر لمفهوم الإتحاد المدني ما يلي:
"الاتحاد المدني هو الاعتراف القانوني بالشراكة الملتزمة والشبيهة بالزواج بين شخصين. عادةً ما يوفر التسجيل المدني للزوجين مزايا قانونية تقترب أو تعادل تلك الخاصة بالزواج، مثل حقوق الميراث وزيارة المستشفى واتخاذ القرارات الطبية والضرائب التفاضلية والتبني والتلقيح الاصطناعي ومزايا الموظفين للشركاء والمعالين".
بصراحة, يتضح من التعريفين أعلاه بأنه من الصعب هضم الفرق بين الإتحاد المدني والزواج, فكأنهما وجهان لعملة واحدة.
ربما استهدف قداسة البابا في اقتراحه ما وافق عليه في وطنه الام "الأرجنتين" عندما كان كاردينالاً هناك وذلك  بتشريع ما يسمى قانون"الإرتباط أو التعايش المدني" كبديل عن زواج المثليين, والذي لا يعني بحد ذاته ممارسة العلاقات الجنسية. ما يؤيد ذلك هو ذكر قداسته ذلك باللغة الإسبانية خلال المقابلة الصحفية والتي ترجمتها الصحيحة "الإرتباط أو التعايش المدني" وليس "الإتحاد المدني" كما جاء في الترجمة الإنكليزية.
لكن يظل السؤال الجوهري مهما اختلفت التسميات: من يضمن علاقة العفة بين المرتبطيْن أو المتعايشيْن معاً؟ ومن يضمن عدم ممارسة الجنس بينهما؟ حتماً ستحلّ الخطيئة بين الأربعة جدران حيث يجتمعا. 
من الضروري جداً أن يصدر توضيحٌ شافياً لهذ الرأي الذي نُسب إلى قداسته والذي يتعارض بظاهره جوهرياً مع التعليم الكنسي. هذه من ناحية, ومن ناحية أخرى لا بد من الإشارة أن البابا فرانسس أوضح هذا الرأي في مقابلة علمانية، وليس تعليمًا رسميًا لذا يجب احترامه والنظر فيه ولكن ليس له قوة ملزمة.
أما من الناحية الواقعية فإن العيش في ثقافة تروج لأشكال أخرى من الأسرة، هناك خلاف مشروع حول القانون الخاص بالإتحادات المدنية للعلاقات غير الزوجية. عندما تكون الخيارات هي الاتحادات المدنية أو "زواج المثليين"، يمكن للكاثوليك أن يجادلوا بأن الأمر يستحق بذل الجهود من أجل الإتحادات المدنية أو خوض معركة الكل أو لا شيء.
 
 









22

"آيا صوفيا" من كاتدرائيةٍ إلى مسجدٍ كبوةٌ أم صحوةٌ؟
د. صباح قيّا
سبق وأن تناول العديد من الكتاب والمهتمين موضوع كاتدرائية "آيا صوفيا" من جوانب تاريخية متعددة, فلا أعتقد هنالك الحاجة لإعادة ما نُشر بل سأكتفي بالتأكيد على بعض التواريخ المهمة لأهميتها في تحديد الحدث الزمني الذي ساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالوصول إلى الواقع المؤلم لكنيسة "أيا صوفيا" اليوم. 
في عام 537م  تم إكمال بناء الكنيسة على عهد الإمبراطور الروماني جستينيان الأول
في عام 1054م إنشقت الكنيسة الشرقية عن الغربية وانبثق المذهب الأرثذوكسي في الشرق. حصل الإنشقاق الكبير في عهد بابا روما "ليو التاسع", وبطريرك القسطنطينية "مايكل سيرولاريوس", حيث قام كل طرف بتحريم الطرف الآخر. للاسف الشديد, بعد 517 سنة من تشييدها لم تعد "آيا صوفيا" كنيسة جامعة شمولية.
في عام 1182م حدثت "مذبحة اللاتين الكاثوليك" في القسطنطينية حيث اضطر خلالها 60000  كاثوليكي من القاطنين في القسطنطينية لمغادرتها هرباً من الإبادة التي ألمّت بهم على يد أهالي القسطنطينية الآخرين ولم يحرك الإمبراطور ساكناً آنذاك. زاد شرخ الإنشقاق عمقاً بين الغرب والشرق نتيجة هذه المذبحة التي حصلت في عهد الإمبراطور "أندرونيكوس الاول". ربما كانت هذه المذبحة نقطة البداية في تفكك قوة الإمبراطورية البيزنطية.
في عام 1204م تم الإستيلاء على القسطنطينية خلال  الحملة الصليبية الرابعة في عهد البابا  " إننوسينت الثالث" وإنقسمت الإمبراطورية البيزنطية إلى دويلات متعددة ونتج عن ذلك تأسيس مقر الإمبراطورية البيزنطية في "نيقية".
في عام 1261م إستطاعت إمبراطورية نيقية من إعادة القسطنطينية بعد 57 عام من الحكم الروماني الغربي. ساهم القتال الاخير في ازدياد ضعف الإمبراطورية البيزنطية رغم انتصارها في المعركة.
خلال الفترة 1347م –1353 م أصاب الإمبراطورية البيزنطية مرض الطاعون المعروف بالموت الاسود والذي حصد ما يقارب ثلثي سكان أوربا آنذاك. زاد هذا الداء الوبيل من وهن الإمبراطورية التي لم تكتمل معافاتها من النكبات السابقة بعد.
في عام 1439م تم الإتحاد بين كنيسة روما والقسطنطينية. لكن للأسف الشديد رُفض الإتحاد بشدة من قبل غالبية الإكليروس والشعب البيزنطي برمته.
في عام 1452م تم إعادة إعلان الإتحاد بين الكنيستين في عهد البابا نيقولا الخامس. إلا أن الرجل الثاني في الإمبراطورية البيزنطية أطلق أمنيته الشهيرة قائلاً " إنني أفضل أن أشاهد في ديار البيزنط عمائم الترك على أن أشاهد القبعة اللاتينية". وبالفعل تحقق ما أوحت له غطرسته فسقطت القسطنطينية بيد المسلمين من آل عثمان عام 1453م وتحولت كنيسة "آيا صوفيا" إلى مسجدٍ بأمر قائد غزوتها محمد العثماني. بذلك أُسدِل الستار على 916 سنة من الإيمان المسيحي الذي توّج عروس المسيح في الشرق.
في عام 1935م أمر "أتاتورك" مؤسس تركيا الفتاة بتحويل "آيا صوفيا" إلى متحف بعد 482 سنة من استعباد الكنيسة كمسجد.
في تموز من عام 2020 أعلن الرئيس التركي "أردوغان" بمرسوم صدر عن مخطط مسرحي مُدبّر بإذلال "آيا صوفيا" ثانية لتصبح مسجداً للمسلمين بعد مرور 85 سنة فقط على تحويلها إلى متحف,  رغم عدم الحاجة إليها كمسجد بسبب التخمة الواضحة في عدد المساجد المتوفرة في مدينة إستنبول " ألقسطنطينية" من جهة وشحة عدد المصلين عموماً من جهة اخرى. 
بغض النظر عن الدوافع والنوايا الظاهرة والمخفية, هنالك عوامل مهمة في اتخاذ مثل هذا القرار من قبل من كان إلى عهد قريب يتوسل بل يستجدي هذا وذاك كي يكون فرداً ضمن خيمة العائلة الأوربية.
 أردوغان يعلم جيداً تضعضع الإيمان المسيحي في الغرب, ويعلم أن أغلبية حكام ما يسمّى بالعالم المتحضر ومعظم أفراد شعب هذا العالم تكمن عبادتهم للدولار,  وتحرك مشاعرهم وتغزو عقولهم الحياة الدنيوية سواء السوية منها أو الشاذة. كما هو متيقن جداً بأن الإحتلال الإسلامي السلمي يتغلغل بحسابات مدروسة ومبرمجة ويقرض رويداً رويداً لحين إكمال إلتهام كل القيم والشرائع التي أرست ركائزها الرسالة المسيحية وعبدتها بدماء شهدائها. "أردوغان" جزء مهم من المنظومة التي تخطط لبسط النفوذ الإسلامي في كل أرجاء المعمورة ولكن ليس بالهيئة الملتحية والدشداشة المميزة, بل بربطة العنق والبدلة الإرستقراطية... ربما الكبوة التي غرستها "آيا صوفيا" ستنمو مع الأيام لتصير صحوة.
كما ان "أردوغان" على بينة من أن الكنيسة المسيحية مشتتة, بل بالأحرى لا توجد كنيسة المسيح الواحدة بل هنالك الآلاف من الكنائس التي جميعها تدافع وتدعو للإيمان بالمسيح والإلتزام بتعاليمه من جهة, ولكنها تضمر الضغينة بعضها تجاه البعض الآخرمن جهة أخرى. ،نعم "أردوغان" يعلم جيداً أن السلطة الكنسية ليست سوى كلمات وجمل روحانية, وأن الأنظمة العلمانية لن ولا تتمكن من الإنحياز لموقف الكنيسة. من ذلك يستطيع الإستنباط بسهولة أن الكنيسة والرسالة المسيحية أضعف من أن تتخذ أي موقف مؤثر على أي قرار. هل تغرس هذه الكبوة الدينية شتلة الصحوة؟
لقد أضحى التقارب الكنسي بعد "آيا صوفيا" أمراً لا بد من الأخذ به مأخذ الجد بغية تحقيقه. هنالك العديد من نقاط الإلتقاء وليس صعباً, لو توفرت النيات الصادقة, من سقي نقاط الإلتقاء كي تنمو الوحدة المسيحية المرجوة والتي هي أمل الملايين المؤمنة بالمخلّص يسوع.
 ألرسالة المسيحية بحاجة إلى الصحوة التي حصلت عام 1964م حين التقى البابا القديس الراحل "يوحنا بولس الثاني" مع البطريرك "أثيناغورس الأول" في أورشليم القدس فألغى كل واحد منهما في احتفال متزامن قرار الحرمان المنوه عنه في متن المقال. وبالفعل تم بعد اللقاء التاريخي للقيادتين المسيحيتين رفع الحرمان المشترك في سنة 1965م.
آيا صوفيا- يا كنيسة كلِّ مسيحيٍّ غيورْ

آيا صوفيا
 يا كنيسةَ الحكمةِ المقدّسهْ
صبراً على تلكَ الهجمةِ الشرِسهْ
إيماننا
بعد أن كان في الشرقِ عميقا
يُرَتّلُ في عمومِ آسيا
وأرضِ المغاربةِ في أفريقيا
غاصَ في بحرِ الدماءِ غريقا
تلك البقاع بالأمس عنّا فُقِدَتْ
حتى الصخرةُ الصلدةُ لها حزَنَتْ
أربعُ شقيقاتٍ لكنيستي اغْتُصِبَتْ
أبرشياتٌ لم تعُدْ كما بدأتْ
لا القدسُ ولا أنطاكيهْ
ولا القسطنطينية أو ألإسكندريهْ
كلّها أصابها التأسلمُ أو الطردُ
وسيأتي الغزاةُ على روما مِنْ بعْدُ
***
آيا صوفيا
يا كنيسةَ الحكمةِ المقدّسهْ
صبراً على تلكَ الفعلةِ النجسهْ
بناكِ في القرنِ السادس جستينيانْ
وغزاكِ في القرنِ الخامس عشرْ آلْ عُثمانْ
تحولّتِ مسجداً بسيفِ الغازي محمّدْ
كم اساءَ إليكِ وعلى قومكِ حقدْ
إغتصب النساءَ وذبحَ الرُهبانْ
أسكتَ الناقوسَ ورفعَ الأذان
وصرتِ متحفاً في القرنِ العشرينْ
بقرارِ مَنْ حجّمَ التديّنَ والدينْ
أتاتوركْ مؤسسُ تركيا الفتاةْ
رغمَ كونهِ منَ المسلمينْ
جعلَ العلمانيةَ للحُكمِ أداةْ
***
آيا صوفيا
 يا كنيسةَ الحكمةِ المقدسهْ
صبراً على يدِ الغدرِ المُدنّسَهْ
تحولّتِ ثانيةً إلى مسجدِ
وعادَ قرارُ أوّلَ مُعتدي
ما تحققَ بالسيفِ ذلك الزمانْ
تكرّرَ في القرنِ الواحد والعشرينْ
 بفرمانْ
دخلَ التاريخَ أردوغانْ
من باب العارِ والبُهتان
رقص على تصفيق الإخوانْ
فأساءَ إلى تعليم القرآنْ
هذا ما أكّدهُ الأزهرْ
قال عن اللعبةِ مُنكَرْ
لو حقّاً اللهُ أوصى
إذهبْ وحرر الأقصى
فهل ستبقى أردوغانْ؟
أم ستصبحَ قِردوغانْ؟
***
آيا صوفيا
أنتِ لستِ في التاريخِ وحيدهْ
كمْ كنيسةً
صلبانُها تحت الأنقاضِ مديدهْ
توهّمَ المرءُ ذاكَ الفكرُ قد ولّى
وأن حريّةَ الأديان هي الأولى
لكنَّ في كلِّ يومٍ
يُبنى على أرضِ الكنائسِ مُصلّى
كأن الإيمان عن أهله ارتحَلْ
وتلك الدماءُ نستْ ما حصلْ
فهلْ نهجرُ الإنجيلَ أم عليه نَصُرْ؟
ونجرعُ من كأسِ الحياةِ طعمَها المُرْ؟
أم ندعو للمحبّةِ بكل سرورْ؟
نبذرُ في دربِ الإيمانِ أحلى الزهورْ
نُبشّرُ بالمسيحِ عبرَ كلِّ الدهورْ
وكلُّ شهيدٍ لهُ في الملكوتِ نورْ
***
إسمعي يا أيقونة كل العصورْ
آيا صوفيا
يا كنيسة كلِّ مسيحيٍّ غيورْ
ستعودينَ ونَحْياً
ما دام الزمنُ يدورُ ويدورْ
***

23
من سيحافظ على الإسم الكلداني؟
د. صباح قيّا
طالما اقترح عليّ صديق عزيز من الناشطين القوميين بأن لا أتدخل في الشأن الكلداني. ربما, بل على الأغلب,  أن الدافع لمقترحه النابع من تجربته الشخصية هو أن يُجنبني ما قد ألقى من كلمات وتعابير نابية من البعض الذي لن تروق له وجهة نظري حول ما يدور من صراعات بين أطياف الشعب الواحد. ذكّرني قبل جائحة كورونا عن رأيه الذي كرره عليّ في اكثر من مناسبة. أجبته: بأنني لم ألقى أية إساءة من الإخوة الآشوريين رغم مواقفي الكلدانية, بل, على العكس, كانت مناقشاتهم معي يشوبها التقدير والإحترام, ولم يوجه لي أي منهم اية كلمة جارحة, وآرشيف الموقع خير شاهد على ذلك. أضفت: أن الإساءات جابهتني من البعض من الكلدان انفسهم, ومنهم من نعتني بأوصاف ابعد ما تكون عن الخصال المسيحية التي يدعي هذا البعض الإيمان بها. آرشيف الموقع يؤيد ما اقوله أيضاً... نظر لي صديقي بابتسامة صامتة عبّر بها عن فهمه لأبعاد ما عنيت في إجابتي.
"مفهوم التطرف والتعصب رفضته سابقاً وأرفضه اليوم وسارفضه غداً. أنظر إلى المرء وأقدره بقدر ما يحمل من خصال المحبة في قلبه ويمارسها على ارض الواقع بعقله. أمد يدي لأي من البشر ممن له تلك الخصال, ولن اقبل عن نفسي أن أكون ازدواجي السلوك في تعاملي مع الآخرين. كل من على الارض له قناعته التي أحترمها وما عليه إلا أن يعاملني بالمثل. لي صداقات مع أناس من كافة الأديان والمذاهب والملل. أعتز بها جميعاً, واعتزازهم بي لا يقل عن اعتزازي بهم أبداً. تعلمت من مسيحيتي والتي صقلتها مهنتي أن أقدم الخدمة الإنسانية المطلوبة لأي مخلوق سواء هو معي او ضدي". هذا موقف مبدأي لا ولن احيد عنه, أمارسه على أرض الواقع بحذافيره كما كتبته, وبدون خجل او وجل.
سالني مسؤول فرع رابطة كندا خلال مأدبة الغذاء التي أقيمت على شرفه بعد الإنتهاء من الندوة التعريفية حول الرابطة الكلدانية العالمية: هل أنت "أي أنا" القوشي قح؟. بصراحة, استغربتُ من سؤاله الذي يشير إلى نزعة قروية لم أألفُها, وهو مسؤول رابطة كلدانية شاملة. أجبته: ماذا تقصد بالألقوشي القُح؟ فالمعروف عن الألقوشي أنه يكفر ويشتم وعصبي المزاج. أما أنا فلا أكفر ولا اشتم, لكني عصبي المزاج أحياناً, فيبقى تقديرك إن كنت أنا ألقوشي قح أم لا؟ سكت ولم ينطق بحرف واحد. لا بد أن أعترف بأني لا أعلم لحد الآن من هو الألقوشي القح وما المقصود بذلك السؤال؟
دُعيت لأقدم قصيدة شعرية في تجمع عُقد في مشيكن لنصرة شعبنا الرابض في أرض الوطن بعد غزوة داعش. قدمت رباعياتي الشعرية "لمن أشتكي" باللغة العربية. بعدها استهل احد المشاركين مشاركته بلغة السورث قائلاً بأنه غير مستعد للإعتذار لمن لا يفهم السورث. سألت نفسي: هل حقاً أنا في بلد متحضر ومع مجموعة متحضرة؟ كيف يسمح لنفسه أن يُهين عدداً غفيراً من الحضور ممن لا يفهم لغة السورث؟ وشردت في مخيلتي تساؤلات أخرى اختتمتها بيني وبين نفسي بتعبير "مع الأسف".
بادرت إحدى السيدات الحاضرات في الإجتماع الخاص بتشكيل مكتب وندزر للرابطة الكلدانية العالمية بحضور مسؤول فرع كندا, باستفسار موجه إلى المسؤول نفسه قائلة: لماذا تستخدم في الكلام  كلمات وتعابير تدل على لهجة السورث القديمة والتي هي غير مالوفة في الوقت الحاضر في قرانا ومدننا الكلدانية؟ لم يُجب المسؤول على استفسارها.
يمكن الإستنباط مما ذُكر أعلاه بأن الغاية في جوهرها تصب في خانة التعصب للهوية الكلدانية, ومحاولة إثبات الإنتماء "القح" إن صح التعبير لتلك الهوية حتى ولو بالإسلوب الذي قد لا يُسر الآخرين وربما يحضى باستهجانهم.
قلت للناشط القومي الكلداني المنوه عنه في بدء المقال: ما هو رأيك لو اكتب الشعر بجمل مثل هذه الأبيات؟
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطن مرملٍ     ببيداءَ لمْ يُعرف بها ساكنٌ رسما
واطلسُ ملءَ العينِ يحملُ زوْرَه      واضلاعُه من جانبيه شوى نهدُ
ضحك بصوت عالٍ متسائلاً: هل هذه لغة عربية؟ قلت له نعم هذه عربية أيام زمان, وعندنا من الكلدان من يتمنطق بالتعابير القديمة للغة السورث باعتباره من اقحاح الفرسان.
لا بد أن اشير بأني أكنّ كل الود والمحبة لمسؤول فرع كندا للرابطة الكلدانية العالمية, وأعتز بمعرفته, وما ذكرته مجرد لخدمة الهدف من المقال. له مني اعتذاري, وآمل قبوله.
لا أبالغ إن قلت بأن الهوية الكلدانية هوية ضائعة, وأن كل المحاولات التي برزت على الساحة منذ عام 2003 م ولحد اليوم للبحث عن بصيص من نور يلقي ضلاله على أطرها ثبت عقمها.
ضياع الهوية الكلدانية  يصاحبه التناقض في المواقف بين الكلدان أنفسهم. ألإعتزاز بالأصل وبكنية ولغة الأجداد وتراثهم وما شاكل شيْ وواقع الحال يشير إلى أشياء أخرى لا ترتبط بما كان, وإن ارتبطت فبخيط رفيع لا أكثر. لقد أبدع الكلدان في إخفاقاتهم المتتالية بدون منازع. أخفقت المؤتمرات القومية, وفشلت التنظيمات الحزبية, وأصبح القوميون والناشطون الكلدان قومجية, وتعثرت الرابطة الكلدانية, وووووو هلم جرا. كلها تحمل إسم الكلدان, ولكن لا تحضى باعتراف إلا القلة القليلة جداً من الكلدان. ألشيخ الذي حمل لقب الكلداني يطلق عليه الكلدان باللاكلداني, والبرلماني الكلداني يُقال عنه تبعية شيعية أو عمالة حكومية أو دمية بيد الحيتان الحزبية المتنفذة, والوزير الكلداني يشار إليه بالعلماني اللاديني واللاقومي أي اللاكلداني, وأخيراً لا آخراً حتى الوزيرة التي هي من أصول تلكيفية وكنيسة كلدانية وعضوة في الرابطة الكلدانية العالمية صارت بنظر الكلدان أجيرة إيرانية وإبنها في المليشيات الشيعية... هل هنالك كلداني صنديد يدلني عن من هو الكلداني في نظر الكلدان؟ أين الطريق واين المسار يا معشر الكلدان؟ من الذي سيرضيكم أيها الكلدان؟ من الذي ستقولون عنه هو ذا الكلدان؟
لقد توصلت إلى قناعةٍ بأن الإسم الكلداني سيبقى أسير الكنيسة, وأن الكنيسة هي الوحيدة التي ستحافظ على الإسم الكلداني من الزوال وحتى بعد أن يهجر أرض الاجداد الجميع, وتتلاحق الأجيال في أرض الشتات. بإمكان الكنيسة أن تحافظ على الإسم الكلداني حتى وإن توحدت وعادت كنيسة المشرق من جديد بشرط أن تظل بإسم كنيسة المشرق الكلدانية. ديمومة الكنيسة وبقاء الإسم لا معنى لهما بدون تواجد الرعية. هنا تبرز مهمة الرعاة الأفاضل بالعمل الجاد على إعادة المتسربين من الكنيسة الكلدانية لسبب أو آخر. وهذا لن يتم إلا بعد توفر سلطة دينية تضع مصلحة الكنيسة وخدمة الرعية فوق كل اعتبار وبالأخص فوق محاولات تمجيد الذات, وبعيداً عن الولوج في الدهاليز السياسية الملتوية. ألكنيسة رسالتها البشارة وإيصال الكلمة, فلتلتصق بهذه المهمة السامية, ولتترك الشؤون الدنيوية للمختصين بها من الكلدان.
أملي أن تتجاوز الكلدانية وكنيستها واقع الحال الذي تعبر عنه هذه الرباعية الشعرية:
كمْ ارى الكلدانيةَ مع الذاتِ في تناقضْ
هيَ طقسٌ أم قوميةٌ أم مزيجُ فرائضْ؟
في أيّةِ بادرةٍ هو الراعيْ مَنْ يُعارِضْ
أحقاً الكلدانيُّ في كنيستهِ فائض؟
أجيبوني

24
ما زلتُ حيّاً... أشكر الرب
صباح قيّا
رنّ جرس هاتفي في ساعة مبكرة من صباح الخميس 28 مايس 2020  . إنتابني القلق وأنا أقرأ بعينين غافيتين إسم إبن عمي, الذي يسكن نفس مدينة سكناي,على شاشة الهاتف. سرح خيالي عبر احتمالات متعددة لا تتضمن أية احتمالية منها خبراً ساراً.  أجبته بنبرة متوجسة: صباح الخير حكمت, وهذ إسم ابن عمي, إنشالله خير؟ أجابني أنه استلم عدة نداءات من ابناء العمومة في العراق واستراليا وحتى كندا, ذاكراً اسماءهم جميعاً, مستفسرين عن صحة خبر وفاتي الذي نشرته على الفيسبوك صفحة "ألأطباء العراقيون". بصراحة, ضحكت وقلت له "الله يسامح من نشر الخبر", ما عليك غير إعلام الأعزاء ممن له حساب في "الفيسبوك" بتكذيب الخبر, وأنا سأتصل بالجهة التي نشرته حال إرسالك لي الإعلان عن النباْ. وما هي إلا لحظات حتى استلمت الإعلان عن وفاتي وحسب النسخة المرفقة.
 

إتصلت بالزميل مسؤول صفحة "ألأطباء العراقيون" الذي ليست لي معرفة سابقة به. أخبرني أن الوزير السابق "سمير الشيخلي" الموجود في الاردن نشر على صفحته في الفيسبوك نعياً عنّي .  ثم أتته , أي وصلت المسؤول" رسالة من أحد الساكنين في قطر ومن عائلة الشيخلي أيضاً يعلمه بالخبر باعتباره من المهتمين بمتابعة شؤون الأطباء في المهجر. عندها قام المسؤول بالإتصال بنقابة الأطباء العراقية بغية تزويده بصورتي الشخصية وما يتوفر من معلومات عني لصياغة الإعلان عن الوفاة.  إعتذر الزميل بكل أدب ورقة ووعد بان يحذف الخبر مباشرة بعد الإنتهاء من مكالمتنا. أحسست بحيرته بين تصديق النعي المنشور من قبل مسؤول سابق له مكانته وبين تكذيب الخبر على صفحته من قبل أقربائي بالإضافة إلى سماع صوتي الحي.

كيف ولماذا حصل ذلك؟ أعلمني أحد زملائي من بغداد عند اتصاله بي للإطمئنان بان المتوفي هو الدكتور(صيدلي يحمل شهادة الدكتوراه) صباح يوسف ميخائيل, وانتشر الخبر بذكر الدكتور صباح ميخائيل فقط, مما أدى إلى حصول ذلك الإلتباس. ,أضاف مازحاً: "أنا أعلم أنك مناضل بالعلم, ولم أتصور أن لك كل هذا التاريخ النضالي بالحزب".
عادت بي الذكريات إلى شهر آب  1980 الذي عدت خلاله من إيفادي إلى المملكة المتحدة بعد نيل شهادة الإختصاص. ما هي إلا أيام حتى اشتعل فتيل الحرب مع إيران. رنّ جرس الهاتف في ساعة متأخرة من الليل وأنا نائم في السطح كما كانت هي العادة تلك الايام. طرق سمعي صوت رقيق يسألني هل انت د. صباح ميخائيل؟ أجبت نعم. قالت: ألسيد وزير الصحة يطلبك. قلت: لا اتصور انا المقصود بطلب السيد وزير الصحة. أجابت: السيد الوزير طلبك, ونحن لا نعرف رقم هاتفك, والبدالة زودتنا بهذا الرقم... لم تكن لي معرفة شخصية بالمرحوم آنذاك, ولكن كانت عندي المعلومة بأنه مدير التجهيزات الطبية. قلت لها: أنا طبيب عسكري والسيد الوزير على الأكثر يقصد مدير التجهيزات الطبية الذي هو ايضاً د. صباح ميخائيل... إنتهت المكالمة بشكراً, وربما اقتنعت بعد أن سمعت "طبيب عسكري", إستلقيت ثانية على فراشي البارد وحتى الصباح.
بعد سنوات من الحوار الهاتفي الليلي, وللأسف لا أتذكر عددها, إتصل بي زميل وصديق معاتباً عن عدم دعوتي له بحفل زفافي.  سألته عن أي حفل زواج تقصد؟ قال قد طرق سمعه أن د. صباح ميخائيل أقام حفلاً شيقاً في فندق شيراتون بمناسبة زواجه. قلت عزيزي لم أكن أنا وإنما الدكتور الصيدلي.
إختلط الامر على صديقي, وقبل ذلك على وزارة الصحة, ولكن الثالثة كانت الاقوى والأكثر سخرية لأنها طرقت باب الإعلام كمعلومة صحيحة ألصقت بي سهواً فأماتتني وأنا حيٌّ , والشكر للرب.
تعرفت على المرحوم في تسعينات القرن الماضي حينما كان مديراً لأحد أقسام وزارة الصحة, وكنت انا ممثل الطبابة العسكرية في اللجنة الإستشارية لإستيراد الأجهزة والمواد الطبية لأمراض القلب. كنت ازوره في قسمه بعد الإنتهاء من عملي في اللجنة. إنسان بشوش, بسيط ومتواضع, يميل إلى مساعدة الآخرين, يرفض الظلم, مشبع بتجربة حياتية تؤهله لاتخاذ الموقف الصائب, وجدير بالإستشارة في اي وقت. مهما كتبت قد اقصر بحقه, ولكن أختصر كل صفاته بقولي انه شخصية محبوبة وتستحق التقدير والإحترام.
إقترح عليّ بعد الإجتياح الاجنبي عام 2003 أن أشترك معه في تاسيس تنظيم مسيحي يحضى بدعم الأمريكان بشرط أن يشمل شريحة متعلمة ومعروفة بين الاوساط المثقفة, والذي من خلاله ودعمهم المشروط  يستطيع المسيحيون الحصول على العديد من حقوقنا الضائعة.
حضرت الإجتماع الاول في مذخره قرب ساحة الواثق, وكان عدد الحضور حوالي العشرة أشخاص, أعرف جيداً واحداً منهم فقط. تولدت لدي القناعة من خلال الطروحات والمناقشات بأن هذا المسار غريب عليّ, فكان هو الإجتماع الاول والاخير. إلتقيت بعد فترة بالشخص الذي أعرفه جيداً. سالته عن التنظيم؟ اجابني بابتسامة ذات مغزى بأنه تركه بعد اجتماعين. وفي لقائي الأخير مع المرحوم صباح قبل مغادرتي العراق عام 2004 , سالته: اين وصل التنظيم؟ أجابني أنه ترك الفكرة والموضوع كلياً؟ قلت له لماذا؟ أجاب "ماكو فائدة واحد يجر بالطول والآخر بالعرض,  فالافضل نبطل وكل واحد يكعد مكانه". لم اتفاجا حيث أحسست كيف ستؤول إليها الامور من حصيلة أول اجتماع وبالأخص بعد أن طرح أكثر من واحد من المجتمعين المفاهيم القومية التي تتعارض مع الفكرة الاساسية لتاسيس تنظيم مسيحي شامل.
ألرحمة لك يا صديقي العزيز صباح. أسكنك الرب مع الابرار والصالحين.
أعود إلى الإعلان غير المقصود عن وفاتي والذي حُذف بعد أقل من أربع ساعات على نشره. لقد علّق عليه ما يقارب 300 شخص. أغلبية المتداخلين إن لم يكن جميعهم هم من الإخوة "الربع". عدد غير قليل منهم من نشر صورتي معهم, وهناك من ذكر تجربته معي, ومن تطرق إلى موقعي العلمي والوظيفي. حقاً من يزرع الخيرَ يحصد خيراً وفيرا.
كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ تذكرت رباعيتي الشعرية:
تلكمُ الاخلاقُ عن أعرافِ ماضينا غريبهْ
نحن شعبٌ ألفَ العيشَ حبيباً وحبيبهْ
غمرتْ أطيافُهُ الأمسَ موداتٍ وطيبهْ
ما دهاها اليوم في شكٍّ وريبهْ؟...من أنادي؟

ما اعظم وصيتك يا يسوع: ما أوصيكم به هو: أحبّوا بعضُكم بعضا, يوحنا 15:17


25
قديس من جمهورية موريتانيا الإسلامية في الشمال الأفريقي
د. صباح قيّا
ولد القديس فيكتور ماوروس، المعروف أيضًا باسم فيكتور مور وفيكتور ميلان، في موريتانيا (شمال إفريقيا) في أسرة مسيحية. انتقل لاحقًا إلى ميلانو، إيطاليا، ليخدم كجندي في الحرس الإمبراطوري للإمبراطور الروماني ماكسيميان المعروف باضطهاده للمسيحيين.
 على الرغم من أن فيكتور كان مسيحيًا منذ الطفولة، إلا أن هذه الحقيقة لم تكن معروفة على نطاق واسع حتى دمر مذبحًا لإله وثني. غضب الإمبراطور من فيكتور وسجنه لمدة ستة أيام. ثم منحه الفرصة للتراجع عن إيمانه وتقديم التضحية للآلهة، واعداً بتقديم ثروات سخية له، لكن فيكتور رفض كل محاولة, فتعرض للتعذيب بلا رحمة.  بقي فيكتور ثابتًا وأعلن بجرأة إيمانه بالمسيح، معلناً أن الآلهة الرومانية شيطانية. وأخيرًا، قُطعت رأس القديس في 8 آيار عام 303 م.
أقيمت كنيسة لاحقًا فوق قبر فيكتور وحدثت العديد من المعجزات هناك. يوم عيد القديس فيكتور هو 8 آيار.

ماذا تعرف عن موريتانيا اليوم؟
موريتانيا هي واحدة من أفقر دول العالم وواحدة من أكثر الدول المحظورة فيها حرية الأديان, ويهيمن الإسلام السني عليها لأكثر من 1000 عام.  يتم الحكم على المسائل الاجتماعية والأسرية بموجب الشريعة الإسلامية.

إن الإسلام هو الدين المعلن دستوريا للشعب ولللدولة. تحظر الحكومة توزيع المواد الدينية غير الإسلامية والوعظ او التبشير بالإيمان المسيحي بين المسلمين. كما أن دخول المواطنين المسلمين إلى دور أسر غير مسلمة ممنوع بموجب القانون، وأي شخص يتحول إلى المسيحية ويعترف بالمسيح يواجه عقوبة الإعدام.
بحسب الإحصائيات المعترف بها، فإن 99.2٪ من مجموع السكان الموريتانيين الذي يتجاوز الاربع ملايين هم مسلمون، وهذا الواقع تعززه التسمية الرسمية للبلاد "جمهورية موريتانيا الإسلامية". يشكل المسيحيون الذي يُقدر عددهم ب 10000 نسمة نسبة قليلة للغاية من السكان (0.2٪). على الرغم من أن الإسلام في موريتانيا تقليديًا قد تأثر بشدة بالصوفية، فقد أصبح تأثير الجماعات الإسلامية المتطرفة بارزًا جدًا على مدى العقود القليلة الماضية.
  غالبية المسيحيين في موريتانيا هم من الروم الكاثوليك. هناك بضع مئات من المسيحيين الأوائل من أصول إسلامية وعادة ما يتجمعون في الكنائس السرية, بحسب ما جاء في قاعدة البيانات المسيحية العالمية.
هناك أبرشية كاثوليكية في نواكشوط عاصمة موريتانيا وأكبر مدنها.
لا يُسمح للكنيسة الكاثوليكية بفتح مدارس كاثوليكية، ولكن فقط رياض الأطفال، التي يحضرها أيضًا أطفال الآباء المسلمين الذين يندمون في كثير من الأحيان على عدم السماح لهم بمواصلة إرسال أطفالهم إلى مدرسة كاثوليكية.
خلاصة القول أن المسيحيين في موريتانيا يواجهون تحديات وضغوط اجتماعية وحكومية مختلفة, وأهمها:
* نمو التطرف الإسلامي في المنطقة مما يخلق الخوف والقلق الدائم بين المسيحيين في البلاد.
* يفرض قانون البلاد قيوداً هائلة على الوعظ والتبشير بالإيمان المسيحي, وقد يصل إلى الإعدام.
* يعاقب قانون الدولة على التحول من الإسلام  بالموت حتى لو تراجع الشخص عن قرار التحول.
يتبادر الأن السؤال المشروع:
 متى تمنح موريتانيا الحرية الدينية للمسيحيين كما منحها ويمنحها الغرب المسيحي للمسلمين؟
 ومتى يتعلم الإسلام هناك أن يتقبّل باحترام بقية الأديان؟
 متى ومتى؟؟؟


26
ألرابطة الكلدانية العالمية إلى أين؟
د. صباح قيّا
أكثر من مرة أشرت في متن مقالاتي السابقة  بأنه سيأتي اليوم الذي سيندم فيه غبطة البطريريك على تأسيسه للرابطة الكلدانية العالمية. كما نوّهت أكثر من مرة أيضاً بأن الكلدان بحاجة إلى الرابطة الكلدانية الوطنية في الوطن الجريح فقط حيث تهميش الحق الكلداني خصوصاً وحقوق المسيحيين بكافة أطيافهم عموماً ظاهرة مستديمة ولن تتغير إلا بمعجزة ربانية أو بهجرة الجميع. وقد أكّدت, ولا أزال على رأيي,  بأنه ليست هنالك الحاجة للرابطة العالمية حيث الكلداني يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له بالدستور إسوة ببقية المواطنين في دول المهجر العلمانية.
أجزم بكل ثقة بأن غبطة البطريرك قد ندم منذ وقت غير قصير على تأسيسه للرابطة الكلدانية العالمية لأسباب متعددة لا علاقة لذكرها في هذا المقال, وإن لم يندم ذلك الوقت فحتماً أنه حالياً يشعر ليس بالندم فقط بل بالحزن نتيجة ما حصل خلال الأيام الماضية في وندزر كندا من إساءة للجالية الكلدانية بسبب الإدعاء زوراً بتمثيلها من قبل مدلل الرابطة ورئيس فرعها في وندزر كندا من جهة,  والأهم بسبب ردود فعل الجالية المسلمة الناتجة عن البطولة الدونكيشوتية التي وردت في التسجيل الصوتي لمدلل الرابطة وكأن الكلدان على عداء مع تلك الجالية من جهة اخرى.
لا شك بأن الموقف من المسلم الإنسان يختلف كلياً عن الموقف من مفهوم الإسلام. قد تكون هنالك تحفظات إزاء العديد من المفاهيم الواردة في تعاليم الإسلام, وكذا في تعاليم البوذية والهندوسية والزرادشتية, وفي تعاليم كل العقائد والمذاهب المتوفرة على الكرة الأرضية وبضمنها مفاهيم التعاليم الواردة في المذاهب المسيحية نفسها. لكن من يؤمن ويتبع أية من تلك المفاهيم هو من بني البشر الذي ربما يكون سيئاً او حسنا. وحتى السيئات والحسنات تتباين من نظرة إلى نظرة أخرى. لكن الأغلبية تتفق على مزايا وخصال يستحق فيه إبن البشر أن يطلق عليه بأنه إنسان بغض النظر عن الدين والمذهب ووووو ,  وحتى إن كان مع الله أو ضد الله.
ألذي كاد ان يثير الفتنة هو التسجيل بالصوت المسموع لرئيس فرع رابطة وندزر والذي ولا يمكن إنكاره أو نفيه إطلاقاً. إضافة إلى ما يقال عن تورط  كاهن الرعية الكلدانية بتبنّيه عريضة تربط الآذان بقطع الرؤوس, ولكن لا يوجد دليل ملموس على "ما يقال", وما يؤكد  عدم توفر الدليل كوني طلبت نسخة من العريضة من أحد الأخوة السياسيين الكنديين من الجالية المسلمة الذي ساهم بحسن نية  لرأب الصدع بين الجاليتين الكلدانية والإسلامية, ولم أستلم الرد لحد اللحظة. إذن, لا يمكن التعويل على " ما يُقال" وهو مرفوض رفضاً قاطعاً إلا إذا توفر الدليل الملموس, عندها لكل حادث حديث.
في مقولة رائعة للبابا القديس الراحل يوحنا الثالث والعشرون " ألتاريخ معلم الحياة الاعظم" . من هذه الحكمة البليغة يتبادر السؤال التالي:
هل ورد ذكر الآذان ضمن الآيات القرانية؟ ألجواب كلا.
إذن متى بدأ الآذان, ولماذا؟ ألجواب من المصادر الإسلامية كالآتي:
كان تشريع الأذان في السنة الأولى للهجرة النبوية. وسبب مشروعيته:
 لما عَسُرَ على المسلمين معرفةُ الأوقات، وتشاوروا في نصب علامة على دخول وقت الصلاة، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قال: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ (يقدُرُون حِينَها ليأتوا إليها) لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ"

يتضح مما ورد أعلاه بأن الهدف من الآذان لا يختلف أساساً عن الهدف من أجراس الكنائس أو من البوق اليهودي. كلها تستهدف تنبيه الناس على مواعيد الصلاة في زمن إفتقر إلى الساعة أو المذياع أو الهواتف الخلوية أو أية وسيلة اتصال أخرى. لكن في هذا العصر التكنولوجي الحالي الذي تصل الأصوات بواسطته إلى أبعد نقطة في الوجود ويتكلم الساكن في أقاصي الشرق مع المستقر في أخر الغرب صورة وصوتاً, فهل حقاً هنالك الحاجة للتنبيه عن موعد الصلاة عبر الآذان؟ رأيي معروف, ولكن أترك الجواب  للمسلم الإنسان, مع الإتيان بحجج مقنعة وليس مجرد كلمات ومبررات عاطفية.
هنالك مخاوف مشروعة عند المسيحيين عموماً, وبالأخص عند الذين عانوا ما عانوا من اضطهاد وقتل وتدمير وتشريد عبر التاريخ البعيد والقريب بإسم الإسلام, وأخيرها لا آخرها ما حصل ويحصل من داعش والمنظمات الإسلامية التي يُطلق عليها "متطرفة", سواء في الشرق الأوسط أو في إندونيسيا ونيجيريا والباكستان والسودان وموريتانيا وفي كل دولة كبيرة أو صغيرة تتوفر فيها جالية مسيحية وافدة أو من سكان البلد الاصلاء. لقد أفرزت كل تلك الأحداث المأساوية هواجس مقلقة  عند الكثيرين بأن تكون بادرة الآذان بداية لتنفيذ المخطط بعيد المدى لسيطرة الإسلام التاريخي على الدولة التي هرب المسيحيون إليها للعيش بسلام وأمان بعيداً عن البطش الذي يبرره الإسلام في الكثير من آياته القرآنية, وربما يًعيد التاريخ نفسه فيحصل ما حصل لأجدادهم عبر الزمان.
بادر من بادر ومنهم رابطة وندزر بمقابلة عمدة المدينة, وحصلت المجموعة على تأكيد العمدة بأن الموافقة تقتصر فقط على شهر رمضان. طيب وشكراً للمجموعة على هذه المبادرة. لكن, وآه من اللاكن... لماذا ذلك التسجيل البطولي الفارغ الذي حول رسالة المحبة المسيحية إلى ضغينة وكره, وأحال تعاليم المسيح ورسله السلمية إلى صراع وعداء. من يسمع التسجيل الصوتي يستغرب للتهويل والمبالغة ويذكّر الكثيرين بالبيانات الإعلامية التي كانت تصدر بعد كل مواجهة حربية مع الجانب الإيراني أيام زمان. لم يفاجئني الخطاب البطولي الدونكيشوتي لمعرفتي الواسعة بسلوك صاحب التسجيل الصوتي الذي هو من خريجي تلك المدرسة وقد ترعرع بين أحضانها... وهكذا جنت على نفسها براقش.
ألآن السؤال: ألرابطة الكلدانية العالمية –فرع وندزر إلى أين؟
لقد وضع الفرع نفسه في زاوية لا يًحسد عليها إطلاقاً, وما لاقاه وسيلاقيه مستقبلاً لن يسره خصوصاً ولن يسر الرابطة العالمية عموماً أبداً.
*لن تكون هنالك بعد اليوم فرصة استضافة للسفارة العراقية من قبل الرابطة لا كما كان يحصل سنوياً, ليس كون الرابطة هي التي لن تستضيف, بل بالأحرى أن السفارة هي التي لن ترضى بعد الذي حصل أن تكون ضيفاً على مضيّف اقترنت كنيته بإثارة الطائفية. 
* أثار الفرع استياء عمدة المدينة مما دعى العمدة إلى الإشارة بصورة غير مباشرة عن استغرابه من مدى الحقد والكراهية التي يحملها فرع الرابطة.
* تغيّر نظرة الجالية الإسلامية نحو الرابطة واعتبارها مؤسسة متطرفة تثير الفرقة والفتنة.
* بدء الإنسحاب من عضوية الرابطة, وبالفعل انسحب من عضويتها من كان من أشد الداعمين لها معنوياً ومادياً. كما أعلن إعلامياً عضو آخر للملأ أنه كان نائباً للرئيس سابقاً كي يبرئ ذمته مما حصل حاضراً. لأ الومهما إطلاقاُ. 
* لن يورط أي من الكلدان نفسه في قيادة فرع الرابطة وربما حتى في عضوية هيئتها الإدارية بعد الذي حصل لتلوث سمعتها بالفكر الطائفي وبالحقد والكراهية أيضاً. هنيئاً لرئيسها الحالي بالإستمرار والتمتع بمنصبه فيها, ولكن هذه المرة معزولاً تماماً بعد أن كان معزولاً جزئياً.
* ألحرج الذي سيشعر به مؤسس الرابطة ومن معه وحوله بسبب الوضع الشاذ الذي نتج عن التصرف اللاواعي  وغير المسؤول لمدللهم.
تلك النقاط غيض من فيض, والبقية ستظهر عاجلاً ام آجلاً.
جاء دور الرابطة الكلدانية العالمية إلى أين؟
لا أريد أن أتطرق إلى الإخفاقات تلو الإخفاقات التي واجهت الرابطة العالمية, أقلها الظاهر للعيان, وأكثرها المخفي من قبلها. إلا أن هذه الظاهرة التي أشعل فتيلها مدللها في وندزر هي  بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. ألكرة الآن في ملعب المقر الرئيسي للرابطة, والمقر يعلم وعلى دراية تامة بما جرى. ألموقف الصائب والقرار الشجاع متروك له كي يبرهن أنه حقاً مع الكلدان ولخدمة الكلدان لا الطمطمة على المتملقين والوصوليين ثم القبول بالخذلان.
وأخيراً لا آخراً, أقول بأن تفاصيل الحدث المؤسف والأليم موجود على صفحتي في الفيسبوك, والذي من خلاله حاولت مع العديد من الكلدان الأصلاء عبر قنواتهم الخاصة, من التأكيد وإقناع الجالية المسلمة بأن بطل التسجيل الصوتي لا يمثل إلا نفسه ونفر ضئيل من تابعيه من الكلدان. وقد أفلحنا بالتعاون مع الطيبين من الإخوة في الجالية الإسلامية من رأب الصدع وكبح جماح الفتنة إلى الأبد بعون الرب.
كما أود أن أوضح بأنني أرفض التطرف رفضاً قاطعاً مهما كان نوعه ولونه,  وأؤمن بالتعايش واحترام الرأي والرأي المقابل. لي من الإخوة المسلمين الكثير ممن أعتز بهم وأقرأ محبتهم الصادقة في عيونهم وأشعر بمشاعرهم الطيبة تجاهي على محياهم, والإختلاف في الرأي ليس بخلاف.
أشعر انه من الافضل لي أن أساهم في تنمية الفكر المتفتح عند الإخوة المسلمين بغية تحجيم الفكر المتطرف وإبعاده عنهم.
 تحيتي لكل الساعين إلى المحبة والإخاء والعيش المشترك بسلام وأمان, وتباً لكل من يبث الفرقة بحماس, وبطولته فقط  داخل أربعة جدران, ولكن خارجها حقاً مراءٍ جبان سواء كان من الكلدان او من غير الكلدان.


27
ألمَطْهَر الأرضي/كورونا مثالاً
د. صباح قيّا
توطئة:
يتفق جميع المسيحيين على أننا لن نخطئ في السماء. الخطيئة والتمجيد النهائي غير متوافقين إطلاقاً. لذلك، بين خطيئة هذه الحياة وأمجاد السماء، يجب أن نكون طاهرين. بين الموت والمجد هناك تطهير.
وهكذا، يقول التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية :
(Catechism of the Catholic Church 1030–1)
 "إن كل من يموت في نعمة الله وصداقته، رغم كونه غير مكتمل الطهارة هو مضمون حقًا بخلاصه الأبدي؛ ولكن بعد أن يخضع للتطهير بعد الموت لتحقيق القداسة اللازمة لدخول فرح السماء. تعطي الكنيسة اسم "المطهر" لهذا التطهير النهائي للمختارين، والذي يختلف تمامًا عن عقاب الملعونين. 
إن مفهوم التطهير بعد الموت من الخطيئة وعواقب الخطيئة مذكور أيضًا في العهد الجديد في مقاطع مثل 1 كورنثوس 3: 11-15 و متى 5: 25-26 ، 12: 31-32
لمحة تاريخية:
كانت عقيدة المطهر، أو التطهير النهائي، جزءًا من الإيمان الحقيقي منذ ما قبل عصر المسيح. لقد آمن اليهود بذلك قبل مجيء المسيح، كما هو موضح في العهد القديم (2 ماك .12: 41-45) وكذلك في الأعمال اليهودية السابقة للمسيحية. يؤمن اليهود الأرثوذكس حتى يومنا هذا بالتطهير النهائي، وهم يصلون لأحد عشر شهرًا بعد وفاة أحد الأحباء صلاة الحداد من أجل تطهيره.
لطالما أعلن اليهود والكاثوليك والأرثوذكس الشرقيون تاريخًيا حقيقة التطهير النهائي. لم ينكر أحد هذه العقيدة حتى الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر. كما تظهر الاقتباسات من آباء الكنيسة الأوائل، أن المطهر كان جزءً من الإيمان المسيحي منذ البداية.
أكد البابا "غريغوريوس العظيم الذي شغل منصب البابا من سنة 590 – 604 م, وكما جاء في كتاب "تاريخ العقائد المسيحية", أن نار المطهر عقيدة لا تقبل الشك. وغالباً ما يدعى البابا "مخترع المطهر". أقرت الكنيسة الكاثوليكية في ما بعد تعليمها الرسمي عن المطهر في مجمع ليون عام 1274 م ومجمع فلورنسا عام 1439 م, ثم ثبتته في مجمع ترنت عام 1547 م.
‏عقيدة المطهر:
نشر موقع البابا فرنسيس بتاريخ 11 تشرين الثاني 2014 مقالاً شاملاً عن عقيدة المطهر ولأهمية ما جاء فيه اقتبس بعض لمحاته.
https://popefrancis-ar.org/%D8%B9%D9%82%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%87%D8%B1/
 المطهر هو مكان للالم والقصاص، حيث العدالة الإلهية تطهر الأنفس لتصبح مستعدة لدخول الملكوت، إنه مكان وسطي بين السماء حيث الفرح الأبدي، والجحيم حيث الالم الابدي، فهو قريب من الجحيم بآلامه المبرحة، وقريب من السماء بتقديس الأنفس المتألمة، إنه نار آكله، إنما مطهرة.
إنه عقيدة إيمانية (عقيدة يقرها المجمع التردنتيني 1820). وجوهر هذه العقيدة يتلخص بأمرين: إمكانية تكفير التائب عن خطاياه بعد هذه الحياة وفعالية صلاة الأحياء في خلاص الموتى المؤمنين.
إن غفران الخطيئة شيء، وعقاب الخطيئة شيء آخر، فغفران الخطايا لا يمنع من العقاب والتكفير عنها واشتراكنا في آلام المسيح وحيث نتألم معه نتمجد معه, رو 17:8
فالعقاب هو بمثابة تطهير للنفس، كما تطهر النار الحديد من الصدأ ليرجع إلى طبيعته الأولى، هذا العقاب يكون على قدر الخطيئة، يقول السيد المسيح «يكال لكم بما تكيلون» متى1:7
حيث الخطيئة هناك العقاب الّذي يرجع به الإنسان إلى طبيعته الأولى ويتمم الغفران. هذا العقاب الّذي هو بمثابة تكفير إن لم يكتمل في هذه الدنيا، لابد أن يكتمل في الآخرة أي في المطهر قبل الدخول إلى الحياة الأبدية.

ألمطهر الارضي للقديس باترك
قد أكون محظوظاً وأنا أبحث في بواطن الكتب المتوفرة في مكتبتي عن معلومة تتلاءم مع العنوان الذي اخترته لمقالي. وبالفعل عثرت ما لم يكن بالحسبان في "كتاب المصدر الكاثوليكي باللغة الإنكليزية" عن "المطهر الأرضي للقديس باترك", وكما هو معروف بأن القديس باترك 385-461م هو شفيع آيرلندا, ويحتفل الإيرلنديون مع محبيهم في جميع انحاء العالم بيوم "القديس باترك" مرتدين الزي الاخضر المميز. ما جاء في إحدى صفحات الكتاب عن ذلك المطهر الأرضي:
يوجد كهف باسم "مطهر القديس باترك"  في أيرلندا على جزيرة
  Lough Derg, Country Donegal.
  وفي العصور الوسطى كانت هناك كنيسة وكهف من صنع الإنسان على هذه الجزيرة والتي أصبحت مكانًا رائعًا للحج.
يقف وراء سمعة هذه الجزيرة الراهب الإنجليزي "هنري سالتري"، الذي كتب عن مغامرات وعقوبات "السير أوين"، أحد فرسان الملك "ستيفانز"، الذي نزل إلى  مطهر الجزيرة الإيرلندية, مما أشاع أسطورة ألف سنة من مطهر القديس "باتريك", حيث تقول القصة أن المطهر الأرضي أنشأه القديس نفسه، وأن الرب منحه القدرة على رؤية عقاب الخطأة وإظهاره للآخرين، وبالتالي تعزيز تعليمه بالإستعانة بالقليل من الوسائل المرئية.
يقوم القديس "باترك" بإنزال الخطاة إلى هذا المطهر الأرضي  لرؤية الألم والمعاناة التي تلمّ بالنفس في المطهر، وبالتالي يحذر من شر الخطيئة ومخاطر النزوع عن التوبة والصلاح.  تتضمن تجربة القديس "باترك" خلوة الخاطئ لمدة ثلاثة أيام في المطهر مصحوبة بالصيام التام مع النوم على الأرض والمصالحة المقدسة.
هل جائحة كورونا هي المطهر الارضي للبشرية اليوم؟
هنالك الكثير الكثير مما قيل وكُتب عن وباء أو جائحة كورونا. من وجهة نظري أنها عدالة خالق الكل من ناحية ورحمته من ناحية اخرى. إنها عدالة الرب لما آل إليه إنسان اليوم من معاصٍ وضلال, من استغلال وشذوذ, ومن كل ما هو بعيد عن المواهب والثمار التي حددت ورسمت طريق الفضيلة للإنسان عبر تاريخه الغابر والحاضر. ومن جهة ثانية إنها رحمة الرب ينذر بها عباده بالعودة إليه قبل أن يستفحل الطوفان ويغمر البشرية الفيروس اللعين كما غمرها طوفان نوح.
جائحة كورونا تمثل المطهر الارضي الذي يذكرنا بعدالة الرب للخطأة المختارين, ونحن جميعاً خطأة هذا الزمان, حيث القلق والرعب من المجهول, وحيث العزلة والإكتئاب. كما يذكرنا هذا المطهر الارضي برحمة الرب اللامتناهية بمنحه الفرصة لكل امرءٍ كي يستعيد مع ذاته شطط وبشاعة أفعاله وأقواله ويتوب متعذباً ليسير في الطريق الذي يصل به فرح الملكوت.
لقد أراني الله المطهر في أرض الأحياء,  فكيف لي أن أنكر مطهره في الآخرة.



28
هرطقة القلم / رسالة موجهة إلى ألأستاذ Husam Sami مع التحيات
د. صباح قيّا
قام المسيح حقاً قام
التاريخ المسيحي زاخر بأفكار الهرطقة سواء في العصور المسيحية الاولى أو في العصور الوسطى, وحتى في العصر الحديث. معظم تلك الحركات الفكرية إن لم تكن جميعها تتمحور حول الإيمان بيسوع المسيح بطريقة أو أخرى.
إن كانت الهرطقة تلك تعني الزوغان عن الثوابت الإيمانية بعناد, فإن ما يتبعه نفر ضئيل على الموقع هو أيضاً هرطقة, ولكنها قلمية تزوغ بعناد عن الأسلوب القياسي والحضاري المتبع والمتفق عليه في مناقشة الآراء المطروحة بسبب تعارض هذه الآراء مع توجهات ذلك النفر.
للأسف الشديد" هنالك البعض من المصابين بعسر الهضم, والذين يتعذر عليهم هضم الحقيقة الثابتة بأن الحرية الفردية بما فيها حرية التعبير عن الرأي مكفولة في دول المهجر لجميع ساكنيها بغض النظر عن اللون والمعتقد وما شاكل. ليس هذا فحسب, بل أن هذا البعض يتمادى اكثر فأكثر مستخدماً ما يثير القرف والإشمئزاز عند مجابهته الراي الآخر. من حسن الحظ أن هذا البعض لا يمتلك سلطة تنفيذية أو تشريعية وإلا لأرسل الكثيرين, وأنا منهم, إلى حبل المشنقة الفكرية. ما يستميت له هذا النفر المستبد مجرد محاولات يائسة لتكميم الافواه وكسر الأقلام, وفاتهم أن مثل تلك الاحلام أصبح تنفيذها, في عالم الشتات المتحضر, في خبر كان. لا يسعني إلا أن أذكرهم بما قاله الشاعر خليل مطران:
كسّروا الأقلام هل تكسيرُها           يمنع الأيدي أن تنقش صخرا؟
قطّعوا الأيدى هل تقطيعها            يمنع الأقدام أن تركب بحرا؟
حطّموا الأقدام هل تحطيمها          يمنع الأعين ان تنظر شزرا ؟
أطفئوا الاعين هل إطفاؤها           يمنع الانفاس أن تصعد زفرا ؟
أخمدوا الانفاس، هذا جهدكم         و به منجاتنا منكم …فشكرا

أسرد مثلاً لهرطقة القلم بإسلوبها المشين والتي صادفتني من أحد أدعياء الكلدان, علماً بأن كل الإساءات المهينة التي لحقتني خلال سنوات تواجدي على هذا الموقع وردت من الكلدان فقط, وأشدد نعم من "الكلدان فقط". شكراً للرب أن عددهم لا يتجاوز الرقم "خمسة" من بين مئات بل آلاف الكلدان الكرام من رواد الموقع, رغم أن واحداً منهم من الناكرين لكلدانيته ومن اللاهثين وراء الكسب والمنفعة الشخصية.
 نشرت مقالاً نقدياً حسب الرابط :
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,946034.msg7667029.html#msg7667029
ثم كتب دعيُّ الكلدان رداً على مقالي حسب الرابط أدناه:
https://ankawa.com/forum/index.php/topic,947038.msg7668729.html#msg7668729
أتحفه بالتعابير التالية, وقد علّقت الآن للضرورة التي يستوجبها هذا المقال إزاء كل تعبير:
وصف غير لائق: يعني انني بدون ذوق وأجهل أسلوب اللياقة في التعبير
معلومة غير دقيقة تماما بل فيها تلفيق وكذب وتزوير: يعني انني عشوائي وملفق وكاذب ومزور.
معلومة غير دقيقة تماما بل فيها تلفيق وكذب وتزوير: كرر هذا التعبير دليل حقده الباطني. أقول يا سلام على المسيحية المعاصرة.
عبارة ملفقة وفيها بذور الفتنة: يعني أنني ملفق ودساس
تدنيس لكرسي البطريركية: يعني انني ألطخ الكرسي البطريريكي بالنجاسة والوساخة وأعبث بمقدساته. أقول يا سلام على الكلدان الجدد
هل تخاف منه؟ يعني انني جبان. لا أعلم من هو الشجاع إذن؟ حتماً المرائي والمتملق
تلفيق بل اتهام مبطن ضد البطريرك: يعني انني ملفق وشرير وحاقد على البطريريكية
عملية التنظير وكتابة المقالات الملفقة بل المزورة التي كانت تجري في الخفاء سابقا (في الجيش) مثلا: يعني انني منظّر وكاتب تقارير ملفقة ومزورة أي كاسر رقاب الأبرياء. أقول أه من كنيسة هذا النوع من الكلدان
أخي حسام: ماذا كان ردي على محامي البطريريكية وغيره ضمن العدد خمسة؟ ألصمت الذي أجسده في الأبيات الشعرية التالية, والحليم من الإشارة يفهم.
ألصمت سيّد الكلام                     
ألصمتُ سيّدُ الكلامِ أحيانا                       فاصمتْ لِمنْ كلامهمْ هذَيانا
فكمْ مِنَ الناسِ رغمَ عيونِهمْ                    كأنّهمْ بالبصيرةِ عِميانا
يحكونَ ما يحلو لهمْ تَملّقاً                       والويلُ لِمنْ يُحاجِجُ اللسانا
أمّا عنِ الاقلامِ فلا حَرَجٌ                         هيَ واللسانُ في الأفكِ سيّانا
أتتني منهمْ بالأمسِ إساءَةٌ                      رددتُ لهمْ بصمتيَ إحسانا
يا بِئسَ مَنْ يَجهلُ أنَّ ما قيلَ                    لا مَنْ قالَ لهُ بالوعيِ أوزانا
فما الشجاعةُ أنْ يطعنَ المرءُ                  مَنْ ليسَ لهُ بالموْقفِ ألوانا
هوَ الثباتُ على المبادئِ مَنْ                    يمنحُ الرأيَ بالأقوالِ بُرهانا
مهزلةُ اليومِ أنَّ التذبْذُبَ                         قد صارَ عندَ البعضِ عرفاً مُصانا
سيلفظُ التاريخُ تلكَ الشلّةِ                        كما لفظَ الذي قبْلاً أذانا
بوركتَ يا مَنْ قلتها حكمةً أنْ                   لا يصحُّ إلا الصحيحُ زمانا


29
هل لكل هذا الهَلَعْ من فيروس "كورونا" ما يُبررهُ؟
د. صباح قيّا
ربما يتذكر البعض ما حصل في الوطن الأم عام 1971 بسبب الحنطة المُعفّرة بالزئبق والتي تم استيرادها وتوزيعها على الفلاحين لزراعتها. لماذ كانت الحنطة معفرة بالزئبق؟ ألجواب كي تمنع الفطريات من التكاثر والنمو وبالتالي يمكن زراعتها بنجاح. لكن ما حصل أن استيراد الحنطة لم يكن في الوقت المناسب لزراعتها مما حذى بالفلاحين لاستهلاكها كطعام لذيذ. والمعروف عن الزئبق أنه من العناصر الثقيلة التي تترسب في أعضاء جسم الإنسان كالجهاز العصبى, الكليتين, ألرئتين, الجهاز الهضمي, والجهاز المناعي, وقد يؤدي إلى الوفاة. وبالفعل ظهرت على عدد من الفلاحين سلوكيات غريبة مع أعراض الإصابة بالأجهزة الجسمية المذكورة آنفاً وأدت إلى الوفاة في حالات كثيرة. تُقدّر الأرقام الرسمية ببضع مئات من الوفيات لكن الحقيقة قد تصل إلى بضع آلاف. إحتار الأطباء في بدء الامر وأشارت أصابع الإتهام إلى الكلاب والقطط كسبب في انتقال تلك الحالات الغريبة عن الوسط الطبي بين الفلاحين مما حفّز السلطات للإعلان عن مكافأة نقدية لكل من يسلّم قطة أو كلباً إلى الجهات ذات العلاقة, وبالفعل تم التخلص من الكثير من الكلاب والقطط السائبة في حينه ولكن بدون جدوى إلى أن تم معرفة السبب الفعلي الكامن وراء ما استجد على الساحة الصحية العراقية عندها بطل العجب.
قد سمع او قرأ البعض عن الموت الاسود الذي يُطلق على مرض الطاعون الذي هاجم العالم وبالذات أوربا للفترة من 1346-1353 وحصد الملايين من البشر بما يقارب 30 مليون أو أكثر, وربما أضعاف هذا االرقم حسب بعض المصادر بما يصل ألى حوالي ثلثين من نفوس أوربا ذلك الزمان والتي احتاجت إلى ما يقارب 200 سنة للعودة إلى نقطة الصفر, التي تختلف عن نقطة الصفر للكاتب الساخر نيسان الهوزي, أي إلى عدد نفوسها قبل اجتياح الطاعون لها. ليس غريباً أن تحل مثل هذه الكارثة الصحية  في زمن تتعايش الفئران فيه مع الإنسان, ولم تكن النظافة الفردية أو الجماعية, في العالم عموماً والمتحضر خصوصاً, كما هي الحال اليوم, بالإضافة إلى عدم توفر اللقاح المناسب لدرء المرض, أو المضادات الحيوية والعقاقير الأخرى الكفيلة بمعالجته والقضاء عليه.
لا شك بأن هنالك من يحمل البعض من المعلومات عن وباء الإنفلونزا الذي زعزع العالم من 1918-1919 فأصاب ثلث عدد نفوسه آنذاك بما يقارب 500 مليون نسمة, وتسبب في إزهاق 50 مليون من الارواح, ويقال أن جد الرئيس الأمريكي الحالي " دونالد ترامب" كان من بين ضحايا المرض, "والله يستر من الآتي". ما حصل في تلك الفترة تحصيل حاصل لطبيعة المرض الذي سببه فيروس ينتقل بسرعة من فرد ألى آخر عن طريق الرذاذ المتطاير وملامسة المواد الملوثة به  , بالإضافة إلى عدم توفر اللقاح للوقاية من المرض من جهة وعدم توفر المضادات الحياتية لمعالجة المضاعفات التي تسببها الجراثيم المتنوعة نتيجة ضعف مناعة الفرد المصاب من جهة أخرى.
لا تختلف الإصابة بانفلونزا "كورونا" أو " كوفد 19" عن المسلسل الإنفلونزي الذي سبق أن أطلّ ولا يزال يطل على بقعة أو أكثر من بقاع المعمورة بين فترة زمنية وأخرى. طبيعة الفيروس في إصابته للإنسان وطريقة انتشاره إنفلونزية بمعنى الكلمة. من الممكن أن ينتشر بسرعة فائقة و يخرج عن مدار السيطرة في أي وقت. إنه مرض معدي كأي إنفلونزا أخرى , وتكمن خطورته الحالية كون مصدر المرض لم يحدد بعد لحصره ومكافحته من ناحية, وكون اللقاح الواقي لم يُكتشف بعد من ناحية أخرى. كل ما كتُب وأعلن عن الإجراءات الوقائية عملي ومنطقي ومن الافضل التقيد بها. من المهم جداً تحديد حركة وتنقل الأفراد وتجنب التجمعات كلما امكن ذلك. نفر مصاب واحد يمكنه من إيصال ما يحمله مجاناً إلى العشرات بل المئات في لحظة زمنية عابرة.
من حق العالم أن يُصاب بالهلع, وللهلع ما يبرره وخاصة في الظرف الحالي الذي يُغلف واقع الفيروس وحركة انتشاره. هنالك من يتوهم بأن الإسلوب الإعلامي الذي يتعامل مع الموجود على الساحة مبالغٌ فيه, ويتوهم أكثر من يظن أن " كورونا" جزء من نظرية المؤامرة بأهداف اقتصادية أو سياسية أو عسكرية وما شاكل. إنفلونزا " كورونا" شرارة قد تتحول إلى حريق هائل على حين غرة, وما على الإنسان إلا أن يساند أخيه الإنسان في محنة قد تلتهم الاخضر واليابس على حد سواء, وعليه ايضاً مسؤؤلية المساهمة في كل ما يحد من انتشاره ويعجّل من القضاء عليه.
لنتذكر مقولة البابا القديس الراحل يوحنا الثالث والعشرون " ألتاريخ معلم الحياة الأعظم", ونتعلم من دروسها, لا أن نستمر باجترار ما أفرزه الماضي من آلام ومعاناة كأية قصة حزينة.
كمْ أرى مِن البلايا مَنْ تفتكُ بالبشّرِ
أعاصيرٌ وأمراضٌ تُلوِّحُ بالشررِ
كأنها نذيرُ الربِّ عن موعدِ الحَشَرِ
أحقاً نتذكّرُ اللهَ ساعةَ الخَطَرِ؟
أجيبوني
   


 

30
شذرات من ذاكرة الإحتلال الامريكي – ألجزء الثاني
د. صباح قيّا
يتذكر الكثيرون وعود الرئيس الأمريكي قبل الإحتلال بانه سيصدر الديمقراطية إلى أرض الرافدين, وسيتمتع أهاليها بنعيم الحرية بعد حرمان طويل...ربما كان الشعب في ذلك الحين مؤهلاً لتقبل النظام العلماني على الطراز الغربي, وإن لم يكن من قبل الاغلبية فلا شك أن هنالك شريحة واسعة كانت تحبذ هذا الإتجاه.
جمعني نقاش مع عدد من الزملاء بينهم الشيعي والسني. قال احد الشيعة بأنهم لا يمانعون بأي عراقي يحكم العراق حتى لو كان مسيحياً بشرط أن يكون عادلاً. إذن العدالة شرط أساسي للحكم وليس الإنتماء الديني أو المذهبي أو القروي وما شاكل. وعلى النقيض من ذلك, هنالك من الشيعة أنفسهم من كان يخطط لإحتواء كافة المناصب في الوزارات لإشغالها من قبلهم متشبثين بالرأي " ما يؤخذ اليوم لن  يُسلم غداً". هنا تظهر النعرة الطائفية الإحتكارية بوضوح وذلك ما تم تطبيقه بالفعل والذي أدى إلى حصول ردود أفعال متشعبة وخلق واقع غريب أدى إلى إقتراب الوطن من الهاوية, إن لم يكن قد سقط فيها بالفعل.
يتبادر الآن السؤال التالي: هل كانت نية الأمريكان حقاً إحلال نظام يمنح الحقوق لكافة أطياف الشعب بالتساوي بدل الحكم ذي النزعة الفردية والسيطرة المناطقية؟ ألجواب,بحسب وجهة نظري المتواضعة, نعم في بدء الإجتياح...لكن أثبتت الوقائع بأن ذلك الهدف قد تم تأجيله لحين تدمير البلد ثم البدء من نقطة الصفر.
بزغ إسم الجنرال الأمريكي"جي كارنر" بعد سيطرة الحلفاء على دفة الأمور, وتم تنصيبه كمدير لما يسمى " دائرة إعادة الإعمار والمساعدات الإنشائية في العراق", والذي بمثابة الحاكم الفعلي لسلطة الإحتلال في البلد الجريح. لقد كانت شخصية الجنرال معروفة عند العراقيين وخاصة في كردستان العراق حيث يشاد له بدوره المميز في إرساء ما ألت إليه منطقة كردستان العراق وقتئذ وما يلاحظ عليها اليوم.
باشر الجنرال المتقاعد مهمته في شهر آذار من عام 2003. والحق يقال, بادر في رسم الطريق الصحيح لوطن أنهكته الحروب, واتخذ من مبدأ الإعتماد على التكنوقراط منهجاً أساسياً  لتسيير أمور البلد, وبالفعل اجتمع في أكثر من مناسبة مع مجموعة منهم. أبدى وجهة نظره بأن العديد ممن انتسب إلى الحزب الحاكم حصل ذلك بهدف تأمين مستقبل مهني معين, فلا مشكلة له مع هؤلاء بل المشكلة مع كل من أساء وساهم في جرائم النظام على حد تعبيره. وبالفعل ابقى العديد من الحزبيين في مناصبهم بعد ان اشترط عليهم التنكر للحزب واستنكار أعماله. أتذكر جيداً زميلاً لي مشهوداً له بالكفاءة وحسن السيرة ممن كان يشغل منصب "مدير عام" لإحدى دوائر وزارة الصحة واستمر في مهامه لحين إنهاء خدماته بعد رفضه الإذعان للشرط أعلاه.
ومن خطط الجنرال أيضاً إجراء انتخابات خلال 90 يوماً , وسحب القطعات الأمريكية بسرعة من المدنً. وظهرت حسناته البعيدة عن الطائفية عند اختياره خمسة أشخاص للقيام  بدور الوزارة والذي أغاظ الإخوة الشيعة كما يشاع لشعورهم بأن تمثيلهم في الحكومة دون المستوى المطلوب ولا يتناسب مع نسبتهم العددية مقارنة بمجموع السكان,  حيث وقع إختيار الجنرال على شخص شيعي واحد فقط,  وثلاثة من السنة, والخامس نصفه شيعي.
بالرغم من المخطط الصحي الذي رسمه الجنرال المتقاعد عن كيفية بناء العراق من جديد, تم استبداله  بلا سابق إنذار بالسفير "بول بريمر", وقد باشر الأخير في منتصف شهر مايس تقريباً كحاكم لما يسمى حسب ما أتذكر بسلطة الإئتلاف الإنتقالية. ويظهر أنه قد تم تهيئته لإكمال تدمير العراق والذي بانت بوادره عند إلغائه كل المؤسسات التي تتولى المهمات الدفاعية أمام الهجمات الخارجية, وأيضاً المؤسسات التي تحافظ على الأمن والنظام في الداخل. أدى هذا القرار, كما هو معروف, إلى خلق مواكبً طويلة من العاطلين من جهة, وإلى بروز الجريمة بأنواعها نتيجة التسيب وغياب القوات الأمنية من جهة اخرى... وحصل الذي حصل.
منطقياً, لا يمكن قبول أي مبرر لإصدار مثل هذا القرار التدميري. لقد تحولت كل الدول الإشتراكية التي كانت تحت قبضة حكم الحزب الواحد إلى أنظمة ديمقراطية متعددة الأحزاب بطريقة سلمية ودون إراقة الدماء باسثناء رومانيا...  وهذا بالضبط ما اراد تحقيقه "جي كارنر" والذي لم يرق لواشنطن في حينه رغم كونه,  حسب اعتقادي, هدف أمريكا الأساسي, ولكنها أرجأت الهدف لغايات متعددة قد يحل رموزها الضليعون في ألاعيب ودهاليز الساسة الأمريكان. لقد ساهمت أمريكا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في الوضع المأساوي الذي وصل إليه الوطن الغالي من كافة الجوانب بضمنها التشبث بالطائفية والمحاصصة وتسليم البلد لقمة سائغة إلى إيران الأجنبية, ناهيك عن الفقر المدقع وتسيّد المليشيات والعصابات الإجرامية الأخرى وووووو...
هل حان وقت التغيير؟ نعم, والأمل أن يتحقق ذلك بهمة الغيارى من أبناء الشعب البار.
كنت لا أزال هنالك بعد سيطرة الرعاع نسبياً على الشارع العراقي. أخبرت زميلاً لي من أهل النجف كنت مشرفاً على البحث الذي يعده كأحد متطلبات دراسته العليا. قلت له: تعتبر النجف بتاريخها الحديث ومواقف أهلها وثقافتهم مفخرة للعراقيين كافة, كيف تسمحون بسيطرة الرعاع اليوم على مقاليد الامور هنالك. أجابني: أستاذ, لتبقى ثقتك بأهل النجف كما هي. ألمثقفون يراقبون الامر بحذر ودقة, ولا تتوقع منهم أن ينزلوا إلى الشارع ليصطدموا بهؤلاء الرعاع, لكن ثق أنه سيأتي الوقت المناسب لخروجهم وسيطرتهم على الشارع.
نعم... أطلت بوادر ذلك وهي تقترب رويداً رويداً, والشرارة قد اصبحت شعلة الآن.
قد أكون مخطئاً, لكنه مجرد راي. ما خططت له أمريكا ومن معها, أرجأته لهذا اليوم. لقد انكشف للشعب كل شيء خلال الفترة من مايس 2003 إلى تشرين الاول 2019. لقد حل وقت التغيير عن قناعة. ألشعب مقتنع أن العراق يبقى العراق, أن العمائم لا بد لها أن تعود لأماكن العبادة والصلاة. أن الفاسدين وسراق قوت الشعب لا بد أن يرحلوا. لقد جاءت بهم أمريكا على ظهر دباباتها, وها هي قد بدأت بترحيلهم, ولكن كيف ومتى نهائياً؟ سيقرر الشعب الثائر ذلك قانوناً...تجارب التاريخ تشير أن العميل نهايته على يد من استأجره للعمل كعميل, والأيام القادمة حبلى بالمفاجئات.
رابط الجزء الاول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,958347.0.html

 

31
شذرات من ذاكرة الإحتلال الامريكي
د. صباح قيّا
لا أعلم من أين جاءت الإشاعة التي انتشرت بين المتعلمين وغير المتعلمين على السواء بأن 
أهالي العراق سيغطون في سبات عميق نتيجة القنابل الأمريكية التي ستسقط على العراق استعداداً لإحتلاله والسيطرة عليه. بل ذهب البعض أبعد من ذلك بأن معظم العراقيين سيحصدهم الموت نتيجة الضربات الامريكية. وبالفعل جاء البعض  من طلبة كلية طب بغداد , حيث كنت ضمن الهيئة التدريسية آنذاك,  ليلقي عليّ كلمات الوداع لاقتناعه بأننا سوف لن نلتقي بعد. وبصراحة كنت أستقبل كلماته بابتسامة يُفهم منها عدم قناعتي بما يعتقد.
ألمهم وقعت الحرب وحصل الذي حصل. شاهدت بأم عيني امتعاضاً ومعارضة من ناحية, واستقبالاً وزغردات من ناحية اخرى.
هنالك الكثير من المناظر المؤلمة التي افرزها الإحتلال الامريكي شاهدتها بنفسي . أذكر منها مشاهدتي لمواكب المدرعات تجوب محلات بغداد  برفقة ضباط من دول الخليج يوجهون تعليماتهم بصيغة الامر إلى الأهالي باللغة العربية ذات اللكنة الخليجية.... مجاميع السلب والنهب تجوب شارع فلسطين جيئة وذهابا بين السوق المركزي ومدينة الثورة, وقد أخبرني أحد معارفي من هناك بأن "السيد" أوعز بجلب خُمس المسروقات إلى الجامع كي تصبح السرقة حلالاً ...يا سلام على هذا الحلال... ما أحزنني اكثر عند عودتي بعد بضعة أيام للدوام في الكلية إيقاف سيارتي بالقرب من مدينة الطب من قبل عسكري من الحلفاء يرافقه أحد أطباء المدينة الشباب الذي همس بإذن العسكري فتركني أكمل السياقة إلى موقف سيارات المدينة.  ورغم ذلك تملكني إحساس أليم وشعور عميق عن مدى الإساءة التي تعرضت لها في بلدي من قبل غريب دخيل مدجج بالسلاح يستوقفني ويستوقف هذا وذاك من المواطنين ... إنها حقاً مرارة الإحتلال الذي لا يطاق... وزاد حزني عند مشاهدتي كافة الأوراق والسجلات والأضابير وكل ما يخص عمادة الكلية وإدارتها مبعثرة على الأرض, وقد عثرت من خلال تجوالي بين تلك الأكوام الورقية والكارتونية على ختم عمادة الكلية الذي سلمته بفرح يشوبه الاسى إلى إدارة الكلية.
نصب أحدهم بعد الإحتلال من نفسه محافظاً للعاصمة بغداد أو القائم بأعماله. أعلن عن توفر فرص مغرية للعمل. إتخذ من أحد الفنادق المعروفة مقراً له. تقدم المئات بل الألوف من الذين أفقرتهم سنوات الحصار العجاف للتقديم علماُ أن كلفة استمارة التقديم  مائة دولار للشخص الواحد على ما أتذكر. إستمر الحال على هذا المنوال لأيام عديدة جمع " الدعي" ما خطط له واختفى عن الأنظار مع الإستمارات والدولارات وخاب ظن المساكين من سليمي النيات... ورد إسم هذا الدجال ضمن قائمة المليارديرية التي نُشرت مؤخراً... فأهلاً بالإنتفاضة على الفاسدين.
كنت ممثلَ الطبابة العسكرية في لجنة إستيراد الاجهزة والأدوات الطبية لأمراض القلب التي مقرها في وزارة الصحة, واستمرت عضويتي في اللجنة بعد نفل خدماتي إلى وزارة التعليم العالي, وحتى بعد دخول الحلفاء. قدّمت إلينا عروض لإستيراد أجهزة قياس ضغط الدم. جاءنا إيعاز بأن الأمريكي الذي يقوم بمهام وزير الصحة آنذاك يطلب من اللجنة اختيار الآلات الهوائية للقياس فقط  ويرفض الزئبقية. لم يرق للجنة وأنا أحدهم مثل هذا الأمر.  تم مناصفة العرض بين الهوائية والزئبقية. طلب "الوزير الأمريكي" مقابلتنا. أصر على رأيه وفعلنا نفس الشئ بالمفابل. أخبرنا أنه لن يصادق على قرارنا إطلاقاً, وأخبرناه وجهاً لوجه بأننا لن نغير ما اتفقنا عليه. كان لكل طرف وجهة نظره ولم يستطع أي طرف إقناع الآخر. علمت بعدها من المسؤولين العراقيين في الوزارة بأن " الوزير الأمريكي" نفذ ما اراد... بصراحة, لم يصادفني مثل هذا الإجراء التعسفي لا من قبل وزراء الصحة العراقيين ولا من أي من المدراء  طيلة السنوات الطويلة التي عملت فيها في اللجنة المذكورة... إذن من يحكم حالياً لا بد وأن كان بيدق شطرنج تحركه الإدارة الأمريكية التي سلمت البلد بعد فترة وجيزة لمعممي إيران يفعلون به ما يحلو لهم... فما احلاك أيتها الإنتفاضة على العملاء الفاسدين.
شاءت الصدف أن أتجاوز عن غير قصد عجلة عسكرية خلال قيادة عجلتي برفقة عائلتي في منطقة ضباط "زيونة". شعرت فجأة بأن عجلتي تُسيّرها عجلة أخرى والمارة ينادون عليَّ: (دير بالك, إنتبه, إطلع من الطريق, سيارة أمريكية وراك). إستدرت بسرعة  نحو الرصيف وتابع الأمريكي طريقه بجنون. أنزلت عائلتي على الرصيف ولحقت العجلة الأخرى حيث أحسست بحدسي العسكري المتراكم من الخبرة بأنه سيتوجه نحو مقر وحدته العسكرية, وهذا ما حصل بالفعل. وما أن شاهدني داخل وحدته حتى جاء نحوي يصرخ  بوجهي بعصبية قائلاً بالأمريكية: ألا ترى سيارة عسكرية أمريكية أمامك؟ كيف تتجرأن تتجاوزها؟. أهملته وتوجهت إلى ضابط يبدو عليه الهدوء فسألني عن الأمر. شرحت له ما حدث وقلت له بالحرف الواحد: لقد استقبلكم العراقيون بالورود, ولكن لو تستمرون بهذا الاسلوب عندها سيودعكم العراقيون بالقشور. إعتذر مني وأعطاني ورقة كتب عليها ما يدل على تصليح الضرر الذي لحق بالعجلة على حسابهم وفي إحدى الورش المعتمدة من قبلهم... قد يصدق القارئ الكريم أو لا يصدق بأنني لم أذهب إلى الورشة وأبقيت سيارتي كما هي, وتم بيعها مع "الدعمة". سألني زملائي في القسم عن سبب عدم تصليحها على حساب الامريكان وهذ حق من حقوقي؟ أجبتهم سأبقيها وصمة عار بجبين المحتلين ... فتباً للإحتلال مهما كان وأياً كان.
تم اختياري في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الطبي الأول الذي انعقد في قصر المؤتمرات ببغداد برعاية الأمريكي القائم بأعمال وزير الصحة. لم أحضر الإجتماع الاول ولا الثاني. إتصل بي أحد الزملاء المخولين مستفسراً. أخبرته انني مشغول وليس لي وقت. بالطبع هذه كانت مجرد حجة حيث لم أحضر أي من جلسات المؤتمر ولم أشارك لا كمستمع ولا كمساهم. إستغرب زملائي في الكلية عن ذلك وأنا المعروف بينهم بمشاركاتي المنتظمة لا كمستمع فحسب بل كباحث في معظم الاحيان. أخبرتهم أن هذا المؤتمر واجهة من واجهات الإحتلال وينعقد تحت مظلته ويكرس وجوده لذلك لا ارى نفسي جزءً منه... غادرت الوطن إلى المملكة المتحدة. إتصلت بي إحدى الزميلات التي كانت معي في القسم قائلة: نتذكر موقفك من تصليح العجلة وموقفك من المؤتمر دائماً ونقول (كيف أن صباح المسيحي فهم الفلم فقاطع المؤتمر ونحن هرولنا بدون عقل نحوه واكتشفنا غايته بعد فوات الأوان), علماً أن زميلتي من المذهب السني وكان الحديث يدور بين الزملاء السنة... فأهلاً بالإنتفاضة على الطائفية.
ما قيل أعلاه غيض من فيض, ولا يمكن تغطية كافة الوقائع بمقال .
لا بد من الإشارة أن ما بدأ في الأول من تشرين الأول هو امتداد لما كان المفروض به أن يحصل بعد سيطرة الحلفاء وبالذات أمريكا على دفة الامور في أرض الرافدين. ألذي أقصده هو أن إرساء أسس الديمقراطية وترسيخ مبدأ العدالة بين أبناء الوطن الواحد وبناء عراق نموذجي تحتذي به دول المنطقة جميعاً ويتباهى به الامريكان على مر الأزمنة, كان لا بد أن يحصل في البدء, ولكن تم إرجاءه لغاية بل غايات متعددة... لقد تعمد الامريكان تدمير العراق وإيصاله إلى أدنى مستوى من الفقر وانعدام الأمان وتهجير النخبة المتميزة من أصحاب العقول في شتى مجالات الحياة. لقد شعرت أمريكا اليوم بأن العجينة قد اختمرت وأن أوان التغيير وتحقيق ما كان معداً سابقاً... يتبع   

 

32
ألمشورة والإستشارة في قرار ظهورغبطة البطريرك مع التظاهرات الشبابية
د. صباح قيّا
أعترف بأني مع الإيمان بالرغم من الشكوك التي تراودني بين فترة وأخرى, ومن حسن الحظ انني لا أستسلم للشكوك بل أبحث من خلالها عن الحقيقة التي تجعل كفة الإيمان عندي هي الراجحة وخاصة عندما أرى الشمس ساكنة في موقعها لا تقترب مني ليذيبني شعاع حرارتها ولا تبتعد عني فأجمد من فقدان دفئها. إذن, من خلال هذه الملاحظة الحياتية أقر بلا تردد بأنه لا بد وأن يكون هنالك مصمم يتحكم بتوازن هذا الكون اللامحدود للمحافظة على الكائنات من الزوال ويبعد العالم عن الفناء. كما أعترف بأني لست من المتعمقين في التدين, وأن معلوماتي اللاهوتية متواضعة. لكن رغم ذلك أرى نفسي, في أغلب الأحيان, ميالاً لسماع ومطالعة ما جاء في الكتاب المقدس من نصوص, وتستهويني أكثر قراءة سيرة القديسين والرسل التي أقف مبهوراً أمام سعة عطائهم وعظمة تضحياتهم من ناحية, ومحبطاً لما آلت إليه الفضائل المسيحية والخصال الإنسانية عموماً من ناحية اخرى.
من خلال ما ذكرته يتراءى لي من وجهة نظري الشخصية بأن الإيمان المسيحي وبالذات الكاثوليكي منه يتوسط مثلثاً متساوي الأضلاع قاعدته التطويبات كما جاءت في موعظة المسيح على الجبل (متى 5: 1-12), ويتمثل أحد أضلاعه الجانبية بمواهب الروح القدس كما ذُكرت في كتاب أشعيا النبي (2:3-11), وعلى الضلع الجانبي الآخر تستقر ثمار الروح القدس بحسب الرسول بولس (غلاطية 22:5). وتقف وصايا الله العشرة على الزاوية العليا للمثلث, وترتكز إحدى الزاويتين لقاعدة المثلث على قيامة المسيح, والأخرى على بتولية مريم العذراء. هل هنالك أعظم من هذا المثلث الإيماني؟ وكيف يا ترى سيكون موقع الفرد تجاه خالقه من جهة وأمام مجتمعه ومع نفسه من جهة أخرى لو التزم بحيثيات ومعاني مثل هذا المخطط ؟
سوف أسمح لنفسي, بعد هذا العرض التمهيدي, أن أناقش بنظرة محايدة وإسلوب مجرد مبادرة غبطة البطريرك الكاردينال الكلي الطوبى لويس ساكو وظهوره الفعلي سواء خلال زيارته لجرحى المظاهرات أو مشاركته السلمية مع حشد المتظاهرين والفرحة تغمر وجهه الباسم حسب اللقطات المنشورة في الإعلام.
تستوجب المناقشة تحديد معنى "المشورة" التي هي واحدة من مواهب الروح القدس  التي أوردها النبي أشعيا. لا يسعني إلا أن أعبر عن امتناني لمجلة نجم المشرق (تحديث 2 تموز 2014) التي تناولت موهبة المشورة كما يلي:   
موهبـة المشورة : من خلال هذه الموهبة يلهمنا الروح القدس ما الذي يجب قوله وما الذي يجب السـكوت عنه، ما الذي يجب علينا فعله وكيف يجب علينا القيام بـه، ما الذي يجب علينـا اختياره وما الأمر الذي يجب علينا التخلّي عنه، ليس نظريًا ولكن في الأوضاع الواقعية والعملية في الحياة.
تحفزنا الهامـات الروح القدس باسلوب هـادئ وبدون عنف لنقوم بالأعمـال الصـالحة ؛ وطالما نستسلم لإلهامـات الله ونطيع توجيهـاته الحكيمة سوف نرى الحقائق بوضوح ونشعر بالراحة والطمأنينة
.
من حسن حظي بأن راعي الكنيسة قد تناول في الإسبوع الماضي شرح موهبة المشورة بإسهاب خلال ساعة دراسة الإنجيل الإسبوعية التي أحضرها شخصياً بانتظام قدر الإمكان. ما استنبطته من تطرقه بأن موهبة المشورة تحل من الروح القدس على من يطلبها خلال صلاته العميقة داخل الكنيسة, وبذلك تقوده للمضي كما جاء في مقال مجلة نجم المشرق أعلاه.
 لا أشك إطلاقاً بأن غبطة البطريرك قد انفرد في صلاته كي يلهمه الروح القدس ليقول غبطته أو يفعل ما هو مناسب وصحيح... بصراحة أتردد كثيراً في الإقتناع بهذا الرأي وذلك من خلال مطالعتي لتاريخ الكنيسة وما أفرزته من شرور ودمار وإبادة خلال الألفين سنة من الزمان, وكم من المرات تبوأ على قمة الهرم الكنسي العام او الخاص ولحد اليوم من هو الشيطان بسلوكه وربما أسوأ. لذلك أشعر بأن الروح القدس قد أنهى مهامه بعد أن حل على التلاميذ والرسل في يوم العنصرة, وأشك كثيراً إن يكن قد حل على أي من رعاتنا الأجلاء مهما كان الظرف والمكان مع خالص احترامي وتقديري لهم جميعاً. كما أن المعلومات الواردة في الكتاب المقدس تشير بأن الروح القدس يحل بهيئة رمز معين, فاحياناً كالحمامة, وأخرى كألسنة من نار ولهب, وربما هنالك المزيد. لم تسجل أية حالة في عصر ما بعد التلاميذ والرسل أن ادعى احدٌ أن الروح القدس قد حل كرمز ما كالسابق سواء عند اختيار البابوات أو انتخاب البطاركة أو الترشيح للمطرانية والأمثلة تطول. كل ما يقال هذه الايام عن حلول الروح القدس مجرد شعور إيماني يفتقد حتى إلى الدليل الرمزي الذي عاصر أيام المسيح وعهد الرسل... ولا يمكن أن أتهم الروح القدس بما حصل سابقاً وما يحصل حالياً من سلوكيات أبعد ما تكون عن المثلث الإيماني أعلاه. فهل يعقل أن يزرع الروح القدس بحلوله ما يفعله الشيطان لإغواء بني البشر بمكره ودهائه ؟ أجيبوني...
يتبادر الآن السؤال التالي: هل انفرد غبطة البطريرك بقراره أم استأنس برأي أو أكثر؟ لا يختلف إثنان من العقلاء بأن ما يصدر عن غبطته ينعكس سلباً أو إيجاباً على مجموع رعيته خصوصاً وعلى المسيحيين في العراق عموماً. من لا يتذكر كيف أن ما قاله البابا المستقيل بنديكتوس السادس عشر عن انتشار الإسلام رغم واقع الحال إلا أن تأثيراته الجانبية طالت الكثيرين فأعقب التصريح تفسير. إذن ما يقوله أو يفعله غبطة البطريرك حتماً له أبعاد قد تصيب وقد تخطئ... هنالك حقيقة لا بد من الإقرار بها والتي تشير إلى كون العقلين أفضل من عقل واحد والثلاث أفضل من الإثنين وهكذا. هذا يعني أن الإستشارة سمة تقود بصاحبها في أغلب الأحيان إلى بر الأمان.  فهل أخذ غبطته بمبدأ الإستشارة أم لا؟...إن لم يستشر أياً من الرعاة فذلك يعني الإنفراد بالقرار وافتقاد غبطته ,حاشاه, لروح العمل الجماعي بالرغم من أن التأييد قد لا يكون عن قناعة لأسباب ودوافع متعددة, ونادراً أن يكون هنالك من تتوفر عنده الشجاعة لمناقشة ما قد لا يروق لغبطته. هذه من ناحية الإكليروس. أما من ناحية العلمانيين فإن أحجم غبطته عن استشارة أحدهم فذلك يدل دلالة لا تقبل الجدل بأن الحديث والتشبث بدور العلمانيين داخل الكنيسة ما هو إلا بدعة استهلاكية تنطلي على السذج فقط, وكذلك وجود ما يسمى بالهيئة أو اللجنة الإستشارية ما هو إلا حبر على ورق وأعضاؤها, مع الإعتذار, لا بالعير ولا بالنفير كما يقال... هذا من جانب. أما من الجانب الآخر, أي في حالة استشارة غبطته, فعندها كما أسلفت قد تكون مجاملة من قبل الإكليروس لا يمكن الإعتداد بها. لكن, ربما استشار غبطته مَنْ مِنْ خارج الإكليروس, هنا أتساءل من صاحب الحظ السعيد الذي لاقى هذا التكريم. إن كان من السياسيين الحاليين, فما عليّ إلا أن أندب حظ المسيحيين على مثل هذه الإستشارة. لماذا؟ ألجواب بسيط. لأنهم من نفس الطينة التي أججت المظاهرات الشبابية ولو كانت لأي منهم  ذرة من الإحساس لترك الكرسي ليقضي بقية عمره يكفر عن مدى الأذى الذي ألحقه بالشعب العراقي عموماً وبالمسيحيين خصوصاً. أما إن كان العلماني من غير السياسيين, عندها لا بد من إجراء حساب دقيق لردود الأفعال الإيجابية منها والسلبية كي يستند قرار المشاركة أو عدمه على الكفة الراجحة.
خلاصة القول أن جواب فردية اتخاذ قرار المشاركة من عدمه يكمن عند غبطته لا غيره. ومهما كان فإن الذي يتحمل مسؤولية تبعات المشاركة مستقبلاً سواء بالصالح أو الطالح على أبناء الرعية المساكين هو غبطته حصراً.
وأخيراً لا آخراً, لا بد لي أن أعبر عن رأيي حول الموضوع كفرد من رعية غبطته والذي لا علاقة له بموقفي من المظاهرات الشبابية بل يقتصر فقط على مشاركة غبطة البطريرك بشكل أو بآخر مع التظاهرات في البلد الجريح, ألا وهو: من الضروري جداً أن لا ينفرد غبطته باتخاذ مثل هذه القرارات الجسيمة التي هي كسيف ذي حدين, بل أن يستشير أكبر عدد ممكن من الإكليروس بالإضافة إلى البعض من العلمانيين من ذوي الخبرة والحصافة في الرأي ومن الذين يتمتعون ببعد النظر والتقييم الدقيق لكافة النتائج المحتملة.
أبشع خطأ يقع فيه الطبيب عندما يعتقد أن تشخيصه للمرض لا يقبل احتمالاً ثانياً
... واللبيب من الإشارة يفهم.       

33


قصتي مع المحاولات الشعرية
د.صباح قيّا
خط قلمي أولى محاولاتي الشعرية في نهاية خمسينات القرن الماضي خلال مرحلة دراستي الأعدادية

أودعت القلم جانباً منذ دخولي كلية الطب إلا من بعض المحاولات المتقطعة بين فترات متباعدة في مناسبات محددة وبرعاية الكنيسة

أمسكت القلم ثانية من غير ميعاد في بدء العقد الثاني من القرن الحالي لأنشر بانتظام بإسم " صباح قيّا " في موقعي ألقوش . نت وعنكاوة . كوم , مع مساهمات متواضعة في المهرجانات الأدبية الفنية التي ينظمها  الصالون الثقافي الكلداني سنوياً في وندزر كندا , والحفل التضامني الذي أقامته إذاعة صوت الكلدان وبرنامج تبني عائلة في ديترويت أمريكا

أشعر بميلٍ خاص لتنظيم الرباعيات الشعرية , ربما لتآثري عند طرقي باب الشعر بالرباعيات الشعرية الشهيرة " ملحمة أين حقي " للشاعر العراقي الراحل محمد صالح بحر العلوم , والرباعيات الشعرية الموسومة " ألطلاسم " للشاعر اللبناني المهجري الراحل إيليا أبو ماضي

إرتأيت أن يتكلم الوليد الأول من نتاجي االذي يحمل إسم " تراجيديا كم مرة وكم ؟ " والوليد الثاني الموسوم "ومضات الألم الحاضر" لغة الوطن الأم ( ألعراق ) مع لغة الوطن الجديد ( أمريكا الشمالية) , والأخيرة هي ترجمتي غير الحرفية  المستقاة من النص العربي.

وأخيراً لا آخراً : إنها لنعمة وبركة يغمر الخالقُ بها كلَّ من أينعت له  زهرة يافعة من برعم غرسه  في حقل ليس من إختصاصه.





رباعيات شعرية
صدرت للدكتور صباح ميخائيل يعقوب (صياح قيّا) الرباعيات الشعرية الأولى الموسومة " تراجيديا كم مرةً كمْ؟" باللغة الإنكليزية المترجمة بتصرف عن النص العربي للرباعيات والمنشور أيضاً في الكتاب نفسه.  بالإمكان استعراض عينة من الديوان على موقع الأمازون وحسب الرابط:
https://www.amazon.com/s?k=Sabah+Yacoub&ref=nb_sb_noss

   

توطئة
ألحياة مسرح كبير .  وكما أن هنالك أنواع متعددة من المسارح التي تعرض على الخشبة , فأيضاً هنالك أنواع من المسارح التي تعجّ بها أرض المعمورة   
يمثل المسرح التراجيدي أحد الانماط المهمة من المدارس المسرحية المعاصرة التي تمثل على خشبة المسرح , أو التي يشاهدها الكائن البشري على المسرح  الكبير للحياة الواقعية
تعرف " التراجيديا " بأنها شكل من أشكال العمل الفني الدرامي الذي يتعلق باستعراض أحداث من الحزن , ونتيجة مؤسفة في النهاية . ووفقاً لأرسطو فإن " هيكل العمل المأساوي  لا ينبغي ان يكون بسيطاً  بل معقداً  وأن يمثل الحوادث التي تثير الخوف والشفقة" .           
مع أن كلمة (تراجيديا) هي في الأصل مصطلح مسرحــــــي ، إلا أنها أصبحت تطلق على كل ما يمكن أن يُصادف في الحياة من أحزان وآلام وفواجع ومشاكل وصعوبات (حياة تراجيدية ، شخصية تراجيدية ، علاقة تراجيدية ، فيلم تراجيدي... وهكذا)
ألرباعيات الشعرية ألموسومة " تراجيديا كمْ وكمْ ؟ " تعكس بعض اللوحات الحياتية المستوحاة من أرض الواقع . تم تقسيمها إلى خمس مشاهد , ويمثل كل مشهد تراجيديا حياتية  معينة , وقد تتداخل المشاهد أحيانا فيما بينها كنتيجة طبيعية لتداخل النوازع البشرية المتشعبة .
 يرسم المشهد الأول " لوحات من الواقع الإجتماعي " , والثاني " لوحات من الواقع السياسي " , والثالث " لوحات من الواقع العلماني الكنسي " , والرابع " لوحات من الواقع الرعوي الكنسي " , والمشهد الخامس والأخير " لوحات من الواقع الجنسي  " .

رباعيات شعرية
صدرت للدكتور صباح ميخائيل يعقوب (صياح قيّا) الرباعيات الشعرية الثانية الموسومة " ومضات الألم الحاضر" باللغة الإنكليزية المترجمة بتصرف عن النص العربي للرباعيات والمنشور أيضاً في الكتاب نفسه.  بالإمكان استعراض عينة من الديوان على موقع الأمازون وحسب الرابط:
https://www.amazon.com/s?k=Sabah+Yacoub&ref=nb_sb_noss

 

تتضمن الومضات ثمان رباعيات تحكي في سبع منها جزءً يسيراً من الالم الذي لحق بالشعب الجريح عموماً وما جابهته ولا تزال  الأقليات الإثنية من المسيحيين والصابئة المندائيين واليزيديين من تهميش واستصغار مقروناً بالضياع واليأس وسلب الحقوق عدا التشريد والتهديد والترويع وحتى زهق الأرواح وهتك الأعراض. تختتم الرباعية الثامنة سفر الومضات بسرد ما أصاب قلبي من عذابات.







34
رسالتي السادسة إلى راعي الكنيسة الكلدانية
د. صباح قيّا
إتصل بي هاتفياً عزيزٌ عليّ  في صباح باكر قبل عدة أيام وأنا في موقع عملي مستفسراً عن مقال نقله الأب المتقاعد الساكن في مدينتي على صفحته في "الفيسبوك", والمقال في جوهره إساءة لي ويحوي من التقريع والتجريح ما يتلاءم مع مثالية وتربية كاتبه. ليس المهم ما فاضت قريحة الكاتب العبقري بتحليله الإنشائي والإعتدائي لمقال لي لا يزال على المنبر الحر, ولكن ما أدهشني هو أن يقوم كاهن بلصق المقال التجريحي على صفحته في "الفيسبوك". لا شك أن الأب الجليل يقصد بعمله هذا هو التشهير بي ولا أرى أي مبرر آخر يقبله العقل السوي. أما ما هو الدافع لذلك؟ ألجواب بسيط, حيث أشرت في ردي على إحدى المداخلات على مقالي بان " لعابه يسيل للدولار". إذن فحوى الموضوع برمته هو " الإنتقام". نعم كاهن كلداني لم يتعلم طيلة خدمته الكهنوتية  أن يقدم موعظة إرتجالية واحدة باللغة العربية, وإنما كل مواعظه التي قدمها, ولا يزال, يقرأها على الورقة التي أمامه, ناهيك عن إرشاداته الرعوية التي هو أول المخالفين لمعظمها. رغم ذلك جاء لينتقم...نعم جاء " رنكو لينتقم". طيب, فرضاً أنا أخطأت بحقه, ولكن اليس أحد أركان المسيحية الأساسية التي يمتهن القسيس الفاضل إيمانها يؤكد على الغفران؟ شكراً له حيث ألهمني انتقامه بهذه الرباعيات الشعرية:
كمْ أرى قسّيساً ينهى عن الدولارِ في الوعظِ؟
ولعابُهُ يسيلُ لهُ بالشّمِ واللحظِ
يُجاملُ ذا الجيْبَ الثخينَ بالفعلِ واللفظِ
أحقاً يفقهُ البشارةَ أم فقط بالحفظِ؟
أجيبوني
كمْ أرى الإيمانَ عن جوهرِ الإنجيلِ زائغُ؟
وراعٍ يشْتطُّ عن الأركانِ أو يُراوِغُ
محبةٌ, عطاءٌ, غفرانٌ, كلامٌ فارغُ
أحقاً حلّتْ على الرعاةِ يوماً سوابِغُ؟
أجيبوني   

أخبرت العزيز على الهاتف بأن الراعي المنوه عنه سوف يضطر لحذف المقال, الذي اطلقت عليه " الهجوم المقابل الفاشوشي", من صفحته لتوقعي بأن المداخلات لن تكون لصالح المقال, ولكن يظهر بأن الكاهن العجوز أبدى بطولة خارقة فأبقى صفحته مُزينة بالقذف والتأنيب.. تفسير ذلك: إما أنه لا يعلم أن الرابط سيحوي المداخلات مهما كانت, أو أنه اطّلع عليها ولم يكترث ما دامت تشهر بي, وهو يتلذذ بانتقامه مني وينام في نشوة وهم انتصاره. لذلك اضطررت أن استخدم معه قلمي كي أذكره بفعلته البعيدة كل البعد عن رسالته الرعوية والإيمانية والروح القدسية وووووو, رغم شكوكي بوفائه لها جميعاً.
أبتي العزيز: ما لك وللفيسبوك؟ ألا تعلم بأن فيه من تنشر صورتها شبه عارية, وإن لم يكن فعلى صفحاته النهود البارزة والصدور المفتوحة والأفخاذ المكتنزة والارداف المثيرة ووووو وكل ما يثير الاحاسيس والغرائز الجسدية التي من المفروض أنك قد نذرت نفسك أن تكون عفيفاً, وتذكّر قول الرب " إن كل من ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه". أحقاً أنك لا تتابع مثل هذه المناظر الخلابة؟ أرجو أن تحلف بالكتاب المقدس كي أصدقك, رغم قناعتي أنك تحلف زوراً إذا استوجب الامر, ولكني سأتساهل وأصدقك...وللعلم هناك مواقع أخرى تخلو مما تحويه صفحات الفيسبوك, فلماذا لا تلجأ إليها إن لم تكن المتعة جزءً من رغباتك؟
أبتي العزيز: أتذكر قدومك إلى بيتي قبل عدة سنوات ومعك قريبك الدجال وأيضاً صاحب جمعية الهجرة هنا...ألم تتعلم من الدرس؟ هل نسيت بأني أبقيت مقالي الأول على الموقع, رغم إلحاحك وإلحاح وساطتك الفاشلة بحذفه. يقال أن " الحرّ لا يُلدغ من جحر مرتين", والظاهر أنك أبعد الناس أن تكون حراً, لأنك سبق أن لُدغت, وتلدغ الآن أيضاً. أللدغة الأولى لأنك أهملت أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أبناء الرعية للترشيح لعضوية المجلس الخورني وجعلتها ترشيحات انتقائية على مزاجك,  واللدغة هذه لأنك أسأت إليّ شخصياً... حقاً أنك ساذج, والمصيبة أن قريبك الدجال يستغل سذاجتك  فيورطك أكثر وأكثر... أنا على يقين بأن الثعلب الغدار هو الذي أقنعك أن تنقل " الهجوم المقابل الفاشوشي" على صفحتك في الفيسبوك فأوقعك على حديدة تتوهج حرارة, وعليك أن تتحمل نتيجة قصر بصرك. 
أبتي العزيز: هل تنكر أنك كررت وصفك ب "المخرف" للبطريرك الراحل رغم أنه انقذك من براثن إبن الحاكم المخلوع. أنسيت كيف طمأنك مثلث الرحمات حينما أتيت له باكياً ومرتعباً  فخاطبك بكلمة" إبني" إذهب وأنا أعالج الأمر. حقاً كما يقال" إتق شر من أحسنت إليه". أهكذا يُرد العمل الإنساني والواجب الجميل لتنعته ب" المخرف" عدة مرات؟ هل أنا ألفق ذلك؟ إحلف بالكتاب المقدس إذن.
أبتي العزيز: وماذا عن المطران المسكين الذي شاركت في إهانته ومحاربته وحبك الدسائس للتخلص منه, وبالفعل تحقق لك ذلك إلى أن نام ولم يستيقظ نتيجة العذاب الأليم الذي كان يعاني منه وانت كنت جزءً كبيراً من تلك اللعبة. هل أنا كذاب؟ إحلف بالكتاب المقدس.
أبتي العزيز: أتذكر في آخر لقائي معك في الكنيسة حين سألتني عن إمكانية توسطك لحل الإشكالات بيني وبين قريبك الدجال؟ أجبتك لا مانع عندي بشرط أن يكون الكتاب المقدس بيننا لكي يظهر الكاذب من الصادق. أسدلت أنت  الستار عن الموضوع ويدعي الثعلب أنه لم يسمع منك إطلاقاً عن مشروع المصالحة. هل كنت تراوغ معي أم أن قريبك يكذب؟ هل أنا أختلق هذه القصة؟ إحلف بالكتاب المقدس.
 والآن يا أبتي العزيز إسمح لي أن أعود لموضوع الدولار. أتذكر عندما التقيتك في غرفتك في الكنيسة وأعطيتك مبلغاً من المال باسم الصالون الثقافي. سؤالي هل وضعته في جيبك أم أودعته لحساب الكنيسة؟ إحلف بالكتاب المقدس أنك لم تجعله ملكاً لك.
أسألك لماذا كانت جمعية الهجرة تطلب مبلغ 100 دولار إضافية عن كل معاملة هجرة لتسلمها إليك؟ حسب ما كانت تتحجج الجمعية به  بأن المبلغ من حصة راعي الكنيسة. طيب... هل كنت تسلم المبلغ بدورك إلى اللجنة المالية أم تضعه في جيبك؟ هل هي رشوة الجمعية لك أم صدقة كونك فقير الحال رغم ملكيتك المعروفة؟ أليست هذه سرقة أموال الكنيسة؟ إحلف بالكتاب المقدس.
لا أعتقد انني بحاجة أن أسترسل أكثر كي أثبت أنك عابد المال ولعابك يسيل للدولار.
ابتي العزيز: طردت الصالون الثقافي من الكنيسة وبالحاح من قريبك الدجال ومن لف لفه. لكن لم تفلح في إبعادي عن الكنيسة ولن تفلح لسبب بسيط وهو انني لا ولن أترك الكنيسة للقلة من رعاع الكلدان, ولكي أظل شوكة بعين أي راعٍ يحاول أن يجعل من نفسه مالكاً للكنيسة والرعية مجرد خرفان... سؤالي لماذ اتصلت بكاهن الكنيسة المارونية تلح عليه أن لا يقبل نشاطات الصالون في كنيسته؟ ألا تقر بأن ذلك خبث ولؤم وحقد, ويدل على قلب بلون لباس صاحبه؟ هل انا أزور الحقيقة؟ إحلف بالكتاب المقدس.
كما أنك حاولت أيضاً مع راعي الكنيسة الجديد أن لا يعيد الصالون إلى حضيرة كنيستي الكلدانية ولم تفلح . أين المحبة وأين الحرص على لم شمل الرعية؟ أليست هذه أنانية منك يا ابتي العزيز وضغينة كامنة في عقلك وكل جوارحك ضد هذا المشروع الثقافي الناجح بامتياز؟ هل تنكر ذلك؟ إحلف بالكتاب المقدس.
أبتي العزيز: كيف تسمح لمن خان الاسرار المقدسة أن يقدم القربان؟ ألا تعلم أن من يدعم الفاسق هو فاسق مثله؟ هل من المعقول أنك لا تعلم بأن من جعلته شماساً بقدرة قادر قد خان الأسرار ولا يجوز أن يدنس القربان المقدس بيده الملوثة وقلبه المنحرف؟ إحلف بالكتاب المقدس.
أبتي العزيز: أنا أعلم ماذا ستقوم به لكي تنتقم. أعرف أنك لا تحب احداً إطلاقاً, ولم أسمع منك أبداً كلمة ود لأي من أقرانك في الكهنوت. ربما ترعب الاطفال بتعابير وجهك الكالحة ولكنك لا ولن ترعبني. لقد قرأتني خطأً كما قرأني من قبلك قريبك الدجال. صحيح أنا متواضع وبسيط ولن أرضى إلا أن أكون متواضعاً وبسيطاً, لكن الويل كل الويل لمن يفسر تواضعي وبساطتي على مزاجه. بساطتي قوة وتواضعي ثقة. لقد أخطأ قريبك قراءتي قبلاً فتراه يتوسل ويستنجد بهذا وذاك كي يفلت من أشعة قلمي النافذة . حذاري حذاري أن تتعرض للخدمة الطوعية التي يقوم بها كل عزيز عليّ داخل الكنيسة. ألكنيسة في وجدانهم وفي عروقهم. إنها كالماء للسمكة, وأرجو أن تفهم ما اقصد. لو حاولت, عندها لن أتردد إطلاقاً أن أخبرك لماذا كتبت مقالي الموجود في أرشيف الموقع "ألعفة عند الكهنة", وستتأكد من قولي لك "من يدعم فاسقاً هو فاسق مثله".
آسف لما كتبت مضطراً فأنت من بدأ الهجوم, وهذا هجومي المقابل الذي لا بد من شنّه كي يكون عبرة لمن اعتبر.


35
هامش على البيان الختامي وتوصيات السينودس الكلداني
د.صباح قيّا
يذكرني البيان الختامي للسينودس الكلداني الأخير ببعض الامور التي تعلمتها خلال خدمتي الطويلة في الجيش العراقي الاصيل. أذكر خلال السنوات الأولى من خدمتي حيث كنت آمراً لإحدى المستشقيات العسكرية الصغيرة في كردستان العراق, أن طرأت لي فكرة طلب جهاز شعاعي للمستشفى الذي لم يكن متوفراً فيها آنذاك. علمني أحد الضباط الأقدمين من ذوي الخبرة عن إسلوب الكتابة إلى المراجع العليا كي يتم الإستجابة لطلبي وإلا يهمل... ذلك أن أبدأ كتابة الطلب بجملة " بالنظر للظروف الراهنة والمرحلة الحرجة التي يمر بها ...إلخ. ثم أكمل ما اشاء وأدخل الموضوع من أوسع أبوابه. وبالفعل وافقت المراجع على تخصيص جهاز شعاعي للمستشفى مع نقل مصور شعاعي إليها وسط دهشة زملائي في القاطع. ألمضحك المبكي أنني زاولت استخدام نفس العبارة على مر السنين وعبر كل المناصب والرتب التي حملتها, ولم تتغير الظروف الراهنة وبقيت المرحلة الحرجة نفسها طيلة فترة خدمتي الطويلة في الجيش وبعدها, وربما لحد اليوم, وقد يكون حالها الآن أسوأ من السابق.
أتذكر ايضاً كيف كانت تختتم المناقشات حول سير التمارين العسكرية التي كانت تُجرى هنا وهنالك بدرج "الدروس المستنبطة والتوصيات". أما مدى الإستفادة من الدروس المستنبطة وكم من التوصيات تم تطبيقها على ارض الواقع؟ فذلك يعتمد على الآمر أو القائد, وفي معظم الأحيان تذهب هباءً منثورا سواء بوجود القائد أو بعد نقله. ألمنظرون كثيرون, لكن الفعلةَ قليلون.
ما يُلفت النظر, وخاصة في الطبابة العسكرية التي كنت أحد العاملين فيها أن هنالك مراجعة لما جرى. فمثلاً عند العمل لعقد مؤتمر طبي, تتم مراجعة ما تم تثبيته من ملاحظات عن المؤتمر السابق, وهنالك مراجعة لمحضر الإجتماع السابق عند دراسة موضوع ما من قبل اللجنة المعنية.
كنت أتمنى أن ألاحظ في توصيات السينودس الأخير مراجعة لتوصياته للعام السابق للوقوف على نسبة التنفيذ الفعلي لها, ولكي تكون الرعية على بينة من مصداقية وجدية الإجتماعات السينودسية, وليست مجرد لقاءات تقليدية تسطّرفيها مقترحات مثالية لتنظيم العمل الكنسي ولخدمة الرعية, وتُطرح فيها حلول تنظيرية لقضايا مصيرية, وتتخللها فترات ترفيهية لا تخلو من التقاط الصور الهوليودية وتناول ما لذّ وطاب من المواد الغذائية, وتعقب كل ذلك مقابلات إعلامية للإشادة بما حصل خلال المحاورات الأخوية وخاصة بحضور الوفود العلمانية كتجربة ناجحة تشجع الجميع على تعزيزها في لقاءات السينودس المستقبلية.
لفت نظري مشاركة ممثل عن الرابطة الكلدانية, بالإضافة إلى ما جاء في التوصية تسلسل 12 "ضرورة دعم الرابطة الكلدانية الساعية لجمع شمل البيت الكلداني والدفاع عن حقوقه وإبراز هويته".
بصراحة, ما لفت نظري يحتاج إلى نظرة تأملية. ما هو تفسير حضور ممثل الرابطة؟ ألمعلوم أن هنالك علماني واحد من كل ابرشية. فهل ممثل الرابطة الذي هو أيضاً علماني يحضر كممثل للبطريركية؟ أما إذا كان حضوره كممثل عن إحدى مؤسسات المجتمع المدني, فلماذا تعطى للرابطة الأولوية وتهمش بقية مؤسسات المجتمع المدني التي هي أكثر فاعليةً وأشمل خدمة وربما أقدم بكثير من الرابطة؟, وأقرب مثل على ذلك هو: "مؤسسة الجالية الكلدانية في مشيكن". قد يدعي من يدعي بأن لمشيكن ممثل علماني عن أبرشيتها. ولكن أليس لأبرشيات الوطن الجريح ممثلين عن الأبرشيات المنتشرة هنا وهناك؟ للأسف الشديد أن السينودس الكلداني ساهم بقصد أو بعفوية في التفرقة بين مؤسسات الرعية الواحدة وبين أبناء الكنيسة الواحدة أيضاً, وجعل من البعض من أعضاء الرابطة إسوداً على بقية أفراد الرعية لا لشئ إلأ لكون الرابطة الكلدانية هي الوليد المدلل للبطريركية, وهنالك البعض من منتسبي الرابطة من ذوى المركب الناقص يتخيل نفسه خليفة غبطته في تلك البقعة, ولتذهب بقية المؤسسات وجماهير االرعية المتبقية إلى حيث.
ولا بد أن اذكر أن القلق قد دبّ ولا يزال عند بعض الآباء الافاضل حيث هنالك من همس بإذنهم بأن الترشيح للمطرانية لا يتم إلا عبر الرابطة الكدانية, ومن لا تربطه علاقة مشاركة أو ود مع مسؤوليها سوف لن يرى رتبة  المطرانية ما دامت البطريركية نفسها هي المتواجدة على الساحة, وبالفعل هنالك من القسس من انقلب 180 درجة عن موقفه السابق مع الرابطة ً تحسباً من تنفيذ تلك الهمسة القاسية... لا يا مطارنة السينودس الافاضل ما هكذا تُرعى الإبل.
أما ما جاء في التوصية تسلسل 12, أرجو السماح لي بالقول: من صاغ تلك التوصية إما هو ساذج, أو يعتقد بأنها توصية موجهة للسذج. سبق وأن كتب العديد عن عقدة التفوق التي تلازم البعض من فئة الإكليروس, ولا أبغي الإضافة, لكن لا بد أن اكرر القول من يعتقد أن أبناء رعية اليوم سذج, لا بد أن يكون ساذجاً بامتياز ومن الضروري أن يعيد النظر في سذاجته باسرع وقت.
سوف اسمح لنفسي تجزئة التوصية وتفنيدها جملة وتفصيلا.
جاء في التوصية: "دعم الرابطة الكلدانية".
بالنسبة لي هذه توصية مبطنة بالتهديد. أي ما معناه من لا يدعم الرابطة الكلدانية من الآباء الكهنة سوف يظل بجلبابه الأسود ولن يرتقي إلى رتبة أعلى إلى أن يسير في الدرب المرسوم من قبل المرجع الروحي الأعلى. مما لا شك فيه أن الدعم الاساسي والفعال يأتي من راعي الكنيسة وليس من أبناء الرعية, حيث بدعم الكاهن سوف ينقاد عدد لا بأس به من رواد الكنيسة للإنتماء إلى الرابطة التي يعزف عنها معظم الكلدان لسبب أو آخر. هذا إضافة إلى التسهيلات التي تحصل عليها من الراعي الذي يخشى الذئاب المستقواة بسلطة البطريركية.
وتستمر التوصية بعبارة "ألساعية لجمع شمل البيت الكلداني".
سادتي الكرام في السينودس: عن أي شملٍ تتحدثون؟ هل الموجود في الوطن الجريح؟ أم المستقر في بلدان المهجر؟ سذاجة أيما سذاجة. من قال أن البيت الكلداني مشتت؟ إذا كان مشتتاً فمن المسؤول؟ من الذي يساهم في تسرب رواد كنيستنا إلى كنائس أخرى أو الإبتعاد عن الإيمان كلياً؟ ماذا عن دور الجمعيات والمؤسسات الثقافية والسياسية والإجتماعية والمهنية وما شاكل والتي ساهمت ولا تزال تساهم في لم الشمل الكلداني بمختلف أطيافه وأهوائه؟ هنالك العديد من فروع الرابطة التي أبدعت في أساليبها الملتوية لشق الصف الكلداني, وأخص بالذكر لا الحصر الفرع القابع في المدينة التي أسكنها . لا أريد أن استعرض بطولات الفرع في هذا المجال ولكن أذكر ما حصل أخيراً: بادرت جمعية تلكيف الفتية إلى دعوة الجمعيات الأخرى في المدينة معً فرع الرابطة والصالون الثقافي الكلداني لعقد اجتماع بغية تشكيل إتحاد يجمع ممثلين من الجميع لتوحيد القرار والعمل المشترك عند الضرورة مع احتفاظ كل جمعية باستقلاليتها. مقترح رائع يوحد الجهود لا شائبة فيه. ماذا حصل؟ إنسحبت الرابطة ومعها ثلاث جمعيات تحوي في الهيئة الإدارية لكل منها أعضاء في الرابطة التوحيدية المزعومة. يقال, والعهدة على الراوي, بأن مسؤول فرع الرابطة اتصل هاتفياً بجمعية تلكيف قائلاً: "تريدون تسحبون البساط من جوه رجلينا"... أسألكم أعزائي في السينودس: هل حقاً هذا الإسلوب يصلح للم الشمل؟ وهل حقاً لولا الرابطة لتبعثر الشمل؟ أرجو الإجابة بشهادة الروح القدس. ألمصيبة الكبرى عندما يشعر عضو الرابطة أنه محصن ومحمي من الحساب مهما فعل من آثام لأنه من العائلة المدللة ويعتقد أنه وكيل غبطته في المكان والزمان... نعم له كل الحق أن يعتقد ذلك ما دام له حضور في لقاء السينودس. لكن من المسؤول عن هذا الشطط؟؟؟ 
وتستمر التوصية" والدفاع عن حقوقه وإبراز هويته".
أكرر هنا عن أية حقوق وهوية يتحدث السينودس؟ عن الحقوق والهوية في المهجر أم في الوطن الغالي. أحبائي في السينودس والعديد منكم يسكن المهجر: هل ظلم أحدهم الكلدان هنا؟ هل سرقت الدولة حقوقهم؟ هل أسقطت عن أحدهم الهوية؟ أنا أعبر مرارا بين كندا وامريكا وألاقي ترحاباً مميزاً عندما يسألني الضابط الحدودي عن هويتي فأجيب نعم أنا كلداني. سبق وأن أبديت وجهة نظري أن المهجر لا يحتاج إلى رابطة كلدانية تدافع عن حقوقه لأن حق الكلداني هنا مصان حاله حال أي فرد آخر في المجتمع الجديد, يحيا حراً ومحمياً بالقانون الذي يحمي الكل على السواء. لا هذا يزيدي ولا صابئي ولا نصراني ولا ذمي ولا ولا ولا... أكرر أن ما يحتاجه الكلدان هو الرابطة الكلدانية الوطنية لا العالمية, وما معناه رابطة في الوطن الجريح تسعى للمحافظة على المتبقي من الكلدان, وتحاول حماية الوجود الكلداني من الإندثار, وتلتمس من كلدان المهجر الدعم بشتى الوسائل لتحقيق ذلك, وإذا كان لا بد من الإصرار على استمرار الرابطة الكلدانية العالمية , والذي حتماً يسر عشاق الذات والطامحين لبسط النفوذ الإداري والروحي وووو... عندها تكون من أولويات مهامها هو التركيز على ما يحصل للكدان خصوصاً وللمسيحيين عموماً من تعسف وظلم وتهميش في الوطن الجريح والتشبث مع الحكومات في المهجر للتدخل وحمايتهم. ألمضحك المبكي أن الرابطة العالمية لم تعمل هنا بجد من أجل فوز مرشح بلدي أو برلماني ولا أعتقد أنها ستعمل بهذا الإتجاه لضعف تأثيرها وعدم شعبيتها في المهجر, كما أنها أخفقت في صعود كلداني بحق وحقيق إلى قبة البرلمان العراقي بالرغم من التطبيل والتزمير وإلإسناد الكنسي اللامحدود, فمن صعد بدعم الرابطة المستميت وتشجيع البطريركية فإنه يخدم أجندات أخرى.
وأخيراً لا آخراً لا بد أن أقول بأن مشروع الرابطة لن يكتب له النجاح لأسباب متعددة:
أولهما كونه مرتبط بشخص واحد هو غبطة البطريرك الكلي الطوبى, والتاريخ يشير بكل وضوح إلى إخفاق المشاريع المرتبطة بالأفراد كالماركسية واللينينية والماوية والناصرية والكاستروية وما شاكل. غالباً ما يحالف النجاح المشاريع المرتبطة بالأنبياء والمصلحين لأنها تقترب بالفكر من المشاعر الروحية الكامنة للأفراد. ألرابطة ليست ضمن هذا الإطار وغبطته ليس من الأنبياء أو المصلحين.
كما ان الرابطة غير مرغوب بها من معظم الإكليروس حيث المعروف عن آبائنا الأفاضل بمختلف رتبهم الروحية والإدارية ميلهم إلى العمل بإستقلالية تقترب من الدكتاتورية مصحوبة بوهم الغطرسة والتفوق. ويمكن التأكد من نفورهم الداخلي تجاه الرابطة بإجراء استفتاء سري بينهم. أتوقع النتيجة 80% على الأقل من لا يحبذ وجود الرابطة.
ومؤشر آخر على عدم نجاح  مشروع الرابطة هو ظاهرة عزوف الأغلبية الساحقة من الكلدان من الإنضمام إليها أو دعمها, ومن أهم أسباب هذه الظاهرة يكمن في تأصل غريزة الأنا عند البعض من مسؤوليها ووصولية البعض الآخر. هذا بالإضافة إلى الإنحراف عن إهداف الرابطة الأساسية بل ضبابية أهدافها أساساً بحيث تحولت الرابطة في بعض الأماكن إلى ما يشبه مكاتب للسفر والسياحة وتنظيم الحفلات الصاخبة لغرض تحقيق الكسب المادي لمسؤوليها من ناحية ومنافسة أصحاب الشأن من المسترزقين على مثل هذه الأعمال من ناحية أخرى.
بالإمكان اختبار مدى إيمان المسؤولين الحاليين بأهداف الرابطة وحقيقة تشبثهم بالهوية الكلدانية بجعل فترة المناصب الإدارية لمدة سنتين فقط قابلة للتجديد مرة واحدة فقط لنفس الفترة. لو تم تطبيق هذا السياق  فلا أعتقد سيكون بالإمكان إيجاد بدائل لمن تنتهي فترته والذي سوف يودع الرابطة حال مغادرته المنصب وربما إلى الأبد. ورغم ذلك من الأفضل إتباع ما ذكرته آنفاً لقطع الطريق على من يحاول أن يجعل من الفرع أو المكتب ملكية فردية من جهة, وكي يُسمح لدماء جديدة أن تظهر للساحة بأفكارٍ رائدة. فهل للرابطة الجرأة على الأخذ بهذ الإسلوب؟ أم أنها تشعر أن ذلك يعني ذوبانها وتحللها وإلى الأبد.
 إذا اقتنعت الرابطة  أنها نجحت حقاً في مهمتها في تحقيق أهداف الكلدان ولم شملهم فلتجرب السياق الذي ذكرته إذن (سنتان قابلة للتجديد لسنتين أخريين فقط) . سوف لن توافق على الأغلب لأني على ثقة بأنها لو وافقت فسوف تحفر لها نعشها بيديها. أتحدّى والسبع من يقبل التحدّي.

36
بمناسبة تأسيس جمعية تلكيف الإجتماعية الكلدانية في مدينة وندزر الكندية
برقية عاجلة

د . صباح قيّا

في كلِّ يومٍ يطلُّ علينا وليدُ                 وعينُ الناسِ لما سيأتيه الجديدُ

ليست العبرةُ من يجيءُ ويرحلُ            إنما الفخرُ بمن ثمارُه تجديدُ

ما قيمةُ الإنسانِ في عيْشةِ راكدٍ           يُداسُ بالمداسِ أو بالريحِ يحيدُ

ما جدوى تجمعٍ قوامُ نتاجهِ                طمسُ المواهبِ او بالأخيارِ تشريدُ

شبعنا من كلامٍ حروفُهُ عسلٌ              رغيفُ خبزهِ بخيْطِ العفْنِ مشدودُ

سئمنا من دعوةٍ إطارُها أملٌ              على ارضِ الواقعِ معاناةً تُزيدُ

فيا جمعيةً من تلكيفَ إسمِكمُ              هل من جديدٍ أم كالسابقاتِ جمودُ

تذكّري أن النجاحَ مِن أركانِه              عملٌ جماعيٌ وتدبيرٌ سديدُ

وما اخطرَ أن تدبَّ سِمةُ الانا              بفكرِ عضوٍ به تنخرُ وتُبيدُ

فإذا البناءُ يغدو حُطاماً بالياُ              عندها لا ينفعُ الندمُ أو يفيدُ





37

د. صباح قيّا

أغلبية الكادر الذي يشاركني العمل في مركز الأمراض القلبية هم من الإخوة المسلمين القادمين من الأقطار العربية أو من الهند وجارتيها . لا غرابة في ذلك كون مدير المركز وصاحبه طبيب مسلم من أصول ليبية ملتزم بدون تطرف . يؤدي الجميع فريضة الصلاة سوية داخل المركز  في كافة الأيام عدا ظهيرة الجمعة حيث يغادر الكل تباعاً لإداء الصلاة في الجامع  . يتباين التزمت الإسلامي بين الواحد والآخر بدرجة كبيرة , فمنهم من يرافق الجمع في الصلاة مجاملة أوربما لكي يتجنب سماع ما لا يروق له من الحساب والعتاب , وهنالك بينهم من يتحزب ليس للإسلام وحسب بل لمذهبه السني الذي هو أيضاً مذهب كافة افراد الشلّة . أتمكن القول بكل ثقة بأن ذلك التجانس المذهبي  ليس وليد الصدفة بل نتاج توصيات المعارف من رواد نفس الجامع والتعارف الذي يجري فيه وخاصة مع القادمين الجدد الذين هم بأمس الحاجة إلى الدعم والإحتضان .   

رغم محاولتي تجنب الخوض في مناقشات دينية لا طائل منها مع هذا النوع من الفكر إلا أني أرى نفسي مضطراً لذلك في بعض الاحيان  لا من أجل النقاش العقيم بل بهدف توضيح المفاهيم التي لا تنسجم مع إيماني من جهة ومع واقع الحال من جهة أخرى .
يحاول البعض منهم أن يقنعني بأن القائمين بالعمليات الإرهابية وبقتل الأبرياء لا يمتون بصلة إلى الإسلام  وأنهم ليسوا مسلمين . تتكرر هذه المحاولة الإقناعية في كل عملية إرهابية جديدة وما أكثرها . أشعر بالشفقة والإشمئزاز معاً على مثل هذا التبرير الساذج , وخاصة عندما يضاف إلى أعلاه بأن المجموعة الإرهابية قد تعرضت إلى غسيل الدماغ , وأن الله لايأمر بقتال أهل الكتاب بل المشركين والكفرة .... عجيب أمور غريب قضية ...

 ٌقلت لأحدهم لا يوجد إلهٌ قاتلاً في المسيحية لأن إلهنا إله المحبة , فالله محبة بمفهوم المسيحية . صعق ولم يدري كيف يخرج من هذا المأزق وكيف يبرئ إلهه من هذا الحكم الذي أصدره هو بنفسه على ربّه . واضفت كيف يتم غسل أدمغة هؤلاء ؟ هل بتغطيسهم في الماء وفرك فروة رأسهم بمساحيق الغسيل ؟ ... لا يا أخي , هؤلاء أدمغتهم واعية وكل واحد منهم يفعل فعلته الشنيعة عن قناعة تامة يحركها إيمان عميق بآيات قرآنية حفظها أكثر منك ومن الكثيرين من بني جنسك ويحرص كل الحرص على تطبيقها كي يحصل على جواز المرور إلى الجنة الموعودة حيث النسوان والغلمان  . إنهم خليط منوع من كافة دول العالم وبينهم الكثير من حملة الشهادات الجامعية والعليا , ومن العسير جداً أن تتقبّل هذه الشريحة عملية غسيل الدماغ بكلمات وجمل روحانية وطوباوية التي ربما تأسر عقل الإنسان البسيط , ولكن يتعذر عليها السيطرة على الفكر المتعلم أو المتمرس بالحياة بدون القبول المسبق بها والإلتزام بمفهومها . 

فاجأني أحدهم مستفسراً أول الصباح : هل سمعت بالهجوم على المصلين في نيوزيلندا ؟. أجبته على الفور بأني أرفض قتل الأبرياء مهما كانت مبرراته وأسبابه , ولا بد للقاتل أن ينال الحساب اللازم حسب القانون ... إنتظرت منه أن يفاجئني بنفس السؤال عن بشاعة قتل المصلين في سيريلانكا , إلا أنه لم يفعل , بل بالأحرى لم يتطرق للموضوع إطلاقاً وكأن شيئاً لم يكن ... أبدت إحدى العاملات من لبنان الإرز تعاطفها مع الضحايا , ولكن عند محاولتها تشبيه ما حصل بالذي حدث في نيوزيلندا , عندها اضطررت أن ابيّن وجهة نظري الصريحة بأن الذي قام بجريمته في نيوزيلندا إنسان أبيض متطرف يقف بالضد من المهاجرين ومن غير البيض خصوصاً بغض النظر عن المذهب والدين , أما الذين سفكوا دماء المصلين الأبرياء في سيريلانكا فقد قاموا بجريمتهم الرهيبة باسم الدين وباسم " الله أكبر "  . ألفارق شاسع كبعد السماء عن الأرض ولا مجال للتشبيه إطلاقاً . ثم أضفت بأن معظم الإرهابيين وأشدهم هم من المسلمين غير العرب , وذلك لأنهم لا يتقنون اللغة العربية ويحفظون القرآن على علّاته , وما جاء فيه من آيات أيضاً اعتماداً على المعاني المجردة للكلمات التي تحتويها بدون التوسع في أبعادها والظرف الذي قيلت فيه , فمثلاً عندما تذكر الآية قاتلوا أهل الكتاب , فذلك يعني حسب جهلهم باللغة أن يقتلو أهل الكتاب . إنهم يحفظون الآيات بدون فهم منطقي . إمتعضت من كلامي وخاصة عندما نوهت بأنهم يحفظون مفردات الآيات بدون فهم أو دراية .

قد يسأل من يسأل : ماذا كان حال البشرية لو قدّر أن تكون موازين الٌقوى لصالح المجموعة الإسلامية ؟ .  " ألتاريخ معلم الحياة الأعظم"  مقولة رائعة للبابا القديس الراحل يوحنا الثالث والعشرون . ألتاريخ يشير بجلاء ووضوح بأن الدين الإسلامي انتشر بحد السيف . منذ زمن نبي الإسلام ومذابح الغزوات تتعاقب الواحدة بعد الاخرى , واستمرت مع  زمن الخليفة عمر بن الخطاب , أعقبتها صراعات على الزعامة ونزاعات بين فصائل إسلامية تختلف في الولاء إلى أن استقرت الخلافة على بني أمية الذين انغمسوا في الملذات الدنيوية بين أحضان النسوان والغلمان وليالي السكر والمجون . وكذا الحال مع الدولة العباسية التي تلتها . وتتابعت من بعدها مجموعات تتسم بالطائفية إلى أن دك العثمانيون معاقل الإمبراطورية الرومانية في الشرق ,  والتي ضعفت نتيجة إصابتها بمرض الطاعون البغيض الذي حصد ثلثي سكانها تقريباً , فكانت الكفة العددية للغزاة الأتراك  أضعاف ما تبقى في القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية والتي سقطت عام 1453 م . إستمر الزحف العثماني القاسي شرقاً وغرباً , وشمالاً وجنوباً ,  مع أسلمة كل من يسقط أمام ذلك الزحف وبقوة الحديد والنار  حتى شاءت إرادة السماء أن يبدأ التقهقر الإسلامي العثماني في معركة " ليبانتو" عام  1571 م التي لولاها لكانت المسيحية في الغرب والعالم في خبر كان . رغم تداعي الغزوات التركية الإسلامية على أوربا وفشلها في بسط الدين الإسلامي في أرجاء المعمورة , إلا أن غريزة البطش والإضطهاد لم تنطفئ , ولم يخبو الحقد الديني الباطني على المسيحيين أبداً فكانت مذابح الارمن والكلدان والسريان والآشوريين الذي راح ضحيتها أكثر من مليون مسيحي أعزل .  وأخيراً لا آخراً ً أعاد غزو القرن الواحد والعشرون وما قامت به الدولة ألإسلامية في العراق والشام من تهجير وتقتيل وتعذيب للأقليات غير المسلمة , أعاد إلى الأذهان ما حصل منذ القرن السادس وما زال يحصل إلى حد اليوم تحت راية " ألله أكبر " وسلطة سيفها الإسلامي . أحقاً كل هؤلاء ليسوا مسلمين والإسلام منهم براء ؟ إذن من هم ؟ ....... يتبع

روابط ذات العلاقة :
سرطان الفكر ... هل من علاج (1) ؟
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,749106.msg7296251.html#msg7296251
سرطان الفكر ... هل من علاج (2) ؟
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,750000.msg7299738.html#msg7299738
نعم للإسلامفوبيا , كلا للمسلمفوبيا
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,930477.msg7647999.html#msg7647999

39
قيامة المسيح - دراسة تحليلية علمية
د. صباح قيّا

توطئة :
ليسوع المسيح ثلاث مميزات تشهد له:
(1) تأثير حياته ومعجزاته وتعاليمه على التاريخ
(2) النبوءات القديمة التي تحققت في حياته
(3) قيامته. فالمسيحية والقيامة يقومان معاً أو يسقطان معاً.
وقصة القيامة كما وردت في الأناجيل الأربعة (متى 28: 1- 11، مرقس 16، لوقا 24، ويوحنا 20، 21):
1- وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
2- وإذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه.
3- وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.
4- فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات.
5- فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما. فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب.
6- ليس هو ههنا لأنه قام كما قال. هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه.
7- واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات. ها هو يسبقكم إلى الجليل. هناك ترونه. ها أنا قد قلت لكما.
8- فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه.
9- وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
10- فقال لهما يسوع لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني.
11- وفيما هما ذاهبتان إذا قوم من الحراس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان.
أهمية قيامة المسيح بالجسد

لقد أشار يسوع إلى قيامته جسدياً كدليل على قيامته من بين الأموات وعلى أنه الله المتجسد
يقول الدكتور نورمان جايسلر: «لو أن المسيح لم يقم بنفس الجسد المادي الذي وضع في القبر، إذاً لفقدت القيامة قيمتها كدليل دامغ على ألوهيته التي أعلنها» (يوحنا 8: 58، 10:
كما قال.  إن الإيمان المسيحي مؤسس على القيامة الجسدية للمسيح.

ويقول وليم لين كريج: «لم يكن للإيمان المسيحي أن يقوم دون عقيدة القيامة فلولا القيامة لبقى التلاميذ يائسين منهزمين.
ويقول ثيودوسس هارناك: «لم تعد حقيقة القيامة أمراً من الأمور الجدلية في العقيدة المسيحية. فالمسيحية تقوم أو تسقط مع القيامة».
كما أن موعظة بطرس يوم الخمسين مؤسسة بشكل كلِّي على القيامة. فليست القيامة هي موضوعها الرئيسي فحسب، ولكن بدونها لا تبقى عقيدة على الإطلاق.
ويقول هـ. ب. ليدون: «إن الإيمان بالقيامة هو حجر الزاوية في الإيمان المسيحي، وإذا أزلناه يسقط بناء الإيمان كله».
يقول ولبر م. سميث: «لم يوجد قط سلاحاً، ولن يوجد أبداً، قادراً على محق الإيمــان العقــلي فيما يسجله التاريخ عن هذا الحدث التاريخي الـذي سبــق التنــبؤ به. إن قيامة المسيح هي القلعة الحصينة للإيمــان المسيحـي. وهي العقيدة التي قلبـت موازين الدنيا في القرن الأول، وسمت بالمسيحية عالياً فوق اليهوديـة والديانــات الوثنية في بلدان البحر الـمـتوســط. ولو انمحــت القيامة، لانمحى معها كل ما هو جوهري وفريد في إنجــيل الرب يسوع المسيح: «وإن لم يكـن الـمسيـح قد قـام فباطل إيمانكم!» (1كورنثوس 15: 17).

إعلان المسيح أنه سيقوم من الأموات
يقول ولبر م. سميث مؤكداً:
إن يسوع هذا كان هو نفسه المسيح الذي قال، من بين ما قاله من الأمور العجيبة، مراراً وتكراراً شيئاً، إن صدر عن غيره لحكم عليه على الفور بأنه مصاب بجنون العظمة أو شخص مختلّ العقل. إن قول يسوع إنه سيصعد إلى أورشليم ليموت هناك ليس مثيراً للانتباه في شيء، هذا باستثناء التفاصيل الكثيرة التي قدَّمها عن موته قبل ذلك بوقت طويل والتي تعتبر ظاهرة نبوية، ولكن عندما قال إنه سوف يقوم من الأموات في اليوم الثالث من صلبه، فإنه قال ما لا يجرؤ إلا أحمق على قوله لو كان يريد أن يحتفظ بولاء تلاميذه له -هذا ما لم يكن متأكداً تماماً من أنه سيقوم من الأموات. إن أحداً من مؤسسي ديانات العالم لم يجرؤ على التصريح بشيء من هذا القبيل!
لقد تنبأ المسيح عن قيامته بشكل صائب ومباشر. وبينما لم يستطع تلاميذه أن يفهموا ذلك، أخذ اليهود أقواله على محمل الجد. وفي ذلك يقول ج. ن. د. أندرسون مضيفاً الملاحظة التالية:
ويشير برنارد رام إلى أنه: «اعتماداً على الموثوقية التاريخية للإنجيل، فلا شك أن المسيح نفسه كان  يتوقع موته وقيامته، وأعلن ذلك لتلاميذه صراحة... ويعترف الإنجيليون صراحة أن هذه النبوات التي أعلنها يسوع لم تدركها عقولهم حتى صارت القيامة (يوحنا 20: 9). ولكن الرب نفسه أنبأ بأنه سيقوم من بين الأموات بعد ثلاثة أيام، فبعد أن يُقتل على أيدي من يبغضونه، سيقوم في اليوم الثالث. وقد تمَّ كل هذا».


قيامة المسيح كحدث تاريخي له زمان ومكان:
قيامة المسيح حدث تاريخي محدد، حيث أن عمل الله قد ظهر في زمان ومكان محددين. وفي هذا يقول ولبر سميث:
إن قيامة المسيح مسألة لاهوتية من حيث المعنى، ولكن حقيقتها مسألة تاريخية، وقد تكون قيامة يسوع بالجسد لغزاً محيراً، ولكن حقيقة اختفاء جسده من القبر مسألة يجب دراستها بفحص الأدلة التاريخية.
المكان هو موقع جغرافي محدد، وصاحب القبر كان رجلاً عاش في النصف الأول من القرن الأول، وكان ذلك القبر منحوتاً في صخرة في أحد التلال القريبة من أورشليم، ولم يكن شيئاً أسطورياً أو وهمياً، بل كان له أوصاف جغرافية محددة. ولم يكن الحرَّاس الذين عُينوا لحراسة القبر كائنات أثيرية قادمة من جبل أولمبوس. ومجلس السنهدريم كان أعضاؤه يجتمعون كثيراً في أورشليم. وكما تخبرنا الكثير من المصادر التاريخية، فقد كان يسوع شخصاً حقيقياً، عاش بين الناس أياً كانت صفاته الأخرى. وكان التلاميذ الذي خرجوا ليبشروا بالرب المقام أشخاصاً عاشوا بين الناس، كانوا يأكلون ويشربون وينامون ويتألمون
كتب ترتليان (حوالي 160- 220م) أسقف قرطاج في شمال أفريقيا:
إن تلاميذ المسيح انتشروا في العالم أجمع وفعلوا كما أمرهم سيدهم، وبعد أن قاسوا الأمرِّين من اضطهادات اليهود، وبنفس راضية إذ كان لهم إيمان ثابت بالحق، استشهدوا بسيف نيرون القاسي في النهاية فبذروا بذار الدم المسيحي في روما.
وكتب يوسيفوس المؤرخ اليهودي في نهاية القرن الأول الميلادي هذه الكلمات الرائعة عنه في كتابه الآثار:
كان في ذلك الوقت رجل حكيم اسمه يسوع، لو كان لنا أن ندعوه رجلاً، لأنه كان يصنع العجائب، وكان معلماً لمن كانوا يتقبَّلون الحق بابتهاج. وجذب إليه الكثيرين من اليهود والأمم على حد سواء. وكان هو المسيح، وعندما أصدر بيلاطس الحكم عليه بالصلْب، بإيعاز من رؤسائنا، لم يتركه أتباعه الذين أحبوه من البداية، إذ أنه ظهر لهم حياً مرة أخرى في اليوم الثالث، كما تنبأ أنبياء الله عن هذه الأشياء وعن آلاف الأشياء العجيبة المختصة به. وجماعة المسيحيين، المدعوين على اسمه، مازالوا موجودين حتى هذا اليوم.
وقد حاول البعض أن يبرهنوا على أن هذه الكتابة مدسوسة على يوسيفوس. إلا أن مايكل جرين يقول في كتابه «رجل حي»: «وردت هذه الفقرة عن يوسيفوس في كتابات يوسابيوس في القرن الرابع». ويقول أيضاً: «وظهرت في الطبعات الحديثة لأعماله. ومن الجدير بالملاحظة أن يوسيفوس لم يكن متعاطفاً مع المسيحيين، ولكنه كان يهودياً يكتب إرضاءً للرومان. ولم تكن هذه القصة لترضيهم بأي حال. ولم يكن يوسيفوس ليكتبها لو لم تكن صحيحة».
وكحقيقة تاريخية، فقد كانت قيامته هي التي مكَّنت الناس من الإيمان بأمجاد يسوع التي تفوق البشر. ولم يكن الأمر مجرد التأثير الأخلاقي لشخصيته وحياته وتعاليمه. ولكن عقيدة القيامة هي التي دفعتهم إلى تسليم حياتهم للمسيح الفادي، ولا يمكن تفسير ذلك بدونها. ومن ينكرون قيامتـه ينكرون أيضاً بالتبعية ألوهيته وعمل الفداء الذي قـام به كمـا بشـر بذلك القديس بولـس.

شهادة التاريخ والقانون

عندما يكون هناك حادثة تاريخية ويكون هناك من البشر الأحياء عدد كافٍ شهد هذه الحادثة أو شارك فيها، وعندما تنتشر هذه المعلومات، يمكن للمرء أن يتحقق من صحة هذه الحادثة التاريخية (بالأدلة والقرائن).
أما وليم ليون فيلبس، الذي ظلّ أستاذاً بارزاً للأدب الإنجليزي بجامعة يال لأكثر من أربعين عاماً، وألَّف ما يقرب من عشرين مجلداً في الدراسات الأدبية، وكان محاضراً مشهوراً فيقول:
إن أهم حادثة في قصة يسوع المسيح بأكملها هي حادثة القيامة. ويعتمد عليها الإيمان المسيحي. ومن الأمور المشجعة أن نعرف أن المبشرين الأربعة يذكرونها كما يذكرها أيضاً بولس الرسول. وأسماء الذين رأوه بعد انتصاره على الموت مدونة أيضاً، ويمكن القول إن الأدلة التاريخية على القيامة أقوى من أي معجزة أخرى ذكرت، لأنه كما يقول بولس: لو لم يكن المسيح قد قام من الأموات، فباطلة كرازتنا، وباطل أيضاً إيمانكم.
يخبرنا المحامي فرانك مورديسون في كتابه «من دحرج الحجر» الذي أصبح من أكثر الكتب مبيعاً كيف أنه ترعرع في وسط عقلاني ورأى أن القيامة ليست إلا قصة خيالية انتهت نهاية سعيدة أفسدت قصة يسوع التي لامثيل لها. ومن ثم قرر أن يكتب عن الأيام الأخيرة في مأساة يسوع ويسلِّط الأضواء على بشاعة الجريمة وبطولة يسوع. وبالطبع كان سيذِّيل أي أمر معجزي يرتاب فيه، ويفند تماماً أحداث القيامة. ولكنه عندما بدأ يدرس الحقائق بعناية، تغير فكره وكتب كتابه في الاتجاه المعاكس. ودعى أول فصول الكتاب «الكتاب الذي لم يكتب».

شهادة آباء الكنيسة الأولين

يقول سبارو- سمبسون: «لا شك أن القيامة تحتل المكانة التالية بعد تجسُّد المسيح في الكتابات المسيحية الأولى. وهناك إشارات كثيرة لها في العصر ما بعد الرسولي، كما توجد رسائل كاملة مخصصة لموضوع القيامة كتبت في القرن الثاني مثل أعمال أثينا جوراس وچاستن مارتر».
ويعلق برنارد رام قائلاً: «في كل من التاريخ الكنسي وتاريخ العقيدة نجد القيامة حقيقة ثابتة منذ العصور المبكرة. فيذكرها أكليمندس الروماني في رسالته إلى كورنثوس (955م)، كما تذكرها وثائق التاريخ الكنسي المبكر خلال عصر الآباء. كما ترد في جميع قوانين الإيمان الرسولي ولم يعارضها أحد».
شواهد أخرى
يعلق الحاخام اليهودي فينحاس لابيد على تحوُّل التلاميذ قائلاً: هذه الجماعة المذعورة الخائفة. الذين  كادوا أن يتركوا كل شيء وراءهم راجعين إلى الجليل، هؤلاء الرعاة الفلاحين وصائدو السمك، الذين خانوا وأنكروا سيدهم بشكل مؤسف، يستطيعون فجأة و في مدى بسيط أن يتحولوا إلى مجتمع متحمس من المبشرين مقتنعين بالخلاص وقادرين على شق طريقهم بكل جسارة ونجاح بعد القيامة أكثر بكثير عما قبلها، لذا أقول إنه لا يوجد أي مجال للرؤى أو الخيالات بقادرة أن تشرح لي معنى هذا التغيير الفجائي الثوري.
يعلق ج. ب مورلاند على شهادة النسوة قائلاً: «في القرون الأولى لنشأة اليهودية، كانت شهادة المرأة لا قيمة لها، ولم يكن مسموحاً لها أن تدلي بشهادتها أمام المحاكم إلا في أحوال نادرة. ولا يمكن لأي إنسان أن يخترع قصة ما ويجعل النسوة أول من يدلين بشهادتهن فيما يختص بالقبر الفارغ. فإن إدلاء النسوة بشهادتهن هو إحراج للرجال، وربما هذا يفسر أن رؤية النسوة ليسوع أولاً لم تذكر في كورنثوس الأولى. وكذلك في العظات التي وردت في سفر أعمال الرسل طالما أن هذه المواعظ كانت تبشيرية المقصد. لم يكن هناك داعياً لأن يتضمن خطاب تبشيري تفصيلات عرضية ربما تسبب إرباكاً وتعثراً للمستمعين بينما يترك الهدف الرئيسي من الخطاب. والحقيقة أن الأناجيل تضمنتها في محاولة لوصف ما حدث، ولا يوجد تغيير آخر ملائم يستطيع أن يفسر هذه الحقيقة.
ويقول ج. ب مورلاند في مجال احتمال قيام التلاميذ باختراع المسيحية: ذلك مستحيل لسبب وحيد هو أنه  ليس هناك مكسب أو مغنم قد يحصل عليه التلاميذ من البدء في التبشير بدين جديد. لقد واجهوا المصاعب والشدائد المتعددة، وتعرضوا للهزء والسخرية والعداوة والموت كشهداء. في ضوء كل هذا لم يكن معقولاً أن يستمروا في هذا الطريق إذا علموا أن ما يبشرون به ليس سوى كذبة كبرى. لم يكن التلاميذ جماعة من الأغبياء وبولس بالذات كان إنساناً متعلماً ذا عقلية فذَّة من الدرجة الأولى، لقد تعددت الفرص خلال ثلاثة أو أربعة عقود من التبشير لأن يعيدوا النظر وأن ينبذوا تلك الفرية. وكان هذا الدين الجديد قد منحهم كل ما يصبون إليه، لكن تلك الهبات بزغت من خلال اعتقاد راسخ بأن ما يعيشون لأجله هو حق وصدق.

مشاهد ما بعد القيامة
القبر الفارغ

يكتب ونفريد كوردوان عن حقيقة القبر الفارغ:
إذا ظهرت أي حقيقة ذات تاريخ قديم غير قابلة للشك أو الجدل، فإنها يجب أن تكون ذلك القبر الفارغ. فمنذ يوم أحد القيامة ولاحقاً وجد هناك قبر عرف بأنه قبر يسوع، لكنه لا يحوي جسده، فهو أمر لا يقبل الشك فيه، حيث انتهج تعليم العقيدة المسيحية منذ البدء والتبشير بحقيقة المخلِّص المقام من الأموات. لقد عارضت اليهودية هذا التعليم وكانت مستعدة لأن تصل إلى أقصى الحدود لكي تخمد هذه الحقيقة. كانت مهمتهم ستصبح أكثر سهولة لو دعوا بعض المؤمنين بالمسيح لزيارة سريعة إلى القبر وهناك يرون بأعينهم جسد يسوع. هذا بالطبع سوف تكون نهاية الرسالة المسيحية. الحقيقة هي أن الكنيسة نشأت ونمت على أساس المسيح المقام من الأموات وتوضح أن هناك قبراً فارغاً.
الأكفان
في السرد التالي، يوضح لنا القديس يوحنا اللاهوتي معنى تواجد الأكفان كدليل على قيامة يسوع:
«فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا إلى القبر. وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع لوحده. فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً إلى القبر ورأى فآمن. لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات» (يو 20: 3- 9).
الختم
يعلق أ.ت. روبرتسون «كان الختم يوضع في حضور الجنود الرومانيين الذين خصصوا لحراسة الشعار الروماني الذي يمثل قوة ونفوذ روما»
يقول د. د. هدون «لا يمكن فتح الباب بدون كسر الختم، وهذا يمثل جريمة شنعاء في حق مالك الختم».  لقد انكسر الختم عندما تدحرج الحجر، والشخص أو الأشخاص الذين لا يتورعون على كسر الختم سوف يكونون مسئولين أمام الحاكم المحلي ووكلائه، في الحقيقة كان كسر الختم في زمن قيامة المسيح يخشاه الجميع.
الحراس الرومانيون
أن نفهم من هم هؤلاء الحراس، يجعل من رواية (متى 28) ذات تأثير قوي، فالمنظر الذي صاحب قيامة يسوع كان مفزعاً مما جعل هؤلاء الحرَّاس الصارمين يرتعدون. «ارتعد الحراس وصاروا كأموات» (مت 28: 4).
وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحرَّاس وصاروا كأموات».
«وفيما هما ذاهبتان إذ قوم من الحرَّاس جاءوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء الكهنة بكل ما كان، فاجتمعوا مع الشيوخ وتشاوروا وأعطوا العسكر فضة كثيرة قائلين. قولوا إن تلاميذه أتوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام. وإذا سُمع ذلك عند الوالي فنحن نستعطفه ونجعلكم مطمئنين. فأخذوا الفضة وفعلوا كما علَّموهم. فشاع هذا القول عند اليهود إلى هذا اليوم» (مت 28: 2- 4، 11- 15).
يسوع كان حياً، كما بينته ظهوراته العديدة بعد ذلك.
أهمية الظهورات
يكتب س. لويس فيما يختص بظهورات المسيح بعد القيامة: «الحقيقة الأولى في تاريخ المسيحية هي  مجموعة الناس الذين قالوا بأنهم شاهدوا القيامة، وإذا ماتوا بدون إقتناع أي أحد بصدق تلك البشارة، لما كتبت هذه الحقيقة في الأناجيل».
يكتب ج.ن. أندرسون عن شهادة الظهورات:
أكثر الطرق عنفاً لطمس الحقائق هي ادعاء بأن هذه القصص غير حقيقية، وأنها ليست سوى أكاذيب متعمدة. لكن، وعلى حد علمنا، لا ينتهج واحد من النقاد هذا الأسلوب.. وفي الحقيقة، هي مهمة صعبة. تذكر عدد شهود الظهورات، وهم أكثر من 500 شخص. تذكر حقيقة شخصية هؤلاء الشهود من رجال ونساء الذي منحوا العالم أعظم المعايير الأخلاقية التي عرفت على الأرض، والتي، حتى من وجهة نظر أعدائهم، عاشوا بها وفي ظلالها ومارسوها في حياتهم. تذكر التعارض النفسي عندما نتصور هذه الجماعة الصغيرة من الجبناء المذعورين المنكمشين على أنفسهم داخل العلية في يوم ما، ثم بعد عدة أيام قليلة يتحولون إلى جماعة أخرى لا يثنيهم أي اضطهاد أو تعذيب يتعرضون له- ثم يحاول النقاد بعد ذلك أن ينسبوا هذا التحول العجيب إلى قصص ملفقة يدسونها على العالم. هذا كله ليس فيه أي نوع من المنطق.
 

ظهورات المسيح في حياة الأفراد
لمريم المجدلية: مرقس 16: 9، يوحنا 20: 14.1
2. للنساء العائدات من القبر: متى 29: 9 و10.
3. لبطرس في وقت متأخر من النهار: لوقا 24: 34، 1كو 15: 5.
4. لتلميذي عمواس: لوقا 24: 13-33.
5. للتلاميذ بدون توما: لوقا 24: 36-43، يوحنا 20: 19- 24.
6. للتلاميذ ومعهم توما: يوحنا 20: 26- 29.
7. للسبعة وهم بجوار بحيرة طبرية: يوحنا 21: 1- 23.
8. لخمسمائة شخص بالإضافة إلى المؤمنين فوق جبل الجليل: 1كو 15: 6.
9. ليعقوب! 1كو 15: 7.
10. للأحد عشر رسولاً: متى 28: 16- 20، مرقس 16: 14- 20، لوقا 24: 33- 52، أعمال الرسل 1: 3- 12.
11- في الصعود: أعمال الرسل 1: 3- 12.
12- لبولس: أعمال 9: 3- 6، 1كو 15: 8.
13- لاسطفانوس: أعمال 7: 55.
14. لبولس وهو في الهيكل: أعمال 22: 17- 21، 23: 11.
15. ليوحنا وهو في بطمس: الرؤيا 1: 10- 19.

أعداء المسيح لم يدحضوا أو يفندوا حقيقة القيامة
كانوا صامتين
يسجل لنا لوقا موعظة لبطرس في سفر أعمال الرسل الأصحاح الثاني، في يوم حلول الروح القدس. ولم يحدث من قبل أن رفض اليهود إعلانه بكل شجاعة عن قيامة يسوع من الأموات. لكن لماذا؟ لأن دليل القبر الفارغ كان متواجداً ويستطيع أي إنسان أن يتأكد منه. لقد علم كل إنسان أن القبر لا يحوي داخله جسد يسوع.
يخبرنا الأستاذ داي «أن الدحض البسيط، والتحدي الفعَّال لحقيقة القيامة، كان قادراً على توجيه ضربة مهلكة للمسيحية، وكان ميسوراً لهم تنفيذ ذلك لو كان هذا فعلاً من الممكن تحقيقه».
لقد تأسست الكنيسة على موضوع القيامة، ودحض هذه القيامة كان كفيلاً بتدمير كل الحركة المسيحية. مع ذلك، وبدلاً من تقديم الدليل المضاد، خلال القرن الأول، ثم تهديد المسيحيين واضطهادهم بالجلْد والضرب والقتل بسبب إيمانهم هذا، كان من السهل جداً عليهم أن يخرسوهم وذلك بإبراز جسد يسوع. لكن هذا لم يحدث أبداً.
وكما عبَّر عن ذلك چون ستوت أفضل تعبير عندما كتب: «كان صمت أعداء المسيح هو الدليل البارع عن القيامة إلى شهد بها التلاميذ».
لقــد ســخــــــروا
.1 فـــــي أثيــنــــا
عندما تكلم بولس مع الأثينيين عن المسيح، لم يستطيعوا مجاوبته أو معارضته، «لما سمعوا بالقيامة من الأموات كان البعض يستهزئون» (أع 17: 32). لقد ضحكوا بكل سخرية لأنهم لم يفهموا كيف يمكن لإنسان أن يقوم من الأموات، وحتى أنهم لم يحاولوا أن يدافعوا عن وجهات نظرهم تلك. وكأنهم يقولون، «من فضلك، لا تربكنا فيما يختص بالحقائق، التي استقرت في عقولنا على وضع معين».
لماذا واجه بولس مثل هذا الإنكار في بلاد اليونان ولم يواجه مثله في أورشليم؟. كان هذا بسبب أن أورشليم بها مقر القبر الفارغ ويستطيع أي إنسان أن يأتي ليفحصه، لكن في أثينا كان الدليل بعيداً لأن القبر الفارغ لم يكن من المعلومات المعروفة، مستمعو بولس لم يكن في مقدورهم التحقق من أقواله، وفضَّلوا أن لا ينشغلوا بفحص الحقائق، لقد ارتضوا أن يحوِّلوا الموضوع إلى شأن مضحك وذلك بكل جهل. إن الانتحار العقلي هو أبلغ وصف لحالتهم هذه.
2 .أمام أغريباس وفستوس في قيصرية
أخبر بولس أغريباس وكل الحاضرين في المحكمة أن المسيح «المقام من الأموات وهو مزمع أن ينادي بنور للشعب اليهودي وللأمم» (أع 26: 23). وبينما ينادي بولس في مجال دفاعه، ردّ عليه فستوس بصوت عالِ: «أنت تهذى يا بولس، الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان. فقال لست أهذى أيها العزيز فستوس بل أنطق بكلمات الصدق والصحو. لأنه من جهة هذه الأمور عالم الملك الذي أكلمه جهاراً. إذ أنا لست أصدِّق أن يخفى عليه شيء من ذلك. لأن هذا لم يفعل في زاوية. أتؤمن أيها الملك أغريباس بالأنبياء. أنا أعلم أنك تؤمن. فقال أغريباس لبولس بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً» (أع 26: 24- 28).
ومرة أخرى، كما حدث في أثينا، يواجه بولس بعدم التصديق، كانت رسالته هي أن المسيح قام من الأموات (أع 26: 23). ومرة أخرى لم يقدم له دليل مناقض بدفع الحجة بالحجة، لم يقابل سوى بسخرية غبية من فستوس، بينما كان دفاع بولس منطوقاً بكلمات كلها «صدق وصحو» (أع 26: 25). لقد أكَّد بولس على الطبيعة التجريدية للحالة التي يشرحها بقوله: «لأن هذا لم يفعل في زاوية» (أع 26: 26). لقد تحدَّى كل من أغريباس وفستوس بتقديم الدليل، لكن فستوس مثل الأثينيين لم يفعل شيئاً سوى أن يضحك. هذه الحادثة جرت في قيصرية، حيث لم يكن معروفاً لـكل فرد أي قبر كان فارغاً. لكن الرحلة إلى أورشليم كانت كفيلـة بـأن توضِّح الأمور.

حقائق تاريخية ثابتة

القبر الفارغ، هو الدليل الصامت عن قيامة المسيح لم يتم تفنيدها أبداً. لم يستطع سواء اليهود أو الرومان أن يظهروا جسد يسوع أو حتى يشرحوا أين اختفى. مع ذلك رفضوا التصديق والإيمان. هناك الكثير من الرجال والنساء يرفضون القيامة، ليس بسبب عدم كفاية الأدلة، لكن بالرغم من كفايتها فعلاً.

.حقائق نفسية ثابتة
1. حياة الرسل المتحولة

يقول چون د. ستوت «ربما يكون تحوَّل حياة التلاميذ هو الدليل الأكبر على قيامة المسيح».
ويخبرنا سيمون جرينليف وهو محام خريج جامعة هارفرد، «كان من المستحيل أن يصرِّوا على تأكيد  الحقائق التي سردوها لو لم يكن يسوع قد قام فعلاً من الأموات، وتكون معرفتهم لهذه الحقائق مؤكدة كأي حقيقة أخرى يؤمنون بها».
يتساءل بول ليتل «هل كان هؤلاء الرجال الذين ساهموا في تغيير أخلاقيات مجتمع بأسره كاذبين محترفين أو مجموعة من المجانين المخدوعين؟ هذه التحولات التي حدثت يصعب تصديقها بدون حدوث القيامة، لم يكن متاحاً لهم أبداً أي دليل آخر يسندهم».
تأمل في الحياة المتحولة ليعقوب. قبل القيامة كان يحتقر كل ما يمثله أو يدافع يسوع عنه. كان يعتقد أن ما يعلنه يسوع ليس سوى بطلان صارخ وليس له هدف سوى تلطيخ اسم العائلة. مع ذلك، فإنه بعد القيامة وُجد يعقوب بين التلاميذ يبشر بإنجيل السيد، ورسالته التي كتبها توضح تلك العلاقة الجديدة التي ربطته بالمسيح، هو يصف نفسه بأنه «عبد لله والرب يسوع المسيح» (يع 1: 1). التفسير الوحيد لهذا التغير الذي حدث له هو ما شرحه بولس عدما قال «وبعد ذلك ظهر ليعقوب» (1كو 15: 7).
يقول چورچ ماثيسون:
تشكُك توما يرجع إلى اعتقاده الجازم أن موت يسوع هو نهاية لمملكته. «دعنا نذهب لنموت معه». هذا الرجل الذي نطق بهذه الكلمات كان يفتقد تماماً الأمل في قيامة يسوع. ولا يمكن لأي إنسان أن يقترح الموت مع آخر بينما هو يتوقع أن يراه بعد ساعات قليلة. في تلك اللحظة بالذات تخلَّى توما عن كل اعتقاداته الذهنية، لقد وجد أنه لا أمل متاح أمام يسوع. هو لم يؤمن بقواه الذاتية، لقد اقتنع فكره أن قوى العالم الخارجي سيكون لها الغلبة على يسوع وأنه سوف يسحقه ويفنيه.
مع ذلك، فإن يسوع أظهر نفسه لتوما أيضاً، وظهرت النتيجة المبهرة في إنجيل يوحنا عندما صرخ توما قائلاً «ربي وإلهي» (يو 20: 28). لقد تغير توما تماماً بعد تأكده من قيامة يسوع. ومات أخيراً كشهيد.
2. الحياة المتغيرة على مدى ألفي عام

كما غير يسوع حياة تلاميذه، كذلك تحولت حياة ملايين من الرجال والنساء على مدى ألفي عام.
3 . القرار

إذن فالحقائق النفسية التي تظهر في الحياة المتغيرة، هي أسباب معقولة للإيمان بالقيامة. إنها دلائل ذاتية تحمل في طياتها حقائق موضوعية توضح أن يسوع المسيح قام من الأموات في اليوم الثالث، لأنه لا توجد سوى قيامة المسيح القادرة أن تنشيء هذه المقدرة العجيبة في تغيير حياة أي إنسان.
في يوم الصلْب امتلأت قلوبهم بالحزن، أما في اليوم الأول من الأسبوع فقد امتلأت قلوبهم بالفرح. في مشهد الصلْب فقدوا الأمل، وفي اليوم الأول من الأسبوع شعَّت في قلوبهم دفقات من الأمل واليقين. عندما وصلتهم الأخبار الأولى عن القيامة قابلوها بعدم التصديق والإنكار، وما أن تأكدوا فإن الشك لم يطرق بعد ذلك باب قلوبهم. ما الذي يمكن أن يقال عن هذا التغير المدهش الذي حدث لهؤلاء في ذلك الوقت القصير للغاية؟ فمجرد نقل الجثمان من القبر ليس بقادر أبداً أن يغيِّر أرواحهم وشخصياتهم، وثلاثة أيام ليست كافية لبزوغ أسطورة تسيطر عليهم بالكامل. فلكي تنجح أي أسطورة يجب أن ينقضي وقت كاف لتنغرس في النفوس. إن ما حدث حقيقة نفسية تحتاج إلى قدر كبير من الفحص والتفسير.
تذكَّر شخصية الشهود من رجال ونساء، وهم الذين منحوا العالم أعظم الدروس الأخلاقية التي عرفتها الإنسانية، وباعتراف الأعداء عاشوا بمقتضاها ومارسوها في حياتهم. تذكَّر أنها تعتبر طفرة نفسية غير معقولة إذا تصورنا هذه المجموعة الصغيرة من الأفراد المنهزمين المنكمشين على أنفسهم المذعورين داخل غرفة عليا في يوم ما، وبعد أيام قليلة يتحولون إلى جماعة لا يمكن لأي اضطهاد أو تعذيب أن يثنيهم عن التبشير- ثم بعد ذلك يزعم البعض أن هذا التغيير مصدره ليس إلا كذبة بائسة حاول التلاميذ أن يدسوها على العالم. هذا ليس معقولاً بالمرة.

حقائق اجتماعية ثابتة
1. المؤسسة: الكنيسة المسيحية
الأساس الرئيسي لتأسيس الكنيسة هو التبشير بقيامة السيد المسيح من الأموات. يقول سفر أعمال الرسل في 1: 21 و22: «فينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج منَّذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا يصير واحداً منهم شاهداً معنا بقيامته».
الكنيسة هي حقيقة من حقائق التاريخ، وتفسير تواجدها هو إيمانها الأكيد بالقيامة. وفي خلال سنواتها الأولى، قاست معاناة شديدة من اليهود والرومان. الأفراد منهم عُذبوا وتعرضوا للموت في سبيل سيدهم الذي آمنوا أنه قام من الأموات.
2. ظاهرة يوم الأحد المسيحية

يوم الراحة والعبادة عند اليهود هو يوم السبت، الذي قيل عنه إن الله أنهى فيه الخلْق واستراح في اليوم السابع. يوم السبت هو أحد الأعمدة الأساسية في الديانة اليهودية، وأكثر الأمور قداسة عند اليهود هو الحفاظ على يوم السبت. أما المسيحيون فإنهم يجتمعون للعبادة في اليوم الأول من الأسبوع اليهودي لتذكار قيامة السيد المسيح. هؤلاء المسيحيون نجحوا في اتخاذ يوم الأحد هذه القرون الممتدة وجعلوه هو يوم الراحة والعبادة. مع ذلك، تذكَّر، أن المسيحيين الأوائل كانوا يهوداً!، وفكِّر فيما كان يدور في أذهانهم إذا كانوا مخطئين، يجب أن نعلم أن هذا من المحتمل أن يكون هو أكثر القرارات خطورة اتخذته جماعة المؤمنين! كيف نفسِّر هذا التغيير في تحديد يوم العبادة ليكون هو يوم الأحد بدلاً من يوم السبت؟
يلاحظ ج. ن. أندرسون أن معظم المسيحيين الأوائل كانوا في الأصل يهوداً، وكانوا متمسكين بشكل  متعصب بيوم السبت، لذلك كان هناك شيء ملفت للنظر أدى إلى تغييرهم لهذه الشعيرة، إنها ليست سوى القيامة!
3. ظاهرة القداسات المسيحية
آ. جماعة المؤمنين

(انظر أع 2: 46، يو 6، مت 26: 26، مر 14: 22، لو 22: 19، 1كو 11: 23 و24).
كان العشاء الرباني هو تذكار لموته، لكن نقرأ في سفر أعمال الرسل 2: 46 أنه كان فرصة لإبداء الفرحة والبهجة. والآن إذا لم يكن هناك قيامة، فكيف يكون هناك فرحاً؟ ذكرى العشاء السري قاد مباشرة إلى الخيانة ثم الصلْب، وبالطبع هذه الذكرى تتسبب في زيادة معاناتهم وأحزانهم. ما الذي حول الكرب والضيق الذي لحق بيوم العشاء الأخير إلى اجتماع للمؤمنين فرح وبهجة؟ الذي يعمُّ العالم كله؟.
يعلق على ذلك مايكل جرين:
لقد تقابلوا معه في هذا التقديس، إنه لم يمت ويختفي عن الوجود، لكنه قام من الأموات، وهو بالحقيقة  حي. إنهم يحتفلون ويفرحون بموته مستحضرين في أذهانهم قيامته المجيدة، ثم عودته في نهاية العالم (1كو 11: 26). نحن لدينا صلاة مقدسة تعود إلى الأجيال الأولى التي كانت تتحدث بالآرامية (1كو 16: 22) وهي: ماران آثا، التي تعني «سيدنا عائد». كيف يكون هذا اتجاه المسيحيين الأوائل عندما يتقابلون ليحتفلوا بعشاء السيد فيما بينهم، إنه اتجاه يصعب تفهمه بدون قيامته حقاً من الأموات في اليوم الثالث.
ب. العماد
(انظر كولوسي 2: 12، رو 6: 1- 6)
المسيحون يحتفلون باحتفالية مميزة وهي العماد. هنا تجرأوا أن يبتعدوا مرة أخرى عن اليهودية. لقد ظلَّ اليهود في تطبيق وصية الختان، لكن المسيحيون التزموا بوصية سيدهم الخاصة بالعماد. هنا يدعى الشخص لكي يندم على خطاياه، مؤمناً بالمسيح القائم من الأموات، ثم يعمد. والآن ما الذي يمثله هذا العماد؟ هناك قليل من الشك فيما يختص بهذا الموضوع! يشرح بولس هذا الأمر بأن عماد المؤمنين بالمسيح يؤدي إلى الاتحاد معه في موته وقيامته. عندما يغطس الإنسان في الماء يموت عن طبيعته الخاطئة، ثم يقوم من الماء ليشارك المسيح في قيامته. ولا يوجد في المسيحية أقدم من هذا السر المقدس، مع ذلك هو مرتبط بموت وقيامة يسوع المسيح، لذلك كيف يمكن تفسير ارتباط العمـاد بموت وقيامة المسيح بدون حدوث هذا الأمر فعلاً؟
4. الظاهرة التاريخية للكنيسة

إذن كان تأسيس الكنيسة من وجهة النظر التاريخية لا يمكن أن يفسرها سوى بقيامة الرب يسوع، والطقوس التي يراعيها المسيحيون تخدم أيضاً كدليل مستمر على أصل الكنيسة.
يعلق ل. ل. موريس عن أحوال المؤمنين الأول الذين شهدوا قيامة المسيح:
كانوا في الأصل من اليهود، هؤلاء اليهود يراعون بكل دقة عاداتهم وموروثاتهم الدينية، مع ذلك فقد دعـى هـؤلاء يوم الرب، وهو يوم ذكرى القيامة من الأموات بـدلاً مـن يوم السبت. في يوم الرب هذا، احتفلوا مجتمعين به، لم يكن كذكرى للمسيـح الذي مـات، لكـن هو تذكُّر كلـه امتنان للبركات التي نالوها من السيد الحـي المنتصر، أمـا تقديساتهم الأخـرى، كالعماد فهي ذكرى للمؤمنين، كأنهـم قد ماتوا فعـلاً معـه ثم قاموا منتصرين (كو 2:12).

نظريات مغلوطة عن القيامة

يعلق وينفردي كوردوان على النظريات المغايرة عن القيامة في مجملها:
يجب على التفسيرات التي تقول بعدم تواجد معجزة في القيامة أن تواجه اختباراً صعباً: إما أن تعيد كتابة الأدلة في سياق منتظم لتناسبهم، أو أن يرتضوا بأنهم غير متقبلين الأدلة الحالية. الافتراض الوحيد الذي يناسب البرهان الحالي هو أن يسوع قد قام فعلاً من الأموات.
هل يستطيع الإنسان الذي تنبأ عن موته وقيامته، أن تحدث هذه جميعاً كما قال، أن يكون شيئاً سوى أن يكون هو الله؟.



قيامة يسوع علمياً :

في العالم القديم ، كانت شهادات شهود العيان والمعجزات دليلاً قوياً على تصديق حدوث  شيء ما. عندما طلب موسى من فرعون أن يحرر بني إسرائيل ، أجرى العديد من العلامات لإثبات قوة الله (خروج 7: 8-12). وبالمثل ، جادل الرسل بأن إيمانهم كان صحيحًا لأن يسوع قام من بين الأموات (1 كو 15: 14-19).   ومع ذلك ، يميل الناس اليوم إلى عدم الاعتقاد بالمعجزات. إنهم يعتبرونها خرافات ومستحيلة ، بالنظر إلى المعرفة الواسعة المتوفرة  الآن من خلال العلم.
لكن في السنوات الأخيرة ، استخدم العديد من المسيحيين نفس الأساليب التي استخدمها
العلماء لتشويه القيامة , لإثبات أن القيامة كانت حدثًا حقيقيًا.

إحدى الطرق التي درس بها المدافعون علمياً مجموعة متنوعة من الأدلة على قيامة يسوع هي الاحتمالية ، وذلك بإجراء مقارنة حسابيةً لإحتمال حدوثها مقابل عدم حدوثها. تم فحص أدلة القيامة مع الأدلة ضدها. ولضمان نتيجة غير منحازة ، أُعتمد على معلومات مقبولة بشكل عام من قبل علماء مسيحيين وغير مسيحيين: موت يسوع ، القبر الفارغ ، وتحويل بولس.
لإثبات أن القيامة هي التفسير الأكثر احتمالا لهذه المعلومات ، تم تحليل ثلاثة أدلة رئيسية. لقد استخدموا شهادة النساء عن القبر الفارغ ، وكل شهادة من شهادات التلاميذ لرؤية يسوع واستعدادهم للموت من أجله ، وتحويل بولس إلى المسيحية.  قاموا بحساب احتمالية كل دليل من هذه الأدلة التي تثبت صحة الادعاء بشكل مستقل ، ويبدو أن حسابهم قد بدا مثل هذا (حيث W ، D ، و P = الأدلة ، X = الأسباب الطبيعية ، R = القيامة ، NR = عدم القيامة):
R | (W) R | (D) R | (P)
NR | (X) NR | (X) NR (X)
عندما تضرب احتمالات كل من هذه الأدلة معًا (R | W x R | D x R | P) ، فإن النتائج التراكمية لحسابات الاحتمالات لكل عامل من الأدلة انتهى بها الأمر لصالح القيامة بشكل  كبير (1044 ) ، وهذا يعني أنه من وجهة نظر رياضية ، أظهر الدليل ثقلاً نوعياً  لصالح القيامة كونها حدثًا حقيقيًا. هذا الاحتمال الكبير يدعم ادعاء الكتاب المقدس والكنيسة المسيحية بأن يسوع قد عاد ، في الواقع ، إلى الحياة بعد موته.
وأيضاً يقدم الله بلطف أكثر من دليل موضوعي كاف لإثبات صدق ما يقوله.

لقد أثبتت آيات  النبوة عن موت يسوع وقيامته أنها مصدر أدلة علنية يمكن التحقق منها والتي يدرسها البعض أيضًا عن طريق الاحتمالية. رغم أنه في العالم الحديث غالباً ما يخجل المرء من استخدام النبوءة كحجة. ومع ذلك ، تُظهر الدراسات الحديثة أن نبوءات العهد القديم حول قيامة يسوع والأحداث المحيطة بها يمكن أيضًا فحصها باستخدام طرق عامة وعقلانية وموضوعية (أي معايير لا تكون منحازة سواء من قبل مؤيدي القيامة أو المعارضين).
لقد أثبتت  نتائج هذا الفحص بشدة لصالح الحجة القائلة بأن يسوع حقق النبوءات حول موته وقيامته. كما أظهر فحص الاحتمالات الإضافي أن احتمالات النبوة التي تتحقق بالصدفة أو الحظ واحدة في المليون. ومن الأمثلة على هذه النبوءات إشعياء 53 ، الذي يتنبأ بأن المسيح سيتم رفضه ، واحتقاره ، وثقبه ؛ مزمور 16 ، الذي يعلن أنه لن يتم التخلي عن قدوس الرب إلى الجحيم ؛ وكلمات يسوع الخاصة عندما يخبر التلاميذ أنه سيتألم ويموت ويقوم في اليوم الثالث (إنجيل متي ١٧: ٢٢ـ ٢٣ ؛ ٢٠: ١٨ـ ١٩ـ ؛ ١٩: ٢٦: ٣١ـ ٣٢ ؛ مرقس ١٠: ٣٢ ـ 34 ؛ لوقا 18: 31-33).

لا شك بأن موت يسوع على الصليب وقيامته الجسدية تشكل  حجر الزاوية في الإيمان المسيحي. ويعتبر موت يسوع حقيقة تاريخية من قبل الغالبية العظمى من علماء العصر الحديث.
يتفق مؤرخو العهد الجديد على أن التلاميذ قد اختبروا شيئًا جعلهم يعتقدون أن يسوع قد قام من الموت إلى الحياة. السؤال هو كيفية تفسير لقاءات التلاميذ مع يسوع القائم من الموت . على الرغم من حسابات الكتاب المقدس ، يسعى العلماء تفسيراً بديلاً لقصة قيامة يسوع.

الفرضيات النفسية المتعلقة بلقاءات التلاميذ مع يسوع القائم

تشمل بضعة أنواع مثل:
.1الهلوسة Hallucination،
.2اضطراب التحويلConversion Disorder 
 3.  تأثير الحدث المفجع Bereavement Related
 
فرضية الهلوسة :

ألهلوسة بمفهومها العام هي الإحساس بمحسوس غير موجود‏ و بمعنى أدق، يمكن تعريف الهلوسة بأنها الإحساس في حالة اليقظة، والوعي بمحسوس غير موجود يتميز بخواص المحسوسات الموجودة , وتنتج عن خطأ في الإدراك يجعل "المهلوس" يعتقد فعلا أنه يحس أو يرى شيئا لا أساس له من الواقع ,  وهي عرض لأمراض متعددة وليست تشخيصاً.
ومن الجدير بالذكر أن الهلوسة هي خبرات شخصية خاصة. لذلك لا يمكن اعتبار لقاءات التلاميذ والمجموعات الأخرى مع المسيح القائم من الاموات على أنها هلوسة . ألهلوسة الجماعية نادرة الحصول , وحتى لو حصلت فلن تظهر بشكل موحد . ومثل هذا التفسير بعيد وخارج الفكر السريري السائد . ولم يعثر لحد اليوم في الأدبيات الطبية والنفسية عن هلوسة جماعية متطابقة . وأيضاً  لم تذكر مثل هذه الظواهر في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية , وأن مفهوم هلوسة جماعية ليست جزءا من الفهم النفسي الحالي . وعليه يمكن القول بثقة أن فرضية الهلوسة المطروحة  هي ساذجة في ضوء البيانات والمعلومات  الطبية والنفسية .

[color=navy]فرضية اضطراب التحويل  أو رد فعل التحويل :[/color]

يطلق في السابق تعبير " الهستيريا " على هذا النوع من الإضطراب , وهو  مرض نفسي عصابي تظهر فيه اضطرابات انفعالية مع خلل في أعصاب الحس والحركة , وهو اضطراب تحتوي فيه الانفعالات المزمنة على ظهور أعراض جسمية ليس لها أي أساس عضوي وهي تحدث لهدف عند المصاب , وقد تكون بهدف الهروب من الصراع النفسي أو من القلق او من موقف مؤلم بدون إدراك الدافع لذلك . والمعروف بأن النساء أكثر عرضة لهذا الإضطراب من الرجال بمرتين . ويرتبط هذا الإضطراب مع بعض أتواع الأحداث المؤلمة نفسياً.
نادراً ما  تستمر أعراض الإضطراب لمدة طويلة , حيث عموماً تختفي بعد بضعة أيام أو خلال ثلاثين يوماً  أحياناً .
يستحيل قبول إصابة كافة التلاميذ والمجموعات الأخرى بمثل هذا الإضطراب حيث لا يمكن أن يتفاعل الجميع بنفس الأسلوب , وعليه تثبت هذه الفرضية بطلانها على أرضية الواقع الطبي والمدلول النفسي .

[color=navy]فرضية الفجيعة والحزن [/color]

يمكن تعريف الفاجعة كونها  حالة من الحداد نتيجة فقدان الحبيب , أما الحزن فهو شعور ذاتي يسببه حدث الوفاة . ولا تعتبر الحالتان مظاهر مرضية .
تحدث الفاجعة بمراحل , ألمرحلة الأولية التي هي الصدمة  تستمر من 1-2 شهر , ومن المتوقع أن يتلاشى الحداد خلال 6-12 شهر. ربما تتراءى للمفجوع صورة الحبيب المفقود , ولكن في حالة التلاميذ والمجموعات التي شهدت ظهور المسيح , لا يمكن لها جميعاً أن ترى نفس الصورة . لذلك من الناحية الطبية والنفسية فإن هذه الفرضية تؤكد ضعفها الواضح وحتمية بطلانها . 

خلاصة القول، الفرضيات النفسية لا توفرتفسيرات مقبولة للقاءات فرد أو مجموعة من التلاميذ في وقت واحد مع يسوع القائم من الموت .

الخاتمة:

كل ما تطلبه المسيحية من الناس.. هو أن يكونوا متوافقيـن مع أنفسهـم، أن يتعاملوا مع أدلتها كما يتعاملـون مع أي دلائل أخرى، إن يحاولوا التحكم في عواملها وشواهدها، كما لو كانوا يتعاملون مع نظرائهم من البشر. عندما نشهد عن أعمال الناس وأفعالهـم مع بعضهـم البعض، فلندع الشهود أن يفحصوا ذواتهم، وعلاقاتهم مع الآخـرين، مع استجلاء الحقائـق والظـروف المحيطـة، ثم ندع تلك الشهادات تنقى وتصفى كما لو كانت مقدمة مثلاً إلى محكمة تقر العدالة. هذه الشهادات سوف تتعرض إلى استجواب دقيق النتيجة، سـوف نصدِّق هذه الشهادات بكل اطمئنان، ستكون هناك قناعة تامة على تكاملها، وقدراتها وكذلك مدى صدقها
قبر يسوع خالٍ , الدليل يتكلم عن نفسه، وهو يقول حقاً قام المسيح من الأموات حقاً قام.






ألمراجع :

http://www.garyhabermas.com/articles/irish-theological-quarterly/Habermas_Resurrection%20of%20Jesus.pdf

http://www.veritas.org/can-scientist-believe-resurrection-three-hypotheses/

https://saint-adday.com/?p=23069

http://www.yourbiblesearch.com/ResirctionTrueOrFiction.aspx

https://corechristianity.com/resource-library/articles/3-ways-science-supports-the-miracle-of-the-resurrection

https://www.spiegel.de/international/world/doctor-sam-parnia-believes-resurrection-is-a-medical-possibility-a-913075.html




40
نعم للإسلامفوبيا , كلا للمسلمفوبيا
د. صباح قيّا
رغم عدم ميلي للدخول في نقاش حول المسائل الدينية أو السياسية لقناعتي بأن الخوض فيهما لن يصل إلى نتيجة مقنعة لأي من الاطراف , وإنما ينتهي على الأغلب بطريق مسدود , وربما قد يؤدي إلى تولّد نوع من الحساسية قد تصل إلى الضغينة في بعض الأحيان . ولكن في أكثر من مرّة أجد نفسي ملزماً بإبداء الرأي وخاصة عندما يفتقد الرأي المقابل إلى المنطق السليم والحجة المقنعة ويبالغ في تشويه الحقائق المعروفة والتي لا  لبس فيها .
حاول أحد زملاء العمل إقناعي بأن الجزية تفرض على أهل الكتاب بهدف الدفاع عنهم وحمايتهم . وأكد في محاولته بأن الجزية هي كالضريبة التي يتحمل دفعها الفرد هنا ( أي في دولة المهجر ) . إضطررت إلى إجابته حيث لم أتمالك نفسي السكوت عن مثل هذا الهراء وخاصة كان بحديثه يوجه فتواه لي بالذات . قلت له بأن الجزية لم تتمكن من تأديتها في حينه إلا القلة القليلة من العوائل الميسورة من المسيحيين , واضطر السواد الأعظم منهم الدخول إلى الإسلام لعدم توفر الإمكانية المادية لدفع الجزية من ناحية , وكي ينجو كل منهم مع عائلته من سطوة السيف من ناحية أخرى. وأضفت بأن الإسلام لم يميّز بين الغني والفقير ولا بين المعوق والسليم ولا بين العامل والعاطل من أهل الكتاب بل فرض الجزية على الجميع بدون استثناء . أما في بلد المهجر فإن الضريبة تفرض على المدخولات لحد معين , ويستثنى منها أصحاب الدخل المحدود , كما أن الدولة تدفع للعاطلين والمعوزين والمعوقين وما شاكل ما يسد رمقهم من خلال نظام الرعاية الإجتماعية الذي بدون شك يشمل الكثير من المسلمين في دولة المهجر . لم ينبس ببنت شفة كما يقال , بل ظلّ ينظر إليّ مشدوهاً , وربما عقدت الحقبقة الناصعة لسانه .
في مناسبة أخرى, وجدت نفسي مع زميل آخر في العمل يكيل الذمّ للعديد من القوانين السائدة في دولة المهجر , ويطالب بالأخذ بالتقاليد والأعراف التي جاء بها من وطنه الأم , والسماح لهم بتطبيق الشرع الإسلامي وما يتبعه من الأحكام كي تسري عليهم بالذات .   تراءى لي بأن ما يبكي عليه ليست عدالة السماء , وإنما على ما يشبع غريزته الجسدية من خلال الإقتران بأكثر من زوجة واحدة . مع العلم أن الكثير من المسلمين هنا له زوجة واحدة حسب القانون المدني , وله أخريات حسب الإتفاق مع المرجع الديني , وليذهب قانون الدولة إلى الجحيم ما دام قانونه الإلهي هو السائد . سألته : ألم تهاجر إلى هذه الدولة كلاجئ هرباً من الإضهاد الذي لحق بك في بلدك الأصلي ؟ أجاب بالإيجاب .  قلت له طيّب , لو نفترض بأن الحكم أصبح بقدرة قادر إسلامياً في دولة المهجر , فهل تعتقد بأن العقلية التي حكمت هناك ولا تزال ستتغير عند حكمها هنا ؟ وأضفت , من دون شك بأن القمع والتنكيل سينتقل إلى هذا المكان وحينه أين المفر وما العمل ؟ هل ستطلب اللجوء إلى المريخ ؟ . سكت كما سكت الأول من قبله ولم يجب . 
ما دمت بصدد سرد ما صادفني من مواقف حياتية , لا بد لي أن أعرّج على  ما أتذكره الآن خلال عملي في المملكة المتحدة خلال العقد الأول بعد الالفين . أتذكر عند شرائي جهاز الحاسوب من أحد المحلات الذي يمتلكه شخص من أصول باكستانية ,  والذي ما أن علم أني من بلاد الرافدين حتى ظنني مسلماً فأبدى تذمره وامتعاضه من هذا البلد وما قاله بالحرف الواحد أن هذا البلد ينوي تدميرنا وما علينا إلا أن نتحد ونقف معاً كي نستطيع أن نحافظ على إيماننا المهدد . كان يتكلم بصيغة الجمع باعتباري , حسب قصر بصره , أنني واحد منهم في الدين . علمت منه أنه يسكن المملكة المتحدة منذ عقدين من الزمان تقريباً ... يا للهول ؟؟؟ سألته لماذا هذا البلد يريد تدميرنا ؟ هل جاء أحدهم وأغلق محلك ؟ هل منع أحدهم ذريتك من الدراسة ؟ هل وقف أحدهم أمام طريقك للذهاب إلى الجامع والصلاة ؟ هل حالك أيام عيشك في باكستان أفضل من هنا ؟ واسترسلت بهذا النمط من الاسئلة , ولم يكن له جواباً منطقياً يعزز وهمه , وعندها قلت له : إذن لماذا تعتقد أن هذا البلد يبغي تدميرنا ؟ فغر فاه ولم ينطق بكلمة  .
صادف أن كنت أعاين المرضى في العيادة الخارجية لإحدى مستشفيات إنكلترا. جرت العادة أن تُعلّق على الباب لوحة يكتب عليها الإسم الاخير للطبيب المتواجد . لا بد أن اشير بأن إسمي الأخير في وثائقي المهنية هو إسم المرحوم جدّي , وليس لقبي الموجود على هذه الصفحة . ويظهر أن إسم المرحوم جدّي شائع في باكستان . ومن هذا المنطلق بادرني أحد المرضى من أصول باكستانية أيضاً حال دخوله غرفة الفحص مع عائلته بقوله بالإنكليزية المطعمّة باللكنة الباكستانية : أخي أنت مسلم ؟, أنت مسلم ؟ , أنت أخي  . لم أُجب على تساؤله بل قمت بواجبي المهني تجاه عائلته المريضة . بعدها سألته : هل لاحظت أية فروقات بين الخدمة التي قدمتها لعائلتك وبين خدمة أي طبيب آخر سبق وأن زرته ؟ أجابني بالنفي . قلت له أنني لست مسلماً بل مسيحياً , وواجبي أن أقدم لك ولغيرك نفس المستوى من الخدمة , ولن يغيّر من  ذلك لا معتقدك ولا  معتقد أي كان . وأضفت : لا بد أن تعي المبدأ الحياتي بأن الإنسان لا يقاس بدينه وما يؤمن به , وإنما بمقدار الخصال الإنسانية التي يحملها في قلبه . بدأ عليه الإرتباك وكرر اعتذاره لأكثر من مرة . 
من خلال هذا الإستعراض لغيض من فيض من مثل هذه المعاناة البشرية , ومن خلال تجارب الآخرين , بالإضافة إلى الأحداث الملموسة على أرض الواقع , أستطيع أن أجزم بلا تردد بأن هنالك شريحة واسعة من المسلمين من يحلم , بل ربما هنالك من يخطط لأن تتحول دول الشتات المتحضرة إلى دول إسلامية حالها حال الموجود في الكون اليوم رغم متناقضاتها ومآسي شعوبها , ولكن المهم أن تكون إسلامية . من حقي أن أخشى الإسلام ... بل نعم أنا قلق من التغلغل الإسلامي في الغرب ذي العمق المسيحي  , وربما أكون مصاباً بالإسلامفوبيا.
ألإسلام دين يختلف عن بقية الأديان السماوية أو غير السماوية . ألمعروف بأن كلمة القتل
ذكرت 96 مرة في القرآن , وحصة  المحبة ربما مرتين أو ثلاث. ويصل عدد آيات القتال
والجهاد إلى 214 آية تقريباً .  أما  "آية السيف أي  الآية 29 من سورة التوبة التي نصّها "
قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ اَلاَخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اَللهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ
الَحَقِّ مِنَ الْذِينَ أُوتُواْ الْكِتابَ حَتَى يُعْطُوا اَلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. فقد نسخت من 114
إلى 200 آية , وبمعنى آخر أن هذه الآية عطلت أحكام القرآن في 200 آية أخرى والتي
أصبحت آيات للقراءة العابرة وليس العمل بها , وذلك بحسب مفهوم الناسخ والمنسوخ, حيث
الناسخ هو الحكم الاخير والمنسوخ هو الحكم الاول ,, وبموجب ذلك تم إلغاء آيات (حكم)
وتبديلها بآيات (حكم) أخرى تجعل من الحلال حراما ومن الحرام حلالا.
ينفرد الدين الإسلامي وحده بعدم قدرته , بل بالأحرى امتناعه ورفضه التأقلم مع أي مجتمع غير إسلامي . ولو قدّر له أن يسيطر على مقدرات العالم لعاد كما كان يحكم بآيات المدينة على أهل الكتاب فإما الجزية او الأسلمة أو القتل , وعلى الآخرين إما الأسلمة أو القتل . وهذا ما حصل ولا يزال أبان حكم الخلافة الأخير.
نعم .. أنا أخشى وقلق جداً من الإسلامفوبيا, ولكني لا أخشى المسلمفوبيا , بل ارفض المسلمفوبيا. هنالك فرق شاسع بين الإسلام والمسلم . ألإسلام دين أسلفت عنه بعض الشيْ , ولكن المسلم بشر حاله حال بني البشر الآخرين . قد يكون صالحاً أو مضراً , مسالماً أو اعتدائياً , قاسياً أو رحيماً , مجرماً أو أميناً , وهكذا . صادقت ولا أزال الكثير من المسلمين . أحببتهم وما زلت . ساعدوني وساعدتهم , آزروني وآزرتهم , أنقذوني وأنقذتهم , أسعفوني وأسعفتهم . عشت حياتي معهم في السراء والضراء . أرفض قتلهم أو الإعتداء عليهم كما أرفض قتلي أو الإعتداء عليّ .
 ألمشكلة الكبرى عندما ينقلب المسلم إلى إسلامي , وخاصة السنيّ منهم . إحذر السني متى ما تعمق في الدين حيث سيغدو مسلماٍ مشبعاً بآيات المدينة ثم إرهابياً . أما الشيعي ’ فكلما تعمق في مذهبه يقترب إلى المسيحية أكثر فأكثر وذلك بتأثير إجتهادات الأئمة الإثني عشر عند احتساب المهدي المنتظر معهم. وربما يعزى إلى هذا التوجه كون معظم التنظيمات الإرهابية سنية المذهب .
وقبل أن أختم , لا بد أن أشير بأني أرفض التعصب رفضاً قاطعاً, وأؤمن بمبدأ التعايش بسلام ووئام بين كافة الملل والاقوام . كما أني مقتنع تماماً بواقع التنوع الفكري , ولا يمكن أن يكون العالم بفكر واحد , ولن يتوحد إطلاقاً  سواء بالإيمان أو الإلحاد . ولن يفلح فكر معين  بالقضاء على فكر آخر , والتاريخ خير شاهد على ذلك .
قد ينجح الإنسان في إبادة الأجساد ولكنه حتماً يخفق في إبادة الأفكار . ومن يبغي احترام معتقده عليه احترام معتقد الآخرين  أولاً .





41
هوامش على انتخابات المجلس الخورني في كنيستي الكلدانية
د. صباح قيّا
ما جاء  على لسان راعي كنيستي الكلدانية بعد قداس الأحد المصادف 24 شباط 2019 بأن عدد العوائل الكلدانية الموجودة في المدينة يبلغ الألفين عائلة , في حين أن المسجل رسمياً أمام الحكومة الكندية يصل إلى 500 عائلة فقط . أشار الاب الجليل بأن المسجل رسمياً هو الذي سدد مبلغ الإشتراك الكنسي السنوي البالغ 240 دولار كندي . وشدد عل ضروة إلتزام العوائل كافة بدفع بدل الإشتراك كي يتطابق العدد الكلي للعوائل الكلدانية المسجلة رسمياً في الكنيسة مع ما  موجود على أرض الواقع , وبذلك يبرز الثقل الكلداني أمام السلطات من خلال العدد الذي تقدمه الكنيسة إليها سواء عند الإحتساب الضريبي أو ً في المناسبات ذات العلاقة .
تزامن كلام الراعي مع انتخابات المجلس الخورني للكنيسة الذي حصل في نفس اليوم .... يتبادر الآن السؤال المنطقي التالي : هل  يجوز للكلداني غير المسجل رسمياً بالترشيح للمجلس أو الإدلاء بصوته ؟ فإذا كان الجواب " لا يجوز " , فذلك يعني أن الإنتخابات غير قانونية حيث أستطيع القول بكل ثقة أن هنالك بين المرشحين أو المصوتين ممن هم من غير المسجلين رسمياً أمام السلطات الكندية ككلدان ضمن الرعية الكنسية الكلدانية . أما إذا كان الجواب " نعم يجوز" , إذن ما الفرق بالحقوق بين الكلداني الرسمي وغير الرسمي , أي كما يقال بالعامية " تساوت الكرعة ويه أم الشعر . من ناحيتي أنا مع الرأي " لا يجوز " , وأقترح أن تزود الكنيسة كل عائلة مسجلة بهوية كنسية تدرج فيها أسماء أفراد العائلة كافة , والتي يجب أن تبرز عند الترشيح أو التصويت ... هل هنالك صعوبة في إصدار مثل هذه الهوية ؟؟؟؟ نعم صعبة وعسيرة جداً بالنسبة لمن يستمتع بالتسيب , وسهلة وبسيطة لمن يتذوق التنظيم .
تم تشكيل لجنة لتنفيذ المهمة الإنتخابية. ألغريب في هذه اللجنة والذي أفرز تساؤلات عدد غير قليل من أبناء الرعية بأن أحد أعضائها قد ترك الكنيسة منذ أكثر من عام لانتقاله إلى  مشيكن , ورغم ذلك أُسند إليه هذا الواجب الذي يمكن أن يقوم به بكفاءة الكثير من رواد الكنيسة . مع كل احترامي وتقديري لشخصه الكريم إلا أني أتفق مع من أبدى تحفظاً على هذا التكليف الغريب . ألظاهر أن هنالك من أقترح ذلك  لراعي الكنيسة بحجة إلمامه وخبرته في هذا المجال , وكأن الكنيسة بأعضائها المسجلين وغير المسجلين تفتقر إلى بديل مماثل أو ربما أكفأ . ألأمل أن لا يتكرر مثل هذا الإجراء المهين والمقلل لإمكانية حضورها الكريم . مع العلم أن الاسلوب الإنتخابي الذي تم العمل به لا يختلف عن أيام المرحومة جدتي .... سبورة وتباشير على الطريقة البدائية يتمكن طلاب المرحلة الثانوية من تنفيذها بدقة بعد توجيههم في الاساسيات.
تذرعت اللجنة المسؤولة بضيق الوقت وكررت الإسطوانة لعدة مرات . وبسبب هذه الذريعة الواهية نتجت هفوات إنتخابية  أقرب إلى اللاقانونية وكأن الإنتخابات "جفيان شر ملّه عليوي" , كما أكدت المشاعر السائدة عن عدم أهمية إجراء انتخابات المجلس الخورني كونه تنظيم شكلي لا حول له ولا قوة , أي " إسمه بالحصاد ومنجله مكسور" .
تم توزيع إستمارات انتخابية بدون ترقيم أو تسلسل خلال القداسين الأول والثاني , وتم إكمال التصويت داخل الكنيسة فقط  , ويسمح هذا الاسلوب للدخلاء من غير الكلدان أو الوافدين من مدن أخرى بالمساهمة بالتصويت , فمن يستطيع أن  يميّز بين إبن الكنيسة الفعلي من غيره الدخيل . ومن ناحية أخرى , ماذا لو جاء بعد القداس ودخل قاعة فرز الأصوات من يروم التصويت ؟ هل يمنع من ذلك ؟  واللجنة لم تعلن بوضوح عن الفترة الزمنية التي يغلق بعدها الحق في التصويت . وكيف يمكن مطابقة عدد الإستمارات الموزعة فعلياً مع العدد الذي تم فرزه بدون توفر التسلسل العددي على الإستمارات ؟.
وبحجة ضيق الوقت أيضاً  , اقتصر التعريف بالمرشحين من خلال تقديمهم على المذبح بأسمائهم فقط , ولم يتسنى التعرف على مؤهلاتهم وإمكانياتهم وما شاكل من المعلومات التي تخص كل مرشح . لقد ساهم هذا الإجراء التعسفي على حرمان أحد المرشحين الكفاة من الحصول على الأصوات الكافية التي تؤهله للصعود إلى المجلس , وذلك لتعذر حضوره بسبب مرضه , علماً أن غالبية رواد الكنيسة يعرف البعض بعضهم الآخر بالوجه دون تذكّر الإسم . كان الأفضل للجنة أن تعرض على الشاشة الموجودة أمام المذبح صور المرشحين جميعاً مع نبذة مقتضبة ومتماثلة عن كل مرشح . وأيضاً أن تعلن بوضوح إبقاء أو سحب ترشيح من يتعذر حضوره بعذر أو بدون عذر وبحسب التعليمات المتوفرة ....
قد تكون هنالك سلبيات أخرى من وجهة نظر ثانية . لكن من وجهة نظري ,  وبصورة عامة, لم تكن اللجنة موفقة بتنظيم انتخابات تتناسب مع روح العصر وكان الأحرى باللجنة المشرفة أن تعتذر مسبقاً عن القيام بمهمتها ما دامت لا تملك الوقت الكافي لذلك ,  وعدم التفريط  بالأسلوب الصحيح والمتبع هذه الأيام بذريعة غير مقنعة كضيق الوقت .
وأخيراً لا آخراً , أقدم التهاني للمجلس الخورني الجديد مع تمنياتي له بالنجاح . دعائي أن يشد بإزره إزر كاهن الكنيسة الجليل وأن يعملا جنباً إلى جنب بروح المحبة المسيحية المجردة . ألأمل أن لا أرى مجلساً يتقلص عدد أعضائه مع الوقت كما كان يحصل خلال الدورات السابقة  , بل أن تنتهي مهمته حاملاً الرقم 12 الذي بدأ به .



42
أدب / رياءُ الكلمات
« في: 19:13 30/01/2019  »
                                رياءُ الكلمات
د. صباح قيّا

ليس الكلامُ شهادةَ الأفعالِ               بل الأفعالٌ بلاغةُ الأقوالِ
ما يأتي به اللسانُ حلاوةً                مذاقُ طعمها آلٍ للزوالِ
هي الإبداعاتُ من تتكلّمُ                  فهل يُخفى المنارُ على الجبالِ
لو كلُّ مديحٍ نالَ مرادَه                   لما اندثرتْ فصاحةُ الأطلالِ
ما جاءَ به الحكيمُ من خبرةٍ             صارتْ من بعدهِ مضربَ الأمثالِ
لو جاوزَ المدحُ ما ليس بالأمرِ         شاركَ التملقَ نفسَ العِقالِ
ومن يحابي من أجلِ منفعةٍ             لهُ على الرأسِ باقةُ الإذلالِ
هو الجبانُ من يداهنُ امرءً            كلّ ما فيهِ عبادةُ الأموالِ
لا يفقهٌ من العلومِ ألْفَها                 كتائهٍ في الفلا بلا نعالِ
وكذا الذي يبتغي رياؤه                 إرضاءَ من لهُ موقع الإجلالِ
فما المواقعُ إلا مراحلٌ                  تُسلّمُ من جيلٍ إلى أجيالِ
ومنْ زاد في الحياةِ مديحُهُ             قد يلقى الهجاءَ بعد الإرتحالِ
فبئسَ من أعمى بصيرتَهُ و           ظنَّ السرابَ ماءً بين الرمالِ
ومن عاشَ زمانَهُ منافقاً               رمى نفسَه في سلّةِ الأزبالِ
فما الصراحةُ إلا بسالةٌ                وقول الحقِّ من شِيَمِ الرجال
ِ
________________________________________


43
أدب / حبيبي الوطن
« في: 19:34 28/11/2018  »

حبيبي الوطن


د. صباح قيّا

أيّها الراقدُ في قلبي الأسيرْ
أيّها السارحُ في عقلي الهجيرْ
ظلامٌ يلوحُ عنْ ضوءٍ كسيرْ
كأنَّ الضياءَ تخشى أنْ تُنيرْ

لسانُ سقاني وعداً وغدرْ
فؤادي من زَحْمةِ الحزنِ انفجرْ
عينايَ من دمعِها فاضَ النهرْ
أحشائي من جمْرِها ذاب الصخرْ

حبيبي مَنْ خانَ العهدَ فهجرْ ؟
أم أنا مِن نشوةِ الهجرِ سكرْ ؟
ظننتُ العيشَ في المهجرِ دُرَرْ
وخلتُ سراب الصحراءِ مطرْ

وطني لا تلُمْ من ينوي السفرْ
ومنْ شدَّ الرِحالَ أيضاً واستقرْ
حريّةُ الإنسانِ أسمى وطَرْ
لا تباعُ أو تُشْترى بمَهَرْ

في المهجرِ يُذاقُ طعمُ التعبيرْ
يُنقدُ الدينُ أو يُشجَبُ التكفيرْ
يُساءلُ الرئيسُ قبلَ الوزيرْ
ما دامَ ُ القانونُ للعدلِ ظهيرْ

في المهجرِ حريّةُ التخييرْ
يباعُ منَ اللحمِ حتى الخنزيرْ
تُصبُّ في الكأسِ أنواعُ الخميرْ
لا حرامٌ ولا في الشرعِ تجبيرْ

وطني أضاعتك باسم التحرير
شلّةُ على الدبابةِ تسيرْ
نصفها سارقٌ والآخرْ أجيرْ
مَلَكَتْ كلَّ شيءٍ إلّا الضميرْ

وطني باعتكَ أشباهُ البشرْ
ورسمُكَ غاصَ في عمقِ البحرْ
فهلْ للعراقِ من بعدٍ صوَرْ ؟
يحاكي سحرُها الشمسَ والقمرْ

وطني أحببتك حبَّ القديرْ
وسمتُكَ قِلادةً من حريرْ
تناسيتُ قسوةَ العيشِ المريرْ
تبقى بعيني بهيّاً كالأميرْ

أنتَ يا وطني الأمّ لي فخرْ
أنتَ في وجداني ليومِ الحشَرْ
صلاتي أن يزولَ عنكَ الخطرْ
وأن تعودَ كما كنتَ أغرْ

44
ضبابية الكلمات في إعلام البطريركية الكلدانية
د. صباح قيّا
منذ دخولي الموقع كمساهم في كتابة المقالات أوالمداخلات , وأنا ألاحظ نقداً سلبياً يطال موقع البطريركية الكلدانية وبالذات  في شخص إعلامه  , من قبل البعض من الإخوة رواد الموقع الكرام . لست إعلامياً كي أنصب من نفسي حكماً بين المنتقِد  والمنتَقد , أو أن أرجّح كفة الواحد على الآخر . لكن , كمتابع للأحداث عموماً وما يجري في الساحة الكنسية خصوصاً , أستطيع أن أعبر عن رأيي بتجرد من خلال الإتكاء على النظرة المنطقية للأمور , من وجهة نظري الخاصة , والتي قد يتفق معها البعض , ويتقاطع معها البعض الآخر , وتظل هنالك مجموعة تفضل البقاء على مسافة واحدة من البعضيْن .
لا يمكن إنكار الدور الذي يضطلع به الإعلام في مسار الشؤون الحياتية المتنوعة في هذا العصر المتطور الذي جعل العالم الفسيح بقعة صغيرة يصلها أي كان بمجرد  تصفح الشبكات العنكبوتية حيثما كان في أرض المعمورة . كما لا يمكن إغفال أثر الإعلام في تضخيم أو تهميش الحدث , أو في إعلاء شأن من يشاء , والإنتقاص ممن يشاء أيضاً . وباختصار , أن الإعلام يتمتع بقابلية المناورة لتحويل ما لا يتجاوز حجم النملة إلى حجم الفيل وأكبر , وبالعكس . كما ان الإعلام السائد حالياً , حسب رأيي المتواضع , هو الإعلام الموجّه بشتى دوافعه وأبعاده , ونادراً ما يظهر للعلن إعلام محايد ومتوازن , والذي قد يختنق صوته نتيجة حصار صيحات الإعلام الموجّه والمتنفذ .
ألسؤال الآن : أين يقف إعلام موقع البطريركية الكلدانية مما ذُكر أعلاه ؟؟؟
 قد أكون صائباً أو متوهماً  إذا أجبت بأنه ضمن المستوى المطلوب , وربما أكون قاسياً نوعاً ما إذا كتبت أنه دون  المستوى المتوقع من موقع ديني يمثل طائفة لها ثقلها المميز على  الساحة العراقية , وقد أبدو مرائياً إذا أعلنت أنه بمستوى عالٍ ولا شائبة عليه إطلاقاً ....
إذن ما هو الجواب الذي يستحقه الموقع من خلال ما ينشر إعلامه بين آونة وأخرى ؟؟؟  . لا بد أن أذكّر بأن الكمال لرب الكون وحده , وأضيف بأن الإنسان , عموماً , لا يرى ما هو عليه , بل يرى ما على غيره , وهذه الحقيقة الحياتية لا يمكن إنكارها , وهي نواة كل المشاكل والازمات الحياتية التي تعصف بالبشر هنا وهناك , وبالأخص عندما يفتقد الرأي إلى الشفافية والموضوعية .
من خلال المدخل آنف الذكر , أسمح لنفسي أن أكون صريحاً وأقول بأن ما يأتي به إعلام موقع البطريركية من إعلان أو توضيح يحوي في آحايين متعددة على كلمات أقل ما يقال عنها أنها ضبابية , وتحتاج إلى حزمة من نور الشمس كي تنقشع الغمامة عنها ...
سأحاول أن أعزز هذا الرأي بالمرور على بعض التعابير التي وردت في أكثر من إعلام لموقع البطريركية .
ما جاء في المقال الموسوم " موضوع مثلث الرحمات المطران مار بولس فرج رحو "
والمنشور على موقع البطريركية الكلدانية في :
5 .  ونقل جثته كل من الاخت عطور والشماس طالب الى الطب العدلي ، الذي بين سبب وفاته بجلطة قلبية لفقدان الدواء
لا يمكن الأخذ بمثل هذا التقرير العدلي من الناحية الطبية , كان الأفضل  أن لا يقتصر نشر سبب الوفاة هذا في المقال المنوه عنه . بل , موضوعياً ,  أن يكون المقال معززاً بما ذكره الدكتور غازي ابراهيم رحو في 5
5 . كان جثمان الشهيد مشوه وجسده ممتليء بالكدمات وهنالك ضربة كبيرة في خاصرته اليسرى ووجهه ويداه تبينان بانه اجبر على شرب المادة السمية ) (الاسيتون )كما يعرف الجميع ؟؟والذي ظهر بمعدته وامور كثيرة لا ارغب بذكرها
 من مقاله الموسوم " مغالطات جديدة يقع بها اعلام البطرياركية  الكلدانية في موقعه الالكتروني " والمرفق رابطه في نهاية هذا المقال , حول آثار التعذيب الجسدي الذي تعرض الشهيد ربما لأسوأ منه .
لا يمكن القبول علمياً بأن يكون سبب الوفاة بجلطة قلبية لفقدان الدواء , حيث أن ذلك مجرد استنتاج الطبيب العدلي الذي ربما اطلع على المعلومات حول مرض الشهيد والأدوية التي كان يتعاطاها وقطعت عنه , وليس بالضرورة أن يكون استنتاجاً صحيحاً أو هو العامل الوحيد الذي يعول عليه في تحديد سبب الوفاة وغض النظر عن العوامل الأخرى سواء التشريحية منها أو التي لها علاقة بما كان يعانيه الشهيد من أمراض . . أتمنى الإطلاع على التقرير العدلي كاملاً  للوقوف على حالة الوصف التشريحي للشرايين الإكليلية , وهل هنالك خثرة أو علامات مرضية بداخلها تؤدي إلى الجلطة , أم كانت سليمة . من السذاجة القبول بهذا التفسير وإهمال عامل التعذيب الجسدي الذي قد يكون له دوراً أساسياً في المساعدة على حصول الجلطة القلبية . ولا بد من  معرفة العقاقير التي كان يتناولها الشهيد  للتأكد إن كان هنالك عقار محدد يؤدي إيقافه الفجائي إلى الإصابة بالجلطة القلبية .
 أما عن وجود مادة الأسيتون في معدته , فقد يكون قد أجبر الشهيد على شربها بكميات كبيرة , أو أن يكون الشهيد مصاباً بداء السكري الذي يؤدي إلى تراكم هذه المادة في الجسم إذا تُرك بدون علاج , وداء السكري بحد ذاته من العوامل الكبرى للإصابة بالجلطة . وعليه من الضروري أيضاً معرفة الأمراض الملازمة للشهيد خلال الحياة . 
ومهما كان الأمر ’ فإن مجرد التركيز على " سبب الوفاة بالجلطة القلبية نتيجة فقدان الدواء " يقلل إلى حد كبير من جريمة التعذيب الجسدي الذي تعرض لها الشهيد , وكأن الموت قد حدث عن طريق الموت الرحيم بتعريف آخر , أي حلول  الجاني محل الطبيب . 
يمكن الإستدلال مما قيل أعلاه , بأن تعبير مقال البطريركية حول الموضوع تعبير ضبابي تستّر بقصد أو بدون قصد على مظاهر الإضطهاد والعوامل الأخرى التي أدت أو ساعدت على حصول الوفاة , وتم التركيز فقط على خلاصة ما جاء بالتقرير العدلي دون الأخذ برأي طبيّ مماثل آخر حول مصداقية التقرير من الناحية الطبية . 
أما النقطة الأخرى , فهي التي جاءت في 9 أدناه :
9 . البطريركية تؤمن ان المطران فرج مات شهيداً مهما كانت طريقة وفاته، فهو اختُطِف وقُتِل سائقه وحراسه، وعلى هذا الأساس قدمت البطريركية دعوى لإعلان تطويبه مع الشهداء الاخرين وتحملت كل النفقات .
لأ أرى أي مبرر لقبول تعبير " قدمت البطريركية دعوى لإعلان تطويبه مع الشهداء الاخرين وتحملت كل النفقات "  . ما معنى تحملت كل النفقات ؟؟؟ هل الدعوى لتطويب الشهيد  استحقاق أم منة ؟؟ . هل تحملت البطريركية النفقات من جيوب الرعاة أم من واردات الرعية والمصادر الأخرى , ألمنظورة وغير المنظورة  ؟؟؟ هل ينسجم هذا التعبير مع ما قاله الرب حول العطاءات ؟؟ أليس الفقيد إبن الكنيسة وشهيدها ؟؟؟ هل دعت الكنيسة رعيتها للمساهمة في تحمل نفقات الترشيح للتطويب وخاب أملها ؟؟؟؟ هنالك تساؤلات وتساؤلات ؟؟؟ وأكتفي أن أقول مع الاسف ,,, لبنان له أربعة قديسين ومنهم من ينتظر , والكلدان يبخلون القداسة حتى على شهيدهم .. هل هنالك ضبابية تفوق تلك الكلمات ؟؟؟؟؟
أما الشأن الآخر الخاص بضبابية بعض تعابير إعلام البطريركية فهو ما ذكر في العنوان المنشور على الموقع وحسب الرابط المرفق في نهاية هذا المقال , وفحواه :
" البطريرك ساكو يطرح فكرة إنشاء مركز للشبيبة المسيحية والمسلمة في بغداد ويفتح الأبواب لمن عاش خبرات صعبة جراء الاضطهاد والتهجير "
راجعت الخبر عدة مرات , ولا أزال أشكك بصري . لم أجد فيه أي ذكر عن إنشاء مركز للشبيبة المسيحية والمسلمة . وقد جاء فيه :
 وقد طرح غبطته في سياقها فكرة إنشاء " مركز للشبيبة " في بغداد يكون مكوناً من ملعب رياضي ومكتبة وجانب مخصص للقاءات والنشاطات الثقافية
“إني سأعود للعراق محملاً بالعديد من الأفكار والتطلعات لشبابنا. لنا رجاءٌ بأن تُبعَث في شبيبتنا روح جديدة. إن العديد منهم مروا بخبرات صعبة جداً، حيث تمّ اضطهادهم وتهجيرهم، وعاشوا كنازحين. سأفتح لهم كل الأبواب. إن مواهبهم لهي ثمينة ولها دور حاسم

لا أرغب أن أبين رأيي في الوقت الحاضر بهذه الدعوة لإنشاء شبيبة مشتركة مع المسلمين لأن ذلك لا علاقة له بهدف المقال . ولكن , أتساءل : لماذا لا يوجد في  متن الإعلام ما يشير إليه عنوانه ؟؟؟  هل سقطت الكلمات سهواً أم هنالك غاية ما لذكرها في العنوان ؟؟؟ . أليست هذه ضبابية في التعبير ؟؟؟؟؟
ليس الهدف مما أوردت آنفاً التقليل مما يرد وينشر في موقع البطريركية الموقر . بل التركيز على بعض الهفوات البسيطة في مظهرها ولكن أبعاد انعكاساتها عميقة وبعيدة التأثير , ومن الممكن تلافيها بعد التجرد من المؤثر الإنفعالي في صياغتها , وقبول الرأي الآخر بشفافية وصدر رحب , وايضاً محاولة الإبتعاد عن النظرة الفوقية وكأن كل ما يرد عن الراعي هو الصح , وما تقوله الرعية فإلى حيث . كما أنه , من الأسلم مراجعة الإيضاحات والإعلانات التي تصدر عن البطريركية  من قبل أكثر من شخص واحد , فحتماُ تحكّم عقلين أفضل من حكم عقل واحد . ولا بد من توخي الدقة في اختيار الكلمات والجمل وتجنب كل ما من شأنه إثارة حفيظة الطرف أو الأطراف الأخرى .
وبالرغم من رأيي أعلاه , يظل الموقع عزيزاً على شخصي بالذات , وأثمن ما ينشره لي من المقالات التي تتلاءم مع سياسته في النشر . ولكن لا بد أن تسود الكلمة الصريحة بغض النظر عن مرارة أحرفها .   

موضوع مثلث الرحمات المطران مار بولس فرج رحو 
http://saint-adday.com/?p=26338

مغالطات جديدة يقع بها اعلام البطرياركية  الكلدانية في موقعه الالكتروني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,909409.0.html

البطريرك ساكو يطرح فكرة إنشاء مركز للشبيبة المسيحية والمسلمة في بغداد ويفتح الأبواب لمن عاش خبرات صعبة جراء الاضطهاد والتهجير
http://saint-adday.com/?p=26371


45

موقع المسيحيين من المناصب القيادية
د. صباح قيّا
بدءً , لا بدّ أن أوضح بأني أكنّ الإحترام لكافة الآراء والمبادئ والافكار , ولن يغيّر موقفي من الإنسان كإنسان سواء آمن بالله الخالق أو أنكره , وسواء كان مع ديني أو مذهبي  أو بالنقيض منه . ألمهم أن يحمل المشاعر النبيلة التي يحترم من خلالها معتقدات الغير مهما بلغ مقدار التقاطع أو التوافق .
أذكر جيداً خلال التحاقي للكلية الطبية - جامعة بغداد في ستينات القرن الماضي على نفقة وزارة الدفاع بأن الكثير من ألأقارب ومعارف الأهل اقترح على المرحوم  والدي سحب تقديمي للإنخراط في السلك العسكري ’ على عكس العديد من الأصدقاء المسلمين الذين لمست تشجيعهم والإشادة بالمكاسب التي يحصل عليها الطبيب العسكري مقارنة بزميله المدني وخاصة في مجال الإيفاد والتخصص خارج القطر ناهيك عن فرق الراتب والمخصصات الأخرى , وهذا ما حصل بالفعل . لم يسبق لي رغم الصعاب والمعوقات التي لاقيتها   لسبب أو آخر ,  خلال خدمتي الطويلة في الجيش الاصيل ,  أن أبديت امتعاضي  من الخدمة فيه , ولكني سعيت بكل إمكاناتي الذاتية  أن أحقق ما اصبو إليه من الطموح المهني المشروع , وهذا ما حصل أيضاً .
لم أصادف خلال السنين الطويلة من خدمتي العسكرية ضابطأً مسيحيأً من السلك الحربي برتبة لواء . ولكن كان هنالك العديد من المهنيين وخاصة الأطباء ممن منح تلك الرتبة , واستمرت الترقية لهذه الشريحة الخدمية لحين الإحتلال الاجنبي للوطن الغالي عام 2003 ... تولدّت لدي القناعة بعد اكتساب الخبرة وتعرفي على بعض الأعراف المتبعة , بالإضافة إلى الحقائق التي ترد على ألسنة الضباط المسلمين عفوياً أحياناً وبقصدِ أحياناً أخرى , باستحالة ترقية الضابط المسيحي من الصنف الحربي إلى رتبة لواء . ترسخت قناعتي هذه بعد مراجعة تاريخ الجيش العراقي منذ تأسيسه عام 1921 , حيث لم يسجل وجود ما اشرت إليه آنفاً . أرجو إرشادي عن أي سهو إن وجد .
 لم يكن هذا السياق مقتصراً على المسيحيين فقط ’ بل بالأحرى شمل الأخوة الصابئة أيضاً . أتذكر خلال عملي في كردستان العراق في السنوات المبكرة من خدمتي , ومن خلال مطالعتي لما ينشر   في المجلة العسكرية آنذاك  , أبديت إعجابي بدراسات أحد الضباط المتقاعدين من المساهمين بالكتابة  فيها بانتظام ’ وقد تبين أنه من الصابئة المندائيين ومن الضباط المشهود لهم بالكفاءة وسعة المعرفة , ولكنه أحيل على التقاعد برتبة عقيد أو عميد , ولم يمنح الفرصة للدخول في كلية الأركان أو الترقية إلى رتبة أعلى . مع العلم أن هذه المعلومة نقلها لي أحد الضباط المسلمين ممن سبق له العمل مع المنوه عنه , والذي نوه لي عن الغبن الذي لحق بذلك الضابط اللامع بقوله " لأنه صُبّي  " ... قد أكون مخطئاً , ويا ليتني اصحح من قبل الضباط الاقدمين أو المهتمين بالتاريخ العسكري , بأنه لم يسبق لضابط مسيحي أن درس في كلية الأركان منذ تأسيس الجيش ولغاية إنقلاب تموز 1968 ... ويمكن القول بأن الأمر  قد تغير بعد الإنقلاب حيث أفلح عدد من الضباط المسيحيين من الصنف الحربي بالدخول إلى كلية الأركان والتخرج منها , وربما ساعد العامل الحزبي والتوجه العلماني المرحلي للدولة على تحقيق بعض الطموح المشروع الذي كان يدغدغ مشاعر ذلك العدد .... ولكن هل تحقق الطموح الكامل لتلك الشريحة من الضباط ؟ ألجواب كلا وكلا .... غالباً ما كنت أدخل في نقاش مع معارفي من ضباط الركن المسيحيين حول مسألة ترقيتهم إلى رتبة لواء . كنت أكرر أمامهم قناعتي باستحالة ترقيتهم إلى تلك الرتبة لسبب بسيط جداً , وهو أن حمل رتبة اللواء الركن يعني الأحقية في تبوء المراكز القيادية ضمن السلم العسكري , وحتمية تقلد منصب قائد فرقة على أقل تقدير , وهذا يعني صلاحيات واسعة من الأمر والنهي والتي تتعارض جذرياً مع الآية 51 من سورة المائدة أدناه ,  مع تفسير أحد مفسري القران : 
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( سورة المائدة آية 51 )
ينهى تعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله ، قاتلهم
الله , ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض ، ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم  إن الله لا يهدي القوم الظالمين   )   

لقد التزم النظام السابق بهذه الحجة بالرغم من إدعائه العلمانية , وبالرغم من الإنتماء الحزبي القسري أو الإختياري لتلك الشريحة الكفوءة والمخلصة والمتفانية في عملها , والأهم أنها لا يمكن أن تتآمر أو تخطط للإضرار بذلك النظام مهما بلغ التعسف وشدة الظلم سواء عليها أو على غيرها  ...  وما يشاع اليوم عن التعويض عن الغبن الذي لحق بتلك الشريحة ومنح الرتبة المستحقة لمن التحق لخدمة الجيش الحالي منها , ليس سوى محاولة تحسين ماء الوجه لمن هم بالسلطة ولا يعني الكثير , حيث أن الخدمة تحت مظلة الإحتلال ولمنفعة المحتل لا يمكن أن توازي الخدمة ضمن صفوف جيش عريق يدافع عن أرض بلاده بشرف وببسالة بغض النظر عن الجهة الحاكمة .. ويتكرر السؤال المنطقي : هل هنالك اليوم ضابط ركن مسيحي في منصب قيادي ضمن القوات المسلحة الحالية وبرتبة عالية  ؟؟؟؟ ألجواب متروك لوزير الدفاع المحترم  , وأرجو أن يكون مدعوماً بالشواهد والأدلة , وليس مجرد كلام دعائي ...
من حسن الحظ كنت في بغداد عند اكتساحها من قبل الدبابات الأمريكية المحملة بالعملاء العراقيين من أدعياء الدين ومن شلة الحرامية التي لا تشبع .... لا شك بأن الإخوة الشيعة تنفسوا الصعداء , كما يقال , بعد هذا التغيير القسري , وطالما رددوا قبلا ً " شارون ولا صدام حسين " , وأشك كثيراً عن كونهم ما زالوا متمسكين بتلك المقولة ... ألأهم من ذلك , ما كنت أسمعه حينها من الزملاء الأطباء الشيعة في بادئ المرحلة الجديدة , بأنه لا يهمهم من يحكم  حتى ولو يأتي حاكم مسيحي , ولكن المهم أن يكون عادلاً ... إذن الشيعة راضون بالمسيحي الذي حتماً سيعدل بين الجار وأهل الدار ... ولكن ما حصل عملياً بأن الإخوة الشيعة وبطريفة أو أخرى ,  استحوذوا تدريجياً على معظم المراكز المهمة في الدولة , وكلما شغر كرسي وغادره سني أو مسيحي جلس شيعي بدلاً عنه .. ونظرة ثاقبة لوزارة الصحة , كمجرد مثل , تؤكد مدى صحة ما أكتب . بالأحرى بدل أن تطبق نظرية الحاكم العادل , أصبح نظام المحاصصة السيء الصيت هو المعول عليه . وحتماً الحصة الكبرى تكون للشيعة باعتبارهم الاكثرية ,  كما أضحت " الكوتا الهزيلة " هي الممثلة الصورية  للثقل المسيحي المتميز في عمله وسلوكه .
اقولها , بكل صراحة وبلا تردد , بأن موقع المسيحيين من المناصب القيادية للدولة هو حالياً " صفر " وسيظل صفراً . لا أعتقد أن تطبيق نظرية الحاكم العادل في ظل نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية سيكون العلاج الأمثل للجراح التي يعاني منها الشعب الصامد في وطنه المعذب . ألعلاج الناجح الفعال يكمن في الدعوة بجد لتبني النظام العلماني وتطبيقه بأسرع وقت ممكن . ألعلمانية هي التي تضمن العدالة للجميع وتساهم في منح الحقوق المشروعة لكافة مكونات الشعب العراقي بلا تمييز وتفريق .,, هل من المعقول أن يرضى المسيحي بمنصب تكريمي أو شرفي أو فخري وما شاكل , لا يحقق له غير إشباع الذات المتمثلة بغريزة الانا  , ولا يحصل الشعب غير المزيد من المعاناة ؟؟؟ .. أتمنى من البرلماني المسيحي أن يكون من أوائل المبادرين  بالدعوة إلى وضع اللبنات الأساسية لإرساء دعائم النظام العلماني الذي من خلاله ستمارس الديمقراطية في أطرها الصحيحة , وعندها سيحصل المسيحي على موقعه الشرعي ضمن المناصب القيادية الأولى في الدولة . كما تقع على الكنائس مهمة دعم هذا الإتجاه ما دامت عند رؤوسائها الروحانيين الرغبة في اقتحام الدهاليز السياسية كما يظهر في الإعلام المرئي والمسموع بوضوح وجلاء . ا
   
 

46
أدب / كنيستي : ما هذا الزؤان ؟
« في: 18:02 19/09/2018  »


كنيستي : ما هذا الزؤان ؟

د. صباح قيّا
إلى متى المؤمنُ يتألّمُ                     وأركانُ الإيمانِ تتهدَّمُ
قساوِسةٌ تقترِفُ الخطايا                  ومطرانٌ عليها يَتَكتَّمُ
فإنْ لمْ يكُ القسّيسُ مُتْهَماً                إذنْ المطرانُ هوَ المُتَّهَمُ
فضيحةٌ ما أنْ تُخْمَدَ نارُها                تليها الأخرى سعيراً تَضْطَرِمُ
أسَفاً كنيستي ماذا دهاها                  أساسُ كيانِها يَتَحَطَّمُ
شَهَواتً تُحَرِّكُ رعاتها                     مباهجُ الدُنيا لها يَسْتَسْلِمُ
وها الغُرَماءُ تَشْتفي طَرَباً                 إعلامُها بالتهويلِ يَزْدَحِمُ
هلِ الكَتْلَكَةُ حقاً في خَطَرٍ                  أم هيَ صخرةً لا تَتَهَشَّمُ
وهلْ تقوى عليها أبوابُ الجحيمْ         أمْ هيَ مِنْ كُلِّ الشرورِ تَسْلَمُ
سَلِ التاريخَ عن جيوشٍ صَدَّتْها         صلاةُ الورديّةِ تَتَرَنَّمُ
كيْفَ للرسولِ بطرسْ أنْ يَرْتَضي       ما على قبْرِهِ صِرْحً يُهَزَّمُ
ليْسَ ما يجري إلا ضَلالةٌ مِنْ            شُلَّةٍ معَ الشياطينِ نُوَّمُ
ستزولُ كما زالت مِنْ قبلِها              بُدَعٌ معَ الآياتِ تَصْطَدِمُ
فَبِئسَ مَنْ أساءَ لِسمْعَتِها                ومَنْ للعِفَّةِ لا يَتأقْلَمُ
هذا الزؤانُ لا بُدَّ مِنْ قَلْعِهِ               فالحقولِ بِلا زؤانٍ أسْلَمُ
كنيستي ستبقى مُقَدَّسَةً                  ومِنْ تعليمها الكلُّ يَسْتَلْهِمُ
وتَظَلُّ في الصمودِ مَفْخرَةً               معَ صليبِها البِشْرُ يَرْتَسِمُ
ما أوصى بهِ المسيحُ والرُسُلُ       هُوَ الخلاصُ لنا هُوَ النِعَمُ
فَمَنْ يُحيدُ عَنْ جوْهَرِ الإنجيلِ        لَهُ يومَ الدينونةِ جَهَنَّمُ

47
ظاهرة الإستغلا ل الجنسي في الكنيسة –وجهة نظر أولية

د. صباح قيّا
في محاوراتي المتعددة مع بعض الإخوة من رواد الكنيسة ’ أركز على نقطة أعتبرها من وجهة نظري الشخصية في غاية الأهمية , والتي أرفض قبولها رفضاً باتاً ’  أو التساهل معها أو المساومة عليها مهما كانت التبريرات . قد أغض الطرف عن كاهنِ يتعبد للدولار , وقد أغمض جفني لآخر يحابي الأغنياء أوعلية القوم , وقد أتقبّل مزاجية الكثير من الآباء الأجلاء , وأتحمل وجوههم العابسة وغضبهم لأتفه الأسباب وعصبيتهم المتكررة وإهانتهم للمساكين من أبناء الرعية وووووووووووووو وأسكت على مضض عن أمور كثيرة أخرى حفاظاً على رسالة الكنيسة السامية ووحدة الإيمان , إلا أنني لا ولن أتحمّل راعٍ " يلعب بذيله " كما يقال في اللهجة الدارجة , مهما بلغت درجته الروحية أو مركزه الكهنوتي  ... ذلك خط أحمر لا يسمح بتجاوزه إطلاقاً , ولا يمكن السكوت عليه مهما بلغت الخسائر والتضحيات .
لقد نذر الكاهن نفسه أن يحيا ويموت عفيفاً , والتعفف ثمرة من ثمار الروح القدس غلاطية 22:5- 23
ينبغي على المسيحي الحقيقي أن يتقيد بها بعيداً عن الزنى والنجاسة والدعارة وممارسة الجنس قبل الزواج وما شاكل , وتقع على الكاهن الكاثوليكي المسؤولية الكاملة لتطبيقها على الوجه الأكمل حيث هو نفسه قد اختار الطريق الكهنوتى وعليه التحلي بالضوابط التي يفرضها الكتاب المقدس من جهة وتقرها التعاليم الكنسية من جهة أخرى . أما إذا راودته نفسه واستيقظت عنده الغريزة الجنسية وأخفق في كبحها , فما عليه إلا أن ينزع لباسه الكهنوتى ويودع الدرب الذي سلكه وعندها تفتح له أبواب  الحياة الدنيوية  ويتسنى له دخول الدار التي تناسبه وتشبع رغباته الجسدية .... ولكي يظل مقامه ضمن دائرة احترام رعيته , من الأجدر أن يبقى أميناً لكنيسته كشخص علماني , فالذي يهجر كنيسته من أجل تلبية نداء غريزته ويلتحق إلى كنيسة أخرى ويلبس ثوبها الكهنوتي هنالك فحاله كحال الخائن الذي طار بطائرته إلى دولة معادية بحجة الإضطهاد الديني .
لا شك بأن التحايل على العفة بلباس الكهنوت هو سلوك شائن وخطيئة كبرى يحاسب عليها الخالق والمخلوق , ولكن ألأكبر إساءة وفضاعة عندما يستغل الكاهن الثقة التي يوليها أبناء الرعية له فيبدأ بخيانة هذه الثقة العظيمة والقيام بالتحرش الجنسي بأطفال الرعية من الجنسين دون وازع من ضمير إنساني أو التحسب لمخافة الله .... وهذا ما حصل في الماضي القريب والبعيد وما يحدث في الحاضر الأليم .
لقد تبين من التقارير المعلنة أن 75 -80 % من ضحايا التحرش الكهنوتي هم من الذكور , علماً أنه من المعروف أن نسبة ضحايا التحرش الجنسي في المجتمعات هي الأعلى بين الإناث . وهذا يعني أن مشكلة الإعتداء الجنسي في الكنيسة ناجمة عن مشكلة وجود المهووسين جنسياً بين القسس الشاذين داخل الأبرشية المعنية . وتشير الدراسات أن نسبة المثليين بين رجال الكنيسة في أمريكا تتراوح بين 15-58 % , وهذه نسبة عالية جداً مقارنة بنسبة مثيلي الجنس في المجتمع الأمريكي نفسه التي تتراوح بين 1.5 –  10% .
وتدل الإحصائيات أن التحرش الجنسي واستغلال الأطفال يحضى بنسبة عالية في المنظمات العلمانية أيضاً . ولا بد من الإشارة إلى أن وجود عناصر إجرامية في منظمة معينة لا يعني أن المنظمة مجرمة بأكملها . ومن دون شك أن نسبة الكهنة السيئين قليل جداً مقارنة يالصالحين منهم . ولكن , للأسف الشديد , لا يوجد ما يقال دفاعاً عن تلك التصرفات الشيطانية , ولا يتوفر علاج فعال للجروح التي خلفتها الفضائح الواحدة تلو الاخرى . وحتماً حينما لا يكون هنالك تفسيراً لن يكون هنالك تبريراً .... صحيح أن نفس الإنسان أمارة بالسوء , والإنسان نفسه يصنع الكنيسة ويصنع الكهنة والعلمانيين . لكن الشيطان لا يهاجم إلا ما هو الصحيح عند الرب , فإن لم تكن الكنيسة الكاثوليكية هي الأصح , لما شكّل الشيطان لها تهديداً .
رغم الفضائح الصادرة من ذلك العمق الإيماني ستبقى الكنيسة مقدسة . ولكن لا بد أن تكون الخراف بيد راع أمين .  لذلك المطلوب من الكهنة العمل الكثير من أجل الرعية وليس فقط التسلط عليها . أما المطارنة والقسس المشمولين بالتحرش الجنسي فهم مجرد عفونة لا تمثل الإيمان ويستوجب قلعهم من الكنائس كي يحل الهدوء عليها وتعزز الثقة بها ثانية.
لا بد من التذكير أنه ما دام هنالك مطارنة تهمهم سمعة الابرشية وراحة القسس على حساب أمان القطيع , فإن ظاهرة الإستغلال الجنسي ستستمر وتتكرر مرات ومرات , وما دام هنالك أيضاً من يفضل إظهار الكنيسة للمراقب الإعتيادي كأنها المسيح بأعمالها ورونقها بدل الإلحاح على أن يكون سلوك ممثليها على الارض كسلوك المسيح , مع إقرارعقوبات صارمة خلاف ذلك .
وقد آن الاوان للتفكير جدياً  للسماح بزواج القسس  لمن يرغب منهم بذلك .
بعض ما جاء في رباعيات تراجيديا كمْ وكمْ :
كمْ مرةً عَصفتْ بالكنيسةِ فضائحُ
كمْ مرةً طَفحتْ من رعاتِها قَبائحُ
كمْ مرةً يظُنُّ الكاهنُ أنّهُ سائحُ
كمْ مرةً تغويه منَ الشيطانِ نصائحُ ُ ...... كمْ وكمْ ؟
كمْ مرةً تُبرهِنُ الكنيسةُ هيَ الصخرهْ
كمْ مرةً يكْبَحُ الرسولُ بُطْرِسْ كلَّ عثْرهْ
كمْ مرةً تستقي الدرسَ مِنْ سدومَ والعِبْرهْ
كمْ مرةً تنصحُ الخطاةَ توبةً وحسرهْ .... كمْ وكمْ ؟



48
أين أنا من الكاهن وأين الكاهن مني ؟
د. صباح قيّا
أكرر ما سبق وأن ذكرته سابقاً بأني اقف على مسافة واحدة من كافة رعاتنا الأجلاء بغض النظر عن درجتهم الروحية أو موقعهم الوظيفي , ولكن موقفي هذا لا يحول دون الإشارة , عند الضرورة , إلى السلبيات لتجاوزها , أو ألإشادة بالإيجابيات بغية دعمها من جهة وتطويرها من جهة أخرى . أتشوق أن أصادف راعياً  يتوسط المثلث الإيماني المتساوي الاضلاع والمتمثل , من وجهة نظري الشخصية , بالموعظة على الجبل ( مت 5: 1-48 ) في زاويته العليا , وثمار الروح القدس (غلاطية 22:5-23 ) في الزاوية الجانبية اليسرى , ومواهب الروح القدس ( إشعيا 11: 2-3 )  في زاوية المثلث الجانبية اليمنى . مما لا شك فيه أن المسيحية عموماً ستزدهر , والكلدانية خصوصاً ستستيقظ ,  إذا التزم رجال ديننا الافاضل بجوهر المثلث الإيماني أعلاه , وحتماً سيصبح كلٌ في كنيسته قدوةً لرعيته . ولكن ... أه من اللاكن:    ما كلُّ ما يتمنى المرءُ يُدركُهُ       تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
 أرفض الرأي القائل , مع جلّ احترامي لحامله , بأن الكاهن إنسان حاله كحالي .. نعم هو إنسان خُلق على صورة الله ومثاله ( تك 1: 26 - 27 ) كما خُلقت أنا , مع الفارق الشاسع بيني وبينه . ألكاهن نذر نفسه لخدمة الرسالة الإيمانية متسلحاً بالقيم والخصال التي وردت في آيات الكتاب المقدس , وله من الحياة جزءها الروحي فقط . أما أنا فلي مهنتي ولي من الحياة جوانبها المتعددة حسب اختياري ورغبتي وأحياناً حظوظي وفُرَصي  .... لا يختلف إثنان منطقياً بأن الصورة اعلاه والتي  ينبغي أن يكون عليها الكاهن تدخل ضمن العالم المثالي أو الخيال القصصي , أما واقع الحال فيشير إلى ابتعاد  الكهنة عنها بمسافات متباينة , وللإسف الشديد قد يتقاطع البعض معها كلياُ فيغدو أسير الإغراءات الدنيوية والحوائج الحياتية , فتصبح الخدمة الكهنوتية مجرد وظيفة يسترزق منها , وليس بالضرورة أن يتمكن عليها  بل ربما يصاحبه الفشل خلال مرحلة معينة من امتهانها , والذي ربما لا يغيّر من هذا الواقع المرير لاعتبارات شتى . 
من الحقائق المعروفة أن الذي يتبوأ مركزاُ ما يضع نفسه تحت المجهر شاء أم أبى , ويشمل ذلك راعي الكنيسة , أية كنيسة , حيث حركاته مرصودة , كلماته محسوبة , والأنظار إليه مشدودة . وكما هو متفق عليه أيضاً بأن الكمال للخالق وحده , وليس هنالك بين البشر من هو خالٍ من الهفوات أو الشطحات . لذلك يظل التقييم لأي إنسان محصلته بحسب ثقل الكفة الراجحة عنده , حيث يشاد له بالبنان عندما تتغلب عنده  الخصال الحسنة والممارسات الحميدة على ما شذّ عنها عموماً . ورغم ذلك تختلف العين البشرية من شخص إلى آخر , فما تراه عينٌ أبيضاً , قد تراه أخرى شاحباً ,,, وهكذا .... ولكن يظل رأي الأغلبة هو السائد . وللأسف الشديد هنالك من يبالغ في الحكم والتقييم سلباً أو إيجاباً  , والدوافع لذلك متعددة . ولن يلام إلا الذي يصدق بأنه الأحسن , ألاذكى , الأفضل , الأكفأ , الأفهم ووووووووووو وما شاكل من الألقاب التمجيدية الجوفاء . وكما أسلفت أعلاه بأن الكل له إيجابياته وسلبياته , له محاسنه وسيئاته ’ له جماله وقبحه . وبصراحة , لا يُفسد المرء إلا المديح التملقي والتمجيد المرائي . فرجائي أن لا يصدق الراعي ما يوصف به عدى ما حقاُ من صفاته ,  فالمدح من غيرِ الحقيقةِ قدحُ .
ربما أكون مخطئاً , فمن خلال ملاحظتي الشخصية وتجربتي مع البعض من الرعاة الأفاضل , تولّدت لدي القناعة بأن قراءتي للعديد من الأمور الحياتية تختلف عن قراءة رجل الدين لها . ما أعتقده منطقاً مقبولاً قد يرفضه أو يتحفظ عليه رجل الدين . وما أستغرب مما يصدر عنه , قد يكون هو الصحيح بالنسبة لرسالته . لا بأس أن أذكر المحاورة البريدية التي حصلت مع غبطة البطريرك الكاردينال لويس ساكو .
  خلال زيارته الميمونة لكندا ولمشيكن أمريكا , أوصلت له الرسالة التالية بواسطة الأب الجليل نياز توما .
June 16, 2014
غبطة البطريرك الجليل
سلام المحبة
أرسلت المقالات المرفقة للنشر في موقع البطريركية الموقر , وللأسف لم ترى النور لحد الآن . لا أشعر أنها تحوي على ما لا ينسجم مع سياق النشر في الموقع  . آمل أن أكون مخطئاً 
كلًي ثقة أنها ستنال رعايتكم  المعهودة , وحتما يسعدني قراركم  سلباً أم إيجاباً
أدامك الرب في خدمة الإيمان


كنت قد أرفقت مع الرسالة مقالاُ بعنوان " ألكاهن ثقافة وطموح " , وعلى ما أذكر مقالاً آخر بعنوان " ألمطران عمانؤيل دلّي في عيادتي " , بالإضافة إلى قصيدة نظمتها بمناسبة قدومه إلى وندزر كندا التي , للأسف الشديد , لم يتسنى لي إلقاءها أمامه لأسباب تتعلق باللجنة المكلفة بالإستقبال . إستلمت عبر الإيميل شكر غيطته على الأبيات الشعرية , مع إيضاح بأن عدم نشر المقالات سببه نشرها قبلاً قي مواقع أخرى ... نعم ما أخبرني به غبطته عين الحقيقة , ومنذ ذلك الحين قررت إرسال المقال الذي أرغب بنشره على موقع البطريركية إلى موقعها أولاً , وبالفعل تم نشر أكثر من مقال لي .... وما أسرني أكثر أن غبطته ابدى رأيه بما جاء في مقالي عن طموح الكاهن , ومع الأسف لا أملك المراسلات التي حصلت بيينا بسبب تعذر دخولي إلى إيميلي السابق من مدة غير قصيرة ولحد اليوم . ما أتذكره بأن غبطته أبدى تحفظاً من تعبير  " طموح الكاهن " , فأوضحت في جوابي بأن ما أقصده أن الكاهن كالطبيب , فالطبيب يطمح أن يحصل على الإختصاص لتقديم خدمات أفضل للمريض من خلال اختصاصه , كذلك الكاهن , يطمح لتطوير معلوماته والحصول على شهادات عليا خدمة لرسالة الإيمان التي يحملها . أجابني غبطته بتعابير لاهوتية شعرت بعد الإطلاع عليها بأن  رؤيته لطموح الكاهن تختلف عن رؤيتي لها . شكرته واستفسرت منه إن كان بالإمكان ذكر محاورتنا هذه في إحدى مقالاتي اللاحقة . أجابني بالإيجاب مع ذكره عبارة " أكتب ما يخدم الشعب " على ما أتذكر .
لا شك بأن خبر تسمية غبطة البطريرك كاردينالاً يسعد ويفرح المسيحيين عموماً , كما أنه مفخرة أهل الرافدين بغض النظر عن الإنتماء . ألجميع يصفق للمنتخب العراقي عندما يكسب المباراة , والجميع يهلهل عندما يقف إبن الرافدين على منصة التكريم , فلنبتهل بتجرد لهذا التبجيل النادر . قرار البابا ليس مجاملة أو محاباة , وإنما استحقاق . وكما اسلفت أعلاه , ما يراه رجل الدين أبيضاً قد يراه المرء الإعتيادي شاحباً والعكس صحيح . وقبل أن أختم لا بد أن أعرّج على ما قاله لي أحد الآباء اللاتين قبل عامين تقريباً في مدينة " سان أنتونيو تكساس " عند السلام عليه بعد قداس الأحد , وبعد أن علم أنني من الوطن الجريح . ما قاله بالحرف الواحد : لكم بطريرك يعمل بهمة وشجاعة من أجلكم .,,,
قد لا أتفق مع غبطة البطريرك الكاردينال في بعض الأمور , ولكن يظل الإحترام لموقعه في الصدارة , وما اراه أنا شاحباً يراه غبطته أبيضاً , والإسراف في النقد ظاهرة غير صحية .
تهنئةٌ مني أنا العلماني
مهداة إلى غبطة البطريرك لويس ساكو بمناسبة إعلانه كاردينالاً
أيّها الكاردينالُ لك أسمى التهاني              منَ العالمِ المسيحيْ وكلِّ كلداني
تُرتّلُ بابلُ فتنشدُ آشورُ                          كنيسةُ المشرقِ مجدُ ماضي الزمانِ
بالأمسِ دلّي وهذا اليومُ حاملُهُ                 ساكو فنِعْمَ رجالُ البِرِّ والإيمانِ
كلاهُما لِبَني النهريْنِ مفخرةٌ                    يشُدُّ بها المُسلِمُ كفّةَ النصراني
فليسَتِ ألألقابُ دليلَ وجاهةٍ                     بلْ بيارقُ خُلْدٍ لفهْرسِ الأوطانِ
هيَ المسيحيةُ أرستْ قواعِدَها                 حضارةُ وادي الرافدينْ منَ السُكّانِ
أورٌ وأكَدٌ وسومرُ وبابلُ                         ونينوى تنأى عن عِبادةِ الأوثانِ
صليباً عانقَتْهُ ومِنْ أثرِ الجوى                 نالَ الشهادةَ أهلُها مع الكُهّانِ
فلا غرابةَ أن يُمنَحَ مَنْ أصلُهُ                  مِنْ شعبِ التضحياتِ وحكمةِ الإنسانِ
رُتبةٌ بلْ نعمةٌ في الجوهرِ خدمةٌ              إلى الأعمالِ مُضافةٌ بلا أثمانِ
يا غبطةَ البطريركِ لك تهنئةٌ                  مِنْ إبنِ الرعيةِ مني أنا العلماني
ما أقولُ مِنْ شعرٍ مشاعرُ مخلصٍ            يَقْرِضُ القصيدةَ صِدقاً بلا بُهتانِ
أبسطْ ظِلّكََ على القريبِ والبعيدِ               فالجِذْعُ زينتُهُ تَنوّعُ الأغصانِ
ومجْدُ الأرضِ نعيمٌ زائلٌ ما دام               جَنانُ الربِّ بلا أولٍ ولا ثاني
روابط ذات العلاقة بالمقال :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,741812.msg7266354.html#msg7266354
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,741321.msg7264661.html#msg7264661
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,791912.msg7421721.html#msg7421721
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,735002.msg6238327.html#msg6238327



49
أدب / تهنئةٌ مني أنا العلماني
« في: 09:40 02/06/2018  »
                تهنئةٌ مني أنا العلماني
مهداة إلى غبطة البطريرك لويس ساكو بمناسبة إعلانه كاردينالاً
د. صباح قيّا
أيّها الكاردينالُ لك أسمى التهاني              منَ العالمِ المسيحيْ وكلِّ كلداني
تُرتّلُ بابلُ فتنشدُ آشورُ                          كنيسةُ المشرقِ مجدُ ماضي الزمانِ
بالأمسِ دلّي وهذا اليومُ حاملُهُ                 ساكو فنِعْمَ رجالُ البِرِّ والإيمانِ
كلاهُما لِبَني النهريْنِ مفخرةٌ                    يشُدُّ بها المُسلِمُ كفّةَ النصراني
فليسَتِ ألألقابُ دليلَ وجاهةٍ                     بلْ بيارقُ خُلْدٍ لفهْرسِ الأوطانِ
هيَ المسيحيةُ أرستْ قواعِدَها                 حضارةُ وادي الرافدينْ منَ السُكّانِ
أورٌ وأكَدٌ وسومرُ وبابلُ                         ونينوى تنأى عن عِبادةِ الأوثانِ
صليباً عانقَتْهُ ومِنْ أثرِ الجوى                 نالَ الشهادةَ أهلُها مع الكُهّانِ
فلا غرابةَ أن يُمنَحَ مَنْ أصلُهُ                  مِنْ شعبِ التضحياتِ وحكمةِ الإنسانِ
رُتبةٌ بلْ نعمةٌ في الجوهرِ خدمةٌ              إلى الأعمالِ مُضافةٌ بلا أثمانِ
يا غبطةَ البطريركِ لك تهنئةٌ                  مِنْ إبنِ الرعيةِ مني أنا العلماني
ما أقولُ مِنْ شعرٍ مشاعرُ مخلصٍ            يَقْرِضُ القصيدةَ صِدقاً بلا بُهتانِ
أبسطْ ظِلّكََ على القريبِ والبعيدِ               فالجِذْعُ زينتُهُ تَنوّعُ الأغصانِ
ومجْدُ الأرضِ نعيمٌ زائلٌ ما دام               جَنانُ الربِّ بلا أولٍ ولا ثاني

50
                             إرهاصاتٌ برلمانية ٌ
د. صباح قيّا
خمسُ مقاعدٍ في البرلمانِ تلمعُ                          لها مِنَ القوائمِ ثمانٍ تهرعُ
في كلِّ قائمةٍ هنالك عشرةٌ                               تزفُّ الوعودَ عسى الناخبُ يقنعُ
فيها مَنْ كان جزءً من فسادٍ همُّهُ                       أنْ يشفُطَ مِنْ مالِ الحرامِ لا يشبعُ
مَنْ ذا يُصدّقٌ مَنْ كان قبلاً نائباً                          بلذّةِ الكرسيِّ نفسُهُ تستمتعُ
في قُبةٍ معظمُ مَنْ فيها سارقٌ                            وقليلُها صرَخاتُهُ لا تُسمعُ
عِقْدٌ ونصفٌ من السنين نظامُها                         مِنَ الطائفيةِ حصصٌ تُستقطعُ
كلٌّ يُسبِّحُ ربَّهُ مُتظاهراً                                   وعلى قلبِهِ الأحقادُ تتربَّعُ
لو كان حقاً بالحياةِ مُتزهِّداً                              فهلْ للفريسةِ كالجياعِ يسْرعُ
متى تسودُ في البرلمانِ قيادةٌ                            عنْ حُبِّ ذاتِها والأنا تَترفّعُ
وعنْ ذِكرِ الحقيقةِ لا تهابُ الردى                      ولرفاهِ الشعبِ دوماً تَتطلّعُ
ألا يكفي ما حلَّ بالأمسِ في وطنٍ                       مِنْ كلِّ مِلّةٍ بهِ تُذرَفٌ أدمعُ
فيا شعبَ العراقِ عليك بنهضةٍ                          مِن مهدِ الحضاراتِ أمجاداً تَسْترجعُ
صَوّتْ لِمَنْ تراهُ أهلاً لحصانةٍ                          ينهى بها عنِ الباطلِ يَتَمنّعُ
واعزِفْ عنِ الذي نكثَ العهدَ فعلُهُ                     فطبعُ المرءِ حتماً أن لا يَتَطبّعُ
                                                             
                               

51
ألواقع الكلداني والطموح الآشوري ( ألجزء 5 والأخير )
د. صباح قيّا   
           من السذاجة الإعتقاد بان الطموح الآشوري يقتنع بأقل من تأسيس كيان يحمل إسم " آشور " على أرض نينوى. وإذا قدّر  له أن يقبل بأقل من ذلك فلا معنى لوجود أحزابه وتنظيماته على مسرح الساحة السياسية , والتي قدّمت خلال العقود الماضية عدداً لا يستهان به من الشهداء , بالإضافة إلى ما لحق بالشعب الآشوري برمته من مذابح وتشريد وتنكيل عبر التاريخ القريب ... ولكي يتم تحقيق ذلك على أرض الواقع في ظل الظروف التي يمرّ بها الوطن الجريح , ينبغي الكفاح من أجل خلق كيان ضمن الدولة العراقية سواء كان إقليماً أو محافظة أو أية تسمية أخرى ... المهم أن يحمل الكيان كنية " آشور " ...
 وقد يعترض كائن من كان بأن ذلك يعني تقسيم العراق وتجزئته وووووو ... ولكن أسأل من يعترض : هل العراق حقاً موحدٌ ؟ وهل كردستان العراق عراقية مائة بالمائة ؟ وهل المحافظات الجنوبية ً تمتثل كلياً لأحكام المركز ؟ . ثم هنالك دول كثيرة تتمتع أجزاؤها بنوع من الإستقلالية ضمن الدولة الواحدة . فأين الإشكال إذن ؟ ....
وهنالك من يدّعي بأن مثل هذا الكيان سيقضي على من صمد من المسيحيين في أرض الأجداد .. ولكن مثل هذا  الإحتمال وارد سواء كان للمسيحيين كيان لوحدهم أم لا وخاصة عندما تحلّ الفوضى محل سيادة القانون , وعندما يطغي الضعف على الحكومة وتفقد السيطرة على النظام كما حدث عند اجتياح " داعش " للموصل .... قد يدعو البعض إلى تأمين الحماية الدولية لمنع حصول أي اعتداء على الكيان المسيحي ... ولكن , إذا استوجب الظرف مثل هذا الإجراء ...  إذن ما فائدة البرامج المعلنة من قبل القوائم الإنتخابية  ؟ بل بالأحرى ما فائدة الإنتخابات ؟ وما هو موقع البرلمان ؟ وأين سلطة الدولة ؟ ولماذا يتبجح الجميع اليوم بالعمل على سيادة القانون ؟ وإلى متى تظل شريعة الغاب هي السائدة ؟
يتبادر الآن السؤال التالي: ما هو موقف الكلدان من هذا الطموح المشروع وخاصة أن أغلبية المسيحيين في سهل نينوى هم من الكلدان ؟ للإجابة ببساطة ومن دون تعقيد , أن الإنتخابات كفيلة بمنح الحق لمن يستحقه . فالحزب أو التنظيم الذي يتمتع بالاغلبية له الحظ الاوفر بإدارة كيان " آشور " . من يسعى للعلمانية ويروج للديمقراطية عليه التقيد بجوهرهما عند التطبيق ... ولا بد أن أذكر أن الخطة لإقراغ المنطقة من مسيحييها جارية على قدم وساق . وقد يتوقف نزيف الهجرة أو يتضاءل عند انبثاق الكيان المسيحي في أرض آشور , وربما يعود البعض ممن غادرها قسراً أو طوعاً إلى حيث مثوى آبائه وأجداده .
لا يمكن إنكار أن هنالك من الكلدان من لا يستسيغ مثل هذا الخيار , وله من الحجج الكافية لتعزيز موقفه الرافض .... نينوى تاريخياً آشورية , وبابل تاريخياً كلدانية . إذن من لا يقبل  " آشور " في نينوى , عليه إعادة " كلدو" إلى بابل . ومن دون شك أن بابل تكتسب أهمية خاصة عند المسيحين قاطبة . فقد ورد إسمها في الكتاب المقدس بضع مئات من المرات وأقل من ذكر أورشليم ( ألقدس ) فقط .  كما انها المدينة الاولى التي بنيت بعد طوفان نوح , ويذهب البعض من اللاهوتيين في تفسيرهم لسفر الرؤيا , بأن بابل سيعود لها مجدها بعد اختطاف الكنيسة وإلى يوم الدينونة ... ولها أيضاً أهمية متميزة عند الكلدان أنفسهم , فغبطة البطريرك الكلداني هو  بطريرك بابل على الكلدان والعالم .
 ولا بد من الإشارة بأن بوادر عودة ذلك المجد ظهرت أبان النظام السابق من خلال العمل على تنفيذ ما يهدف إليه الشعار  آنذاك  " من نبوخذنصر إلى صدام حسين , بابل تنهض من جديد " . مع العلم أن السبي البابلي شمل سبطين فقط من أسباط إسرائيل , أما  سبي الاسباط العشرة الأخرى فحصل على  يد الملوك الآشوريين وآخرهم الملك سنحاريب . وقد يتساءل البعض : لماذا لم يرفع النظام السابق شعاراً يشير إلى السبي الآشوري ؟ . ألجواب يقبل إحتمالين . ألأول أن نظرة النظام للكلدان تختلف عن نظرته للآشوريين . ألنظام يعلم جيداً  أن هنالك من الآشوريين مَنْ يحمل السلاح ضده , وهنالك من تنظيماتهم  ضمن القوات المقاتلة  داخل العراق أو السياسية خارجه , وأن لهم طموح  يرومون الوصول إليه  بشوق ولهفة  , لذلك ليس من المنطق أن يشيد بأمجادهم التي ستدعم  تطلعاتهم وتحفز كفاحهم وأيضاً تزيد من معنوياتهم . ولم يكن للكلدان ما كان للآشوريين من خصوصية تفرزهم عن الآخرين , بل  من ثار منهم على  النظام , قاتل ضمن المجموعات المسلحة المتنوعة ... أما الإحتمال الثاني , فقد يكون " حكمة ربانية " لها علاقة بالتذكير بما جاء بسفر الرؤيا وما سيحصل غداً .

ألمعضلة الاساسية التي تجابه عودة المجد الكلداني إلى بابل وأور الكلدان هي خلو المنطقة من الكلدان المسيحيين . ولكن مهلاً ... هنالك يقظة كلدانية .. نعم استيقظ الكلدان في اور الكلدان . ما يظهر جلياً من خلال متابعة الأحداث بأن لهؤلاء الكلدان الجدد ميلاً للتقرب من الكلدان القدامى . ومن غير المؤكد أن عامل الإختلاف الديني سيحدد من هذا التقارب , بل بالأحرى أن معظم نشاطاتهم الرياضية والإجتماعية تدل عكس ذلك , وأن التشبث بالتسميات السائدة عند المسيحيين الكلدان مِيزتهم , ولهم أيضاً حضورهمً في الكثير من  الفعاليات التي يقوم بها المسيحيون الكلدان بالذات... ورغم ذلك فإن واقع المسيحيين الكلدان في الوقت الحاضر  لا يميل إلى إيجاد كيان في بابل أو أور يعزز عمقهم التاريخي بالمنطقة , لذلك من الأفضل دعم الأمل الآشوري في ولادة كيان " آشور " في سهل نينوى والذي بطبيعة الحال سيحوي أكثرية كلدانية , ومن السذاجة أن تحول التسمية دون تحقيق ذلك , وخاصة أن التاريخ الآشوري , كما التاريخ البابلي الكلداني أيضاً ,  مفخرة لأبناء الرافدين كافة وباختلاف أطيافهم , والإعتزاز بآشور لا يقل عن الإعتزاز بسومر أو بابل . هذا من جهة , أما من جهة ثانية , فالمنطق يستوجب دعم اليقظة الكلدانية الفتية التي بزغت في أور الكلدان وتشجيعها على التعمق في التاريخ البابلي والكلداني , مع التركيز على الحقبة التي تحوّل الكلدان فيها إلى المسيحية وثباتهم رغم عاتيات الزمن ... وقد تكون هذه اليقظة التي ظهرت على حين غرة وبدون ميعاد بداية المجد الموعود لبابل قبل حلول  الدينونة .
وقبل الختام لا بد من عودة خاطفة إلى  الإنتخابات التي ستجري بعد أيام معدودة والتي يجاهد الكلدان فيها بكل الإمكانات المتاحة لتحقيق حلمهم الذي يدغدغ مشاعرهم , والمتمثل باختراق قوائم الكوتا الأخرى وصولاً لقبة البرلمان . ورغم قناعتي بأن النتيجة لن تتمكن من المساهمة بقدر ملموس لتغيير الأمور وما هي عليه الأوضاع بصورة عامة  , ولكن حتماً سيؤدي الكرسي الكلداني إلى  رفع الروح المعنوية وإزالة حالة اليأس والقنوط التي صاحبت الكلدان منذ التغيير ولحد االيوم ... ومن الممكن القول من خلال نظرة موضوعية إلى القوائم المسيحية المتنافسة على أجزاء النجمة الخماسية , بأن الطموح الآشوري يقف على نفس خط الشروع الذي يقف عليه الواقع الكلداني . فالطموح الآشوري مزقت وحدته المصالح الشخصية وطغت غريزة " الأنا " على كادره المتقدم , أما الواقع الكلداني الإنتخابي فإنه  مغلف بنفس الضبابية التي  تغلف مفهوم القومية الكلدانية الذي  تم التطرق إليه في الاجزاء السابقة .... ورغم ذلك فليس المهم من يفوز ويشغل مقعداً وثيراُ , ولكن المهم أن يتحلى مرشح الأغلبية بالخصال الإنسانية التي تؤهله لخدمة الإنسان كإنسان بغض النظر عن الثوابت والمتغيرات الأخرى ...
رابط الجزء 4
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,864284.msg7564546.html#msg7564546
رابط الجزء 3
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,862844.0.html
رابط الجزء 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,859422.msg7554659.html#msg7554659
رابط الجزء 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,860460.msg7556426.html#msg7556426


52
 
هل أشارك في الإنتخابات ؟ ومن أنتخب ؟
د. صباح قيّا
ساذج من يعتقد أن هنالك قائمة إنفرادية أو إئتلافية , بسيطة أو معقدة , نقية أو هجينة ,  تمثل الجميع . ومخدوع من يقتنع أن القائمة التي ينوي انتخابها تمثل كافة أبناء المجموعة التي ينتمي إليها . ومخادع من يحاول أن يوحي للآخرين نفس المعنى آنف الذكر .... كل قائمة مهما كانت تسميتها لا تمثل إلا من ينتمي إليها فعلياً أو المتعاطف معها لسبب أو آخر , كأن يكون ذلك التعاطف نتيجة إنتماء ديني أو مذهيي أو قومي أو طائفي وما شاكل , أو أن يكون له علاقة بقرابة الدم أو بدافع الغريزة القروية أو المناطقية , وأحياناً التعارف المصلحي , أو الصداقة التقليدية , السطحية منها أو العميقة ... وما معناه أن كل قائمة لا تمثل إلا البعض ’ وليس بالضرورة أن يكون هذا البعض جزءً من الكل ,  بل قد يكون جزءً من جزء . هذه الحقيقة معروفة لكل من ينظر إلى الأمور بعين ثاقبة وبصيرة متنورة , ويوزن الأحداث بمعيار العقل الواعي المجرد من غريزة الأنا وبعيداً عن العواطف الضبابية .
وما قيل عن القوائم , ينطبق ايضاً على المرشحين . فالمرشح الذي يحسب الناس جميعاً مغفلين وبالإمكان تمرير إدعائه بأنه المنقذ المنتظر الذي سيدافع عن حقوق كيانه , ولن يغمض له جفن إلا بعد تحقيق ما وعد به في حملته الإنتخابية , ليس إلا هو نفسه مغفل .... لو كان ما تدعيه القوائم صحيحاً , وما يعلن عنه المرشح صائباً , لما كانت هنالك ثمانية قوائم أو أكثر تحتضن ثمانين مرشحا على الأقل  تتصارع بأساليب متباينة منها  الحضارية أو البدوية , ألعصرية أو المتخلفة , ألنزيهة أو الخسيسة .... إنها مهزلة المهازل أن لا يتعلم أو لا يرغب بالتعلم من يحسب نفسه محسوباً على المسيحية في ظل نظام لا يفهم من الإدارة السياسية غير المحاصصة الطائفية لنيل المكاسب الشخصية أو المذهبية .
مسكين المرشح الذي يتصور نفسه عملاقاً يتمكن من مجابهة مخالب الوحوش الكاسرة داخل قبة أثبتت السنون بأنها بمن فيها لن تتمكن من تحريك مشروعٍ مفيدٍ قيد أنملة . كما أنها  تحوي بين أعضائها من بنظرة خاطفة منه يتحول ذلك العملاق الصنديد إلى قزم مرتجف يضطر فيها إلى التوقيع على أي قرار حتى ولو كان على شاكلة ما يسمى بالقانون الجعفري , وإلا التهمته النيران الغادرة التي يستند عليها صاحب النظرة الخاطفة .
ما يثير الشفقة ً أن الهرولة الحثيثة للإمساك بأحد أركان النجمة الخماسية للكوتا المسيحية ليست من أجل الدفاع عن واقع المسيحية المعذبة في وطنها الأصلي أو الحصول على حقوق المسيحي المهمش حسب  دستور بلده ,  وإنما لمجرد إبراز الإنتماء القومي أو الفئوي لهذه المجموعة أو تلك .  إنها ,  بصريح العبارة , صراع بين أطياف الشعب المسيحي المغلوب على أمره ...  صراع بين من يدافع عن كلدانيته , و بين من يتشبث بآشوريته , وبين من يحاول إبراز سريانيته , وبين من يبغي احتواء الجميع في تسمية مبتكرة لا علاقة لها لا بالتاريخ القديم أو الحديث ... إنها صراع مستميت بين كل هذه الأطراف التي تعزف على وتر وحدة الشعب المسيحي , أو على أصوله التاريخية الضبابية ,  او مشاعره المتأرجحة ... وما يؤلم أكثر أن تأخذ الكنائس دوراً ريادياُ وفاعلاً في تأجيج هذا الصراع المر من خلال موقفها المؤيد لقائمة ما دون الاخرى  أو لمرشح معين بدل الآخر , رغم  كون القائمة أو المرشح من نفس الكنيسة ... ولا بد للتذكير بأن ما يُعرف عن كنيسة المسيح أنها بمثابة  خيمة محبة تفرش ظلالها الرعوية على الجميع بالتساوي ومن دون التمييز بين الواحد والآخر لأي سبب كان .... والأمل ان لا تظل هذه العقيدة الإيمانية الحيوية مجرد أقوال تتناثر في الفضاء الفسيح , ويتوهم من يروج لمثل هذا الموقف بأنه يخدم في الإتجاه الصحيح ... كما أن الموقف المنحاز لأية كنيسة قد يجعلها في وضع محرج جدا خصوصاً عند إخفاق من أيدته وسعت لنصرته .... ومثل هذا الإحتمال ليس بالمستحيل , بل بالأحرى هو الأكثر حظاً بما سيحصل في القريب العاجل .
من يراهن على أصوات المهجر للفوز في الإنتخابات يسقط في الفخ الذي نصبه لنفسه ... ألمهجريون لن يجذبهم هذا الجانب أو ذاك .. تطلعاتهم وأهواؤهم في وادٍ آخر بعيداً عن ما يجري في الوطن الجريح . لا يهمهم من سيخسر ومن سيفلح ... شغلهم الشاغل نجاحهم في أعمالهم داخل أوطانهم الجديدة .... أعلى نسبة لمن يشترك منهم في حمى الإنتخابات لن تتجاوز 5% في كافة دول الشتات .... والدافع الأقوى لمشاركتهم هو تعاطفهم مع هذا الجانب أو ذاك , ومعظمهم سيدلي بصوته لصالح القوائم ذات الطابع الآشوري , وكذا الطابع القطاري , والقلة من الاصوات ستصب في النبع الكلداني , والسبب بسيط جداً , ألا وهو أن الكلدان , للأسف الشديد , منقسمون على ذاتهم بعمق , ومن المستبعد أن تفلح قائمة الإئتلاف في بث روح النجاح بينهم رغم دعم الكنيسة الكلدانية الواضح لها , ورغم الإعلام غير المحدود الذي تبثه ألأصوات وتنشره الأقلام الصادرة من الرابطة الكلدانية العالمية .... وقد يكون للقائمة الكلدانية الأخرى باسم " بابليون " حظاً أوفر في النجاح إن لم يخذلها الحشد الشعبي , أو ينكث بها الصدريون  ثانية .   
يحكى عن أحد الضالَين الذي قابله القديس بطرس بعد مماته مستفسراً منه إن كان يرغب الدخول إلى الجنة أم يفضل جهنم . إلتمس الضال من القديس أن يسمح له بالإطلاع على الأحوال في كل منهما قبل أن يفصح عن أفضليته . وافق القديس على التماسه , وتجول معه في جنة الله الواسعة حيث الهدوء والسكينة والكل منهمك في الصلاة بانعزال . لا صخب ولا ضجيج , بل حياة رتيبة ونمطية , وتبدو كأنها مبرمجة ... وبعد الإنتهاء من زيارة جنة الفردوس , أخذه القديس إلى جهنم . تفاجأ الضال بما شاهد وما كان يجري في جهنم ,  بعكس ما سمع وقرأ عنها .  كان المرح والفرح باد على الجميع , ألكل يرقص ويغني ويأكل ما لذ وطاب من الطعام , ويشرب الحلال والحرام . لا نار ولا سعير , ولا بكاء مرير , ولا يُسمع للأسنان صرير ... أمسك الضال بيد القديس بطرس متوسلاً  بشوق ولهفة أن يبقيه  في أجواء جهنم حيث الحياة الدنيوية في أحلى مظاهرها . وكان للضال ما اراد .... وما ان اوشك الليل على الإنتهاء حتى عادت جهنم إلى ما هو معروف عنها من عذاب أليم , والكل يتلوى من سعيرها الحارق ... إنطلق الضال ً نحو القديس بطرس وهو يصرخ ويئن من وطء حساب الآخرة . إستفسر منه  عن سبب هذا التغيير الفجائي الذي حصل ؟ أجابه   القديس بطرس بهدوء , بأنه كانت هنالك حملة انتخابية  في الليلة الماضية والليالي القليلة التي سبقتها , وانتهت الحملة صباح اليوم , لذلك عادت جهنم لسابق عهدها ..... والحليم من الإشارة يفهم ...
أسفي لمن يُطالعُ التاريخَ      ومن دروسه لا يتعلّمُ   




53
موت المسيح على الصليب من وجهة نظر طبية
د. صباح قيّا
توطئة
" يسوع موضوع لا ينضب مهما تناولته الألسن والأقلام , ومهما كثرت الكتب عنه يظل هنالك مجال لكتابٍ جديد " . هكذا أجاب الكاتب والشاعر ميخائيل نعيمة حينما أفصح له الفنان الشاعر والكاتب الفيلسوف جبران خليل جبران عن نيته في تأليف كتاب عن " يسوع المسيح " . وكما أشار البشير يوحنا إلى تلك الحقيقة  بوضوح في ختام إنجيله قائلاً " وهناك أمور كثيرة أخرى أتى بها يسوع , لو كُتبتْ واحداً واحداً , لًحسبتُ أن الدنيا نفسها لا تسعُ الأسفار التي تُدَوّنُ فيها ( يوحنا 21/25 )".
فلا غرابة أن تغزو المكتبات المنتشرة في كافة أرجاء المعمورة ألمؤلفاتُ الغزيرة  من كتب ودوريات ومقالات وبحوث ونشريات مختلفة أخرى  تتحدث عن المسيح المخلص وعن صلبه  وموته على الصليب وبمختلف لغات العالم . ولم يسبق لأية شخصية منذ نشوء الخليقة ولحد اليوم أن تناولتها الأقلام والألسن كما تناولت ولا تزال شخصية الفادي خالق الكلّ . إنها حقاً معجزة الدهور تضاف إلى معجزات يسوع التي لا تُعدُّ ولا تُحصى , وأهمها  معجزة الموت والقيامة , محور العقيدة المسيحية , التي استقبلت مواكبُ الشهداء بكل فرح وسرور حتفَها تباعاً  نتيجة الإيمان المطلق بصحة حصولها .
فرضيات الإغماء
من المعروف أن القران الذي كتب في القرن السابع الميلادي يرفض حقيقة صلب المسيح وكما جاء في سورة النساء " وما قتلوه وما صلبوه بل شبه لهم " .  ورغم ذلك , فإن  الطائفة الإسلامية  " الأحمدية أو ألقاديانية " التي نشأت في أواخر القرن التاسع عشر في شبه القارة الهندية تدعي عدم وفاة المسيح على الصليب بل أغمي عليه نتيجة الإعياء , ثم غادر إلى  الهند بعد أن أستفاق وعاد له وعيه بتأثير برودة ورطوبة القبر الذي وضع فيه . ولحد اليوم هنالك ضريح في إحدى مناطق كشمير الهندية يشير إلى محل دفنه . وقد نادى بها بصفة خاصة " ميرزا أحمد غلام " مؤسس القاديانية ، والذي بدأ يروج لهذه النظرية منذ سنة 1891م في كتابه " المسيح الناصري في الهند " .  وربما استنبط مؤسس الجماعة الأحمدية فرضيته من الكاتب الألماني " كورت بيرنا " الذي أعلن أن الكفن " كفن تورينو "  يثبت عدم وفاة المسيح على الصليب , وأن القيامة ما هي إلا مجرد صحوة إنسان من الإغماء .
   في سنة 1780 م زعم " كارل فريدرك بارت " اللاهوتي الألماني العقلاني ، أن يسوع أدعى موته حيث استخدم بعض العقاقير الطبية التي قدمها له لوقا الطبيب , ثم زعم أن يوسف الرامي , هو الذي قام بإنعاشه من هذا الموت الظاهري. ويبدو أن اللاهوتي تأثر بمسرحية روميو وجولييت للكاتب الإنجليزي وليم شكسبير .
  وحوالي سنة 1800م افترض " كارل فينتوريني " أن يسوع أجتمع مع جمعية سرية يرتدي أعضاؤها الثياب البيضاء ، وزعم أن هذه الجماعة لم تتوقع أن يبقى المسيح حياً بعد الصلب. وعند القبر سمع واحد منهم كان يرتدي زياً ابيض ، في إشارة إلى الملاك الذي دحرج الحجر ، أنينا من داخل القبر حيث عاد يسوع إلى وعيه فأخاف هذا الرجل اللابس الثوب الأبيض الحراس وأنقذ المسيح ,  فاستخدم يسوع طاقته المتبقية في الظهور لتلاميذه وبعد ذلك اختفى من المشهد بشكل نهائي .
  وابتداء من سنة 1802م  بدأ اللاهوتي الألماني العقلاني " هنريك بولوس " ينادي بأن المسيح لم يمت على الصليب بل دخل في غيبوبة  مؤقتة وعاد إلى الوعي بدون أية مساعدة من أحد في القبر. وفي سنة 1828م قدم نسخة تفصيلية تفترض أنه عندما حدث الزلزال وقت الصلب (متى27/51)، انطلق دخان كثيف سبب صعوبة في التنفس مما جعل يسوع يبدو ميتا قبل أوانه على الصليب. وقد ظل يسوع حيا بكيفية ما في القبر بدون أية مساعدة . وقال مثل " فينتوريني " أن يسوع استخدم طاقته المتبقية في الأيام التالية واختفى بعد ذلك .
   وفي القرن العشرين كتب بعضهم بعض الكتابات في هذا الموضوع وافترضوا فيها افتراضات كثيرة وزعموا العديد من المزاعم وأن كانت كثافة هذا الموضوع قد زادت ابتداء من النصف الثاني من القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين حيث كتبت مجموعة كتاب الغنوسية الجديدة أو الوثنية الحديثة أو ما يعرفون بمتأملي العصر الجديد "New Age speculation  " الذين يذهبون في اتجاه معاكس محاولين أن يعيدوا تأسيس التاريخ .
ففي سنة 1920م افترض " أرنست دوكر " أن يسوع سقط في حالة من التصلب المغناطيسي  أو التنويم المغناطيسي الذاتي , وأن الذين شاهدوا الصلب أخطئوا وظنوا أن يسوع مات .
  وفي سنة 1957م أفترض كل من " روبرت جريفز "  و " يشوا بودروا " ، أن يسوع سقط في غيبوبة وهو على الصليب وفشلت قوة دفع الحربة في اختراق الرئتين ويعتمد على قول الأحمدية أن المسيح لم يمت على الصليب وأن انسياب الدم والماء من جنب المسيح يدلان على أنه كان حياً .
  وفي سنة 1978م تم ترجمة مخطوط " تلمود عمانوئيل " المزيف حديثاً من اللغة الآرامية إلى الألمانية ثم إلى الإنجليزية , ويعتبر بالنسبة للمسيحية واليهودية فكر هرطوقي ، والذي أكتشف سنة 1963م وزعم أن عمانوئيل (يسوع) سقط في غيبوبة وهو على الصليب وأن يوسف الرامي فقط هو الذي لاحظ أنه لم يمت على الصليب .
  وفي سنة 1982م زعم البروفيسور " جّي . دي. أم. ديريت "  أن يسوع سقط في حالة من اللاوعي أو في حالة من الغيبوبة الذاتية أثناء صلبه وظن المشاهدون أنه مات وطعنه الجندي الروماني في جنبه بحربة , ويبدو عدم إصابة قلبه ورئتيه , وزعم أن يسوع استفاق ذاتياً من هذه الحالة في القبر .
  وزعمت " باربارا ثيرنج " أنهم أعطوا يسوع سم الحية على الصليب الذي جعله في حالة لا وعي واستفاق من هذه الحالة وهرب من القبر بمساعدة أصدقائه. واستقر في روما نهائياً .
وفي سنة 1965م نشر اليهودي " هوج سكونفيلد " كتاباً بعنوان " مؤامرة الفصح " ، وافترض فيه أن يسوع تم تخديره وتسكين آلامه علي الصليب فبدا وكأنه ميت . 
  وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر  أهم كتاب وألأكثر  مبيعاً وانتشاراً في هذا المجال بعنوان  " الدم المقدس الكأس المقدسة " ، والذي كتبه الكتاب الثلاثة " ميشيل بيجنت " ، و" ريتشارد لي " و" هنري لنكولن "، وتم نشره سنة 1982م . جاء فيه أن المسيح صلب ولكنه لم يمت على الصليب بل أغمى عليه وخرج من القبر حياً . ويتحدث الكتاب أيضاً عن رشوة بيلاطس البنطي كي يسمح بانزال المسيح من على الصليب قبل مفارقته الحياة . وبرغم ذلك يعترف الكتاب الثلاثة بعدم مصداقية نظريتهم هذه ويقرون بأنها ليست التفسير الأكثر واقعية لهذا الدليل المزعوم في الكتاب. ويعترفون أنها مجرد نظرية تأملية لا أكثر ولا اقل .
  وفي سنة 2006م نشر أحد كتاب " الدم المقدس الكأس المقدسة " وهو " مايكل بيجنت " كتابا جديدا يتكلم في نفس موضوع الكتاب الأول، وتتلخص نظرية هذا الكتاب في الادعاء والزعم بأن المسيح نجا من الصلب بمؤامرة من رفاقه الذين خدروه علي الصليب بمخدر جعله يفقد الوعي ويبدو وكأنه ميت .
مما لا شك فيه أن " نظرية الإغماء " لا تعدو غير كونها مجرد إفتراضات تفتقد  الدليل والبرهان والحقائق العلمية .  ولا يوجد فيها أي تخمين مبني على ما جاء في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ,  أو حتى في الأساطير التي انتشرت في العصور الوسطى .  ومن الواضح أنه لم يصدر في الزمن القديم مثل هذا الإدعاء  بالرغم من الهجوم العنيف المتكرر الذي صادفته المسيحية ,  وكل السجلات تؤكد موت المسيح على الصليب . كما ان علم الطب يؤكد أن المسيح لم يكن من المحتمل أن ينجو من الموت بسبب شدة الجلد وتأثير الصلب .
أدوات  صلب المسيح
يرى الكثيرون أن الفرس هم أول من أخترع الصليب كآلة إعدام وتعذيب قاسية جداً تطبق على مقترفي الآثام الخطيرة . وطبقها في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد . ويذكر المؤرخ اليوناني "هيرودوت " أن الملك الفارسي " داريوس " قام بصلب ثلاثة آلاف من سكان مدينة بابل . واستخدمت في مصر في القرن الخامس قبل الميلاد ، واستخدمها بعد ذلك " الإسكندر الأكبر "  وأهل قرطاجنه بشمال أفريقيا وأخذها عنهم الرومان واستخدموها بكثرة . ولأن هذه العقوبة كانت قاسيه جداً ورهيبة فلم تطبق قط على الأحرار سواء الإغريق أو الرومان وإنما طُبقت على العبيد والثوار غير الرومانيين .
كما أن هنالك ثلاثة أنواع من الصلبان ، نوع على شكل حرف T , وآخر على شكل حرف X والمسمى بصليب القديس اندراوس , والثالث يتكون من عارضتين متقاطعتين † , وهذا النوع هو الذي صلب عليه السيد المسيح . وتم استخدام  مسامير معدنية مدببة الرأس بطول 5- 7 إنجات غرست في معصم اليدين بمسافة إنج واحد أسفل راحة اليدين . وحقيقة الصلب هذه تختلف عن الموجود في اللوحات والأعمال الفنية المتنوعة حيث المسامير مثبتة في راحة الكفين , والتي لا تزال تمثل الرمز القياسي للصلب. ولكن , لا يمكن من الناحية الطبية أن يكون الصلب قد تم بغرس المسامير في راحة الكفين حيث سيتمزق الجلد حتماً بسبب ثقل الجسم الذي سيسقط من على الصليب نتيجة ذلك . ومن الجدير بالذكر أن الرسغ أو المعصم يعتبر جزء من اليد في لغة ذلك الزمان . 
هنالك من يثبر الشكوك بين أونة وأخرى حول حقيقة استخدام المسامير , ويدعي ربط القدمين واليدين بالحبال عند وضع المسيح على الصليب . وبالرغم من استخدام الرومان للحبال بدل المسامير في بعض الأحيان , إلا أن التنقيبات التي حصلت في القدس عام 1968 عثرت على حوالي 36 من بقايا  رفات اليهود الذين ماتوا خلال ثورتهم ضد الرومان عام 70م , ووجد مسمار بطول 7 إنجات مغروساً في القدم مع قطعة من خشب الزيتون التابعة للصيلب الذي صلب عليه أحد الضحايا ويدعى " يوحنان " . ويؤكد هذا الإكتشاف أصالة وصحة تفاصيل صلب المسيح التي وردت في كتب البشارة .
ألتعذيب قبل الصلب
  بعد إدانة المخلص  والحكم عليه بالإعدام صلباً كان لابد أن يجلد حسب عادة الرومان حتى يسيل الدم من معظم أجزاء جسده ، وكانت عملية الجلد هذه تسرع بالموت  . وكان السوط المستخدم عادة هو سوط قصير له عدة أفرع من سيور الجلد ذات المنحنيات التي لها أطوال عديدة وبها كرات من حديد أو قطع حادة من عظام الخرفان التي كانت مثبته بين الفواصل . وفي مقر الجنود الرومان تم جلد يسوع المسيح بقسوة . وكان عدد الجلدات حسب الناموس اليهودي أربعين جلده . ولكنه جُلد ما بين 40 جلدة في 3 سيور جلد في 3 قطع عظم أو حديد (40×3×3= 360)، و 100 جلدة × 3 × 3 = 900، أي أكثر من 350 إلى 900 قطعة حديد أو عظم انغرست في جسده ، فتهرأ جسده بشدة وقسوة وصار الدم ينزف من كل هذه الأماكن فضلا عن لسعات السياط الجلدية القاسية جداً في آلامها .  كما بدءوا يسخرون منه . وكانوا يضربونه على رأسه بقصبة ويبصقون عليه ثم يسجدون له جاثين على ركبهم .   فبعدما جلدوه ألبسوه ثوباً أرجوانياً كان من الطبيعي أن يلتصق بجسده المتهرئ بشده وعند نزعه من على جسده ينزع معه الطبقة الخارجية من الجلد المصاب بشدة مع الدم المتجلط ويعيد فتح جروح الجلدات من جديد ويسبب له آلاما قاسية جدا لا تطاق ، فقد تفوق الجنود الرومان على كل أساتذة التعذيب في تعذيبه . ثم وضعوا على رأسه إكليلا من الشوك مبطناً بالأشواك الحادة  التي تنغرس  في الرأس وفي الجبين وتسبب آلاماً رهيبة وقاسية جداً . ثم بصقوا عليه وضربوه على الرأس بعصا خشبية , وهذه الضربة أو الضربات على الرأس تفقد الإنسان توازنه. وبعدها نزعوا عنه الثوب الأرجواني الذي كان قد ألتصق بظهره وبقية الأجزاء المتهرئة من جسده وبتجلطات الدم التي تكونت ، وهذا سبب له آلاماً شديدة وتسبب في إعادة فتح الجروح من جديد . وألبسوه ثيابه ثم خرجوا به ليصلبوه .
لقد ذاق المسيح قبل وضعه على الصليب الآلام الجسدية المبرحة والعذاب النفسي الشديد .
ولا بد من الإشارة إلى الراهبة البندكتينية المتصوفة واللاهوتية  " القديسة جيرترود العظيمة " الألمانية الأصل , والتي عاشت عدة تجارب فائقة الطبيعة خلال ال 46 سنة من حياتها في القرن الثالث عشر . فقد أظهر لها المسيح في واحدة من رؤياها الروحية عدد الجروح التي عانى منها خلال تعذيبه ومجموعها 5466 .
ألعوامل التي أدت إلى وفاة المسيح على الصليب من وجهة نظر طبية
يمكن عرض العوامل التي أدت إلى وفاة المخلص يسوع المسيح حسب المراحل التالية :
1- مرحلة قبل التسليم والإدانة
    يذكر الكتاب المقدس ( لوقا 22/44) بأن المسيح قد أمضى الليلة بعد العشاء الأخير بالصلاة , حيث كان يتوقع مقدار الألم وحجم العذاب الئي سيتحمله في اليوم التالي . ومن الطبيعي أن تؤدي تلك المشاعر المقلقة إلى ضغوط نفسية جسيمة يتبلور تأثيرها بمظاهر مرضية متنوعة .  وتشير الآية إلى أن المسيح تعرّق دماً ( وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة , وصار عرقه كقطرات دم متخثر تتساقط على الارض ) .  ومثل هذه الحالة معروفة في الحقل الطبي  وتسمى ( هيماتوهدروسز Haematohidrosis) ولكنها تظهر نادراً . وتحدث في الظرف الذي يعاني الإنسان فيه من درجة عالية من الضغط النفسي كالقلق الشديد الذي يسبب إفراز مواد كيمياوية تمزق الأوعية الشعرية الدموية المتواجدة في الغدد العرقية وبذا تتجمع كميات من الدم فيها , فلذلك يظهر التعرق مصحوباً بالدم . ويصبح  الجلد هشاً جداً ويتأثر بالجَلد بحساسية فائقة
2- مرحلة بعد التسليم والإدانة وقبل الصلب
    يؤدي الجَلد القاسي بالأسواط التي ذكرت أعلاه إلى تخدش  وتشقق الأنسجة الخارجية للجسم ومنها سطح الجلد والعضلات المجاورة , وتسوء الحالة بتكرار الجَلد . وقد جُلد المسيح امتداداً من الكتفين إلى الساقين .
أحياناً تحدث الوفاة من شدة الجًلد وعنفه قبل تنفيذ عملية الصلب . وما عدا ذلك تعاني الضحية من آلام مبرحة , وتدخل في حالة الصدمة الناتجة عن فقدان الدم ونقصانه Hypovolaemic Shock . وكتحصيل حاصل لهذه الصدمة تظهر الأعراض المرضية التالية :
 * تسارع ضربات القلب , حيث يحاول القلب أن يضخ ما يمكن تعويضه من الدم المفقود , رغم عدم توفره بالكمية الكافية لذلك .
* إنخفاض ضغط الدم الذي يؤدي إلى فقدان الوعي أو الإغماء
* توقف وظيفة الكليتين عن إفراز الإدرار بغية الحفاظ على السوائل المتبقية في الجسم من جهة , والتعويض عن المفقودة من جهة أخرى
* ألشعور بالعطش الشديد والتلهف لشرب الماء .
لقد لوحظت كل هذه التغييرات المرضية  على المسيح حين حمله الصليب واستمرارالجًلد  , حيث سقط على الارض مغشياً عليه مما دعى الجندي الروماني أن ينادي " سيمون القيرواني " لحمل الصليب بدلاً عنه ( متى 27/32 , مرقس 15/21 ) . كما أن المسيح قال وهو معلق على الصليب " أنا عطشان " ( يوحنا 19/28 ) , فليست هنالك أية شكوك عن الحالة الحياتية الحرجة والشديدة التي وصل إليها المسيح جراء الجَلد القاسي وحتى فبل دق المسامير وغرسها في رسغيه وقدميه . 
3- مرحلة الصلب
    يؤدي دق المسامير المستخدمة في الصلب حسب المواصفات المذكورة آنفاً وغرسها في المعصم إلى سحق العصب الوسطي Median Nerve الذي هو أكبر أعصاب اليد ,  وعند إصابة هذا العصب تعاني الضحية من آلام مبرحة لا تُحتمل . يمكن القول عموماُ , بأن الآلام التي يسببها ضرر الأعصاب , من النادر أن يوازيها أي ألم في الجسم بسبب آخر , فكيف إذا شمل الضرر العصب الوسطي لليد , إذ يتعذر التعبير لغوياً عن شدة الآلام التي يشعر بها المصاب جراء ذلك . وقد حصلت آلام إضافية  بعد  غرس المسمار في القدمين وسحق أعصابهما أيضاً .   
4- مرحلة التعليق على الصليب
  قد يحصل خلع في مفصل الكتف الايسر والابمن بسبب التعليق على الصليب وكون الاطراف العليا ممدودة . إلا أن التعليق العمودي على الصليب يعني الموت المحقق  اختناقاً Asphyxia ببطء وبألم . ويتبادر السؤال : كيف يتم الإختناق  ؟ ألجواب : أن الشد على العضلات والحجاب الحاجز يجعل الصدر في وضع الشهيق , وعند محاولة إطلاق الزفير يضطر الجسم إلى دفع القدمين نحو الأعلى كي يخفف من الشد الحاصل على العضلات , وخلال هذه المحاولة يمزق المسمار أنسجة القدم محدثاً آلاماً جديدة , وبعد تحقيق الزفير يسترخي الجسم ثم يستنشق ثانية , وعند تكرارعملية الزفير تعاد محاولة دفع الجسم نحو الاعلى  ثانية , مع الإضطرار إلى ضغط الظهر المدمى على خشبة الصليب الخشنة فتتوسع  الخدوش والشقوق  . تستمر تلك المحاولات حتى يصل الجسم مرحلة الإعياء الكامل وعندها يتعذر عليه الدفع ويتوقف التنفس .
ومن الناحية الفسلجية فإن بطء التنفس الناتج من التعليق على الصليب يؤدي إلى ما يعرف
بالتنفس الحامضي Respiratory Acidosis, حيث يذوب ثاني آوكسيد الكاربون منتجاً حآمض الكاربونيك آلذي يزيد حموضة الدم , وهذه بدورها  تؤدي إلى عدم انتظام ضربات القلب , ثم يتوقف القلب نهائياً عن الخفقان ويحصل الموت . أحسّ المسيح بما حصل لقلبه فصاح بأعلى صوته " يا أبتِ , في يديك أجعل روحي  "! قال هذا ولفظ الروح ( لوقا 23/46 ) ،
من ناحية آخرى ، فإن استمرار تسارع ضربات القلب الناتج من صدمة نقص الدم يؤدي إلى خذلان القلب وعجزه Heart Failure, ويعقبه كتحصيل حاصل إنصباب جنبي Pleural Effusion في شغاف الرئتين (غشاء الجنب)  وانصباب في شغاف القلب (ألتامور)  Pericardial Effusion. لذلك حينما طعن الجندي الروماني برمحه جنب المسيح للتاكد من موته , إخترق الرمح الرئة ثم القلب . وعند سحب الرمح خرج السائل من الشغافين وخرج الدم من القلب .
وتجدر الإشارة آن الكتاب المقدس لم يحدد آياَ من الجانبين طعن به المسيح بالرمح ، ولكن على الأغلب طعن في الجانب الأيمن كما تصوره الأفلام السينمائية . ومن المعروف أيضاَ من الناحية الطبية ، أن عجز القلب يؤدي إلى إنصباب جنبي أيمن أولاَ . والمتوقع خروج السائل الرائق قبل الدم . لكن البشير يوحنا الذي شهد صلب المسيح أورد في إنجيله الدم أولاَ ( فخرج لوقته دمٌ وماء ، يوحنا 19/  34 )  
يعزو اللاهوتيون سبب اختلاف هذا التسلسل عن الأكثر قبولاَ طبياَ إلى الإغريق القدماء الذي ينصب اهتمامهم على تسلسل الأمور حسب أهميتها وليس بالضرورة حسب تسلسلها الفعلي . لذلك ذكر القديس يوحنا الدم قبل الماء لأهميته 
ألإستنتاج
إعتماداَعلى الحقائق التاريخية والعلوم الطبية ونتائج التنقيبات ، وبالإضافة إلى القوانين  العسكرية الرومانية ، من الممكن القول بثقة بأنه لا يمكن ليسوع المسيح بأي حال من الأحوال إلا أن يفارق الحياة وهو معلق على الصليب ، علماَ أن حالته الحياتية كانت حرجة وخطرة بسبب صدمة قلة الدم وقبل تنفيذ عقوبة الصلب . ومن المستحيل أن يتظاهر بالموت لاستحالة التظاهر بتوقف التنفس لفترة طويلة . كما أن طعنة الجندي الروماني أكدت حدوث الوفاة ، ولن يعرض الرومان حياتهم لعقوبة  الموت بالسماح للمسيح بالمغادرة حياَ
إن كل ما يكتب أو يعلن أو يشاع خلاف ذلك مجرد نظريات من نسج الخيال لا تستند إلى شواهد حقيقية وتتناقض مع العقل والمنطق
ألمراجع
 .ميخائيل نعيمة . جبران خليل جبران , حياته, موته, أدبه, فنه .  مؤسسة نوفل بيروت  لبنان 1978 الطبعة الثامنة
الكتاب المقدس . دار المشرق ش.م.م. بيروت لبنان 2015 ألطبعة الأولى
د. فريز صمؤيل . موت المسيح حقيقة أم افتراء . مكتبة الأخوة , ماسوشيتس , ألولايات المتحدة الأمريكية 2005
القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير . موت المسيح وقيامته حقيقة أم خدعة أم أسطورة؟ . مطبعة المصريين , 2009 م ألطبعة الاولى
ChurchPOP Editor . The Exact Number of Wounds Suffered by Christ, As Revealed to a  Medieval Saint . March 15, 2018 .
Lee Strobel. The Case for Easter. Zondervan. Michigan USA. 2003


54
أدب / نحنُ من رعاياكَ
« في: 10:35 11/03/2018  »

55
ألكلدان في فكر جبران خليل جبران
د. صباح قيّا
تعود معرفتي بالكاتب والشاعر والرسام والفيلسوف جبران خليل جبران إلى السنة الأولى من مرحلة دراستي الثانوية بعد ان أوعز مدرس اللغة العربية أن يقدم كل طالب  موضوعاً أدبياً مختاراً من أي من الكتب بشرط أن يكون له مغزى حياتي وأبعاد إنسانية . سقط نظري وأنا أبحث في مكتبة المرحوم والدي المتواضعة جداً , علّني أعثر على ضالّتي ’ على كتاب " دمعة وابتسامة " من تأليف جليسي الجديد . وبالفعل اخترت قصة " المجرم " والتي تحكي عن شاب فقير استغاث الملأ بعطف وتوسل كي يسدّ رمٌقه فلم يجد مجيباً , فاختار أن يحصل على ما يرغب بالقوة , وبالفعل تمّ له ما اراد بعد أن ارعب الملوك والامراء جراء شنيعة أفعاله ....
وشاءت الصدف أن أستشهد بمقولة لجبران عند مداخلتي على الموضوع الثقافي الذي قدمه أحد الزملاء الجامعيين في أخوية الشباب الجامعي المسيحي التي كنت أحد أعضائها خلال المرحلة الجامعية  .... زجرني مرشد الاخوية  المطران الراحل ( الأب آنذاك ) موسيس الملقب بقس عنتر بشدة بقوله أنه لا ولن يسمح بالإستشهاد بجبران أو ميخائيل نعيمة كونهما من الهراطقة ضمن قائمة تضم اكثر من  سبعين آديباً  حسب تصنيف الكنيسة الكاثوليكية . بصراحة لم يسبق لي سماع كلمة " هراطقة " ولم أعي معناها في حينه , فزاد غضباً عندما استرسلت ببراءة مدافعاً عن ما ذكرت , ولم يهدأ إلا بعد أن أومأ لي البعض من الحضور بالاعتذار والسكوت .... ما يفرح النفس اليوم انحسار المفاهيم التي أملتها الظروف الكنسية زماناً ما , فأصبح الحوار البناء الهادف وقبول الرأي المقابل هو السائد عند غالبية الرعاة في المؤسسة الكنسية وبالأخص في العالم الغربي الذي أوجد بنفسه تهمة الهرطقة ....
من يطالع ما كَتَبَ جبران وما كُتِبَ عنه يلمس الموسوعة الهائلة  من الثقافة المعرفية التي يتميز بها والتي يشير بدقة واقتدار إلى حيثياتها في الأسطر التي يخطها قلمه الفني الرشيق , سواء ما يتعلق بالأدباء أو الفلاسفة أو الفنانين العظام المعاصرين منهم أو الغابرين  , أو ما يخص الحضارات التي ظهرت منذ بدء الخليقة , أو الأديان باختلافها السماوية منها أو الأرضية أو المصطنعة ....
ورغم إعجابه بمنجزات الحضارات على مر العصور إلا انه لا يخفي شغفه وميله لكل ما هو كلداني وحلمه بالحصول على قطعة اثرية كلدانية .  فما جاء في  رسالته إلى " مي زيادة  " المؤرخة " نيويورك 11 حزيران 1919 " يعزز ما كان يجول في فكره حيث كتب  :               " ولكن في مكتبي هذا أشياء كثيرة أحبها وأحافظ عليها , أنا مولع بالآثار الفنية القديمة , وفي زوايا هذا المكتب مجموعة صغيرة من طرائف الأجيال وبعض نفائسها كتماثيل وألواح مصرية ويونانية ورومانية وزجاج فينيقي وخزف فارسي وكتب قديمة العهد ورسوم إيطالية وإفرنسية وآلات موسيقية تتكلم وهي صامتة . ولا بد من الحصول يوماً ما على تمثال كلداني , من الحجر الأسود . إني أميل بكليتي إلى كل شيء كلداني , فأساطير هذا الشعب وشعره وصلواته وهندسته بل وأصغر أثر أبقاه الدهر من فنونه وصنائعه ينبه في داخلي تذكارات غامضة ويعود بي إلى الماضي الغابر ويجعلني ارى الحاضر من نافذة المستقبل " ....
ويؤكد رغبته تلك في رسالة أخرى إلى " مي زيادة " والمؤرخة " نيويورك 3 تشرين الثاني 1920 " مضيفاً :
" لم أحصل بعد على التمثال الكلداني من الحجر الاسود , ولكن في الربيع الغابر كتب إليّ صديق إنكليزي موجود في العراق مع الحملة البريطانية وقال " إذا وجدت شيئاً فهو لك " .
وعزز جبران  التصاقه بالحضارة الكلدانية البابلية في كتابه : يسوع إبن الإنسان المنشور عام 1928  " حيث قص معجزات المسيح بلسان شخصية بابلية أسماها " ملاخي الفلكي البابلي " , وما نطق به : " في يسوع اجتمعت كل عناصر أجسادنا وأحلامنا طبقا للناموس , وكل ما كان كن قبله سابقاً لأوانه وجد فيه أوانه " .
وقد عالج " د. متري سليم بولس " في  كتابيه " ألغاز جبرانية , وجبران ومي بين الخيال والواقع " مسالة إعتناق جبران نظرية التقمص التي تجعله يؤمن بأنه من أصل كلداني , عاش ستة أعمار أو سبعة في بلاد الكلدان , وهو بذلك عمل على إعلاء شأن الحضارة الكلدانية وجعلها أعرق من حضارة اليونان , فكتب : إن جالب النار الأصلي هو كلداني وليس إغريقياً . وكما قال  جبران لصديقته " ماري هاسكل "  التي أوردتها في مذكراتها  : أنه عاش مرتين في سوريا , لكن لفترة قصيرة , ومرة في إيطاليا إلى سن الخامسة والعشرين , وفي اليونان حتى الثانية والعشرين , وفي مصر حتى الشيخوخة , وعدة مرات ست مرات أو سبعاً ربما في بلاد الكلدان , وواحدة في كل من الهند وفارس .
إنطفات شمعة جبران عام 1931 , ولكن لم تنطفئ شعلته الزرقاء الوهاجة فهي خالدة إلى الأبد .... ولا أعتقد انه استطاع أن يحقق حلمه بالحصول على التمثال الكلداني من الحجر الأسود ...والأمل أن لا يحصل لكلدان اليوم ما حصل لجبران ويضيع الامل بالحصول على الكرسي الرخامي داخل  قبة البرلمان الزرقاء ....


56
ألواقع الكلداني والطموح الآشوري ( ألجزء 4 )
د. صباح قيّا

لماذا الساحة آشورية ؟ وهل هنالك بصيص أمل يعين الكلدان على الخروج من مأزق الإخفاق الإنتخابي المتكرر ؟ ... هذه التساؤلات كانت خاتمة الجزء الثالث من المسلسل أعلاه ,,,, وقبل الخوض في حيثيات الإجابة عليها لا بد من التذكير بأن لعبة الإنتخابات تقرر نتائجها الحيتان الكبيرة , وقد يكون لاصوات أصحاب الشأن دوراً ما ولكن حتماً لن تكون بذلك الثقل الكافي لرجحان هذه الكفة أو تلك ,  وخاصة لو تم الأخذ بنظر الإعتبار الحقيقة التي لا يمكن الإستهانة بها بأن الغالبية العظمى من سكنة المهجر عموماً وكلدانه خصوصاً  لن تجذبهم حمى الإنتخابات لسبب أو آخر , وهذا ما حصل بالفعل خلال الدورة السابقة حيث لم يتجاوز عدد الذين ساهموا بالإدلاء بأصواتهم في المركز الإنتخابي لوندزر – كندا  70 صوتاً من مجموع كافة أطياف الشعب العراقي  , علماً أن عدد العوائل الكلدانية لوحدها  آنذاك  1500 عائلة أو أكثر .... ولكن ربما تحدث معجزة في الدورة الإنتخابية القادمة وتتهافت الجماهير الكلدانية باندفاع وحماس لإختيار قائمة " إئتلاف الكلدان "  المدعومة إعلامياً من قبل " ألرابطة الكلدانية العالمية " , وهذا ما يعوّل عليه جمع من المتفائلين الذين لم تصهرهم , للأسف الشديد , تجارب أحداث الماضي القريب  المرير , والكثير منهم ما زال بتصوره الواهم بأن القشة حصادٌ ....
 وتستوجب الحكمة مناقشة هذه النقطة وغيرها بعقلانية وموضوعية تستندان  إلى الواقع المنظور لا بعاطفة ضبابة لا تبصر حقائق الأمور .
مما لا شك فيه بأن أهم هدف من أهداف الرابطة الكلدانية العالمية هو إيصال كلداني إلى قبة البرلمان ليجلس على أحد كراسيه الوثيرة ’ وقد لا يكون ذلك هو الدافع الاصلي لطرح فكرة تأسيسها ,ولكن يتوهم  من يعتقد بأنه  ليس الآن هو الهدف الأساسي من وجودها  , وهذا ما ترغب به الرئاسة الروحية للكنيسة الكلدانية والمؤيدون لوجهة نظرها بتجرد أو لمنفعة ذاتية . ومن الجدير بالذكر بأن الرئاسة الكنسية لا يروق ولن يروق لها إطلاقاً برلمانياً كلدانياً إن لم يكن من الدائرين في دائرتها أو حولها , أي بصريح العبارة يجب أن يحضى برضائها وله من المقومات الكافية ليقول لها نعم . لذلك تم إسقاط الشيخ الكلداني خلال فترة التسقيطات قبل الإنتخابات السابقة , وأعلن عن استنكار التسمية القطارية كلداني سرياني آشوري  , وأيضاً  ذم البرلماني الكلداني الحالي . وقد يكون الموقف من الذوات أعلاه له مبرراته ً .... ولكن , من وجهة نظري الشخصية , تبقى الكنيسة خيمة محبة على الجميع  بدون تمييز , ومن الضروري أن تمد يدها حتى لمن يختلف معها في الرأي ... إنها كنيسة روحانية ذات رسالة تبشيرية  وليست سلطة دنيوية ذات أحكام حسابية , والأهم أن تبقى بمنأى عن ألاعيب السياسة وخزعبلات السياسيين .
قد يتبادر هذا  السؤال : كم هو مدى الإستجابة لنداء " الرابطة الكلدانية العالمية " لدعم قائمة " إئتلاف الكلدان " ؟ ممكن إستنباط الجواب من بعض الوقائع .... سبق وأن دعت الرابطة للإحتفال بعيد أكيتو  .... ربما استجاب للنداء العشرات او حتى المئات , ولكن هنالك الآلاف ممن احتفل مع زوعا ورفع الأعلام الآشورية في شمال الوطن الحبيب .... ألا يدل ذلك بوضوح أن الساحة ما تزال آشورية ؟ , وأن الرابطة عاجزة عن إيقاظ الحس القومي الكلداني أو حتى لم الشمل الكلداني الذي هو جوهر نظامها الداخلي  ؟ .... وهنالك مسالة مهمة جداً جديرة بالتأمل وهي تكرار دعوة غبطة البطريرك للإنتماء للرابطة الكلدانية العالمية في كل كنيسة حضرها ويحضرها في بلدان الشتات .. لقد قالها في كاليفورنيا , وكررها في وندزر – كندا , وأعادها في فانكوفر –كندا أيضاً . هل استفسر غبطته من المسؤولين عن فروع الرابطة المذكورة عن مدى تأثير دعوته تلك  ؟ أؤكد لغبطته بلا تردد بأن الإستجابة كانت بدون مبالغة صفر أو قريبة من الصفر . لا أعلم إن كان هنالك أي مبرر لأن يضع غبطته نفسه في مثل هذا الموقف المحرج ؟ ..
 ألمعروف والمتفق عليه بأن " المتابعة " هي أحدى ميزات القيادة أو الإدارة الجيدة والناجحة , فهل تابع غبطته تنفيذ تعليماته بهذا الخصوص ليقف بنفسه على مدى حرص الرعية واهتمامهم بتوجيهاته  ؟ نعم على الأغلب تابعها ’ لذلك لم يتطرق إعلام البطريركية إلى موقف الرابطة ودعمها لقائمة " إئتلاف الكدان " . قد يكون ذلك  أحد الاسباب , ولكن هنالك أمور جوهرية أخرى لا بد من الإشارة إليها ....  ما لمسته من خلال ملاحظاتي الشخصية بأن غبطته يتعاطف مع " زوعا " , ولا أحبذ أن اذكر بأنه حر في اختياره وهذا رايه الشخصي , حيث سبق وأن أشرت أعلاه بأن الكنيسة ممثلة برعاتها , هي وهم , خيمة محبة على الجميع بدون تمييز ... إلخ .. من المدلولات التي تؤكد صحة ذلك هو رفعه الإصبع البنفسجي مع قيادة زوعا , وقد تكون صدفة عفوية أو دعوة مقصودة لإنتخاب ممثلي " زوعا " ... كل ما استطيع قوله بأني آمنت بالرب دون أن أراه والبقية للقارئ الكريم ....
ومدلول آخر ما جاء على لسان غبطته في قداسه خلال زيارته كاليفورنيا بأن كافة الأحزاب  تعمل حسب أجندة خارجية باستثناء " زوعا" . قد يكون الكلام صحيحاً , ولكن هل من الضروري التلميح بذلك أمام أو على مسمع جمهور من رواد النهضة الكلدانية وفي أقوى موقع من مواقعها ؟ .. ألا يعتبر ذلك استفزازاً وتحديا لمن كان له موقفاً مغايراً منه  في فترة ما ؟ , أو أن الهدف جس النبض للوقوف على ردود الفعل من إعلانه عن ذلك ومن ثم المواصلة أو غض النظر عن نيته التعاون مع " زوعا : لضم واحد أو اكثر من المنتمين للرابطة إلى قائمتها  ؟ لقد كانت معظم ردود الفعل في مواقع التواصل الإجتماعي ممتعضة وبعنف أحياناً , مما حدى بغبطته ان يعيد افضلية زوعا في وندزر - كندا ولكن بإسلوب آخر وهو كون التنظيمات الآشورية صعدت على أكتاف الكلدان الذين ساهموا في تأسيسها , ولم يتوانى غبطته عن الإفصاح عن طموحه في تاسيس جناح سياسي للرابطة وإذا تعذر ذلك مرحلياً فالبديل  التعاون مع  أحدى التنظيمات السياسية كي يصعد كلداني للبرلمان .... أعلمني أحد معارفي , والعهدة عليه , بأن هنالك من الإكليروس من قال لغبطته ما معناه " أن غبطته  يهمش بقية التنظيمات الكلدانية المتواجدة في الساحة منذ زمن طويل وذلك من خلال دعمه المتواصل للرابطة فقط "  .... ويقال بأن غبطته أبدى  امتعاضاً من الخلافات الدائرة بين الفروع الثلاث للرابطة  : فرع وندزر وفرع كندا  وفرع مشيغن , وأيضاً أفصح  عن قلقه من فشل الرابطة في المستقبل القريب  .... إن كان ما قيل لي صحيحاً , وأغلب الظن هو كذلك ,  فإني اعيد ما سبق أن نوهت عنه بأنه " قد يأتي اليوم الذي يندم فيه غبطة البطريرك على  طرحه فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية العالمية "  . كما أكرر دعوتي للإستعاضة عن الرابطة العالمية بالرابطة الوطنية .
كم تمنيت سماع غبطته يشجع أبناء رعيته في المهجر على الإنضمام ضمن  الأحزاب المتواجدة في دول الشتات والمشاركة في الإنتخابات وفي كافة الفعاليات التي تساهم بطريقة أو أخرى في إعلاء شأن الكلدان خصوصاً وكافة أطياف الشعب العراقي عموماً ... نعم أنا عراقي الأصل ولكني حالياً أجنبي الجنسية وما أحلم به أن تصل فلذات أكبادنا هنا إلى اعلى المناصب ويكون لها الدور الإيجابي الفعال في صنع القرار . وحتى مشاركتي في الإنتخابات الوطنية  ستوجه حصراً  لصالح مرشح معذب من داخل العراق ولن تكون لصالح متنعم من بلاد المهجر .
تذكرت وأنا استمع إلى غبطته يعلن بصراحة أن " زوعا " هو التنظيم الوحيد الذي يعمل باستقلالية ولا يخدم أجندة خارجية . نعم تذكرت المقابلة التلفزيونية الذي قدمها الإعلامي الرياضي مؤيد البدري مستضيفاً اللاعب هشام عطا عجاج والمدرب المبدع عمو بابا  بعد فوز العراق بكأس العرب لكرة القدم عام  1966 . وجه الاستاذ مؤيد سؤاله إلى اللاعب هشام : من هو افضل لاعب خلال البطولة ؟ أجاب على الفور وبثقة أنه اللاعب والصديق قاسم محمود ( زوية ) , وقد كان الإثنان ضابطين صديقين في القوة الجوية العراقية . أما ما قاله المرحوم  عمو بابا مجيباً على نفس السؤال بأنه لا يوجد من هو أحسن لاعب وإنما الفريق العراقي كمجموعة والذي حقق الفوز بالبطولة يمثل أفضل لاعب . ألم يكن أكثر واقعية لو تفضل غبطته معلناً بأن كل من في البرلمان يعمل لمصلحته ولذاته وأن البرلمان كمجموعة هو اللاعب الأسوأ , وأن الحاجة ملحة لتطعيم البرلمان بعناصر مخلصة تعمل من أجل الشعب والوطن وليس المهم أن تكون كلدانية بل لتكن ما تكن .
سؤالي الذي يحتاج إلى جواب واضح : هل إئتلاف الكلدان لا يعمل حسب أجندة وهل هو غير مشمول بتعميم غبطته  ؟ ممكن أن ياتي الجواب نعم كونه إئتلاف حالياً وليس أحزاب تابعة ’ لذلك تم دعمه من الرابطة , وسوف تكشف الأيام القادمة موقف الرئاسة الكنسية منه , وعلى الأكثر سيحضى بصلاتها وتبريكاتها لقناعتي بأن الرابطة لا تستطيع أن تخطو أية خطوة من هذا القبيل من دون ضوء الكنيسة الأخضر ... وحسب معلوماتي بأن السينودس الأخير أعلن عن تشكيل "المجلس الكلداني " ليضم كافة أو معظم التنظيمات الكلدانية والذي من الممكن أن يكون له ثقلاً متميزاً في الإنتخابات البرلمانية المنتظرة  , ولكن لم يرَ النور وبقي الحبر على الورق  , وقد يكون السبب أن أصل فكرته من مصدر معارض سابقاً وإقرار تشكيله مجرد مجاملة , لذلك مات في مهده وبدون متابعة كالعادة .
من المؤلم أن تزج الكنيسة نفسها  بين أمواج السياسة المتلاطمة وألاعيبها التي لا ترحم والتي هي ليست من واجباتها على الإطلاق . إن كانت الحجة هي الفراغ الكلداني الموجود على الساحة حالياً فهذه حجة واهية وبمثابة سيف ذي حدين ... قد تفخر الكنيسة بالفوز المشروط للكلداني  كما اسلفت عنه  , ولكن هنالك إحتمالات الفشل وعندها تضع الكنيسة نفسها في موضع لا تحسد عليه وهي في غنى عنه . لقد أوجدت الكنيسة بتدخلها العاطفي في الشأن الكلداني واقعاً أليماً آخر ’ حيث أن أي إخفاق كلداني بسببها سيكون سقوطها هي  بالضربة القاضية  , وسيسقط من آزرها في مسعاها السياسي أيضاً  ...
 ألحيتان الكبيرة في الشمال ستدعم تنظيمها , وفي المركز هنالك من الحيتان الكبيرة من ستدعم حليفها المعتاد , وفي كلتا الحالتين لن يحضى القوميون من الكلدان  بمكسب ,  وقد يدعم البعض من تلك  الحيتان  من احتشد معها , وفي هذه الحالة سيكسب الكلدان ولكن بالنسبة للكنيسة والرابطة ليس على المرام .
ويتبادر السؤال من الذي قد يدعم  " إئتلاف الكلدان " من جهة ويساهم في نمو الحس القومي الكلداني من جهة أخرى  ؟ ........ يتبع

رابط الجزء3   
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,862844.0.html
رابط الجزء 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,860460.msg7556426.html#msg7556426
رابط الجزء 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,859422.msg7554659
.html#msg7554659




57
ألواقع الكلداني والطموح الآشوري ( ألجزء 3 )
د. صباح قيّا
أين يقف الواقع الكلداني الذي هجر أرض الكلدان في أور وبابل حيث أصله ومنبعه إزاء الطموح الآشوري في إعادة مجد آشور في أرض لا يزال يسكنها من يؤمن بأنها الإمتداد التاريخي لكنيته ؟ . يتضح من هذا السؤال في شقه الثاني  بأن للإخوة الآشوريين حلم واضح في تأسيس كيان ما  في البقعة التي كانت زماناً مقراً  للإمبراطورية التي حملت إسمهم , يؤازرهم في تحقيق ذلك الحلم  عدد ,  لا يمكن الإستهانة به ,  من الكلدان والسريان وربما ملل أخرى ممن  تمتلك القناعة التامة بأنها آشورية القومية . ويقابل ذلك مجموعة واسعة من الكلدان وغير الكلدان المتمسكة  بانتمائها التسموي والملتصقة بالتراب الذي ترعرعرت عليه وما تزال  وترقد تحته أجساد آبائها عبر أجيال غير محددة , وهي ,  بصريح العبارة ’  تتوجس من المد الآشوري المتغلغل في بنيانها والآخذ بالتوسع بطريقة أو أخرى ....
تساؤلي الآن : ماذا يستوجب على الكلدان  ( وأرجو المعذرة من القارئ الكريم لتركيزي على الكلدان كي يظل المضمون ضمن عنوان المقال  ) عمله في خضم الواقع الذي يتطلب جهداً جاداً لتغييره ودفعه بالإتجاه الصائب كي يحقق نوع من التوازن على أقل تقدير أمام الطموح الذي لا يكلّ ولا يملّ ؟ ... هنالك أكثر من خيار وللكلدان حرية الإختيار والبدء بتسخير كل الإمكانات المتاحة بتجرد بغية  تحقيق الهدف من  تلك الخيارات  التي قد تقترب من الواقع في أحداها وقد تتباعد في الأخرى , ورغم ذلك فإن جميعها تصب في النهر الذي تتشوق كافة القوارب الكلدانية باختلاف أحجامها وتنوع  تصاميمها  للوصول إليه والإرتواء من عذوبة مائه . ولا بد أن يتذكر الكلدان بأن القوارب لا يمكن أن تترك للسير كيفما اتفق , بل لا بد وأن تقودها عناصر متمرسة وجريئة تمتلك المهارة اللازمة لتحاشي المنعطفات الضيقة وتتجاوز الأمواج المتلاطمة كي تصل بها بسلام إلى الحيز المناسب من الشاطئ ....
واحد من  الخيارات الذي يطرح نفسه على الساحة هو المشاركة التنافسية في الإنتخابات البرلمانية المقبلة . لا بد من الإعتراف بفشل التنظيمات الكلدانية  في التجارب الإنتخابية السابقة واكتساح التنظيمات الآشورية لمبنى البرلمان وإشغالها  معظم , بل عملياً ,  جميع مقاعد الكوتا المسيحية . حدث ذلك بالرغم من التفوق العددي الكلداني الواضح . لكن , والحقيقة يجب أن تقال , بأن هذا التفوق العددي أثبت عقمه أمام عمق المشاعر القومية عند الآشوريين خصوصاً مدعوماً بالزخم الإيماني بتلك المشاعر عند الكثير من المسيحيين التابعين لكنائس أخرى عموماً . ولم تستطع المؤتمرات النهضوية وحماس أغلبية المساهمين فيها من إيقاظ الحس القومي الكداني لا في الوطن الغالي ولا في بلاد الشتات .  وما يحز في النفس  بأن أصوات الكلدان تراجعت في الإنتخابات الماضية مقارنة بما حصل عليه مرشحو القوائم الآشورية حتى  في أكبر معقلين للكدان وهما كاليفورنيا ومشيكن والتي احتضنت كل منهما مؤتمراً نهضوياً عوّل المؤتمرون الكلدان عليه كثيراً , وقد ثبت أن ذلك التفاؤل والأمل مجرد كلمات تنظيرية منمقة كتبت على ورق صقيل جذاب تناثر بفترة وجيزة جداً من فض الإجتماع بعد أن لعبت غريزة " الأنا " عند البعض من المشاركين الذين أدوا قسم الولاء والوفاء  دورها الفاشل في كسب مقعد البرلمان الوثير ....
 لا بد من التركيز على هذه النقطة بالذات ودراستها ببصيرة متفتحة لا بعواطف ضبابية . ولا بد أن نعي , نحن الكلدان , بأن الأغلبية الآشورية تساهم بالإدلاء بصوتها لهذا المرشح أو ذاك ضمن القوائم المعلنة إنطلاقاً من الشعور بالمسؤولية التاريخية كنسياً و قومياً , وهي  تواقة لمشاهدة العلم الآشوري يرفع على  الأرض التي تختزن جذورها , وعلى العكس من كلداننا الذين يفتقرون إلى القناعة الجماعية  بكلدانية قوميتهم من جهة وبشخوص المرشحين من جهة أخرى , وهم بصراحة بين " حانة ومانة  " . ألكلدان الرابضون في البلد الجريح بانتظار  فرصة اللحاق بمن سبقهم إلى الأوطان الجديدة , وحتماً سيحصل ذلك عاجلاً أم آجلاً ,  وقد يدلي البعض منهم بصوته في الإنتخابات لصالح المرشح الذي يربطه معه الولاء المشترك , أما المستقلون منهم , وهم الأكثرية  , والتي  تفضل الجلوس في الدار أو هنالك من يصوت منها  لهذا أو ذاك بدافع العرف والخاطرانة .... كلدان المهجر عموماً لن تجذبهم حمى المنافسات الإنتخابية باستثناء المنتمين أو المتعاطفين مع التنظيمات المتنافسة والذين لا يمثلون غير قلة محدودة من مجموع الكلدان المنتشرين بكثافة هنا وهنالك . ألسواد الأعظم من كلدان المهجر تهمهم المصالح الإقتصادية والمشاغل الحياتية الأخرى , والعديد منهم لا يود العودة إلى ماضٍ لا يتذكر منه غبر الألم وهو غير آبه بأي من المرشحين بل تساوره الشكوك إزاء الجميع . ومما تجدر الإشارة إليه بأن الموقف السلبي هذا قد انعكس على سلوك الغالبية العظمى من الكلدان  في الغربة مما أدى إلى عزوفها  عن المشاركة في أية انتخابات حتى لو كان  المرشح من بني جلدتها , وهذ خسارة لا تقدر بثمن , وسوف تدفع الأجيال ثمناً باهضاً إن لم تتغير العقلية اللامبالية في المستقبل ....
 ما ممكن استنباطه من القول أعلاه بأن  الإخوة الآشوريون يمتلكون الحماس الجاد لدفع ممثليهم إلى الأمام إيماناً منهم بقضية مصيرية مشتركة , ويفتقر الواقع الكلداني إلى مثل هذا الحماس لتعدد روابط انتمائه من جهة وافتقاده لحد الإن إلى قضية مشتركة متفق عليها من جهة أخرى .    أقولها بصراحة وباستقلالية تامة بأن الساحة الإنتخابية آشورية بامتياز , وأتجنب القول واستخدام كلمة " كانت " , لأن الدلائل تشير أنها ما تزال آشورية ...
 لماذا الساحة آشورية ؟ وهل هنالك بصيص من نور يعين  الكلدان على إلعثور على  مخرج  لهذا المأزق الإنتخابي ؟ .......  يتبع
رابط الجزئين 1 و 2
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,859422.msg7554659.html#msg7554659
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,860460.msg7556426.html#msg7556426

58
ألواقع الكلداني والطموح الآشوري ( ألجزء 2 )
د. صباح قيّا
مما لا شك فيه ان " الكيان "  له أهمية فاعلة وجوهرية في تعزيز اللغة ودعم الإنتماء . فبالرغم من اعتراف سلطات الإنتداب البريطاني باللغة العبرية كلغة رسمية ليهود فلسطين قبل الإعلان عن قيام الدولة العبرية بربع قرن من الزمان , إلا أنها تعززت وأخذت بالإنتشار بين يهود الشتات الذين أيقظهم تحقيق الحلم التاريخي فتهافتوا على تعليمها بنهم وحماس . كما أن ولادة الدولة الإسرائيلية كحقيقة واقعة ألهب عندهم مشاعر الإنتماء إليها روحياً وفكرياً ونفسياً واجتماعياً ودينياً بغض النظر عن جنسية بلدانهم التي ترعرعوا فيها , وما زال الكثير منهم يحلم بل يخطط للإستقرار في الأرض التي وعد الله أنبياءهم بها .....
 لا يمكن لأي مراقب منصف أن ينكر الحماس والأمل الذي دب عند الإخوة الآشوريين خصوصاً وعند من آمن بالطموح الآشوري من المسيحيين عموماً بعد الإجتياح الأجنبي للبلد الغالي بحيث امتدت التسمية " الآشورية " وتوسعت بسرعة خاطفة  واختفت التسمية " الآثورية " التي كانت متداولة قبل تاريخ الإجتياح بعد أن حلّت " الآشورية " كبديل ثابت لها في كل مكان ... وبدأ الهمس بصوت خافت أحياناً وعالٍ أحياناً أخرى عن العمل من أجل خلق" كيان " يحمل إسم " آشور " في الموقع الذي كان زماناً عاصمة للإمبراطورية الآشورية  أو حوله حيث تسكن أعداد لاباس بها من  المسيحيين العراقيين بمختلف المذاهب والقوميات ...
لا بد أن اذكر ما أثار دهشتي وأنا أتابع التلفزيون العراقي في بغداد ينقل آنياً وصول أعضاء " إدارة الحكم المحلي " إلى العاصمة حيث أعلن المذيع عن وصول ممثل الآشوريين مشيراً إلى " يونادم كنا " الذي عقب  مصححاً بكلمة " كلدو آشور " .... بصراحة , تساءلت مع نفسي لماذا " كلدو آشور " ؟ إلى أن أيقنت بعدها أن الحركة الآشورية تضم كلداناً وسرياناً وليست مقتصرة على بني آشور فقط .... وحسب رأيي أن الحركة أثارت حفيظة الكثيرين من الكلدان بإصرارها على الإنتماء القومي  الآشوري للكلدان بتبريرات قد تكون مقنعة للبعض ولكن ليست بالضرورة أن تحضى بقتاعة الجميع  بها . وما زاد في الطين بلة ظهور ما يسمى " المجلس الشعبي الكداني الآشوري السرياني " الذي حاول تكريس سياسة الإحتواء للكدان تحت قيادة الشلة الآشورية التابعة لحزب البارزاني  , والذي رفضته أيضاً المجموعات الكلدانية الملتزمة مما أدى إلى بروز النهضة الكلدانية وتأسيس الأحزاب الكلدانية والدخول في حرب التسميات المقرفة ....
وباختصار من الممكن القول أن الطموح الآشوري المتمثل بالحركة الديمقراطية الآشورية " زوعا " استطاع أن يكسب أعدادً كبيرة من الحالمين بإعادة مجد آشور عن قناعة وإيمان  ومن بينهم الكلدان  ’ ولا بأس للإنسان أن يحلم , فقد يتحقق الحلم ويصبح حقيقة واقعة ,  والكتاب المقدس  يحدثنا عن العديد من الاحلام التي تحققت حسب تفسير وتحليل أنبياء ذلك الزمان , ونكران امكانية ذلك معناه نكران ما جاء بوحي من الروح القدس , ولا أعتقد أن الكل مستعد لوضع نفسه في مثل هذا الإشكال  .... أما المجلس الشعبي فلا يتعدى كونه آداة بيد الأخوة الأكراد يمتثل بأوامرهم ويعمل حسب أحندتهم , ولن يلعب دوراً ملموساً في السعي لتحقيق الطموح  الآشوري بل على العكس , فقد يقف بالضد من ذلك الإتجاه القومي . ربما استطاع أن يكسب الكثيرين في بداية تأسيسه إلا أن شعبيته أخذت بالإنحسار بعد أن تبينت حقيقة ارتباطاته , ولن يكتب له النجاح والتقدم على المدى البعيد سواء بقي مجلساً أو صار حزباً كونه يستند إلى توفر الدعم الشخصي المادي السخي لديمومته ... لذلك هو خارج دائرة الطموح الآشوري وغير مشمول به في مقالي هذا .
يتبادر الآن السؤال التالي : أين يقف واقع الكلدان إزاء الطموح الآشوري الذي يتميز كما ذكرت سابقاً بالتشبث للحفاظ على اللغة التي يتكلمها كافة الآشوريين ,  وأيضاً بوحدة الإنتماء القومي ببعده التاريخي الواضح والمعروف , بالإضافة إلى مشاعر الإرتباط بالأرض التي كانت يوماً ما عاصمة لأعتى امبراطورية في التاريخ القديم , ولا تزال اليوم تحوي مجوعة كبيرة من المسيحيين المؤمنين بأحقيتهم بها والساعين لإعادة مجدها .... فأرض نينوى هي أرض آشورية , أي أنها مؤهلة أن تعيد أمجادها ما دام أهلها فيها ... بصراحة أن الكلدان , للأسف الشديد , لن تروق لهم إقامة كيان آشوري في بقعة هم أنفسهم ساكنيها منذ القدم , وقناعتهم أن الآشوريين انقرضوا مع اندحار امبراطوريتهم .... طيب .. هل من المعقول تأسيس كيان يحمل الإسم الكلداني في أرض آشورية تاريخياً وهنالك من يدعي أنها تعود إليه أصلاً وهو من بقاياها ؟ ألجواب بالنسبة لي كلا , وإلا ينطبق عليّ المثل " لو آني ألعب أو أخرب الملعب " ... حيث أن نينوى أرض آشورية ولا جدال في ذلك , ولا يليق بها غير أن تعيد لها إسمها العتيد وما ترمز لها آثارها ..  أما أنا ككلداني فأرضي هي بابل حيث أصلي وفصلي ومنبعي , وما عليّ إلا السعي لإعادة مجدها , ولكن كيف ؟؟....... يتبع

رابط الجزء 1
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,859422.0.html

59
إهداء إلى غبطة البطريرك بمناسبة زيارته مدينة ونزر-كندا
د. صباح قيّا
وأنا أستمع بامعان موعظة غبطة البطريرك لويس ساكو مساء الأحد 26 تشرين الثاني 2017 في كنيسة العائلة المقدسة في ونزر – كندا , تذكرت أستاذي المرحوم الدكتور والجراح النطاسي المعروف خالد ناجي . كنت ومع مجموعة من الزملاء في حوارٍ طبي إداري معه وذلك قبل دخول الحلفاء أرض الوطن الجريح بمدة قصيرة . دهشت من قوله والذي كرره أكثر من مرة بلهجة غلب عليها طابع الثقة والإصرار بأن المستقبل باهر , وما قاله بالحرف الواحد : The future is bright
سألت نفسي ذلك الحين لماذا يبشرنا بالمستقبل الباهر وواقع الحال وكل المؤشرات خلاف ذلك وعلى ماذا استند في نظرته التفاؤلية وهو الرجل العلمي المعروف بآرائه المستقلة وسلوكه المميز  . لقد كان الجواب واضحاً حيث كان ذلك الوقت من المقربين للسلطة وبالذات لشخص الرئيس نفسه ومن ضمن المعتمدين عليهم جداً  في التخطيط والتعليم الطبي ... إذن لكل شيْ ثمن ... ولم تمضِ سوى بضعة أشهر فإذا بذلك المستقبل الباهر الذي وعدنا به ينقلب إلى مستقبل خاسر على كل الأصعدة .
لست بصدد مناقشة ما جاء في موعظة غبطته فهنالك العديد من النقاط التي وردت على لسانه وتستوجب حقاً إبداء الرأي الصريح . وسأكتفي الآن فقط بالتعليق على قوله ما معناه  أن الوطن مقبل على مستقبل مشرق . ولا أعلم عن أية إشراقة يتكلم غبطته ومن أية جهة سوف تأتي , وما هي المؤشرات المنظورة وغير المنظورة إن صح التعبير للدلالة على قرب حصول الغد المشرق . 
كنت أتمنى من غبطته  أن يشجع الحضور  على الإندماج مع فعاليات وطنهم الجديد وبالانضمام إلى مؤسساته المختلفة وخاصة السياسية منها وأن يشتركوا في الإنتخابات كمرشحين وكناخبين لكي يكون لهم الدور الرائد في إعلان الشأن الكلداني خصوصا والمسيحي عموماً .... ولكن الظاهر بأن عزف السلطة الروحية القادمة من هناك  لا يتماشى مع واقع الرعية وطموحاتها في المهجر وربما لا تزال تحلم بعودة المهاجرين من نعيم المهجر إلى عذاب البلد الذي يئن من أوجاعه ,  والله أعلم متى يتعافى ويتماثل للشفاء ؟؟؟ ....
ألهمني قول غبطته مشكوراً فكانت لي هذه الابيات الشعرية .....
 أيّها القادمُ من بلادٍ عشتُ فيها               زماناً ونفسي تحنُّ لهْفاً إليها
كيفَ الديارُ وكيفَ حالُ الصابرينَ           وهل قبورُ الوالديْنِ الدمعُ يسقيها
أراكَ توعِدُ عن إشراقةٍ في غدٍ              لشمسٍ ضياؤها الآنَ لا كماضيها
فكيفَ للإشعاعِ أنْ يوقدَ نورُهُ               عقولاً يدعو للقتلِ كتابُ نبيها
فهل تنسى قروناً مشتْ للشهادةِ            مواكبٌ منَ الأبرارِ خلفَ راعيها
وحتى الّذي شاءَ حياتًهُ صاغراً             عاشها ذميّاً وبالجزيةِ شاريها
ومنْ اسلمَ بينهم ظلَّ طريقَهُ                  ومنْ عزفتْ نفسُهُ فالسيفُ يُرديها
وماذا عن كنائسٍ غدتْ خرائباً              ومقاعدُ الأخرى تشكو هجرَ أهليها
هوَ التاريخُ وما فيه منَ المِحَنِ              حتى الجبالُ منْ شدّةِ الهولِ تبكيها
غزوٌ ودمارٌ واغتصابٌ وتشريدُ             ومنْ حمى الصلبانَ بالأكفانِ يطويها
راياتٌ تدوسُ الخرافَ بلا رحمةٍ            وبِاسمِ اللهُ أكبرْ للموتِ ترميها
فكيفَ ترتجي أملاً من حكومةٍ               دستورُها ديانةٌ بالدمِ ساعيها
ولو خُليتْ قُلِبتْ قالها "عليٌ "            واليوم في وطني سافلُها عاليها


60
ألواقع الكلداني والطموح الآشوري ( ألجزء 1 )
د. صباح قيّا
أعود بالأحداث إلى سبعينات القرن الماضي وأتذكر لقائي  خلال تجوالي في شارع " أبو نؤاس "  بأحد أقربائي من حملة الأفكار اليسارية الذي كانت تربطه علاقة عاطفية مع فتاة آثورية ’ حيث بادرني مستفسراً إن كنت قد سمعت عن تنظيم آثوري يهدف إلى إعادة مجد آشور ... أجبته حينها بالنفي ... وربما في نفس تلك الفترة ,  إن لم تخونني الذاكرة  ,  أخبرتني إحدى قريباتي تدرس في " جامعة السليمانية " عن قيام عدد من  الطلبة الآثوريين من نفس الجامعة بالإتصال بها وبزميلاتها من الكلدان للترويج للفكر والأمل  الآشوري ....  وما يستدل من الخبرين بأن بعض الأخوة الآثوريين  بدأ العمل الفعلي منذ ذلك الوقت لتمهيد الطريق بغية تحقيق الطموح القومي وتأسيس كيان يحمل الإسم والعلم الآشوري , والذي بدوره أدى إلى بزوغ الحركة الديمقراطية الآشورية المسماة " زوعا " عام 1979 .
أثار دهشتي واستغرابي قيام أحد أصدقائي من أصول آثورية , والذي هو أيضاً زميلي في المهنة الطبية والعسكرية بانسحابه الفجائي من كافة اللجان التي يحسده على موقعه فيها الكثيرون , ووجدت حججه آنذاك لقراره هذا غير مقنعة . حصل ذلك في النصف الثاني  من ثمانينات القرن الماضي , وقد سرت أيضاً  إشاعة بأنه سيحال على التقاعد . بصراحة , لم أجد تفسيراً لذلك في حينه , ولكني اليوم أستطيع أن أبرر موقفه الغريب بتزامنه مع شهداء قيادة الحركة الآشورية عام 1985 , وربما أراد أن يبعد نفسه عن الأضواء في ظل سلطة قد تحرق الأخضر مع اليابس إن تطلب الأمر . 
كما أتذكر في مرحلة دراستي الأعدادية في كركوك , دخول أحد الموظفين إلى الصف يسأل الطلبة عن قوميتهم . من هو عربي بينكم ؟ ينهض العرب وبينهم الصابئة وبعض الكلدان .... من هو كردي ؟ ينهض الأكراد ومعهم عدد من الكلدان أيضاً .... من هو تركماني ؟ ينهض التركمان ومعهم كافة كلدان منطقة القلعة والذين يطلق عليهم جوراً " كاور " أي " مشرك " .... من هو آثوري ؟ ينهض كافة الآثوريين بلا استثناء , وكذا الأرمن عند سؤاله من هو أرمني ؟ ... ولم يبقَ غير عدد محدود من الكلدان الذي يصر على كلدانيته .... والجدير بالذكر , أن كافة الكلدان أعلاه بغض النظر عن انتمائهم القومي الطوعي أو القسري  هم من رواد الكنيسة الكلدانية . حصل ذلك في الماضي من الزمان , ولو قدّر أن يتكرر المشهد اليوم , لنهض عدد غير قليل من الكلدان مع الآشوريين عند السؤال : من هو آشوري ؟ .
ما هو المغزى مما جاء آنفاً ؟ سآتي على ذلك في سياق المقال . وسأستخدم كلمة " آشوري " للدلالة على الآثوريين ,  وليس المهم كون التسمية مكتسبة أو حديثة وما شاكل , وإنما مقبولة  كحقيقة واقعة وعلى الإنسان العلمي التعامل مع الحقائق والظواهر  السائدة.
مما لا شك فيه أن الإضطهاد قد طال الآشوريين  لسبب أو آخر ولأكثر من مرة عبر التاريخ الحديث , ولم يتعرض الكلدان إلى إضطهاد عرقي كما تعرض له الآشوريون , وإنما حصلت حملات الإبادة وحلت عليهم المظالم كجزء مما كان يقاسي منه المسيحيون عموماً عبر الأزمنة المتعاقبة . ويسجل التاريخ الحديث بأحرف من نور ما لاقاه العديد من الكلدان من تعذيب وتشريد  وقتل ودمار دفاعاً عن المبادئ التي آمنوا بها ضمن الأحزاب الوطنية والقومية  المنتمين إليها والتي تستهدف بجوهرها إسعاد  المجتمع العراقي بكافة أطيافه وخير الوطن  من أقصى الشمال إلى أبعد نقطة في الجنوب . ومن الممكن القول باختصار أن ما أصاب الآشوريين نتج كتحصيل حاصل للحس القومي والنزعة الإستقلالية عندهم , وما حدث للكلدان نتج كتحصيل حاصل للمشاعر الوطنية الشمولية عندهم وبأنهم جزء لا يتجزأ من الوطن الكبير الذي ساهموا في بنائه ورفد تقدمه منذ تاسيسه ولحد اليوم ... وهذا يعني تحلّي الآشوريين بالنزعة القومية  والتمسك فيها على أمل إعادة المجد الآشوري القديم , وتشبث الكلدان بالنزعة الوطنية التي تعكس كونهم من أهل البلاد الأصليين وأن كنيستهم هي كنيسة بابل على الكلدان والعالم .... ويدل السلوك الآشوري بأن الآشوريين مجموعة متجانسة في الفكر والطموح ولهم لغة مشتركة ولكن تجمعهم أكثر من كنيسة واحدة للأسف الشديد , أما السلوك الكلداني فيدل على كون الكلدان مجموعة متباينة في الفكر والطموح وتتكلم لغات متعددة وتجمعهم من حسن الحظ  كنيسة واحدة في الوقت الحاضر .  إذن الآشوريون هم قوميون سابقاً وحاضراً أي أن قومبتهم آشورية فقط   , أما الكلدان فهم كنسيون سابقاً وأيضاً حالياً إلى حد ما ومن غير الواضح  هم قوميون حاضراً أي أن قوميتهم هي حقاً كلدانية فقط .
يتوهم من يقلل من أهمية اللغة في التكامل القومي . لقد حافظ الآشوريون وما زالوا يحاولون الحفاظ على لغتهم بالرغم من تيار الذوبان النابع من المهجر ’ أما الكلدان , فأقولها بكل صراحة بأن الكثير منهم وخاصة من ترعرع في المدن الكبرى أو المهجر  يسخر من لغة آبائه ناهيك عن الذي يعتبر نفسه عربياً أو كردياً أو تركمانياً , أما الذي ما زال منهم يعتز بلغته فهو الذي لم يقطع الإرتباط بجذوره المناطقية الكلدانية أو من الذين يدعي نفسه آشوري القومية ... تحضرني الآن محاورة مع إحدى السيدات من أصول تلكيفية , مع جلّ احترامي وتقديري للإخوة التلاكفة الملتزمين ,  خلال حفلة زفاف حيث استهزأت بلغة السورث وادعت أنها عربية ولا تعترف بالقومية الكلدانية ولا تستسيغ لغتها المنقرضة حسب تعبيرها .  وليست هذه هي المرة الأولى التي أسمع أو أقرأ مثل هذا الإستفزاز حيث سبق وأن طرق سمعي مراراً وقرأته تكراراً , وللأسف الشديد يصدر أحياناً ممن يحسب ذاته كلداني القومية .... جوابي لمن يشكك بحيوية لغته ويزدريها بأن اللغة العبرية لم تكن يوما لغة الأم ولم تكن سوى لغة محدودة التداول لألفين عام مضت , وكانت في طريقها للإنقراض لولا تمسك رجال الدين اليهود بها واستمرارهم بممارسة الطقوس الدينية باللغة العبرية لا غيرها .... ومن ثم تمت هندسة إحيائها كلغة محكية  في القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1881 ببراعة المهاجر من لتوانيا إلى أورشليم المدعو "أليعازر بن يهودا " والمتوفي سنة 1922 أي قبل إعلان ولادة الدولة العبرية بربع قرن . ومن الجدير بالذكر بأن سلطات الإنتداب البريطاني اعترفت بالعبرية كلغة يهود فلسطين عام 1922 أيضاً . إذن من الممكن إحياء اللغة الكلدانية إذا كان هنالك من يؤمن يكلدانيته بصدق ونقاء , ويقع الدور الأول والاساسي على رعاة الكنيسة الكلدانية بالإستمرار في ممارسة الطقوس الكنسية بها من جهة وبنشر تعليمها بطريقة أو أخرى من جهة أخرى  , ويبقى الدور التكميلي لأبناء الرعية . ولا يختلف إثنان بأن الطقس الكلداني بلغته الأصلية من أرقّ وأجمل الطقوس ويتمتع بلحنه حتى الذي لا يفهم لغته ..... حضرت قبل بضعة أشهر حفل زفاف يهودي في الكنيست . بدأت وانتهت مراسيم " البراخ "  الطويلة نوعاً ما باللغة العبرية , وقد علمت من العروس بأن العديد من الحضور اليهود لا يتقن العبرية  ورغم ذلك تتم الطقوس بأنواعها باللغة العبرية ,,,, فهل سيتعلم الكلدان من الدرس العبري ؟ ومتى يولد مهندس إحياء اللغة الكلدانية ؟  .... يتبع ....
 

61
أدب / شقاقٌ باسم المسيح
« في: 19:43 09/11/2017  »

شقاقٌ باسم المسيح
د. صباح قيّا
شقاقٌ يليه شقاقٌ وماذا بعَدْ                  كُلٌّ بإسمِ المسيحِ عن الحقِِ شرَدْ
ندعوا لوحدةٍ هيَ نَسْجُ خيالِنا                وواقعُ ماضينا على الفِرقةِ شهَدْ
فكمْ مِنَ الإنجيلِ استباحتْ أتباعَهُ          آياتٌ عليها القاتلُ اقتدى واعتمَدْ 
فكيفَ للمرءِ أنْ يظَلَّ إيمانُه                  وركنُ المحبةِ غاب روحاً وجسَدْ
وإلى متى الصبرُ سيبقى أسيرَنا            وبعضُ رعاتنا على بعضِهم حقَدْ
لسانُهم وعظٌ ما أحلى منابعُه                بشارةٌ لمنْ أوحى بها الكلُّ شهَدْ
وا أسَفاً لقلوبهم في أعماقِها                سكنَ الكرهُ ورمزُ الخطيئةِ رقَدْ
في كلِّ عهدٍ يطلُّ علينا ناسكُ               خان الرسالةَ نذورُهُ لا تُعْتَمَدْ
تحلو لهُ مُتَعُ الحياةِ في عالَمٍ               جاءَه لاجئاً أو موفداً أو مُضْطَهَدْ
هوَ خاطئٌ مَنْ في عيشْهِ لا يخطأُ          وصوابُ الرأيِ أنْ لا يُعْزَلْ أو يُسْتَبَدْ
فأقسى ما على الإنسانِ موتَ فكرِهِ        وكمْ بفكرِهِ يحيا رغمَ قتلِ الجسَدْ
ورعيةٌ سئمتْ ما اليومَ ظاهراً           وسِترُكَ يا ربْ مما في الغدِ يُسْتَجَدْ
فصِفْحاً بمنْ ظلَّ السبيلَ شبابُه          وإلا لِمَ القربانُ يُعطى صُبْحَ الأحَدْ
طوبى لِمَنْ ملأتْ فؤادَهُ رحمةٌ           ودارَ بخدِّهِ يميناًً صفعاً ليَدْ
وطوبى للْذي يفعلُ ما يُعَلِّمُ               ولِمَنْ تقبَّلَ الإساءةَ وصمَدْ
فلولا تعاليمُ ربّي ورسائلُ                 رُسْلِهِ وسيرةُ القديسينَ والوَعَدْ
لهجرتُ كنيستي بلا ندامةٍ               وأكملتُ صلاتي وحيداً إلى الأبَدْ





62
المنبر الحر / إرهاصاتٌ باكية
« في: 12:36 05/11/2017  »
إرهاصاتٌ باكية

د. صباح قيّأ
________________________________________
ألأبيات الشعرية موجهة إلى ألزميل الأكاديمي الدكتور ليون برخو تعقيباً على مقاله الموسوم " ألسينودس الكلداني ومقرراته " والمنشور على موقع عنكاوة

عنْ أيّةِ جذورٍ أنتَ تتحدّثُ                       وعلامَ الحسرةُ مِنْ قلبِكَ تنْفُثُ
كأنكَ غريقٌ يستنجدُ مُنقِذاً                        وبقشّةِ شُجيْرةٍ تتشبّثُ
أو ظامئٌ في الفلاةِ سعيرُ صيفِها                نحوَ السرابِ ماءٌ لهُ تسعى تلْهَثُ

لغةٌ وطقسٌ ولحنٌ وريازةٌ                        على أملِ الصحوةِ هلْ تتريّثُ ؟
فوالدُ الأمسِ زاغً عنهُ وليدُهُ                     وليسَ للذخائرِ مَنْ حقاً يوْرِثُ
مُزارعُ الحقلِ قدْ تنامى حصادُهُ                 وما زلْتَ في البيداءِ رمالاً تحْرُثُ
ثقافةُ الماضي تزعزعتْ أركانُها               وفي صفَحاتِ الجيلِ بادٍ تلوّثُ
في كلِّ قضيّةٍ رأيٌ وموعِظةٌ                    ويا ليتَ مَنْ بالمواعظِ لا ينْكُثُ

طبيعةُ الإنسانِ دوامُ تجدُّدٍ                       وقدْ يرتقي القديمُ أو بهِ يحْنَثُ
فهلْ ترتجي مِنَ الرحمنِ معجزةً                تعيدُ ما ضاعَ أصيلاً لهُ تبْعثُ
أم الحلّ عندَ الذي صاغَ يراعُهُ               حملةَ التحديثِ مثيلُها لا يحْدُثُ
فمَنْ لا يرى الواقعَ بأمِّ عينِهِ                     سيندمُ وبهِ الندامةُ تعْبَثُ

تَذكَّرِ التاريخَ وخذْ منهُ مَثَلا                   فما يحصلُ حيناً مِنْ بَعْدٍ لا يلْبَثُ
واسألِ الأسلافَ عنْ أزمِنةٍ عَصَفَتْ           بِمنْ ظنَّ الربيعَ لهُ دوماً يمْكُثُ
مأساةُ الدهورِ في سوادِ أناسِها               تحني الرؤوسَ لِمَنْ في السلطةِ يضْغَثُ
لهُ مِنَ الأحبابِ نماذجُ شُلَّةٍ                    أقربُها للقلبِ مَنْ بَينَهُمْ أخْبَثُ
خطورةُ المرءِ في رِياءِ وَلائهِ                 يُعَظِّمُ بالأقوى ولوْ هوَ أرْوَثُ

فإلامَ النحيبُ وتلكَ حقيقةٌ                      يعيها الثقاةُ وعاصرتها الأجْدُثُ

بلْ إبْكِ على عليمٍ فاقَهُ جاهِلٌ                  وعلى جَسورٍ هَزَّهُ مُتَخَنِّثُ[/b][/size]

[/b][/size][/color][/b][/size]

63
مناجاة أبانا الذي والسلام عليك
د. صباح قيّا
كلّما اشْتدّتْ مِحنتي تَلوْتُ صَلاتي                مُرَتّلاً  أبانا الذي في السمواتِ
مُقَدّسٌ إسمُكَ يا مَنْ  لَهُ ُ أعبُدُ                    يقيناً معَ الزمانِ مَلَكوتٌ آتِ 
مَشيئةُ خالقي في السماءِ تَرْتقي                 مَثيلُها على الأرضِ بينَ الطبَقاتِ
رغيفاً أعطيْتَني كفافَ مجاعَتي                  فطوبى لِلّذي عانى مِنَ المجاعاتِ
دُعائي أنْ تغفُرَ لي كلَّ خطيئةٍ                    فأنا المُذْنِبُ الأقسى مِنْ بين الخُطاةِ
وإذا المرءُ أراني زلّةَ خاطئٍ                     غَفَرْتُ لهُ في يقظَتي وفي المماتِ
فكيْفَ لي أنْ أُجَرّبَ اللهَ أبتي                    ومَن عنِ الشرِّ يرمي لي طوْقَ النجاةِ
لكَ المُلْكُ والقُدْرَةُ يا ربَُ العِبادِ                   يا شفيعي ومُخلّصي في الأزَماتِ
ويا مريمُ العذراءِ سلامي عليكِ                  مِنْ بينَ نساءِ الكوْنِ أسمى الأمّهاتِ
مُبارَكٌ نعمةُ الربِّ إلى خلقهِ                      وما حَمَلَتْ بطنُكِ مِنَ الثَمَراتِ
يَسوعُ المسيحِ الإبنُ وليدُ رحمِكِ                شفاعتهُ إليكِ صُنْعُ المُعجزاتِ     
يا مِنْ أجلِ العالمِ أمٌّ تتعذّبُ                        وتمنحُ الكُلَّ رحمةً في المُلمّاتِ                   
       

64
أدب / ممارسات متضادة
« في: 08:58 01/10/2017  »
ممارسات متضادة
د. صباح قيّا
عن الخيرِ والشرِّ من المسؤولُ        بشرٌ منْ ترابٍ لهُ يؤولُ
وطنٌ شريعةُ الدينِ بنْدُهُ                 لكنَّ العدلَ بالتطبيقِ مشلولُ
رئيسٌ يوعِدُ الشعبَ حقوقَهُ           يا ليْتَهُ صادقٌ فيما يقولُ
وحزبٌ يحابي السلطةَ علَّهُ             يحصُدُ ما لهُ اللعابُ يسيلُ
وناخبٌ بين الفتاوي تائهٌ               فتوى تُحبِّذُ وأخرى تحولُ
طبيبٌ يداوي الجرحَ وربما             لا الجرحُ يشفى ولا السقْمُ يزولُ
مهندسٌ في التصميمِ تألقٌ              يحضى بالعقدِ منْ عرضُهُ منقولُ
وخبيرُ في التخطيطِ مفخرةُ             منْ سَخْطِ الحُسّادِ طالَهُ التنكيلُ
وعالمٌ ينشدُ الكونُ علمَهُ                بينَ معيّةِ قومهِ معزولُ
بليدٌ لا يعي منْ دنياهُ أمرا               لهُ في المنصبِ عزٌّ وتبجيلُ
وخطيبُ جُمعةٍ في صلاتهِ               يُحِلُّ ألقتلَ بالآياتِ يصولُ
وكاهنُ يدعو الربَّ عبادةً              وفي الواقعِ بالدولارِ مجبولُ 
سِمةُ التضادُدِ تغزو كوكباً              فيه الشذوذُ بالأحكامِ مقبولُ
كأن الجسمً يحيا إلى الأزلِ             وحقُّ الموتِ عن الخَلقِ مشغولُ
فخيرُ الناسِ منْ للصدقِ رائدٌ          وشرُّ الناسِ منْ بالغدرِِ يجولُ


65
المنبر الحر / مسخرة التسميات
« في: 20:16 24/09/2017  »
مسخرة التسميات
د. صباح قيّا
شبعنا من التسمياتِ مللنا                 ومن لغَطِ الكلامِ قد سئمنا
فبعضٌ يدّعي الاصولَ إليه                وما يلقاهُ من دعمٍ به يهنا
ولو الأمرُ كما البعضُ يشتهي            فالقردُ بالأصلِِ منسوبٌ إلينا
فبئس من شوّه التاريخَ زوراً            ونعمَ ما نحنُ به وما كُنّا
من كلدو أو من آشورً كلاهما            ماضٍ عشقناهُ فخراً وما زِلنا
لقيطٌ من لا يعرفُ أباًً  لهُ                  وعاقٌُ من أنكرً الأصلً علينا
قطاريةٌ كيْ تلمَّ أهلَنا                       تاهَ القطارُ وفي الضياعِ فزنا
على المعبر الحدوديِّ من أنا             سريانيٌّ آشوريٌّ كِلدنْ نا
مسخرةٌ هذي التي نحن فيها             ناهيك عن تكلدنّا تأشورنا
أيّ ثقافةٍ يصبُّ نبعُها                      مرارةَ واقعً منها ارتوينا
فرقةٌ ورياءٌ وتناقضٌ                      وكم من المآسي بها اكتوينا
متى الصحوة يا شعبَ الحضاراتِ       في كلِّ متحفٍ من إرثكمْ معنى 



66
أدب / ألقوش أمّ القُرى
« في: 19:17 06/09/2017  »
ألقوش أمّ القُرى
د. صباح قيّا
ألقوشَ بشكِّ الغْيرِ لنْ تتزعزعي             لكنَّ التداعيْ ممنْ إليكِ يدَّعي
 سليْ الكنائسَ كمْ مِنْ رعاتِها قبلاً            بشّرَ الإيمان وزاغَ عنِ البُدَعِ
 سليْ سُمّيلَ عنْ سُلطةِ البغْيِ والوغى       ومنْ عن بني آشورَ مأساةً تدْفعي
سليْ الثقافةَ عنْ جموعٍ تزهو بما           أودعتْ منَ الإرْثِ بهِ تتمتَّعي
سَليْ السياسةَ كم اعتلى أعوادَها            شنقاً وكمْ بالتعذيبِ نفساً تُوَدِّعي
أنتِ أمُّ القرى رضيَ البعضُ أمْ أبى        على سهْلِ نينوى عَرْشاً تتربّعي
هيَ الحقيقةُ تاريخٌ هلْ إنكارها              يُقَلِّدُ مَنْ أنكرَ وساماً ألمعي
فليسَ الذي أسماكِ مِنْ صُلْبِ أهلِكِ         بلِ الجوارُ عليهِ لمْ تترفّعي
ألمْ يقُل الأعرابُ مصرَ أمَّ الدُنى              كذا الأحبابُ عنْ ألقوشَ وصفاً تسمعي
فمَنْ لمْ ترقْ لهُ الألقابَ جوهرةً             أضحكُ لهُ أمْ أسكبُ عطفاً أدمُعي
فخْرُ أنْ يكونُ أصلُ الفتى منْ أرضِكِ      وكلُّ الفخرِ ضيفاً غريباً لم تمنعي 
لكِ مِنْ أهلِ القرى محبةُ صادقٍ              ومنكِ لهمْ وفاءُ العاشقِ الورِعِ


67
المنبر الحر / دردشة ألقوشية
« في: 18:49 06/09/2017  »
دردشة ألقوشية
د. صباح قيّا
لا شك أن لألقوش ماضٍ مجيد يشيد  به الغريب قبل القريب ويقر به العدو والصديق , ولا يمكن نكران أن لكل قرية وبلدة وضيعة ماض تعتز به وحاضر تفخر به أيضا  وفي مختلف المجالات الحياتية سواء كان على مستوى الفرد أو الجماعة . لكن يبقى التميز سيد المواقف وهذه الظاهرة لا تسري على الجميع على حد سواء بل تتباين من بلدة إلى أخرى , وتظل القوش ضيعة متميزة  بين أخواتها الضيعات لأسباب كثيرة ومتشعبة أقل ما يقال عنها سلسلة الرعاة الكنسيين عبر التاربخ الغائب والحاضر , وتسلسلها الثاني بين حشد الخريجين في الوطن الجريح بعد بلدة عانة حسب الإحصاء الذي جرى في سبعينات القرن الماضي .
تعودت في بغداد أن أحضرمع عائلتي  قداس الأحد في كنائس مختلفة , وبالمناسبة لا بد أن اذكر بأن عطلة عيادتي آنذاك كانت يومي الأحد والجمعة . لم تفرق عندنا حضور القداس في كنيسة كلدانية أو سريانية أو لاتينية أو رومية أو أرمنية ,  حيث سبق وأن تناوبنا على  جميعها . سعادتنا تكمن في حضور القداس ,  وأسعد الآحاد كان عند ذهابنا إلى كنيسة أم الأحزان نشارك الفقراء والبسطاء حيث لا مظاهر للأبهة او الترف ولا مساحيق تجميلية أو تسريحات حفلاتية . أتذكر وأنا واقف أمام ضريح مثلث الرحمات البطريرك بولس شيخو , أن اقتربت إحدى السيدات قائلة أنه قديس . أجبتها : نعم , سيرته تستحق القداسة .... صادف خلال استماعي إلى إحدى إذاعات شعبنا الكلداني قبل بضعة أشهر حيث كانت المادة لقاء مع الراهبة " ماسير بنينية شكوانا  "  مديرة مدرسة الإبتكار الإبتدائية  في شارع فلسطين ببغداد . تحدثت باسهاب عن غبطة البطريرك شيخو وما لفت سمعي حدوث معجزتين طبيتين بالتضرع عن طريقه . أذكر أن الماسير أكدت أن من حدثت لهما المعجزة  ما زالا/زالتا على قيد الحياة وحالياً من سكنة كاليفورنيا ولست متأكداً كون  محل السكن يشمل الحالتين , ولكن  ألخبر اليقين عند الماسير وأعتقد تسكن مشيكن حالياً .
ألسؤال الآن : لماذا لا تبدأ كنيستنا الكلدانية بتحضير ملف التطويب للبطريرك الراحل ما دام هنالك شاهد على المعجزتين والتي يحتاجها الشخص ليمنح صفة القديس ؟؟؟؟؟ , وخاصة أن المرحوم غبطته لا شائبة على سيرته  فقد عاش حياة القديسين بشهادة الجميع .

في ستينات القرن الماضي , إضطرت إحدى الطائرات التي كانت تقل مجموعة من العراقيين إلى لبنان للهبوط في مطار إسرائيل . دخل مدير المطار والذي إسمه " ناجي موشي " إلى القاعة حيث يُحتجز مسافرو الطائرة . وما ان سقط بصره على أحد الجالسين حتى ناداه بأستاذ ورحب به مستفسراً عن أساتذة آخرين سبق وأن درسوه خلال المرحلة الإبتدائية في ألقوش وعن بعض زملاء صفه حيث كان "ناجي  موشي " طالباً وقتذاك . أما الأستاذ المسافر فهو من عائلة الصفار الألقوشية وكان معه أستاذ آخر من بيت بولا والتي هي عائلة ألقوشية أيضاً . أما أحد الذين خصه " موشي " بالسلام فهو والد زوجتي زميل صفه الذي حدثني بهذه القصة نقلاً عن المسافر " حبيب بولا " . من يعرف والد زوجتي لن يشك بكلامه إطلاقاً لما يتمتع به من دماثة الخلق وصدق القول . 

ألقوشَ بشكِّ الغْيرِ لن تتزعزعي             لكنَّ التداعيْ ممنْ إليكِ يدَّعي
 سليْ الكنائسَ كمْ مِنْ رعاتِها قبلاً            بشّرَ الإيمان وزاغَ عنِ البُدَعِ
 سليْ سُمّيلَ عنْ سُلطةِ البغْيِ والوغى       ومنْ عن بني آشورَ مأساةً تدْفعي
سليْ الثقافةَ عنْ جموعٍ تزهو بما           أودعتْ منَ الإرْثِ بهِ تتمتَّعي
سَليْ السياسةَ كم اعتلى أعوادَها            شنقاً وكمْ بالتعذيبِ نفساً تُوَدِّعي
أنتِ أمُّ القرى رضيَ البعضُ أمْ أبى        على سهْلِ نينوى عَرْشاً تتربّعي
هيَ الحقيقةُ تاريخٌ هلْ إنكارها              يُقَلِّدُ مَنْ أنكرَ وساماً ألمعي
فليسَ الذي أسماكِ مِنْ صُلْبِ أهلِكِ         بلِ الجوارُ عليهِ لمْ تترفّعي
ألمْ يقُل الأعرابُ مصرَ أمَّ الدُنى              كذا الأحبابُ عنْ ألقوشَ وصفاً تسمعي
فمَنْ لمْ ترقْ لهُ الألقابَ جوهرةً             أضحكُ لهُ أمْ أسكبُ عطفاً أدمُعي
فخْرُ أنْ يكونُ أصلُ الفتى منْ أرضِكِ      وكلُّ الفخرِ ضيفاً غريباً لم تمنعي 
لكِ مِنْ أهلِ القرى محبةُ صادقٍ              ومنكِ لهمْ وفاءُ العاشقِ الورِعِ


هذه الدردشة والأبيات الشعرية لا علاقة لها بمقال الأخ الصديق زيد ميشو حول ألقوش وريان الكلداني . كل يكتب حسب قناعته ومن يبغي احترام رأيه عليه احترام آراء الاخرين . ألكثير يعتقد عن تناغم في المقالات بيني وبين الأخ زيد وهنالك من يشيّع عن اتفاق مسبق عن العناوين وفحوى الكلام .  تلك مجرد فرضيات , فواقع الحال أننا نختلف في 75 % ونتفق في 25% .  كلانا يتباعد في مواقف ويقترب في أخرى . ألإختلاف ليس خلافاً إطلاقاً حيث كلانا يعتز بالربع المملوء من القدح . أما بقية القدح فقد تملأ تدريجياً أو تترك فارغة بلا  تلويث . قلمه حر كما هو قلمي ولا وصاية لأحد على ما اكتب , وله أسبابه حينما يكتب  .

أكثر ما يزعج حينما يتحول النقاش إلى طعن من قال وليس ما قيل . من حسن الحظ تجربتي مع الرواد من هذا النوع نادرة جداً . لقد حاول أحدهم معي  فلقنته درساً لن ينساه , وهنالك آخر منحته فرصة الغفران وليجرب حظه مرة أخرى ليقرأ ما لم يألفه سابقاً .

68
أدب / نفوسٌ متناقضة
« في: 09:22 02/09/2017  »
نفوسٌ متناقضة
د. صباح قيّا
هلاهلٌ وزغاريدٌ ترتفعُ          مٍنْ نفوسٍ غزتْ إيمانَها البُدَعُ
كنائسُها غدتْ مثوى اللقاءاتِ    على التقشيبِ في الآحادِ تجتمعُ
كأنَّ القربانَ قطعٌ من حلوةٍ       بها على البعضِ زوراً تتمتّعُ

ولا تستغرب التصفيقَ بلا هدىً    فليسَ الكلُّ بالتصفيقِ مقتنعُ
لكنَّ الحشرُ مع الناسِ عيدٌ عندَ    مَنْ ليسَ لهُ بصَرٌ ولا سمَعُ
هوَذا الذليلُ مذُ بدءِ الخليقةِ    يجثو لِمنْ في السلطةِ يتخضَّعُ
ومَنْ على المبدأِ مصرٌ يُعزلُ      أو مع الموتى في جهنمَ يودَعُ
فكمْ مِنْ أجلِ الربِّ طالَ عذابُهُ    وكمْ باسمِ اللهِ بالقتلِ يستمتعُ

تناقضٌ بالتناقضِ تناقضُ          فهلْ أسيرُمعَ الرُكْبِ أمْ أرجعُ
طريقي طويلٌ بالشوكِ مُعَبَّدٌ        ونفسي للمرارةِ غصباً تجرَعُ
هذا هو حالي وحالُكَ يا فتى        وحالُ مَنْ لِبَني البشَرْ لا يركعُ

69
أدب / ساكو وجمّو تعانقا أحبابا
« في: 17:43 29/08/2017  »

ساكو وجمّو تعانقا أحبابا
د. صباح قيّا
هلْ حقاً ما أرى ماءً أمْ سرابا             ساكو وجمّو تعانقا أحبابا
قد يُشفي العناقُ جزءَ جروحِنا           لكنَّ التعافي يستدعي انقلابا
على ماضٍ بالآهاتِ مُشبَّعٌ                كِلاهما لمْ يسْلمْ قدْحاً سُبابا
كلٌّ لهُ مِنَ الكُهّانِ شُلَّةٌ                     تشدو بعودٍ أوتارهُ عِتابا
هذا يرتجي القانونَ طاعتَهُ               وذاكَ صارَ منها لهُ أصحابا

عسى أن لا يغدو اللقاءُ كحلْفٍ           يُقَبّلُ فيه الأعرابُ أعرابا
وما أن يطأَ الواحدُ أرضَهُ                 يتناسى الوعدَ ويطْوي الكِتابا
أو صورٌ عائليةٌ فِلْمُها                     لهُ الرعيّةُ تَطْرُبُ إعجابا

أحسّها التفاتةً طيبةً                        صفاءُ نيَّتِها تلقى ارتحابا
بلْ رسالةُ حبٍّ مِنْ غِبطتهِ                صاغها شِلّيطا وجمّو استجابا
رباهُ بارِكْ مَنْ بادرَ أُلْفَةً                وانثُرْ نِعَمِكَ شَهْداً وأطيابا



70
وقفة مع  ندوة المطران  أميل نونا الموسومة " ألرابطة الكلدانية في المهجر من منظور الكنيسة "
د. صباح قيّا
أعيد ما سبق وأن أفصحت عنه بأني أقف , وباستقلالية تامة , على مسافة واحدة من كافة رعاة كنيستنا الأجلاء بغض النظر عن درجتهم الروحية أو موقعهم الوظيفي أو منبعهم الطبقي أو المناطقي , وأكن لهم الإحترام جميعاً مهما كان عمق الإختلاف الشخصي أو الإداري بين الواحد والآخر أو البعض ببعضهم ولن يتغير موقفي سواء كان الراعي يرعى مهاجراً أو صامداً في الوطن الجريح , أو سواء كان في أعلى السلم أو أسفله  . لكن رأيي هذا لا يعني بأني لن أنتقد سلباً أو إيجاباً أية سلوكيات معينة أو إجراءات أجدها من وجهة نظري الشخصية متناقضة مع تعاليم الكتاب المقدس والأسس الكنسية المثبتة وما يجب عليه أن يكون طريق الإيمان القويم . لا بد أن يعي المسؤولون الكنسيون حقيقة العصر بأن العلماني اليوم ليس كعلماني الأمس ولن يقول نعم كيفما اتفق أو يسكت صاغراً , وتباً للتكتلات المريضة والمجاملات السقيمة  .
رغم أني لم أحضى بشرف التعرف أو الإلتقاء بسيادة المطران أميل نونا , لكني من خلال خبرتي المهنية  ومتابعتي له كوني أحد المهتمين بالشأن الكلداني , تكون لدي الإنطباع الأولي بأنه شخصية يغلب عليها الجد ووضوح الرؤيا . ولا بد من وقفة تأملية دقيقة عند المرور على ما جاء على لسانه عند استضافته من قبل الرابطة الكلدانية –فرع فكتوريا –  للتحدث عن " الرابطة الكلدانية في المهجر من منظور الكنيسة " في الندوة المقامة  يوم 18 تموز 2017 في مدينة ملبورن - أستراليا - . وحسب رأيي المتواضع , لم يكن كلامه مجرد جمل إنشائية تشجيعية وإنما استعراض الخبير لمسار الرابطة منذ نشأتها والواقع الفعلي التي هي عليه اليوم بدون تضخيم ما حصل من منجزات أو الإيحاء بأن الرابطة قد حققت ما أخفق الآخرون عن تحقيقه . 
وحسب التقرير المنشور على المواقع :
" فقد تطرق سيادة المطران عن بدايات فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية  اذ طُرحت من قبل غبطة ابينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في سينودس الكنيسة الكلدانية ، وتم مناقشتها من قبل السادة الاساقفة ودراستها وتبنيها في الاجتماعات اللاحقة. كما اتخذ القرار من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية برئاسة غبطة ابينا البطريرك بالدعوة لعقد مؤتمر تاسيسي للرابطة الكلدانية والذي انعقد عام 2015 بداية شهر تموز حيث أُعلن تأسيس الرابطة " .
لا تعليق لي حول ما تمّ بالفعل كما ذكر المطران الجليل .
" وأضاف سيادته : فالفكرة طرحتها الكنيسة وساهمتْ في تأسيس الرابطة لكن مهام الرابطة ونشاطاتها وقراراتها يتخذها المسؤولون المدنيون فيها. ومهمة الكنيسة الاساسية كانت مساعدة ابنائها الكلدان في ان يجتمعوا تحت خيمة مؤسسة مدنية تعني ببناء بيتهم الكلداني وتوحيده لتمثيلهم في المحافل الوطنية والدولية" .
ألسؤال الآن : هل تحقق ما كانت فكرة تأسيس الرابطة  تصبو إليه ؟ ألجواب  بدون شك هو " كلا " , حيث كل الدلائل تشير إلى إخفاق الرابطة وخاصة في المهجر في جمع الكلدان وتوحيد بيتهم . كما اقولها بألم بأن البعض من مكاتبها وفروعها ساهم في تفريق الكلدان وتأليب بعضهم على البعض الآخر إضافة إلى الإجراءات التعسفية التي  أصدرها بدون حق  والتي طالت البعض من  خيرة الشخصيات الكلدانية . كما أنها لم تستطع من استقطاب غبر عدد محدود جداً  ومن ضمنهم من هم من  أصول غير كلدانية أو لهم إنتماءات حزبية معينة . أما عن التمثيل في المحافل الوطنية والدولية فذلك مرهون بفوز ممثليها في الإنتخابات البلدية والبرلمانية مستقبلاً  .
 " كما اكد سيادة المطران الجليل على اهمية فصل عمل الكنيسة ومهمتها الروحية في خدمة المؤمنين عن عمل الرابطة ومهمتها وشدد بان الرابطة ليست اخوية في الكنيسة، انما الكنيسة والرابطة يعملان بشكل متوازٍ ويلتقيان في الاهداف لخدمة الشعب الكلداني كل في مجال عمله. كما شرح اهداف الرابطة كما جاءت في نظامها الداخلي " 
.
ما تقوله سيدي على العين والرأس , وحتماً إنك تعرف جيداً أن هنالك من يعمل داخل الرابطة وكأنها أخوية , وهنالك من استفاد من قرابته بالكاهن لإستغلال الكنيسة لتحقيق مصالحه الذاتية وخدمة مجده الشخصي . أما عن أهداف الرابطة فأسأل كم من المنتمين لها له اطلاع على نظامها الداخلي وأهدافها ؟ , وكم  من مسؤوليها يتقيد بذلك ؟ ألجواب يمكن معرفته من سجلات نشاطات كل مكتب أو فرع .
أبدع ما قرأت في التقرير هو طرح سيادته لبعض الافكار والمقترحات المهمة والتي بامكانها دعم مسيرة الرابطة في المرحلة المستقبلية وهي :
" تغيير طريقة العمل والتفكير : طلب سيادته من مسؤولي الرابطة بأن لا يقلدوا المؤسسات الاخرى في طريقة عملهم وتفكيرهم،  بل يجب ان يكون لهم طريقة عمل موسعة كقبول الاخر المختلف وبدون تعصب او تحزب والدعوة الى الحوار واقامة العمل المشترك بين الرابطة والمؤسسات الكلدانية او غير الكلدانية. ولكل بلد ظروف خاصة يجب مراعاتها عند اقامة النشاطات وان يكون العمل من الواقع " .
نعم با سيدي الفاضل فأن معظم النشاطات المقامة من قبل المكاتب والفروع لا تعدو غير كونها " كوبي بيست " , فلا جديد لا في طريقة العمل ولا في الفكر .
" الاهتمام بالثقافة الكلدانية وتاريخ حضارة الكلدان : ركز سيادته على اهمية توعية الكلدان على التعلق بثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم ورموزهم. لا بل يجب توثيق التاريخ الحديث للكلدان ، مثلا تاريخ قرانا التي هُجرنا منها ، مما يساعد الاجيال القادمة على التعرف على قوميتهم وهويتهم وتاريخهم فيكون لهم رغبة ودافع واسباب مقنعة لادامة التواصل مع هذا التراث والحضارة " .
عموماً , لم يحصل مثل هذا الإهتمام على نطاق واسع , بل العكس هو الصحيح في بعض المكاتب والفروع التي تعوض عن إفلاسها الفكري بتقديم مواضيع  عامة ,  ويمكن التأكد من ذلك بمجرد مراجعة اراشيف مواقع شعبنا . ولا بد من الإشارة عن الخطة البحثية التي سبق وأن أعلن عنها المقر العام  للرابطة ولم ينشر لحد الآن أي تنفيذ لأي من العناوين المراد البحث عنها مما يعني عزوف الباحثين والإختصاصيين في المواضيع المعلنة عن المساهمة الفعلية لسبب أو آخر , ويمكن الإستدلال من ذلك  بأن الرابطة لم تفلح في جذب المعنيين بالشأن الكلداني , وعليه فإنها أخفقت في تحقيق هدف مهم جداً من أهدافها المثبتة في نظامها الداخلي . 
" حماية اللغة: أكد سيادته على اهمية حماية اللغة الكلدانية وضرورة تعليمها لاطفالنا في بلاد المهجر واكد بان هذه المهمة لا تقع على الكنيسة لوحدها بل بالدرجة الاولى تقع على عاتق العائلة التي يتربى الطفل في احضانها فيكون واجب الاهل تعليم اطفالهم اللغة الام ( اللغة الكلدانية ) الى جانب تعلمهم اللغة الانكليزية او اي لغة اخرى حسب البلد الذي يعيشون فيه. كما دعا مسؤولي الرابطة لفتح دورات تعليم اللغة للشباب والكبار " .
مقترج مهم جداً رغم صعوبة تنفيذه .... ولا بد أن أوضح حقيقة جوهرية مفادها أن الكلداني ليس الذي يتكلم اللغة الكلدانية فقط . هنالك من الكلدان من يعتبر نفسه عربياً ولا يكترث للغة الكلدانية وأخص بالذكر من هو من أهل الموصل , وهنالك من يحسب أصله  تركمانياً مثل المسيحي من كركوك ممن يطلق عليه  جوراً " قلعة كاور  " ولا علاقة له باللغة الكلدانية أيضاً . ألسؤال الآن : هل الرابطة الكلدانية مقتصرة على متكلمي السورث فقط ؟ ألواقع يشير بنعم , أما من يدعي خلاف ذلك كون رئيس الرابطة كلداني تركماني , فجوابي لأنه " فخامة الرئيس " وعلاقته وطبدة بغبطة البطريرك الذي رشحه لهذا المنصب إلى أجل غير مسمى .
" والنقطة الاخيرة التي طرحها سيادته هي عالمية الرابطة:  اذ قال بان شعبنا الكلداني انتشر في جميع جهات المعمورة لذا اصبح من اللازم التواصل بين كلدان العالم فكانت فكرة تاسيس رابطة كلدانية عالمية لجمع شمل الكلدان ومساهمتها في الحفاظ على القومية الكلدانية والتعاون بين جميع الكلدان وتواصلهم مع بعضهم. وان وجود الرابطة لا يلغي المؤسسات الكلدانية الاخرى ولا يلغي دورها بل تعمل الرابطة معهم لرفع شأن الكلدان والحفاظ على تراثهم وحضارتهم " .
سيدي المطران الجليل : ألكلدان موجودون في أرض الشتات منذ أكثر من مائة عام  . لهم نواديهم ومؤسساتهم وتنظبماتهم الثقافية والسياسية والإجتماعبة والرياضية وكافة المجالات الأخرى . لهم ممثلون في المجالس المحلية وفي برلمانات بعض الدول . كنائسهم منتشرة هنا وهنالك , فإذا كانت الكنائس في الوطن الجريح تتقلص فإنها تمتد في بلاد الغربة  . أما النشاطات الكلدانية والصحف والمجلات والإذاعات وما شاكل من وسائل الإعلام  بلغة الأم أو العربية أو لغة البلد فإن القلم يعجز عن تعدادها . ألمهجر لا يحتاج إلى رابطة تسير ببطء السلحفاة ولم تقدم خلال السنتين من تأسيسها جزءاً يسيراً مما قدمته وتقدمه المؤسسات الكلدانية المتنوعة بالرغم من الدلال المتميز والرعاية اللامحدودة التي تقدمها لها والدتها الحنونة والتي أنجبتها التي هي  كنيستنا المبجلة .... نعم ألوطن الغالي  والممزق من يحتاج إلى الرابطة كي تسعى للحصول على البعض من حقوق المواطن الكلداني خصوصاً والمسيحي عموماً  على أقل تقدير . أهل الدار هم بحاجة إلى كل أنواع الدعم معنوياً ومادياً  من الذين يتمتعون بنعيم الحرية في المهجر حيث يحصل الكلداني ويتساوى بالحقوق مع أي مواطن آخر بغض النظر عن الدين والمذهب أو أي سمة أخرى . نعم ألحاجة ماسة إلى "  الرابطة الوطنية " وليس إلى الرابطة العالمية التي يتبوأ معظم  مناصبها  الطامحون والمغمورون والمتملقون والإنتهازيون  والمتسلقون على الأكتاف وليس بينهم غبر قلة قليلة من الكلدان الغيارى .
 أما عن إلغاء دور المؤسسات الأخرى فلست أعلن سراً إذا أخبرتك يا سيدي المطران الجليل عن  أحد مسؤولي الفروع الذي أعلمني  عبر الهاتف بأن الحاجة للمؤسسات الكلدانية ستنتفى حال تثبيت الرابطة أقدامها ولا بد  لتلك المؤسسات أن تنطوي تحت خيمة الرابطة . أجبته : لو حقاً أن ما تقوله ضمن  طموحات الرابطة فإني أول من يقف ضدها .
وقبل أن أختم لا بد لي أن أشكر سيادة المطران أميل نونا على ما أورده من إيضاحات وملاحظات ومقترحات في غاية الأهمية  والأمل أن لا تهمل من قبل المسؤولين عن شؤون الرابطة بل تعمم كورقة عمل تدرس وتناقش بجدية من قبل كافة تشكيلات الرابطة المنتشرة في بقاع المعمورة .... 


71
حماية دولية أم عشائرية
د. صباح قيّا
قد تلجا الدول إلى التحالف في ما  بينها بغية تحقيق أهداف معينة والتي تشمل حماية بعضها البعض الآخر والوقوف صفاً واحداً لمجابهة عدو مشترك كما حدث خلال الحربين الكونيتين الأولى والثانية . وقد تضطر الدول الصغيرة والكيانات الضعيفة أو المستضعفة إلى طلب حماية الدول الكبرى أو المجتمع الدولي لدرء أي اعتداء خارجي أو داخلي كما حدث بعد  الإجتياح العراقي للكويت , وما تبعه من عواقب نالت أهل  كردستان العراق بمختلف اطيافه . وبفضل تلك الدول  عادت الكويت إلى حكامها ’ وتحقق للأكراد ولادة إقليم كردستان العراق شبه المستقل .
 وما يحصل على المستوى العالمي ’ يظهر جلياُ على المجاميع أو الافراد في مجتمعنا العراقي .  ربما يتذكر البعض مدى التلاحم الذي كان  يحصل بين أبناء المحلة الواحدة في منطقة ما  وأحياناً الإتفاق مع محلة أخرى أو أكثر للدفاع عن بعضها البعض الآخر ضد الهجمات  الآتية من المحلات المجاورة او البعيدة وما كلن يطلق عليه " تسقيط المحلات " في ذلك الزمن . هذا بالإضافة إلى النزاعات العشائرية السائدة وقتذاك والصراعات القروية أو القبلية  المتوارثة . ولا بد من الإشارة إلى الخصوصية التي كان يتمتع بها أفراد بعض العشائر أو المناطق  في فترات متعاقبة من الحكم نتيجة إستئثار أزلام ذلك البعض بالسلطة , وكمثل على ذلك  قبيلة " ألجميلات " و أهالي " عَسَفَتْ " حيث يرمز كل حرف لمجموعة متسيّدة .

يتبادر الآن السؤال التالي : من الذي يحمي المواطن المسيحي الذي بات ضعيفاً أو مستضعفاً نتيجة المظالم والإضطهادات التي قاسى منها ولا يزال عبر التاريخ الغابر وليومنا الحاضر . هنالك من يتذرع بالقانون . نعم .... من المفروض أن يحتمي الجميع بالقانون , ولكن القانون وُضع لحماية الأقوياء كما ذكر الفلاسفة القدماء , ولم يكن القانون مع المسيحي يوماً ما  عدى في فترة الحكم الإستبدادي المطلق , والفضل هنا ليس لشرعية القانون بل لمن يتحكم بالشعب  وسلطته هي القانون  والويل لمن لا يطيع . ومع غياب تلك السلطة أصبح الشارع هو القانون ودخل  المسيحي في نفق واضح المصير لمن عقله مستنير , وحصل الذي حصل لمن ظن أنه في منأى عن كل شيئ خطير .
من السذاجة الإعتقاد بأن المسيحي لا يحتاج إلى حماية من نوع محدد  أو آخر سواء كانت دولية أو عشائرية أو فردية . ومن ينكر أن المواطن المسيحي دأب عبر مسيرته الحياتية في أرض الوطن الجريح إلى اللجوء إلى أحد معارفه من ألاخوة المسلمين  إذا ما ألم به أي حدث عسير أو جابه مشكلة مستعصية , وحتى  من أجل الحصول على أبسط حقوقه في كثير من الأحيان ....
 حدثني أحد معارفي عن ما حصل له بعد أن دهس إحدى المسنات في طريق خارجي  . طلب منه أهل الضحية الحضور في مجلس الفصل العشائري , وهذا يعني إما سفك دمه أو دم فرد من أفراد عائلته أو دفع تعويض مادي ضخم ً قد لا يتمكن عليه.  توسط لدى أصدقاء له من المذهب الشيعي بعد أن علم أن عشيرة المجنى عليها شيعية . رافقه الأصدقاء بعد أن أخبروه بأن يقول للمجلس أنه من " أحفاد جون " ويطلبهم ثأر . وبالفعل قرر المجلس العفو عنه حال سماعه ذلك أي " ثأر بثأر " فأصبحت  الكفة متعادلة ...... 
إلتقيت بالأقرباء الساكنين في إحدى محافظات الجنوب بعد نقلي إليها في بداية سبعينات القرن الماضي . إقترح عليّ بعضهم الإنتماء إلى إحدى العشائر المعروفة لقاء مبلغ بسيط أدفعه سنوياً بهدف تأمين الحماية العشائرية لي في الظروف الطارئة وحسب ما يتطلب الحدث . لقد كان ذلك العرف سائداً بين المسيحيين في تلك المحافظة للإحتماء بظل عشيرة متنفذة .
برأيي المتواضع أن المسيحي بحاجة إلى حماية في بلده الأم وخاصة أنه ينتمي إلى أقلية يتضاءل عددها رويداً رويداً وقد تقترب إلى الصفر آجلاً أم عاجلاً إن استمر الحال على هذا المنوال . وما كان يحصل بالأمس من حماية فردية أو عشائرية لا يمكن تحقيقه اليوم بعد أن تغيرت النفوس واختلفت النوايا وطغت المصالح الشخصية والمذهبية والحزبية على المشاعر الوطنية الصادقة . كما أن السلطة الحاكمة لا تتمكن من تأمين الحماية اللازمة للمسيحيين  لضعفها من ناحية وحاجتها هي نفسها إلى الحماية لتأمين ديمومتها , وهذا ينطبق على المركز وعلى الإقليم , كلاهما دمى أجلسها الأجنبي على كراسي الحكم , وسوف يحركها متى شاء ... أما  الحكم المذهبي والديني المسيّس فلا يمكنه من تقديم الخدمة المشروعة قانوناً للمواطنين على السواء . حماية الفرد وتأمين حقوقه تأتي من خلال الحكم العلماني العادل الذي لا يفرق بين مواطن وآخر بسبب اللون والفكر وما شاكل . والعلمانية لن ترى النور في عراق اليوم ما دامت المذهبية الضيقة هي السائدة .... إذن لم يبق للمسيحي  من خيار إلا الحماية الدولية أو حزم حقائبه واللحاق بمواكب المهاجرين إلى حيث الحرية والأجواء النقية قبل فوات الأوان . ولكن هل بالإمكان تأمين الحماية لشعب موزع هنا وهنالك أم ينبغي جمعه في كيان واحد ؟ ألمنطق مع الجمع إذا كان لا بد من الحماية الدولية .... ألمسيحي في الأرض المنكوبة على مفترق الطرق اليوم . إما البقاء وانتظار المصير المظلم  , أو الهجرة إلى العالم المتمدن أوّله معاناة تعقبها حلاوة المستقبل لأجيال لاحقة . ألمصير المظلم قد يتحول إلى مستقبل زاهر لو قررت الإرادة الدولية وعملت جدياً لتحقيق ذلك ... لا بد من معالجة المشكلة بعقل نيّر بعيداً عن العواطف والأحلام النرجسية . من يعتقد أنه يستطيع إبقاء المسيحيين في هذا الظرف هو حتماً واهم , ومن يعتقد أنه بالإمكان جمعهم في إقليم أو محافظة أو أي مسمى آخر بدون حماية دولية هو بدون شك حالم . ألمخالب الكردية أشد فتكاً من الأنياب العربية ... حذاري حذاري ...




72
موعظة العيد وواقع رعية اليوم
د. صباح قيّا
لا يسع المرء إلا أن يقف مبهوراً  بل خاشعاً إزاء ما كانت عليه المسيحية في بدء نشأتها وانتشارها , وما كان يقوم به المسيحيون الأوائل في الخفاء والعلن بالرغم من كل المخاطر التي تحيق بهم والموت الأليم الذي ينتظرهم عند اكتشاف أمرهم . لقد ازدهرت المسيحية وكبرت في عهود الظلم والإضطهاد , وضرب المسيحيون حينها أروع الأمثلة في التضحية ونكران الذات فداءً لمن بشر بالخلاص ومات على الصليب لإسعاد البشر أجمعين . لقد كانت المسيحية ذلك الوقت " طريق الحياة " , وكانت بالنسبة لإيمان المسيحيين العميق " أسلوب عيش " , وقد  انجذب  الكثيرون للسير في ذات الطريق والتشبث بنفس الأسلوب إعجاباً وإجلالاً , ومنهم اللاهوتي " ترتوليان 150م-250م " الذي ابهره  الصمود الإيماني المسيحي وهو يشاهد بأم عينيه كيف تتقطع أجساد المؤمنين بأنياب الأسود الجائعة , وكيف تستقبل أجسامهم الطرية رماح الجند الرومان بكل هدوء وتقوى . فقرر أن يمشى بذلك الدرب بقناعة تامة  مصحوبة بشجاعة فائقة .... ومن جهة اخرى , أثارت أواصر المحبة وروح الألفة والتعاون بين المؤمنين أتفسهم مشاعر الآخرين وأيقضت ضمائرهم فانقادوا طوعاً لهذا التعليم  الجديد , إضافة إلى ما كان معروفاً عنهم ميلهم لمساعدة بعضهم البعض الآخر واقتسام قوتهم ومقتنياتهم فيما بينهم  , وإقامة  الصلوات في بيوت الميسورين منهم الذين لم يبخلوا أبداً  في إيواء الجماعات المؤمنة وإداء متطلبات الضيافة على أكمل وجه دون تردد أو ملل .  فما قاله الرب وبشرت به الرسل مارسته بثبات  والتزمت به الرعية بدقة خلال القرون الثلاث الأولى من البشارة .... وهكذا تنامت المسيحية وتوسعت بقوة وصلابة إيمان مبشريها ومن حمل صليبها  بغض النظر عمّا لحق بالكثيرين منهم من تعسف و تعذيب وتنكيل وإزهاق . 
 
 أستذكر ما حصل في تلك الحقبة من الزمن وأنا أستمع إلى موعظة راعي الكنيسة الجليل في أحد القيامة المجيد . أتساءل بيني وبين نفسي خلال متابعتي استرساله بالتفصيل عن مغزى  القيامة الذي يعاد كل عام  , هل سيتطرق إلى ما تصبو له ذاتي ؟ هل سيقرأ ما يجول بفكري ؟ نعم .. هذا ما أريده بالذات . أخذت الموعظة منحىً أخرى . إنتقلتْ بعد شرحها الوافي لمعنى القيامة إلى ركنين أساسيين من أركان المسيحية الأربعة , ألا وهما ألمحبة والغفران . سرحتُ إثناءها بخيالي  إلى أيام الطفولة حيث كانت الأعياد مناسبات لإعادة الوئام بين العوائل المتخاصمة ,  مد جسور السلام بين المجاميع المتنافرة , و تنقية أجواء العلاقات المتوترة . . تتصافح الأيدي , تتسامح القلوب , تتسامى النفوس , تكبر العقول , وترتسم البسمات على الوجوه . ألصغير يعتذر من الكبير , والكبير يغفر للصغير . هل  سيحصل اليوم ما  كان مألوفاً بالأمس . إنتظرت وأنا أهمُّ بالخروج بعد انتهاء القداس . لم ألاحظ تقارب المختلفين فيما بينهم . لم يتقدم لي من خاصمني ولم أتقدم له .  كل بقيَ على  تعنته وبقيت أنا بكبريائي رغم أن الجميع تناول القربان المقدس . هل حقاً هم مسيحيون ؟ , وهل حقاً أنا مسيحي ؟ . هل تغير الإيمان عما كان عليه  أيام زمان ؟ . كلا ,  لم يتغير الإيمان إطلاقاً بل من تغير , للأسف الشديد  هو أنا وأنتَ .
من عمل في السلك الجامعي في الوطن الجريح يعلم جيداً أن أحد شروط القبول للتدريس هو النجاح في  الدورة المسماة " طرائق التدريس " , ومن  ثم اجتياز المقابلة أمام اللجنة المتخصصة  في " الدين واللغة العربية " .  بادرني رئيس اللجنة عند جلوسي أمامها بسؤالي " هل أنت مسيحي ؟ أجبته نعم . ثم أضاف : هل كنت تحضر دروس الدين الإسلامي ؟ جوابي " أحياناً عندما لا يسمح المعلم بمغادرة المسيحيين الدرس . واستطرد : هل حفظت آية من القرآن الكريم ؟  نعم . ما هي ؟ ومن حسن الحظ  تذكرت الآية الوحيدة التي أعرفها " قل ألله أحد .....  " . بدأت على وجهه علامات الإستحسان . ثم أكمل : هل قرأت الإنجيل ؟ نعم . فأردف : هل هنالك مقولة تأثرت بها كثيراً ؟ نعم .  قال ً ؟ ما هي ؟ أجبته : ألطوباويات . فسألني مبتسماً ؟ هل بالإمكان شرحها ؟ بدأت بالكلام عن " الموعظة على الجبل " , وتملكني شعور بأنه يمتلك المعلومات الكافية عنها من خلال أسارير وجهه المنفرجة بوضوح .
لقد نسينا أو تناسينا الفضائل المسيحية التي أرست أسس الحضارة الإنسانية وما زال العالم المتحضر يرتشف من ينبوعها لحد اليوم . غزت الحياة الدنيوية إنسان اليوم فابتعدنا عن دعائم الإيمان الحقيقي وبدأ البنيان الروحي بالإفول تدريجياً . لقد لخصت الطوباويات طريق الحياة لشرائح المجتمع المختلفة , وأضافت مواهب وثمار الروح القدس جوهر الخصال الحميدة لمن  يبتغي النعيم من البشر . ومن ينشد الإلهام عليه الإطلاع على سيرة القديسين  , فكما انه " ليس بالخبز وحده بحيا الإنسان " , فأيضا " ليس بحضور القداس وحده يدخل ملكوت السماء " . [/color][/color]

لمَنْ أشكو مَنْ مِنَ البشر  عندهُ          مواهبُ الروحِ القدسِ غدتْ حُطامهْ

مشورةٌ وفهْمٌ وعِلْمٌ وتقْوى             كمْ عميقةٍ في معانيها العٍظامهْ

لا لمْ تعُدْ مع الحكمةِ والقوَّةِ              كما كانتْ عندَ الأولين التزامهْ

وحتى مخافةُ الربِّ منسيَّةٌ               ما دام المخلوقُ بالدولارِ اهتمامهْ

أما الثمارُ فحدثْ ولا حرجُ              أينَ القديسُ بولصْ وأين إلهامهْ

لا محبةٌ ولا فرحٌ ولطفُ                 ولا صلاحٌ أو إيمانٌ أو سلامهْ

وأينَ التعففُ وكبحُ النفوسِ            كأنها في هشيم النارِ اضطرامهْ

وما عنِ الإخلاصِ وطولِ الأناةِ       فبديلها الزجر وغدر الوئامهْ

ولا تنسى التواضعَ والوداعةَ          كيْ تقرأَ عليهما فعلَ الندامهْ



73
رسالتي الخامسة إلى راعي الكنيسة الكلدانية
د. صباح قيّا
قد تتجاوز المعارك بين النسوة المناوشات الكلامية والتهديدات الوهمية لتصل التشابك بالأيدي وخرمشة الأظافر والتشبث بالشعر لحين قلعه عن فروة الرأس , وهذا ما يحدث عادة . ولا غرابة أن تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي وربما تتعزز  أواصر العلاقة وتتعمق أكثر بعد برهة وجيزة من حدوث الصراع والإقتتال النسوي . فهكذا طبع المرأة , عموماً ’ تتقاتل بحنجرتها وتدافع بدموعها ويرق قلبها بسرعة خاطفة ثم ينسى عقلها ما حصل .... أتذكر حدثاً جرى لإحدى الزميلات برتبة " عقيد طبيب " حيث تجاوز عليها بكلمات نابية أحد المراجعين من الضباط الأحداث , والتي لم تستطع أن تتمالك نفسها وهي تشكيه لآمر المستشفى فانهمرت من عينيها الدموع بحرارة وغزارة . إمتعض الآمر في البدء لهذا المشهد موجها لها كلامه بحدة واضحة : كيف تبكين وأنتِ ضابط برتبة عقيد , ولكنه قهقه بضحكة عالية حال سماعه إجابتها : سيدي , نحن نبكي لأننا نسوان سواء نحمل رتبة عقيد أو عميد  . يظهر أن كلمة " نسوان " أعجبته جداً . من دون شك أن الحال ليس كذلك عند الرجال حيث , بصورة عامة ,  تطغي المواقف المبدأية على علاقات البعض ببعضهم . وبالرغم من أن الرياء والتملق والمحاباة والمجاملات الفارغة والمصالح المشتركة وما شاكل , هي السمات السائدة حالياً في تحديد الكثير من العلاقات إلا أن المبدأية لا تزال تستنشق القليل من الهواء النقي من هذا المحيط الفاسد .
يقال " إن لم تستحي إعمل ما شئت " , وهذا  ينطبق على مسؤول الرابطة الكلدانية في وندزر بدعوته لي عبر الهاتف لحضور افتتاح " فرع وندزر للرابطة الكلدانية العالمية " رغم كل الذي أوضحته في مسلسلي المنشور على الموقع والموسوم "  من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا ؟ -ألجزء 1-4 " .
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,821986.msg7492274.html#msg7492274
 وحاول إقناعي بالحضور باسم " المحبة المسيحية " وهو أبعد الناس عن المحبة وعن المسيحية ... لقد كافح بشتى الوسائل أن يجعل من مكتب وندزر فرعاً كي يحقق حلمه بتقلد درجة "  عضو قيادة فرع   " والذي لم يفلح في الحصول عليها  خلال وجوده ضمن صفوف الحزب الحاكم سابقاً  حيث توقفت درجته عند حدود " عضو قيادة شعبة " .... نعم ,  ما لم يحصل عليه في الحزب أيام زمان حصل عليه في الرابطة الكلدانية العالمية الآن ’ فمبروك للرابطة بهذ المناضل الصنديد  الذي لم يتعرف على الحزب إلا بعد أن استلم الحزب السلطة وتنكر لمبادئه حال فقدان تلك السلطة . أتساءل : كيف دخل كندا وهو مطلوب للمساءلة القانونية ومن ضمن المشمولين بالإجتثاث ؟ أنا أعرف الجواب ولكن لن أذكره في هذا المقال وهناك  أمور متعددة أخرى ستأتي تباعاً ,  وسأكتفي حالياً  بهذه الأبيات الشعرية من قصيدتي التي سأكملها  لاحقاً بعنوان " رثاء من لا يستحق الرثاء " :
أسأتَ لشخصي إليك مني قصاصي          سأجعلُ منك نكتةَ الداني والقاصي
توهمتَ تواضعي ضعفاً وفاتكَ               أنه سمةُ القويِّ من الأشخاصِ
وظننت بساطتي ليناً فلمْ تعِ                   أنها ثقةٌ جاءت من ربِّ الخلاصِ
سأبقى بسيطاً في الحياةِ تواضعاً             والويلُ لمنْ يبغي بهما انتقاصي
سيلقى ما يستحقُّ غدرُ أفعاله                 فالقلمُ أشدُّ فتكاً من الرصاصِ
   
إستبشرت مع الكثيرين عن دعوة غبطة البطريرك الكلي الطوبى  لتنظيف الرابطة من الوصوليين والإنتهازيين ومن لف لفهم  , ولكن , للأسف الشديد , لم يعلن لحد اللحظة عن تنفيذ توجيه غبطته . هل ذلك يعني خلو الرابطة منهم ؟ بالتأكيد لا , وإلا لما جاء ذلك على لسان غبطته . ولكن . من خلال الخبرة الإدارية ,  يمكن القول أن تنفيذ التوجيه افتقر إلى المتابعة الضرورية للوقوف على مدى تطبيق  أية تعليمات أو أوامر  صادرة , وبذلك غدى توجيه غيطته , للأسف الشديد , مجرد كلام عبر الأثير .
سبق وأن نوهت في أكثر من مداخلة ومقال بأن الرابطة في المهجر ساهمت في تفريق الرعية وخلق الحساسيات بين الكلدان أنفسهم والحبل على الجرار . ألمهجر لا يحتاج إلى الرابطة الكلدانية فحق الكلدان مصان ومضمون  قولاُ وفعلاً  ,  يتمتع الكلدان بكافة الحريات المكفولة للجميع حسب الدستور والقوانين السائدة , ويتبوأ الكلدان مناصب مرموقة ومتقدمة في معظم بل كافة دول الشتات . ألمؤسسات الكلدانية متعددة ومتوفرة ومتنوعة قبل ولادة الرابطة بسنين طويلة ,  وتزدهر في شتى المجالات دون الحاجة للرابطة .  ألوطن الجريح فقط من يحتاج ألرابطة الكلدانية بدعم الكنيسة بغية لم الشعب الكلداني والدفاع عن حقوقه ونيل ما يمكن من المكاسب العادلة , وحتماً سيحضى التنظيم الوطني بمؤازرة أغلبية القاطنين في المهجر . آن الأوان للإعلان عن الرابطة الكلدانية الوطنية بديلاً عن العالمية قبل أن ينتكس الكلدان مجدداً .  بوادر إخفاق الرابطة العالمية واضحة كوضوح الشمس وإلا ما معنى طلب غبطته التبرع لها ؟ وما معنى دعواته المتكررة للإنتماء إليها ؟ وما مغزى طرح " المكون المسيحي " كتسمية مرحلية ؟ أليست هذه وغيرها دلائل الإخفاق والتي ستتوج بالفشل الذريع في الإنتخابات البرلمانية القادمة حيث لا تزال الكفة الراجحة لزوعا ومن ثم التنظيم القطاري شئنا أم أبينا , وسيظهر الشيخ الكلداني ببزة مغايرة لما حصل سابقاً بحسب المتغيرات الجديدة على الساحة . لأ بد من النظر إلى الواقع بعيداً عن العواطف وترتيب الجمل الطنانة فلن تفيد مقالات المجاملة في تبليط الطريق الوعر أو تصحيح المسار الخاطئ بل تزيده وعورة واعوجاجاً . 
قد يتساءل غبطته عن ما حصل بيني وبين مسؤول رابطة وندزر . رجائي أن يطلع على الكتاب الصادر من مكتب الرابطة في وندزر والموجودة نسخة منه في المقر العام , لن أذكر تفاصيل ما كتبه " الدجال " عني , فإذا اقتنع غبطته بما ذكر فيه فإني سأقدم إعتذاري عن كل ما بدر مني , وإن لم يقتنع , أملي أن يتدخل لإعادة الحق لنصابه . وعند بقاء الموضوع معلقاً فحتماً القادم سيكون أسوأ ولن يمر الغدر بدون حساب .
كي أعيد إلى الأذهان بأني أقف على مسافة واحدة من كافة رعاتنا الأفاضل بغض النظر عن المنصب الوظيفي أو الروحي , وإني أكتب باستقلالية تامة ولن أقف مع أو ضد أي كان , ولكن ذلك لا يمنع من الإشارة سلباً أو إيجاباً لفعل أو لقول حسب وجهة نظري الشخصية وتحليلاتي الذاتية . وعليه أعيد نشر القصيدة ترحاباً بغبطة البطريرك الكلي الطوبى وما جاء فيها يمثل رأيي الصريح بتلك المرحلة .
توطئة

هذه أبيات شعرية ليست لأديب بل من طبيب... ليس فيها الغريب العجيب ... وانما مجرد كلمات استقبال وترحيب... سمح لي بها مشكورا مقص الرقيب ( ألمونسنيور الفاضل داود بفرو ) .... آمل أن تروق لكم وتطيب... رجائي الاصغاء اليها اجلالاً لغبطته ومرافقيه  بصمت مهيب                                               
                                                                                                          : عنوان القصيدة           
                                                       
أهلاً غبطةَ البطريرك                                                                   
                                                                                                         
تحييكَ وندزرُ تحيةَ الانسانِ                   وترحابنا بك لا لنْ يقاسَ بأطنانِ
أتيتنا سهلاً وحللت بنا أهلاً                      فلكَ من جموعنا قبلةَ الأوطانِ
ومنْ امهاتِنا زغرداتٍ يفوحُ                 صداها عبرَالنُسيْماتِ عبقَ ريحانِ
قدمتَ منْ بغدادَ عيونُنا صوبُها                      وقلبٌ لها يخفقُ بكلّ حنانِ

أطلقت َ أصالةً وحدةً تجدداً                  دربَ مستقبلٍ نوره أسمى الأماني
لها ابنُ الرافدينِ يطلُّ شامخاً               من كلِّ حدبٍ وصوبٍ يهفو بوجدانِ

دعوتَ عودتَنا ومنْ لا تسرْهُُ                    لولا البلادُ يعوزُها بسطُ الأمانِ
حتّى الذي قبلَ البقاءَ مخيّرا              لم يخلو عيشُه منْ ذعرٍ أو منْ هوانِ

أعلنتَ نكبتَنا فحقاً مصيبةٌ                  أنْ تغدو الكنائسُ صرحاً بلا صلبانِ
فكأنها سماءٌ تلاشى نجمُها                     أو جنائنُ خلدٍ تخلو منَ السكانِ

أوعزتَ رابطةً وجذرَ ثقافةٍ               تاهتْ على أرضٍ لمْ تكنْ قبلاٍ مكاني
أملٌ لمنْ ملَّ السنينَ مهمّشاً              ولمنْ في الشتاتِ عانى منَ الهجرانٍ
تلكَ التفاتةٌ ما أسمى مقاصدُها               تشدُّ راحةَ القاصي بقبضةِ الداني
هي وحدةٌ للحاملين مشاعلاً                        يصدُّ بريقُها سطوةَ الذوبانِ
تشعُّ بعمقِها تاريخَ حضارةٍ                    كمْ منْ مآثرِها غابَ عنِ الأذهان
هذي الحقيقةُ لا يمكنْ تجاوزَها                 عذراً لمنْ أنكرَ أصالةَ الكلداني

يا غبطةَ البطريركِ شعبُك واثقٌ               أنّكَ للرعيةِ لستَ محضَ قبطانِ
بلْ أنتَ أبٌ وامٌ وأختٌ وأخٌ                      ليومِنا هذا والآتِ منَ الزمانِ
وللكنيسةِ جذعٌ تنامى عودُه                      للأبرشياتِ كتفرّعِ الأغصانِ   
هي المحبةُ لا منْ بديلٍ غيرِها                  يدعو بما تقرُّه دعوةُ الايمانِ
تلكَ الرسالةُ كمْ منْ أجلها نُحِرَتْ          على مذبحِ الأخيارِ سِيقَتْ كحملانِ 
جحافلٌ جُلَّ ذنبِها بُشرى المسيحِ             الاهاً تسعى لمجدهِ دونَ نُكرانِ
هيَ المسيحيةُ ثالوتٌ يَسجُدْ لهُ            منْ رسمَ الصليبَ علامةَ استئذانِ
صلاتَه أبانا الذي في السمواتِ               يَصدحُ بها  حيّاً أمْ لُفَّ  بأكفانِ

كان الأمل أن تلقى القصيدة مع التوطئة مباشرة بعد القداس الأحتفالي لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو ، حسب رأي راعي الكنيسة الجليل  . ولكن , للأسف الشديد ، لم تدرج ضمن برنامج الزيارة الذي أعدته اللجنة المكلفة بذلك. هل حدث سهواً ؟ قصداً ؟ اجتهاداً ؟ أم ضحية التسلط الكنسي العلماني ؟. المهم ، أن الأب الجليل التقى ابنتي ، التي هي ضمن فريق جوقة الكنيسة ، بعد مغادرة البطريرك ، مستفسراً عني ومتسائلاً لماذا لم أقدم القصيدة ؟ أجابته أنها لم تكن مدرجة ضمن برنامج الزيارة ... أضاف ألأب أنه حاول البحث عني بعد القداس ولم يجدني .... ألحق معه.. لقد بدى لي متعباً جداً ... ولا غرابة من ذلك بعد أزمة الكنيسة في " تورنتو " ، والتي ، حمداً وشكراً  للرب ،  انتهت بسلام .... ألأمل أن تسود المحبة بين أبناء الرعية كافة ، والأهم التجرد عن صفة " ألأنا " التي تصيب عدواها البعض ، وأكرر البعض , من العناصر القريبة والمقربة من صاحب القرار ....




74
ألطريق إلى القداسة وواقع العلماني في كنيسة الرب
د. صباح قيّا
لا يسع المرء المنصف إلا أن  يقف  خاشعاً ومبهوراً إزاء الصفحات المضيئة من تاريخ المسيحية التي أرست ركائزها ولا تزال الدماء الغزيرة التي سالت وتسيل في كل بقعة من أرجاء المعمورة منذ القرن الاول الميلادي ولحد اليوم , وحتماَ سوف تستمر غداَ وبعد غدِ كما تشير الدلائل المنظورة في عصرنا القاسي , ولن  تتوقف بل ربما تشتد إلى أن يحل موعد الخلاص , وكما نقله عن لسان الرب  الإنجيليون الأربعة في بشارتهم وبعض الرسل في رسائلهم ورؤياهم , تم غاص في شرحه وتعليمه اللاهوتيون الأوائل , وأذكر منهم اللاهوتي " ترتوليان 155 م – 250 م " الذي قال " دماء الشهداء بذور الكنيسة " .

لقد افلحت المسيحية في القرون الثلاث الأولى من نشأتها على جذب وكسب الكثيرين إلى رحبة الإيمان والذين تقبلوا المعمودية  أبان عهود الظلم والتعسف عن قناعة وصدق لما كان يتحلى به المؤمنون من مزايا وفضائل تنعكس على سلوكهم اليومي حيث كانت المسيحية بالنسبة لهم " طريقة عيش بل طريق الحياة " تتبلور ممارسة أركائها الأساسية المتمثلة بالمحبة والتسامح والغفران والعطاء بالإضافة إلى الصلاة والتعبد بأسمى وأحلى صورها .
 
ورغم المشاق والصعاب وسيل الإضطهادات التي صادفت الكنيسة خلال الألفين سنة الماضية من جهة , وحجم الأخطاء التي صدرت  عنها في فترات متفاوتة من ذلك الماضي من جهة أخرى , برز من بين رعاتها ورعيتها رجال وبرزت نساء , والكل , باعمار مختلفة ومنابع متباعدة وأصول متباينة ,  ساهم بطريقة أو أخرى في النتشال الكنيسة من كبوتها وتشذيب جذورها من البدع المضللة للمحافظة على وحدتها وبنيانها فهي " الصخرة التي لن تقوى أبواب الجحيم عليها " . ومن ثم حصل البعض من ذلك الكل على نعمة القداسة ...

 يتفق معظم الباحثين بأن طريق القداسة تعبده أربع عوامل رئيسية التزم بها بحماس متميز واندفاع ذاتي كافة القديسين  لإدراكهم أن مفهوم  المسيحية ليس إلا " طريقة عيش " يتمتع  المسيحي الحقيقي بضلالها ويسره التزود من قوتها , فهي السبيل لنعيم الآخرة .
يتبادر الآن السؤال التالي : ما هو واقع  العلماني مقارنة بالمربع المتساوي الأضلاع الذي يرسم طريق القداسة والذي تشمل أضلاعه بالتسلسل : ألصلاة , ألدراسة , ألعطاء , والبشارة ؟ .....  قبل الإجابة لا بد من الإشارة بأن السواد الأعظم من  رواد الكنيسة ينتمي إلى المجموعة التي تدخل الكنيسة كواجب أو فرض أو دافع معين ثم تخرج منها لتظهر ثانية في القداس اللاحق , وقد يكون ملتزماً بواحد أو أكثر من العوامل أعلاه ولكن يصعب  التكهن بذلك كونه بعيد عن المجهر .  اما القلة المتبقية التي لا تتجاوز ال 7% من مجموع الرعية  بحسب الدراسات الإستطلاعية فهي التي تنتمي إلى " جماعة الخدمة " , أي أنها تخدم الكنيسة طوعاً في أحد مفاصلها كمجلس الخورنة أو لجنة التعليم المسيحي أو الكتاب المقدس وما شاكل . ومن دون شك أن أفراد هذه المجموعة هم من يرصدهم المجهر كونهم واجهة الكنيسة وبتماس مباشر مع الكاهن . وإنطلاقاً من الطبيعة البشرية , سيُنظر إليهم وكأنهم قدوة ويتأمل الآخرون أن يكونوا  مثال المسيحي الصالح والتقي الورع . ولكن , للأسف الشديد , سيفشل البعض منهم من أول إختبار عندما يظن أن الموقع الذي يشغله هو " وجاهة مرموقة " وليس " خدمة طوعية كنسية " .

لا يختلف إثنان بأن الارتياح سيغمر الرعية عندما تكون " جماعة الخدمة " معروفة بعمق إيمانها وانتظام حضورها القداديس ومواظبتها على الصلاة التي لا تقتصر على إدائها داخل الكنيسة ’ بل بالإمكان ترديدها في أي وقت ومكان وحتى إثناء قيادة العجلة أو السير في الطريق . هذا ما كان يفعله القديسون . صلوات  مستديمة ودعوات مستمرة .

من المؤلم حقاً أن يكون من ينتمي إلى " جماعة الخدمة " غير ملمٍ بالمبادئ الأساسية للتعليم الكاثوليكي وبالأخص في هذا العصر الذي تختلط  فيه التفسيرات اللاهوتية والشروحات الإنجيلية بسبب الكم الهائل من المعلومات المتناقضة المتوفرة في الشبكات العنكبوتية ومواقع التواصل الإجتماعي . ألتثقيف الذاتي ضروري ومهم جداً ولا تقل أهميته عن حضور جلسات دراسة الكتاب المقدس وبالذات التي تدار من قبل راعي الكنيسة . يمكن التعلم كثيراً من قراءة خمس صفحات يومياً  من أي كتاب يتعلق بالإيمان وما معناه 1825 صفحة خلال السنة والتي قد تعني مطالعة ما يقارب  10 – 15 كتاب سنوياً . لقد كتب القديسون بغزارة بعد أن قرأوا بنهْمٍ وشهية غير محدودة .

كثرة الأعمال الخيرية وتنوعها سمة يتميز بها العالم الغربي , ومن دون شك أنه قد ورثها من العقيدة المسيحية حيث العطاء أحد أركانها الأربعة . والمطلوب أن تتصف " جماعة الخدمة " بهذا الركن الإنساني الرائع . ولا يعني بالعطاء ألتبرع بالمال وحسب بل يشمل كل ما يمكن أن يقوم به  الفرد من تضحية بالوقت والجهد لأجل الآخرين . وكمثل على ذلك مرافقة القادمين الجدد لإكمال أعمالهم , زيارة المرضى , تنظيم العجلات في موقف الكنيسة , وما شاكل من الأمور التي تتطلب  " التواضع ونكران الذات " كي تحقق الغرض المطلوب . من يطالع سيرة القديسين سيصاب بالذهول لحجم التضحيات التي قدمها كل منهم لإسعاد الإنسان وسلامته .

الدعوة الإرسالية الكبيرة التي وجهها يسوع للكنيسة بأسرها "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم"(متى 28، 19) . والملاحظ , للأسف الشديد , شيوع التسرب من الكنيسة إلى كنائس أخرى لأسباب وحجج غالباً ما تكون واهنة . من الضروري أن تتدرب " جماعة الخدمة " على التبشير . وحسب رأيي المتواضع أن التبشير  يجب أن لا ينشر فقط  بين  الأديان الأخرى وبين من لا إيمان لهم , بل لا بد وأن يوجه إلى أبناء الرعية للمحافظة على التصاقهم بالكنيسة . ألترحيب بالوجوه الجديدة والإستفسار عن الغائبين وتنظيم اللقاءات العائلية الهادئة بدون صخب الموسيقى والرقص والأغاني الحفلاتية بل برفقة  التراتيل الجميلة والموسيقى الكلاسيكية ذات البعد الديني .. كل هذه ستصب في خانة التبشير غير المباشر كي يظل المؤمن ضمن حضيرة الإيمان . ألتبشير كان ملازماً لكافة القديسين والكثير منهم ضحى بحياته من أجل تنفيد رسالة الرب أعلاه .
 
بالرغم من التركيز على " جماعة الخدمة " للسير في طريق القداسة  كونهم القدوة من الناحية النظرية وليس بالضرورة أن يكونوا كما تتشوق له الرعية ’ إلا أن المطلوب من الجميع  وأنا بضمنهم أن يسلك ذلك الطريق .. قد يكون شاقاً على الأرض ولكن ثماره اليانعة مع الرب في السماء .



75
لولا كنيسة الفاتيكان لكانت المسيحية في خبر كان
د. صباح قيّا
التاريخ  معلم الحياة .. مقولة رائعة تنسب إلى البابا القديس يوحنا الثالث والعشرون ( 1958 – 1963 ) . ولاستيعاب ما يقوله المعلم ينبغي الإنتباه والتركيز , ولهضم ما كتب عنه يستوجب المراجعة والتدقيق وفرز الحقائق عن التزويق والتلميع , وإلا يسقط القارئ في معاناة البيت الشعري :
أسفاً لمنْ يطالعُ التاريخَ    ومنْ دروسِهِ لا يتعلمُ
ليست الغاية من المقال الدفاع عن الكنيسة الكاثوليكية ممثلة بمقر رئاستها في الفاتيكان , ولا عن الكثلكة وقمة هرمها الحبر الأعظم , كما أن المقال لا يرمي إلى تهميش دور الكنائس الأخرى أو التقليل من شأنها في الدفاع عن المسيحية وصد الهجمات الغازية الشرسة والمدمرة  ,   وإنما سرد بعض الوقائع  التاريخية التي لا يختلف عليها إثنان , ويبقى الفضل في  الحكم والفصل للعم " كوكل " الذي يملك الكم الهائل من المعلومات الرصينة والمعتمدة , إضافة إلى الغزير من المنشور  في  اللغات المختلفة والمتوفر في المكتبات وعلى الشبكات العنكبوتية . واللبيب حتماً من الإشارة يفهم .
وصلت عام 452 م القوات البربرية بقيادة " أتيلا " مشارف روما ’ بعد أن اقتحمت وأسقطت العديد من المدن في هجمات وحشية قاسية لم تقتصر على الأنفس فقط بل أحرقت ودمرت كل ما اعترض سبيلها , ولم تسلم الكنائس من شرورها . تأرجح الموقف عند الإمبراطورية الرومانية في الغرب وخيم القلق على كنيسة روما وهي تراقب من يطلق عليه لجبروته وتعطشه للقتل والتخريب " عذاب أو بلوى الله " وهو  على مقربة من أبوابها  . إنطلق البابا القديس ليو الأول ( 440 -461 م ) متوجها إلى مقر القائد " أتيلا " لمفاوضته رغم توسل الإكليروس ليعدل عن رأيه خوفاً عليه من بطش البربري الذي لا يرحم . لا يعرف لحد اليوم ما دار بالضبط بين البابا القديس والبربري , ولكن يتفق الكثيرون بأن الأخير أبدى إعجابه بشخصية البابا وانسحب مع جيشه بعد اللقاء تاركاً روما بسلام وكنيسة المسيح بأمان .
ولم تمضِ غير ثلاث سنوات على حملة " أتيلا " , فإذا بالقبائل الجرمانية المسماة " فاندالس " تدخل روما غازية عام 455 م . وتدخل  نفس البابا القديس ثانية  مقنعاً ملكهم أن يتجنب القتل ويمنع الحرق والدمار , وبالفعل تم ذلك حيث اكتفى " الفاندالس " بما حصلوا عليه من كنوز ثمينة , وبذلك حافظت الكنيسة على مشعل المسيحية ورسالة الإيمان .
لم تتمكن , للأسف الشديد , الكنائس  في الشرق من الصمود امام بطش الحكام والملوك آنذاك  ولا أمام الغزوات المتعاقبة بعدئذٍ   ,  وربما كان الإختلاف العقائدي بين بعضها البعض من جهة وبينها  وبين الكنيسة في الغرب من جهة أخرى عاملاً جوهرياً في أفول كيانها  وتناقص أعداد مؤمنيها . ولم تفلح الحملات الصليبية القادمة من أوربا الغربية ( 1095 – 1291 م ) في إحداث تغيير جذري أو فعال في واقع الحال ,    ثم جاءت الكارثة الكبرى في 29 مايس 1453 م  بسقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية في الشرق , والتي أدت إلى انحسار المسيحية في ذلك الجزء من العالم . لم يلقَ نداء البابا ايجونيوس الرابع ( 1431- 1447 م ) للدفاع عن المسيحيين والذي أطلقه في الأول من كانون الثاني عام 1443 م تلبية لطلب الإمبراطور الروماني في القسطنطينية لمد العون له تحسباً لمعركة مرتقبة  , ولا الدعوة لحرب صليبية فورية التي أطلقها البابا نبكولاس الخامس (  1447-1455 م )   في 30 أيلول 1453 م , أذناً صاغية عند  الملوك والأمراء في الغرب حينذاك . وهكذا فقدت القسطنطينية عملباً كرسيها الرسولي التاريخي ولم يبق منه غير الأسم الشكلي  , كما تحولت كنيستها الأولى الرائعة الجمال والإبداع ( 537 – 1453 م)  إلى جامع ( 1453- 1931 م ) ومن ثم إلى متحف (  1935 م - الوقت الحاضر ) .
كثيرة هي الايام الخالدة منذ أن انعم الله على العالم بإبنه الوحيد لينقل ومن بعده تلاميذه رسالة الإيمان وطريق الخلاص لبني البشر . وبرأيي المتواضع يظل  يوم 7 تشرين الأول  1571 م متميزاً في خلوده فلولاه لرقدت المسيحية في نعشها إلى الأبد , ولكن هيهات ....  فبالرغم من الدماء التي كانت تسيل في أوربا بغزارة  بين المسيحيين أنفسهم  بعد بدء ما يسمى بحركة الإصلاح عام 1517 م  وما أفرزته من فرقة وإنشقاق بين معتنقي الدين الواحد , استطاع البابا القديس بيوس الخامس ( 1566 –  1572 م ) أن يوحد جيشاً  نجحت بحريته  بإعجوبة في هزيمة ودحر الأسطول  العثماني التركي الذي يفوقه عدداً وعدة  في المواجهة التي وقعت بينهما  في مياه الجنوب الغربي لليونان في المعركة الشهيرة والمسماة " معركة ليبانتو " حيث لم يسلم من 300 سفينة تركية إلا 13 فقط .  إنها حقاً  معجزة أحدثت تحولاً جذرياً في التوازن الديني وأوقفت الزحف القتالي العثماني على العالم المسيحي الغربي منذ تلك الحقبة وإلى اليوم .
وفي عصرنا الحالي استطاع البابا القديس يوحنا بولس الثاني ( 1978 – 2005 ) أن يساهم في تفكيك المعسكر الذي حاول أن يزعزع االفكر المسيحي ويبعد المسيحيين عن الإيمان بهيمنة فكر الدولة الجديد وسطوة سلطته  والذي لا يعترف لا بالخالق ولا بأنبيائه , فبدأت الكنائس بالإزدهار من جديد , وعادت الرعية إلى أحضان آبائها الأوائل .
أتذكر من كتاب " عبقرية المسيح " من تأليف الكاتب المصري عباس محمود العقاد ما ذكره في الصفحة الأخيرة من كتابه وما معناه أنه لو  أنكرنا على المسيح ولادته وأعاجيبه ومعجزاته وقيامته وصعوده , فلا يمكن إطلاقاً  إنكار رسالته التي انتشرت بالكلمة , وبالكلمة فقط استطاعت أن تصل إلى أقاصي بقاع العالم وحققت ما لم تحققه أقوى وأعتى الجيوش في التاريخ الماضي والحاضر .... ومن هذا المنطلق أسمح لنفسي أن أقول بأنه مهما حصل بسبب كنيسة روما من أخطاء  بعد الإعتراف بالدين المسيحي عام 313 ومهما فعلت محاكم التفتيش وأزهقت تهمة الهرطقة من نفوس وما تسببت به  صكوك الغفران من انشقاق تلاه سفك الدماء , فلا بمكنني البتة إلا الإعتراف من خلال الوقائع والأحداث والحقائق التاريخية  والإقرار بانه لولا كنيسة الفاتيكان في ذلك الزمان وإلى الآن  لأصبحت المسيحية اليوم  خبر كان . إنها حقاً كما     أوصى بها الرب :   أَنْتَ هُوَ بُطْرُسُ، أَيِ الصَّخْرَة، وعلى هذِهِ الصَّخْرَةِ سَأَبْنِي بِيْعَتِي، وأَبْوَابُ الجَحِيْمِ لَنْ تَقْوىعَلَيْها............     



76

شكراً غبطة البطريريك لتشخيصكم ولكن كيف ومتى العلاج ؟
د. صباح قيّا
إستبشرت مع من استبشر عند إعلان نية غبطة البطريريك عن تأسيس الرابطة الكلدانية العالمية . نشرت حينها مقالين وحسب الرابطين أدناه :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,784425.msg7398247.html#msg7398247
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,774541.msg7370160.html#msg7370160
وأسعدني شرف المشاركة في مناقشة مسودة النظام الداخلي في مشيكن برعاية سيادة المطران إبراهيم إبراهيم . إقترحت في أحد المقالين أن يكون غبطته رئيساً لها في السنة  الأولى من تشكيلها , ولو حصل ذلك بالفعل لربما انطلق مسار الرابطة بالإتجاه الصحيح ولم يكن هنالك ما يدعو غبطته لإطلاق نداءه "  2. دعم الرابطة الكلدانية … لابد من دعم الرابطة الكلدانية من خلال انخراط أشخاص مقتدرين فيها، ممن لهم خلفيات ثقافية واجتماعية وسياسية، أشخاص لهم مبادى ثابتة ولا يحملون مشاريع وصولية ومصلحية.  كما أن الرابطة بحاجة إلى دعم مالي  لتتمكن من خدمة الكلدان والاستعداد للمرحلة القادمة (ما بعد داعش). ثمة معطيات إيجابية كثيرة ولكن أيضا سلبية يمكن معالجتها من خلال توحيد الصف والتحليل السليم وعقد تحالفات والحفاظ على الشراكة مع المكونات الأخرى. " .  وكما جاء بالرابط :

http://saint-adday.com/?p=16566

بادرت بحسن نية لتقديم طلب الإنتساب للرابطة , وحضرت الإجتماع التأسيسي الموسع لمكتب وندزر - كندا حيث أسكن , وبحضور مسؤول فرع كندا .... بصراحة , إنني أضحك مع نفسي وأنا أكتب هذه التسميات  بصيغة التنظيمات الحزبية المعروفة . كان الأحرى بالرابطة أن تعتمد تسميات تقترب من جوهر المسيحية في أوائل نهضتها , أو على الأقل تتبنى التعابير التي تبتعد عن كل ما يشير إلى كون الرابطة اشبه بتشكيل حزبي مرعب .
للأسف الشديد تبوأ مكتب وندزر ( يا ربي سترك )  أحد الوصوليين الذي بقدرة قادر تحول من داعية عروبي في الكادر المتقدم المشمول بالإجتثاث إلى قومي كلداني يطمح بقيادة الرابطة ليس في وندزر وحسب وإنما في عموم كندا وربما أمريكا الشمالية قاطبة ... ألله أعلم ....    ما قاله , والعهدة على الناقل , بأنه سيجعلني أترك الرابطة خلال الإجتماع الأول لإحدى لجانها الفرعية  التي كنت أحد اعضائها . وصدق في  ما قاله ’ حيث تركت الإجتماع بعد برهة وجيزة من البدء كموقف مبدأي تجاه من جبُل على الغدر واحترف الخبث الذي قفز بواسطتهما  الى المراتب المتقدمة في السلم الحزبي بعد أن سقط الغيارى من حملة المبادئ بإيمان وتجرد من عليائه .... هذه هي مهزلة الحاضر وكما عبر عنها أحدهم في هذا البيت من الشعر الشعبي :
إلدجاجة العمية الدهرْ تمن طُعُمْ ينطيها     وجمْ كِطه بالفلا ثاري العطشْ ياذيها
وفي مكالمة هاتفية معي  بادر بها مسؤول فرع كندا للوقوف على حقيقة ما حصل كما إدعى , رغم شعوري بانحيازه سلفاً إلى " وصولي مكتب  وندزر " , ولا غرابة في ذلك كونه مهووس بلغة : السورث " بلهجتها القديمة و الحائرة بين الآرامية والسريانية والكلدانية والاشورية وما شاكل , كما أنه لا يقرّ بكلدانية  من لا يتكلمها  بطلاقة ’ و يعتب على حتى الذي يتقنها من الكلدان كونه لا يستخدم التعابير القديمة التي تسره   ً ’ وفاته أن معظم الكلدان لا يتكلمون  لغة السورث وبأية لهجة كانت , وأن هنالك من الكلدان , ويشمل ذلك حتى من يتكلم السورث منهم ,  من يقول عن أصله عربي أو كردي أو تركماني أو آشوري أوقطاري , ومنهم المسلم الشيعي وربما السني والمسيحي الكاثوليكي أو الأرثوذوكسي أو الإنجيلي بأنواعه وحديثاً الصابئي , وقد ينضم لهم اليهودي غداً ما دام النبي ابراهيم خرج من أور الكلدان  , وهذه حقيقة واضحة لا يمكن انكارها إطلاقاً . أما عن واقع الجيل الجديد في المهجر وما يليه فحدث ولا حرج . ومن الغريب العجيب الذي أخبرني به " مفتي فرع كندا  " بأن كافة المؤسسات الكلدانية باختلاف توجهاتها ستنضوي تحت خيمة  الرابطة الكلدانية بعد أن تثبت الأخيرة أقدامها على الساحة ولا حاجة لوجود أي تشكيل كلداني آخر حينئذٍ . أجبته على الفور : كيف تعقل بأن المؤسسات التي ساهمت في ترسيخ الإسم الكلداني قبل عشرات السنين ولا تزال ’ ترضى بذلك , وقلت له أيضاً : لو حقاً هذه من أهداف الرابطة فإني أول من يقف ضدها . تململ ولم يجد منفذاً غير موقفه السلبي تجاهي ومعاداته لي منذ ذلك الوقت ولحد اليوم .... وهكذا استشهد ركن المسيحية المتمثل بالمحبة  نتيجة قصر البصر الذي أصاب  وصولي مكتب وندزر ومفتي فرع كندا . 
أستميحك عذراً يا غبطة البطريريك الكلي الطوبى بقولي أن الرابطة الكلدانية في المهجر أخفقت في لم الشمل الكلداني  . والدليل على ذلك النسبة المتواضعة جداً من الكلدان التي انضمت إليها بالرغم من الندوات التعريفية واللقاءات المتعددة وحث بعض المطارنة والكهنة وتشجيعهم على الإنتساب إليها .  وهنالك من يقول بأن المهم النوعية وليست الكمية . نعم ذلك صحيح من ناحية المبدأ ’ ولكن من الناحية الواقعية ما هو عدد تلك النوعية في الفروع والمكاتب المنتشرة في بلاد الشتات ؟  عدد الشباب .. عدد الأكاديميين .. عدد رجال الأعمال .. عدد الكوادر المتنفذة في دول الشتات .. ؟ .. أين ثقل الرابطة في إيصال النخب الكلدانية لإشغال المناصب المختلفة التي تستحق انتخاباً ؟ . ألكلدان يا سيدي البطريريك بخير في بلاد المهجر وهم ليسوا بحاجة إلى تنظيم للدفاع عنهم ما دام الجمبع متساوين أمام القانون ولكل حقوقه وواجباته ... ألقوة الفعالة التي تتمكن بجدارة من لم الشمل الكلداني هي الكنيسة والتي تحتاج إلى توفر قيادة جريئة ورشيدة لتحقيق ذلك ’ وسأتطرق لهذا الجانب في مقال آخر مستقبلاً .... للأسف الشديد وكما انت نوهت عنه في ندائك أن الشمل الكلداني قد تبعثر نسبياً بفضل " شلة الوصوليين " المتغلغلة في جسد الرابطة في المهجر , ولا شك بأنك على إطلاع كامل بما حصل ويحصل من خصام وشقاق والتي وصلت وتصل إلى استقالات فردية أو جماعية نتيجة الصراع على نيل المكاسب والحصول على المناصب .
سيدي ألبطريريك : ألكلدان حقاً بحاجة إلى رابطة في الوطن الأم تدعم الكنيسة من جهة وتدعمها الكنيسة من جهة أخرى , يؤازرها من الأعماق معظم الكلدان إن لم يكن جميعهم ويساهم في إسنادها بكل شوق وحماس , وأعيد هنا ما كتبته في إحدى مداخلاتي على الموقع :  في المهجر لا نحتاج إلى رابطة لأن الحقوق الكلدانية متساوية مع الحقوق التي يتمتع بها أي مواطن , كما أن الإسم الكلداني له أصداءه منذ عشرات السنين , والذين حالياً في مناصب مرموقة في دول الشتات لم يصلوها عن طريق الرابطة , ودور الرابطة في الإنتخابات الرئاسية أو الفرعية أقل بكثير من دور الإذاعات الكلدانية في هذا المجال , وللأسف الشديد بدل أن تجمع فرقت بقصد أو بدون قصد والحقائق أمام الجميع ولا يمكن نكرانها.
 أما في الوطن الجريح : نعم نحتاج إلى رابطة تلم الشمل الكلداني بدعم الكنيسة وتعمل لنيل ما تتمكن نيله من حقوق , والتي يتوجب دعمها من قبل الكلدان في المهجر قاطبة . فبدل الرابطة الكلدانية العالمية نحتاج ألرابطة الكلدانية العراقية ... نحن جالسون في النعيم ونريد أن نتنعم بما يستحقه الرابض بآلامه في الوطن الجريح ... هذه ليست عدالة ....
أعتقد آن الأوان لوضع الأمور في نصابها الصحيح والعمل على تشكيل الرابطة الكلدانية العراقية وأن تتخذ من الرابطة المارونية نموذجاً تقتدى به في العمل وفي مستوى ونوع الشخصيات والذوات التي تقبل للإنضمام إليها .... ألخلل لا يزال بسيطاً في بدايته وعلاجه الأن أفضل من تركه ليستفحل ويفتت صاحبه , وعنده لن يفيد الندم ...
أنا أفصل العاطفة عن العقل تماماً عند الكتابة , وما أكتب نابع عن  قناعتي الخاصة بذلك والتي ستشهد الايام على صحتها . أرجو المعذرة لقولي : أول من يخذل الكلدان هم الكلدان أنفسهم , فلا تعول عليهم كثيراً .



77
مقالاتٌ أكاديميه أمْ سفسطةٌ كلاميه
د. صباح قيَا
شاع تعبير " عبادة الشخصية " في فترة معينة ’ وربما أطلقها الزعماء السوفيت على فترة حكم  زعيمهم السابق  " ستالين " إسقاطاً وإنتقاماً منه  بعد رحيله بسنوات عديدة ... ولكن من خلال النظرة الموضوعية إلى الوقائع التاريخية ماضياً وحاضراً ’ يتجلى يوضوح بأن عبادة الشخصية لازمت معظم الإمبراطوريات والحكومات الملكية في أرجاء المعمورة  ’ وحتى الأنظمة  الجمهورية لم تسلم من هذه النزعة  وخاصة  في دول ومشايخ الوطن العربي والتي تحول الحكم فيها إلى ما يسمى بالجمهوريات الملكية , والأمثلة على ذلك متعددة سواء ما حصل  بالأمس القريب وما يحصل الآن . ولا يمكن إنكار دور  القبلية العربية السائدة آنذاك ونقل تلك الغريزة إلى الحكم الإسلامي بعد إنتهاء دور الخلفاء الراشدين وبروز الولاء لحكم العشيرة الواحدة وتقديم فروض الطاعة من قبل شيوخ ورؤساء  العشائر والقبائل الأخرى إلى رئيس القبيلة الحاكمة الذي بايعوه طوعاً أو غصباً كخليفة على المسلمين وغير المسلمين القاطنين في أرض الخلافة .... ولم تقتصر الزعامات العائلية الفردية على أمة الإسلام وإنما سبقتها أو أعقبتها كنيسة المشرق في اتباع نفس النهج وذلك بتنصيب البطريريك وراثياً من نفس العائلة كما هو معروف للجميع لحين حصول الذي حصل , ولا يمكن التكهن عموماً  ماذا سيؤول الأمر لو قدّر للشعب المسيحي أن تكون له دويلته المستقلة .
أكرر ما ذكرته في مقالات سابقة بأني أقف على مسافة واحدة من كافة رموزنا الكنسية وأكن الإحترام والتقدير للجميع بغض النظر عن المنصب الوظيفي و الدرجة الكهنوتية , كما أن الإشارة للسلبيات من وجهة نظري الشخصية لا تعني إطلاقاً الإنتقاص من أية جهة فردية أو جماعية , بل لغرض تجاوزها وتلافيها مستقبلاً . وهذا أيضاً ينطبق على الكتاب الأعزاء سواء اتفقنا أو تقاطعنا في الرأي .... الرأي والرأي المقابل سمة حياتية وظاهرة صحية  رافقت الإنسان منذ بدء الخليقة , ومن حسن الحظ أن واقع العيش في المهجر يكفل الحرية لكل فرد , والأمل أن لا تساء ممارسة هذه النعمة وتخرج عن حدودها المقبولة عقلاُ وروحاً , وأيضاً أن يتقبل النقد من يسمح لنفسه به , فلا يجوز أن يحلل له ما يحرمه للآخرين  , فهل هنالك أعظم من القول " أحب لغيرك ما تحب لنفسك " و " بالكيل الذي تكيلون يكال لكم ويزيد " .
لا يمكن إغفال أن النفس تطرب للمديح , ولا غرابة  أن يتلهف الكتاب والشعراء  في كيل المديح لأصحاب القرار لكسب رضاهم من جهة ولتحقيق المنافع الذاتية من جهة أخرى , وفي أحيان كثيرة يكون الدافع رياءً وتملقاً ليس إلا ....   ولكن العجيب الغريب أن ينبري البعض من رواد الموقع  في تغليف مداخلته على عدد  من المقالات بهذا الأسلوب خصوصاً عندما يذيّل الكاتب إسمه بكنية الباحث أو الأكاديمي أو الإثنين معاً عدا اللفب التقليدي إن وجد . وقد تتباين العوامل التي تدفع بهذا الإتجاه بدءأً من النزعة القروية أو العشائرية إنتهاءً بالمشاعر الودية لطرف ضد الطرف الآخر ولأسباب شتى تصب جميعاً في الإنحياز العاطفي سلباً أو إيجاباً بعيداً عن المنطق  والثوابت القياسية  الخاصة بالموضوع .... من السذاجة الإعتقاد بأكاديمية وعلمية ما يكتبه الأكاديمي على الموقع بمجرد  درج لقب الأكاديمي جوار إسمه , ومن البلاهة أن يصدق الكاتب الأكاديمي ويقبل مثل هذا الإطراء غير العادل  وهو يعلم يقيناً أن مقاله يفتقد العديد من الشروط الواجب توفرها في المقال كي يرتقى إلى  السمة الأكاديمية  , كما أنه يعرف جيداً أن ما ينشره هو أوغبره ,  وأنا ضمنهم , على الموقع  يفتقر  إلى حد ما  إلى معظم الضوابط الأكاديمية التي يجب أن تراعى كي يكتسب المقال صفة الأكاديمي , ولكن كما أدرجت أعلاه " أن النفس تطرب للمديح " , ومسكين ذلك الأكاديمي الذي يطرب لمديح رغم قناعته بعدم استحقاقه له ... وللأسف الشديد هنالك من الأكاديميين على الموقع من يحسب جميع القراء من أشباه الأميين فيضفي على مقاله  مسحة جمالية من خلال تبويبه لمتن المقال كي يفلح في إسقاط القارئ  البسيط في فخ الأكاديمية والعلمية  فيغدق على كاتبه بأنواع التبجيل والتعظيم من الكلام ... حقاً أنه الضحك على الذقون , ولكن الويل كل الويل عندما يصطدم  الكاتب بذقنٍ ضاحك .
ألمقال الأكاديمي هو الذي يكتب من قبل  إختصاصي في ذلك الحقل . يراجع ويعد صالحاً للنشر من قبل ندّ مماثل , ينتظر فترة طويلة للنشر قد تصل أحياناً بضع سنوات . لغته رسمية أكاديمية تحوي مصطلحات وتعابير متداولة في الحقل المعني . يدرج  إسم الكاتب وشهاداته في ذيل المقال . تثبت كافة المصادر المعتمدة في كتابة المقال للإستدلال على المعلومات الواردة فيه .  يتوفر  في الدوريات  مثل مجلة علم النفس , تعليم الطفل , مجلة الصحة العامة وغير ذلك من المجلات التخصصية  .
ألمقال غير الأكاديمي يكتب للعموم . ينشر بسرعة ويكتب من قبل أي كان . أللغة اختيارية غير أكاديمية وقد تحوي مصطلحات وتعابير دارجة ( عامية ) . ليس بالضرورة درج إسم الكاتب أو تحصيله الدراسي ولا توجد قائمة بالمصادر .  يتوفر في الدوريات مثل مجلة التايم     والنشرات الإسبوعية وما شاكل . بصورة عامة , لا تعتبر النصوص الدينية والصحف مصادراً أكاديمية . ولا يحبذ الإعتماد على الويكيبيديا كمصدر أكاديمي أيضاً .
وليس بالضرورة أن يتمتع المقال حتى ولو كان أكاديمياً من كافة الوجوه بالحصانة أو الأمانة العلمية التي تعزز رصانته ويغدو معتمداً في الدراسات المستقبلية . فبين فترة وأخرى يكتشف العجيب الغريب من التلاعب بالنتائج والتحوير والتزوير وتوجيه البحث أو الدراسة لتحقيق مآرب تخدم الباحث أو الجهة الممولة للبحث دون الإكتراث بما سيؤول اليه الفرد خصوصاً والمجتمع عموماً , وعند العم " كوكل " البرهان .
من خلال هذا الإستعرض البسيط عن المفال الأكاديمي أستطيع القول بكل ثقة بأن ما نشر سابقاُ وما ينشر لاحقاً على الموقع لا يتأطر بالشرعية الأكاديمية إطلاقاً , والأمل أن يقرّ من سبق وان توهم وأوهم القارئ الكريم بأكاديمية ما يكتب مستنداً على كونه من العائلة الأكاديمية  , فقد تحجب الغشاوة الحقيقة عن البعض ولكن من المستحيل أن تحجبها عن  الكل . وعسى أن يعترف بحقيقة الأمر كما اعترف الأعرابي لمعن في المحاورة أدناه .

معن بن زائدة والاعرابي
تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن بن زائدة
وماهو عليه من وفرة الحلم ، ولين الجانب ، وأطالوا في ذلك ، فقام أعرابي ، وآل على نفسه أن يغضب معن ابن زائده ، فقالوا: إن قدرت على اغضابه فلك مائة بعير . فانطلق الاعرابي الى بيته ، وذبح شاة وسلخها ، ثم أرتدى جلدها جاعلا أعلى الجلد الى الداخل وداخله الى الخارج ، ثم دخل على معن ، ووقف أمامه طافح العينين كالخليع
كأنه خائف من شيء تارة ينظر الى الارض ، وتارة ينظر الى السما ، ثم قال
أتذكر إذ لحافك جلد شاة ***** وإذ نعلاك من جلد البعير
قال معن : أذكر ذلك ولا أنساه يا أخ العرب . فقال الاعرابي :
فسبحان الذي أعطاك ملكا ***** وعلمك الجلوس على السرير
فقال معن : سبحانه وتعالي. فقال الاعرابي :
فلست مسلما ما دمت حيا ***** على معن بتسليم الامير
قال معن: إن سلمت رددنا عليك السلام ، وإن تركت فلا ضير عليك
فقال الاعرابي:
سأرحل عن بلاد أنت فيها ***** ولو جار الزمان على الفقير
فقال معن : إن اقمت بنا فعلى الرحب والسعة ، وان رحلت عنا فمصحوبا بالسلامة ، فقال الاعرابي وقد اعياه حلم معن :
فجد لي يابن ناقصة بمال ***** فإني قد عزمت على المسير
فقال معن : اعطوه الف دينار ، فأخذها وقال:
قليل ما أتيت به وإني ***** لأطمع منك بالمال الكثير
فثن فقد أتاك الملك عفوا***** بلا عقل ولا رايي منير
فقال معن: اعطوه الفا ثانيا ، فتقدم الاعرابي اليه ، وقبل يديه ورجليه وقال:
سألت الجود أن يبقيك ذخرا ***** فما لك في البرية من نظير
فمنك الجود والافضال حقا***** وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن : اعطيناه على هجوه الفين ، فأعطوه على مدحنا أربعة الاف.
فقال الاعرابي : جعلت فداك ، ما فعلت ذلك الا لمئة بعير جعلت على إغضابك . فقال معن: لاخوف عليك ، ثم أمر له بمئتي بعير ، نصفها للرهان ، والنصف الاخر له ، فانصرف الاعرابي داعيا شاكرا.
هذا الموقف من معن بن زائدة
الا نحتاج لمثله في عالمنا اليوم ، الذي كثرت فيه الاحداث والهرج والمرج

ويظل المبدأ كما في الرباعية التالية :

أنا سالكٌ كلّ دربٍ للحقيقةِ يفْضي
 لا أبالي طولَ المسارِ وكمْ به سأقضي
 مقولةُ الحقِّ همّي مهما جابهتُ من بُغْضِ
فمنْ مدرسةِ الحياةِ علمتُ أين أمضي ......... أين أمضي


78
مجلس الخورنة – وجاهة أم خدمة
د. صباح قيّا
لا بد وأن يتذكر من عمل في صفوف الجيش العراقي المنحل تعبير " البطالة المقنعة " والتي كانت ملموسة عملياً في كافة وحداته وتنظيماته . ومن سبق أن دخل مكتب الوحدة الذي يطلق عليه " ألقلم " , فربما انتبه إلى لولب واحد دؤوب الحركة من بين حوالي خمسة أو أكثر من المنتسبين  يضيع  معظم وقتهم بالتسامر والقشب او أللهو بأمورهم الحياتية الخاصة . وليس من باب المبالغة القول بأن هذه الظاهرة السلبية شائعة في مفاصل حياتية شتى وعلى مستويات متباينة . فمثلاً يلاحظ من خلال متابعة أي صف مدرسي بأن هنالك نسبة جداً طفيفة من الطلبة المشاركين فعلياً في النشاطات المدرسية مقابل الكم الهائل الذي لا يتحرك إلا ضمن المنهاج الدراسي المخصص له .... 
من الممكن القول أن في كل مفصل حياتي هنالك مجموعة ديناميكية صغيرة تقوم بمعظم أوً بكافة متطلبات  ذلك المفصل . وهذا ينطبق أيضاً على العمل الكنسي حيث الملاحظ أن حوالي نسبة 7% من أبناء الرعية  تساهم في توفير أكثر من  80% من احتياجات الكنيسة سواء بالعمل الطوعي أو بالدعم المادي  , وليس بالضرورة أن تكون تلك المجموعة متجانسة أو أن  يتساوى أفرادها  بدرجة الكمال أو بعمق الإيمان  , ولكنها تلتقي في الرغبة بالعمل والعطاء وبمعدلات تتفوق على نسبة 93% المتبقية التي تتباين في مدى تعلقها بالكنيسة , فقد يكتفي  قسم من أفرادها بحضور القداس كل يوم أحد , ويقتصر حضور القسم الثاني على الأعياد والمناسبات , وقسم ثالث لا علاقة له بالكنيسة إطلاقاً .
يتبادر الآن السؤال التالي : إذا كانت نسبة ال 7% تؤدي أكثر من 80% من متطلبات العمل الكنسي ’ فماذا يحصل لو تضاعفت النسبة تباعاً ؟ ألنتيجة حتماً ستعني أن هنالك طاقات كامنة لا تقدر , وأن الكنيسة عبارة عن عملاق نائم .,, فمن الذي ينجح في إظهار تلك الطاقات ؟ ومن الذي يفلح في إيقاظ ذلك العملاق ؟ ... اليس هو راعي الكنيسة وأبيها الروحي على الأرض ؟  ... كيف السبيل إلى ذلك ؟
هنالك تشكيلات متعددة تابعة للكنيسة تضطلع بواجبات ومهام مختلفة , ومن ضمنها " مجلس الخورنة " الذي هو بمثابة هيئة إستشارية لكاهن الجالية مختارة من قبله  في بعض أعضائها ومنتخبة من قبل عدد متواضع من رواد الكنيسة في البعض الآخر .,,, هنالك من يعتقد أو يعمل على أن يكون المجلس بديلاً للكاهن .. لكن , ومن وجهة نظري الشخصية , يجب أن يظل المجلس مستشاراً لراعي الكنيسة الذي من صلاحيته أن لا يوافق على أي قرار حتى لو اقترن بموافقة كافة أعضاء المجلس ... ألراعي هو الأب الروحي للكنيسة وأدرى بشؤونها من أي علماني . هنالك من يشكك بقدرة الراعي الإدارية ويصر على عدم خبرته في هذا المجال ... طيب .. ما هي خبرة أعضاء المجلس وما هو تحصيلهم الإداري ؟ هل من الممكن إنكار أن العديد من أعضاء المجلس هم أشباه الأميين , وأن من بينهم من اختاره الراعي نفسه كونه يملك جيباً دسماً أو من أقرباء من يملك المال والجاه ؟ , كما أن هنالك من بينهم من هم من اقربائه أو من نفس قريته ؟ . إذن الحجة الإدارية حجة ضعيفة وعقيمة , ومن يعتقد أنه عالم ويفهم كل الأمور لا بد وأن يكون جاهلاً من حيث يدري ولا يدري ...
 كيف يحل الأمر عندما يتقاطع رأي المجلس مع رأي الكاهن ؟  ألجواب : لا بد وأن تناقش الفقرة بهدوء وشفافية ويحاول المجلس جهده إقناع , وأكرر إقناع , وليس فرض رأي على الراعي , وأيضاً على الراعي أن يحاول جهده وبتواضع , نعم بتواضع , وليس بعنجهية المسؤول , لكسب المجلس لوجهة نظره . وأقترح فيما إذا ما وصل الأمر إلى طريق مسدود أن يحدد موعد لاحق للبت النهائي والذي خلاله يستأنس الكاهن بآراء من لهم الخبرة في هذا المجال سواء من أبناء الرعية أو خارجها , وحتماً سيجد عندئذ الحل الأمثل  ... وانطلاقاً من هذه النقطة بالذات أرى أنه من الأجدر أن يكون للكاهن  مجموعة من المستشارين المعتمدين من الذين لا بسمح لهم الظرف الشخصي أو الوظيفي للترشيح لانتخابات المجلس , ولكن لها الإستعداد لتقديم الخدمة المرجوة في الوقت المناسب ومن خارج نطاق المجلس .
ومع سؤال آخر : هل العمل في المجلس الخورني وجاهة أم خدمة  ؟ ألجواب من الناحية المثالية هو خدمة , واعتماداً على  الكتاب المقدس " كبيركم خادمكم " . لكن , للأسف الشديد , أحيانأ تتحكم غريزة الأنا  وتطغي مشاعر الشخصية النرجسية  فيتوهم البعض بأنها وجاهة ويسلك سلوكاً استعلائياً متناسياً بأن الإنسان السوي هو الذي يتشرف الكرسي به عند الجلوس عليه , أي الذي يُشرف الكرسي  وليس الذي يتشرف بالكرسي ...
ولكي يقدم عضو المجلس الخدمة المرجوة منه وأن لا يتحول إلى ما يشبه " الروبوت  " , وأيضاً لمنح الفرصة لأكبر عدد من أبناء الرعية للإنضمام إلى نسبة ال 7% ومضاعفتها , أقترح أن لا يشغل العلماني أكثر من عضوية واحدة ضمن التشكيلات الكنسية , فمثلاً عندما يكون عضواً في  المجلس , فلا داعي أن يكون ضمن أية لجنة أخرى تابعة للكنيسة , فالملاحظ هنالك من يشغل حالياً منصباً في المجلس الخورني , وأيضاً عضو لجنة دراسة الإنجيل بالإضافة إلى منصبه المرموق في مكتب رابطة وندزر ... سؤالي : ما هذا العبقرينو ؟ وهل خلت الكنيسة من علمانيين آخرين كبديل له ؟ أم أن ذلك جزء من " المافيا " التي تحاول الإستمرار بالسيطرة على مقدرات الكنيسة بطريقة أو بأخرى ولا تفسح المجال للوجوه الجديدة حتى وإن فاقتها قدرة وكفاءة . وأحياناً لا تكتفي بذلك بل تعمل على مضايقتها  والتي تضطر هجرة كنيستها وربما إلى غير رجعة ....
 باعتقادي أن من يدعي المحبة عليه أن يمارسها , فالمحبة بدون ممارسة كلمة عابرة  , فأية محبة تلك  التي تعمل على تحجيم العناصر المتحمسة للعمل والمقتدرة ضمن  اختصاصها ... لقد ساهمت " المافيا "  في تسرب عدد لا يستهان به من أبناء الجالية , وما تزال على نفس المنوال ... كيف لي أن أصدق أن الذي يطمح لإشغال عضوية أكثر من تشكيل كنسي أو شبه كنسي  لا يبحث عن الوجاهة ... لا لن أصدق حتى ولو أقسم على الإنجيل ......   

79
أدب / رباعيات شعرية : أين أمضي ؟
« في: 00:18 27/01/2017  »
رباعيات شعرية : أين أمضي ؟
د. صباح قيّا

أصحيحٌ ما يُقالُ خلقَ الكونَ إلاهُ
وما يحصلُ للأنسِ منْ مآسٍ سيراهُ
هلْ حكمةُ الربِّ حقاً أن يفنى الكلُّ فِداهُ
قاتلٌ أو مقتولٌ كلاهما يسعى رضاهُ .......... أين أمضي ؟

فرقةٌ في كلِّ دينٍ بدعةٌ في كلِّ مذهبْ
واحدٌ يعبدُ رباً لهُ في أمرهِ مأربْ
آخرٌ يعشقُ فكراً هوَ للإلحادِ أقربْ
يا تُرى منْ ذا الذي إليهِ أنقادُ وأذهب ........ أين أمضي ؟

بعضُ ما في العهدِ القديمِ يدعو إلى العَجَبِ
أساطيرُ بابلَ قبلَ التوراةِ بالنَسَبِ
قصةُ الطوفانِ نذيرُ اللهِ بالغَضَبِ
رموزٌ يُحَددُ لُغْزَها اجتهادُ المَذْهَبِ ............ أين أمضي ؟

ألقتْلُُ مذْ بدءِ الخليقةِ أصلُهُ قابيلُ
ومِنْ زِِنى ابراهيمَ بالعبْدَةِ أتى اسماعيلُ
وزوجٌ مِنْ شهوَةِ داودَ بالحربِ قتيلُ
وكمْ حسناءٍ عليها منْ سليمانَ إكليلُ ......... أين أمضي ؟

وبعدَ تِلْكَ المعاصي هُمْ بالكتابِ أنبياءْ
كيفَ للوحْيِ أنْ يساوي الخطاةً بالأنقياءْ
فهلْ تقوى المعْمداني كسُكْرِ نوحَ  بالعراءْ
أمْ عِفَّةُ القديسينَ كَنَزَواتِ الحكماءْ ............ أين أمضي؟

أين أمضي وثلثُ العالمِ من الجوعِ يشكو
وثلثٌ لهُ من الحاكمينَ ظلمُ وهتكُ
وثالثُ منهما يتنعمُ هوَ المُلْكُ
كيف يا ربَّ العبادِ بعدلِكَ لا يُشَكُّ .................. أين أمضي ؟

إرادةُ اللهِ هذي وفي خلْقهِ شؤونُ
يحيا فقيراً منْ دماغُهُ بالعلمِ مشحونُ
ويحصدُ مالاً منْ عقلُهُ بالجهلِ مسجونُ
هل التناقضُ يوحي الكونَ بالربِ مسكونُ ....... أين أمضي ؟

حكمةُ الباري لمنْ آمنَ بهِ من الناسِ
حمْداً لهُ رغمَ هوْلِ المصائبِ والمآسي
أهلُ الضحايا باسْمهِ تُسَبّحُ وتواسي
غريزةُ النفسِ أن تهوى عبادةَ الأقداسِ ......... أين أمضي ؟

منْ أغوى حواءَ أسموهُ بالكتاب إبليسا
غادر الأرضَ وعاد بين الأنامِ جليسا
يزهو بوعظِ الفضيلةِ تخاله قسّيسا
ربما يُطوّبُ يوماٍ فيدعوه قدّيسا .................. أين أمضي ؟

أين أمضي وشياطينُ الأرضِ في كلِّ بقعهْ
ضَلالُ الفكرِ والغدرِ عندهم مصدرُ المتعهْ
كلامُ الله يتلوهُ وقومٌ يرضى بالخدعهْ
فمنْ نادى اتركوهمْ قالوا من ذا صاحبُ البدعه... أين أمضي ؟

أين أمضي والصراعاتُ تتعدى الحواجزْ
كلُّ منْ على السلطةِ بالحلولِ لها عاجزْ
منْ يرتجي من عاشقِ الأنا تشجيعَ الحوافزْ
حتى واعظُ الإيمانِ باللذات هو فائزْ ............. أينَ أمضي ؟

أين أمضي وطريق الحياةِ فيه تناقضْ
يبكي على الإيمانِ منْ دنياهُ صارتْ فرائضْ
لا يبالي بالوصايا هو للمنطقِ رافضْ
فإما السكوتٌ أو للصراحةِ سعرٌ باهضْ ......... أين أمضي ؟

كلما أطالعُ التاريخَ أغرقُ بالحزنِ
هيَ المسيحيةُ بدءً كانت كما في ذهني
رسلٌ طافتْ ببشرى الخلاصِ في كلِّ ركنِ
وعمدتْ بالروح القدسِ والآبِ وبالإبنِ ....... أين أمضي ؟

ما للهِ للهِ وما لقيصرَ لقيصرْ
أعطوا كما المسيحُ في أورشليمَ بها أمرْ
فلمَ كلماتُ ربي تغدو لِكانَ خبرْ
لو الرعاةُ بغيرِ الأناجيلِ لا تؤتمرْ .............. أين أمضي ؟

كنيسةٌ عبرَ الزمانِ انشقتْ عنها كنائسْ
ومنْ تلكَ الكنائسِ صارت اليوم مجالسْ
وما يجري في هذي المجالسِ نقاشٌ يائسْ
ما دام الحاضرُ على حريرِ السلطةِ جالسْ .... أين أمضي ؟

زماناً كم عالمٍ باسم الصليبِ أحرقوهُ
وكم مجتهدٍ باللاهوتِ عِلماً هرطقوهُ
ومنْ سعى لإصلاحِ الكنيسةِ حرموهُ
وكلّ منْ خالف الرأيَ يومها عزلوهُ ........... أين أمضي ؟

أليوم راعٍ راحلُ وغداً آتٍ بديلُ
وجمعُ الكنيسةِ في صراعٍ لِمَنْ يميلُ
بعضٌ يضحكُ فرَحاً ودمعُ البعضِ يسيلُ
ولاءُ القريةِ طاغٍ على الإيمانِ دخيلُ ........... أين أمضي ؟

عجَباً لداءِ الكنائسِ لا يلقى شفاءا
فالعلّةُ مافياتٌ في كلِّ عهدٍ لها باعا
علاجها ما يأمرُ به الكاهنُ يُطاعا
ولكنَّ البلْسَمَ في المصالجِ لا يُراعى ........... أين أمضي ؟

لِمَ الكاهنُ يظنُّ عن الخطأِ معصومُ
هلْ هوَ بديلُ الربِّ بالعالمينَ مهمومُ
أم أنَّ الغرورَ وهوى الأنا بها محكومُ
أحقاً يا تُرى مِنْ مباهجِ الدنيا محرومُ ........... أين أمضي ؟

بعضٌ منَ الكنائس في الليلِ غدتْ مراقصْ
لوحةُ الإعلاناتِ فيها مطرباتٌ وراقصْ
وراعٍ من خلالها يبصرُ الدولارَ شاخصْ
نعمْ برناردشو كلٌ يبحثُ عن ما فيه ناقصْ .... أين أمضي ؟

وأخرى في كلِّ عيدٍ لها حفلُ التراتيلِ
لاتينيةٌ كانت أم من أتباعِ الأناجيلِ
أسفي على كنائسي تُحشى بالأباطيلِ
يبغي رعاتُها جاهاً من بناءِ الأساطيلِ   ........ أين أمضي ؟

لكنْ بينهم على النذور باقٍ كما قبلا
جوقةُ الترانيمِ تشدو بالقداسِ ما أحلى
لا صخبٌ ولا هزُّ الخصرِ وهْيَ بالخمرِ ثملى
ولا حجةُ التعارفِ تُغري من لهُ أصلا .......... أين أمضي ؟

في كلِّ عهدٍ لنا بالمسيحيةِ صراعُ
هيَ المناصب من عشقها الإيمانُ يُباعُ
نداءُ المخلّصِ للوحدةِ متى يُطاعُ
فهلْ يُجدي يومَ القيامةِ عُذرٌ أو دفاعُ ......... أين أمضي ؟

لمَ المسيحيةُ من أمسٍ تعاني انقساما
وكمْ من الكنائسِ في الشرقِ صارت حطاما
وماذا عن أفواجِ الصليبِ أُجبرتْ إسلاما
ومواكبُ الشهداءِ بالأجسادِ تُداما ............. أين أمضي ؟

على الصليبِ ماتتْ للإسودِ سيقتْ طعاما
لم تنكرُ الإيمانً بل زادَ عشقاً وهياما
غابَ ما كان قديماً ليس للراعي اهتماما
غيرَ أن يملأَ جيباً بالحلالِ أو حراما ............أين أمضي ؟

إلى متى أحلامُ اليقظةِ تسري في العروقِ
والقناعةُ أنَّ الشعبَ لن يحضى بالحقوقِ
فالحقُّ عمْقُ سباتهِ غيبوبةُ المصعوقِ
والعدلُ حلّقَ عالياً بربطةِ المشنوقِ ........... أين أمضي ؟

هرطقةٌ أطرقْ أطرقْ فعندَ البابِ يسوعُ
شهودُ يهوه تفتري هيَ للحقِّ شموعُ
تحسبُ الفاديَ أنساً عنهُ يشتطُّ الخشوعُ
تنكرُ الثالوثَ رباً إنجيلَهُ لا تُطيعُ ............... أين أمضي ؟

جعلَ المورمونُ منَ الخالقِ مِزواجاً وأبْ
أنزلَ الوحيَ كتاباتٍ على ألواحِ ذهَبْ
غادرَ القدْسَ لأمريكا وفي كفَّيْهِ نُدَبْ
عجباً للعاقلِ أن يتبع رؤيا من كذَبْ  ........... أين أمضي ؟

أيُّ دينٍ يستهوي من المشاهيرِ أتباعا
يصعدُ السُلَّمَ منْ للمنهجِ يمضي ابتياعا
بزغتْ أركانُهُ منْ قصةٍ لاقت سماعا
أصبحَ الكاتبُ للطامحِ معبوداً مُطاعا .......... أين أمضي ؟

أسألُ العدلَ لمَ الفتنةُ منْ نفسِ المكانِ
هلْ هيَ الصدفةُ حقاً أم من تدبيرِ ساسانِ
زيدوا الكنائسَ قيلتْ حقبةً قبل الزمانِ
يرتد عن الأصل طوعاً من ليسَ بالحسبانِ ... أين أمضي ؟
 
أنا اليوم ضيفٌ على الحياةِ غداً مسافرْ
لا أدري كيف السبيلُ ومَنْ مِنْ قبلي يهاجرْ
كلُّ علمي مَنْ على الأرضِ حتماً بعدي يغادرْ
هيَ الأجسادُ على الأجسادِ نامتْ بالمقابرْ......أين أمضي ؟


مَنْ يصنعُ الخيرَ يلقى في الخلدِ خيراً وفيرا
ومنْ يزرعُ الشرَّ حصاده نبتاً مريرا
قطارُ العمرِ ماضٍ نحو منْ رسمَ المصيرا
فرحُ هناك أو الأسنان تشكو صريرا ......... أين أمضي ؟

مَنْ يظنُّ أني عن الإيمانِ زاغٍ واهمُ
كمْ ناقدٍ للكنيسةِ باللاهوتِ فاهمُ
وكمْ حبيبٍ يعاني وهْوَ بالعُشْقِ هائمُ
وما قالهُ غاندي في الواقعِ حقاً قائمُ .......... أين أمضي ؟

أنا مع الإيمانِ رغمَ ما أملكُ من عِلْمِ
أنا معَ العلْمِ وإيماني يُزيدُ مِنْ فهمي
تصميمُ الكونِ إبداعُ الخَلْقِ بالشَكْلِ والجسمِ
بصيرٌ مَنْ لا يعي مصابٌ بالصُمِّ والبُكْمِ ....... أين أمضي ؟

كلما اقتربتُ منَ الإيمانِ نسيتُ بؤسي
أينما سمعتُ إسمَ المسيحِ أحنيتُ رأسي
يسجدُ الشعبُ لمنْ لأجلهِ مشى لرمسِ
هوَ حُبّي وخلاصي كيف لا أفديه نفسي ........أين أمضي

أنا سالكٌ كلّ دربٍ للحقيقةِ يفْضي
 لا أبالي طولَ المسارِ وكمْ به سأقضي
 مقولةُ الحقِّ همّي مهما جابهتُ من بُغْضِ
فمنْ مدرسةِ الحياةِ علمتُ أين أمضي ......... أين أمضي





80
مقاطع شعرية في رثاء العم كريم قيّا
د. صباح قيّا

أتذكّرُ وأنا بعمرِ اليافعينْ
أن العمَّ كريمْ
خلف القضبانِ سجينْ
يخرجُ يوماً للعراءِ ً
مع بهجةِ الأهلِ والأقرباءِ
وفرحةُ البناتِ والبنينْ
ليعودَ له بعد حينْ
دموعُ الأحبةِ تنهمرُ
ونفسُ المشهد يتكررُ
لسنينَ وسنينْ ...

لم تنثني رغم سوطِ سجانك اللعينْ
ورغم أوجاع  جسمك  والأنينْ
شعارك حب الوطنِ
والنضال من أجلِ  الكادحينْ
ألا تباً للمستعمرين
والحريةُ في الغد للملايينْ
فالتعذيبُ شرفٌ
والشهادةُ وسامٌ على الجبينْ ...

بعد كل المعاناةِ
 ظلت الشمسُ بالمغيبِ
يا لخيبةِ الأملِ
أسفاً على الزمنِ العصيبِ
أين تاه الرفاقُ
وماذا حلَّ بالتثقيفِ والتهذيبِ
كلُّ توارى إلى ركنٍ غريبِ
وحملَ نعشَ العقيدةِ  بعلبةِ التعليبِ  ....

هاجرت يا عمي مع الألمِ من الذكرياتِ
لم يتحققْ ما كنت تحلمُ به
ومن معك من الأباةِ
فحلمُ الوطنِ الجريحِ
حقيقةُ في بلدِ الشتاتِ
وذاك الطريقُ الطويلُ
وما فيه من العثراتِ
أصبح من الماضي السعيدِ
 رغم سيلِ العبراتِ ...

زرتني في عيادتي ببغدادَ
 قبل أن تسافرْ
أهديتني رباطاً
وقلت لي أنك مغادرْ
ولزوجتي عطراً
قبل أن تودعَ الوطنَ الغالي
ولأمريكا تهاجرْ
سألتك حينها عن الكويتْ
وسرِّ ما يحصلُ مع العراقِ من تناحرْ
أجبتني بعقلِ السياسي الماهرْ
وما قلته لي عن المخططِ العالمي
لا يزال بالفعلِ ماضٍ 
والحدثِ سائرْ ...

ألرحمةُ لك يا عمي أبا ميسونَ وعادلَ وسلامْ
والصبرُ والسلوانُ للعزيزةِ كوكبْ
صديقةُ المرحومة والدتي
كانتا دوماً ً على وئامْ 
وعزائي لميسونَ وعادلَ وكافةِ محبيكَ
منَ الأنامْ
ولترقدَ في رحابِ الربِّ بسلامْ
مع المرحوم إبنك سلامْ ......







81
شذرات كحولية من الذاكرة
د. صباح قيّا
في منتصف ثمانينات القرن الماضي , شاءت الصدف أن يكون شباك عيادتي الخاصة مقابل الباب الرئيسي  للسوق المركزي الوحيد الكائن وسط إحدى المدن الجنوبية للوطن الحبيب التي نقلت إليها آنذاك ... ما لفت نظري هو الطابور النسوي الطويل المتستر بالعباءة السوداء و الذي كان ينتظر عصر كل يوم خميس  , على ما أتذكر ,  بغية الظفر بالبضاعة الثمينة التي من أجلها تصطف الموشحات بالسواد لفترة غير قصيرة , وحتماً الغلبة لمن يقفن بالصفوف الأمامية لتعود الأخريات " بخفى حنبن " كما هو معروف عن التوزيع في تلك  الأسواق حيث تتسرب كمية لا بأس بها  إلى الأحباب والمعارف , والبقية إلى السوق السوداء على الأغلب  ... دفعني فضولي ,  بعد عدة أسابيع  ,  أن أسال كاتب عيادتي عن سر الصابرات على الرصيف المحاذي للسوق رغم قساوة الجو أحياناً  , وكانت المفاجئة عندما علمت أنهن بانتظار الحصول على قنينة من  " العرق " والذي يطلق عليه العراقيون " حليب سباع " . ولكن لم النسوة ؟ أجاب : ألرجال يكلفون  النساء لتنفيذ هذه المهمة , حيث من الصعب التعرف عليهن والعباءة تغطي كل الجسم وقسم من الوجه , وبذا يبقى الرجل بعيداً عن الشبهات أمام مجتمعه ... ولكن من يستهلك تلك المحرمات ؟ وخاصة أنني لم أصادف مريضاً يجيب بالإيجاب على السؤال التقليدي حول تناوله الكحول ... كيف لي أن أصل إلى الحقيقة وأجد تفسيراً منطقياً لهذ ه الظاهرة المتناقضة ؟ إستفسرت من أحد مرضاي ذي الأفكار العلمانية والذي يراجعني بانتظام ذاكراً له حقيقة الخميس وشكوكي بما أسمع من المراجعين .  أجابني , مبتسماً , بقوله : دكتور , ألكل يشرب هنا ولكن لا تتوقع أن يقرَّ أيُّ  واحد بذلك , هكذا تعود الناس  في هذه المدينة رغم أن الجميع يعرف بعضهم  الآخر ... لم أستغرب مما قاله ,  فازداوجبة الشخصية العربية معروفة للقاصي والداني , والمتأتية إلى حد كبير  من التزمت الديني الذي يحلل في الخفاء ويحرم في العلن .
وبعد  سنوات مضت .. راجعني في عيادتي في بغداد شاب لم يبلغ الثلاثين من العمر  معبراً عن قلقه مما سيحصل له بسبب تناوله سابقاً  كميات كبيرة من المشروبات الكحولية وبمعدل بطل ويسكي يومياً مع عدد من  قناني  البيرة أو بضع  بيكات عرق . وبعد أن شرحت له كافة الإضرار الصحية المحتملة , سألته بعفوية ربما صدرت عن شعوري بالشفقة على شبابه الضائع : لماذا تشرب بهذا القدر والخمر محرم حسب دينك ؟  نظر إليَّ باستغراب وأجابني بامتعاض : دكتور ... "  طرقت عيادتك بالذات بعد أن استعرضت أسماء كافة الأطباء المتواجدة عياداتهم في المنطقة  كي لا يحرجني أحدهم بنصائحه القرآنية , وأنت الآن تحاسبني رغم أن إسمك يدل على كونك مسيحي "  .  ثم غادر والمرارة واضحة على محياه .
وفي نفس العيادة , شكت لي إحدى المريضات زوجها الذي يدخل البيت مخموراً في ساعة متأخرة من مساء كل يوم , وتوسلت أن أتكلم معه بهذا الخصوص وأنصحه للإقلاع عن الشرب أو التقليل منه عند مراجعته لي . وبالفعل ناقشت الأمر معه , ولكنه أصر بأن الخمر ليس حراماً على الإطلاق  مستنداً على الآيات القرانية التي أوردتها " جمعية المسلمين القرآنيين  " , وأيضاً  جاءتً على لسان الشيخ د. مصطفى راشد  أدناه . قلت له : طيب يا محمد , وهذا هو إسمه , لماذا الإسراف فيه ؟  , أليس من الأفضل الإعتدال  ؟ , والذي حتماً سيسر أهل بيتك . وعدني خيراً .
خلال حضوري  مؤتمر الأمراض الباطنية في مدينة كيوتو اليابانية عام 2002 , إقتربت مني مشاركتان من دولة إيران بعد أن لاحظتا  إسم العراق على الشارة المثبتة على الجهة اليسرى من صدري  . تكلمنا عن المؤتمر عموماً , ثم أبدت إحداهما استياءها من اليابانيين  كونهم غير مؤمنين من وجهة نظرها لتقديمهم المشروبات الكحولية في برنامج المؤتمر الإجتماعي .... ربما اعتقدت بأني من دينها وربما توهمت أيضاً بأني من نفس مذهبها ’ وسأطرب لتصريحها الإيماني الساذج .... أجبتها , بصراحة , بأني اكتشفت الفضائل الربانية عند اليابانيين , وأن التزامهم الفعلي بالخصال الإنسانية يفوق الكثير من أتباع الديانات السماوية , وعززت رأيي بذكر بعض ما صادفته عند وصولي ومكوثي بينهم ....  وسوف اتطرق  لتفاصيلها في مقال لاحق ....
 ألكثير من البشر يتشدق بالدين السماوي وغاب عنه أن ما جاء في معظم الأديان غير السماوية إن لم يكن جميعها من الثوابت والمبادئ الحياتية ما تستحق رفع القبعة إجلالاً لها ... على الأقل لا توجد متناقضات في تعاليمها , وتعمل لسلامة الإنسان وراحته , وليس كما جاء في آيات تدعو إلى المحبة ثم تنسخها بأخريات تقتل وتذبج , ومن أجل الخالق في كلتا الحالتين ... من الناحية الواقعية , يتميز العهد الجديد بشفافيته ووضوح الكلمة وثباتها في تعاليمه . ومن يطالع العهد القديم وكتاب القران , لا بد وأن يقتنع بالكم الهائل من التعاليم المتناقضة مع بعضها ومن دعوات العنف الواردة في الكثير من آياتهما . كأن الذي جاء بالآيات المكيّة  له من العهد الجديد حصته الكبرى , ومن أتى بآيات المدينة له مع العهد القديم ألفة  . ولم تسلم الخمر من الآيات المتناقضة في كلا الكتابين , بعكس وضوحها في العهد الجديد الذي يسمح بالشرب باعتدال  ولا يسمح بالسكر , وكأن الرسول بولس قد اكتشف الفوائد الصحية لتناول الخمر باعتدال منذ ذلك الحين وقبل نشوء العلوم البحثية وتطورها .
وفي موتمر للأمراض القلبية في مدينة ميونخ الألمانية الذي حضرته مع مجموعة من زملائي العراقيين عام 2004 , كان من بيتهم من يشرب الخمر , ومنهم من يستحرمها , ويستغفر الله عند حضورها . ألمضحك المبكي , أن  هنالك مِن بين مَن يستحرمها ويكفرها , مَن كان يحاول أن يصطاد فتاة كي يقضي حاجته معها رغم كونه متزوج وصاحب عائلة كما يقال . لم يتحمل أحد الزملاء هذا التناقض , فزجر الباحث عن لذته بشدة  قائلاَ له :  ما هذا النوع العجيب الغريب من الإيمان ؟ تحرم وتحلل كما يحلو لك ... تتمسك بعدم الشرب لأنه حرام  من جهة , وتبحث عن الجنس رغم كونك متزوج ولا تعتبره حرام من جهة أخرى  . مع العلم أن هذا الزميل لا يشرب أيضاً وهو معروف بدماثة خلقه والتزامه مع احترامه لمعتقد الآخرين .
من الحقائق المعروفة بأن الكثير ممن يحرم الخمر على نفسه , لكنه في نفس الوقت يستبيح الجنس ولا بتوانى عن ممارسته مع أي كان متى ما سنحت له الفرصة بذلك . لقد أبدع بعض الكتاب في بلورة هذه الظاهرة الإجتماعبة المرضية ومنهم الروائي المبدع نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة . كما أن الأفلام السينمائية وخاصة المصرية منها تميزت هي أيضاً  في إبرازها .
ليست الغاية من هذا المقال توجيه اللوم لمن ساهم في التصويت لصالح منع الخمرة وتداولها . ولكن يجب أن يقتنع البرلماني بأن ألقرارات الصائبة ترضخ للعقل لا للعاطفة . صيانة حرية الفرد هدف أساسي ينبغي العمل له . ألسكر مرفوض إجتماعياً وصحياً وحتى دينياً , ولكن الخمرة باعتدال محللة حتى عند المسلمين , ومن لا بقبل بذلك عليه التعمق في النص بعقل واع لا بعاطفة متذبذبة كما فعلت الجمعية أدناه  وكتب الشيخ أيضاً .
 للأسف الشديد , أن معظم من " يتطوطح " من تأثير الخمرة في الرأس هو من أتباع الدبن الإسلامي , وقد شهدت ذلك بنفسي من خلال العيش المشترك  مع البعض . ألأديان السماوية واللاسماوية لم تحرم الخمر باعتدال , حتى الآيات المتناقضة في كتاب القران والتي جاءت كتحصيل حاصل للسلوك الشاذ لمن اعتنق الدين عند ظهوره وبدء انتشاره .... ألسؤال الآن : هل يتمكن البرلماني من عدم استباحة الجنس لنفسه كما يشاء كي بحرم عصير العنب لمن يشاء ؟

http://www.alquds.co.uk/?p=305776
جمعية المسلمين القرآنيين: شرب الخمر حلال

Mar 05, 2015

 
لندن- أكدت الجمعية الدولية للمسلمين القرآنيين، في بيان صادر عنها إثر ملتقاها الأسبوعي الخاص بتدبر القرآن ، أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار المروية في كتب التفسير لم تحرّم شرب الخمر مشيرة إلى أن الله وصف المسكر بالرزق الحسن، وذلك في سورة النحل الآية 16.
وقالت الجمعية في بيان لها “ثمّ في الآيات الواردة في الخمر يأمر الله بعدم إقامة الصلاة في حالة السكر، كما يذكر أنّ لها إثم كبير وإثمها أكبر من نفعها، وهذا يفيد أنّ الخمر إلى جانب إثمها الكبير فيها أيضا منافع. ثمّ يوصي بتجنّبها من دون أن يحرّمها بآية صريحة في هذا الصدد. ولو أراد الله عزّ وجلّ تحريمها لاستعمل فعل ” حرّم “، كما استعمله في الآيات التي تخصّ الميتة، والدم، ولحم الخنزير.”
وانتهت الجمعية إلى أن الخمر ليس محرما، وفقا لما ورد بالنص القرآني، وهي إن كانت من عمل الشيطان فذلك ليس في ذاتها وإنّما في مفعولها السيء على صحّة الانسان وعلى صحّة المجتمع. فالأفضل إذا الامساك عنها لما ينجرّ عنها من مساوئ لا تنتهي، وبهذا نعمل، لانّ الخمر لمساوئها وصفت بحقّ أنّها ” أمّ الخبائث “.
وفي ما يلي الآيات محلّ التدبّر حسب الجمعية الدولية للمسلمين القرانيين
سورة البقرة:
الآية 173: ” إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.”
الآية 219: ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.”
سورة النساء:
الآية 43: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا.”
سورة المائدة:
الآية 90: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.”



http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=276843

الخمر غير محرم فى الاسلام
----------------------------------------------------------------------------------------
ما زال التحليل والتأويل والتفسير والقياس الفقهى لنصوص القرآن والآحاديث ، رهين عقليات المفسرين من البشر منذ مئات السنين دون أن ننظر إلى المفسرين والفقهاء هل هم فعلا أسوياء يملكون المنطق والعقل الراجح ، أم أن الكثير منهم كان مصاباً بالعطب العقلى والعته الفكرى ، وجعلنا منهم أئمة ومرشدين وقادة ،ولأن الدين مهنة من لا مهنة له ، وجدنا الكثير من فقهائنا ومفسرينا يقررون وينظّرونَ حسبما نشأوا --- ، فوجدنا فقهاء منطقة الخليج متأثرين بطبيعة بلادهم الرملية الجافة القاسية ، فاختلفت تفسيراتهم للنصوص مع فقهاء الشام الذين نشأوا فى الحضر، وكذا الاختلاف مع فقهاء مصر أصحاب الارث الحضارى والثقافى ، حتى نصل للأكثر مدنية وتحضراً ، وهم فقهاء الأندلس ، امثال ابن رشد وابن عربى – واختلاف فقهاء هذه المناطق ، يوضح لنا أزمة الاسلام ، وحاجته لمؤسسة دولية وسطية مثل الأزهر ، تعكف على تنقية هذا الإرث المتضارب فى الكثير من جوانبه ، والمخالف لمقاصد الشرع الصحيحة – ولأننا قررنا منذ فترة السير فى هذا العمل تطوعا لتنقية التراث مما هو مخالف لصحيح ومفهوم النصوص ، نجيب على سؤال المستشار- سالم محمد النشيف الوارد على موقعنا بخصوص( موقف الإسلام من الخمر) ذلك بإسناد الرأى والفتوى فيها إلى النصوص دون َتزيد ، لذا سوف نبدأ بتعريف الخمر الذى أختُلف فى تعريفه فمنهم من قال أن الخمر لغة : - هى كل ما خامر العقل وغلبه –
وفى الاصطلاح الفقهى : - هى أسم لكل مسكر
واٌخر يعُرف الخمر لغة وشرعاً : - كل مسكر سواء كان من العنب أو غيره .
ولتحديد وضع الخمر فى الاسلام ، إن كان محرماً أم لا ، سوف نناقش الآيات والأحاديث المتعلقة بموضوع الخمر بالشرح والتفسير، حتى نستطيع الوصول للرأى الفقهى لوضع الفتوى بوضوح واطمئنان وثبات الحجة : -
اولا : - قوله تعالى فى الآية 219 من سورة البقرة ( يسأ لونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس واثمهما أكبر من نفعهما ) ( ص )
والآية هنا توضح أن الخمر والميسر فيهما أثم ومنافع لكن اثمهما أكبر من نفعهما ، وهذا ليس بنص تحريم بل يضع الخمر فى درجة المكروه ، لأن نصوص القرآن عودتنا على الالفاظ القاطعة الواضحة اذا كانت المسألة تتعلق بالتحريم مثل قوله تعالى فى سورة البقرة 173 ( حُرِّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) وكذا الاية 3 من سورة المائدة وايضا قوله تعالى فى الاية 96 من سورة المائدة ( وحرم عليكم صيد البرما دمتم حرما ) وكذا سورة النحل الاية 115 ، مما يعنى أن الخمر مكروه وليس محرما وإلا لماذا لم تقل الاية حرم عليكم الخمر .
ثانيا : - قوله تعالى فى الاٌية 43 من سورة النساء ( يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) ( ص )
وقد نزلت هذه الاية بعد أن كان بعض الصحابة يصلُّون وهم فى حالة سكرٍ مزرٍ فيخطئون فى قراءة الآيات -- ويفهم ضمنيا من الآية هو أن السكر حتى الغياب عن الوعى ممنوع اثناء الصلاة ونص الاية لا يمنع فى غير اوقات الصلاة.
ثالثا : - قوله تعالى فى الآية 90 من سورة المائدة ( يا أيها الذين أمنوا إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فأجتنبوه ) ( ص )
وهنا الآية واضحة فى طلب إجتناب الخمر والاشياء الاخرى وهذا لا يدل على التحريم بل يضع الخمر فى درجة المكروه. وفرقُ كبيرُ بين حكم المحرم والمكروه رابعا : - قوله تعالى فى الآية 91 من سورة المائدة ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكُم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) ( ص ) .
ايضا لم تقطع هذة الاية بحرمة الخمر والميسر بل تطالبهم بالتوقف عنهما حتى لا تصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ، ثم يأتى القرآن ليؤكد أن الخمر ليس محرم فى ذاتة بل فى علة الوقوع فى السكر الذى يصد عن ذكر الله وعن الصلاة بقوله تعالى فى الآية 15 من سورة محمد ( مثل الجنة التى وعد المتقون فيها أنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين ) ( ص )
خامسا : - بالنسبة للحديث الذى رواه مسلم رقم 3733 بأن كل مسكر حرام.
ابتداءً نتحفَّظ على سند الحديث لأن التحريم وهو أعلى درجات الأحكام فى الشريعة الأسلامية لا يكفيه حديث يصدر عن أحد أو بعض الرواة— لكن على اى حال فنص الحديث لا يحرم الخمر فى حد ذاته بل يحرم السكر أى الوقوع فيه .
ونحن إذ نفتى بعدم حرمة الخمر فى الاسلام قد وضعنا أمام أعيننا قوله تعالى فى الآية 116 من سورة النحل ( ولا تقولوا لما تصفُ ألسنتكمُ الكَذبَ هذا حلالُ وهذا حرامُ لتفتروا على الله الكذبَ ) ( ص ) والله من وراء القصد والابتغاء .
الشيخ د -مصطفى راشد
حاصل على العالمية من جامعة الأزهر كلية الشريعة
فرع دمنهور عام 87

82
أدب / رباعيات شعرية : من يلاما
« في: 18:12 24/10/2016  »


رباعيات شعرية : من يلاما
                                                                                                         
د. صباح قيّا


هل في العراق صاحٍ أم الكلُّ نُوَّمُ
شمس الصباح كأنها غيمٌ أعتمُ
وطنٌ ضاع أم شعبٌ نسى ما يلزمُ
في كلِّ المناصبِ سارقٌ أو آثمُ    ..... من يُلاما

بلدٌ من التناحرِ يتشرذمُ
سنيٌّ لا يرضى من به يتحكمً
وشيعيٌّ لم يصدق أنه الحَكَمُ
ونحن بين هذي المهازلِ نُثرَمُ ....... من يُلاما

ذبحٌ واغتصابٌ وجمعٌ يتألمُ
طفلٌ برغمِ الصراخِ مَنْ حَوله أصَمُ
أمٌ بأحضان الشهوةِ تُقتسمُ
وأبٌ حتى بالسيفِ لا يتأسلمُ ........ من يُلاما

لِمَ النيرانُ في أرضِ الجدودِ تُضرمُ
وكأسُ المرارةِ يُحتسى والعلقمُ
وقبورُ قومي بالحوافرِ تُهدمُ
وحقوقُ شعبي بالمزابلِ تُردمُ ........ من يُلاما


لو كان في وطني الجريحِ مَنْ يُلهمُ
ورجالُ عنهم أعمالٌ تتكلمُ
وأحزابٌ تجمعُ الشعبَ له تخدمُ
ورايةٌ بين الصفوفِ تتقدمُ ....... من يُلاما

عنْ أيِّ عصرٍ نبكي نترحمٌ
في كل عصرٍ لنا عزاءٌ ومأتمُ
نطويَ الأمسَ عسى اليومُ نتنعمُ
فإذا الحاضرُ كالماضي ليلٌ أظلمُ ..... من يُلاما

عالَمٌ لنْ تبصرَ  كأنك دممُ
تلك الضحايا وأنت واقفٌ صنمُ
أين الضميرُ أيها الغربُ الملتزمُ
ونحنُ معاً بالمسيحية نِعَمُ ...... من يُلاما
 
بلادي أنا ممن هنالكَ أعلمُ
منْ  غادرَ قبلاً دربُهُ حتماً أسلمُ
لِمَ البقاءُ والصخرُ فيكِ مُدممُ
كمْ شهيدٍ بعد شهيدٍ أمساً أعدمُ ..... من يُلاما




بلادي أنا ذميٌّ وأهلي ذِممُ
ما دام التسبيحُ بالنحْرِ هو العَلَمُ
ومصدرُ التشريعِ سيدٌ مُعممُ
ومنَ القرآنِ نقرأُ نتعلمُ ....... من يُلاما

بلادي بالعلمانيةِ تحيا تدُمُ
هيَ العدالةُ بِظلّها ننتظمُ
لا دينٌ يعلو على دينٍ ويختصمُ
ولا المذاهبُ ببعضها تَحتدمُ  ..... من يُلاما

بلادي مِنَ العُشقِ أذوبُ وأحلمُ
هيَ في فؤادي حبيسةٌ تلتحمُ
هيَ في عقلي مُلهِمةٌ تتعظمُ
وأنا المهاجرُ بدمعي أستَحِمُ ....... من يُلاما









83
من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا – ألجزء الرابع والأخير - ؟
د. صباح قيّا
جمعتني جلسة عشاء مع نخبة متميزة من أطباء القلب في العالم إثناء حضوري المؤتمر العالمي لعلم صدى القلب ( إيكوكارديوكرافي ) في نيودلهي – ألهند – عام 2002 . تطرق أحد الأطباء الهندوس إلى الإقتتال الذي يحصل بين الفلسطينين والإسرائيليين متسائلاً بألم لماذا تموت أعداد من البشر كل يوم هنالك وكيف الحل لإيقاف ذلك ؟ أجاب , على الفور ,  واحد من جهابذة طب القلب  ألأمريكان من أصول يهودية  والذي ربما تجاوز السبعين من عمره  وبلهجة جادة ,  ألحل بسيط جداً وهو إعطاء العرب الفلسطينيين حقوقهم . تملكتني الدهشة وأنا أسمع هذا المقترح من فم يهودي لصالح من يقاتل بني دينه ويرفض وجوده . إستفسر الهندوسي : وكيف يتم ذلك ؟ أجاب اليهودي : يجلسون على طاولة المفاوضات ويتفقون لأن السلاح لا يؤدي إلا إلى تعقيد المشكلة  نتيجة عواقبه وتبعاته .... كلام منطقي من مواطن من بلد متطور .. لماذا هذا البلد متطور وغيره لا ؟  لأن  الدول المتحضرة لا يقودها الرعاع من البشر , وكذا المؤسسات الناجحة ... ألقيادة الناجحة تتحقق بالفكر الواعي والعقل النير , وهذا ما يحصل في دول العالم المتقدم الذي أرسى أسس الديمقراطية كأسلوب حضاري لإختيار القمم القيادية . ويبرز سؤال آخر : هل تمنح الديمقراطية العصمة لمن جلس على إحدى القمم الحياتية نتيجة ممارستها في الإختيار ؟ ألجواب كلا ... إذن كيف يتم اكتشاف الخلل والإشارة إليه ؟ ألجواب , عموماً , بواسطة الإعلام المستقل الذي يراقب ويتابع كل واردة وشاردة ويقيم الدنيا ولا يقعدها عندما يشم رائحة الإنحراف عن الطريق القويم ... والتاريخ القديم والحديث يشير إلى الكثير من الرؤوس المرتفعة التي هوت من عليائها بعد أن كشف الإعلام الملتزم تورطها بفضيحة مالية أو أخلاقية أو إدارية أو سياسية والقائمة تطول .... ومهما حصل يبقى الأسلوب الديمقراطي بالإنتخاب هو المعيار المعول عليه لإشغال المراكز العليا في الدول المتحضرة  ومؤسساتها .... ولو قدّر أن تتفاقم الفضائح رغم اتباع الأسلوب الديمقراطي في الإختيار لأضطر أصحاب الشأن في تلك الدول من إضافة صيغ جديدة أخرى وعدم الإكتفاء بالإقتراع وحده لغرض تنصيب الرجل المناسب في المكان المناسب . وهذا ما يطبق بالفعل عند التقديم لبعض الدراسات العلمية حيث لا يعتمد القبول فقط على المعدلات الثانوية أو الجامعية ,  بل لا بد من اجتياز امتحانات معينة  تعد حسب الفرع التخصصي  إضافة إلى إكمال مدد محددة من العمل التطوعي مع شروط ثانوية أخرى تؤخذ بنظر الإعتبار إثناء التنافس التفضيلي . وبرأيي المتواضع , تلك إجراءات سليمة بالرغم من الكلفة المادية والمعاناة النفسية وعامل الزمن التي  تنعكس على الطلبة ولكن حتماً سيتم تحديد الأجود من بين الجيدين لنيل دراسة معينة , وخاصة هنالك حقيقة معلومة بأن المعدل الأولي الاعلى لا يعني الأذكى حيث هناك عوامل متعددة وظروف حياتية متنوعة قد تؤثر على السير الدراسي للطالب .... وهكذا تتغير المتطلبات حسب المستجدات  بغية تقديم أفضل الخدمات من خلال إحلال الأنسب لأي منصب .   
ومن هذا المدخل أكمل مسلسل المنافسة بيني وبين الرابطة للتسجيل في  موسوعة غينيس .
إتصل بي هاتفياً مقدماً نفسه سكرتير الرابطة , اعتقدت أول الأمر أنه يعني المقر العام حيث لم يخطر ببالي أن هنالك سكرتارية في  مكتب وندزر وخاصة أن إسمه لم يكن مألوفاً لدي .  فاجأني بأنه مكلف بتسليمي  كتاب "  استدعاء " للمثول  أمام لجنة مشكلة في المكتب للإجابة على استفساراتها عن المقال الذي نشرته على المواقع وحسب الرابط أدناه وتصحيح موقفي بسحب المقال وتقديم إعتذار .
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,806968.msg7461501.html#msg7461501
 تمالكت اعصابي واستوعبت  كلمة "  الإستدعاء " ذات الصيغة الأمنية والحزبية للحكم ايام زمان وتحملت بقية الهراء ,  حيث تصورت أن محدثي مريض عقلي وأنا طبيب يجب أن أسلك ما يمليه عليّ  السلوك المهني . قلت له بهدوء أنني لست عضواً بالرابطة ولا علاقة لي بها ولن أستلم أي كتاب منها . قال : إذا لا ترغب بالمجيْ لإستلامه (نعم , يجب أن أذهب لإستلام كتاب استدعائي للحضور أمام مكتب الرابطة ألأمني في وندزر , وكما يقال : فوك درد الله ضربني بميجنه ) , سوف يرسله عن طريق البريد الألكتروني . كررت عليه أن لا يرسله لأني لا أرغب بالإطلاع على مثل هذا الكتاب وسوف لن أفتحه إطلاقاً .... كانت المفاجئة عندما عدت للدار وجلست أمام الحاسوب فإذا بي مع هذه الرسالة
تحية كلدانية
طيا الرسالة التي قرر مكتب ويندزر للرابطة الكلدانية ارسالها اليك
الرجاء الاطلاع مع التقدير


  وكانت إجابتي
سلام المحبة
سبق وأن أبديت رأيي بموضوع الرسالة وكان الأجدر بك أن لا ترسلها وتحترم رأيي ولكن يظهر أن القيم ضاعت في هذا الزمان .
لا أحتاج أن اطلع على رسالتك وثق بأني لن أفتحها البتة والرب يشهد على ما أقول وأرجو أن تلتزم بالكلمة مرة ثانية .
تحياتي


لم أفتح الرسالة أدناه  كما وعدت نفسي لحين البدء بكتابة هذا المسلسل , ولا أعتقد تحتاج لتعليقي فهي تفسر نفسها وتدل على العبقرية القيادية لكاتبها ومهندسها .... نعم إنها الديمقراطية ويُمجد  أبطالها رغم الفضائح  . إتصل بي قريب عزيز إثناء انشغالي بكتابة هذا المسلسل فقرأت له رسالة التبليغ , وعلق بألم بأن الصيغة  مقتبسة  من التبليغات التي كانت توجه له حينما كان مؤيداً ثم نصيراً بالحزب عند تخلفه عن حضور الإجتماعات . عقبت بأني لست مستغرباً من كاتبها المتمرس بكتابة رسائل التهديد والترويع .
 

تبليغٌ واسْتدعاءٌ وفصلٌ وطردُ    ماذا لو كانت له سلطةَ الإعدامهْ

لَذابَ الجسدُ في جرّةِ التيزابِ     كالذي صنعَ مِنْ قبلهِ أزلامهْ

أو تقطَّعتْ أحشاؤه في قسوةِ     كمْ شهيدٍ ذاقَ مِشْرَحةَ الثرّامهْ
ماذا حصل بعد هذه التبليغ الأمني ؟ دعى مسؤول مكتب وندزر لعقد اجتماع استثنائي للهيئة العامة للتصويت على قرار طردي من الرابطة لعدم امتثالي أمام اللجنة التحقبقية للمكتب ,  واستطاع بالإلحاح والتوسل أن يجمع حوالي 60 عضو . يقال هنالك من أشار بأن ذلك عيب , ولكن قصر نظر " المسيح الدجال " وبعض من شياطينه شجعه على المضي في الخطة التي رسمها منذ البداية لإبعادي عن الرابطة بطريقة وقحة كما عبر عنها أحد القراء الكرام في مداخلته على مقال منشور على الموقع , وأضيف إليها وضيعة و خبيثة , ً ظناً منه بأنه سبتخلص ممن قد ينافسه مستقبلاً للحصول على مركز مرموق , رغم معرفته التامة بأني قدمت طلب الإنتماء للرابطة لدعمها كفرد مستقل عن الصالون الثقافي ليس إلا  , ويشهد على ذلك أحد أعضاء نواة الصالون الذي اخذته معي لنفس الغرض وما يزال  ضمن أعضاء الهيئة العامة ... كل ما أسأل نفسي لم كل ذلك ؟ لا أجد جواباً محدداً بل مجرد تكهنات واستنتاجات . أستطيع أن أقول بثقة عن قناعته الخاظئة بأني سأتقبل كل ما يحصل لي ولن أرد حفاظاً على مكانتي ومستواي  , وربما توهم بأن فلسفتي الحياتية بالتواضع والبساطة التي تنعكس على سلوكي هما ضعف , ولم يدر بخلده بأن التواضع بالنسبة لي ثقة والبساطة قوة , وأشكر الرب على نعمته هذه . 
ألمأساة عندما بقود من لا يفهم . كيف يقرر طرد من ليس عضواً ؟ كما أنه لا يوجد أية تبعات تقع على  عضو الهيئة العامة عند تخلفه عن حضور اجتماعاتها . ألتبعات تشمل الهيئة العليا , ألهيئة الفرعية أو اللجان ( ألمادة التاسعة ) . كنت أسمع بين فترة وأخرى من هنا وهناك بأنه سيطردني , وكان يقولها بزهو وفخر , وبالفعل وصلتني هذه الرسالة الألكترونية من سكرتير المكتب والتي أيضاً لم أفتحها إلا بعد تصميمي على كتابة هذا المسلسل مكرهاً :
تحية وبعد
ارفق اليكم نسخة من قرار الهيئة العليا للرابطة الكلدانية
تفضلكم بالاستلام والاطلاع
مع التقدير


وكانت إجابتي :

لا أعلم هل أنت تتعمد ذلك أم تتصرف بحسن نية قروية
سبق وأن أخبرتك بعدم مراسلتي عن كل ما يخص الرابطة ولا أرى أي مبرر خلاف ذلك .
أرجو أن تعلم مع سيدك بأن الرسالة ستبقى حبيسة مرسلها وأن الأساليب الحزبية لا تثمر في هذه البلاد.
تمنياتي لك أن تتمسك بالمسيحية التي تدعي بها أنت وغيرك من الغدارين والدجالين ونفخ الضفادع لن يضير إلا صاحبها .
تحياتي .

واتركْ حساباتِ الغدرِ لمنْ خلقَ      الورى وسادت العدالةُ أحكامهْ

هيَ الحقيقةُ هلْ تُخفى على امْرءٍ     لنْ يفلتَ الغادرُ من شرِّ آثامهْ

حتى وإنْ طالَ الزمانُ بغدرهِ        لن تنجو من بؤسِ التعاسةِ أيامهْ

تباً لمنْ عشقَ المنصبَ علَّهُ        يلقى في المناصبِ ما رأتْ أحلامهْ

بئسَ منْ هجرَ المبادئَ ساعياً       نحوَ أمجادٍ خالتها لهُ أوهامهْ

حتى الصلاةُ لمْ تُشبِعْ شراهَتَهٌ         كأنهُ مُجترٌّ يُعيدُ طعامهْ


 


 وبعد إطلاعي على مضمون قرار الهيأة العليا كتبت الرسالة الألكترونية أدناه  لموقعها
قرارك للأسف الشديد غير قانوني لأنك أنهيت عضوية من ليس عضواُ . صحيح انا قدمت طلباُ للإنتساب للرابطة ولكني لم أسدد مبلغ الإنتساب أو الإشتراك ولم أحضر أي إجتماع , فعن أية عضوية تتحدث يا  سيادة الرئيس الموقر
للأسف الشديد أنت أصبحت ضحية " غدر شخصي "
حيث أن الشخص الذي يقود الحملة ضدي لم يتجرأ أن يحضر المواجهة معي حسب ما اقترحه المونسنيور داود بفرو  وذلك لوضعي شرط أن يكون الكتاب المقدس بيني وبينه وقد قلت للمونسنيور بالحرف الواحد تعقيباً على مقترحه لتصفية الأمور بيننا : أبونا - لا مانع لدي على شرط أن يكون الكتاب المقدس بيننا لأن قريبك كذاب وغدار . طبعاً كنت واثقاً أنه سيرفض هذا الشرط كونه  استطاع أن يفلت من غدره لي ولكنه لن يستطيع النجاة من غدره بالكتاب المقدس  ؟
أنا كاتب أكتب بحرية كاملة حسب قناعاتي والتي لن تتغير إلا بتغير ما أكتب عنه ولك أنت أو غيرك كل الحرية بمناقشة ما أكتب أما أساليب الإستدعاء والتهديد بالفصل والطرد وما شاكل فلن تلقى مني غير سلة المهملات
أرجو أن لا تجيب على رسالتي هذه إلا إذا استطعت إقناع مدير مكتبك في وندزر بمواجهتي بحضور الأب داود بفرو ومن يرغب بشرط أن يكون الكتاب المقدس بيني وبينه لكي يظهر الصادق من الغادر  . أما خلاف ذلك فإني غير مستعد لاستلام وقراءة مبررات نظرية عقيمة
وأخيراً لا آخراً أتمنى  لك ولكافة مسؤولي الرابطة أن تكون هذه السنة هي الأولى والأخيرة لكم في تحمل مسؤوليتها 
 والمعذرة لصراحة مشاعري تجاهكم جميعاً
تحياتي


لم أتلقى جواباً وحتماً لأني وضعت شرطاً لم يروق لسيادة الرئيس . وبعد أن بدأت بنشر أجزاء المسلسل تدخل الأحباء واتصل به من اتصل . قررت أن أدخل أنا بنفسي في حوار معه عسى  أن افلح في تحقيق ما يحاول أن يصل إليه معارفي , فأرسلت له الرسالة الألكترونية التالية :
سلام المحبة
لست متأكداً بأنك اطلعت على أجزائي المنشورة من قبلي حول الرابطة والتي كتبتها أساساً نتيجة قراركم بالغاء عضويتي من الرابطة والتي أنا أصلاً لست عضواً فيها حسب المادة الثانية عشر من النظام الداخلي .
لست هنا في حالة تفنيد ما استندتم إليه عند اتخاذ قراركم غير الصائب حيث قناعتي تامة بما سبق وأن كتبت وما أكتبه مستقبلاً  , ولكن لا بد أن أشير بأني من أبناء الكنيسة المواظبين على حضور قداديسها ومعظم فعالياتها , بالإضافة إلى الدور الفعال الذي يضطلع به كافة أفراد عائلتي في خدمة الكنيسة الكلدانية كل حسب إمكاناته حتى ولو كانت الخدمة على حساب وقته . أي ما معناه أنا مؤمن بكنيستي وأحترم رعاتها كافة , ولكن ذلك لا يعني بأني لن أبدي رأيي بما يبدر من سلبيات حسب وجهة نظري , وتبقى الغاية للإصلاح ليس إلا سواء طابت لمن يهمه الأمر أو لم تطيب .
أخي صفاء : أرجو أن لا تعتقد بأني مسرور لكتابة هذا المسلسل , فهو ليس أسلوبي ولا طريقتي في الحياة , ولكني اضطررت لذلك لكثرة اللغط الحاصل في كل مكان وخاصة وندزر كندا والذي قاده ويقوده  للأسف الشديد من شجعته أنا شخصياً  وآزرته بإخلاص وصفاء قلب للوصول إلى ما هو عليه في الرابطة , ولكنه غدر  لغاية في نفس عرقوب أو يعقوب كما يقال .
كنت أتأمل أن تعيد النظر في قراركم وخاصة بعد أن أعلمتك وأعلمك الأخ زيد ميشو بأني لم أكن حسب النظام الداخلي عضواً في الرابطة بل مجرد قدمت طلباً للإنتساب , ولم أسدد بدل الإنتماء وأيضاً لم أحضر أية من اجتماعات الهيئة العامة لمكتب وندزر وغيره ... كما أن الأخ الدكتور عبد الله رابي وبعض الأخوة من فرع مشيكن أعلموني بأنهم أوصلوا نفس الرأي إليكم أو إلى غيركم وتبقى الحقيقة عندهم .
لأ أعلم لمَ لمْ تحركوا ساكناً إزاء هذه الحقيقة , ولمَ لا ولمْ تصدروا قراراً يلغي مضمون قراركم حول إلغاء عضوية من ليس هو عضواً أصلاً , واعتبار أن الموضوع قد حصل سهواً بسبب معلومات غير دقيقة وردت إليكم سهواً , أليس الإعتراف بالخطأ فضيلة ؟.
تحليلي للأمر يصب في أسباب عديدة أهمها : إما أنتم غير ملمين بالنظام الداخلي وشروط العضوية , وعندها ما عليكم إلا مراجعة النظام وتصحيح قراركم بموجبه . أو أنتم على دراية تامة به , وذلك هو الأرجح , ولكنكم لا ترغبون النزول عن بغلتكم وتعترفون بالخطأ الحاصل , وهنا الطامة الكبرى , أو أنكم تتعمدون إبقاء الأمر على ما هو عليه كإجراء يستهدف لوي الذراع أو التقليل من شأن الطرف المقابل وإهانته , وهذ ما لا ولن أرضى به إطلاقاً , كما أنه لا يليق بعمل الرابطة وبسمعة المسؤولين على إدارتها إطلاقاً , واسمح لي أن أقول :
" بوجود الإيمان أو بعدمه , هنالك من الأخيار من يفعل عمل الخير ’ ومن الأشرار من يعمل عمل الشر , ولكن حينما يفعل الأخيار عمل الأشرار , عندها لن يبقى للإيمان أية معنى "
أخي صفاء : أرجو أن تعيد الحق لنصابه , وعندها لن يكون لي أي مبرر لإكمال الأجزاء , ويسدل الستار عن تجربة مرة مررت بها قسراً وإلى الأبد .
ألأمل باستلام ردك بأقرب وقت ممكن .
تحياتي لكم جميعاً وتمنياتي للرابطة أن تحقق الامل الذي تننظره الجموع .


إستلمت الرد بأنه سيكلمني عبر الهاتف وقد حصل . نوه لي بعض الشئ عما جاء  بكتاب مكتب وندزر الذي يطلب طردي من الرابطة . ما جاء فيه يدل دلالة قاطعة لا ريب فيها بأني مجرم رقم واحد ,  وأحمده تعالى انني اعيش حسب قوانين بلد المهجر وإلا كنت معلقاً بالحبال حيث يجتمع المكتب في قاعة كنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية للكلدان , وحتماً كان هو من يقوم بتنفيذ إعدامي لأنه تعود على تعذيب السجناء السياسيين في الموصل وربما أسوأ , حسب ما يقال , والعهدة على الناقل  .... إن كنت أبالغ عن فحوى الكتاب  أطلب نشره هنا كتعقيب على مقالي عندما يحاول من يعنيه الأمر ( ألمقر العام , فرع كندا , ومكتب وندزر ) تبييض وجهه الملطخ بالسواد . أخبرني السيد الرئيس العام بأنه ناقش الأمر مع فرع كندا وآخرين قبل إصدار الحكم . طيب ... هل استفسرت من المتهم عن التهم الموجهة إليه ؟ هل يجوز قانوناً إصدار حكم بدون إفادة المتهم ؟ أم يتصور من يشغل أحد مناصب الرابطة بأنه يجلس على برج عاجي وما عليّ إلا تقديم فروض الطاعة كي أنال منه المرحمة أو المكرمة كما كنت أحصل , أيام زمان , على دجاجة بمناسبة حلول شهر رمضان . هذه محكمة أم خان شغان . حتى المسيح حاكمه الجلادون قبل أن يصلبوه . فهل حقاً انتم كنسيون وقوميون ومن أجل إعلاء الشأن الكلداني تعملون . هل هذا هو أسلوب العمل الصحيح أم أنتم تعيشون زمن حكم " قرقوش" بحسب طول حبل المشنقة تعدمون ؟ . ألحق يقال بأن السيد الرئيس كان ديبلوماسياً بالتعامل مع طلب الطرد فعبّر عنه بإلغاء العضوية رغم كون النتيجة واحدة ولكن بلهجة مخففة جداّ . أسالك يا سيدي هل تأكدت باني عضو أم تعتبرني وحسب ثقافة الماضي بأني عضو وإن لم أنتمي ... يصر سيادته بأني أعتبر عضواً لإشتراكي بمناقشة النظام الداخلي وحضوري الندوات التعريفية حتى ولو لم أدفع بدل الإنتساب . عجيب أمور غريب قضية ... هل من المعقول أن يصدر ذلك ممن يتصدر الهيئة العليا للرابطة ... هذه من أبسط البديهيات الإدارية عند تقديم طلب الإنتماء لأية مؤسسة علمية أو إجتماعية وما شاكل . يهمل الطلب عند عدم تسديد البدل . هل من الصعوبة هضم مواد النظام الداخلي الذي لا يتجاوز عدد صفحاته أصابع اليد الواحدة ؟ ماذا لو كانت صفحاته بعدد النظام الداخلي للرابطة المارونية ؟ بالتأكيد ستبرز عندها  ضرورة الحاجة للدروس الخصوصية  ... وعدني الأخ صفاء بأنه سيحل الموضوع عند قدومه لوندزر , ولكن عزيزي أنا لا أبغي قبلات الرؤساء العرب قبل وبعد طعن بعضهم بعضاً من الظهر . أنا أريد حلاً بسيطاً جداً وكما أوردته في رسالتي أعلاه والذي هو الأمثل والأصح إدارياً .  لم يتسنى له الحضور لوندزر ومات الحل ودفنت القضية .
ما ذكرته عن الخلل الإداري في المقر العام ينطبق أيضاً على فرع كندا . أستغرب من مسؤول الفرع موقفه هذا علماً أنه صدق كلامي حسب ما شعرت عند اتصاله بي بعد أن انسحبت من الرابطة مباشرة . لماذا لم يأخذ به وأيد كتاب مكتب وندزر الكيدي ؟ هل لأني لا أتقن كلدانيته بلهجتها القديمة والتي لا يفقهها غيره ويتبجح بها في كل مناسبة . أخي منير : ألا تعلم بأن معظم الكلدان لا يفهمون ما تتمنطق به حتى الذين يتكلمون الكلدانية منهم . أليس من أهداف الرابطة لم الشمل ؟ كيف ستلم الشمل وموقفك التعسفي معي وإصرارك على طرد من ليس عضواً ناجم , وأرجو أن أكون مخطئاً , عن عدم إلمامي بلهجتك المنقرضة . أخي : حاول أن تتكلم باللهجة التي تفهمها الأغلبية ولا تتعصب ضد من يجهلها أمثالي . حاول أن تقنعني بأن موقفك العنيد ضدي ليس بدافع شخصي ؟ أم تنسى سؤالك لي : هل أنا ألقوشي قح أم لا ؟ هل الرابطة تعزف هذا اللحن ؟ بالطبع لا . ألرابطة مشروع رائد وأمل  , ولكن من يفشل هذا المشروع ويقتل الأمل هو أنت وأمثالك . إذا أردت الدفاع عن تفسك إعرض الكتاب الذي رفعه مكتب وندزر وأيدته أنت وكرسه المقر العام كي يطلع القارئ الكريم على عبقريتك الفذة في التعامل مع المشاكل داخل البيت الواحد . إن كانت نيتك سليمة ,  جاهد لتصحيح الخطاً الحاصل فأنت جزء كبير فيه .
أذكر ما قاله المرحوم الزعيم عبد الكريم قاسم حول فلسطين : هنالك ثلاثة سراق لفلسطين , إسرائيل , مصر (غزة ) والأردن ( ألقدس والضفة الغربية ) ,  وطلب أن يعيد الأخيران ما سرقا لتشكيل الدولة الفلسطينية . تحقق  ما قاله بعدئذ رغم استهزاء  غرمائه ذلك الوقت ...  هنالك ثلاث شركاء في القرار الجارح الجائر الذي لحق بي , والضماد عند التسلسلين العلويين في هرم الرابطة , والحليم من الإشارة يفهم . 
وقبل أن أسدل الستار على استعراضي لما حصل والذي لم يكن  له داع أن يحصل ولكنه حصل نتيجة قصر البصر الحياتي الذي أصاب مسؤول مكتب وندزر من جهة , وعدم معالجة الموضوع  من قبل مسؤول فرع كندا والرئيس العام للرابطة بحكمة وعدل من جهة أخرى , إضافة إلى عدم إلمام الجميع بمواد النظام الداخلي للرابطة , وهذا شرخ كبير وخلل جسيم يؤثر حتماً على مسارها , ويستوجب تجاوزه على الفور . لا بد أن أضيف مداخلتي على مقال الأخ يوحنا بيداويد لأهمية ما جاء فيه من وجهة نظري
ألمداخلة الأولى:
ألأخ العزيز يوحنا بيداويد
سلام المحبة
من حسن حظي لا أزال مستيقظاً لحد الآن والساعة تقارب الثالثة صباحاً
بصراحة لو لم أكن لك الود والتقدير لما كلفت نفسي بالتعليق على مقالك الذي يطغي عليه عامل الإنفعال .
 أنا أتفق معك بأن هذا ليس لوني في الكتابة ولكن اضطررت كارهاً . من يعلن الحرب على عسكري محترف لن يجني غير الهزيمة . من يقول بالحرف الواحد أمام شلة من منتسبي مكتب وندزر بينهم  , أسفاً أقول , شعيط معيط جرارين الخيط  , مع كل احترامي واعتذاري للخيرين الآخرين , بأنه طرد الدكتور صباح من الرابطة عليه أن يدفع الثمن , كيف تريدني أن أسكت لمن يتطاول علي بمثل هذا الكلام وأنا أصلاً لم أكن عضواً في الرابطة .
 جرحي عميق جداً والجرح لا يؤلم إلا صاحبه .
 سوف تقرأ التفاصيل قبل موعد انعقاد المؤتمر عند نشري الحلقة الأخيرة من مسلسل " موسوعة غينيس " . وإذا أردت أن تستعجل الأمر فما عليك إلا الإستفسار من الأخ  صفاء هندي أو الأخ زيد ميشو . كما أرجو الإطلاع على المطالعة التي كتبها " المسيح الدجال " عني ورفعها إلى المقر العام عن طريق فرع كندا ثم أصدر حكمك العادل وثق بأني سأقبل به مهما كان .
أنا لست ضد الرابطة ولا أقولها مجاملة ولكن لا ولن يستطيع أي كان أن يثنيني عن نيل حقي وبالطريقة التي أقررها أنا.
ألأمل أن تستوعب ما كتبت وأن لا تكرر طعنك بشخصي . تكفيني المرارة التي صدرت ظلماً بحقي من الرابطة ولا أريد المزيد . قلمي يعرف كيف يقتص من كل من يتجرأ ويسئ بدون حق . 
تحياتي
 
ألمداخلة ألثانية
أخي يوحنا
يظهر أنك في وادٍ وأنا في وادٍ آخر . لست عضواً في الرابطة بل قدمت طلب الإنتماء وحضرت الإجتماع الأول للجنة العلاقات وانسحبت بعد بضع دقائق . شروط العضوية لا تنطبق عليّ لأني لم أسدد بدل الإنتساب أو الإشتراك , وعلى الأخ  صفاء هندي أن يهضم فقرات شروط العضوية وأن لا يجتهد فيها حسب هواه  وخاصة أنه الرئيس العام للرابطة .
يتوهم من يعتقد أن لي خلاف شخصي مع أي كان , بل لي موقف مبدأي لن أحيد عنه قيد أنملة . مكتب وندزر أخطأ معي غدراً وأيد خطأه فرع كندا ثم كرس الخطأ المقر العام . ألمطلوب تصحيح الخطأ والإعتراف به فضيلة . من يتصور نفسه جالساً على برج عاجي كونه ينتمي للرابطة وينتظر من أمثالي تقديم فروض الطاعة له , جوابي عليه كلا وكلا إلى ما لا نهاية .
ألأخ صفاء هندي على إطلاع على بعض قشور الحقيقة التي وصلته فصدقها مع الأسف . أما الحقيقة الكاملة بقشورها ولبابها فهي عند الأخ زيد ميشو , ولي القناعة التامة بأنه لن يبخل عليك بسردها من ألفها إلى يائها .
متى ما تم تصحيح الخطا عندها من يطلب يُعطى له ومن يطرق الباب يُفتح له . أما خلاف ذلك فقلمي سيستمر بعرض الحقيقة كاملة وتعرية " المسيح الدجال " بأسلوبي الخاص سواء أعجب البعض أو لم يعجب .
ألأمل أن تصل كلماتي إلى العقول الواعية لرأب الصدع إن كانت الرابطة حقاً تسعى للم الشمل .
تحياتي

لم يرد الاخ بيداويد على المداخلة لحد كتابة هذه السطور . قد يكون في طريقه إلى عنكاوة . أتمنى له سلامة الوصول .
أعتذر من الأعزاء من معارفي  وأصدقائي ومتابعي ما أنشر لاستمراري في إكمال المسلسل بالرغم من إلحاحهم عليّ بالتوقف  لأنه ليس من مستواي حسب رأيهم والعودة إلى اسلوبي المعتاد . أتفق مع رأيهم كلياً فسبق أن قلتها مراراً وأكررها حالياً بأنه ليس أسلوبي ولا طريقتي في التعامل مع الأحداث , ولكني اضطررت عليها  كارهاً , فالجرح لا يؤلم  إلا من به الألم .
شكري وتقديري لكافة الأصدقاء الذين حاولوا جهدهم لوضع الأمور في مسارها الصحيح ولكن , للأسف الشديد , لم يفلحواوأخص بالذكر الصديق زيد ميشو وبعض الأحباء من الرابطة الكلدانية –فرع مشيكن - , والمعذرة لعدم درج الأسماء كي لا أغفل أحداً عن غير قصد .
أترك الحكم لعدالة خالق السماء والأرض بعد أن أخفق سعاة  المحبة والوئام في رأب الصدع , وبعد أن تعنت ذوو الشأن ومن بيدهم القرار لسماع صوت العقل ’ فحتماً سوف يطال ميزان الرب ويقتص من كل من ساهم ويساهم في إحداث وتعميق جرحي النفسي تضليلاً أو ظلماً أو غدراً .... دعوتك ربي مرة واحدة قبلاً كي تنال ممن ظلمني فتحقق دعائي , وها أنذا أدعوك ثانية رغم أن والدتي نهرتني في المرة الأولى ....  سامحيني ,  يا أماه ,  لأن أعيدها الآن وأنت ترقدين في العالم الآخر بسلام فلا أزال أعاني وأهل بيتي من آلام الجرح والذي قد لا يندمل .
وأخيراً لا آخراً , وبعد أن قدمت معاناتي ورد فعلي  وعرضت إبداعات المسؤولين الحاليين عن الرابطة بخصوصهما , والتي اتمنى لمؤتمرها القادم كل الموفقية والنجاح في اختيار القيادة التي تتقن العمل بكبح غريزة  " الأنا " ,  إسمح لي عزيزي القارئ الكريم أن أسأل : من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا ؟

رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,810115.0.html
رابط الجزء الثاني
 http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,811367.0.html

 رابط الجزء الثالث
    http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,812636.msg7475753.html#msg7475753
 


84
أبشري رابطتي الكلدانية العالمية فقد جاءك الدعم من غسل السيارات

د.صباح قيّا

ألتاريخ معلم الحياة , مقولة رائعة للبابا القديس يوحنا الثالث والعشرون . نعم , مطالعة التاريخ تشير إلى

أن الإنسان مصدر الحضارة والقيم الحياتية الفاضلة , وهو أيضاً  منبع  الشرور والخطايا بأنواعها . أوجد

 النظريات وتفنن في سبر أغوار النفس البشرية بما استحدث من فلسفات ونظم اجتماعية متشعبة وجعل

الإيمان بالخالق حقيقة يؤمن بها السواد الأعظم من البشر , ومن ثم ساهم بنفسه وحسب مفاهيم اجتهادية

شخصية , عفوية أو مقصودة . ذاتية الهدف أم عامة , بدافع مخلص أو مصلحي , باشتقاق تفرعات

فلسفية  تلتقي في تفاصيل معينة وتتقاطع في أخرى مع الأصل , وبادخال صيغ إيمانية جديدة للاستدلال

على الخالق والتشبث به , ومنها نشأت أديان جديدة وظهرت المذاهب والبدع , ونتج الإقتتال مع الأصل من

جهة , ومع بعضها البعض من جهة أخرى , ألكل يدعي صدق إيمانه , ويعمل بوصية ربه وعنه يدافع ,

والأمل أن تغمر محبة الخالق من هو حقاً صادق كي يصبح  الغالب , وجوهر الإنسان له تابع  .

ما حصل في الماضي يحصل على مدار الساعة في الحاضر . إنشقاقات في معظم التنظيمات والمؤسسات

والأحزاب وحتى الدول بسبب اجتهادات الإنسان في النصوص واشتطاطه عن الهدف ....

 ما يؤلم حقاً أن تنتقل عدوى الإجتهادات الذاتية وتصيب تشكيل فتي تعول عليه الرعية الكثير , ألا وهو "

ألرابطة الكلدانية العالمية " , وأبسط تعليل لذلك هو عدم إلمام البعض ممن يتبوأ مراكز قيادية على مستوى

الفرع أو المكتب , وجهل معظم إن لم يكن كافة المنضوين في لجان الرابطة المتعددة بنظامها الداخلي

وأهدافها المرحلية والبعيدة المدى .... والعلة تكمن عند الباحثين عن الكمية لا النوعية , علماً سبق وأن

نوهت عن الإستفادة من تجربة الرابطة المارونية التي تأسست عام 1952 ولا يتجاوز عدد أعضائها اليوم

على  1500 عضو , والتي لعبت دوراً بارزاً في تقريب وجهات النظر بين الفصائل المسيحية اللبنانية

المتقاتلة فيما بينها ,  لما يمتلك أعضاؤها من  ثقافة عالية وتحصيل دراسي متقدم مع سمعة متميزة

ومؤثرة داخل المجتمع اللبناني .

ما يُعلن عن الرابطة أنها ليست كنسية , وقد أكد ذلك أكثر من مرة مهندس فكرتها غبطة البطريريك

, وكرر ذلك بعض المطارنة الأجلاء في مناسبات عديدة . هل بالإمكان التشكيك بما يقوله رجال ديننا

وخاصة ممن هم بتلك المراكز الروحية والوظيفية ؟ يتحتم أن يكون الجواب كلا , وإلا ....   ولكن , للأسف

الشديد , هنالك راع أو أكثر  يشير سلوكه  أنها كنسية ما دامت هي فكرة غبطته ويدعو لدعمها والإنتماء

 إليها ...

وهذا ما يحصل في كنيستي الكلدانية حيث سكني .... فقد أعلن بعد قداس الأحد الماضي عن قيام مكتب

الرابطة بمبادرتين , إحداهما غسل السيارات داخل موقف العجلات التابع للكنيسة , والآخر " باربكيو "

وملحقاته بأسعار زهيدة .... ألسؤال الآن : إن لم تكن الرابطة كنسية  كما هو معلن , لماذا  إذن يقرأ

إعلاناتها بعد كل قداس ؟ هل بسبب أن مسؤول مكتب الرابطة  من أقربائه ويحاول الراعي أن يسنده ويثبت

أقدامه حتى ولو على حساب المبدأ وتعاليم الكنيسة ؟ ...  لو لم يكن المسؤول قريبه , هل كان يؤدي له تلك

الخدمة ؟ ألجواب بالتأكيد كلا , حيث سبق للراعي نفسه أن رفض الإعلان قراءة ولصقاً في لوحة الإعلانات

عن نشاط ثقافي متميز يخدم الرعية بحجة أن الكنيسة لا علاقة لها به ..... ثم ما هذا العمل الجبار الذي

تفتقت العبقرية الذهنية لمسؤولة/ مسؤول اللجنة الشبابية فوضعت/وضع المقترح حيز التنفيذ ... علماً أنها

ممارسة معروفة يقوم بها طلبة المدارس هنا وهنالك  لقاء مبلغ لا يتجاوز 3 دولارات  وهو أقل من السعر

الذي يجنيه مكتب الرابطة الرحوم والبالغ 5 دولارات ... حقاً أنه المضحك المبكي ... ألسؤال الآن .. لو

فرضت جدلاً أن عدد السيارات التي تم غسلها وصل إلى 20 , فهذا يعني أن المبلغ المستحصل 100 دولار ,

هل لمثل هذا المبلغ قيمة ملموسة ؟ هل الكنيسة بحاجة إلى هذا الأسلوب في جمع الأموال , أم أن الرابطة

تريد أن تغتني به ؟  .... والسؤال الأهم : هل يدخل هذا العمل ضمن أساليب عمل الرابطة العالمية لتحقيق

أهدافها المستقبلية ؟ .. أقولها بثقة أن هذا العمل مجرد استعراض لا أكثر , ومن اقترح ذلك أميٌ لا يميز

شرق الرابطة من غربها , واللوم يقع على من يمنح المسؤولية لكل من دب وهب , ولمن لم يطالع سطراً

واحداً من النظام الداخلي للرابطة .

والآن مع موضوع " الباربكيو " . لقد سبق وان اقترحت لراعي الكنيسة ويشهد على ذلك ساعورها

وبعض أبناء الرعية ممن عرضت الفكرة عليهم واستبشروا بها  , والتي هي قيام الكنيسة بتنظيم وجبة

طعام خفيفة مرة واحدة شهرياً بعد قداس الأحد يساهم فيها من يرغب لقاء مبلغ بسيط ويتم الإتفاق مع أحد

مطاعم الرعية لتنفيذ ذلك , والهدف منها واضح أقله تواجد الكاهن مع رواد الكنيسة وتعارف العوائل مع

بعضها ... لم يلقى المقترح أذناً صاغية ... ولكن راعي الكنيسة الجليل يوافق ويعلن عن " الباربكيو "

بنفسه بعد القداس ... لماذا ؟ لأن ذلك يدعم قريبه . لا يمكن نكران طيبة قلب راعينا الجليل , ولكن هنالك

من يضعه في موقف محرج بين فترة وأخرى بالرغم من تحذيري له منه  , ولا غرابة أن اعتقد البعض

بوجود  مصالح مشتركة بينهما , وربما  أسرارستكشف عاجلاً أم آجلاً .

لأ أعلم ما هو دور مجلس خورنة الكنيسة  ؟  وما هو دور الشبيبة ؟ , ولماذا يحاول مكتب الرابطة تهميش

دورهما والقيام بما هو من صلب واجبهما  ؟  وخاصة أن كل ما تقوم به الرابطة من فعاليات سواء جادة أو

استعراضية تجري في أروقة الكنيسة .

ألأمل أن يحدد المقر العام من مثل هذه الفعاليات التي هي ليست أساساً من واجبات الرابطة وأهدافها ,

وخاصة أن المؤتمر على الأبواب , ولا بد من وضع النقاط على الحروف بما يخدم الأمة الكلدانية بجد 

ويحقق الأطر السامية التي من أجلها ولأجلها انبثقت الرابطة .  فكفى الأمة المعذبة سيل  الإجتهادات التي

تهدم ولا تبني ودافعها التسلق مهما كان الثمن .


85
ألصالون الثقافي الكلداني بعد عامين – بعض ما حصل ؟
د. صباح قيًا
مساء الخميس المصادف 8 أيلول عام 2016  سيطفئ الصالون الثقافي الكلداني شمعتين إحتفالاُ بمرور عامين على بدء مسيرته الثقافية والتي ساهمت بجد في رفد الفكر الثقافي بعناوين متنوعة لم يطرب لها العقل الكلداني فقط ’ وإنما جذبت العديد من العقول التابعة لأطياف أخرى من شعبنا المسيحي العراقي خصوصاً والشرق أوسطي عموماً , وهذه الظاهرة بحد ذاتها مفخرة يعتز بها الصالون الذي استطاع أن يوحد الأمة المسيحية المشرقية على درب الثقافة بدون تخطيط مسبق ’ بل بعفوية طغى عليها الشغف الإنساني  لرواده وعشقهم للمعلوماتية  رغم تباين الإنتماء , وبذا تتحق الوحدة المنشودة في الخميس الثاني من كل شهر , والذي هو الموعد الثابت للنشاط الثقافي ,  كتأكيد على أن أمل الوحدة تحققه الرعية الواعية  لا القيادات الكنسية التقليدية  , وهذا مجرد رأي شخصي ليس إلا .
 
لم يكن مسار الصالون معبداً بالورود على طول الخط ’ بل صادف العديد من العراقيل والمطبات لسبب أو آخر أقل ما يقال عنها هو الشعور بالإستصغار الذاتي عند الذين لم يقدموا , بصورة عامة ,  خلال وجودهم الطويل في بلاد المهجر غير الحفلات الصاخبة في رحاب قاعة الكنيسة المبجلة بحجة تهيئة الأجواء المناسبة لعوائل الرعية للتعارف فيما بينهم , والحق يقال بأنها لم تكن سوى مرتعاً خصباً لمراقبة بعضهم للبعض الآخر وما ينتج عن ذلك من همسات ووشوشات وقشب . كما أنه لا يمكن إخفاء حقيقة الربح المادي الذي تجنيه الكنيسة ,  بتشجيع راعيها ,  عند القيام بمثل هذه الحفلات الغنائية الراقصة . ولا بد أن أذكر بأني سبق ونوهت لراعي الكنيسة الجليل بأن  ما يستوجب أن تقوم به الكنائس في المناسبات هو حفلات التراتيل التي تتماشى مع الجوهر الإيماني ’ وأن يترك تنظيم الحفلات الأخرى لأهل الشأن من العلمانيين والتي  هي أصلاً مهنتهم ومصدر رزقهم . لم تكن إجابته إيجابية بل عاتبني  بسبب قيام الصالون أحياناً بتنظيم الأمسيات التراثية العائلية , وشتان بين الكنيسة التي هي بيت الرب وبين الصالون الذي هو مؤسسة ثقافية علمانية والتراث أحد أعمدتها المهمة  .  وبدون شك  ليس هنالك أفضل من الأجواء الثقافية المتنوعة  كوسيلة للتعريف وزيادة المعرفة . ولكن للأسف الشديد , قد تغيض العديد من النفوس المنتفعة , وكما هو معروف أن العين تحسد الأرجح منها .

إقترب مني أحد الأعزاء خلال انتخابات الهيئة الإدارية لجمعية مار ميخا الإجتماعية في وندزر وهمس بأذني كي أرشح نفسي . شكرته على ثقته بي ’ وقلت له قد لا أصلح لهذه المهمة المتعددة الواجبات  , حيث توجهاتي يغلب عليها الطابع الثقافي   وأخبرته عن نيتي في  تأسيس مشروع ثقافي باسم " ألصالون الثقافي الكلداني " , وبصراحة بدى على وجهه الحماس معقباً بأني سأفجر قنبلة الموسم ... نعم انفجرت قنبلة الموسم فارتعب الهامشيون وخاب فأل المتسلقين .

لم يكن صعباً علي اختيار نخبة من أبناء الرعية لتشكيل معاً نواة الصالون والتي ستضطلع بكافة مهماته التنظيمية .... وتم ذلك بالفعل كما ذكرته في الرابطين أدناه ... وبحكم اعتزازي براعي الكنيسة الجليل , عرضت عليه مسودة النظام الداخلي مع القائمة التي تتضمن أسماء أعضاء النواة , والتمست منه أن يسمح للصالون بإشغال قاعة الكنيسة مساء الخميس الثاني من كل شهر ... حصل ذلك عند مراجعته مركز أمراض القلب الذي أعمل فيه ... وافق على ذلك عن قناعة أو ربما خاطرانة كما يقال , وثبت بعد ذلك أن موافقته كانت على مضض ’ لذلك حصل الذي حصل للأسف الشديد . ولا بد أن أشير بامتعاضه واعتراضه على إسمين من أعضاء النواة , وطلب مني استبدالهما  , وبينت له وجهة نظري بوضوح وحرصي على بقائهما كونهما من أيناء الرعية الملتزمين والمعروفين بالكفاءة والمقدرة وما يتلاءم  مع عمل الصالون الثقافي ... أليس الواجب يا أبتي  أن نبحث عن الخراف الضالة ’ أم تترك في العراء لحين افتراسها من الذئاب أو الموت جوعاً ... أبقيت على الإثنين ولم أخبرهما بما دار بيننا ... قناعاتي ثابتة ولن تتزعزع إلا بقناعتي .

حقيقة معروفة للقاصي والداني ومترجمة لمعظم اللغات إن لم تكن جميعها بأن  الفوز له ألف قائد , أما الخسارة فقائدها يتيم واحد .... كان هدف النواة أن ننزل إلى الساحة أقوياء ... أي أن نقدم بدءاً  ما يلفت النظر ويثير الإعجاب ... تشييد البناء طابوقة طابوقة لا ينطبق على الصالون الذي لن يحيا ولن يدوم بدون الحضور وتواجدهم خلال اللقاءات . ألصالون صفر لوحده ولكنه يحصل على رقم بواسطة رواده ... وكان المهرجان الأول في الخميس الثاني من شهر أيلول 2014  باكورة نشاطاته  والذي أثار مشاعر الضيوف وتقديرهم ....

 أذكر تعليق ضيوفنا الأعزاء من المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد ومن إذاعة صوت الكلدان – مشيكن - خلال الفقرة الحرة من المنهاج عن ضرورة الإستمرار بانتظام ... تحقق ذلك ولم يتوقف النشاط منذ ذلك الحين والى اليوم ... أثبت الصالون أنه مشروع ثقافي متميز بل ظاهرة كما يحلو لبعض الأحباء أن يطلق عليه ... لم يأتي ذلك اعتباطاً بل كولادة طبيعية لمن أسقط " الأنا "  من قاموسه ... هنالك من يحاول أن يسرق الجهد , وأن يدعيه لنفسه ويسخر قلماً مأجوراً مدفوعاً ثمنه مسبقاً ... نقول لهذا القلم والذي يشيد به , أسفاً , من هو محسوب على  الأكاديميين بأن قاعدة " أكذب إكذب حتى يصدقك الناس " لن تمس من الصالون قيد أنملة ....  فالقافلة تسير ولن يضيرها طنين الذباب  , والحسود له ما شاء من العود .....يتبع
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,794766.msg7429556.html#msg7429556

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,798084.msg7438665.html#msg7438665


86
الصالون الثقافي الكلداني في وندزر - كندا: مهرجان الفن والأدب

87
ما هو موقف الرابطة الكلدانية العالمية من عضوية الكادر المتقدم المشمول بالإجتثاث
د. صباح قيّا

لم يكن  الحصول على عمل في مستشفيات المملكة المتحدة بالأمر العسير بعد أن وصلتها من بغداد في آيلول 2004 . وبالفعل باشرت مهنتي في إحدى مستشفياتها في كانون الأول من نفس العام بعد إكمال إجراءات تجديد إجازة الممارسة الطبية التي أحملها منذ الثلث الأخير من سبعينات القرن الماضي , وقبول طلبي المقدم إليها بعد قناعة المسؤولين في قسم الأمراض القلبية المزمع العمل ضمن كادره  بسيرتي   المهنية  وأجتيازي المقابلة التنافسية لاختيار الأنسب من وجهة نظرهم    .                                                                                                                                     
بادرني أحد العاملين معي بعد أن علم أنني وصلت من العراق قبل فترة قصيرة وعايشت أهوال الإحتلال العسكري الأجنبي بسؤاله المباشر وبلا مقدمات تمهيدية : هل تكره صدام ؟ أجبته على الفور وبلهجة جادة : إنني لا أكره أي شخص , وأضفت : الكراهية  ليست في قاموسي وهي ضد إيماني .... تغيرت ملامح وجهه وبدى عليه الإرتباك ولكنه استعاد رباطة جأشه فاعتذر باللباقة التي ألفها من معايشته للإنكليز حيث لم يكن إنكليزياً بل بريطانياً من إصول آسيوية . ومنذ تلك اللحظة لم يتجرأ أي من منتسبي المستشفى أن يسألني لا على رئيس  النظام المخلوع احتلالاً ولا على أي من أزلامه الآخرين طيلة مدة مكوثي ولحين انتهاء عقد عملي في ذلك المشفى .... لم يدر , على الأغلب , بخلد زميلي أن يسمع مني هذا الرأي القاطع الذي , ربما , قد أدى إلى إصابته بخيبة أمل مما كان يجول في خاطره من أسئلة متشعبة بهذا الخصوص , وكيف لي أن أعلم إن كان استفساره بدافع الفضول أم لغلية معينة تختمر في ذاته ... لم يكن ردي العفوي الحازم اعتباطياً بل جاء كتعبير حقيقي لواقع  مشاعري حتى تجاه من يضمر لي العداء فعلاً وقولاً  , فعدم الكراهية لا يعني المحبة , وخلو المحبة لا يعني الكراهية , ويبقى الموقف الصائب  سلباً أو إيجاباً تجاه أي إنسان أو أية قضية سيد المبادئ ....  ما أوردته جزء من فلسفتي الحياتية التي عبرت عنها في مقالٍ بعنوان  " نعم للموقف كلا للكراهية " والذي نشر سابقاً على الموقع حسب الرابط التالي :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,701598.msg6114605.html#msg6114605

لقد كتبت عن الرابطة الكلدانية العالمية وكتب آخرون أيضاً .  يمكن أن يقال عنها أنها أملٌ , ولكن من المبالغة  أن يقال عنها أنها نموذجٌ ....  ألرابطة  , من الناحية الواقعية  ,  لم تتكامل بعد , كما أنها لم تفلح لحد الآن , عموماً , في تحقيق ما يجعلها أن تكتسب تلك الخاصية المتميزة  استحقاقاً , أو أن تصير مثالاً تحتذي به المؤسسات الأخرى المتواجدة حالياً عل الساحة أو التي ستظهر على السطح لاحقاً . ولي حديث مفصل  حول هذه الملاحظة مستقبلاَ ....

أشارت أقلام بعض الأخوة  الأفاضل عن ضرورة استبعاد من تم وصفهم بالمتلونين والإنتهازيين والوصوليين والمتقلبين وما شاكل عن الرابطة . ولا شك بأن مثل هذا المقترح سليم وموضوعي , ومن الضروري أن يدرس بإلمام وأن يوضع موضع التنفيذ على أرض الواقع وخاصة أن الإنتخابات على الأبواب ... ولكن يبقى السؤال من الذين يشملهم المقترح ؟ وكيف يتمكن المسؤولون على  إدارة الرابطة أو أعضائها  من تشخيص  ذلك . فما يطلق من نعوت , إن لم يحدد أصحابها  بدقة ويشار عنهم مباشرة ستظل  ضمن العموميات ....  وبصراحة " أبو كاطع " رحمه الله أقول :
هنالك البعض من الكلدان ممن انضم إلى صفوف الحزب الحاكم سابقاً , ثم وصل , لحسن الحظ , عدد ضئيل جداً منه درجة متقدمة ضمن تسلسله التنظيمي والذي يشمله قانون الإجتثاث المعمول به في الدولة العراقية .... يتبادر الآن السؤال التالي : هل هنالك منهم من نجح في التسلل داخل كيان الرابطة وحصل على مركز مرموق في  أحد مكاتبها أو فروعها ؟ جوابي نعم ومستعد أن أبصم بالعشرة على ذلك .... طيب ... ما هو موقف الرابطة من وجود مثل هذه العناصر في جسدها ؟ هل تعرف الرابطة من هم وأينهم  ... إن تعرفهم وتغض الطرف عنهم فهذه مصيبة , وإن لا تعلم من هم فالمصيبة أعظم ... ربما هنالك منهم من لا يزال على اتصال بتنظيمه السري , فكيف يتسنى للرابطة أن تتأكد من صحة ذلك أو عدمه .... هل من الإنصاف أن يرحب بهم وتتردد الرابطة في دعوة أو حتى الإقتراب ممن تجري الكلدانية في  عروقه وخدم الفكر الكلداني بطريقة أوأخرى بلا كلل أو ملل .... ألا تعتقد الرابطة بأنها ولدت من رحم الفكر المسيحي الذي أرست دعائمه الطلائع الكلدانية التي قطنت المهجر منذ أكثر من قرن من الزمان ونشرت الإسم الكلداني في تنظيماتها ومؤسساتها الإجتماعية والإعلامية والثقافية والسياسية وكافة الجوانب الحياتية الأخرى ...

من يشمله الإجتثاث لا يستحق أن يقبل في الرابطة إطلاقاً . هو حتماً إنسان وصولي ومتملق وسبق أن أنكر  دينه وجامل على حساب إلإيمان المسيحي كي يحصل على الفتات من الطعام الزائد عن حاجة من معه في التنظيم ولكن من غير دينه , بالإضافة إلى استخدام الأساليب الخبيثة والغادرة كي يصعد في السلم الحزبي أو يحافظ على ما وصله على أقل تقدير .... من العجيب الغريب أن يدعي الكلدانية من دمه مشبع بالفكر العروبي ,  ويتشبث بالكنيسة كي يغطي على آثامه , ويمتدح غبطة البطريريك لا صدقاً بل رياءً كي يظهر بمظهر التقي الورع ويكسب الرضى والمودة .... كل  ذلك من أجل أن يلتصق بأحد الكراسي الإدارية للرابطة ويتمتع بإدارة الإجتماعات الفرعية التي شب عليها ولسان حاله يقول :

تباً لأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة
وتحيا أمة كلدانية واحدة ذات رابطة سائدة

ندائي إلى الرابطة الموقرة : حذاري حذاري ممن ليس له أول ... وأرجو أن تقبل هذا المقال كمقترح يقدم إلى المؤتمرين يوم 25 أيلول لإبعاد من يشمله الإجتثاث عن أية مهمة إدارية في فروع الرابطة ومكاتبها ... عددهم قليل جداً لا يؤثر على مسار الرابطة ولكن غدرهم كبير وماحق .


88
شذرات عسكرية من الذاكرة 4 – ألعلاقات الشخصية والواجب
د. صباح قيّا
سألني البعض من معارفي القراء : لماذا لا أكتب الأسماء الصريحة لمن أشير إليهم في كتاباتي عموماً وفي مسلسل " شذرات عسكرية من الذاكرة " خصوصاً , وأكتفي فقط بذكر المنصب أو الرتبة أو أية كنية أخرى عدا الإسم ؟ ...  ٍسؤال وجيه جداً وملاحظة أُثمِّنُ غايتها النبيلة , ولكني , للأسف الشديد ,  أعتذر عن تلبية طلب هذه النخبة المتابعة بانتظام لما يسطر قلمي حيث  سأستمر بأسلوبي المعتاد كون الغاية مما  أسرد ليست تبجيلاً لأحد ما ,  أو الإساءة لأي من كان ,  بل عرض الحدث  كتجربة شخصية  مررت بها  خلال مرحلة معينة من  عجلة تاريخي  الحياتي المتنوع بحلاوته  ومرارته , وبمسراته  وأحزانه ً , ومن الممكن أن يُستخلص منها درس أو دروس ... هذه هي الحياة منذ بدء الخلق الإنساني , تجارب وعبر , صعود وهبوط أو العكس , وتبقى الذكريات عزيزة حتى ولو من سببت منها آلاماً مبرحة في حينه . وغالباً ما يستمد الحاضر ديمومته من الماضي , فلا حاضر بدون ماضٍ , فاليوم يسبقه الأمسُ , والليل قبله نهار والعكس صحيح ...

في الثلث الأخير من ستينات القرن الماضي , وفي كلية الضباط الإحتياط حيث كانت مجموعة تلاميذ  " ألدورة الخاصة " والتي تضم خريجي الكليات  الدارسين على نفقة وزارة الدفاع تجري التدريب العسكري المطلوب  قبل منح الرتبة العسكرية التي يستحقها كل خريج . كان مجموع الدورة حوالي الخمسين تلميذاً على ما أذكر , وكنت أنا أحد الثلاثة  المسيحيين المنتسبين للدورة من خريجي كلية طب بغداد , وكان معنا مسيحي رابع خريج كلية الهندسة – بغداد – , والذي التقيت به مؤخراً في وندزر كندا ....

بدأت فترة تدريبنا بعد تخرجنا مباشرة حيث حرارة صيف بغداد الشديدة لا تحتمل ,  وقد  تثير الأعصاب أحياناً  وخاصة خلال الساعة الأخيرة من التدريب الشاق .... كانت المفاجئة للجميع عندما صرخ بي أحد التلاميذ الأطباء " مسيحي تلكيفي نزاح " بعد أن تجاوزته خلال الهرولة .. عدت  نحوه وكاد الخناق أن يحدث بيننا لولا تدخل رأس العرفاء المكلف بالتدريب والذي , والحق يقال , نهره بشدة , وأيضاً تدخل بقية التلاميذ  حيث بدى الإمتعاض بوضوح على وجه الكثيرين منهم , حتى أن البعض همس بإذني معبراً عن تضامنه معي واشمئزازه مما حصل منه .... ورغم كل المواساة وتطييب الخاطر كان يوم حزيناً وقاتماً بالنسبة لي حتى أنني لم أكن على نشاطي المعهود به خلال لعبة كرة السلة إثناء الساعة المخصصة للرياضة والذي شعر به أقراني في الفريق وعبر عنه بذلك أحدهم حيث قال لي : يظهر أنك لا تزال متأثراً مما حدث صباحاً ؟ وحاول التخفيف عن ذلك بكلمات جميلة تنم عن مشاعر صادقة ....

لم تكن لي معرفة عميقة مع ذلك الشخص , ولا أذكر بأني قد تكلمت معه خلال سنوات الدراسة أكثر من مرة أو مرتين ... لم يكن ذلك الإنسان الإجتماعي في الكلية بل أقرب إلى العزلة , ولا أتذكر أني قد شاهدته يوماً ما في نادي الكلية أو مكتبتها . كل ما أعرفه عنه ,  بحكم الإنتماء العسكري ,  أنه من إحدى قصبات محافظة الأنبار مع كل احترامي وتقديري  لأهالي الأنبار الكرام الذين تجمعني مع الكثير منهم صداقة ومودة , وحتى أن هنالك منهم من كان معي في التدريب واستاء  من فعلته آنذاك ...  وحتماً لم يسبق له الإختلاط بالمسيحيين ومعرفة سمو أخلاقهم وحرصهم وجديتهم في العمل , بل كل ما استنتجه عنهم  حاله حال من على شاكلته بأن كل مسيحي هو تلكيفي وبالأخص من يتكلم لغة الأم  , وكأن المسيحيين في بغداد هم تلاكفة فقط ولغة الأم لا يتكلمها غيرهم ,   وكتحصيل حاصل ً بأن من يقوم بتلك الخدمة التي عيرني بها هم تلكيف أيضاً كونهم من المسيحيين . وغاب عنه بأن الذي يؤدي هذا العمل يكسب رزقه بشرف , ونسي أو تناسى بأن السماسرة والفاجرات في العراق معظمهم  من بني دينه ,  مع الإعتذار لمن يمتهنها في عالم الغرب رسمياً , وممن اضطر عليها في الوطن الجريح نتيجة الظروف القاهرة التي فرضها حكم العملاء من بني دينه أيضاً .....

 مثل هذا النمط لا يتغير بسرعة , وكما يقال " عادة البدن لا بغيرها غير الجفن  " , وبالفعل كررها ثانية مع زميل مسيحي آخر , قصده دون أن يشير له مباشرة . حدث ذلك إثناء متابعته لمباراة تسقيطية بين فصيلين  من فصائل كلية الضباط الإحتياط حيث كان الزميل المسيحي لولب المباراة , ويظهر بأن مشاعر الغيرة القاتلة أفقدته توازنه ... ولم يكتفي بذلك بل أن " قصر النظر الحياتي " المصاب به والذي شرحته  في مقال سابق قد استفحل في داخله فأعادها في نادي الأطباء عندما ربح أحد الأطباء  المسيحيين جائزة لعبة الدنبلة .... هذا ما حدث لي وما شهدته بعدئذ بنفسي , فكم من المرات التي جاهر بها  ولم أكن حاضراً ؟....

منذ ذلك الحين وخلال سنوات الخدمة الطويلة لم أتكلم مع ذلك النموذج المحسوب على السلك الطبي والعسكري , بل كنت أتجاهله . وإذا صادف أن  نلتقي في مناسبة أو واجب مشترك , فلن يتعدى حواري معه ما له علاقة بتلك المناسبة أو الواجب , ثم أمضي إلى سبيلي وكأني لا أعرفه .... تعاقبت السنون ودارت حركة الزمن ... أصابه مرض مستعصياً ونادراً لا شفاء منه ... لا شماتة به أو بأي مثيل له إطلاقاً , ولكن لا بد أن أذكر بأن الرب محبة ,  ورغم ذلك قد تنزل على رأس الإنسان مصائب أثقل من الحجارة .... قدم طلباً لإحالته إلى اللجنة الطبية الإختصاصية لتقرير صلاحيته للخدمة العسكرية كضابط . شاءت الصدف أن أكون رئيساً للجنة الطبية إضافة إلى إختصاصي الأمراض الباطنية في اللجنة , علماً أن مرضه يقع ضمن اختصاصي , وهذا يعني أنه  لا بد لي  وأن أثبت مرضه بنفسي وأقرر على صلاحيته كاختصاصي وكرئيس لجنة .... طرق باب كل المقربين لي من زملائي يتوسطهم ويعرب لهم عن قلقه الشديد بما سيكون موقفي حينما يعرض على اللجنة وما قد يواجهه من قرار قد لا يصب في صالحه .... علمت منهم جميعاً بأنهم قد طمأنوه وأخبروه بأني حتماً سأطبق القانون وأمنحه ما يستحق , ولن يؤثر ما سبق وأن حصل له معي على عملي بموجب المادة التي يخضع لها مرضه . 

دخل على اللجنة التي أتوسطها ويجلس إثنان من اعضائها على يميني والإثنان الآخران  على يساري . كنت قد تصفحت إضبارته قبل أن نناديه ... طلبت منه الجلوس بجانبي .. كم شعرت بأنه كسير مهيض الجناح وأنا أنظر إليه بهدوء وعطف وهو يحاول تجنب نظراتي إليه . أين يمكنه أن يخفي وجهه من نظراتي التي حتماً يفهم ماذا تعني وأنا أتذكر تلك الكلمات الجارحة التي أطلقها علي بدون حق بل انبعثت من دوافع استعلاء الأكثرية الحاكمة على الأقلية المحكومة .. ها هو إبن الأقلية المحكومة يمسك زمام وصايا اللياقة البدنية التي يخضع لها الجميع بدون استثناء , وقد قيل بأن القانون كالمطاط وبإمكان الحاكم أن يسحبه كيفما يشاء  . نعم انا الحاكم والمطاط بين يدي وأستطيع أن أسحبه كما أشاء وضمن الصلاحية القانونية فأقرر " وحدات ثابتة دائمية " بدلاً من " لا يصلح كضابط "  . هل أنتقم وأنا الذي ترعرعت بين أحضان تعاليم مسيحيتي الجميلة التي تبشر بالمحبة والعطاء والغفران ؟ ... لقد حلت عليه عدالة السماء وأصابه ما لا يتمناه أي طبيب حتى لعدوه , وليس من الحكمة أن تؤثر على واجبي الطبي والتزامي لآداب المهنة تفاهات من هو غارق في قلقه أمامي وحتماً يتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه ولا أن يسمع ما لا يود سماعه .... قلت له : أتمنى لك شفاءً عاجلاً ولو أن مرضك حسب علمك من الصعب شفاؤه , وحتماً  يظل الأمل بالمستجدات الطبية قائماً , ولكن هنالك من الأمراض يستطيع الشخص أن يعالجها بنفسه ... قرأت في عينيه بأنه فهم قصدي .. لم يجب بل ظل صامتاً من كان لسانه أطول من ..... . وختمت كلامي بقولي له : لا تصلح كضابط حسب المادة ...... تبعثرت كلمة شكراً وهو يخرجها من فمه .... ربما لم تصدر منه بصدق . لاحظت الإبتسامة على وجوه زملائي في اللجنة عندما غادر مقرها , وفهمت من إبتسامتهم بأنه قد توسل إليهم أن يسندوه في الحصول على ما يبتغي ولم يكن هنالك مبرراً  للمبادرة بذلك ما دمت قد منحته استحقاقه قانوناٌ .  ورغم شعوري بأنه لم يكن مسروراً بحضوره أمامي أشبه بالذليل , ولكني سعيد بأني أديت واجبي كما أملاه علي ضميري ولم أتأثر بعلاقتي الشخصية معه والتي ستظل كما كانت  سابقاً وبدون تغيير . ألواجب مقدس وتأديته فرض , أما العلاقات الشخصية فتتنقل بين المد والجزر . وتبقى الفلسفة الحياتية : نعم للموقف , كلا للكراهية هي السائدة .


89
ألمشاركات الرمضانية ليست فرائضَ صيامية
د. صباح قيّا
في نهاية ستينات القرن الماضي ولم يكن قد مضى على بدء حياتي المهنية سوى بضعة أشهر , كلفت بمرافقة القطعات العسكرية العراقية من بغداد إلى محافظة السويداء السورية حيث مقر القيادة المشتركة للجبهة الشرقية المتشكلة آنذاك ً من ممثلين عن  الجيشين الأردني والعراقي مع ضباط إرتباط من الجيش المصري . ورغم كون المهمة المناطة لي رسمياً تحتم عودتي مباشرة بعد إيصال الرتل العراقي , إلا أن القيادة أوعزت ببقائي لحين تنسيب ضابط طبيب بديلاً لي .... بصراحة , سررت بهذا القرار حيث سيتسنى لي خلال وجودي هناك من السفر إلى دمشق والتمتع بأسواقها وتذوق طعامها , وهذا ما حصل ولعدة مرات .... صادف حلول شهر رمضان المبارك عند الأخوة المسلمين .. أخبرني رئيس لجنة مطعم الضباط  والذي كان أحد الضباط الأردنيين ضمن القيادة بأن السيد قائد القيادة المشتركة أمر بغلق المطعم خلال الشهر , ولكن يظل مفتوحاً للطبيب فقط ولثلاث وجبات حيث كنت الضابط المسيحي الوحيد بينهم . ومن الجدير بالذكر أن السيد القائد من أهالي الموصل ويحمل رتبة فريق ركن حينها ... أعجبتني الإلتفاتة العادلة من لدنه فكان قراري , كتعبير عن امتناني لذلك ,  بأني سأكتفي بتناول وجبة الفطور بين الساعة العاشرة والحادية عشر صباحاً ,  ثم أشاركهم جميعاً طعام الإفطار في موعده المحدد .... إنتبه القائد لوجودي بينهم فأوعز لإعلامي بأني لست ملزماً بتواجدي في المطعم خلال فترة الإفطار , وأن الأمر الذي أصدره بهذا الخصوص لكافة الضباط لا يشملني .... نقلت له أنها رغبتي الشخصية وحضوري محض إرادتي ...

تكرر المشهد بعد عامين في إحدى قصبات كردستان الجميلة ... مع الفارق انني لم أكن وحيداً هذه المرة , بل كان معي عدد لا بأس به من الضباط الأطباء المسيحيين ممن يؤدي خدمة الإحتياط  وقتذاك .... كان قرارنا الجماعي بالمشاركة في تناول وجبة الإفطار مع زملائنا الآخرين تقديراً لموقفهم المنطقي بإبقاء المطعم مسموحاً لنا خلال وقت صومهم .

لا بد من الذكر أيضاً بأني , وبحكم موقعي الوظيفي , قد دُعيت وحضرت العشرات من مآدب الإفطار في أماكن مختلفة من أرض الوطن . وكلمة الحق يجب أن تقال , باني لم ألاقي من الجميع غير الترحاب والإستقبال الحار , ولم أصادف أن واجهت سلوكاً أو لاحظت امتعاضاً أو سمعت كلمة من أي كان تشير إلى مشاعر غير صادقة تجاه مشاركتي وجبة إفطارهم ..... لا أعتقد أن هنالك غرابة في ذلك حيث هكذا كانت العلاقات حينذاك , بصورة عامة  , بين الأطياف المختلفة لشعبنا العراقي وحتى مع بسطاء الناس منه ....

يتبادر الآن السؤال التالي : هل تعتبر مشاركتي وجبة الإفطار فريضة صيامية ؟  , أي بمعنى آخر : هل الجلوس على مائدة الإفطار وتناول مِن ما عليها من طعام يعني أنني صائم معهم وحالي حالهم ؟ ... من السذاجة الإجابة بنعم على هذا السؤال ... ففريضة صيام رمضان لا تقتصر على الشهي من المأكولات في فترة الإفطار , بل  هنالك وجبة السحور , وأيضاً  وجوب ممارسة الصلاة الرمضانية , بالإضافة إلى قراءة الفاتحة , على ما أعتقد , قبل البدء بالأكل , وأيضاً التقيد عموماً بتناول التمر أولاً بأول عملاً بالآية القرانية  أو الحديث النبوي " إذا فطرتم فأتمروا  " , أي إبدأوا بالتمر أولاً .... كل هذه وربما غيرها يستوجب على الصائم المؤمن تطبيقها ’ وإلا أصبح صيامه وكأنه " حشرٌ مع الناس عيدُ " ’ أو من  باب التظاهر بذلك ليس إلا , وما أكثرهم في الواقع .... ورغم كون ما  فعلته أنا ,  وما قد فعله غيري ,  لم يكن غير المشاركة في وجبة الإفطار , إلا أنني عوتبت بشدة من قبل البعض من معارفي بسبب الخبر الذي وصل إليهم بأني صمت شهر رمضان ... إذن هنالك حتماً من بين الإخوة المسلمين من فسر حضوري وكأنني صائم صيامهم , ونقل ذلك حسب قناعته .... ما حصل ذلك الزمان , كيف سيقرأ في هذا الزمان ؟ ....

يتوهم من يعتقد بأن مفهوم الإسلام قد تغير اليوم عما كان بالأمس وقبل الأمس ... ألآيات المكيّة ذات الجذور المسيحية التي تمجد الرب المحب وتعتمد الفضائل الواردة في العهد الجديد هي نفسها كما كانت , وآيات المدينة ذات الجذور التوراتية خصوصاً وكتب العهد القديم عموماً والتي تقتل تنفيذاً لوصايا الرب وحتى تشاركه فعلتها وتدعي العمل بأمره هي أيضاً كما هي ... ما تغير ويتغير حسب الظرف والمكان هو الأسلوب التطبيقي لها سواء من باب الدعاية الإعلامية والكسب المرحلي , أم بدعوى إيمانية إستناداً لما جاء في هذه الآية أو تلك وبحسب ما يجتهد به الوعي البشري من جهة أو يفهمه الملقَّن من جهة أخرى ..... ويظل الإختلاف قائماً بين المذاهب المتعددة وتحديداً بين المذهب الشيعي الذي يقر بنهج الإجتهاد بحيث يقترب المتعمق في هذا النهج من التعاليم المسيحية الداعية إلى المحبة والسلام , وبين المذهب السني الذي يلتصق المتعمق منه بما جاء بآيات المدينة التي تنشر الدعوة الإسلامية بالسيف أو الجزية أو الأسلمة كي تسلمَ ....

أعود إلى سؤالي : ما حصل ذلك الزمان حيث الطابع العلماني هو السائد , كيف سيقرأ
 في هذا الزمان حيث التعصب المذهبي والإحتقان الطائفي هو المهيمن على الساحة العراقية وبدرجات متفاوتة  ؟ ... ألمشاركة في تناول طعام الإفطار أعلاه حدثت كتحصيل حاصل لمبادرة الأغلبية بما يحق للأقلية وأن لا يفرض عليها ما ليس لها ناقة به أو جمل ... ألمشاركة تعبير عن مشاعر الإمتنان لمن رغم امتلاكه الكفة الراجحة لكنه غض الطرف عن ما يمكنه عمله لمنع الإفطار العلني ولن يحاسب إطلاقاً  ...
 
والآن كيف يفسر الموقف لو صدرت المبادرة من عندي شخصياً لمشاركتهم وجبة الإفطار ؟ ... على الأغلب سيقال أنها مجاملة , وإذا كانت مجاملة فهي في غير محلها , ولا أعتقد أنه من الحكمة أن أجامل من لم يشعر بوجودي وحاجتي ... ربما من يعتقد أنها نتيجة ضعف من الأقلية المغلوبة تجاه الأكثرية الغالبة , وعندها ستهتز كرامتي على أقل تقدير ... قد يظن البعض أنها نابعة من الشعور بالأخوة كشعب واحد , ووحدة المصير كأبناء وطن واحد , وذلك أضعف الإيمان ... نعم ذلك أضعف الإيمان كوني من الأقلية ورغم كونها أصيلة لكنها مهمشة  وبدورها يستهان , وستبقى كذلك لحين مغادرة آخر مسيحي من ذلك المكان  ... وأخيراً لا آخراً , هنالك من يقول أنها تستهدف كسب الثقة ... ولكن كسب ثقة من ؟؟ داعش ؟ على أي ذقن أنا أضحك ؟ ... . غير داعش ؟ هو يثق بي لأني أعزل , وسلاحي الإيمان والذي لن يهدد أياً من سيكون في الحكم أو سبق وأن كان ... قناعتي أن لا أبادر إلا إذا بادر أولاُ صائمُ رمضان , فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ...   
   
 

90
من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا – ألجزء الثالث - ؟
د. صباح قيّا
 لا بد وأن يلاحظ المتبحر في بطون الكتب بأن الكثير ممن ينتقد المؤسسة الكنسية لسبب أو آخر  أو سلوكيات  رجالها هم في الواقع من محبي الكنيسة  ومن روادها المنتظمين , وأيضاً هم ممن يكنّ الإحترام والتقدير لرعاتها بغض النظر عن مركزهم الروحي أو درجتهم الكهنوتية , ولا غرابة أن يكون بين جمع المنتقدين عدد لا يستهان به من المختصين باللاهوت , وحتى من رجال الكهنوت نفسه  . أي أن ذلك  لا يعني موقفاً سلبياً أو بالضد من ذاك الراعي أو غيره , أو من الكنيسة التي ينتمي إليها بإيمان وصدق الناقد نفسه , بل موقفاَ تصحيحياَ من وجهة النظر الشخصية مدفوعاً بدافع الحرص ليس إلا ... ألأمثلة على ذلك متعددة وأقربها مقال سيادة  " المطران  سعد  سيروب "  الأخير والمنشور على المواقع .... من يعتقد خلاف الموقف التصحيحي أعلاه  فهو ,  للأسف الشديد , يستحق كنية الأمّي ( مع إعتذاري العميق للكاتبة المبدعة ألأخت شذى مرقوس )  إن لم تكن هذه حقبقته ,  أو أنه مصاب بقصر البصر الحياتي المنوه عنه في الجزء الثاني من هذا المسلسل ....

 ما قيل عن المؤسسة الكنسية ورعاتها ينطبق على التنظيمات والهيئات الأخرى بغض النظر عن أجندتها وأهدافها وأسلوب عملها  , ومن ضمنها " ألرابطة الكلدانية العالمية " .... يتوهم من يعتقد بأن الهدف من هذا المسلسل هو التشكيك بالمبادرة الكنسية أو مس أيّ من الآباء الأفاضل ,  أو الإنتقاص من جوهر أهداف الرابطة أو التقليل من أهمية إنجازاتها , رغم تواضعها ,  خلال مرحلتها التمهيدية ... ما أكتبه حقائقاَ يعرفها جيداً من شهد أحداثها , أما الذي لا تطربه الحقائق فهذ مشكلته , لأني لا ولن أمدح " إلا استحقاقاً " مهما كان مقام  المعني وموقع مؤسسته .

دعيت إلى إجتماع مكتب وندزر للرابطة  بحضور مسؤول فرع كندا رغم إني لم أكتسب درجة العضوية حسب المادة الثانية عشر للرابطة  وذلك  لعدم تسديدي مبلغ الإنتساب ( شروط الإنتساب والعضوية ) ,  بل لمجرد ملئي إستمارة التقديم للإنتماء . لا أنكر بأن ذلك ينبع من ثقة المسؤولين عن المكتب بأني حتماً  سأسدد المبلغ عند إستمراري معهم لأصبح عضواً قانوناً ... كانت الغاية من الإجتماع تشكيل اللجان .. طلبت أن أكون في " لجنة العلاقات العامة " بعد أن اعترض مسؤول الفرع على ترشيح المكتب لي كناطق إعلامي ... رشح أقرب الناس لي للجنة نفسها بعد أن اعتذر عن الإنضمام للجنة الثقافية التي اقترحها المكتب ... ما يدعو للغرابة خلال الإجتماع هو الإلحاح غير الطبيعي على البعض من الحضور للإنضمام إلى هذه اللجنة أو تلك رغم عدم توفر الرغبة عنده وإعتذاره بحجج منطقبة ... لا أعلم هل الخدمة طوعية أم إجبارية عند مسؤول المكتب ؟ ... ربما لا يزال يحنُ إلى أجواء الإجتماعات الحزبية التي يتقنها بجدارة ... عطفي على من كان يعتقد نفسه شيئاً وشعر أنه  لا شئ بلمحة بصر فيظل يحاول المستحبل أن يعيش بوهمه أنه  شيء حتى ولو طرق أبواباً مهجورة ...

إتصل بي مسؤول المكتب لإعلامي عن موعد إجتماع " لجنة العلاقات العامة " لإختيار مسؤؤلٍ لها .... بحكم العلاقة المتشعبة التي تربطني معه , اقترحت أقرب الناس لي أن يكون مسؤولها نظراً للمواصفات التي يتمتع بها والتي ستساهم مساهمة فعالة في إيصال الشأن الكلداني إلى المراجع الكندية , وذلك جوهر أهداف الرابطة ومن صميم واجباتها ..

حصلت المفاجئة خلال إجتماع اللجنة والتي قلبت الموازين رأساً على عقب . كم تمنيت حينها أن لا أكون جزءاً من هذا الركب وانا الذي يردد  دائماً أمام صديق عزيز يعشق كل ما له علاقة بالكلدان : " لا تُعوّل كثيراً على الكلدان , سيخذلوك في أية لحظة " ... الأمل من القارئ الكريم أن لا  يتحسس  ما أقول ,  فالأمة الكلدانية بالنسبة لي شأنها كما نوهت عنه في مقدمة الجزء أعلاه .... ولكن ...

 بدأ مسؤول المكتب بالكلام ... للأسف الشديد شفاهه كانت تنطق كذباً , وأقرأ في عينيه مكراً وخباثةً . إستهل كلامه عن أهمية اللجنة وكونها من أهم اللجان في الرابطة , ولذلك لا بد أن يضطلع بمسؤؤليتها مسؤول المكتب نفسه ... هل هنالك مثيل لهذه المهزلة ... يوجه مثل هذا الكلام لمن ؟ ... هل نسيَ أو تناسى بأنه يتكلم مع من ناقش مسودة النظام الداخلي ويعرف حيثياته  , ومع من حضر الندوات التعريفية للرابطة في مشيكن  بإشراف سيادة "  المطران المتألق باستحقاق إبراهيم إبراهيم " , وعلى دراية تامة بكل تفاصيل  الرابطة . مسكين من ينظر بعينيه ولا يبصر , ومن عقله لا يدرك ....  والأنكى من ذلك , إدعى بأنه اتصل بمسؤول فرع كندا وبنائب رئيس الرابطة الساكن في مشيكن , وحصل على موافقتهما كما أكد بأنهما من اقترحا ذلك .... لن أعلق على ما إدعاه لمعرفتي حقيقة الأمر , ولهما مطلق الحرية في توضيح ذلك من عدمه .... تـساءلت  مع نفسي : ألم يكفيه منصب فخامة رئيس الوزراء , لكي يطمع أيضاً بمنصب معالي وزير الخارجية ؟ ...  أتاني الجواب مباشرة : هذا ما تعلمه خلال مرحلة نضاله المريح , فتلك كانت القاعدة عند توزيع الأدوار .

بصراحة , لم أستطيع تحمل ذلك الإبداع في فن الغدر والخداع .... قلت له : أنت تتغذى بي قبل أن أتعشى بك . ألم يكفيك الإلتفاف على الصالون ( ألمقصود ألصالون الثقافي الكلداني )  , والآن تلتف على اللجنة .       ثم غادرت الإجتماع بعد أن أخبرته بتركي الرابطة .... ساذج من يعتقد بأني أتقبل أن أجالس من ينكث بوعده ويخون أمانة اتفاقه ويرجع عن كلمته.... كما قلت في الجزء الأول : تحملت الظلم وأظل أتحمله , ولكن لا ولن أنحني للغدر , فمن يغدر مرة واحدة يعيدها مرات ... ودعت الرابطة قبل أن أحصل على عضويتها القانونية ولست متأسفاً على ذلك , بل أسفي على الأمل الذي يوصد أبوابه أمثال من هم من أرباب السوابق في لوي الأذرع بتقاريرهم الكيدية .

بدأت الإشاعات تلاحقني والتي مصدرها من غدر ولم يرتوي .... أخبرني أحد الأعزاء من أعضاء الرابطة في مشيكن بأني تركتها بسبب إصراري على أن يكون أقرب الناس لي مسؤولاً للجنة العلاقات العامة  .  أجبته : نعم بسبب حرصي على مسار الرابطة بالإتجاه الصحيح . قال : كيف ؟ قلت له : دعني اعطيك بعض من مواصفات من رشحته ويبقى القرار لك . من رشحته يحمل شهادة الدكتوراه إضافة إلى الماجستير ,  له باع طويل في خدمة الكنيسة من خلال المجلس الخورني سابقاً وضمن مجموعة الكتاب المقدس وكادر التعليم المسيحي حالياً , وكنتيجة لخدماته المتميزة حصل على "  شهادة البركة " من الحبر الأعظم , وأيضاً عمله في إحدى الدوائر التي تعني بشؤؤون المهاجرين يجعله الأنسب لإيصال الصوت الكلداني إلى المعتيين في الدوائر الكندبة . أبدى دهشته واستغرابه حيث لم يسبق له أن سمع ذلك . قلت طبعاً لأنك سمعت من طرف واحد فقط وللأسف اقتنعت , ولم تسألني حينها كي أوضح لك الحقيقة ... نعم , لا أزال أصر على مرشحي لكفاءته وأفتخر كونه أقرب الناس لي ... لو توضع الصلة الشخصية عائقاً أمام الكفاءة والمقدرة لما ترشحت السيدة كلينتون لرئاسة الولايات المتحدة , ولما تبوأت المرحومة أنديرا غاندي رئاسة مجلس الوزراء في الهند , ولما انتخبت السيدة بيرون لقيادة الأرجنتين , والأمثلة تطول . أين هي الغرابة في هذا الترشيح . هل أتيت بعريف بالجيش لأجعل منه وزيراً للدفاع ؟ أم عينت شبه أمّي بمنصب رئيس الوزراء ؟ ناهيك عن المدراء العامين وبعض العمداء .
 
وقبل أن أترك الحكم  لعدالة القراء الكرام  , أسأل المرشد الروحي وكافة مسؤولي وأعضاء الرابطة عن رأيهم بمرشحي , وهل يشترط أن يضطلع مسؤول المكتب بمسؤولية لجنة العلاقات العامة ( يعني قحطت الأوادم  ) ؟ ... ألمضحك المبكي عندما يعتقد أي مسؤول في الرابطة أنه أكفا من البقية . إن كان هذا الشعور قد تملك البعض فالأمل أن يحتفظ به لنفسه فقط .

يتبادر السؤال التالي : ما هي الدوافع الحقيقية التي حدت بمسؤول مكتب وندزر لإبعاد مرشحي عن لجنة العلاقات العامة  ؟ 
لقائي معكم قرائي الأعزاء خلال الأيام القادمة لأكمل  لكم بالتفصيل غدر مكتب وندزر وظلم فرع كندا والمقر العام للرابطة الكلدانية العالمية  .
رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,810115.0.html
رابط الجزء الثاني
 http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,811367.0.html

     

91
من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا
– ألجزء الثاني - ؟
د. صباح قيّا

كثيرون هم المصابون بقصر النظر كأحد انواع الإنكسار الضوئي الشائعة  , فتحية للعلم الذي أوجد النظارات الطبية  والأشعة الليزيرية كعلاج له , وحتماً ستخترع وتكتشف وسائل علاجية متطورة أخرى في المستقبل القريب ليصبح بعدها جزءً من الزمن الماضي ... ولكن , للأسف الشديد , يقف العلم حائراً أمام المصابين بقصر النظر الحياتي سواء في الجانب الإجتماعي أو الديني أو السياسي أو العسكري أو الأداري  وغير ذلك  من الجوانب الحياتية المتنوعة ...  لا شك بأن  النوع الأول يلقي بتبعاته عموماً  على المصاب نفسه الذي يعي حالته جيداً  , بعكس  النوع الثاني الذي تنعكس آثاره السلبية على الآخرين بدرجات متفاوتة تتناسب طردياً مع شدة  قصر نظره الحياتي  كونه لا يعي إصابته إطلاقاً , بل قد يعتقد واهماً بانه يتمتع يسعة الأفق وبعد النظر , وهذه هي الطامة الكبرى ... وكمثل على ذلك : من لا يرى ضيراً في لصق إعلانات دعائية لحفل غنائي راقص على واجهة الكنيسة ومدخلها الرئيسى , وحينما يقرأ مقالاً نقدباً تصحيحياً عن الموضوع ’ يقيم الدنيا ولا يقعدها بالقاء اللوم بعنف  على الكاتب لعدم إخباره عن الإعلان الدعائي  قبل نشر المقال وخاصة أنه  يشغل منصباً بارزاً في المجلس الكنسي ... ألسؤال : من الذي أتى به الى المجلس غير صوت الكاتب نفسه إضافة لمن توسل إليهم أن ينتخبوه ؟ , وما هو موقعه بالنسبة لكاتب المقال كي يطلب الأخير الإذن منه ؟ , ولماذا لم يعترض على من أوعز له أو لغيره  بتعليق الإعلان بعد أن حصل على موافقة راعي الكنيسة رغم وجود تعليمات سابقة تمنع ذلك صادرة من الراعي نفسه , وسبحان مغيّر الأحوال .... والمثل الثاني على قصر النظر الحياتي ينطبق , للأسف الشديد , على مسؤول رعوي متقدم الذي نعت " بالغباء "  كل من ينتقد اي شأن كنسي وبدون تحديد ... يتبادر الآن السؤال التالي : من يستحق صفة " الغباء " : ألذي يصدر قراراً بعد سماعه وجهة نظر طرف واحد دون محاولة معرفة وجهة نظر الطرف المقابل ؟ أم الذي يشير إلى ممارسات سلبية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالكنيسة ؟ .. لا يا سيدي الجليل  , كلمة " ألغباء " لا تليق أن تنطق بها أنت أو غيرك ممن يرتدي لباس الكهنوت مهما كان لونه , وارجو أن تسمح لي بأن أذكرك بأركان  المسيحية المتمثلة بالمحبة والغفران والعطاء فهي أسمى من كل  ما في الوجود من نعوت وأحلاها قولاً وفعلاً .             
   واستشعر الحلم في كل الأمور ولا           تسرع ببادرة يوماً إلى رجل

بعد تاسيس الرابطة الكلدانية العالمية وانتخاب ممثلي الفروع , أقترح أحد أعضاء نواة  الصالون الثقافي الكلداني أن يدعو الصالون مدير فرع كندا لعقد ندوة  تعريفية للرابطة بادارة الصالون نفسه . بصراحة , لم أكن مقتنعاً بالفكرة في بادئ الأمر , ولكن بعد مداولات مستفيضة اتفقنا أن نشرك المشرف العام على موقع منكيش في دعوتنا لعقد الندوة التعريفية وذلك كوننا كنا سوية ضمن اللجنة التي ناقشت مسودة النظام الداخلي للرابطة في مشيكن من جهة ’ ولكي لا يشعر بأننا قد تركناه جانباً ونقوم بالمهمة لوحدنا من جهة أخرى وخاصة أني وزميلي في النواة ليست لدينا أية مصلحة شخصية أو طموحات ذاتية بقدر ما يتعلق الموضوع بالرابطة , بل الغاية أساساً لتعريف أبناء الرعية على تفاصيل الرابطة  وبلسان من حضر إجتماعها التأسيسي في الوطن الحبيب ....
إتصلت بمن وضعت ثقتي به واقترحت أن يكون ضمن تشكيلتنا للقيام بهذه الخدمة الطوعية وأخبرته بأن الإجتماع التعريفي المقرر سيكون بادارة الصالون وموقع منكيش ... رحب بالفكرة وتحمس لها واقترحت أن ينسق مع راعي الكنيسة لتأمين القاعة في موعد الإجتماع لقناعتي بأن ذلك لن يكون صعباً كونه من أقرباء الكاهن وحتماً سيحصل على موافقته , وأيضاً بالإتصال بمسؤول فرع كندا ونقل المقترح إليه ومن ثم توقيت موعد الندوة معه . هنالك من يسأل : لماذا أوعزنا لموقع منكيش بذلك ؟ ألجواب بسيط جدا ... سبق وأن التقيت بمسؤول فرع كندا خلال مناقشة مسودة النظام الداخلي , ولاحظت أنه لا يرغب التكلم إلا بلغة الأم التي أفهمها أنا ولا أتكلمها بطلاقة , وزميلي لا يتقنها لساناً وسمعاً , فلذلك يكون موقع منكيش هو الأنسب لتحقيق الهدف المشترك .

بعد كل ما عملته مع زميلي في الصالون  بحسن نية , لا علم لي بتفاصيل ما كان يحصل بين المشرف العام على موقع منكيش ومسؤول فرع كندا . لم أكن أتصور أنه يخطط لكي ينفرد وحده بفكرة نشأت عند أحد أعضاء نواة الصالون وبادر النواة نفسه بالعمل على تنفيذها , ولم يدر بخلدي ولا بخلد أي إنسان منطقي أن ينقلب علينا " فرعوناً " من أردناه " عوناً "

كان قرار نواة الصالون أن ينتمي للرابطة من يرغب من أعضائها  ولكن بصورة شخصية  ومستقلة عن الصالون . وبالفعل قدمت وعضو آخر بصفاء قلب  طلباً للإنتساب ... وفي نفس اليوم سألني زميلي أعلاه إن كنت أعلم عن موعد الندوة التعريفية ؟ أجبت لا أعلم ... أخبرني أنه لا يعلم بها أيضاً وقد عرف الخبر من أحد أعضاء الهيئة الإدارية لإحدى جمعيات شعبنا والذي قدم لها مشرف موقع منكيش دعوة الحضور . لم أصدق أن يصل الأمر إلى هذا الحد ... ربما توهم أن في الرابطة " كعكة " كالتي يتكالب عليها ما يسمى بممثلي شعبنا في البرلمان , فليأكلها وألف عافية , ولكن أين ستقف في المسلك الطويل لجهازه الهضمي وهي مطبوخة على نار الغدر . ...   مسكين مذبح الرب الذي يصعد عليه هذا النوع من البشر , وأسفي للرابطة الكلدانية العالمية أن يتبوأ مسؤولية إحدى حلقاتها مثل هذا النموذج .

إتصلت به مستفسراً ... أطلق العديد من المبررات ... توهم إني صدقته ... حضرت الإجتماع مع زميلي صاحب الفكرة المسروقة ... ذكرت في مداخلتي ما معناه أن الفكرة أساساً جاءت من الصالون , ولكن رغم إبعاده فإن إعضاء نواة الصالون مسرورون لأنها تحققت والمهم أنها تحققت ... ما قلته قد سجل حرفياً على " قناة المخلص " التي قامت بتغطية الندوة التعريفية آنذاك .

لقائي معكم قرائي الأعزاء خلال الأيام القادمة لأكمل  لكم بالتفصيل غدر مكتب وندزر وظلم فرع كندا والمقر العام للرابطة الكلدانية العالمية  .


رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,810115.0.html

   

92
من يستحق التسجيل في موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية ؟ ألرابطة الكلدانية أم أنا – ألجزء الأول - ؟

د. صباح قيّا

مسيرة الإنسان الحياتية مليئة بالتحديات , والتي قد تتدحرج به إلى الأسفل ,  أو تتسلق به عالياً . وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله
وما نيلُ المطالبِ بالتمني  ولكنْ تؤخذُ الدنيا غِلابا

كما أن أغلب الناس معاناة أمام تلك التحديات هم الذين يتمسكون بمبادئهم ولا يحيدون عنها مهما طغى الزمان , وحقاً من قال :
على قدرِ إحساسِ الرجالِ شقاؤهم      وأخو البَلادةِ بالسعادةِ ينعُمً

وفي كل مرحلة حياتية هنالك نقطة تحول تتحكم به وتغير من واقعه إيجابياً أو سلبياً , وفي كلتا الحالتين تجعل منه إسماً معروفاً . ألأمثلة على ذلك كثيرة جداً , وخيرها هي نقطة التحول التي واجهت بولس الرسول  خلال رحلته إلى  سوريا لإضطهاد المسيحيين هناك حيث جاءه صوت من السماء : شاول شاول لماذا تضطهدني ؟ ...
 
في ثمانينات القرن الماضي والحرب العراقية - الإيرانية في عامها الأول , أوعز قائد الفيلق هاتفياً بنقلي خارج الفيلق . كان ذلك بسبب إلقائي أرضاً لضابط ركن  في ساحة المستشفى العسكري الذي أعمل فيه أمام  مجموعة من المنتسبين والمراجعين . حصل ذلك بعد أن تجاوز عليّ قولاً وبدون مبرر مستفيداً من كونه أفدم مني عسكرياً برتبة كاملة , وربما توهم أيضاً بأني سأتقبل إهانته بهدوء كوني مسيحي , وهو تكريتي حسب إدعائه رغم تكلمه اللغة العربية بلكنة تركمانية .... يقال , والعهدة على الراوي , أنه غادر المستشفى  كالمجنون بعد أن نهض من الأرض الترابية وسارع بالدخول إلى مقر الفيلق ورمى برتبته أمام القائد مردداً ما معناه بأن " ألضباط الأطباء الإختصاصيون  شايخين يشهاداتهم ولا يحترموا القدم العسكري" ... إتصل قائد الفيلق بالمراجع الطبية طالباً نقلي خارج الفيلق بدون أن يستمع إلى وجهة نظري عن حقيقة ما حصل , وربما تسرّع في اتخاذ قراره كون المشتكي أنيطت له حديثاً قيادة جحفل لواء عسكري , ويحتاج إلى دعم معنوي كي ينجز مهماته القتالية بنجاح , وقد تكون هنالك أسباب أخرى ؟؟؟؟؟

إمتعض الجميع من إجراء القائد , واعتبروه إجحافاً بحقي بل ظلماً وخاصة أنني كنت مجازاً ولم أغادر المستشفى للتمتع بإجازتي الدورية حينها بسبب حدوث حالة مرضية طارئة كنت بانتظار وصولها . كما  أن طلبه رفض من قبل المراجع الطبية لعدم قناعتهم بهذا الأسلوب في نقل من هو بموقعي  ... بدأت المساعي الحمبدة تتحرك من جهات مختلفة راجين من القائد أن يستمع لأقوالي , والتأكيد على أن ضابط الركن هو البادئ بالإستفزاز , ولا يجوز الإبعاز بنقلي بمجرد الإستماع إلى حجج من طرف واحد فقط  ...  إضطر القائد نتيجة تلك الضغوط أن يوافق على مواجهتي له لإيضاح ما حصل ’ علماً أنني لم اطلب ذلك من أي كان , وإنما كان مقترح المساعي الحميدة ... إتصل بي أحدهم ليخبرني بذلك ... طلبت منه منحي بعض الوقت للتفكير ووعدت أن أوافيه بقراري في اليوم التالي ...  درست الموضوع من كافة جوانبه , وناقشت ما توصلت إليه مع زميل واحد فقط تربطني معه علاقة صداقة وأخوة منذ المرحلة الجامعية .... قراري النهائي هو رفضي تقديم طلب لمواجهة القائد  الذي لم يكلف نفسه للإستماع إليّ في بدء المشكلة , وأوعز بنقلي دون معرفة حيثيات الموضوع , والأهم أنني لا أكترث سواء أقدم خدماتي في هذا الفيلق أو غيره , فكل الفيالق هي ضمن الجيش العراقي وليست تابعة للجيش الإسرائيلي ... إتصلت بممثل المساعي الحميدة ناقلاً له ذلك ... بصراحة , لا علم لي لحد الآن ماذا تم نقله للقائد من النقاط التي أوردتها .. كل الذي وصلني أن سيادته رفع الهاتف حالاً متصلاً بالمكتب العسكري قائلاً لهم بأنه أوعز بنقلي خارج الفيلق ولم ينفذ أمره ... فصدر بعدها الأمر فوراً .... أستلمت أمر نقلي إلى إحدى المستشفيات العسكرية في الجنوب والمصنفة " درجة د " التي لا يتوفر فيها ملاك لإختصاصي  مثلي , مما يؤكد أن النقلة عبارة عن عقوبة شديدة وإستهانة واضحة بي , حيث سأكون هنالك " بيس نفر " كما يقال أو " لا بالعير ولا بالنفير " ...

 كان فجرٌ ممطراً كئيباً  وانا أستعد للإلتحاق إلى وحدتي الجديدة التي تبعد عن محل سكني في بغداد حوالي أربع ساعات ... وكعادة أمهاتنا النجبيات استيقظت المرحومة والدتي لوداعي ... بصراحة , إنتابني شعور عميقاً بالحزن . نظرت إلى السماء وقلت بصوت عالً وبالحرف الواحد  : يا رب , رجائي أن تنتقم لي من كل من ساهم في هذه النقلة ... نهرتني أمي بشدة قائلة : لا , لا يجوز أن تدعي على أي كان مهما كان السبب .. أجبتها : نعم أماه , صحيح ما تقولين ... تحملت مظالم كثيرة ولم أدعي على أحد , ولكني في هذه المرة أدعي من كل قلبي لاني لا أستطيع أن أتقبل  مثل هذا الظلم ......غادرت الدار إلى حيث رسم لي القدر . وجدت نفسي الضابط الأقدم في المستشفى الجديد , وهذ يعني عليَّ تحمل مسؤولية وواجبات الآمر , والذي يعرف بالمدير في المستشفيات المدنية ...

مما لا شك فيه بأن الظلم قد طال أياً من القراء الأعزاء وبدرجات متفاوتة ... قد يتم رد الفعل بمواجهته , وعلى الفرد أن يقبل نتائج المواجهة تلك والتي قد يفلح فيها أو تكلفه ثمناً غالياً  , أو أن يقف منه موقفاً سلبياً قولاُ أم فعلاً أم كليهما ’ قانعاً أو على مضض , ومَثَله " عش مظلوماً ولا تكن ظالماً " ..... نعم , جابهت الظلم بموقف صلب يتناغم مع أسلوبي في الحياة ويحفظ كرامتي بعد أن وضعت في الحسبان إحتمالاً وارداً بأن مواجهتي للقائد  قد تكون لمجرد الإستماع لي ’ ولن تغير من موقفه تجاه نقلي , خصوصاً أنه عسكري محترف لن يتنازل بسهولة عن قراره ولن يضع نفسه في موضع محرج هو في غنى عنه , لذلك غادرت مودعاً بحفاوة من قبل زملائي ومعارفي  , وكسبت تعاطف الجميع مع موقفي حتى الذين لا تربطني معهم علاقة شخصية .
 من شهد هذا الحادث يشهد على ما كتبت وأكتب .....

وبعد شهرين فقط من الواقعة الأليمة , حلّت عدالة السماء .  طُرد ضابط الركن من الجيش وحكم عليه بالسجن لمدة سنتين . حصل ذلك بسبب تركه جحفل لوائه في الوقت الذي كان يخوض قتالاً ضد الجانب الإيراني , وتردده في العودة بحجة مرض زوجته .... وبعد عدة أشهر , أحيل القائد على التقاعد .... بقيت أنا على رأس  المستشفى الذي نقلت إليه قسراً لبضع سنوات , و ساهمت في رفع درجته إلى " ب " مباشرة , وحصل المستشفى ومنتسبوه على العديد من كتب الشكر  بالإضافة إلى الهدايا التقديرية من المراجع المختلفة ... إستمرت خدمتي في القوات المسلحة سبعة عشر عاما أخرى متنقلأً من رتبة إلى أرفع ومن منصب إلى أفضل لحين طلبي إحالة خدماتي إلى وزارة التعليم العالي كتدريسي في كلية طب بغداد ومكثت في الحرم الأكاديمي حتى وصولي بلاد الشتات .

في يوم ما وأنا في مجلس عزاء , إقترب القائد مني وسلم عليّ بحرارة وجلس بجانبي يحدثني بلطف ورقة .... ِأحسست  بأنه يعتذر لما بدر منه تجاهي ..... ليس بالضرورة أن يعتذر الإنسان بقوله : آسف أو أرجو المعذرة ’ بل بالإمكان التعبير عن ذلك بسلوكه , وهذا ما حصل . قبلت إعتذاره رغم قناعتي بضعف موقفه الحالي كونه فقد المنصب ولا سلطة له بعد .... وللأمانة أذكر باني كنت ألقاه بين فترة وأخرى في معارض الكتب , فهو قاريّ من الطراز الأول وله بضع مؤلفات أيضاً .

يقال بأن التاريخ يعيد نفسه . هذه حقيقة أقر بها ... قد تكون الإعادة مماثلة أو متقاربة في الجوهر , أو قد تكون أخف أو أشد من سابقتها , فمسالك الحياة متشعبة ومتعددة , وسلوك البشر متنوع ومتغير .

ما حصل لي أعلاه , واجهته مع الرابطة الكلدانية العالمية .... مع الفارق بأنها بدأت معي غدراً متمثلة بمكتب وندزر, وانتهت ظلماً متمثلة بفرع كندا والمقر العام .  من الممكن تحمل الظلم , كما أن الظالم معروف وبالإمكان تجنب ظلمه , وربما هو نفسه يعيد النظر بحساباته ويتغير من ظالم إلى إنسان سوي يكفر عن ذنوبه ...أما الغدار فمن العسير معرفته إلا بعد التجربة , عدى بطبيعة الحال سيدنا " يسوع المسيح " الذي كان يعلم بغدر " يهوذا الأسخريوطي .... ألتاريخ زاخر بقصص الغدر , فقابيل غدر أخيه هابيل , وكم من الملوك والأمراء والخلفاء والساسة  انتهى غدراً ... وعبر شكسبير عن ذلك في " هملت " . كما أن المارشال مونتجمري أشار للغدر في كتابه " ألسبيل إلى القيادة " عند اختياره الذهاب إلى الغابة مع الزعيم الصيني " ماوتسي تونك " وليس مع الزعيم الروسي  " خروتشوف " ... والغدار على النقيض من الظالم , فمن يظلم قد يتوب , أما من يغدر مرة فقد يعيدها ثانية ... غريزة الغدر تختلف عن غريزة الظلم ... ألغادر مريض بحاجة إلى علاج نفسي , أما الظالم فقد يكون ظرفياً ...

لقائي معكم قرائي الأعزاء خلال الأيام القادمة لأنقل لكم بالتفصيل غير الممل غدر مكتب وندزر وظلم فرع كندا والمقر العام للرابطة الكلدانية العالمية  .

     

93
هل الرابطة الكلدانية حقاً علمانية ؟
د. صباح قيّا
علامات استفهام متعددة تدور بين الكلدان أنفسهم خصوصاً  وبين المهتمين بالشأن الكلداني عموماً حول الرابطة الكلدانية , والتي من الضروري إيجاد الأجوبة المقنعة لها ’ ليس بالقول فقط  وإنما بالعمل المستمد من مجريات الأمور على أرض الواقع , وخاصة أن إدراك الفرد المعاصر قد بلغ درجة لن تغرر به الكلمات المنمقة أو الجمل المعسولة ....  سأتناول في هذا المقال السؤال الذي يتردد مراراً وتكراراً : هل الرابطة الكلدانية تنطيم كنسي أم علماني ؟ .  وسأعرض قناعتي المستوحات من  ملاحظاتي المستقاة من مكتبين من مكاتب الرابطة لقربهما من منطقة سكني وتماسي المباشر والغير المباشر مع أنشطتهما حتى ولو لم تكن تلك الأنشطة بمجملها ضمن فقرات نظام الرابطة الداخلي وأهدافها المعلنة .
ساهم  ثلاثة من المطارنة في إدارة الندوة التعريفية  الثانية لمكتب مشيكن والمنعقدة يوم الإثنين 21 آذار 2016 . أعلن أحدهم بأن الرابطة ليست تابعة للكنيسة , ولكنها لا تقف بالضد منها ....  كلام جميل .. ولكن ماذا يعني حضور هذا العدد من المطارنة في ندوة لم يتجاوز مجموع  الحضور برمته المائة فرد . هل الدعم الكنسي هذا  بسبب كون الرابطة أساساً فكرة صدرت من أعلى هيئة روحية في الكنيسة الكلدانية , أو كونها مشروع مرحلي أو ربما مستقبلي تم التخطيط له داخل أروقة البيت الرعوي ؟ . هل سيستمر زخم الدعم الحالي كما هو لو غاب البطريريك أم أن ذلك مرتبط بوجوده على  قمة كنيسة بابل على الكلدان والعالم  ؟ . هل أنه دعم بحق وحقيق أم مجاملة للمافوق أم الإثنان معاً ؟ .
ما يلفت النظر هو العدد البائس للحاضرين في ولاية يتجاوز عدد الكلدان فيها ال 150000 نسمة على أقل تقدير  .... قد يستدل من ذلك افتقار الرابطة للجذب الشعبي بصورة عامة , وهذه الظاهرة , إن وجدت ,  لا بد وأن تعالج بجد وحكمة  .  و قد يكون لقصور الإعلام دوره الفعال في ظهور ذلك الجمع المتواضع عددياً , وحتى نوعياً كما يبدو من خلال الفئة العمرية السائدة خلال الندوة . من الذي يتحمل مسؤولية ما حصل ؟ هل الكنيسة لعدم تبليغ الرعية ؟ . قد يكون لها عذرها كي تتجنب الإشارة إلى الرابطة كمؤسسة كنسية , وذلك عذر مقبول ومعقول جداً , رغم أن كنيسة " جوار مشيكن " تبالغ في الإعلان عن برامج مكتب الرابطة في رقعتها الجغرافية وكأنه مجلس خورنتها وأكثر ...
لا شك بأن اللوم في مشيكن يقع على المسؤولين الإعلاميين للمكتب وأيضاً على مسؤول أو ما يسمى مدير المكتب نفسه كونه , من حيث المبدأ , الداينمو المحرك والمتابع لكافة فعاليات الرابطة ضمن حدودها المقررة . وكما يعرف في العسكرية " ألوحدة بآمرها " والمقولة تنطبق على معظم بل جميع  الحلقات الحياتية .... سبق وأن تم التركيز بأن المسؤولية تعني " ألخدمة " وليست إمتيازاً . ألإداري الناجح  من يتشرف الكرسي به , لا العكس . وكما قال الرب " كبيركم خادمكم " ... ماذا حقق العلمانيون في فرع مشيكن بصورة عامة ؟ لا شيْ يذكر عدى محاضرة عن الكلدان سبق وأن قدمت مثيلاتها من قبل مؤسسات ثقافية واجتماعية قبل تأسيس الرابطة بفترات متفاوتة  , وبذلك تكون محصلة نشاطاته , للأسف الشديد , صفر على الشمال . الأمل أن يضطلع من الآن  بمهمة توحيد الصوت الكلداني , التي هي من جوهر أهداف الرابطة , والقيام بحشد الرعية لإنتخاب من يكون مناسباً لخدمتها  وتحقيق ما يصبو إليه الكلدان خصوصاً ً والمهاجرن من مسيحيي الشرق الأوسط عموما  وذلك  في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة والتي هي على الأبواب , والإستفادة من تجربة الإنتخابات الكندية الماضية والتي لعبت الجاليات المسلمة فيها  دوراً رائداً لإسقاط حزب المحافظين الحاكم آنذاك , وسقط فعلاً بالضربة القاضية .ً
وعل النقيض من فرع الرابطة في أكبر معقل للكلدان في المهجر , إستطاع " مكتب  جوار مشيكن " وتحديداً في مدينة وندزر الكندية أن يسجل عدداً لا بأس به من أبناء الرعية نسبة إلى تعداد الكلدان فيها , ولكن أغلبهم بل جميعهم  من رواد الكنيسة نفسها , وعليه لا يمكن أن يحسب ذلك إنجازاً للمكتب وخاصة أنه لم يفلح في كسب من يعتز بكلدانيته ولكنه يجهل لغتها أو لا يتكلمها , وأيضاً لم يستطع إقناع  من تسلل إلى كنيسة أخرى لسبب أو آخر بالإنتماء إلى الرابطة .... وما قام به من فعاليات لحد الآن لم تكن إلا تقليداً لنشاطات ( على قاعدة كوبي بيست ) سبق وأن أبدعت فيها مؤسسات ثقافية  قبلاً كتقديم محاضرة عن الكلدان أو تنظيم مهرجان أدبي فني ....  ومن ضمن خططها ألإعداد للمهرجان الكلداني التي كانت الكنيسة نفسها متمثلة بمجالس خورنتها تؤدي تلك المهمة بانتظام وبنجاح واضح يشهد له الجميع  .  وتم تنفيذ آخر مهرجان قبل ثلاث سنوات , ورغم إلحاح الرعية ومجلس الخورنة السابق بتنظيمه مجدداً  إلا أن ذلك لم يحصل بسبب رفض راعي الكنيسة الجليل بصلابة وإصرار  . وقد يعزى سبب رجوعه عن قراره هذا وحشر الرابطة في عمل ليس من ابتكارها كون مدير المكتب من أقربائه والذي حتماً قد ألح عليه بمشاركة الرابطة في عمل يضطلع فيه أساساً مجلس الخورنة . ويستدل من ذلك بأن الغاية ليست ترتيب البيت الكلداني لأنه مرتب بدون وجود الرابطة , ولكن لتحقيق مآرب شخصية وطموحات ذاتية ليس إلا ....
 ولم يكتفي " مكتب رابطة جوار مشيكن "  بهذا القدر من فعالياته المنقولة والمقلدة بل تجاوزها في وضع الكنيسة وراعيها الجليل في موقف محرج بإعلانه عن تنظيم حفل غنائي راقص بالتعاون مع الكنيسة وذلك بمناسبة عيد القيامة المجيد . ومن باب المزايدة لا أكثر , يخصص ريع الحفل للمنكوبين من أبناء شعبنا في الوطن الحبيب . حقاً أنه المضحك المبكي .. عوائل بلا مأوى , مشردة ومشتتة , بالكاد تدبر عيشها , تحتفل فصحها في العراء أو في الخيم أو في زوايا وضيعة , تننتظر المعونة من جالية يرقص أفرادها حول ما لذ من الأطعمة والمقبلات وما طاب  من المشروبات الكحولية والغازية .... ما هكذا ترعى الإبل أيتها الرابطة الموقرة ... كم هو المبلغ الذي سيجمع من هذا الحفل الصاخب ؟ ألف أم ألفين دولار ؟ .. هل تعلم الرابطة بأن إذاعة صوت الكلدان في مشيكن جمعت لشعبنا المعذب آلاف الدولارات بساعة واحدة عن طريق النداء  الإذاعي فقط .... أما الطامة الكبرى فهي وضع الإعلانات عن الحفل في واجهة الكنيسة وأيضاً تحت الصليب الموجود في الجدار الأمامي منها والذي يظهر المطربة عارية الكتفين ... يا سلام ... لماذا الدعوة إلى الحشمة وارتداء غطاء الرأس إذن ؟ ... وما يؤلم بحق هو لصق نفس الإعلان في المرافق الصحية للمطاعم المجاورة للكنيسة , وبذلك تساوى جدار الكنيسة مع جدار المرافق تلك . هل من الحكمة أن  تستغل الرابطة دعم وتشجيع راعي الكنيسة الجليل ووضعه في هذا الموقف المحرج أمام الناس وأمام الرب ؟  .
تذكرت وأنا أكتب هذا المقال الحماس الذي كان يراودني ويراود زملائي الطلبة في كلية طب بغداد خلال محاضرات الطب النفسي وخاصة عند الإستماع إلى أفكار جهابذة التحليل النفسي أمثال النمساويين سيجمند فرويد وألفريد أدلر والسويسري كارل جانك ,  في تناولهم  العوامل التي تحدد شخصية الفرد وتتحكم في سلوكه . وينفرد أدلر بالتركيز على " عقدة النقص " التي تتطور  مع نمو الفرد  وتؤثر مباشرة على سلوكه الذي يستهدف أساساً ً التعويض عن شعوره بالدونية . وأبسط مثال على ذلك هو الذي تحول من شخصية هامشية غير معروفة إلى إسم يتردد  على كل لسان بعد أن دخل المعبد وحطم تمثال رئيس الآلهة .
بعد هذا الإستعراض المقتضب , من الممكن القول بأن الرابطة بوضعها الحالي ليست علمانية , وقد لا تكون كنسية أيضاً . ولكن كل الدلائل تشير , ومن خلال المعطيات على أرض الواقع  , بأن الرابطة ليست إلا دائرة كنسية شبه رسمية .


مبروك لكم جميعاً ولعوائلكم الكريمة عيد القيامة المجيد
قام المسيح ... حقاً قام .


94
هراطقة اليوم وهرطقة أيام زمان
د. صباح قيّا
أعود إلى ستينات القرن الماضي وأنا ما أزال طالباً في كلية طب بغداد وأحد أعضاء " أخوية الشباب الجامعي المسيحيي " التي كانت ملتقى عدد من الطلبة الجامعيين المسيحيين , بغض النظر عن إنتمائهم القومي أو المذهبي أو المناطقي وما شاكل , مساء الخميس من كل إسبوع في كنيسة " أم الأحزان " الكائنة في الزقاق  الشهير المعروف ب " عكد النصارى "  في منطقة رأس القرية .... كان المطران الراحل ,  ألأب آنذاك " موسيس " الملقب ب " قس عنتر "  مرشداً  للأخوية يساعده المرحوم الأب " فيليب هيلايي " .... شاءت الصدف أن أدعم مداخلتي على الموضوع الثقافي لإحدى الإجتماعات بمختارات من الكاتب المبدع والشاعر الرقيق  والفنان القدير " جبران خليل جبران " رحمه الرب ... وما أن أنهيت تعليقي حتى انبرى لي المرحوم " مرشد الأخوية " بنبرة انفعالية حادة وملامح متشنجة  معقباً على ما قلت , بل موبخاً بحزم  : كيف لي أن أستشهد بكتابات صادرة من " هرطوقي " ؟ ... بصراحة لم أكن أعرف ماذا تعني هذه الكلمة , ولا أبالغ إن قلت بأنها طرقت سمعي لأول مرة . ولكن بحكم " الحاسة السادسة " تراءى لي بأن هذه الصفة  لا بد وأن  تطلق على من يقف بالضد من الكنيسة كمؤسسة  و / أو المسيحية كدين ... ورغم عدم تعمقي بأدبيات " جبران " بهذين  الجانبين بالذات , إلا أنني لم المس من بعض مؤلفاته التي طالعتها غير التفاعل مع الخصائص النبيلة لجوهر الإنسان والتي تنسجم تماماً مع القيم المسيحية الواردة على لسان المخلص ورسائل تلاميذه ... تمالكت أعصابي الشبابية وتماسكت أمام هول المفاجأة مجيباً .. أبونا .. جبران كاتب لامع بشهادة كل المهتمين بالحقل الثقافي .. وحالاً تعالت أصوات قسم من الحاضرين  تأييداً لما ذكرت ... وكي يبرهن , رحمه الله , بأنه لم ينل لقب " قس عنتر " إلا عن جدارة واستحقاق ... صرخ بنا جميعاً مؤكداً أن جبران ضمن قائمة الهراطقة مع " ميخائيل نعيمة " وآخرين من أدباء المهجر حسب تصنيف الكنيسة الكاثوليكية في روما , وأنه لن يسمح لأيٍ من الحضور مستقبلاً بالإستشهاد حتى بحرف مما جاؤوا به .... حينها ساد صمت الأموات تتخلله نظرات البعض للبعض الآخر , منها مشككة ,  أو متسائلة , أو مندهشة  , أو ممتعضة  , أو متهكمة وربما ساخرة ... كل عين تنطق بما يشعر صاحبها .
مرت السنون لتصل بي إلى العام الماضي وأنا أستمع إلى محاضرة لأحد رعاة كنيستنا الكلدانية التي استضافته " مجموعة دراسة الكتاب المقدس " في وندزر – كندا . كانت المفاجئة بالنسبة لي عندما اختتم الأب محاضرته بمقولة لجبران . إقتربت منه بعد انتهاء الجلسة متسائلاً : أبونا .. كيف تستشهد بمختارات من جبران والكنيسة  تعتبره هرطوقياً  ؟ ... سردت له ما أوردته أعلاه .. أجابني مبتسماً بأن ذلك كان من زمان , وأضاف بأن الكنيسة تعتز وتفخر بأدبياته . وأنه , شخصياً ,   أحد المهتمين والمعجبين بإصداراته ويقرأ له باستمرار ... سبحان مغيّر الأحوال .. أعترف بأني لم أقرأ أو أسمع بأن الكنيسة قد أسقطت تهمة " الهرطوقي "  عنه . تذكرت وقتئذٍ  إعلان البراءة الذي كانت تنشره الصحف المحلية أيام زمان لنفي التهمة الشيوعية عن صاحبها ومفاده " يتهمني البعض بأني من حملة الأفكار الهدامة , ولكني أعلن براءتي من هذه التهمة , وسأبقى مخلصاً للملك والوطن " ... ولكن " جبران " لم يعلن البراءة , بل بقيت أفكاره خالدة ليست داخل مؤلفاته وحسب , بل تنشرها  أقلام الكثيرين من عشاق المعرفة ... ومن دون شك بأن للإنفتاح الكنسي المعاصر دوره الفعال في غض الطرف عن التصنيف الهرطوقي له ولأقرانه , بل  ربما التراجع عنه رغم عدم إعلان ذلك جهاراً .
ما حل بالفيلسوف " جبران " سبق وأن ناله العديد من الفلاسفة والمفكرين وحتى العلماء . ولكن , للأسف الشديد طالت صفة  الهرطقة وتبعاتها  مجموعة لا بأس بها من اللاهوتيين المتميزين وأشهرهم " ألبطريرك نسطورس " . لا يمكن إنكار كونه من جهابذة اللاهوتيين رغم إختلافه مع لاهوتيي زمانه في تفسير طبيعة المسيح والذي أدى إلى ما آلت إليه الكنيسة آنذاك ولا تزال تعاني منه . ولو لم تحرق أو تتلف كتاباته التي تشير إلى مدى تعمقه وتبحره اللاهوتي لأغتنت الكنائس جميعها بالغزير من تحليلاته وتفاسيره لما جاء في تعاليم الرب ورسائل رسله . وبالرغم من هذه الحقبقة التي يعترف بها المنصفون , إلا أن ذلك لا يعني إسقاط صفة الهرطقة عنه كموقف شخصي من قبل أي من الآباء أو  العلمانيين المنتمين للكنيسة الكاثوليكية الجامعة . ألقرار كنسي صدر من أعلى سلطة , ونقضه يتم من أعلى سلطة أيضاً . أما المواقف الشخصية من دعاة الكثلكة ,  خلاف ذلك , فإنها تدخل ضمن التلاعب بالعواطف وكسب الود , وعذراً إن قلت بأنها " كلمات حق يراد بها باطل " .
يتبادر الآن السؤال التالي : هل هنالك استعداد للسلطة الكنسية العليا تحقبق ذلك ؟ ألجواب كلا ونعم رغم كونه جواب محيّر . لماذا كلا ؟ ... قبل الإجابة لا بد وأن أذكّر بما جاء على لسان البابا القديس الراحل " يوحنا بولس الثاني " عن رايه في التفسير النسطوري بأنه " تعبير لفظي " . إذن لماذا لم ينقض القرار في حينه ؟ ... لو قام بذلك ماذا سيكون الموقف من " كرسي الإسكندرية القبطي الأرثذوكسي " العدو اللدود للنسطورية بدون منازع ؟ . لا أعتقد أن " كرسي روما " مستعد لهذه المجازفة التي لن يحسد على عواقبها إلا إذا تم التنسيق بين الكرسيين لتحقيق نفس الهدف وبذلك تكون الإجابة نعم .
إضافة إلى " ألهرطقة " التي تعني , حسب قاموس الكنيسة المسيحية , نكران أو التشكيك بجوهر عقيدة الإيمان المسيحي ممن سبق وأن تعمذ .  هنالك تعبير " ألإنشقاق " ومعناه خرق منظم ومتعمد للوحدة المسيحية . وأيضاً " ألإرتداد " الذي يعرف بأنه الهجر الكامل للإيمان المسيحي ممن قبله سابقاً بكامل حريته .... لقد شهدت الكنيسة عبر تاريخها العريق كل هذه الأباطيل ولم تتوقف بل ربما تتفاقم في العصر الحالي ...
بصراحة ، مأساة المسيحية اليوم ليست في التفسير الإلهي ... من الذي تعنيه طبيعة المسيح وأقانيمه ؟ كم من الكاثوليك يستطيع الإجابة بدقة على ذلك وكم منهم يفهم اللاهوت والناسوت , وذلك حتماً ينطبق على مذاهب أخرى عدا البدع الجديدة الغارقة في الضلال والتي يتم توجيه أتباعها من خلال التلقين المبرمج ... مأساة المسيحية اليوم في هراطقة هذا الزمان ... نعم أنا هرطوقي ... أدخل الكنيسة كي تمحى خطيئتي وأخرج منها محملاً بالخطايا .. أنشر الكراهية بدل المحبة وأمارس النميمة بدل الصدق وأدعو للشقاق لا للإخاء ... أتناول القربان كتقليد بدون إيمان ... نعم أنا هرطوقي .. أصعد شماساً على المذبح وقلبي مملوء بالضغينة والكراهية ... أحيك الدسائس لأقراني من الشمامسة ... أقرأ المزمور وصفحة من تعاليم الرسل ولا أريد أن أفهم ماذا تعني كي أعيش الحياة على هواي ... نعم أنا هرطوقي ... لبست لباس الكهنوت وأعظ بما لا أعمل كي أطبق ما قيل " إسمعوا أقوالهم ولا تفعلوا أعمالهم " ... أبتسم لمن جيبه مثقلاً بالعملة الصعبة .. أقرّب من أشاء وأبعد من أشاء كي يقال نعم لما أقول والويل لمن ينطق بلا .. نعم أنا هرطوقي ... وصدق غاندي في قوله " ليست لي مشكلة مع المسيحية بل مشكلتي مع المسيحيين " ...  ألا تباً لهراطقة اليوم وما أكثرهم وابعدهم عن الإيمان , ورحمة لهراطقة الأمس وما أقلهم وأقٌربهم للإيمان .
   
       

95
شذرات عسكرية من الذاكرة 3 / سارق الجهد
د. صباح قيّا
حكم القدر أن اكون على رأس إحدى المستشفيات العسكرية في القاطع الجنوبى خلال المواجهة  ضد الجانب الإيراني  في المعركة المسماة  " تاج المعارك " والتي حصلت في آذار عام 1985 على ما أذكر . جرت العادة , بل بالإحرى كان السياق المتبع خلال الحرب العراقية الإيرانية , يهدف إلى تعزبز كل من المستشفيين  العسكري والمدني بخيرة الأطباء من مختلف الإختصاصات الجراحية الموفدين من بغداد سواء كان ارتباطهم مع وزارة الدفاع أو الصحة أو التعليم العالي  , وحتى ممن لا يرتبط بوزارة معينة حيث يستفاد من خبرته ومهارته لتقديم أقصى الخدمات العلاجية للمصابين أبان فترة القتال . ولم يقتصر التعزيز على الكادر الطبي فقط , بل يمتد ليشمل القاطع التمريضي الذي لا بخلو من عناصر أمنية ضمن مجموعته تؤدي مهمتها هذه تحت الغطاء الصحي .... كان مستوى التعاون والتنسيق بين مسؤولي ومنتسبي المستشفيين على وجهه الأكمل , كل يتسابق لتقديم ما هو أفضل , ويعمل بلا كلل أو ملل , ويتجنب حدوث أي خلل يجعل من صاحبه خائناً لا بطل , وبلا رحمة يأتيه الأجل , فلا مجلس عزاء أو مصاب جلل ,  وخصوصاً مثل ذلك سبق وأن حصل .

لم يكن أي من المستشفيين مشغولاً بزخم الجرحى وحسب بل أيضاً بالمسؤولين الحكوميين والحزبيين الذين يشغلون مواقع وظيفية أو تنظيمية متقدمة كجزء من مسؤوليتهم للوقوف على إحتياج المرحلة وتلبية طلبات الممكن منها من جهة ,  وإيصال توجيهات المراجع العليا من جهة أخرى , بالإضافة إلى زيارة الجرحى الراقدين وتفقد سير العمل في المؤسسة الصحية ... ونادراً ما تخلو تلك اللقاءات من بعض المزايدات الوطنية كلاماً ... ما لفت نظري , رغم حداثتي في المنصب والمكان , في فترات تواجدي في دائرة مدير المستشفى المدني لغرض التنسيق , تكرر ظهور إثنين من الجراحين الإختصاصيين التابعين لنفس المستشفى ببدلة العمليات والصدرية البيضاء ,  في كل مرة يحضر فيها مسؤول رفيع . يخال للمستمع إلى مقترحاتهما ,  المبالغ فيها معظم الأحيان , وإلى نقاشهما مع المسؤول بأنهما يحملان الثقل الجراحي في القاطع , ولولا الدور الذي يقومان به لغاب العمل الجراحي الأمثل وأصبح مصير الجرحى في خبر كان ... لا أستطيع أن أجزم بأن المسؤول يقتنع بما يقوله كل منهما  , ولكنه حتماً لا يستطيع إلا أن يتجاوب معهما وإلا وضع نفسه في دائرة ضيقة وموقف لا تحمد عواقبه ... همس لي حدسي الطبي والعسكري بأنهما يعدان لطبخة دسمة ... أخبرت بعدئذٍ أحد  الأطباء ممن هم بأمرتي  والمنسب إلى المستشفى المدني للقيام بواجب " ضابط الإرتباط " بأن يجري إحصاءً دقيقاً بعدد العمليات الجراحية المتنوعة المجراة يومياً هناك موزعة على الإختصاصيين القائمين بها تحديداً , كما أكدت عليه أن يتحلّى بالكتمان وأن يبقي الموضوع سراً .. حصل ذلك بالفعل واستلمت القائمة الثمينة التي احتفطت بها لحين قدوم ساعة الصفر ....

إتصل بي مدير الصحة العام ( رئيس الصحة ) , بعد انتهاء المعركة وحلول الهدوء النسبي وعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي المعتاد , طالباً مني الحضور إلى دائرته لمناقشة موضوع هام بإعتباري أحد أعضاء اللجنة المتشكلة لهذا الغرض والتوقيع على القرار المتخذ بشأنه ... لم أشك لحظة بأن وقت الحسم قد اقترب وأن قائمتي ستقلب الموازين رأساً على عقب ... أعلمني عن طلب المراجع العليا بترشيح طبيبين إختصاصيين لغرض تكريمهما على ما بذلاه من جهد استثنائي متميز في رعاية ومعالجة المصابين جراء المعركة . ثمّ أضاف بأن اختياره مؤيد من  بقية أعضاء اللجنة وقع  على الطبيبين المنوه عنهما سلفاً ...,  وفاته بأن  كليهما  , من وجهة نظري الخاصة  وحسب الوقائع الواضحة في القائمة , أبدعا في التنظير ليس إلا , حيث يركن إسم كل منهما في ذيل القائمة الإحصائية التي بحوزتي , ولم يتجاوز عدد العمليات المجراة يومياً من قبل كل منهما إثنين أو ثلاثة , و حسب معلوماتي  الشخصية  من تجارب المعارك السابقة , بأن التكريم يعني سيارة مجانية على أقل تقدير مع ملحقاته المعنوية الأخرى .  صرخت حينها في داخلي ( هنيئاً لهؤلاء الخدم الذين متى رجع سيدهم وجدهم ساهرين . الحق اقول لكم : انه يشمّر عن ساعده ويجلسهم للطعام  ويقوم بخدمتهم . لوقا 12: 37 ) ... ثمّ تذكرت قول " ديل كارنيجي " الذي حفظته في صباي  من كتابه " كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس ؟ " وفحواه  " لكي تكون خطيباً بارعاً لا بدّ وأن تكون مستمعاً طيباً " ... بدأت من حيث انتهى قائلاً له بأن الترشيح يجب أن يتم حسب ثوابت معتمدة , وأهم الثوابت في مثل هذه الحالة تستند على الإحصائيات المدرجة في سجل العمليات والتي لا يختلف عليها إثنان , وعليه من يستحق التكريم هما اللذان في أعلى القائمة , ويستدل من عدد ونوع العمليات الجراحية التي أجراها كل منهما بأنهما قد أمضيا معظم وقتهما داخل الصالة , ولم يخلدا للنوم غير سويعات قليلة فقط ... نظر إلى القائمة ولم يعجبه الإسمين , حاول جاهداً إقناعي غير ذلك ولكنه لم يفلح مما اضطره إلى الإتصال بمدير المستشفى المدني وعضو آخر في اللجنة ناقلاً وجهة نظري في الترشيح المبني على قاعدة إحصائية واضحة ... أحسست بعدم رضاه ورضاهم , وشعرت بأعماقي بصواب موقفي وقوته وبضعف رأيهم وتفككه ... ودعته دون التوقيع على قراره وأقرانه , وعلمت لاحقاً بعدم رفعهم أي إسم للتكريم .

سرقة الجهد غريزة يتفنن بها البشر , وقد مارسها الإنسان منذ الأزل ولازمته على مر العصور بغض النظر عن الزمان والمكان ... هنالك من يعمل وعاطل يأكل , ومن يزرع ومتقاعس ينعم بالحصاد . لقد قيل بأن " ألثورة تاكل أو تحصد رجالها " كدليل على ما حصل ويحصل لمن خطط وضحى بالغالي والنفيس ثمّ عانى وانتهى . أحزاب وتنظيمات شتى  تؤسس بدماء روادها وفي غفلة من الزمن يتبوأ قيادتها من لم يكن يوماً فعالاً ضمن كادرها ... عوامل عديدة تجعل من الغبي ذكياً , ومن الهامشي علماً مرموقاً . أفراد ومجاميع تصل المدارج العليا من السلم عن طريق سهرات الخمر والسمر أوموائد القمار أو بواسطة لعب النساء . وتلعب المحسوبيات والمنسوبيات دوراً أساسياً في منح وسامٍ أدبيٍ أو فكريٍ أو إجتماعيٍ لمن لا يستحقه إطلاقاً . ولا أغفل المجاملات من أجل فلان وعلان . كما أن هنالك الكثير ممن يروق له أن يحاط بشلة تمتهن قول " نعم " بدراية أو بجهل . وهنالك من يحسد كل مشروع ناجح وصاعد ويتحين الفرص لاختراقه والإستحواذ عليه , وإذا تعذر عليه ذلك عندها يحاول جاهداً إيجاد سلعة مماثلة تفتقد الإبداع ولكنها تسلك مسار التقليد على قاعدة الحاسوب ( كوبي بيست أي نقل لصق ) . وأخيراً لا آخراً ينتسب البعض إلى تشكيل معين دون معرفة ماهية التشكيل وأهدافه أو نظامه الداخلي وتفرعاته لا لشيء بل  حسب المثل " على حس الطبل رقصن يا رجليه " ويلقى هذا البعض الترحاب والدعم من لدن من نصب نفسه زعيما , عفواً , قصدي مديراً للتشكيل , كي ينفرد بالقرار ويبعد من يمتلك زمام المبادرة والقابلية على الإقرار , وحقاً صدق من قال " يا من تعب يا من شكه , يا من على الحاضر لكه " .
                   

       

96
أدب / رحماك جيش الخالدين
« في: 20:04 31/12/2015  »
بمناسبة الذكرى الخامسة والتسعون لتأسيس الجيش العراقي
رحماك جيش الخالدين
د. صباح قيّا
أرثيكَ يا جيشَ العراقِ زمانا                               لمْ تكنْ كمثلهِ يوماً مُهانا
هجرتكَ قسراً سيرةُ سؤددٍ                                 ومنْ لِعزِّكَ شيَّدّتْ بنيانا 
ثمانونَ عاماً ومَثْنى فوقُها                                ضاعتْ فضيَّعَتْ بعدها الأوطانا
في فلسطينَ كانت لك صولةً                               أحنى الرؤوسَ لها العُرْبُ امتنانا
لولا ألاعيبُ الساسةِ حينها                                 لكانَ كما عصْرُ آشورَ كانا
وعادتْ سبايا بابلَ تلعنُ                                    ما كان بالأمسِ جيشَهُ كلدانا
ومنْ ينسى سوريا التي شهدتْ                            دماءً سالتْ بأرضِها ألوانا
فلولا خرْقُ العراقِ بدرعه                                  لأضحتْ دمشقُ كلَّها جولانا
زحفتْ على السُرفةِ كأنها                                  نمرٌ يلحقُ الفريسةَ جوعانا
تبّاً لِمَنْ قادَ الغريبُ رُكْبَهُ                                   ونادى إسطولاً زوراً وبهتانا
لوْ كانَ حقاً للبلادِ مخلصاً                                  لِمَ بالدبابةِ جاءَ مُصانا
ألغى طرازاً كلَّهُ مَفاخِراً                                   وأتى بديلاً هجيناً جبانا
نصْفُ أعدادهِ وهمٌ وتزييفٌ                               والنصفُ الآخرُ لمْ يحضَرْ مِرانا
بئسَ تشكيلة قيلَ عنها جيشٌ                             أرستْ المذاهبُ له كيانا
فرَّ في الموصلِ مذعوراً كجرذٍ                            حتى قيادتُهُ اخْرَسَّتْ لسانا
رحماكَ جيشَ الخالدينَ أنَّكَ                               في قلوبِ الغيارى تبقى حمانا
بسالة ٌ لمْ يبخلْ بها سواءَ                                 مَنْ تبعَ الإنجيلَ أوِ القرآنا
سأدعو المسيحَ أنْ تظلَّ رمْزاً                            فحبُّ أوطاننِا لهُ دعانا

97
ألرابطة الكلدانية – نظرة تحليلية أولية
د. صباح قيّا
بعد هزيمة العرب المشينة أمام إسرائيل  في حرب الستة أيام من حزيران عام 1967 , أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي ونشوة النصر على وجهه بأن سبب هزيمة العرب أنهم لا يقرأون ... ولم يستثني في كلامه أياً من الأقوام غير العربية التي تسكن أرض العرب والتي عانت بشكلٍ أو بآخر من آثار الهزيمة رغم أنها بصورة عامة ليست طرفاً أساسياً في صناعة القرار ..... أعاد آمر جحفل اللواء المدرع , الذي كان لي شرف الخدمة معه ولوحدتي الطبية شرف الاستعداد للمشاركة مع لوائه , نفس المعنى ولكن بأسلوب آخر مع إضافة جديدة .... حدث  ذلك خلال انسحاب الجيش العراقي من الجبهة الشرقية المواجهة للدولة العبرية والمتمثلة آنذاك بالجمهورية السورية  في تشرين الأول عام 1973  ... كانت تعليمات التنقل من الأراضي السورية بإتجاه الحدود العراقية واضحة بالنسبة لي ولزملائي , وهي على ما أتذكر : ترك مسافة 200 متر بين عجلة وأخرى خلال المسير ,  و 50 متر فقط عند التوقفات المثبتة في أمر الحركة ... تم تنفيذ ذلك بدقة من قبل كافة منتسبي الوحدة الطبية , ويظهر أن آمر جحفل اللواء قد لاحظ ذلك خلال تفقده لمسار الأرتال بين فترة وأخرى , كما لاحظ بنفسه مدى الفوضى وفقدان السيطرة وسوء الإدارة  التي تميزت بها بعض الوحدات الفرعية فاستحق ضباطها معاقبتهم من قبله , وعلى العكس , حصلت الوحدة الطبية بكامل أفرادها على كتاب شكر , والذي كان يعني الكثير في ذلك الظرف  بحيث انعكس تأثيره إيجابياً على الكثيرين من منتسبيها لاحقاً .... ما قاله آمر اللواء بهذا الخصوص خلال  مؤتمره الأخير خارج الوطن بأن الأطباء ليسوا بخريجي الكلية العسكرية ولم يسبق لهم دراسة الأوامر الإدارية في المعركة ولا واجبات الأركان , ولكن فهموا أمر الحركة بعد قراءته ونفذوا ما مطلوب حسب الإصول  , أما أنتم , مخاطباً الضباط المخالفين , فإما أنكم لم تقرأوا الأمر إطلاقاً , أو قرأتموه ولكن لم تفهموه , لذلك حصل الخلل وعليه تستحقون العقوبة ...

أين تقف الرابطة الكلدانية بعد حوالي ستة أشهر من انبثاقها ؟ لا بد أن أسجل , أمانة وليست مبالغة إطلاقاً , بأن عمل الرابطة داخل البلد الحبيب يجري بالإتجاه الصحيح .... هنالك حركة دائمة ونشاط دؤوب , والأهم حضور مميز في جميع المناسبات وعلى كافة الأصعدة ... مواقف تتجانس مع الحدث , وتوقيتات في أوانها المناسب .. قد يكون قربها من غبطة البطريريك عاملاً مساعداً ومهماً لتفعيلها , ولكن مهما كان حجم ذلك الدور , فلا يمكن إغفال الحماس والجدية والديناميكية التي يتمتع بها من يضطلع بمسؤوليتها الجسيمة . ألأمل أن تستمر الجهود بهذا الإتجاه , وحتماً ستثمر  عاجلاً أم آجلاً وتتحقق بعض المكاسب , ولو بالحد  الأدنى ,  للشعب المسيحي عموماً وللأمة الكلدانية خصوصاً . ألمهمة عسيرة ولكنها ليست مستحيلة , وقد آن الأوان لأن يكون للشأن الكلداني دوره الريادي في تأطير البعد المسيحي بما يتناسب مع حجمه في المجتمع العراقي وثقله التاريخي الحضاري .

أما في المهجر , فلا تزال الرابطة بفروعها المنشرة في بلاد الشتات تخطو خطوات السلحفاة ببطئها , وتتصف بعضاً بالضبابية وخاصة عند وضع آلية العمل موضع التنفيذ . ورغم الندوات واللقاءات التعريفية فإنها لم تستطع أن تستقطب غير عدد متواضع من الأعضاء , ويظهر بأن غالبية كلدان المهجر لا يجذبهم هذا النوع من التنظيم , بل أن هنالك من أخذ موقفاً مغايراً وأسس " ألرابطة المسيحية " . ويقال , والعهدة على القائل , بأنه في مدينة معينة  هنالك من يدعي أنه هو من يمثل الرابطة رغم وجود الممثل المنتخب خلال المؤتمر التأسيسي .... والألم الأكبر يأتي من الذين يقفون بالضد من الرابطة بكل الوسائل المتاحة لهم , والموقف هذا هو امتداد لأزمة بغداد – ساندييكو التي ربما قد أذيبت نوعاً ما , ولكن لم يبرز فعلٌ إيجابياً يدل على ذلك , وما تزال أبرشية ساندييكو بعيدة , كما يظهر , فكرياً وعملياً عن الرابطة , ولم ألمس لها دوراً معيناً ... آمل أن أكون مخطئاً .... ومهما يكن  فإن الرابطة لا يمكن أن تتكامل كلدانياً إن لم يكن لرعية ساندييكو حضوراً جوهرياً في كيانها  والعمل يداً بيد لتحقيق أهدافها .

تبرز الضبابية عندما تشتط  ممارسات الفروع والمكاتب التابعة لها عن النظام الداخلي . لا بد أن تتوحد تسميات مسؤولي المكاتب  وتثبت في النظام الداخلي . هل يلقب مسؤول المكتب بالمدير ؟ قد يكون هنالك من يروق له هذا اللقب , ولكن المسؤولية تعني الخدمة ولا تعطي لصاحبها امتيازاً .  يحلو للبعض أن ينادى بالأستاذ رغم كون اللقب يمنح للأكاديمي بعد أن يتخطى سلسلة من الدرجات الوظيفية خلال خدمته في الحرم الجامعي . ليس تقليلا من الشأن الشخصي أو الوظيفي عندما يشار للجامعي ممن لم يصل درجة الأستاذية بالأكاديمي , ولمدرس الثانوية بالتدريسي , ولمعلم الإبتدائية بالتعليمي .... ألم يخاطب التلاميذ المسيح بكلمة " رابي " والتي تعني " ألمعلم " كما هو معروف  . فهل هنالك من يعتقد نفسه أسمى من الرب ؟ . كما أن لقب " ألدكتور " يستحقه حامل شهادة ( بي أج دي PhD ) , أو ألطبيب الحاصل على ( أم دي MD ) ولو أن العرف السائد بأن الطبيب هو الدكتور  وذلك مقبول من قبل الجميع .

من الممارسات الضبابة الأخرى هو تشكيل اللجنة الثقافية التي لم يرد ذكرها في النظام الداخلي , بل هنالك " لجنة البحوث والدراسات الكلدانية " والتي  تدل دلالة واضحة على ما يجب أن تقوم به الرابطة الكلدانية في الحقل الثقافي والذي يجب أن يقتصر على  الشأن الكلداني من كافة جوانبه . فليست هنالك جدوى من مناقشة فلسفة إفلاطون أو ماهية العقل البشري وما شاكل  ضمن النشاط الثقافي لفروع ومكاتب الرابطة , حيث أن مثل هذه المواضيع تطرح وتناقش ضمن أنشطة  المؤسسات الثقافية المنتشرة في كافة أرجاء المعمورة ... ما هو الجديد في الرابطة لو بدأت بتقليد ما موجود على أرض الواقع ؟ هل من مصلحة الرابطة أن تؤدي دوراً أجاده ويجيده الكثيرون ... أما عن استحداث لجان أخرى , فالأفضل أن تتم الموافقة عليها وتثبت في النظام الداخلي وإلا ستنبثق لجان بنسميات شتى وكل فرع أو مكتب على هواه .

ما قيل عن الجانب  الثقافي ينطبق أيضاً على الجانب الإجتماعي . ألأمل أن لا تنجر فروع الرابطة ومكاتبها للقيام بحفلات تقليدية على غرار ما  يجري غالباً في الوقت الحاضر ً , بل أن تقتصر على كل ما من شأنه تعزيز البعد الكلداني عند العموم .... وحتى السفرات لا بد وأن تتجه صوب التاريخ الكلداني بحلقاته المتعددة ماضياً وحاضراً .

من مقومات نجاح أي عمل هو جدولة الأعمال حسب أفضليتها , فالأهم قبل المهم . حسب رأيي المتواضع , هنالك ثلاث مهام جوهرية ينبغي أن تقف على  قمة إهتمامات الرابطة , تلك هي : مد الجسور واثبات الوجود في كافة المجالات على الصعيدين الوطني والدولي , والحقيقة يجب أن تقال بأن مساعي الرابطة وخاصة داخل الوطن  متميزة بهذا المجال . ألمهمة الثانية هي إحياء لغة الأم وبذل الجهود لنشرها , وليس بالضرورة أن يتعلم الكلداني القراءة والكتابة , ولكن مجرد معرفته بأبجديتها تكفي لأن يتواصل مع مجتمعه ويلتصق بأصوله . أما المهمة الثالثة فهي الإهتمام بالشبيبة التي تكاد أن تضيع في بلاد المهجر , ولا بد من إيجاد الوسائل العملية والواقعية للملمة ما يمكن أن ياملم قبل فقدانه جميعاً .
 
ما يصدر من بعض الحالمين بالمستقبل الكلداني من بين أعضاء الرابطة غريباً جداً ويتقاطع مع الواقع بمقدار 180 درجة . أخبرني أحدهم أن ألرابطة ستتوسع تدريجياً وتنتشر بحيث لن تكون هنالك حاجة لوجود أي تنظيم كلداني آخر سواء جمعية أو مؤسسة ثقافية أوغير ذلك , بل أن الرابطة هي التي ستضطلع بتلك المسؤوليات . أجبته : لو أن الرابطة ترمي إلى إلغاء دور مئات المؤسسات المتواجدة في الساحة والإستحواذ  عليها , فمصيرها الفشل لا محالة واقرأ عليها السلامة سلفاً , وساكون أول من يقف ضدها .... لأ أعتقد أن الرابطة  يسرها وجود مثل  تلك العقلية الفذة داخل كيانها , ويظل الشوك جارحاً مهما كانت الوردة التي تحويه جميلة وجذابة .



   

98
ألصالون الثقافي الكلداني ..... عام مضى ! ماذا حصل ؟ / 2
د . صباح قيّا
توالت اجتماعات النواة , وهو المصطلح الذي تم استخدامه للدلالة على الهيئة التحضيرية للصالون الثقافي الكلداني , وذلك  بغية إعداد النظام الداخلي والتحضير  للنشاط الثقافي الأول وأيضاً تهيئة قائمة مختارة من الأشخاص الذين  تم الإتفاق على مفاتحتهم للمساهمة في رفد الجلسات الثقافية اللاحقة ....
جرت العادة أن نجتمع الساعة السابعة من مساء أي خميس يتفق عليه في إحدى مقاهي تم هورتن الشهيرة ... كم كانت مشاعر البهجة تغمر سويعات الإجتماع في هذه المقهى المتواضعة التي يرتادها الكثيرون لتعودهم بل ربما إدمانهم على نوع أو أكثر من القهوة التي  تقدمها للزبائن بأسعار زهيدة أقل ثمناً من معظم المقاهي الأخرى المتواجدة في المدينة . ومن حق الصالون أن يفخر بأن كل ما حققه من نجاح خلال العام الأول وضعت لبناته الأولى والأخبرة داخل تلك  المقهى البسيطة . ولا غرابة في ذلك خاصة أن التاريخ يحدثنا عن العديد من مشاهير الفلاسفة والكتاب والشعراء وغيرهم ممن أمضى حلاوة وقته وأخرج روعة  نتاجه في مقاه مغمورة رخيصة وحارات ضيقة بائسة . وقد صدق من قال :
 ليس كل من لبس الحرير أمير         وليس كل من نام بدون سرير فقير
فكم جسد تخفى تحت الحرير حقير     وكم من فقير بدون سرير قدير


وطالما سرح فكري , وأنا  في طريقي لحضور الإجتماع , بعيدا ولسنوات طويلة مضت ’ حيث كانت قدماي تقوداني وحيداً أحياناً أو مع زميل أو أكثر صوب " ألمقهى البرازيلية , الشهيرة والكائنة في شارع الرشيد العتيد قرب " ألسيد سلطان علي " . لم تكن الغاية من ارتياد المقهى تلك لشرب القهوة , حيث كما هو معروف ,  لم تكن عادة شرب القهوة مألوفة عند الشباب , والطلبة الجامعيين من ضمنهم , بل كان الدافع  الأساسي هو المواظبة على الدراسة . لكن , وبصراحة , لم تأخذ الدراسة أولويتها  أبداً , بل كان تصفح الجرائد المجاني , والتمتع بحركة الناس من خلال الواجهة الزجاجية المطلة على شارع الرشيد , إضافة إلى الأحاديث في شتى الشؤون الحياتية ,  تستهلك الحصة الكبرى من الوقت الدراسي .... أذهب في الخيال إلى مدىً أبعد وأتساءل : لِمَ لا يتحقق مثل هذا المشروع  في بلاد الشتات ؟ .. حتماً له فرص النجاح  لو توفرت الإدارة الخبيرة ودرست كافة جوانبه بإمعان ... ربما يبادر الصالون ويتفق أعضاء النواة على تنفيذ فكرة إقامة جلسة تراثية بعنوان " قراءة الحظ مع فنجان قهوة " .

إعتذرت الأخت " سعاد قاشا " بعد جلستين تحضيريتين فقط عن الإستمرار  لظرف خاص . تم إختيار الأخت " نازك طليا " لتحل محلها . تركزت إجتماعات النواة على جوانب متعددة ومتشعبة . تم الإتفاق على تسمية " ألصالون " تيمناً بالعلامة المرحوم الأب " أنستاس الكرملي " وصالونه الشهير الذي كان يؤمه جهابذة العلم والأدب في أرض الرافدين بدون ذكر أسماء محددة .  وحصل الإجماع على الإسم " الكلداني " كون كافة أعضاء النواة من الكلدان المعتزين بكلدانيتهم بدون تعصب إطلاقاً , وإنما " ألكلدان إدارة لخدمة الثقافة عامة " , ولقطع الطريق على كل من يحاول أن ينحرف بالمسار الثقافي بعيداً عن المشاعر الكلدانية الأصيلة , أي باختصار " لا نحتاج وجع الراس " ولا نريد " سوالف لا تقدم بل تؤخر " . والنقطة  الجوهرية الأخرى التي برزت بجدية على بساط المناقشة  والتي تعتبر الدعامة الأساسية لنجاح المشروع الثقافي هي نوعية وفحوى المواضبع , والتي تتمثل بالإعتذار عن قبول المحاضرات الدينية البحتة وذلك لوجود أخويات تضطلع بهذه المهمة بجدارة , ولا بأس من تقديم العناوين الدنيودينية وتفاصيلها . كما ان الصالون يرفض  كل موضوع يروج لجهة سياسية معينة أو يخدم فكراً سياسياً محدداً , ولكنه يرحب بالتطرق إلى الدور الريادي للمسيحيين ضمن الحركات السياسية عبر تاريخ العراق قديماً وحديثاً .   
 
من أجل توسيع حلقة النواة ورفدها بالعناصر الشبابية تم التنسيق مع مسؤول الشبيبة التابعة لكنيسة العائلة المقدسة الكاثوليكية للكلدان لغرض إعطاء نبذة تعريفية عن الصالون وحث الشباب للإنضمام إلى نواته وأيضاً حضور نشاطاته الدورية ... قد يكون دخول الجنة أيسر  من إقناع الغالبية العظمى من  شباب المهجر للإنضمام إلى التجمعات ذات الإرتباط بالوطن الأم بطريقة أو أخرى , وخاصة ذات المنحى الثقافي الذي يعيش في محنة واضحة على أرض الواقع في معظم ,  بل في كافة بلدان الغربة ... ألأسباب لذلك متعددة ,  والحلول يثبت عقمها في أحايين متكررة . ومهما كانت الدوافع للرفض وردود الأفعال  للنداءات المتعاقبة , فلا بأس من إعادة المحاولة مرة أخرى ومرات إضافية . وبالفعل تم كسب البعض رغم تواضع عدده , والأمل أن لا يكون المستقبل الثقافي لأبناء الرعية قاتماً .... يتبع 
رابط الجزء الأول :
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,794766.msg7432801.html#msg7432801

99
شذرات عسكرية من الذاكرة 2 / حرب تشرين وسفر الخروج المسيحي
                                                                                       
د. صباح قيَا           
شاء  القدر أن اكون على رأس إحدى الوحدات الطبية عند توجه القطعات العسكرية صوب الجبهة الشرقية للمشاركة في الحرب الدائرة مع إسرائيل والتي اندلعت يوم 6  تشرين الأول عام 1973 . لم يستغرق الوصول من " منصورية الجبل " إلى منطقةٍ أمام "  مرتفعات الغولان "  أكثر من 24 ساعة تخللتها بضع ساعات من النوم الإضطراري على الطريق العام نتيجة تداخل الأرتال العسكرية القادمة من معسكرات متعددة داخل الوطن والمتجهة جميعاً إلى  سوريا , والذي  أدى إلى فقدان الإتصال , ولبضع ساعات فقط ,  بين الوحدات الفرعية المتجحفلة مع بعضها من جهة , ومع قيادة الرتل من جهة أخرى ...   لقد كانت توقيتات حركة التنقل ونقاط التوقف (ألمثابات ) تتغير بسرعة استثنائية وحسب مفاجئات الموقف على جبهات القتال . كما كانت الأوامر الأولية تشير إلى بقائنا في دمشق لفترة غير محددة , ولكن الجميع غادرها بأمر لاحق إلى جهة غير معروفة  قبل إكمال تخدير الشاي ... لم يعد القلق الذي ساورنا في البدء كما كان ’ بل بالأحرى زال عنا بعد أن علمنا بأن صواريخ سام 6 الروسية بعثرت الغطاء الجوي الإسرائيلي وأسقطت أسطورة تفوقه التي برزت عملياً أبان  نكسة حزيران عام 1967  .

 أعلن آمر جحفل اللواء المدرع في اجتماعه الأول مع آمري الوحدات المتجحفلة مع لوائه بأن هنالك هجوم واسع  وشيك ستشنه القوات المشتركة على طول الجبهة الشرقية المواجهة لإسرائيل , وأن جحفل لوائه سيبقى كقوة ضاربة  بالإحتياط ,  ثم أناط  لكل من الحضور مسؤولياته وواجباته وأوعز بالتقيد بتنفيذها بدقة ... حدث ذلك حوالي الساعة السابعة مساء أو ربما بعدها ... رنّ جرس الهاتف  بعد منتصف نفس الليلة , وإذا بمقدم اللواء يدعوني لحضور إجتماع طارئ .. تبدل الموقف حيث أصدرت القبادة أوامرها بأن يكون جحفل اللواء ضمن القوة المهاجمة بدلاً عن اللواء المغربي الذي استلم إلإيعاز من قيادته بعدم المشاركة بأية عمليات عسكرية منفردة أو مشتركة بعد أن أعلن الجانب المصري موافقته على وقف القتال ... وبينما كان آمر اللواء يحدد , بحماس واندفاع واضحين ,  مهام كل وحدة ممثلة بآمرها المباشر , فإذا بالهاتف يرنّ  .. ألو ؟؟؟ لم يعرف أيٌ منا ماذا كان يدور من حوار بين الطرفين , ولكن شعر الجميع من خلال الإمتعاض الذي بدى على وجه آمر اللواء وخفوت نبرة صوته  بأن هنالك تغيير جوهري في مسار المواجهة وبالإتجاه المعاكس  , وقد تيقن الجميع من ذلك عندما أنهى آمر اللواء مكالمته بقوله : يعني إنّام ؟ .. أي ما معناه أن سوريا وافقت أيضاً على وقف إطلاق النار وألغيت الخطة الهجومية الشاملة .... ساد صمت عزاء وخيم الوجوم على مقر الإجتماع ... حاول آمر اللواء إخفاء دمعته باحناء رأسه نحو الأرض  لبرهة من الزمن ... لم يستغرب أحد منا ذلك , فهو , رحمه الله , ضابط ذكي ولامع من خريجي جامعة "  ساند هرست " العسكرية الشهيرة في المملكة المتحدة , وكان من الأوائل على أقرانه في كلية الأركان , كما أنه معروف بشجاعته وجرأته وجديته ,  وسبق أن أصيب في إحدى المعارك الأليمة في كردستان ... ربما كانت له قراءة مختلفة عن الأغلبية بما يخص الماكنة العسكرية والقدرة الحقيقية للدولة العبرية . أو قد تكون ثقته اللامحدودة بنفسه وطموحاته الشخصية من أوحت له بذلك ... ثم رفع رأسه ونطق بألم عميق : كانت فرصتنا اليوم ولن تتكرر أبداً , ونترك الأمر للأجيال إن كان بإمكانها عمل ما عجزنا عنه ... تصبحوا على خير .. عدت إلى حيث زملائي بانتظاري .. سألوني ماذا حدث ؟ أجبت : عائدون ... نعم عائدون.. ولكن  إلى أرض الوطن ..

ضاعت القضية , وأثبتت السنون اللاحقة ذلك . حصل التطبيع وبزغ عصر جديد . من كان بالأمس عدواً لدوداً اصبح اليوم صديقاً ودوداً . ذهبت دماء الشهداء سدىً , أضحت فلسفة التحرير في خبر كان , وملّت الجموع من خطابات لا يتجاوز صداها صوت قائلها .... من كان إلى وقت قريب ربيباً للإبادة وداعياً للدمار أصبح بفعل الدهاء السياسي وتأثير القوى المتنفذة ومخطط اللعبة الدولية بطل سلام ... يا لسخرية القدر ....   ثمّ  بدأ الأخ قتال أخيه ’ وبدل حلم الدولة الفلسطينية العربية  الكبرى , نشأت كيانات  شكلية وربما مرحلية ..  مسكين من  يطالع التاريخ ومن دروسه لا يتعلم ...

 وكنتيجة منطقية لمسلسل المآسي المتكرر واستمرار الأوضاع الشاذة في المنطقة وانعدام الأمان والإستقرار برز سفر الخروج المسيحي كظاهرة تتفاقم شدتها وتزداد مساحتها متسابقة مع الزمن . كل هذه وغيرها أدت إلى تناقص الوجود المسيحي  في الأراضي الفلسطينية بأجمعها إلى 1% بعد أن كان يشكل أكثر من 40% قبل عام 1967 م . لم تستطع حينها الأماكن المقدسة ولن تستطع في أي وقت آخر أن تحدد من نزيف الهجرة ما دام البشر يبحث عن نعيمه الأرضي ويعمل جاهداً لسلامة فلذات أكباده ... أصابت عدوى الهجرة الجماعية بلاد الجوار وخاصة في الدول التي أنزل عليها الخالق غضب الحكام , فبعد أن كانت انفرادية ومحددة أصبحت أيضاً ظاهرة سائدة وتحديداً بعد الإبتلاء بالإسلام المتطرف كجزء من المخطط الغربي لإفراغ الشرق الأوسط من مسيحييه ,  كي يتمكن الغرب نفسه من معالجة بعض من مشاكله الناجمة عن ممارسة الحرية المطلقة من جهة وقبول المهاجرين من مصادر غريبة من جهة أخرى  دون الأخذ بنظر الإعتبار النتائج السلبية التي قد تنجم من تأثير التقاليد والأعراف الراسخة بعمق عند تلك المصادر ...

ما حدث وما  يحدث  يدخل ضمن العقيدة اليهودية لإعادة بناء الهيكل وتأسيس مملكة إسرائيل من الفرات للنيل إلى حين مجيء المسيح المنتظر ليقود شعب إسرائيل نحو الخلاص  ويحكم العالم ..... وهنالك في الغرب من يدعم هذا الإتجاه متمثلاً بالبدع المتزايدة والتي تظهر بين فترة وأخرى وما يطلق عليها " ألمسيحية المتصهينة " ... وتدخل بابل من الباب الأوسع لتحقيق ذلك استناداً إلى ما جاء في " سفر الرؤيا " وربما في آيات إضافية من العهد القديم أو الجديد أو كليهما .. إذن لا بد أن يحدث التغيير في أرض الرافدين وإلا عُدّت النبؤات مجرد أوهام ...

وفي كل مرحلة عبر التاريخ الغابر والحاضر يدفع الشعب المسيحي الثمن باهضاً .. لماذ ؟ هل لأن المسيحيين غير مرغوب بهم , أم أن ذلك أسلوب للترويع والتخويف كي يحمل كل واحد منهم حقيبته ويتجه بها صوب بلاد الشتات ليسلم بجلده من ناحية , و ليلبي حاجة الحكومات الغربية إليه والأهم إلى صغاره من ناحية أخرى ...

ألسؤال الآن : لماذ المسيحي غالباً ما يكون كبش الفداء ... صعد على أعواد المشانق أولاً  مسيحي لإيمانه بعقيدة لم ترق لحكام ذلك الزمان ... أعدم على باب كلية طب الموصل طالب مسيحي لكونه في تنظيم سياسي ليس على اتفاق مع نظام الحكم علماً هنالك المئات بل الآلاف يحملون نفس فكره لم يلاقي أي منهم مثل ما لاقاه ... إمتلأت الجدران بلافتات وكتابات " لا مسيحية بعد اليوم " لأن الروح المسيحية ساندت التقدم والإستقلال .. وما يضحك ويبكي في نفس الوقت بأن من كان يشار إليه إلى وقت قريب بأنه موالٍ للمعسكر الإشتراكي أصبح على حين غفلة عميلاً غربياً من وحهة نظر نفس الإصبع ... وأخيراً لا آخراً , حكم على مسيحي بالسجن ودفع غرامة مادية بتهمة يتمتع بحريته سليماً طليقاً من اقترف أسوأ وأكبر منها بأضعاف وأضعاف ...

تذكرت كلمات المرحوم والدي , والذي كان يكررها عليَّ بانتظام وهي أن لا أكون في مقدمة الركب كي أتجنب الصدمة أولاً ... نعم يا والدي , رحمك الله , كنت كما أردت ومعظم بني دينك وديني  ’ ورغم ذلك حكم عليَّ وعليهم  بإتمام سفر الخروج المسيحي , وإلا ملاقاة الفناء بطريقة أو بأخرى ...
 
   

100
شماعة الفاتيكان وفصاحة اللسان / كتابات مبعثرة على المواقع نموذجاً
د. صباح قيّا
ما لاحظته من خلال  ممارسة مهنتي بعد عودتي من المملكة المتحدة إلى أرض الوطن عام 1980 , خلته سيقفز بي  إلى حيث يصطف الباحثون المرموقون , ويجعل من إسمي علماً استطاع أن يكتشف ما عجز عنه من علمني أبجدية الطب في بلدي الحبيب ... لم تستمر بهجة اكتشافي تلك طويلاً .... ضاعت الأحلام وتلاشى البناء الذي شيدته ألأفكار الشبابية الطموحة الممزوجة بحماس الطفولة وعفويتها التي ترافق الإنسان عموما عند حصوله على ما لم يكن ضمن مشاريعه المخطط لها ... لم تكن التغيرات الحاصلة في مخطط كهربائية القلب التي ظهرت عند عدد غير قليل من المصابين بمرض " حمى التايفوئيد "  المستوطن في العراق خافية على جهابذة الطب وعشاق البحث في العالم الغربي ... لقد فاجأني الكمّ الهائل من المنشور في  أربعينيات القرن الماضي عن نفس الموضوع والذي لمسته عند مراجعتي أدبياته .... ولكن ما أدهشني هو إتفاق الأغلبية بل ربما الجميع وقتئذٍ بأن التغيرات تلك ناجمة عن نقص " فيتامين بي المركب " , ويعود المخطط لحالته الطبيعية حال تعويض النقص ... بصراحة مثل ذلك التعليل يثير سخرية أي طبيب معاصر , وقد يضحك منه اليوم حتى طلبة كلية الطب .... كما أن  مثيلات هذه المعلومات ليست غريبة عن المجتمع العلمي , وأبسط نموذجٍ ٍ على ذلك هو ماكان معروفاً عن بعض العقاقير وتأثيرها السحري على مرض ما , ثم أثبتت الدراسات بعدئذٍ عدم صحة ذلك بالرغم من الهالة العظيمة التي أحاطت ذلك العقار سواء دعائياً أو تجربةً ... وصدق من قال : " حقيقة اليوم قد تصبح خرافة غداً , وخرافة اليوم قد تصير حقيقة غداً " ... وتذكرت أيضاً ما يتردد بين الأوساط الطبية في العالم المتحضر " نصف ما نقرأ صحيح ونصفه خطا , والمشكلة تكمن في عدم معرفتنا أي النصف هو الصحيح وأيهما الخطا " .

ألسؤال الذي يتبادر الآن : إذا تاه  الصحيح وضاع الخطأ في عالم الطب الذي يتعامل مع حياة الناس  وبهذه النسبة , فكم هي نسبة الخطأ والصح في المرافق الحياتية الأخرى , وخاصة في التاريخ الذي يكتب من قبل شخص يتأثر على الأكثر بأهوائه , انتمائه , مزاجه , ميوله , عواطفه , وما شاكل من المشاعر التي تؤثر على الجنس البشري سلباً أو إيجاباً ... ربما يتذكر البعض ما درسه عن التاريخ العربي والإسلامي والمبالغات أو المعلومات غير المنطقية التي ترد فيه كالقول : وقد جهز له جيشاً جراراً تعداده "  كذا "  ألف ( رقم خيالي لذلك الزمان ) , وتتقدم الجيش مئات أو ألوف من الفيلة .. كيف وصل ذلك العدد الهائل من الهند أو أفريقيا إلى بلاد فارس أو بلاد الرافدين , أو إلى بلاد الروم البيزنطيين  ؟ ... على متن أية طائرة نُقل ؟ ... حقاً إنه المضحك المبكي ...

من المعروف بأن الدراسلت العلمية تتم أولاً من خلال " الملاحظة " , والتي تبنى علي أساسها " ألفرضية " , وقد تسند الفرضية أو ترفض بعد التجربة أو بعد ملاحظات إضافية , وعند دعم الفرضية بتجارب متعددة تصبح " نظرية " , وممكن القول بأن النظرية هي فرضية مقبولة . وبعد نجاح النظرية وثبوتها من غير شكوك تصبح قانوناً ... ورغم ذلك هنالك قوانين دحضت لاحقاً وتبين عدم صحتها , وعليه لا توجد حقيقة مطلقة في العلم , بل حقائق مبنية على ملاحظات لا تقبل الجدل .... أين يقف التاريخ من هذا التسلسل الذي هو من صنع إنسان ربما عاصر الحدث جزئياً أو كلياً , أو سمع عنه . أو طالعه من مصدر أو أكثر , أو جمع عنه معلومات من هنا وهناك واختار منها ما يرتأيه كي يخرج بها على محبي المعرفة والإطلاع بما يتناسب مع أفكاره وأهدافه المنشودة , ولكن , للأسف  الشديد ,  فاته بعفوية أو بقصد , بأن الكثير من القراء لا يقرأ السطور فقط بل ما بين السطور وما تخفي وراءها ..

والآن أقول لدعاة فك الشراكة الإيمانية مع الفاتيكان , وإلى حاملي النزعة الإستقلالية في هذا الجانب فقط , وإلى أصحاب الفرضية القائلة بأن إعلان الإستقلال عن الكنيسة الأم سيأخذ بالكنيسة الكلدانية إلى حيث  يتحقق  في أحلام المنام . من حسن الحظ أن هذه الفرضية المزعومة لم تصبح نظرية بعد ولن تصبح لأسباب شتى سبق التطرق لأكثرها من قبل بعض الإخوة الكتاب .
 ألسؤال : ماذا حلّ بالمسيحية المستقلة في الشرق  منذ فجرها ولحد اليوم .. ألم تصنع الدين الإسلامي بدعة الأبيونيين المستقلة وما شاكلها  ؟ أين المسيحية في مكة واليمن والخليج والمغرب العربي  ومنطقة الهلال الخصيب وبلاد الرافدين ووووو ؟ ألم يكن  الأفول المسيحي وانقراضه الكلي أو الأغلب سببه البدع الأستقلالية والتي أسموها " هرطقة " في  ذلك الزمان ...., ماذا حصل للمسيحية بعد إنشقاق عام 1054 م وانسلاخ الكنائس الرسولية الشقيقة في أنطاكية والإسكندرية  والقدس والقسطنطينية عن الرأس في روما ... هل توحدت من انشقت أم  أصابها انشقاق ثم انشقاق بفعل عشاق الفردية الإيمانية ... لماذا وكيف سقطت القسطنطينية عام 1453 م  وذاب معقل مؤثراً من الجسد المسيحي تبعثرت أجزاؤه هنا وهناك لتستقر ككومة محددة في منطقة اليونان ....
 لماذا حافظ الغرب على مسيحيته رغم كل التحديات السابقة واللاحقة , ألمرحلية والآنية  ؟ ألم يساهم البابا " بيوس الثاني " في إيقاف الزحف التركي ويهزمه شر هزيمة ؟ , لولاها لكانت المسيحية في الغرب بل في العالم في خبر كان . ألم تقود الكنيسة الحملات الصليبية الدفاعية من أجل إعادة الشرعية وإنقاذ المسيحيين هنالك من بطش واضطهاد السلطات الإسلامية الحاكمة ؟ ...
بصراحة , ومن وجهة نظري المبنية على المتابعات المرئية واستدلالاتها الأساسية إضافة إلى الإستنتاجات المنطقية , أستطيع القول بثقة بأن السبب الرئيسي لسقوط المسيحية في عالمنا الشرقي هو انفرادها الفكري والإداري عن الكنيسة الأم نتيجة قصر نظرها وسوء تقديرها مدفوعة بغريزة الأنا التي لا تنسجم إطلاقاً مع التعاليم الالهية ...

أسفاً لمن يطالع التاريخَ    ومن دروسه لا يتعلم ُ   





101
ألصالون الثقافي الكلداني ..... عام مضى ! ماذا حصل ؟ / 1
د . صباح قيّا
إستفسرت من راعي الكنيسة الجليل عن سبب عدم وجود لجنة ثقافية في مجلس الخورنة تتولى تنظيم لقاءات ثقافية دورية لأبناء الرعية وضيوفهم . أجابني مشكوراً  هنالك لجنة تسمى باللجنة الثقافية الفنية الإجتماعية تضطلع بتلك المسؤولية . والحق يقال بأني لم أشهد من اللجنة المنوه عنها غير تنظيمها بنجاح لعدد من  الحفلات الموسيقية الغنائية الراقصة , ووربما مشروع سفرة داخلية لم يتكلل بالنجاح , ولست متأكداً إن كانت لها اليد في الإعداد لمهرجان الرعية الكلدانية والذي غاب منذ أكثر من ثلاث  سنوات , وآمل  أن لا يكون غيابه بدون رجعة  . ولا أغفل إصدارها الدوري لنشرة الكنيسة ثم مجلتها الرائدة رغم أخطائها اللغوية والنحوية  , والتي توقفت أيضاً , للأسف الشديد ,  حال ما هجرتها الجهود  المسؤولة والمشرفة عليها .... ولم يكن الرد مقنعاً عند تساؤلي عن كيفية  إلتقاء المحاور الرئيسية الثلاث لخدمة الجانب الثقافي المتعثر في بلاد المهجر , حيث كانت الحجة بأن النظام الداخلي لمجالس الخورنة يسمح بتشكيل أربعة لجان فقط  والتي تشمل إضافة لأعلاه : اللجنة المالية , لجنة الصيانة , وثالثة تهتم بالشؤون الروحية .   
                                               
                                                                   ولا بد أن أذكّر من خلال هذا المقال بغية وضع الأعمال في مسارها الصحيح بأن " ما صنعه  البشر يغيره البشر" .  وأيضاً  أشير , من باب الإنصاف , بأن الأنشطة الكنسية المتعددة لا تخلو من التثقيف المتواصل  , بل على العكس هنالك اجتماعات منتظمة ومكثفة وذات أهمية متميزة كونها عموماً ً تصب بالإتجاه الروحي والإيماني مع استثناءات محددة بين آونة وأخرى . ولا يمكن إنكار أهمية المعلومات الدينية في صقل العقل الثقافي حيث بدونها تبقى الدائرة الثقافية ضيقة . 
 
تبلورت فكرة تأسيس كيان ثقافي من خلال  واقع الفراغ الفكري الذي يحيط بأبناء الرعية رغم تمتع الكثيرين منهم  بكمٍّ غزير من المعلوماتية في تفاصيلها المتنوعة , وتوفر الرغبة الصادقة والحماس المتجرد عند عدد غير قليل منهم للتجمع تحت مظلة يتبادل الفرد الواحد آراءه مع الفرد الآخر أو الأفراد الآخرين , بالإضافة إلى مساهمة من يرغب لعرض إمكاناته وموهبته ومدى إطلاعه وتعمقه في موضوع معين وطرحها جميعاً أمام الجمهور المتلهف للإصغاء ثم المداخلة بعدئذ .... ومن ذلك المنطلق بزغ  " ألصالون الثقافي الكلداني " بعد أن كان مجرد فكرة تنمو بين تلافيف العقل ونبضاً يتناغم مع   ضربات القلب ... وقد ساهم معي في البدء بوضع الفكرة موضع التنفيذ وبتسلسل عشوائي مع التجرد من ذكر الكنى كل من الأخ جورج متي  , الأخ زيد ميشو , الأخ رائد همو , الأخ صفاء حراق , الأخت سعاد قاشا , والأخت بان بوداغ ...   

هنالك حقيقة قد لا يعيها البعض , وربما يغض الطرف عنها  بقصد أو بدون قصد . ألواقع في المهجر ليس كالواقع في البلد الأم . علاقة العلماني مع الكنيسة وآلية العمل مع الكاهن تختلف في تبعاتها هنا عن هناك . يظل المسيحي في الوطن , وحسب قناعته , محافظاً على مسيحيته وولاء أبنائه سواء زار الكنيسة أم لا . أما في بلد الشتات  ,  فمن ترك الكنيسة ضاع في متاهاته بعد أن سبقته ذريته إلى ذلك , والأمثلة بهذا الخصوص كثيرة ومرعبة .. ولكي يكتب النجاح لأي مشروع يستهدف لمِّ شمل الرعية  وخدمتها , لا بد أن يرتبط مع الكنيسة حتى ولو بخيوط رفيعة جداً , وقد قيل سابقاً " قليلٌ في الماعون أفضل من صحنٍ فارغ " . وليس بالضرورة أن يَفهم الإرتباط وكأنه تبعية لإرادة الكاهن  ومشيئته , ولكن لا بأس أن يستهدف المشروع خدمة الكنيسة وأبنائها بصورة غير مباشرة , من خلال العلاقة الإيجابية مع  راعيها من جهة , والإنفتاح على المفاصل الفكرية المتفرقة بغض النظر عن إنتمائها المناطقي أو الطبقي أو الكنسي ولا حتى موقفها تجاه الخالق والإيمان من جهة أخرى ... إنه لمكسب عظبم أن يعود متسرب لحضيرته , وأن يرجع من أضاع إيمانه إلى دار خالقه . وأن تتعانق الأزهار بألوانها الجذابة وعبقها  العطر في رحاب روضة الإنسانية .... لذلك حصل الإجماع أن  تعقد نشاطات الصالون في قاعة الكنيسة " كنيسة العائلة المقدسة "  , وأختير راعيها الجليل عضواً فخرياً في الصالون . واقترن المقترح بموافقته على حجز القاعة مساء الخميس الثاني من كل شهر وبدون مقابل  ... 

بعد أن أطلَّ الصالون باسمه , برزت الحاجة لتصميم شعار يدل على جوهره وأهدافه إضافة لإسمه . وأيضاً حصل الإجماع لتوفير ذلك  على مفاتحة الأخ عامر فتوحي  .  أدهشني , والدهشة إعجاباً , وأنا أعرض عليه الفكرة عبر الهاتف , باعلامي بأن الشعار أُنجز وأستطيع استلامه متى أشاء ... سألته كيف تم ذلك وقد عرضت له الطلب تواً . أصر بثقة بأنه جاهز  وما عليّ إلا استلامه ... وبالفعل استلمته في موعد لاحق وما أجمله من شعار حيث نال على إعجاب وتثمين كل من نظر إليه وما يزال . وللأمانة في تدوين الحقائق أسجل بأن الأخ عامر زود الصالون بعدد من الكراريس والخرائط والصور التراثية والتاريخية لبابل والكلدان مع قرص التصميم , ولم يستلم من الصالون غير الشكر فقط  . 

حضر التصميم على قرص , والحاجة الآن لعرضه على لافتات مناسبة خلال أنشطة الصالون . إتفق الجميع على تكليف الأخ  ساهر يلدو لإنجاز تلك المهمة . نِعمَ الإختبار ... حيث تم تنفيذ  ثلاث لافتات للشعار ذات حجوم مختلفة قدمها الأخ ساهر هدية للصالون .. وما أغلاها من هدية        ....  يتبع


102
ألإسراف في النقد ظاهرة غير صحية / نقد الكهنة مثالاً
د. صباح فيا
لا شك بأن الكثير من المواقف والمواجهات الكلامية أو البدنية التي تحدث في مرحلة حياتية مبكرة , يستهجنها صاحبها نفسه وقد ينصح خلاف ذلك في مرحلة عمرية متقدمة . فمن بديهيات الحياة بأن الإنسان يزداد حكمة كل ما تقدم بالعمر , وقد جبل المهتمون بهذا الِشأن على  اعتبار عمر الأربعين كحد فاصل لدخوله مرحلة النضج العقلي والإستقرار النفسي بعد أن تمرس في الحياة ما قبل ذلك فازداد خبرة وتجربة وصقلاً ... وربما كان ذلك سبباً جوهرياً لقيام بعض الأنبياء بإعلان أو نشر دعوته بعد بلوغه سن الأربعين ... وأيضاً إختيار هذا الرقم وما يليه عند الحاجة لرأي صائب وقرار متزن ممن يلجأ اليه العموم للإحتكام بقضية مصيرية معينة ... ولكن للأسف الشديد هنالك من يزداد تخبطاً بدل حكمة  ... وضياعاً بدل استقرار ... وتخلفاً بدل نضج .

في سبعينات القرن الماضي ومع بدء عمري المهني , وجدت نفسي مديرأً  لإحدى المستشفيات المتواجدة  في قضاء من أقضية كردستان الجميلة .... أقلقني إشغال عدد من الغرف الخاصة بالمرضى من قبل ضباط ومكتب كتيبة المدفعية المتجحفلة مع اللواء في ذلك القاطع . ويظهر بأن هذا الإحتلال العسكري الجزئي  للمستشفى متوارث بين كتائب المدفعية التي تستبدل كل عام خلال ما يعرف ب " حركات الشمال " ,  ولم يتحرك أي من  المدراء بالتناوب لتغيير مثل ذلك الوضع الشاذ إما مجاملة ,  أو خشية من العواقب , أو كما هو معتاد " أني شعليه , ليش  أورط نفسي , سنة وتنكضي ,  خلي اللي يجي بعدي يتصرف مثل ما يعجبه " . أي بما معناه الجلوس على التل أسلم ... أعلنت عن امتعاضي وعدم قناعتي يما يجري , وقررت أن لا أسمح للكتيبة اللاحقة بإشغال أي جزء من المستشفى  , وأبديت وجهة نظري تلك أكثر من مرة لآمر الكتيبة المتواجد مقرها  في المستشفى  , ورجوته إيجاد مقر بديل وإلا سأغلق غرف المستشفى وأمنعهم من دخولها , وأن  كل ذلك من ضمن مسؤوليتي وصلاحيتي ... وعدني خيراً رغم إحساسي بمراوغته وعدم أخذ موقفي مأخذ الجد , ربما لإعتقاده بأني في حداثة خدمتي أو كوني مسيحي لن أتجرا أو أملك الشجاعة الكافية لاتخاذ موقف صلب مهما كان السبب مهماً ... ولكن خاب ظنه .... نعم خاب ظنه وتجرع مرارة قصر نظرته ... وقفت في باب المستشفى عائقا ًأمام من يحاول دخولها . حدثت بيني وبينه مشادة كلامية حادة .  وبدأ يهددني بالقدم العسكري وبعواقب التجاوز على المافوق . أما أنا فذكرته بوعده الذي لم يلتزم به رغم كونه رجل عسكري ... وهذه الجملة تعتبر من أكبر الإهانات التي يشعر بها  العسكري وخاصة من يحمل رتبة ضابط عندما يجابه بها ... أخيراً جاءني الأمر من آمر جحفل اللواء بأن أسمح لهم بالدخول , ونفذت الأمر حسب الأصول .. وبعد أيام معدودة أخلت الكتيبة غرف المستشفى منتقلة إلى مقرها الجديد , وعادت المستشفى للطبابة بأجمعها ... لقد استخدم آمر جحفل اللواء الحكمة عند معالجته للمشكلة . لم يتخذ أي إجراء قانوني بحقي لقناعته بأن موقفي سليم وصائب ... أمرني أن أسمح بدخول مقر الكتيبة إلى المستشفى كي لا يتولد الشعور بأن المادون أجبر المافوق على عمل ما ولم يحاسب ... أوعز للكتيبة اللاحقة بتهيئة مقر بديل والإنتقال إليه تلافياً لمجابهات مستقبلية مماثلة ولقناعته بأن ذلك هو السياق الصحيح ....

إنتهى الحادث ولكن لم ينتهي الحديث , بل بالأحرى بدأ الحديث ... أصبحت الشغل الشاغل لآمر الكتيبة السابق . إقترب من أطباء مستشفى القاعدة ليكسب ودهم كي يتسنى له إفراغ ضغينته عليَّ أمامهم ... موضوعه الوحيد الذي يتكلم عنه معهم بمناسبة او بدون مناسية هو أنا ... أساء تقدير الموقف مجدداً وخاب ظنه في مسعاه مع الأطباء . لم يرق حديثه المغرض عني لزملائي  وبالأخص معارفي . إتفقوا على هزيمته وإبعاده عنهم ... بدأوا يسخرون منه أمام ضباطه قائلين : لو تم تشريح دماغه فسيظهر فيه ورم مكتوب عليه " دكتور صباح " ... وبذلك تمكنوا منه ونال استحقاقه منهم ولم يجني من إلحاحه المتكرر والممل غير الخيبة والعزلة ... ربما كان قد تحقق له بعض ما يصبو إليه لإشباع غريزته المتجبرة المستمدة من مركزه الوظيفي لو اكتفى بالإشارة لما حدث بيني وبينه لمرة واحدة أو مرتين ليس أكثر , وعدم إفراطه ومبالغته بنقده الجارح , مما حدى بالأطباء أن ينظروا إليه كمريض يعاني من " عقدة الشخصنة " والتي يحاول السيطرة عليها بإعادة المشهد مرات ومرات بدون تحديد .

ما يظهر بين آونة وأخرى من نقد عدد قليل جداً من الأقلام لبعض الكهنة يقترب بمضمونه وجوهره من الصورة التي رسمتها أعلاه ... نعم هنالك هفوات وربما أخطاء قد تكون عفوية , وغالباً  صحيحة من وجهة نظر الكاهن , ولكنها تتقاطع مع أفكار وتطلعات مجموعة معينة من العلمانيين , وبدل الإكتفاء بالإشارة إليها وإبداء الملاحظات اللازمة والمقترحات الضرورية لتجاوز ما لا ينسجم مع أهوائهم , يبدر منهم اسلوباً تظلله المحاسبة والتقريع إلى درجة الإهانة أحياناً , ولا غرابة أن يشعر القارئ بالغثيان خلال المرور عليها لما تحويه من جمل لا تنسجم مع ابسط قواعد الكتابة الحضارية ولغة المخاطبة السليمة ... والأنكى من ذلك هو التركيز والدوران بدون كلل وملل حول نفس المسألة أو المسائل , وحول نفس الشخص أو الأشخاص .

للأسف الشديد أن من يساهم في هذا الإختيار هو نخبة من الأقلام المتميزة بلغتها القويمة وخلفيتها المعلوماتية المتنوعة والواسعة , بالإضافة إلى  البعض ممن تحمل قلوبهم المحبة لكنيستهم أوالإعتزاز بتاريخهم الحضاري , أو الإثنين معاً  . قد يكون من بينهم من ينطلق بهذا الإتجاه بحسن نية , ولكن حسن النبة يفقد مضمونه عندما يتكرر السيناريو , ويزخر المقال  بتعابير الإساءة في طياته ... من حق الكاتب أو الناقد أن يتمتع بالحرية الممنوحة له ويمارس  الكتابة كما يشاء ويستفاد من مساحة النشر المتوفرة , وأن يساهم في تشخيص السلبيات ويبادر لتقويم الإعوجاج , إلا أن ذلك لا يعني ملاحقة الكاهن وانتقاده في كل صغيرة وكبيرة , والإصرار بحق أو بدون حق على الإستمرار بهذا النهج رغم الدعوات الصادقة والمخلصة من الكثيرين للتخفيف من قسوته .
لا يختلف إثنان بأن " الخطأ لا يجوز معالجته بخطأ " , وإنما بالحكمة والتروي وبالعقل الثاقب بعيداً عن المشاعر الإنفعالية وردود الفعل المتشنجة . والذي ينتقد عليه اتباع الأسس النقدية المتعارف عليها . أما  الإلحاح " بالزلاطة " فنتيجته معروفة سلفاً ... ألنقد حق مشروع , ولكن له حدوده .. ومن يلاحق نفس الكاهن في نقده ومن زوايا مختارة يستحق أن يقال عنه بأنه مصاب  بورم إسمه " ألكاهن " ....
 

وما قاله أحد الشعراء سابقاً
ثلاثٌ هنَّ مهلكةُ الأنامِ    وداعية الصحيحِ إلى السقامِ
دوامُ مدامةٍ ودوام وطءٍ   وإدخالُ الطعامِ على الطعامِ


أضيف أنا عليه  عاملاً رابعاً أفرزته مزايا العصر الحالي :
ولي من جديدِ الزمانِ إضافةٌ     إسرافٌ في النقدِ وتكرارُ الكلامِ

ألأنام أي ألناس  ... ألسقام أي الأمراض .... ألمدامة هي الخمر .... ألوطء هو الجماع ...
ألإسراف هنا يعني تجاوز الحد في الكلام .
       
 
   
 

103
هو أول الغيث / ألكنيسة الكلدانبة المستقلة مثالاً

د. صباح قيَا
تشهد الأغلبية من غير المسيحيين بأن سمة المسيحي الرافديني الإخلاص والنزاهة والعمل بجد ,  إضافة إلى العديد  من الخصال الحميدة  التي يحوز بواسطتها حاملها ثقة أقرانه ويفرض احترامه على العاملين معه ,  ومن النادر  تورطه بأعمال تتنافى مع القانون وتتقاطع مع العرف العام , ولن يجد مفراُ من تأنيب وملامة بني دينه أولاً وحتى ابتعادهم عنه إذا حصل  خلاف ذلك ... وليس غريباً أن يصطدم مع أعز معارفه عندما يتطلب العمل تطبيق التعليمات والسير بموجب السياقات المتبعة ... ولا شك بأن الكثير من القراء قد واجه مواقف حازمة ممن هو في موقع وظيفي معين تحول دون تحقيق ما يصبو إليه ولو على حساب القانون , رغم ما تسببه تلك المواقف من  امتعاض وتذمر عند صاحب الحاجة الذي لا يرى الأشياء إلا من خلال منظاره الخاص .... وصاحب الحاجة أعمى كما يقال ...

 يحضرني وأنا اكتب هذه السطور موقف  راعي الكنيسة القريبة من سكني آنذاك عند طلبي موافقته لإجراء مراسيم زواجي في كنيسة أخرى قريبة من سكني  السابقً . أبدى عناداً غير طبيعي لا مبرر له من طرفي ... وبعد إلحاحي وإلحاح خطيبتي وقتذاك , أفصح عن ما في جعبته متهماً إياي بعدم تقدير واحترام زيارته لي  في عيادتي متوسطاً لإعفاء أحد معارفه من الخدمة ... وأخيراً , والحق يقال , استجاب لما أردت بعد أن اقتنع بوجهة نظري بأن تنفيذ وساطته يعتبر مخالفة أحاسب عليها قانوناً  كون حالة المعني الصحية  لا تستوجب الإعفاء من الخدمة .... ولكن هل  العين بالعين والسن بالسن من تعاليم المسيح , وحتى لو كنت مخطئاً , ألا أستحق الغفران والمسامحة ؟ وهل يجوز محاسبة الحق بالباطل ؟  .

وفي مناسبة ثانية مع راعٍ آخر , عندما شاء القدر أن أطرق بابه من أجل تزويدي بنسخ من شهادة عماذ إبنتي وابني , فالبرغم من كون خدمته تلك من أساسيات واجباته تجاه ابناء رعيته ولم تكن في يوم ما على ما أذكر خدمةً  مجانية إطلاقاً , ألا أن استقباله لي ولزوجتي بوجه مرير وأسلوب تفوح منه رائحة التأنيب والوعيد بعدم تزويدنا بنسخة بديلة فيما إذا ظهر أي خطأٍ  في كتابة  المعلومات الشخصية  باللغة الإنكليزية نتحمل نحن الإثنان ( أي أنا وزوجتي )  تبعاته ... وقرررت بعد ذلك اللقاء المؤلم أن لا أحضر له قداساً أبداً  , وهذا ما حصل لحين مغادرتي الوطن الجريح .

لا يعني التطرق إلى بعض سلبيات رجال الدين الأعزاء بأنهم جميعاً على السواء , بل من المجحف جداً تعميم ذلك , حيث هنالك منهم من لا تفارق الإبتسامة وجنتيه , ومنهم من يتحلى بالبساطة والشفافية ولا يتوانى عن تقديم ما يحتاجه أبناء رعيته في كل ظرف ومكان ... ولكن ديدن الإنسان ’ عموماً ’ هو إبراز ما ينعكس سلباً على الطرف المقابل يتناسب طردياً أو عكسياً حسب تقديره للأمور من منظوره الخاص مع الأخذ بنظر الإعتبار مدى تأثير سمة " ألأنا " على موقفه النقدي  , وبالأخص إذا كان ذلك الطرف في موقع وظيفي متقدم أو إجتماعيٍ متميز أو روحي وديني بغض النظر عن درجته وتسلسله في السلم الكهنوتي .... ألكاهن , وبصراحة , بنتقد بحق وبباطل , لكل شاردة وواردة . ألرعية ترجوه قديساً أو ملاكاً صالحاً ولكن تتناسى أو تتغافل كونه من البشر وكسائر البشر له أحاسيسه ومشاعره ويتأثر بعوامل حياتية شتى , وربما تظهر عليه ردود أفعال غير مألوفة وخاصة عندما يشكك برسالته صواباً أو خطاً ... ألرعية لا ترحم , ومن أفرادها من يتصرف بالمطلق  وينقلب جذرياً على كنيسته أو على راعيها , وقد يكون السبب عميقاً أو سطحياً , وجيهاً أو ساذجاً , ولكن , وكما هو معروف , لن يدعي أحد بأن " حليب أمه حامض " ....
 
ما يحدث حالياً في رحاب الكنيسة الكلدانية , وبالتحديد , في عالم المهجر ,  يدخل ضمن الأطر المنوه عنها آنفاً ... للأسف الشديد , بعد ان كان يشاد بالبنان للمواطن المسيحي في وطنه كما أسلفت , تبرز عنده في المهجر , ربما بتأثير مساحة الحرية المتوفرة وضبابية مدى الرؤيا بالإضافة إلى دعم بعض المتضررين والمستفيدين  , ظاهرة التمرد والتحدي سواء ما يتعلق بالشأن العائلي أو الإجتماعي أو الكنسي . ربما تسدل العين جفنيها  عن اشتطاط العلماني وهجرته كنيسته , ولكن أن بشتط من نذر نفسه من أجل رسالة الكتاب المقدس وبشارة الروح القدس مسألة تستوجب وقفة تأملية جادة  ومراجعة دقيقة وشاملة  لواقع الكنيسة وما آلت إليه اليوم ً من جهة , وللذات التي تتحكم بها إبتداءً من قمة هرمها وإلى أبعد نقطة في قاعدتها  من جهة أخرى , وإلا ما حصل بالأمس القريب من إعلان الكنيسة الكلدانية المستقلة سيكون بمثابة  أول الغيث تقلده كنائس أخرى تباعاً ما دام هنالك من يشجع ويدفع بهذا الإتجاه بكلمات وأعمال ظاهرها تصحيح و حق وهدفها تشتيت وباطل .... 
   
شقاقٌ يليه شقاقٌ وماذا بعَدْ             كُلٌّ بإسمِ المسيحِ عن الحقِِ شرَدْ
ندعوا لوحدةٍ هيَ نَسْجُ خيالِنا           وواقعُ ماضينا على الفِرقةِ شهَدْ
فكمْ مِنَ الإنجيلِ استباحتْ أتباعَهُ        آياتٌ عليها القاتلُ اقتدى واعتمَدْ   
 فكيفَ للمرءِ أنْ يظَلَّ إيمانُه             وركنُ المحبةِ غاب روحاً وجسَدْ
وإلى متى الصبرُ سيبقى أسيرَنا         وبعضُ رعاتنا على بعضِهم حقَدْ
لسانُهم وعظٌ ما أحلى منابعُه            بشارةٌ لمنْ أوحى بها الكلُّ شهَدْ
وا أسَفاً لقلوبهم في أعماقِها            سكنَ الكرهُ ورمزُ الخطيئةِ رقَدْ
في كلِّ عهدٍ يطلُّ علينا ناسكُ            خان الرسالةَ نذورُهُ لا تُعْتَمَدْ
تحلو لهُ مُتَعُ الحياةِ في عالَمٍ            جاءَه لاجئاً أو موفداً أو مُضْطَهَدْ
هوَ خاطئٌ مَنْ في عيشْهِ لا يخطأُ       وصوابُ الرأيِ أنْ لا يُعْزَلْ أو يُسْتَبَدْ
فأقسى ما على الإنسانِ موتَ فكرِهِ     وكمْ بفكرِهِ يحيا رغمَ قتلِ الجسَدْ
ورعيةٌ سئمتْ ما اليومَ ظاهراً           وسِترُكَ يا ربْ مما في الغدِ يُسْتَجَدْ
فصِفْحاً بمنْ ظلَّ السبيلَ شبابُه          وإلا لِمَ القربانُ يُعطى صُبْحَ الأحَدْ
طوبى لِمَنْ ملأتْ فؤادَهُ رحمةٌ           ودارَ بخدِّهِ يميناًً صفعاً ليَدْ
وطوبى للْذي يفعلُ ما يُعَلِّمُ               ولِمَنْ تقبَّلَ الإساءةَ وصمَدْ

فلولا تعاليمُ ربّي ورسائلُ                 رُسْلِهِ وسيرةُ القديسينَ والوَعَدْ
لهجرتُ كنيستي بلا ندامةٍ               وأكملتُ صلاتي وحيداً إلى الأبَدْ


[/color]

104
ربّما ترك الأفعى في سباتها أسلم / ألمواقع نموذجاً
د. صباح قيّا
لا شك بأن الكثير من رواد الموقع قد عاصر أو سمع عن الذي أطلق عليه " أبو طبر " بعد مسلسل الجرائم المروعة التي شهدتها العاصمة " بغداد " في سبعينات القرن الماضي , وذلك ما أجبر الأهالي آنذاك  بالتناوب على السهر  ليلاً  وحتى الصباح الباكر تحسباً لأي هجوم مباغت  قد يقدم عليه المجرم وحصول ما لا تحمد عقباه ... ونقلاً عن سكنة منطقة البياع بأن الملقب " أبو طبر " الذي كان يسكنها أيضاً , كما يقال , شارك في الحراسة معهم بحماس واندفاع متميزين وأبدى حرصاً استثنائياً لملاقاة  الجاني , حتى ألقي القبض عليه وسط دهشة المخدوعين بشخصيته ودماثة أخلاقه وحلاوة لسانه ... عجيب أمور غريب قضية ..  . وهنالك قصة واقعية منشورة في العدد الأخير ( ألعدد 65 ألسنة 2015 )  من مجلة السنبلة التي تصدرها " جمعية مار ميخا " في مشيكن تتحدث عن مقتل فتاة جامعية  في ريعان العمر , ثم تبيّن أن القاتل أحد أصدقاء العائلة الذي شاركهم البحث عنها فترة اخفاء جثتها , ودفاعه الشديد  بعدئذ  عن العائلة وسمعة المجنى عليها إلى أن سقط  في قبضة العدالة أمام حيرة وذهول جميع معارفه .... حقاً عجيب أمور غريب قضية ..
 
رغم ذكري ما جاء على لسان الممثل المبدع  " جعفر السعدي " خلال أحدى المسلسلات التلفزيونية الرائعة , ولكن في الواقع  أن ما حصل أعلاه ليس بالعجيب أو بالغريب ... فمثل هذه القصص حصلت وتحصل في كل مكان وزمان , والكثير منها موثق في الكتب المتنوعة , أو تناقله البشر , أو عرض في الإعلام المرئي أو المسموع ... فكم متحمس لقضية بلده ثبت أنه أجير لدولة أجنبية ... وكم دعيّ بإخلاصه ظهرت خيانته من خلال التجربة .. وكم مدافع عن العدالة بان ظلمه من أول منصب ... فليس كل ما تتفوه به الشفاه وتسطره الأقلام يعكس حقيقة ما يكمن في العقول وما تضمره القلوب ...

ينطبق ما قيل أعلاه على ما يجري في المواقع نفسها أو بين روادها وخاصة ممن تستر نفسها بأسماء وهمية أو التي لا تفصح عن شخوصها ... ولكي أدخل لب الموضوع , فإني سأحدد مداولتي للموقع الذي أشغل عدداً لا بأس به من الكتاب :
http://kaldany.ahlamuntada.com/
والذي تطرق إليه الأخ عبد الأحد سليمان بولص وحسب الرابط
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,787738.0.html

تعرفت على الموقع صدفة من خلال تصفحي شبكة كوكل البحثية قبل عدة أشهر . لفت نظري نشر مقال لي والذي , بكل صراحة , لا أتذكر عنوانه الآن , في موقع لم يسبق لي إرساله إليه . دخلت على الموقع حينها وكانت قناعتي أن الموقع ينقل المقالات من الأنترنيت .. كانت زيارتي تلك الأولى والأخيرة , ونسيت الموضوع وإسم الموقع كليّاً .... هنالك من يسأل : لماذا لم أعترض على ذلك ولماذا أسمح بنشر ما أكتب بدون موافقتي مسبقاً ؟ ألجواب بسيط جداً ... نحن في عصر اللاضوابط , وخاصة ما بدور داخل الشبكات العنكبوتية ومواقع التواصل الإجتماعي . تصل بريدي الألكتروني أحياناً مقالاتي نفسها تتناقلها أسماء لا أعرف معظمها . أقولها من الناحية الواقعية وللإنصاف من أحاسب ؟ ولمن أنقل اعتراضي كي يسمعه ويحقق مطلبي  ؟ ...
قادني فضولي لتصفح الموقع ثانية بعد مطالعتي الرابط أعلاه ... لا شك لي بأن الموقع باشراف مجموعة من الكلدان يرفضون التسمية المركبة وخاصة ما تفتقت به عبقرية  " المجلس الشعبي " بتقليعته القطارية التي فرقت ولم توحد .... للموقع ابواب تثقيفية قلّ ما تجدها في مواقع شعبنا الأخرى مثل تاريخ البابوات وظهورات العذراء ... يعتمد الموقع أساساً  على ما نشر سابقاً ويختار ما يرتأيه لنقله على صفحاته . للأسف الشديد تتصدره كلمات تمحي كل محاسنه ...  ولا بد ان اشير بأن محاولاتي المتككرة للدخول إليه  صاحبها إعتراض وتنبيه من " مضاد الفيروس " الموجود على حاسوبي والمسمى " أفاست " مما اضطرني إلى المجازفة أخيراً بإهمال إنذاره .

لقد أعجبني إعلام البطريريكية في معالجته للموضوع دون التطرق لإسم الموقع مباشرة كما في الرابط
 http://saint-adday.com/permalink/7536.html
فغالباً ما يؤدي الإعلام المباشر إلى نتائج عكسية . أذكر حادثة هجوم بعض الفدائيين الفلسطينيين على محلات " مارك سبنسر " في لندن بسبب تبرعاتهم للدولة العبرية إسرائيل , والتي أدت إلى اشتهارها وزيادة مبيعاتها ليس من السواح الأجانب وحسب بل من السواح العرب ممن تغريهم  الماركات الأجنبية وما أكثرهم ... وحينها منعت السلطات العراقية التبضع من تلك المحلات ويتعرض المخالف إلى المساءلة القانونية ومصادرة البضاعة ...  ما كان يفعله العراقيون من باب " كل ممنوع مرغوب " هو ارتياد المحلات تلك وشراء ما تتمكن منه جيوبهم , ومن ثم قلع الماركة قبل تصفيفها في حقائب العودة ... وعليه من الممكن القول بأن  ترك الأفعى في سباتها ربما  أسلم من إيقاظها ....

وقبل أن أختم , لا بد ان أشير بأني لا أميل إلى الرأي القائل بأن الموقع يدار من قبل من ينتحل صفة الكلدان لخدمة أجندة تقف بالضد من الكلدان ... ألموقع بمواضيعه كلداني التوجه والتثقيف إلى حد التعصب والتطرف في بعض الإحيان , كما أن من يطلق على نفسه " داينمو الموقع" , كان إلى وقت قريب يصول ويجول في المنبر الحر من موقع عنكاوة , ويطلق سهامه الخارقة صوب كل من يتعرض للكلدان مع ملاحظة انحيازه لموقف أبرشية كاليفورنيا .

وأخيراً , أدعو الموقع , إحتراماً وتقديراً لأصالة  الكلدان  , أن تتصدر صفحته الرئيسية  بما يليق بسمعة الأمة الكلدانية وكتابها النجباء ... فتحقيق الأهداف المشروعة لن يتم بالشتائم والسباب .     

105
عذراُ غبطة البطريريك – إلإنسان فكر يتجدّد حتى لو توحّد
د. صباح قيّا
يروى , والعهدة على الراوي , عن ما جاء في خطاب لأحد أقطاب الصهيونية أمام جمع من المتنفذين اليهود قبل أكثر من مائة عام قوله : ألمسيحية حقيقة واقعة فما عليكم إلا أن تزيدوا كنائسها . ولا غرابة في ما أشار إليه وقد عرفت المسيحية الإنشقاقات بعد الإنشقاقات منذ يدء مسيرتها , وأقساها ما قام به " مارتن لوثر "  في القرن السادس عشر وما تلاه بعدها بحيث يقدر عدد الكنائس المتفرقة أوالمستقلة في الوقت الحاضر بأكثر من 40000 كنيسة منتشرة في أرجاء المعمورة  . وبالرغم من كون بعض الكنائس المستقلة إدارياً  تتفق عقائدياً مع البعض الآخر , إلا أن الرقم الإنشقاقي يظل مرعباً . وما يؤلم حقاً بأن معظم تلك الفئات والملل الكنسية تلتقي في تفسيرها للخليقة , ورؤيتها للمسيح بأنه هو الله الازلي الذي سيعود  ليوم الدينونة والخلاص , وتكريسها للروح القدس , ودعوتها للمحبة والغفران والتوبة , إلا أنها تختلف في ما بينها بحلقات متعددة قليلها اساسياً وكثيرها فرعياً , وكلها مجتمعة تجعل عودة الوفاق عسيراً بل مستحيلاً ...
قد يعزى جانب من مسببات الفرقة إلى اجتهادات لاهوتية معينة يفرزها فكر الإنسان المتجدد وعقله النيّر والذي يتغيّر بانتظام بتغير الزمان والمكان , ولكن ما يدعو للأسف أن تسخر حركة الفكر الإيماني لخدمة الذات البشرية وإشباع الرغبة الدنيوية . وهذا ما حصل بالفعل سابقاً وما يحصل اليوم وسيحصل لاحقاً . ورب قائل بأن ما يجب أن يتحلّى به رجل الدين من خصال وصفات وما نذر نفسه من أجله يتحتم عليه الترفع عن الطموحات الذاتية والتشبث بتعاليم الإنجيل ورسائل الرسل وسيرة القديسين .. نعم من الناحية النظرية كفلسفة مثالية ترتكز عليها الرعية في نظرتها لآبائها الروحانيين وما تتوخى منهم أن يكونوا كما يجب ,  ولكنها , بصراحة ,  تتقاطع مع ما موجود على أرض الواقع ,  ومن النادر جدا أن تتحق عملياً , آللهم إلا استثناءً .... فلم تكن الآراء المؤطرة بالطابع اللاهوتي وذات المغزى الإيماني ألا وسيلة للكسب الشخصي ومبرراً للتفرد بالمركز والإستقلالية في القرار ...
ومن مقولة شهيرة للبابا القديس يوحنا الثالث والعشرون : " ألتاريخ معلم الحياة " تستخلص العبر .... ففي بداية انتشار المسيحية وما زالت تعاني من الإضطهاد الروماني , تمرد أحد الكرادلة على البابا المنتخب لقناعته بأن إمكانيته اللاهوتية تفوق إمكانات البابا , وأنه هو الذي يستحق إشغال الكرسي الرسولي  , واستمر بانتقاداته وتشهيره إلى أن ألقي القبض عليه وعلى البابا الرسمي خلال حملة إبادة مروعة مارسها الإمبراطور الروماني آنذاك , وتم نفيهما للعمل في أحد المناجم الذي لا عودة منه إطلاقاً , حيث حلّ الروح القدس علبهما , ثمّ استشهدا بمحبة وندم .... ويذكر التاريخ أيضاً عن ما يطلق عليه " ألسبي البابلي للبابوية " الذي حدث في القرن الرابع عشر ( 1309 – 1377 ) واستمر لفترة  زمنية تعادل ما مضى على اليهود إثناء " ألسبي البابلي "  , وخلال تلك المدة تم نقل الكرسي البابوي من روما إلى فرنسا , وعلى الأغلب , نتيجة تأئيرات سياسية معينة مضافاً إليها مشاعر الإنتماء الضيقة وترجيحها على الدين والتزاماته . وتتابع على هذا المنوال سبع بابوات . وربما حلّ الروح القدس مرة ثانية ليعيد الحبر الأعظم إلى روما ... ورغم ذلك لم يسلم من منافسين له من فرنسا أيضاً وما يطلق عليه " ألشقاق الغربي " , حيث تناوب إثنان بالتعاقب بإعلان كون كل منهما " ألبابا " لتلك الحقبة ... تكرر المشهد بعد ذلك ويتكرر حالياً بإسلوب أو بآخر حتى وصل إلى  ما هي المسيحية تعاني منه اليوم , ولن يسدل الستار أبداً ما دام فكر الإنسان يتجدد بانتظام , ولكن , للأسف الشديد , بالإتجاه المعاكس أحياناً , ورغم ما يتمخض عن ذلك من نتائج سلبية , إلا أن وقعها قد يكون إيجابياً عند البعض , وما معناه بأن لكل فكر جديد في أي مكان وزمان مؤازرون .... يستدل من ذلك بأن رجل الدين , بصورة عامة , كسائر البشر , له مشاعره وأحاسيسه , ويتأثر بعوامل ومتغيرات حياتية كثيرة , وقد ترتبط سلوكياته بالبيئة الإجتماعية التي ترعرع فيها , وربما تطغي طموحاته الشخصية وغرائزه الدنيوية على رسالته الإيمانية ... وفي مثل هذه الحالة تخفت الرغبة عند الفرع للعودة إلى الأصل , وينعدم الحماس عند من اشتط عن الرأس بحجج واهية للإرتباط به مجدداً . فمن ذاق حلاوة المنصب وتمتع بنعومة الكرسي لن يسره تسليم ذلك لكائن من كان , ولن يهتز لما تعلمه ويعلمه " ليكونوا واحداً " .
" أسفاً لمن يطالع التاريخ    ومن دروسه لا يتعلم "           
لم يخلق العالم كوحدة متماثلة بل خلق بأجناس وأقوام متباينة ولغات مختلفة . جبل الإنسان الفرقة مع أخيه الإنسان وحتى لو توحد في ظرف معين ’ فمن تلك الوحدة يولد الإنشقاق لا محالة , لسبب بسيط كما أسلفته أعلاه : بأن فكر الإنسان متجدد ولن يرضخ للجمود ... يتجدد يميناً أو يساراً , شرقاً أو غرباً , سلباً أو إيجاباً .. وتظل النتيجة واحدة .. إنشطار يعقبه انشطار , وتفرع تنبع منه تفرعات .  سقطت الأمبراطوريات واندثرت وأسفرت عن دول ودويلات . تشكلت الأحزاب ومنها انفصلت حزيبات . ومن فلسفة اشتقّت فلسفات . إنقسم الدين إلى مذاهب ومن المذاهب برزت اجتهادات نتجت عنها بدع واعتقادات وعند البعض هرطقات ..... كانت كنيسة المشرق إسماً موحداً ... نعم موحدة بالإسم .. ولكن هل كان الجسد واحداً ؟ ... كم كان حجم الخلافات ؟ ألم تكن هنالك دسائس ومؤامرات ؟ ماذا حصل جراء القرابة والمحسوبيات ؟  لماذا البطاركة خلافة ووراثات ؟ ... إستفاقت الأكثرية فعادت إلى جادة الصواب .. وأصرت الاقلية أن تبقى " مشرقية " ولكنها انشطرت بفعل الفكر المتجدد إلى غربية وشرقية . فهل هنالك أمل ان يتجدد الفكر ليعيدها ثانية " مشرقية " . أشك في ذلك لأن قناعتي بأن التجدد يميل نحو زاوية منفرجة , ولن يقترب للزاوية الحادة إلا لمنفعة ذاتية مصلحية  وعلى الأكثر وقتية تنشطر عاجلاً أم آجلاً بفكر جديد ... وليس من الإنصاف إنكار ما تعانيه كنيستنا الكلدانية كالذي  تعاني منه الكنائس الأخرى سراً أو علناً ’ في الظاهر أو في الباطن ... كل ذلك بفعل المؤثرات البشرية التي تطغي على المقومات الروحية وكتحصيل حاصل لغريزة " الأنا " التي لا تزال متأصلة في عمق العقلية الشرقية ... فلذلك , وأقولها بكل ثقة , أن دعوة غبطة البطريريك للوحدة وعودة كنيسة المشرق إلى سابق عهدها لم ولن تلقي أذناً صاغية , لا اليوم , ولا في الغد القريب ولا حتى البعيد ..  ولو قدّر لها أن تتوحد  في منجم الإضطهاد الروماني , فستنسف الوحدة حتماً بعد حين ببروز فكر متجدد ... والحليم من الإشارة يفهم .     




106
ألرابطة الكلدانية والآفاق المستقبلية

د. صباح قيّا
كانت النية أن أشد الرحال إلى أرض الوطن لأحضر المؤتمر التأسيسي للرابطة الكلدانية المؤمل انعقاده خلال  الأيام الأولى من شهر تموز , لأشهد بنفسي ولادتها من قلب الحدث , وأرسم في ذهني صورتها المرحلية وآفاقها المستقبلية , بعد ان بدأ القلق يساورني نتيجة التعديلات  السريعة والمتباينة في فقرات مسودة نظامها الداخلي , وخاصة في تغيير بعض نقاطها الجوهرية التي اتفق عليها المجتمعون , ولي الشرف أن أكون أحدهم , مع المطران ابراهيم ابراهيم ... أتعلم من الحياة دروساً كثيرة ’ فليست العبرة في الوصول إلى القمة , بل بالثبات عليها .. وليس المهم ما يمتهن المرء , بل ما يبدعه بمهنته ... وهكذا حال الرابطة , فإن لم تفلح في تحقيق ما ذكرت آنفاً , فستظل مجرد مسمى ضمن المسميات الرنانة شكلاً والعقيمة فعلاً ... ومهما أعلن من مبررات عن دوافع تقاطع  مسلسل المسودات , يبقى الإستنتاج مفتوحاً والإجتهاد واسعاً . وحتى لو أسقطت معظم التفسيرات جانباً , تبقى الشكوك عن دور التأثيرات الخارجية عاملاً أساسياً في تذبذب القرار , إضافة إلى ضبابية الأدوات الفاعلة في عمل الرابطة والتردد في تحديد هويتها المطلوبة . ولكي يكتب النجاح للرابطة كفكرة رائدة ومشروع واعد , لا بد من توفر الحد الأدنى من مرتكزات وقواعد النجاح لأية فكرة عند التنفيذ , ومنها وضوح الهوية بأبعادها الشاملة , وتحديد الأهداف العاجلة والآجلة  , مع توفر صفات القيادة ومقومات الإدارة الراشدة  عند من يضطلع بمسؤولية إدارتها ..
من الضروري جداً جداً أن تبدأ الرابطة باكورة إنتاجها بعمل متميز يطرب المؤازر لها  ويخرس الساخر منها , فالكلمات المعسولة والخطب الحماسية بدون خطوات مبرمجة بدقة وفعل جاد ملموس لن تؤدي إلا إلى زيادة تشرذم هذه الأمة التي رسمت للبشرية حضارتها الأولى . وقد أكون قاسياً نوعاً ما بقولي أن ميزة القيادة أعلاه هي الحلقة المفقودة بين أبناء الشعب الكلداني كما أثبتت الأحداث منذ الإجتياح الأجنبي عام 2003 م , ومن العسير بل المستحيل أن تتفق الأغلبية , ولا أقول ألكل  , على شخصية علمانية  تحضى بالثقة وتطمئن لها النفوس بسبب مشاعر الإحباط التي تولدت عبر السنوات الماضية نتيجة تغليب ظاهرة الأنا عند من كانت له حصة الأسد من الدعم والتأييد من جهة , وفشل الأطراف المتنفذة في النطق بصوت واحد لإعلاء الشأن الكلداني بمنأى عن المصلحة الذاتية من جهة أخرى ...
يتبادر الآن تساؤلي : هل يقتنع الجميع برجل الدين ؟ ألجواب كلا للجميع , ولكن نعم للأغلبية ... ومن دون شك أعتبر نفسي ضمن الأغلبية , وذلك أحد الحوافز الذي يدفعني لحضور المؤتمر التأسيسي لكي أحاول المستحيل مع من يشاطرني الرأي عسى أن يعيد غبطة البطريرك النظر في موقفه الرافض لترشيح نفسه لرئاسة الرابطة خلافاً لما ورد في بعض مسودات النظام الداخلي السابقة .. وليس موقفي هذا نابعاً من انحيازي لغبطته على الإطلاق , حيث لا تخفى عليً , من خلال خبرتي الشخصية وخبرة الكثيرين ممن سبق لهم العمل المشترك مع رعاة الكنيسة , صعوبة الإندماج والتجانس في اتخاذ القرار بين الذات العلمانية والنفس الروحية , والأسباب لذلك متعددة ومتشعبة أهمها مشاعر التملك الكنسي والرعوي التي يتصف بها معظم رعاة الكنائس وخاصة الشرقية منها إلى درجة التسلط في بعض الأحيان , دون الإكتراث جدياً بالنتائج المترتبة والتي قد تضطر البعض إلى هجرة كنيستهم الأم ... ولكن وجهة نظري تنطلق من قناعتي بأن الرابطة قد لا تحقق الغرض المرجو من إيجادها بقيادة علمانية بادئ الأمر . ولا شك بأن غبطة البطريرك ألذي هو صاحب الفكرة أساساً يمتلك التصور الأمثل عما يجب أن يكون مسارها بغية الوصول إلى الغايات المرسومة لها . وكما يقال " للضرورة أحكام "  فلا بد من تجنب الخطأ المرحلي والإستراتيجي بعدم تبوأ غبطته رئاسة الرابطة في الدورة الأولى على الأقل , بل الدعوة والتركيز على وجوده في قمتها , وحتماً ستتهيا الفرصة خلال تلك الفترة  لبروز شخصيات قيادية تتمتع بثقة منتسبي الرابطة ومن ثم انتخاب أحدهم لإشغال المنصب الرئاسي في الدورات اللاحقة ...
هنالك من يروج لإبعاد غبطته عن إدارة  الرابطة بحجج مختلفة أقل ما يقال عنها بأنها " كلمات حق يراد بها باطل " . ويظهر , للأسف الشديد , وارجو ان اكون متوهماً , بأن غبطته قد اذعن لحملات الترويج تلك ونأى بنفسه بعيداً عن رئاستها . ولا شك بأن القليل جداً من تلك الدعوات سليم النية , ولكن معظمها بسبب رعبها وارتعادها  لمعرفتها المسبقة بأن إشغال غبطته ذلك الموقع يعني استقطاب أكثر عدد من الكلدان حول جوهر الرابطة المعلن والمعني سواء كنسياً أو قومياً أو كلدانياً , والذي بدوره سيعزل  من عمل ولا يزال بعمل لتهميش الأمة الكلدانية او إحتوائها , ويغيض من هو الآن بدون الثقل الكلداني صفر على الشمال , وبذا يتيقن أن دوره بطريقه إلى الأفول والزوال ... أخشى ما اخشاه على الوليد ضعفه , والأمل من غبطته أن يفوت الفرصة على من يتمنى أن يكون الوليد هزيلاً ....
لا بد قبل الختام الإشارة إلى وتر آخر يعزف عليه المرتعبون والذي لا يقل أهمية عن وتر القيادة الروحية , ألا وهو " هدف الرابطة " . فهنالك أيضا من يلح ويؤكد على اقتصار عمل الرابطة على الجانب التثقيفي والتاريخي فقط دون الإهتمام بالجوانب الحياتية الإخرى التي ستساهم بقدر كبير  في بلورة الإسم الكلداني وتبرز ثقله ليس على  أرض الوطن الحبيب  فحسب وإنما في كافة دول الإنتشار التي ستزخر بوجوده وبدوره الريادي الفعال في شتى المجالات وحتى السياسية منها ... لقد غاب عن هؤلاء المرتعبين أو بالأحرى تناسوا بأن هنالك الكثير من المنظمات الكدانية وبمسميات متنوعة تتداول الشؤون الثقافية وحتى اللغوية بجدارة وانتظام , ولا يحتاج الشعب الكلداني أن يؤسس رابطة تعني بهذا الجانب فقط وتكرر ما سبق وأن تم تشكيله منذ حقبة زمنية ليست بالقصيرة . ما تطمح إليه الجموع بالذات بزوغ مؤسسة توحد الكلمة وترص الصفوف وتعبد الجسور بين ماض عريق وواقع أليم لتعيد أمجاد أمة يتغنى العالم بعلومها وفنونها وتنحني لها الثقافات إكراماً لما استمد من قانونها وكتب على مسلتها ... ويظل صراخ  المرتعبين مفضوحاً ومكشوفاً في هذه الحالة أيضاً لمعرفتهم التامة بأن التوسع في الإهتمامات الحياتية للرابطة سيكشف قصور نظرتهم وسوء تقديرهم لمسار  الأمور العامة والخاصة لتظهر حقيقتهم المزيفة فتهجرهم الجماهير إلى غير رجعة . ألأمل أن تنتبه الهيئة التأسيسية لذلك وأن لا تتردد في الإشارة مستقبلاً إلى من يستحق أن يمثل الكلدان في المحافل الوطنية والدولية  .. والحليم من الإشارة يفهم .
أعترف بقلقي رغم كون تشاؤمي ليس بالمطلق , ولكن تفاؤلي حتما محدد . أقرأ صورة مستقبلية يشوبها الإرباك في بعض جوانبها لإختلاف المواقف ووجهات النظر  ً,  وأرى تباينا قد يكون جوهرياً في أنشطة فروع الرابطة بحسب المكان وحماس الأشخاص المناطة إليهم مسؤوليتها . ومهما حصل من كبوة في زاوية معينة ’ سيقابلها بريق في زاوية أخرى يشع لمعانه تدريجياً إلى أن تتوضح الصورة بأحلى تفاصيلها , ولسان حالي يردد بأن الأشياء الجميلة تأتي في الوقت المناسب .   
     

       

107
أصالة القومية الأرمنية وواقع قوميات شعبنا المُهجّنة
د. صباح قيّا
أسرح بذكرياتي إلى أيام الطفولة وأدور بين بيوت محلتنا البسيطة التي كانت تسكنها زهور من  باقة ورد متنوعة . أتذكر جبداً كيف كانت دور الأرمن مضرب الأمثال من ناحية النظافة والترتيب بالرغم من صغرها أو إشغالها من قبل أكثر من عائلة واحدة كما جرت العادة ذلك الزمان في معظم الأحياء الشعبية . لم تكن القضايا الدينية عموماً محور أحاديثهم مع بقية أبناء المحلة رغم تعدد الصور الدينية المعلقة على الجدران الداخلية  لمنازلهم , وكان الشعور السائد بأن تعلقهم بالأنتماء الأرمني هو المهم , وأما التزامهم المسيحي فشئ ثانوي لا يثير حماسهم , بالرغم من دخول المسيحية أرمينيا في مطلع القرن الرابع واعتناق ملكها الدين الجديد الذي اصبح الدين الرسمي لأول دولة مسيحية في العالم  تحديداً عام 301 ... ولا شك بأن الإلهام الإيماني قد انحسر أمام التمسك القومي نتيجة الإضطهاد التركي سئ الصيت .
وفي مرحلة مبكرة من دراستي الجامعية طلب مني أحد معارفي من هواة الصحافة أن ارافقه إلى نادي هومنتمن الرياضي لإجراء تحقيق صحفي عن نشاطاته بغية نشره في الصحيفة التي يعمل لها ... خرج إلينا مدير النادي بنظراته المريبة صوبنا . إطمأن إلينا بعد معرفته هويتنا .. أخذنا في جولة داخل النادي .  لفت نظري وجود قاعة محاضرات متميزة , راودتني الفكرة آنذاك بأنها تستخدم ليس للإرشاد الرياضي وحسب , وإنما أيضاًً للتثقيف القومي ولنشر الوعي الفكري الملتزم  بين رواده ومنتسبيه من الجنسين ولكافة الأعمار , والذين يشكلون الغالبية العظمى من الأرمن , إضافة إلى غرس روح العداء الشرعي  تجاه من قضى على المليون والنصف من بني جلدتهم ...   كل ذلك كي الجريمة الكبرى لا تنسى , وكي تنقل ماساتهم من جيل إلى آخر .. تأكد لي صحة حدسي عند حضوري مباراة كرة القدم بين المنتخبين العسكريين التركي واليوناني المقامة على ملعب الشعب في بغداد ... شاهدت بأم عيني كيف استطاعت مجاميع من شباب الأرمن المتغلغلة بين الجمهور من حشده وإثارة حماسه لتشجيع الفريق اليوناني بشدة مقابل استنكار الخشونة المتعمدة التي أبداها الفريق التركي خلال سير اللعب والتي أفقدت اللعبة حلاوتها , وأدت إلى إرسال عدد من لاعبي اليونان  إلى المستشفى  للمعالجة ,  ثم عودة بعضهم لإكمال المباراة ملفوفاً بضماداته ... لم يتمالك بعدئذ مدير الوفد التركي ضبط أعصابه , فأدخل الدين على الرياضة في تصريحه الغريب بأنه كان يتوقع من دولة إسلامية أن يقف شعبها مع فريقه المسلم .  وفاته بأن الجمهور الرياضي العراقي مع اللعب الجميل والنظيف , وقد ينقلب حتى على فرقه خلاف ذلك ... وهكذا جنت على نفسها براقش ... ولم يكسب المنتخب اليوناني المباراة نتيجة فقط  , بل كسب أيضاً مودة وتعاطف المشاهدين والمتابعين ... وبذلك سقطت الغطرسة التركية , وحقق  الإصرار القومي قفزة  معنوية ملموسة , وتعرّف الضيف الإغريقي على شعب يمتلك روحاً رياضبة عالية ويتحلى بأخلاق تعكس حضارته التاريخية ... وللأسف كان ذلك أيام زمان ..
مرت الأيام .. حلّ عيد الفصح المجيد , قادتني قدماي مع صديق لي من أهل تلعفر يدرس في معهد الصحة العالي لنصل سينما روكسي وريكس . عقدت الدهشة لساني وأنا أنظر إلى جمع غفير من صغار وشباب الأرمن المحتفلين بالعيد يمسكون بصديقي ويشدون على يديه بحرارة مستفسرين منه عن أحواله ويلحون عليه كي يرافقهم إلى بيت أعمامه . أسمعه يردد بعدين ... بعدين .. وينظر إلي بإحراج . فهمت منه بعد أن غادرنا السينما بأنهم أولاد أعمامه وعماته , وأن والده أرمني الأصل اضطر إلى الإستقرار في تلعفر وتحوله إلى الإسلام عند زواجه من أم صديقي المسلمة  ’ بعكس أعمامه وعماته حيث  حالفهم الحظ فوصلوا المدن المختلطة محتفظين بإيمانهم .... كم حالة مشابهة لهذه تنتشر في الشتات  فرضتها سيوف الغدر ويذوق عذابها من لم يحصده الذبح ومن لم تأكله أسماك البحر ؟
شاءت الصدف أن يعمل معي خلال السنوات الأولى من تخرجي , وفي إحدى قصبات كردستان , زميل معروف  في الكلية كقيادي في حزب الطاشناق الأرمني , ولا تربطني به صداقة معينة . توطدت علاقتنا في الغربة , فبدأت أسئلتي الجريئة , والحق يقال , لم يبخل عليّ بإجابات وافية . حدثني عن حلمهم بأرمينيا الكبرى التي يخضع آنذاك معظمها للإتحاد السوفيتي , وجزء تحت السيطرة التركية , وآخر ضمن الدولة الإيرانية . أكد لي صحة ما ذهبت إليه عند تجوالي في نادي هومنتمن الرياضي . شرح لي سرّ تعاونهم مع التنظيمات القومية وموقفهم الذي يتعارض مع الفكر الشيوعي وأحزابه . أوضح لي شمولية التنظيم والروابط المتينة بين فروع حزب الطاشناق المنتشرة في كافة أنحاء العالم وتعمل لتحقيق هدف واحد . كما أن من واجبهم الإحتفاء بالأرمن الوافدين إلى العراق مهما كانت مهماتهم كالفنانين والرياضيين , وما شاكل . كل ذلك يصب في وحدة المصير المشترك والتماسك القومي بينهم  أينما وجدوا في أرض المعمورة . وبالفعل ذكر لي ما قاموا به تجاه الممثلة المصرية نيللي وشقيقتها , والمطربة اللبنانبة الأرمنية والتي أعتقد إسمها جاكلين عند زيارتهن بغداد , ونماذج أخرى للأسف لا أتذكرها بدقة . ولم يغفل إصرارهم على نيل حقوقهم التي سلبها الأتراك منهم بقسوة والتي لن يغفروا لهم فعلتهم الشنيعة معهم , وأن تعي الأجيال تلك الحقيقة وتعمل لها على مدار الزمن .... مشاعر قلما يوجد مثيلها , ومهمات يعمل لها بجد من لا يبغي غير عودة وطنه الكبير وخير شعبه الكسير الذي ذاق ما ذاق من تعسف حاكم شرير .
سقط المارد الجبار وتحقق بعض الهدف . ولدت أرمينيا المستقلة , ولكنها ليست الكبرى . لا تزال مساحاتها الأخرى موزعة بين جورجبا وأذربيجان وتركيا وإيران . حصل ما تصورته ورددته مراراً  لزميلي أنه من رابع المستحيلات , ويظهر أن المستحيلات وردت فقط على لسان الفيلسوف الهندي بيدبا  في كتابه كليلة ودمنة  , ولا وجود لها على أرض الواقع ... أليوم أرمينيا الصغرى وغداً الكبرى ما دامت الروح القومية الأصيلة والصادقة  تطرق الأبواب بقوة بقبضة لا تبتغي  غير الإستغاثة لعودة الحق المسلوب لأهله ... وعلى الجانب الآخر تتعالى صيحات الضحايا وتتسع رقعة صداها كي ينزل الكبرياء التركي عن بغلته  ويعترف بالمذابح التي التي اقترفها أسلافه قبل قرن من الزمان , وتشير الدلائل بأن ذلك حتماً سيرى النور عاجلاً أم آجلاً ... بالأمس القريب وقف العالم إجلالاً لمن عاد بدولته الضائعة قبل  آلاف السنين ’ وغداً سيقف العالم ثانية إجلالاً لمن أضاع دولته قبل مئات السنين . وكما قال الرب : لا يفل الحديد إلا الحديد .
أقف الآن على مفترق الطرق , وأرى الشعب المسيحي يبحث عن ذاته , وينشد له هوية , وكل من مكوناته ينسب له قومية . ولكن هنالك فئة ترفض التعددية  وتدعي الأوحدية وتروج عن نفسها أنها الأصلية وتعمل بلا كلل على أمل إحتواء البقية . كل ذلك كي تؤمن الأكثربة العددية , وتنفرد بالحكم لدولة ما تزال وهمية , إستناداً إلى حجج تقول عنها تاريخية , وما عليّ إلا قبولها بكل ممنونية , وإلا أصنف في خانة الإنفصالية , وللأجنبي أتهم بالتبعية , ولا بد من الإعتراف بأنها أفلحت نوعاً ما  بضم  عدد من أبناء الرعية , ورغم كونه أقلية ,  إلا أن ذلك  لا يخلو من أصداء معنوية ...  وإيغالاً في تعزيز سمة الإحتواء  , تفتق عقل البعض وعقدوا قراناً صورياً بين القوميات المتواجدة بغية توحيدها ’ فبزغت عن ذلك ولادات لقوميات هجينة برزت على سطح العجائب غرائب والمطلوب قبولها وربما الرضوخ إليها ... وما دامت الذمم تشترى وتباع فلا غرابة أن تتصدر القوميات المهجنة الساحة السياسية مدعومة ممن يعمل لمجد ذاته أو لخدمة أجندات أسياده , وممن يرعبه التمسك بما جبل عليه الفرد المسيحي منذ عدة قرون , ويرقد أجداده معه بقبورهم آمنين ... إذن تفتق العقل , وكما يقول المثل : بدل أن يكحلها عماها , أو فوك درد الله ضربني اميجنه ...
حينما أتساءل : لماذا عليّ التنازل عن كنيتي وهويتي ؟ عن أمتي وقوميتي ؟ .. يأتي الجواب مغلفاً بالعسل .. نحن شعب واحد .. لغة  , تراث , تاريخ , عادات , تقاليد .... والمزايا تطول ... والأهم من دين واحد . طيب ... لتوانبا وأستونيا ولاتفيا ليسوا من دين واحد فحسب , وإنما من مذهب واحد . جيكيا وسلوفاكيا من دين واحد . صربيا وكرواتيا من دين واحد . سوريا ومصر من دين واحد . إسكتلندا تعمل للإنفصال عن إنكلترا وهما من مذهب واحد .. حجتكم أعزائي غير مقنعة .. إبحثوا عن لعبة أخرى . ألمانيا توحدت .. فيتنام توحدت .. كوريا تتوحد .. ألصين تتوحد .. لماذا ؟ لأنهم حقاً  شعب واحد , فعلاً وليس ادعاءً . فهل حقيقة نحن شعب واحد ؟ .. ألقوميات المهجنة فرقت أكثر مما وحدت .. قالت ولم تفعل .. سكتت عندما وجب الكلام .... سأقف لها إجلالاً , وأرفع لها قبعتي إكراماً , وأحني لها رأسي احتراماً , إذا استطاعت أن تجني عُشرَ ما جنته  القومية الأرمنية لشعبها  لحد الآن  أو ما ستجنيه لاحقا , وعندها تثبت لي أصالتها .. وإلا سأعود إلى كتاب كليلة ودمنة وأردد : أن ذلك من رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي ... والأفضل لها ترك الساحة طوعاً قبل أن يحصل لها ذلك قسراً ...     
 
 
 

108
إحياء الأعياد الغابرة بدعة سياسية أم مشاعر صادقة / عيد أكيتو نموذجاً

د . صباح قيّا
رن جرس الهاتف وأنا في مكتبي في مستشفى الناصرية صباح  يوم من  أيام النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي . كان محدثي على الخط زميلاً وصديقاً لي يشغل منصب مدير مركز التأهيل الطبي في بغداد . أخبرني أن الكادر التدريبي الدانماركي في مركزه بطريقه لزيارة الزقورة والمناطق الأثرية الأخرى , وهل بالإمكان تكليف أحد العاملين معي  بمرافقتهم حال وصولهم ولحين مغادرتهم  . كان له ما اراد .... إلتقيت مساءً مع من رافقهم والذي بدأ ينقل لي ساخراً مشاهداته وملاحظاته عنهم , وعن اهتمامهم  العجيب بما منقوش على الصخر وما منثور هنا وهنالك من أحجار وأكوام ترابية , ودهشته من جديتهم في النقاش فيما بينهم ومقارنة ما يرونه مع ما مدون في الكتب التي بحوزتهم ... وختم استهزاءه بجملة : دكتور هذوله بطرانين ... نعم يصر على كونهم "  بطرانين " , حيث لم يسبق لأحد منا , نحن الغرباء عن المدينة , حتى بمجرد التفكير بالقيام بمثل هذه الزيارة والإطلاع على المكنونات الثمينة لحضارة وادي الرافدين والتي يتمتع بها الغريب ولا يابه لها القريب ..... ألحقيقة لا بد وأن تذكر : ألشخصية العراقية بطبيعتها غير ميّالة لتفقد الآثار القديمة , ولن يثيرها بجد ما موجود في قاعات المتاحف سواءً الوطنية منها  أوالعالمية . ألسؤال الآن : من الذي اصطحب عائلته أو دخل بنفسه أو مع أصدقائه متحفاً ما في بغداد ؟ .. فمن دار في أروقته لم يكن غالباً بخياره  , وإنما مع الرحلة المدرسية أو بمهمة رسمية أو شبه رسمية ... أقولها بصراحة , حتى زيارتي مع زملائي أو عائلتي المتحف البريطاني في لندن او متحف اللوفر في باريس لم يكن جدياً بل هامشياً ولمجرد التباهي بذلك  " أي حشر مع الناس عيد " , وكنا نمر على ما معروض مرّ الكرام كما يقال ’ ونقف قليلاً أمام مسلة حمورابي والثور المجنح وقوفاً تفتقد عظمتهما التاريخية ما تستحقه من مشاعر صادقة  وتقدير عميق ... وكذلك الحال خلال حضوري المؤتمرات الطبية خارج الوطن عندما تكون زيارة المتاحف ضمن منهاجها الإجتماعي ... هذه هي التربية والثقافة التي جبل عليها الإنسان العراقي والتي لا يمكن إنكارها بل لا بد من الإقرار بها وإيجاد السبل الكفيلة بغرس وتنمية غريزة تذوق الأطلال وإبداعات الأجداد منذ الصغر
 ...
 وعلى النقيض من ذلك
, يتميز الفرد العراقي بغض النظر عن دينه أو مذهبه بتمسكه الفطري ورغبته الجامحة بزيارة المراقد الدينية , ودور العبادة القديمة والمهجورة , ومثوى الرموز والشخصيات التي نذرت نفسها لخدمة المعتقد  ,  وهذا ما يظهر بوضوح في تسابق أبناء شعبنا المسيحي  للسفر إلى الأراضي المقدسة وإلى كافة الأماكن , أينما وجدت في أرجاء المعمورة , والتي تزخر بذكرى قديس , أو تنفرد بحدوث أعجوبة , أو تتميز ببناء يعانق فيه الفن المعماري أوالتشكيلي الإيمان بعظمة الخالق ورحمته ... يتبادر الآن السؤال : لم هذا التناقض ؟ وهل إزدواجية السلوك العراقي تنعكس حتى على ما يستهويه من الماضي وما لا يستهويه ؟ ألجواب بكل بساطة : إنه تأثير الدين الجديد الذي نقله من عابد للأوثان إلى مؤمن بخالق السماء والارض وكل ما يرى وما لا يرى , وبذلك تنتفي الحاجة للتعلق بما مضى , ويبدأ العمل لنشر كلمة الرب . هذا الذي حصل ,  وعلى دربه سقط الأخيار وسقت دماؤهم الزكية تربة بين النهرين .... وما حصل بالأمس ما يزال اليوم .
كم من مرة يقال : ألتاريخ يعيد نفسه . فهل حقاً التاريخ يعيد نفسه ؟ أم ان هنالك من يعمل وقد يستميت لعودته كما يحلو له  ؟ ... عاتبني احد الأصدقاء : لماذا لم أهنئ بعيد " أكيتو " والذي يعتبر " عيد السنة البابلية " من وجهة نظره . أعترف بجهلي بهذا العيد الذي لم يسبق لي سماعه  إلا بعد ان اصبحت أحد رواد مواقع شعبنا وبالتحديد خلال السنوات الثلاث الأخيرة . أثارت المعاتبة فضولي فرحت أبحث بين الشبكات العنكبوتية عن هذا العيد الجديد الذي حلّ عليّ من حيث أدري ولا أدري . تأكد لي حقاً بأنه من أصلٍ بابلي ’ ورغم ذلك احتفل به الآشوريون والفرس أيضاً ... أختفى هذا العيد مع المظاهر الوثنية الأخرى بعد أعتناق الأقوام الرافدينية المسيحية كما أسلفت أعلاه ’ ليظهر مجدداً مدعوماً بالتنظيمات السياسية المرحلية , وترفرف عليه رايات دولة منقرضة , وتتنافس لكسب وده قيادات همّها " ألأنا " .... ألملفت للنظر أن الإحتفال به يطغي عليه الطابع الآشوري رغم اصله البابلي حتى في قرانا ومدننا الكلدانبة , وذلك بسبب النشاط السياسي الأشوري المتنفذ في تلك المناطق على حساب الإنحسار الكلداني الناتج عن شرذمتهم رغم تفوقهم عددياً بأضعاف ... وهذا ما جعل المسؤولين في الدول يشيرون له عند الإحتفال بذكراه وكأنه عيد آشوري رغم كونه خلاف ذلك ... صحيح أن ألآشوريين كالفرس إحتفلو به أيام زمان , ولكنه مقتبس من حضارة سومر وبابل ...من البديهي أن موقف الدول ينبثق مما موجود على الساحة , ويجب الإعتراف بأن الساحة السياسية العراقية يشغلها الآشوريون رغم قلة عددهم , وإن الرايات الآشورية هي السائدة  في الأجواء في الأول من نيسان وعليه يشار لهم بالتهنئة . أما الساحة الدينية فيطغي عليها الثقل الكلداني , فلذلك دعي غبطة البطريريك لويس ساكو ليمثل مسيحيي العراق في مجلس الأمن ولم توجه الدعوة لسواه  ... هذه الحقائق يجب أن يعيها المهتمون بالجانب القومي من الكلدان ويتعاملون معها بهدوء ....
يبرز الآن تساؤلي : هل الإحتفال بذكرى " عيد أكيتو " بدعة اخترعها ويروج لها ساسة هذا العصر  ؟ أم أنه حقاً مشاعر نابعة ممن يرقص له ً بصدق وليس للدعاية والإعلان ؟ ... أعود بذاكرتي إلى الناصرية التي عملت فيها حوالي أربع سنوات ... إعتاد أهلها أن يخرجوا في ربيع كل عام إلى الحدائق والساحات والمتنزهات مرتدين ملابس براقة , وتبدو عليهم مباهج الفرح والسرور , منهم من يرقص , وأخر يغني , وثالثة تأكل , ورابعة تستمع بمظاهر المرح ... ظن زملائي أن الأهالي  يحتفلون مع الفرس  , ولكنهم استبعدوا الفكرة بعد أن تيقنوا بأن ما من أحد في الناصرية يتجرأ بمجاملة  الفرس والحرب مع العراق على أشدها . وأيضاً لم يكن الإحتفال مناسبة شيعية ’ وإلا احتفلت المحافظات الأخرى ذات الغالبية الشيعية به في نفس الوقت . إستفسرت من بعض مرضاي عن المناسبة ... أخبروني أنها دورة السنة وقد تعودوا الإحتفال بها منذ القدم , وبصراحة لم يحدد لي  أي واحد منهم مصدرها ... أستطيع حالياً ان أربط ما رأيته في أرض "  اور الكلدان " بما يحصل الآن ... " اور الكلدان "  تحتفل بعيد "  أكيتو " بكل جوانحها من غير أن تعلم عنه ... نعم في الناصرية فندق من الدرجة الأولى باسم فندق " شبعاد " , وفيها محلات تحمل إسم " اريدو " و " أكد " . كلها أسماء سومرية ... في الناصرية اليوم من يجاهر بفخر أنه كلداني  , ومن يحيي معارفه بكتابة " تحية سومرية " . لو قدّر للمسيحية أن تكون هنالك لأعلنت استقلالها كدولة مسيحية كلدانية ... في الناصرية احتفال عفوي بعيد " أكيتو " بمشاعر قلبية عميقة وصادقة , سيستمر وسيتمدد  . حقاً يستحق أن يسمىّ " عيد حضارات وادي الرافدين " . فهل من يزايد عليه اليوم يحمل هذه المشاعر أم نتاج  بدعة سياسية مرحلية ؟ .

       
   

109
غبطة البطريرك: جهودك مشكورة , ولكن .... ؟
د. صباح قيّا
في حوار مع أحد الآباء اللاتين الذي كان مرشداً لأخوية الشباب الجامعي المسيحي في كنيسة العذراء فاطمة في بغداد , وكمحاولة منه للتخفيف عن معاناة البعض من وقع الهزيمة المخجلة لأمة "  يعرب " خلال حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967 على يد من توهمت أن بإمكانها إلقاء ما تطلق عليه بالدولة  " اللقيطة "  في البحر حال ما تدق ساعة الصفر , والتي أثبتت الأحداث أن تلك الأمة كلماتها لا  تعد ولا تحصى , ولكن ما تحققه على أرض الواقع لا يتعدى الصفر .... ما قاله الأب الجليل : إن اليهود مشكلة للغرب أكثر من كونهم مشكلة للعرب , ولم يجد الغرب سبيلاً لحل المشكلة إلا بتهجيرهم إلى حيث يشاؤون , علماً أنه كانت هنالك محاولات لجمعهم في " كيوبيك " وربما في أماكن منتخبة أخرى ’ رفضها القادة اليهود جميعاً وأصروا على فلسطين , وهذا ما حصل ... لا أشك في ما قاله الأب إطلاقاً .. لم يتشفع لليهود إلا بعد أن  قيل عن نكبتهم على يد النازية الألمانية ... لقد كان اليهودي يمثل الشخصية المنبوذة في كافة قصص وروايات وروائع الأدب العالمي , ولم يكن مسموحاً له بالإنتماء إلى النوادي الإجتماعية في معظم الدول الأوربية , وفي بعضها لا يسمح له حتى  الوقوف  في طابور مع المنتظرين الآخرين .. وباختصار لم يكن مرغوباً به إطلاقاً بل مرفوضاً بإصرار .. ما كان زماناً قد أصبح اليوم في خبر كان .. وتم إسدال الستار تقريباً بعد تبرئتهم من دم المسيح .. وانتهى كل شئ بالعمل بما جاء بوثيقة حقوق الإنسان .
وجد الغرب نفسه بعد الحرب الكونية الثانية أمام معضلة جديدة تتمثل بالنظام الأممي لدولة تتطور بسرعة متميزة , وتسير على نفس النهج دول أخرى , وتدعو له احزاب أوربية واسعة الإنتشار , وتقاتل من أجله حركات مسلحة في أمريكا اللاتينية خصوصاً وربما أفريقيا , وتعمل لتحقيقه تنظيمات سياسية ممتدة في كافة أرجاء المعمورة . وعلى حين غرة , سقط المارد وتهاوى كل جبروته بفعل سياسة ما أطلق عليها مهندسها " ألبيروسترويكا والغلاسنوست " والتي تعني إعادة الهيكلة أو ألتشكيل , والإنفتاح أو الإصلاح . وتتابعت دول ذلك النظام بالسقوط السريع الواحدة بعد الأخرى . وبعد ان توحدت إثنتان ,  تمزقت أخريات إلى دويلات . تداعى الفكر عند التطبيق ,  وتلاشى قادته , وخاب ظن من حمله وقدم بسببه التضحيات الجسام  وبالأخص في دول العالم الثالث ومنهم بلدي الحبيب .     
ليس بالغريب أن تملأ الحركات الدينية الفراغ الناتج عن سقوط الأنظمة الإشتراكية الأممية في العالم  , وأفول  المشاعر القومية في الوطن العربي نتيجة الهزائم والنكسات المتلاحقة وخيبة الأمل باحزابه وتنظيماته السياسية المتواجدة على الساحة , وانحسار الحكم العلماني أو الشبه العلماني بسبب أو آخر والذي يتحمل الغرب  وزره  الأكبر سواء كان قصوراً منه في تقدير الموقف أو كجزء من مخططه المستقبلي للمنطقة . ومما زاد في تأجيجج العامل الديني استلام الملالي دفة الحكم في إيران من جهة واندلاع الحرب العراقية الإيرانية , وانتخاب البابا يوحنا بولس الثاني من جهة أخرى  ومساهمته المؤثرة في دحرجة الحكومات الشيوعية في بولندا وبقية أوربا الشرقية . ثم جاءت الريح الصفراء  من باكستان ليبدأ عصر التخلف والتطرف من قبل مجموعة مغمورة باسم طالبان بحجة القضاء على الحكم الشيوعي في أفغانستان ,وكان لها ما كان .
يواجه الغرب اليوم واقعا خطيراً . استطاع التطرف الديني مباغتته  في عقر داره عند مهاجمته مركز التجارة الدولي في نيويورك , ثم مأساة أنفاق لندن , وحوادث متفرقة هنا وهنالك . ويعلم الغرب جيداً بأن المسلسل الإرهابي  لن ينتهي  ما دامت هنالك خلايا نائمة بين جوانحه ,  ونفوس متعاطفة  رغم ترعرعها تحت خيمته ... إستطاع التخلص من مشكلة اليهود بتشكيل دولتهم , ومن الأممية بإسقاط دولتها العظمى ودويلاتها .. كيف الخلاص من السرطان الجديد ؟ .... أفضل السبل أن ينقل المعركة خارج ارضه ,  ويدفع بالمتطرفين بعيداً عنه . وهذا لن يتم إلا بتشكيل كيان يلجأون إليه ويدافعون عنه ... وتم ذلك بالفعل باعلان " دولة الخلافة " وتدفق الإسلاميين نحوها بحماس ... لا أبالغ لو ذكرت أن الغرب لا تهمه سوى مصالحه , ومصالحه فوق كل اعتبار . لن يبالي بمن سيموت من المسيحيين خصوصاً والملل الأخرى عموماً ما دام ذلك لن يطال كيانه ... لن يدافع عن المسيحيين بسبب مسيحيتهم ’ وإلا دافع عنهم مع اليونان أمام تركيا , ومع الصرب أمام البوسنة ... يدّعي الحق ولكنه يغتال الحق عند الضرورة .
ألغرب بحاجة لمسيحيي الشرق بهدف الموازنة . لقد اصبح الدين الإسلامي حقيقة ملموسة في العالم الغربي لا يمكن تجاهلها , وأنه في ازدياد ملحوظ .... ألغرب يعي جيداً صعوبة اندماج معظم المسلمين مع مجتمعهم الجديد , بل بالأحرى ينفر منه الكثير لدرجة العداء والحقد . والغرب يعلم أن الخطورة تكمن في الجيل الحالي وربما الأجيال اللاحقة . وقد يسأل الغرب نفسه : لماذا أودعهم السجون وأطعمهم مجاناً ليناموا هنيئاً  ؟ . إذن لأهيئ لهم الطريق للسفر حيث البكاء وصرير الأسنان . وهذا الذي يحصل بالفعل .
كيف أصدق بأن الذي هزم جيش المليون شر هزيمة ببضع أسابيع لن يستطع دحر بضعة آلاف لملوم من هنا وهناك ... نعم يتمكن من ذلك متى شاء , ولكن ليس الآن ولا في القريب العاجل , وإنما بعد ان يتيقن بأن الفكر المتطرف غادره إلى غير رجعة , وأن من يظل بينه فقط الذي  يتقبل التعايش معه و ويرضى بثقافته وقيمه ,  ولن يتعكر مزاجه حتى  للرسوم الكاريكاتيرية المسيئة وغيرالمسيئة .
ما العمل , ونحن إلى أين ؟ الجواب ببساطة : ألعمل من واقع الحال . ماساة شعبنا ستطول وربما لن تزول . لا أعتقد بأن المهجرين بامكانهم العودة لديارهم آمنين . أما مسألة منطقة آمنة ’ فلن يعمل لها الغرب إلا إذا ساهمت بخدمة مصالحه . يحضرني جواب أحد الساسة العرب عند سؤاله عن مصير إسرائيل , قوله أن الغرب نفسه سينهي دويلة إسرائيل متى ما شعر بأن مصلحته مع العرب وليس معها ... فهل هنالك مصلحة إقليمية للغرب لكي يدعم ويساهم في خلق المنطقة الآمنة لشعبنا المشتت  ؟ ؟
غبطة البطريرك الكلي الطوبى .. جهودك مشكورة ونِعمَ ما قلت .,, ولكن الغرب لن يقدم خطوة بلا أجر , ولن يمشي بدرب لن يجني منه الثمر . هاجسه الآني الفكر المتطرف , ولحين تحديده أو القضاء عليه سيظل شعبك في معاناته يدفع الثمن , ولن يخفف  عذابه ويتوقف نزيف جرحه حتى يصل باكستان ، وقد بانت بالأمس مؤشراته .   

   

 

110
ألرابطة الكلدانية فكرة رائدة

د. صباح قيّا
سالني ضابط الحدود خلال عبوري من كندا إلى أمريكا عند معبر ديترويت – مشيكن : هل أنت كلداني Are you Chaldean ?
 ثم ابتسم بارتياح بعد إجابتي له بنعم ... وفي إحدى المؤسسات الرسمية الأمريكية , كنت مع ولدي في مقابلة مهنية , جاء موظف من الغرفة المجاورة بعد استماعه للحوار الدائر بين الموظف وإبني ليبادرنا بنفس السؤال ، ثم قدم لنا نفسه مصافحاً أنه أيضاً كلداني أمريكي الولادة  من أب تلكيفي وأم بطناوية ’ ويتكلم الكلدانية بالبيت .... وخلال عملي في المملكة المتحدة وبالتحديد في شهر كانون الأول من عام 2004 , أراد أحد الزملاء من الأصول الأيرلندية أن يتعرف على الكلدان , فزودته ببعض الروابط ليطّلع عليها . أبدى إعجابه الشديد بتاريخهم وإيمانهم عند لقائي معه بعد عدة أيام , وشدد على ضرورة المحافظة على لغة المسيح , ولا غرابة في ذلك كونه كاثوليكي ملتزم .... وفي المركز الطبي الذي أعمل فيه حالياً ، يعلم الجميع بأني كلداني وخاصة الزملاء العرب ... ألكل ينظر إلى الكلدان كشعب متميّز ولن يهمّه سواء كان من سلالة نبوخذ نصر , أو من صنع فاتيكاني ... حقيقة وجودهم اليوم ظاهرة أمامهم كالسراج الموضوع على قمة جبل . أما اصل ألأقوام والأجناس فتصلح للدراسات الأكاديمية , ولن تخضع لواقع الحال , والمهم احترام البعض للبعض الآخر بما هو عليه وله حاضراً وترك الأجداد لترقد في لحدها  بسلام .   

 إذن ماذا يعني السؤال هل أنت كلداني ؟ .. لماذا لا يصاغ السؤال هل انت مسيحي ؟ كاثوليكي ؟ بروتستانتي ؟ وما شاكل من المذاهب والأديان ؟ .. ألجواب ببساطة : لأن مثل هذا السؤال قد تترتب عليه تبعات قانونية في المجتمعات المتحضرة , أما الأول فوضعه لا يختلف عن هل أنت إيطالي ؟ بولوني ؟ عربي ؟ .... الخ .. فالكلدان كيان فائم بحد ذاته حتى بدون وطن محدد يجمعهم .. لهم لغتهم , نواديهم , جمعياتهم المتعددة , مراكزهم المتنوعة , أماكن عبادتهم , مثوى قبورهم , مؤسساتهم , تراثهم , تاريخهم , وكل ما يمتّ لأي شعب مستقل بصلة ... كل هذي وتلك تتكلم عن كلدانيتي , فهل أخشى عليها ؟ وممن ؟ .. وكما أكد البطريرك الكلي الطوبى لويس ساكو في لقائه مع مجاميع من الشعب الكلداني في مشيكن , بأنه كلداني ولا يحتاج ان يرفع لافتة مكتوباً عليها " انا كلداني " لترافقه أينما حل ّ ... نعم أنا " صباح " فهل أكتب إسمي على ربطة أرتديها ؟ ... إلا إذا خفت على نفسي من الضياع , ولن تضيع إلا إذا فقدت صوابي  ... لقد ولّى الزمان ,  وإلى غير رجعة ,  الذي تتمكن فيه الشعوب والأديان والمذاهب والقبائل من إبادة أو التهام بعضها الآخر . فإذا استطاعت بعض الأسماك المتنفذة مرحلياً من ابتلاع بعض الأسماك الكلدانية بطريقة أو بأخرى ,  فمن العسير بل المستحيل عليها أن تبتلع الأغلبية الساحقة المتمسكة بجادة الصواب وباعتزاز . وقد يأتي الوقت الذي تتمنى فيه تلك الأسماك الضحية أن تخرج من جوف صائديها .

والآن مع الرابطة الكلدانية التي برزت كفكرة رائدة من قبل قمة هرم الكنيسة الكلدانية , والتي في طريقها لترى النور في القريب المنظور . مهما قيل عنها وسيقال , فهي من وجهة نظري الشخصية ضرورة مهمة في ظرف عصيب . لا أعتقد بأن أي حزب أو تنظيم كلداني يستطيع أن يجمع  كافة الكلدان تحت خيمته , فالأحزاب والتنظيمات بصورة عامة تخدم أجندات معينة تصب على الأغلب في مصالح قادتها . ألكثير منا يعلم عن الأحزاب التي تشكلت في  الغرب بعد الحرب العالمية الثانية بمسميات مسيحية ولكنها لم تقدم أية خدمة ذات فائدة للمسيحية كدين بل ربما أضرتها ...
هنالك من يعترض على تنصيب البطريرك رئيسها الأعلى .. طيّب .... إذكر لي إسما يقتنع به كافة الكلدان وأنا الممنون ؟ .. ولأستر المكشوف ولن أعيد ما هو معروف ومعلوم عن فشل الكلدان النزول بقائمة واحدة في انتخابات حتى ولو نتيجتها مقررة سلفاً , ولكن على الأقل تعكس موقفاً موحداً لهم .  في البدء ولضمان نجاح الرابطة ,  من الأفضل , بل من الضروري أن يترأسها البطريرك ألذي لن يتحفظ عليه إلا عدد محدود جداً ولمقاصد معينة . من يحرص على الكلدان عليه دعم كل ما يحمل إسم الكلدان ويعمل   لتحقبق أهداف شمولية كالرابطة , ويصبر لحين تتكلم الأعمال , ومن ثم لكل حادث حديث . من السذاجة الحكم على وليد لم يولد بعد ... أما التفاصيل الباقية فقد وضعت من قبل بني البشر , وما وضعه الإنسان حين شاء يغيره الإنسان متى شاء .
من دون شك , أن العمل الجماعي لن يتكلل بالنجاح إلا إذا أسقط أفراده غريزة " ألأنا " من قاموسهم .. وهذه لن تكون مهمة سهلة على الإطلاق , وهنا يبرز الدور الإداري  والقبادي للمسؤولين في الرابطة لتهميش تلك الغريزة المدمرة قدر الإمكان ... ونقطة مهمة أخرى هو عدم الإنقياد لمن يتقن لغة الإطراء , بل لمن يتصف بنقاوة وجودة الأداء . وأضيف أن هنالك من الحكام الناجحين من يمنح مناصب مرموقة لمعارضيه ليضعهم على المحك في ما به ينتقدوه , فالأمل في الرابطة أن لا تحابي من جهة وتجافي من جهة أخرى , فليس كل ناقد حاقد , ولا كل مادح زاهد .

111
حقيقة المعجزات الطبية في التطويبات الكنسية – ألجزء الخامس والأخير
د. صباح قيّا
ينفرد لبنان من بين العالم العربي بانتساب أكثر من قديس لترابه , ويحق للسودان أن يفخر بقديسته , وقد عانى كلا البلدين من حروب أهلية أزهقت أرواح الآلاف من البشر , ويظل الوطن الجريح ممثلاً بكنيسته المشرقية العريقة وبأغلبيته الكاثوليكية وبقيادة بابل على الكلدان في العالم , مفتقراً لمن يحمل من بين أهله لقب القديس أو حتى المبارك , بالرغم من مواكب الشهداء التي سقت عموم أرض الرافدين بدمائها الزكية وترقد أجسادها في كل بقعة منها منذ نشأة المسيحية وعبر تاريخها الأليم وإلى يومنا هذا . وللأسف الشديد لم يصل ذراع التطويب الممتدة صوب القارة الأفريقية ونحو الشرق الأقصى  إلى بلاد ما بين النهرين بعد , لسبب بسيط من الممكن تجاوزه بسهولة عند توفر عامل الرغبة الجدية المجردة من غريزة الأنا وتبعاتها ( راجع الجزء الثاني ) .
يتوهم من يعتقد بأن حصول المعجزة اقتصر على طبقة معينة من المجتمع جلّها من الفقراء والبسطاء , باعتبار أن هذه الشريحة ,  بصورة عامة ,  أشد تعلقاً بالإيمان من الشرائح الميسورة .... ملفات التطويب تشير إلى أن الحالة الإجتماعية  لمن حصلت له المعجزة متباينة وغير متجانسة .. هنالك الملوك والأمراء,  وبينهم النبلاء وأفراد الطبقة الوسطى وحتى عوائل الأطباء  , دلالة على أهمية عامل الإيمان , فالمعجزة تحدث لمن يتضرع بعمق إيمانه , لا بثقل جيبه .
وصلت معجزات الشفاء من الأمراض الجسمانية والعاهات الجسدية إلى 96 % في القرن العشرين بعد أن كانت 92 % في القرن السادس عشر ... لوحظ ازدياد حالات التدرن في القرن العشرين نتيجة تقدم الوسائل التشخيصية للمرض من جهة , وكونه ً كان يصنف ضمن إصابات الحمّى سابقاً من جهة أخرى .... لم تسجل أية حالة للقيامة من الموت في ذلك القرن , وقد يكون ناجماً عن إدخال ضوابط صارمة ودقيقة وشاملة في تشخيص الموت وتفريقه عن السبات العميق الذي شوهد لاحقاً بأعداد غير قليلة .  كما بلغت نسبة الأطباء ممن شهد على المعجزات في نفس القرن إلى أكثر من 74% .
تنوعت أشكال ومصادر التضرع والإبتهال . هنالك من التجأ إلى القبر , أو إلى المذخرات  , أو إلى صورة من توسل إليه كي يتشفع له ( ألقديس بعدئذ ) عند الله  , وهنالك من تشبث بصلاة الوردية أو التساعية . سأستعرض الآن أسماء عدد من القديسين مع إيجاز للمعجزات الطبية التي نسبت اليهم والتي تم تطويبهم بموجبها :


 
Marie Marguerite d'Youville/Canada
                                                             
ألولادة :  15 تشرين الأول 1701   ألوفاة : 23 كانون الأول 1771   ألتطويب : 9 كانون الأول 1990   أول قديسة كندية ...
في نهاية عام 1980 ,  تم تكليف الدكتورة جاكلين دافّن الإختصاصية بأمراض الدم والأستاذة في تاريخ الطب في إحدى الجامعات الكندية , من قبل مجموعة غير معروفة بمراجعة شرائح لنخاع العظم لمريض مصاب بسرطان الدم في دور الصحوة من الإنتكاسة الثانية . إعتقدت أن الموضوع يخص مقايضة طبيب قانونياً , وأن المريض قد فارق الحياة كون الشرائح مضى عليها ما يقارب العشر سنوات . إكتشفت لاحقاً بأنها تعود لمريضة ما تزال على قيد الحياة , وأن تقريرها وصل الفاتيكان وسيعتمد عليه لغرض التطويب ,...  لم تكن تعلم أن ذلك من أجل إثبات حصول معجزة طبية . حضرت مراسيم التطويب مع زوجها اليهودي , والتقت الطبيب المعالج إثناء ذلك ... ورغم كونها غير مؤمنة لم تستطع أمام الحقيقة إلا أن تقر بأنه " ليس لها تفسير لما حصل " ... ذلك ما دفعها للقيام بالدراسة المميزة والفريدة من نوعها والمنوه عنها في ( الجزء الثالث ) .
Saint Paul of the Cross (Paolo Francesco Danei) /Italy 

ألولادة : 3 كانون الثاني 1694    ألوفاة : 18 تشرين الأول 1775   ألتطويب : 9 كانون الأول 1844
 في عام 1844 تم تشخيص سرطان الثدي الأيسر من قبل جراح وطبيبين على شابة تبلغ 32 سنة من العمر . كان العلاج الجراحي هو القرار , رغم أن التخدير لم يكن معروفاً آنذاك . إرتاب المريضة ذعر شديد . أرشدها الكاهن إلى القديس . تضرعت بالصلاة لمدة عشرين يوماً وليلة بشهادة إمرأة تشاركها السكن . مرّت بعذاب أليم ليلة 20/21 ... وما أن إستيقظت صباحا إلا وشعرت باختفاء الورم ... تحدثت بعد سنوات عن تجربتها مؤيدة من قبل رفيقتها والأطباء الذين سبق وأشرفوا على علاجها . وقعت على ما قالت برسم علامة الصليب كونها أميّة .
Saint Madeleine Sophie Barat/ France 

ألولادة : 12 كانون الأول 1779  ألوفاة:  25 مايس 1865  ألتطويب: 24 مايس 1925 
في عام 1904 أصيب رجل بروتستانتي عمره 26 سنة بإصابة مؤلمة في الساق . إقتادته راهبة إلى قبر القديسة . لم يسمع بها أبداً ولم يتعود طلب شفاعة أحد . شفي تماماً وشهد على المعجزة عام 1906 .
Saint Didacus ( Diego ) of  Alcalá / Spain

ألولادة : سنة 1400  ألوفاة : 12 تشرين الثاني 1463  ألتطويب: سنة 1588
أول قديس بعد تأسيس مجمع قضايا القديسين عام 1588 . عشرات المعجزات مسجلة له , وكل معجزة تعرضت لتحقيق واسع .. تم استجواب ما لا يقل عن 80 شاهد بخصوص شفاء شابة من الشلل . كتبت 13 من إعاجيبه بتفصيل , واشتهرت ثلاث على الأقل لتعلقها  بالملوك ... سقط الملك هنري الرابع من حصانه إثناء الصيد .. أصيب بيده ,  وعجز الطب حينها عن إزالة ما سببته الإصابة من ألم شديد . طلب جسد القديس فجيء به .. تضرع إليه بالصلاة وقبله ثمّ وضع يده على اليد المصابة . إختفى الألم واستعادت اليد قوتها . ... عرف عن الأمير كارلوس إبن الملك الإسباني فيليب الثاني بشخصيته المتمردة ... عندما كان عمره 17 سنة .. وفي ليلة 19 نيسان 1562 , اثناء تلمس طريقه في الظلام بعد ليلة حمراء , سقط على رأسه من أعلى السلالم .. شوهد صباح اليوم التالي فاقدً الوعي مع شلل جزئي , أصيب بعدها بالعمى  مع حمى عالية , ولوحظ عليه تورم الرأس والوجه . وفي لحظة وعي مؤقت طلب تقديم إلتماس إلى القديس... وضع مدير الدير إحدى يدي الأمير على صدر القديس ,فغط بعدها في نوم هادئ . إستفاق بعد أن حلم بأن القديس أعلمه أنه لن يموت .. وفعلاً ظهر عليه الشفاء التام . ً
Saint Raymond of Peñafort (Ramon de Penyafort) / Spain

ألولادة : سنة 1175  ألوفاة : 6 كانونالثاني 1275  ألتطويب : سنة 1601
رفض الطبيب إعطاء علاجات إضافية لرضيع ,  تفصله عن الموت لحظات ,  بعد علاجه لمدة ثلاث اسابيع بسبب إصابته بدايزنتري حاد وشديد . بدى شاحباً هزيلاً  مع حمى عالية وبلا حراك وكأنه شبح ميت . هرعت الأم مذعورة إلى الكنيسة المجاورة ووضعت رضيعها على قبر القديس . ركعت تصلي وتتضرع بحضور الأهل والجيران لأبقاء فلذة كبدها على  قيد الحياة . أختفت الحرارة بعد ساعة او ساعتين , وعاد النشاط للطفل تدريجياً , ثم بدأ يسترد عافيته وسط شكر وتبجيل الحضور .     
Saint Conrad of Parzham / Bavaria

ألولادة : 22 كانون الأول 1818    ألوفاة : 21 نيسان 1894   ألتطويب : سنة 1934 
في آذار من عام 1929 سقطت شجرة على شابة عمرها 22 سنة إثناء مساعدة أهلها في الغابة , فأصابت يدها اليمنى . لم تستجب للعلاج الذي استمر 17 شهراً مما أدى إلى حصول الغنغرينا كمضاعفات لتطور الإصابة . وافقت على نصيحة  الأطباء ببتر اليد . تضرعت للقديس بصلاتها قبل يوم العملية . شفيت صباح اليوم التالي أمام دهشة الجميع .
Saint Catherine of Bologna/ Italy

ألولادة :  8 ايلول 1413     ألوفاة :  9 آذار 1463    ألتطويب : 22 مايس 1712 
يعزى لها حصول حوالي 170 معجزة ...  فاح عطر من قبرها بعد الدفن .. أخرجت بعد 18 يوماً والجسد كما هو .., وجد الغطاء مبللاً بعرق تفوح منه رائحة زكية .. كانت هنالك قطعة جلد نزفت دماً نقياً بعد أن سحبتها إحدى الراهبات . ممكن مشاهدتها في غرفة خاصة مجاور كنيسة تقع  في نفس المدينة " بولونا " وكما واضح في الصورة أعلاه .  ست من معجزاتها المسجلة مدعومة بشهادة أطباء معروفين ومسندة أيضاً بتأييد الجراحين والصيادلة . ..  شفاء راهبة عمرها 21 سنة من ورم في الصدر .... شفاء طبيب عمره 50 سنة من مرض مميت عام 1655 وعاش عشرة سنين بعدها ليشهد على ذلك .
Saint Andrew (Andrea) Avellino/Italy

ألولادة : سنة 1421      ألوفاة : 10 تشرين الأول 1608     ألتطويب : سنة 1712   
لاحظ طبيب عمره 35 عاماً ,  إثناء حضوره مهرجانا ,ً تجمعاً حول إمرأة تحمل طفلاً عمره ثلاث سنوات فاقد الحياة . شهد الطبيب ببرودة جسم الطفل وانعدام النبض وأنه بلا إحساس أو حركة وفاقد لكافة العمليات الحيوية مع وجود كدمة واسعة على الجبهة وخلع في الرقبة , فأعدّه ميتاً . ذهب الطبيب في اليوم التالي إلى الكنيسة لحضور الصلاة ومراسيم الدفن .. وجد نفس الطفل حاملاً شمعة أمام صورة القديس ... حتى لو لم يكن الطفل قد فارق الحياة  بمقاييس  علامات الموت للعصر الحالي , وإنما فاقداً للوعي وفي سبات عميق , ولكن حتماً كانت حالته حرجة ... وهذا ما يؤكد اعتماد رجال الدين على ما استجد من علوم الطب حسب الزمان والمكان .
Brother André Bessette / Canada

ألولادة : 9 آب 1845     ألوفاة :   6 كانون الثاني 1937    ألتطويب : 17 تشرين الأول 2010 
شفاء يافع من إصابة دماغية عميقة ,.. لا يمكن أن تقبل الحالة الشك ,  أو احتمال حدوث خطأ تشخيصي , أو فبركتها , مع توفر المعدات التصويرية العصرية الحديثة كمفراس الدماغ وتصوير الرنين المغناطيسي .
Saint Rafqa (Boutrosiya “ Pierina” Shabaq al-Rayes / Lebanon

ألولادة : 29 حزيران 1832      ألوفاة :   23 آذار 1914     ألتطويب : 10 حزيران 2001   
شفاء إمرأة من مرض سرطان الرحم عام 1938 .. عاشت 28 سنة أخرى وتوفيت عام 1955 بسبب آخر ... وفي عام 1984 , شخص سرطان الكلية على طفلة عمرها سنة .. أجريت لها عملية جراحية التي أعقبها نزف من الأنف والأذينين .. قدّر الأطباء حدوث الوفاة بعد 24 ساعة ,, شفيت ولا تزال على قيد الحياة بعد تناولها طعاماً ممزوجاً برمل جلب من قبر القديسة وسط دهشة الممرضين والأطباء .
                 Pope Saint Pius V / Italy

ألولادة : 17 كانون الثاني 1504     ألوفاة :  1 مايس 1572    ألتطويب : 22 مايس 1712   
توقع الفوز في معركة "  ليبانتو " التي اندحر فيها العثمانيون ... شفاء زوجة طبيب مصابة بحمى النفاس ( حمى بعد الولادة ) عام 1678 ... شفاء إمرأة عمرها 62 عاماً ابتلت بالشلل لمدة سنتين نتيجة مرض في الجهاز العصبي  , بعد تضرعها للبابا القديس ماسكة فردة من أحذيته عام 1713 .   
Pope Saint John XXIII / Italy

ألولادة : 25 تشرين الثاني 1881     ألوفاة :  3 حزيران 1963     ألتطويب :27 نيسان 2014   
شفيت  راهبة أجريت لها 14 عملية جراحية بسبب نزف المعدة بعد وضع  مذخرات البابا القديس على ناسور البطن .... شاهدت رؤيا له وهي على فراش الموت يطلب منها النهوض ويبلغها بالشفاء ... ظلت تكرر أنا جائعة .. اريد طعاماً .. ألبابا يوحنا الثالث والعشزون أبلغني أن الجرح سيشفى , توفيت عام 2010 بأسباب طبيعية . أقرّ الأطباء عدم توفر التفسير العلمي لالتئام الجرح وشفاء المريضة .
Pope Saint John Paul II / Poland

ألولادة : 18 مايس 1920      ألوفاة :  2 نيسان 2005      ألتطويب :27 نيسان 2014   
شفيت راهبة فرنسية من مرض باركنسن  , الذي كان نفسه مصاباً به , بعد أن تضرعت إليه بعد وفاته بستة اشهر .... شفاء إمرأة من كوستاريكا لها أربعة اطفال ومصابة بوعاء دموي في الدماغ , أقرّ الأطباء بأن ما تيقّى لها من حياة على الأرض  لا يتجاوز الشهر . يوم 1 مايس 2011 , وبينما كانت تتابع مراسيم منح البركة للبابا من على شاشة التلفاز في دارها , خلدت للنوم وبيدها مجلة تحمل صورته ... إقتربت الصورة منها وهي بين اليقظة والنوم , وسألتها : ماذا تعملين وأنت مستلقية هنا ؟ وعندما استيقظت  صباحاً شاهدت الصورة ذي اليد الممدودة .. شعرت بداخلها بالشفاء .. سمعت صوته مخاطباً : إنهضي ولا تخافي ..هرعت لزوجها في المطبخ لتزف له بشرى شفائها . وصلت المعجزة للفاتيكان الذي دعاها لإجراء الفحوصات في  مستشفى بروما كسائحة تشعر بوعكة صحية ... لم يظهر أثر للوعاء الدموي , ولم يستطع الأطباء تفسير اختفائه من الناحية العلمية , فاعتبر ما حصل معجزة .. وما أحلاها من معجزة  في زمن تمكّن الإنسان على ما كان قبلاً غير ممكن .
ألإستنتاج :
* لا يمكن حصول المعجزة بدون توفر الإيمان وبدون الإبتهال والتضرع من أعماق القلب بنية صادقة وخشوع مهيب .
* ألمعجزة هي الدليل الأساسي لأغراض التطويب , فلا يمكن لمن يموت ميتة طبيعية أن يصل القداسة إلا لاستثناءات محدودة جداً .
* شفاء الأمراض من أكثر المعجزات شيوعاً , ويستوجب شهادة علمية لدعم شروطه .
* تغير الأمراض التي شفيت بمعجزة عبر العصور يعكس تطور العلم
* مهما حصل من سهو او خطأ بسبب قصور في التشخيص أو عدم كفاية المعلومات المتوفرة , تظل هنالك حالت الشفاء التي لا يمكن تفسيرها علميا .
ألمصادر :
1. Duffin, Jacalyn. Medical Miracles: Doctors, Saints, 
     and Healing in the Modern World.
Oxford University Press 2009

2. www.roman-catholic-saints.com

3. www.newadvent.org/cathen/

4. en.wikipedia.org

5. www.acatholiclife.blogspot.com

رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771274.0.htm
رابط الجزء الثاني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771369.0.html
رابط الجزء الثالث
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=771583.0
رابط الجزء الرابع
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771984.0.html
جوانب من المحاضرة المقدمة ضمن نشاط الصالون الثقافي الكلداني لشهر كانون الثاني 2015 في وندزر- كندا
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771533.0.html



112
حقيقة المعجزات الطبية في التطويبات الكنسية – ألجزء الرابع
د. صباح قيّا
لا يعترف الفاتيكان بالشفاء كمعجزة عندما يتجنب المريض العلاجات الطبية التقليدية ويركن فقط للإيمان . وأيضاً لا يقرّ بها لمن يدعي أن شفاءه حصل بسبب الصلاة ومن دون المشورة الطبية أو المعالجة القياسية المطلوبة . وهذا ما يؤكد أن المقر البابوي يعتمد استخدام أحدث الوسائل العلمية المتيسرة وتسخير كافة الطاقات الطبية والصحية المتاحة واستنفاذها  قبل الإقرار بأن  شفاعة المريض ومعافاته تنسب فعلاً لمعجزة . وبهذا يرفض وهم من يدعي او يلهم السذج بين آونة وأخرى , وخير دليل على ذلك ما يشاع من هنا وهنالك عن ظهورات العذراء المتكررة , وما ينتج عنها من أعاجيب مصطنعة أو مفبركة تتناغم مع غايات مؤلفيها ومقاصد المروجين لها . ألفاتيكان لا يعوّل عليها  إطلاقاً . 
أبدى ويبدي الطب رأيه  في معظم المعجزات المعتمدة لأغراض التطويب .  وسجلت في العديد من الحالات شهادة أكثر من طبيب لمعجزة واحدة , وأقصى حد وصل إلى 19 طبيب عام 1926 . ولا يستوجب على الطبيب أن يكون مؤمناً بالمعجزات , وأيضاً لا يشترط أن يكون كاثوليكياً  ولا حتى مسيحياًً , بل مشهوداً له بالكفاءة والإلمام بتفاصيل  المستجدات الطبية وأحدثها . وبالفعل , سبق أن شهد أطباء من المسلمين في معجزات قديسي لبنان , كما شهد أطباء من اليهود في معجزات أخرى , بالإضافة إلى دعوة وقبول شهادة من يتيع ديناً أخر , ومن ينكر الأديان وخالقها .
يستوجب على الطبيب بيان حكمين أساسيين وهما :  ألتركيز على عامل اليأس من شفاء المرض رغم استخدام أنجع الوسائل الممكنة والتي سبق وأن أجريت وحصل عليها المريض . أما الحكم الثاني فيتمثل في إبداء الطبيب دهشته وتعجبه لما حدث  وإقراره بعدم علاقة الإجراءت الطبية العلاجية القياسية  والحديثة منها والممتازة بالشفاء . لا يطلب من الطبيب أن يصرح بأنها معجزة , بل عند اقتناعه , أن يثبت رأيه فقط معبراً عنه بهذه الكلمات " ليس لي تفسير علمي لذلك " . وبعدها  يعلن الفاتيكان عن المعجزة . 
رغم كل تلك التحوطات والسعي لإستحصال القرار الصحيح من أهل الخبرة والإختصاص , يبرز البعض من بين عائلة الاطباء ممن يتجاوز حدود اللياقة وآداب المهنة , أو ممن يفتقد إلى الحجة العلمية المقنعة , فيعبر عن نكران ما حصل بجمل وتعابير عامة , وأحياناً تهكمية وساخرة , وحتى  نقدية لاذعة وقاسية . كالقول مثلاً :  ألعملية فشلت لكن المريض عاش .. ويتغاضى عن تفسير كيف قدّر للمريض ان يعيش . أو كمن يعبّر بأسلوب آخر : أنا لا أعرف شيئاً على الإطلاق عن المريض \ المريضة , ولا أعلم شيئاً عن ما يسمى سبب الشفاء ( ويقصد عن ما يسمى بالمعجزة ) , أستطيع فقط أن أكرر أنه \ أنها حالياً بصحة جيدة . وهناك من يدعي بأنه لم يتابع الحالة المرضبة منذ عدة سنوات , ولم يلتزم المريض بمشورته , ويضبف :  ربما , مشيراً إلى نفسه ,  يعرف الكاهن المحلي خبرته وموقعه , ولكنه يشك بتأييد الكاهن لذلك . وهو بذلك يقصّر المريض من جهة , ويشكك بالكاهن من جهة أخرى ظلماً أو عدلاً ؟ الله أعلم . وقد يذهب نفر من البعض أبعد من ذلك مبررين موقفهم بالعمليات الإحصائية واستدلالاتها , وفاتهم أنه عندما تكون الدلائل المتوفرة للحدث صلبة ومتينة , فاستخدام الإحصاء كحجة لدحضه هو شكل من أشكال التجافي على الحقيقة في ظروف إستثنائية وخاصة .
في دراسة فريدة من نوعها ,  أجرتها طبيبة كندية إختصاصية بأمراض الدم , وحالياً أستاذة جامعية في مجال تلريخ الطب  , ونشرتها تفصيلياً في كتاب  سأشير إليه بعدئذ ضمن مصادر أجزاء المقال . أروع ما في الدراسة أن صاحبتها شهدت  لحالة مرضية مستعصية , سآتي على ذكرها لاحقاً ,  وتم تقديس من نسبت  إليها المعجزة .. والأروع من ذلك ,  أنها شخصياً متزوجة من يهودي , وتقر بكونها غير مؤمنة . ورغم ذلك لم تستطع إلا أن تسطر قناعتها بشجاعة متميزة وتحد واضح ,  إكراماً لمن شهدت لها , وإجلالاً لما لمسته من مجهود غزير وشاهدته من حقائق دامغة خلال مراجعتها المستفيضة لمكنونات الكمّ الهائل من خزين ملفات التطويب في مكتبة الفاتيكان أو أرشيفها الخاص , 
تضمنت الدراسة 1400 معجزة حصلت خلال 400 سنة  , من عام  1588  - 1999 , والتي تمثل فقط ثلث إلى نصف المعجزات المودعة في آرشيف الفاتيكان منذ سنة 1588 لغرض التطويب . شملت 145 مباركاً و 229 طوباوياً ( قديساً ) , تتراوح مواليدهم بين 928 – 1922 , مما يدل على استحالة وجود أسماء  وهمية بينهم , كما سبق وروجت لذلك  الحركات الكنسية الإنشقاقية في القرن السادس عشر  , بالنسبة لقديسي العصور المسيحية الأولى ( راجع الجزء الأول ) . أظهرت الدراسة بأن 95% تقريباً من المعجزات تخص الشفاء من أمراض جسدية , وأن شهادة الأطباء مسجلة ومثبتة  في معظمها  . كما بينت تغير أنواع وتصنيف الأمراض مع مرور الوقت . فبعد أن ساد الشلل والعمى في البدء , ظهر  التدرن في القرن التاسع عشر , ثم برزت الأمراض السرطانية وعلل الأعصاب وإصابات القلب في العصر الحديث . وما ذكر يؤكد ما هو معروف وثابت في المفهوم الطبي عن إختفاء أمراض متعددة كالطاعون والجدري ,  وانحسار أخرى ً كالتدرن وشلل الأطفال  , وحصول التطور النوعي في معالجة  قسم ثالث  كمرض السكري ومسببات الإلتهابات المختلفة , ومن ثم إدخال تسميات جديدة لم تكن متداولة سابقاً , وازدياد ما يسمى بأمراض العصر الحالي المنوه عنها أعلاه . يتبع الجزء الخامس لاحقاً ......
جوانب من المحاضرة المقدمة ضمن نشاط الصالون الثقافي الكلداني لشهر كانون الثاني 2015 في وندزر- كندا
رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771274.0.htm
رابط الجزء الثاني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771369.0.html
رابط الجزء الثالث
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=771583.0

113
حقيقة المعجزات الطبية في التطويبات الكنسية – ألجزء الثالث
د. صباح قيّا
ألكنيسة لا تصنع القديسين , وإنما تقر وتعترف بالقداسة . ألرب له المجد من يصنع المعجزات لا غيره . أما القديس فيشفع لمن يتضرع له ,  ويتوسط عنه عند الله . ألنهاية السعيدة لأي مرض تتم بمجهود الكادر الطبي والصحي مقرونة بفعل النعمة  التي ينشدها ويمتنّ لها من يؤمن بقدرة الخالق ورحمته . ولكن عندما يتجاوز الشفاء حدود الطبيعة وإمكانات المهنة , يتعرض ما حصل إلى فحوصات دقيقة وتحريات عميقة ومفصلة كي يطلق عليه معجزة كدليل على تواجد القديس قرب الله . ومنذ نهاية القرن السادس عشر ولحد اليوم , لا يطوب قديس من مات ميتة طبيعية بدون صنع المعجزات , ولا يعتبر الحدث معجزة طبية  إلا بعد تمحيص كامل وتحقيق شامل , مع المساهمة الفعالة والدور الأساسي لرأي وقناعة الأطباء . وبالرغم من ان رجال الدين لا يمارسون مهنة الطب فعلياً, وأن المعروف عن معظم الأطباء عدم إهتمامهم الديني وشحة علمهم اللاهوتي , إلا أن عملية التطويب تضع الطب والدين , وهما شريعتان من شرائع الحكمة باختلاف البناء لكل منهما , للإتصال فيما بينهما من أجل هدف واحد .
معجزات الشفاء معروفة منذ البشارة بالإنجيل , وتبرز  في  سيرة القديسين بنسبة 80-90%  من مجموع المعجزات . وتوقعت الكنيسة منذ عام 1588 أن تستمر في تطويبات المستقبل , فلذلك ركزت على ضرورة توفر الدليل الطبي . وفي عام 1730 , زمن البابا بندكت الرابع عشر ( 1675 – 1758 ) أضيفت قائمة بالأساتذة من الأطباء والجراحين للمشورة ولإبداء الرأي بالحالات الطبية قيد الدراسة لغرض التطويب .
ألسؤال الآن :                                                                                                       ما هي متطلبات الدليل الشرعي للمعجزة الطبية ؟ : ألجواب : ... يستوجب على المريض أن يكون قد عولج بكل الوسائل الطبية والطرق العلاجية الممكنة ذلك الوقت , ولم يستجب المرض أو الإصابة لذلك .... وايضا تحدي كل محاولات التشكيك بحصول الشفاء تلقائياً ... إستعداد الطب للإقرار بأن المريض سيموت لا محالة أو أن المرض ميؤوس من شفائه , ويذكر أن الكثير من المعلولين حدثت لهم المعجزة بعد تناول مسحة المرضى .... عدم توفر التفسير العلمي  لزوال الداء وتعافي المصاب ... تجاوز كل إجراءات وتحريات محامي الشيطان للتشكيك ليس فقط بالمعجزة الطبية , وإنما أيضاً بالسيرة الذاتية للمرشح .
 يتبادر السؤال التالي :                                                                                             ما المقصود بمحامي الشيطان وما هي مهماته ؟ : ألإجابة :... في عهد البابا اوربان الثامن ( 1568 – 1644 ) , تم تأسيس دائرة خاصة للتركيز على المحاججة القانونية ضد التطويب , والبحث عن تفسيرات طبيعية للمعجزة المنوه عنها . أطلق عليها محامي الشيطان أو مروج الإيمان                                Devil Advocate or Promotion of Faith                                                                                 
 وللعلم بأن البابا المتقاعد بندكت الساس عشر اضطلع بمسؤوليتها في فترة معينة . وممكن تمثيلها جوازاً بمحامي الدفاع الذي يحاول جاهداً دحض كافة أدلة الإدعاء العام , وليس لبراءة المتهم هنا , بل لتحريم المرشح من دخوله  رحبة القديسين ... ويتم ذلك بالتشكيك في كل خطوة من خطوات التطويب ... فحص الأدلة بامعان وتدقيقها بعمق وإثارة الشكوك حولها ... إظهار نقاط الضعف في الحياة المثالية والسيرة النموذجية للمرشح ...  ملاحظة هفوات وأخطاء في القرار الطبي , كالخطأ العلاجي أو التشخيصي , أو نقص الفحوصات , أو قصور في الإستفادة واستخدام كافة الوسائل الطبية المتوفرة والإمكانات العلمية المتاحة .. كشف أية محاباة أو تعاطف مع المرشح للقداسة ( عمك خالك ) .... محاولة إيجاد التفسير العلمي لحصول الشفاء .... تحفظ كافة وثائق الشكوك حول المعجزات أو السيرة الذاتية في الآرشيف السري أو في مكتبة الفاتيكان . ومن الجدير بالذكر بأن البابا الراحل يوحنا بولص الثاني قلص عدد المحامين الكنسيين لتلك الدائرة وأيضاً سلطة المنصب باتجاه الميل والتأكيد على إعتبارات الحياة المثالية وجوهلرها عند الإختيار  .
وكخظوة جوهربة تنسجم مع التقدم والتطور العلمي ,  وبغية بلورة أهمية الدور الطبي وحضوره كشاهد أساسي لحقيقة ما حصل وما سيحصل , تأسس المجلس الطبي الإستشاري عام 1949 مؤلفاً من أطباء مرموقين , معظمهم من الأكاديميين . ومن دون شك أن الطبيب الإكاديمي عموماً أكثر متابعة لمستجدات العلوم الطبية مقارنة بأقرانه . وأيضاً هم من الكاثوليك بالإيمان والممارسة , وقد يساعد ذلك على منحهم الشعور بالسعادة في العمل . كما يتم اختيارهم من القريبين إلى روما لسهولة حضورهم عند الطلب . و يتقاضى أعضاؤه أتعاب مساهماتهم ( ماكو شي بلاش ) . وما يتعذر عليّ تفسيره أن اغلبهم من الذكور . ومن أهم واجباتهم الأخرى هي اختيار وترشيح الخبراء بانتظام لدراسة الدلائل العلمية للمعجزات قيد البحث , وحتماً هم أعرف من رجال الكنيسة بالإختصاصات والكفاءات الطبية المنتشرة في أنحاء العالم .  يتبع الجزء الرابع لاحقاً..........    
جوانب من المحاضرة المقدمة ضمن نشاط الصالون الثقافي الكلداني لشهر كانون الثاني 2015 في وندزر- كندا
رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771274.0.htm
رابط الجزء الثاني
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771369.0.html

114
حقيقة المعجزات الطبية في التطويبات الكنسية – ألجزء الثاني
د. صباح قيّا
لا شك بأن التطويب يسر مواطني انتماء من يشمله ذلك , ويقوّي من اواصر العلاقة بين الكنيسة والشعب. ولا غرابة في ذلك كون عملية التطويب  بحد ذاتها طويلة ومسهبة ,  وقد تستمر عشرات السنين , ويتم خلال تلك الغترة  التركيز والبحث أساساً عن الحياة المثالية للمرشح وما حصل من معجزات بفضله .
 من الممكن إيجازالعملية بأربع مراحل :
                                                     Servant of God ألمرحلة الأولى : خادم الرب
  تبدأ هذه المرحلة في المنطقة التي ينتمي إليها المرشح , وبمعنى آخر تعتبر "  مناطقية " وتتم من قبل الأبرشية المحلية ... بجب أن يمضى على الوفاة  خمس سنوات قبل بدء العمل لهذه المرحلة , بعد أن كانت سابقاً خمسين سنة وقللت عام 1917 .... والسؤال الآن : هل هنالك ضرورة لتحديد المدة الزمنية المذكورة ؟ ألجواب نعم .. بغية التقليل من تأثير العواطف والمشاعر الحزينة الآنية من ناحية , والحماس الغريزي تجاه الراحل من ناحية أخرى , وهذا ما حصل بالذات للأم الراحلة " تيريزا " حيث هتافات مواكب المعزّين ٌقديسة .. قديسة .. قديسة .. والتي أوحت إلى قداسة البابا يوحنا بولص الثاتي باستثنائها من شرط الخمس سنوات . ونفس الحال حصل له عند وفاته مما حدى بالبابا المتقاعد بندكت السادس عشر لأن يستجيب لدعوات المشيعين الملحة قديس .... قديس ... قديس .. فاستثناه من شرط المدة أيضاً معلناً مباركته لبدء أعمال التحري والإستقصاء نحو التطويب مباشرة بعد مغادرته إلى ملكوت السماء .           إذن وكما أسلفت . زمام المبادرة تمتلكه الأبرشية المحلية , وليس الفاتيكان كما يعتقد ويشاع جهلاً أو عمداً . أللوم يقع على المنطقة .. ألمسؤولية على الأبرشية .. ألتقصير على البطريريكية ذات العلاقة ... تحضرني محاورة في كنيسة أم الأحزان في بغداد مع إحدى السيدات إثناء وقوفي مع زوجتي أمام ضريح مثلث الرحمات البطريريك بولص شيخو , والتي كانت تتضرع إليه بخشوع , فبادرتنا بعد ان أكملت صلاتها . إنه قديس .. سوف يُطوّب قريباً من قبل البابا ... والآن أضع السؤال بشكلٍ عكسي : كم من ابناء الرعية لا يعتقد باستحقاقه القداسة ؟ . كما أتذكر ما قرأته أو سمعته عن لقاء بين الراحل البابا  يوحنا بولص الثاني ومثلث الرحمات البطريريك بيداويد حيث دار معظم الحديث عن الأعمال ألإيمانية والسيرة المثالية لغبطة مار بولص شيخو .. وباعتقادي أن جوهر ما حصل هو محاولة ايحائية لبدء  الطريق باتجاه التطويب ... ما كانت الحاجة إليه آنذاك , لو توفرت النية الحسنة وتجردت النفس عن غريزة " ألأنا " , مجرد تشكيل هيئة كنسية لجمع الوثائق والمعلومات وتدقيق كل ما يتعلق بسيرته الذاتية , والتأكد من حصول أية معجزات تنسب له . وبعد القناعة بما متوفر , تطلق عليه كنية " خادم الرب " ويرفع الملف إلى الفاتيكان . وهنالك تبدا :
                                                                                             Veneratedألمبجل  المرحلة الثانية :                                                         
والتي يدقق خلالها الملف من قبل " مجمع قضايا القديسين " , وعند تأييد ما في الملف يدعى عندئذ " ألمبجل "  .  يظل الملف محفوظاً لحين حدوث معجزة تنسب له . أما من له معجزة واحدة , أو من استشهد من أجل الإيمان المسيحي وحتى بدون توفر المعجزة  , ينقل ملفه إلى :
                                                                                              Blessed  ألمرحلة ألثالثة : ألمبارك  تدقيق السيرة الذاتية من قبل اللاهوتيين و مجمع قضايا القديسين , والتحقق من حصول المعجزات ودراستها بالتفصيل .. إستدعاء الشهود .. إعتماد رأي الخبراء من الأطباء والجراحين والأساتذة وتأكيدهم كون الشفاء من المرض أو العاهة لا يمكن تفسيره . ثم يرفع الملف إلى الحبر الأعظم للموافقة .            أما من له معجزتان فأكثر , أو شهيد الإيمان وله معجزة واحدة , فيرفع الملف إلى :           
Canonization    ألتطويب أو ألقداسة  ألمرحلة الرابعة :         
تتم مصادقة البابا على المبارك أو القديس بكلمة واحدة فقط وهي " أعترف " . ومن الممكن أن يطوب ويعلن قديس استثناءً من شرط توفر المعجزات من تثبت سيرته الذاتية بأنه قد عاش حياة القداسة                                                                     Equivalent   "    و يطلق عليها " معادل 
لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن العدد الحقيقي للمطوبين والمباركين , وربما هنالك حوالي 3000 قديس و 10000 مبارك . مع العلم أن التفريق بين التبريك والتطويب تم في عهد البابا أوربان الثامن 1568 – 1644 . وهو الذي أدخل أيضاً عملية " ألمعادلة " التي تسمح للأخذ بنظر الإعتبار من تميز بالفضيلة على مدى الحياة .
للأسف الشديد  , تفتقر كنبستنا العريقة .. كنيسة الشهداء .. إلى كافة درجات التطويب الكنسي , إبتداءً من خادم الرب وحتى مرتبة القديس , بالرغم من  مواكب الشهداء التي سالت دماؤها على مرّ العصور ولا تزال إلى يومنا الحاضر , والتي لا تحتاج إلى امتلاك معجزة للتبريك , وتكفي معجزة واحدة فقط  للتطويب أي للقداسة . آمل أن تصل أمنيتي هذه إلى السينهودس الإستثنائي قبل انعقاده قريباً , علماً قدمت مقترحاً بنفس المعنى قبل عدة أيام من موقع البطريريكية الموقر ولم يرى النور لحد اللحظة . أرجو المعذرة إن اضطررت لإكمال قصيدتي لاحقاً والتي مطلعها :
أبكي على زمن لم تعد هرطقة     من أنكر الله في أقنومه الأزلي
بل تغدو هرطقة من عنده القلم     يروي الحقيقة عدلاً غير مفتعلِ

يتبع الجزء الثالث لاحقاً ...

جوانب من المحاضرة المقدمة ضمن نشاط الصالون الثقافي الكلداني لشهر كانون الثاني 2015 في وندزر- كندا
رابط الجزء الأول
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,771274.0.htm
            .                                                                                                                                         
 

115
حقيقة المعجزات الطبية في التطويبات الكنسية ( ألجزء الأول )
د. صباح قيّا
تبرز بين الفينة والأخرى تساؤلات منطقية وواقعية . هل حقيقة هنالك معجزة ؟ , هل يمكن أن يتعافى مريض من مرض عضال ’ ميؤوس منه حكم عليه الأطباء بالموت القريب لامحالة ,   بمجرد التضرع والصلاة والتماس شفاعة  من هو أصلاً من بني البشر ؟ هل يجوز حدوث ذلك ؟  ويحضى الحدث بدعم الأطباء وتأييد الخبراء في عصر التكنولوجيا المتطورة وزمن الخلايا الجذعية , وفي القرن الذي جاوز الإنسان بفعله وإمكاناته حدوداً غير طبيعية من خلال نجاحه في نسخ الحيوان , وقد يفلح في نسخ صورته  ايضاً لو سمحت له القوانين الدولية بذلك  ؟ هل نصدق وقوع ما يعرف بمثل هذه المعجزات عبر التاريخ الغابر والحاضر ؟ أم أنها " خزعبلات " , إن صح التعبير ,  من تأليف البشر ؟ أو أوهام من صنع خيالات شخصية  , جوهرها إيحاءات يسخرها الإلهام الكنسي لتحقيق أهداف معينة ؟ .

ما المقصود بالمعجزة ؟ أعجوبة أو حدث يتحقق من قبل قوى خارقة الطبيعة , وهي علامة هبة تمنح للشخص الذي تتم عليه الأعجوبة  كما في شفاء مصاب بمرض مميت , وقد تحدث كعلامة لمهمة خاصة كما في ظهورات العذراء , ولا يمكن تفسيرها بالإستناد إلى قوانبن الطبيعة , أو بالإعتماد على الأسس العلمية , فلذلك تنسب صراحة لله .
  هنالك ثلاث أنواع اساسية للمعجزات :   
                                                1 . فائقة الطبيعة : مثل القبامة من الموت                                                                       
 2 . عكس الطبيعة : كالبقاء حياً بعد الحرق . من الناحية الطبية يعتبر الحرق حرجاً إذا تجاوز 70 % من مساحة الجسم  حتى لو كان من الدرجة الأولى , ومميتاً عند تجاوزه 90% إلا إذا حدث عكس ذلك بإعجاز                                                                                                             
 3 . خارج الطبيعة : مثل شفاء الأمراض المستعصية بالتضرع والصلاة وباستخدام قوى طبيعية لتحقيق تأثيرات خارقة .

أقرت الكنيسة الكاثوليكية منذ عام 1588 وما بعده ضوابط صارمة لإختيار القديسين ، وأكدت على وجوب توفر متطلبات محددة للمعجزة الطبية , منها حصول الشفاء الفوري من المرض , وما معناه ينام معلولاً ليستيقظ سلبماً . ولا بد ان يكون الشفاء كاملاً ويستمر لفترة طويلة , أي أن لا يصحو المريض أياماً معدودة لينتكس بعدها , حيث هنالك بعض الأمراض التي تنحى هذا المنحى والتي من خصائصها التناوب بين فترات صحوة وانتكاسة . بالإضافة إلى أن حدوث  الشفاء تلفائياً  بدون تداخل طبي معين . ويشترط  أن تكون الإصابة بمرض عضوي خطير أو متقدم ,  أو بعاهة أو عوق مستديم مثل العمى والتشوهات الولادية والمكتسية . والأهم أن يعجز علم الطب من تفسير ما حصل . ولا تدخل الأمراض النفسية والنفسجسمانية ضمن إطار المعجزة الطبية . 

 لماذا منذ عام 1588
؟ كانت القداسة في تقليد الكنيسة الكاثوليكية قبل هذا التاريخ مجرد إجماع او إتفاق الآراء على من يبجل , أي يتم اختياره محليا , مثل تقديس الرسل , ألشهداء , ألنساك ’ من يشفي   المرضى , ومن يكرس  نفسه لخدمة الإيمان وأعمال الخير كالعطاء والتحمل ورعاية المحتاجين والإهتمام بالمصابين إثناء الوباء , وما شاكل من الخصال  الحميدة النابعة من جوهر الكتاب  المقدس . إعتبرت جميعها معجزات ذلك الوقت وغدت مجتمعة ضمن سيرتهم كقديسين , وأعلن عنهم من قبل المطارنة المحليين . وتجدر الإشارة بإن كل شهداء الكنيسة من أجل الإيمان والتشبث بالمسيح تم رفعهم إلى مرتبة القداسة في تلك الفترة .
 بدأ الدور البابوي في التطويب في القرن الثاني عشر , وأخذت مركزية الفاتيكان بالتبلور تدريجباً وبالإزدباد مع مرور الوقت , وتم وضع أسس يمكن الوثوق بها حول فضائل ومزايا القديسين  , وأيضاً اعتماد شهادة العشرات بل المئات من الشهود لدعم وتأكيد حصول المعجزة المعلنة . ورغم ذلك تعرضت الكنيسة الصخرة في القرن السادس عشر لهجمات عنيفة من قبل ما يسمى بالحركات الإصلاحية بقيادة " مارتن لوثر " و "جون كالفن " وآخرين , والتي شملت جوانب كنسية إيمانية وسلوكية  متعددة كما هو معروف للقراء الكرام , ومنها عملية " التطويب " . إدعى منهم , إضافة إلى ما ادعوه , بأن بعض  القديسين ليس لهم وجود على الإطلاق , وإنما شخوص وهمية من صنع أبناء تلك المنطقة منحتهم الأبرشية المحلية درجة القداسة , كما شجبوا بشدة مشاعر الإثارة المرتبطة بالمعجزات . وكرد فعل لهذه الإتهامات , بسط المقر البابوي  مركزيته بصورة أوسع وأشمل , وتشكلت لجان وهيئات مختلفة وآخرها " مجمع قضايا القديسين " , وتم إقرار ضوابط محددة وصارمة للترشيح للقداسة ومنها : ألتإكد من حقيقة وجود المرشح ... ألسيرة الذاتية المثالية ... تثبيت الإعمال الصالحة التي تنسب إليه , والمزايا والخصال التي يتصف بها .. ألدليل الطبي الرصين لأية معجزة طبية تحصل بشفاعته .... والتي تعكس جواب الكنيسة الأم للمنشقين من خلال تزويدهم بالدلائل والبراهين إعتماداً على استشارة الأساتذة اللامعين والحكماء من الأطباء , وأن الكنيسة تفاوم الجهل والخرافات والتعصب ...                      يتبع الجزء الثاني لاحقاً ...

جوانب من المحاضرة المقدمة ضمن نشاط الصالون الثقافي الكلداني لشهر كانون الثاني 2015 في وندزر- كندا
            .                          
                                   

116
يا لسخرية الزمن – لمن أشتكي
د. صباح قيّا
تجاوزت مأساة شعبنا المسالم النصف عام . لم تتغير الأمور عن الواقع الأليم رغم الجهود المبذولة من جهات متعددة , سواء الجادة  منها ’ ام ذات الأغراض  الدعائية  المرحلية ’ أو الأبعاد السياسية الآنية منها أو البعيدة المدى  , وحتى العمليات العسكرية لم تحرز تقدما ملموساً يتوخى منه الأمل بنهاية قريبة للمسرحية التي صاغتها الحيتان وأخرجتها الثعالب ويؤدي دورها وحوش الغاب الكاسرة  .   لا بل تفاقمت المعاناة النفسية وساءت الآلام البدنية وتضاعفت العلل الجسدية بعد أن غرق حلم العودة وغاص في بحر القنوط العميق , وأضحت قوارب النجاة كأنها السراب ببصر تائه في صحراء قاحلة ...

كم أنت مسكين يا شعب نينوى ... سطا على دارك الجار بفضل حاملي راية العار  , وسرقك الصديق , وغدر بك الرفيق ,  وصرت هائماً على وجهك تبحث عن طريق ... أنت هابيل بقبضة قابيل .. أنت يوسف بقسوة إخوانه ... أنت من حمل صليب المسيح بطمع يهوذا ..  أنت هملت  بطموح عمه ...  أنت ضحية لعبة  المصالح الدولية التي  لا تأبه بدين او مذهب ,  ولا تكترث بالعجزة والأرامل  وبالأطفال والثكالى , ولا تفرق بين مؤمن وكافر ...  أنت كبش فداء  الساسة الكبار ومشاريعهم المستقبلية والتي هي فوق كل اعتبار  وليذهب من يذهب إلى حيث .

يقال عنها صناعة غربية ... ألماضي القريب يذكرنا بصناعة خاسرة ... أحداثها لا تزال في الأذهان عالقة ... إسألوا فيتنام ومعظم أفريقيا ؟ ... بل هي مصالح غربية ... كيف انكسر  جيش المليون وتبعثرت آلياته ومعداته , وغابت طائراته , ودمرت مدافعه الثقيلة ودباباته , وقطعت أغلبية أفراده المسافة إلى البصرة مشياً على الأقدام ؟  ... ولولا مستلزمات اللعبة لسقط النظام حينها .. وعجباً ما حصل بعد كل ذلك الإذلال ... ظهر الحرس الخاص , وبغطاء مروحيات النظام , استطاع أن يسحق المعارضة في معظم محافظات الوطن .. وأعادها تحت جبروت سلطته مجدداً ... حصل كل الذي حصل والقيادة الغربية لم تتدخل إطلاقا ولم تتعرض للمروحيات بل تركتها تسرح وتمرح في ألأجواء لتمطر الناقمين بنيرانها ... ومن غرائب تلك اللعبة وأسرارها عودة شعب كردستان إلى مثواه بعد بضعة أيام فقط من فراره زاحفاً إلى دولة مجاورة .. وتمت عودته سالماً بحماية القيادة الغربية ... ليضع بعدها أسس الدولة المستقلة وبمباركة غربية أيضاً .

لن أغوص في بدعة أسلحة الدمار الشامل والجرح البليغ الذي أصاب البلد الغالي وسكانه الأبرياء بسببها ... فما قيل أعلاه يكفي لأسأل دهاقنة الغرب : هل حقاً لم تلمحوا عبور بضع آلاف من المحسوبين على البشر مع آلياتهم ومعداتهم نحو مدينة الموصل وأطرافها ؟ أم أن ذلك هو ما أعددتم له وبه ترغبون ؟ ..  أشك أني سأحصل على الجواب ... يا لسخرية الزمن .. لمن أشتكي ؟  .

   
رباعيات شعرية – لمن أشتكي
د. صباح قيّا   
ألقيت في الحفل التضامني الذي أقامته, برعاية أبرشية مار توما الرسول الكلدانية ,  إذاعة صوت الكلدان وبرنامج تبني عائلة مساء 24 تشرين الثاني 2014 في مشيكن (تحت شعار ) نحن معكم لأننا ن .
 
لمن أشتكي والموصلُ صليبُها ينزفُ
وكنائسُ المسيحِ  بقنابلٍ تُقذفُ
وشعبنا بلا مأوىً ولا ماءٍ يرتشفُ
والله أكبر في ذبحه يغلو ويسرفُ                       لمن أشتكي

أيُّ ربٍ يفتحُ مبغىً ويدعوه بجنه
يجني أثمانَ الدخولٍ من إباداتٍ ومحنه
يحلمُ المؤمنُ فيها وطءَ أجسادٍ مِجنّه
لا يبالي من يضاجعْ حسنٌ كان أم فتنه                لمن أشتكي

لمن أشتكي والسيفُ بالأعناقِ معلّقُ
تدخلُ الإسلامَ أم جزية مما تُسترزقُ
أو الرحيلََ عدا ما الجبينُ له يعرقُ
والموتُ لمن يعصي الشروطَ حتماً محققُ            لمن أشتكي

لمن أشتكي والأمُّ من ثديها لا تُرضعُ
سرقوا الطفولةِ وعويلُها لا ينفعُ
وعلى الثرى أبٌ من جرحهِ يتوجّعُ
وفي الحيّ غريبٌ بعذابهم يستمتعُ                    لمن أشتكي

لمن أشتكي وتلكيفُ تُسقى دمعَ أهليها
وبغديدا تبصرُ غزواتِ تكريت ماضيها
وتلّسقفْ شهدتْ أقفاصاً مات من فيها
وباقوفة تحكي ضربَ من صدَّ دينَ غازيها         لمن أشتكي

لمن أشتكي ونبعُ الإيمانِ كاد أن يُخرقْ
تلك ألقوشُ نجاها اللهُ غزوةَ الفُسّقْ
أبى من أبنائها إلا أن  يحرس كالبيدقْ
وجموعُها الأخرى بأهلِ دهوكْ تتخندقْ             لمن أشتكي

لمن أشتكي وفي قرانا يسرحُ الألمُ
لا بناءٌ لا ديارٌ لا وجوه تبتسمُ
كلُّ من تلقاه جراحُهُ ليس تلتئمُ
متى الحلولُ والأشهرُ تمضي تتقدمُ                لمن أشتكي

لمن أشتكي واللعبةُ أسرارٌ وخفايا
بضعً آلافِ دخيلٍ يغنمُ كلَّ السرايا
لم يخضْ جيشٌ قتالاً نكثَ عهدَ الوصايا
فرَّ مذعوراً كفأرٍ يحتمي جحرَ الزوايا             لمن أشتكي

لمن أشتكي وشكوايَ لن تلقَ اهتماما
هو عصرُ المصالحِ ليس للمرءِ احتراما
 عند صنّاع القرارِ يفقدُ الرأيُ التزاما
يقلبُ الأبيضَ أسودْ ثمَّ يرمينا اتهاما              لمن أشتكي

هوذا العالمُ منهوكٌ بأنواع المهازلْ
دولٌ تنعمُ جاهاً ودويلاتٌ تقاتلْ
لعبةُ الساسة آثامٌ بأقوال فضائلْ
تدّعي الحقَّ جهاراً ثمَّ  تنحرهُ بباطلْ             لمن أشتكي

يا تُرى من ذا الذي يرسمُ للكون طريقا
كلُّ شبرٍ في ربوع الشرق يلتظُّ حريقا
غرق العدلُ وغاص في المحيطات عميقا
كتم الأنفاسَ  باليأس زفيراً وشهيقا             لمن أشتكي

أيها الغربُ لماذا في الموازين تحابي
تنصرُ من ترتأيه حتى لو كان مرابي
هل تظن الحكمَ حكراً نتسى أيام الحسابِ
كلُّ من بالأرض حيٌ سوف يمضي للترابِ      لمن أشتكي

أنا لا أنكرُ عيشي في ثناياك كريما
لا تفرّقْ بين شكاكٍ بربٍ أو قويما
سلطةُ القانونِ تقتصُ سفيهاً أو حكيما
كلَّ من خالف في فعله عرفاً مستقيما          لمن أشتكي

جلُّ خوفي من صنيعٍ باسم أركان الحضاره
 يفتح الباب لقومٍ جبُلَ الغدرَ خياره
ينشرُ الفتنةَ جهراً يكره حتى الحجاره
إحذروا القادمَ كالنعجة من تلك القذاره         لمن أشتكي

أيها الغربُ متى عن غيّك تصحو وتفيقْ
وخلايا الحقد في المساجدِ تختطُّ الطريقْ
يومها في دورِ سباتٍ لغدٍ دامٍ محيقْ
عندها لن يجدِ نفعاً ندمٌ أو لوم صديقْ          لمن أشتكي

أيها الغربُ أتعلمْ إنه دينُ الخيانه
تدعو آياتُهُ قتلاً مائةٌ غير الإهانه
كلُّ من صار خليفه زال بالغدر كيانه
طعنةُ الخنجرِ تُدمي بعد إعلان الأذانه          لمن اشتكي

كم تمنيتُ زماناً أن اعود لدياري
فهيَ كالوردة عبقٌ رغم أشواك البراري
مرُّها حلوُ المذاقِ وسواها لا أجاري
متعةُ العاشقِ أن يُكوى بجمرٍ أو بنارِ          لمن أشتكي

أنا في المهجرِ ضيعتُ مفاتيح المفاخرْ
صرت كالمهزوم في دنيا القمارِ لا يقامرْ
أحنو على بلدٍ ضاق بي كي منه أهاجرْ
أرمق في العلياءِ بشوقٍ جنح َ كلّ طائرْ        لمن أشتكي

كيف تنسوني حبيباً أعشقُ حتى الثماله
فالعراقيُ جذورٌ يرتوي ماءَ الأصاله
نفسي تشتدُّ حنيناً في الشتاتِ مهما طاله
هيَ جيناتٌ ورثناها تباعاً من سلاله            لمن اشتكي

أنا إبنُ الرافدينْ دجلةُُ والفراتُ مائي
هربت بالأمسِ ممن يحجمَ اليوم إيوائي
لا أمانٌ لا وئامٌ مسخَ معنى الإخاءِ
يشتري الجاهلَ كي يقصي ََ أصحابَ الذكاءِ      لمن أشتكي

أتظلُّ يا فؤادي للعذاباتِ مشتاقا
كفاك خفقاً على من كان بالأمسِ عراقا
وهو اليومُ مخاضٌ لغدٍ يولدُ عاقا
ودموعٌ تلسعُ الخدَّ لهيباً واحتراقا                لمن أشتكي

أنا مهدُ الحضاراتِ بابلُ أصلي وفصلي
غدر الفرسُ بها مزجوا الدماءَ بوحلِ
لاح في الأفقِ صليبٌ هرع الجمعُُ يصلّي
بشّرَ الناس على الأرضِ سلاماً لا بقتلِ         لمن أشتكي

أنا أتباعُ المسيحِ هذا فخري واعتزازي
أيُّ دينٍ يطلبُ العفوَ لبطّاشٍ وغازي
غير من قال بحقٍ لغريمٍٍ لا تجازي
خدك الأيمنُ بالصفعِ لثانيه موازي             لمن أشتكي

لمن أشتكي وصراخي صدىً لن يلقى مجيبْ
ذنبي من دينٍ ينادي حبَّ عدوٍ كالقريبْ
أغدو شهيداً بأرضٍ كي في السماءِ لي نصيبْ
كم نظلُّ ندفع الأثمانَ طوعاً دون حسيبْ          لمن أشتكي

أتركُ الأمرَ لربٍ إنه مجدُ الأعالي
ليست المرةُ الأولى أن نهددْ بالزوالِ
هو من يفرجُ ضيقاً يقلبُ حالاً بحالِ
منه نرتجي خلاصاً لهُ أبغي بسؤالي            لمن أشتكي

117

ألذكرى 94 لتأسيس الجيش العراقي – قصيدة
د. صباح قيّا
أكتب هذه الأبيات الشعرية بمناسبة الذكرى 94 لتأسيس الجيش العراقي ... ألجيش الذي سطر أروع الملاحم البطولية والمواقف الوطنية عبر تاريخه الخالد .. ألجيش الذي بعث للشعب الإطمئنان والأمان أيام زمان .... ليفرّ اليوم مذعوراً كالجرذان ... فبئس كل من ساهم في هدم ذلك البنيان ....
ألعسكريةُ بحرْ                     فيها دروسٌ وعبرْ
تنشرُ الرعبَ بنفسٍ              عيشها دوماً في خطرْ
كلُّ صبحٍ ستلاقي                 ضابطاً عينيه شررْ
ويلٌ لمن في ساحة              العرض مال أو استدرْ
عقابه الزحف أو                الحبس أو تحليق الشعرْ
ألرهط مثل روبوتٍ              ينجز أمرَ من أمرْ
ورغم البؤس والأسى          وجوّ القشب والقهرْ
تبقى الذكريات عنها           عبرةً لمن اعتبرْ
  لا عدل فيها يرتجى          والسوق جبراً لا مفرْ
بعض يقاد للوغى              وآخرٌ لا يؤتمرْ
منهم ينام ليله                 وغيره باقٍ خفرْ
ذاك جنديُّ قتالٍ                وذا في حضوة المقرْ
كلٌّ بحسب صنفه              بل واسطة بها أجرْ
تدريبُها لا يحتملْ              إيعازات يمين يسرْ
والشوربةُ عجيبةٌ             عدسٌ نصفُه حجرْ
مريضُها مخادعٌ           إجازةٌ هي الوطرْ
منْ لم يمتْ بطلقةٍ        مات حيّاً من الضجرْ
أحلى ما فيها الإجازه    يا ليتها طول الدهرْ
كم مرةٍ يسعى لها        والآمرُ في المؤتمرْ
هيهات أن يململَ         أو يسألَ هل من خبرْ
قد تحجبُ لوجبةٍ         فمن سيلغي ما صدرْ
كرامةٌ مهدورةٌ           والحقُ زال واندثرْ
ألحرُّ فيها خاسرٌ         ومن تملّقَ ظفرْ
حتى البغالُ سئمت      فكم صوب الوادي انتحرْ
لم تكنْ قبلاً هكذا       عهدَ الملوك والدررْ
أو بعده لفترةٍ            ساد الرجالُ لا الغجرْ
لم يكنْ حزبٌ حاكماً     جيوشه كراً وفرْ
ماذا دهاهم يومنا      عادوا بما الأمس قبرْ
هزيمة شنيعة           في نينوى غزى عمرْ
سيوفُه لا ترحمُ          تحصد مالاً وبشرْ
كيف جيش لا يقاوم     مسألة فيها نظرْ
تبريره لا ينطوي      على الصغار والكبرْ
فاللغز سرٌّ حينها       بالغد يعلن ما استتر ْ

118
شذرات عسكرية من الذاكرة ( ١ ) - ألمتزلفون
د. صباح قيّا
شاءت الصدف أن أشارك في دورة طبية تدريبية في المستشفى الرئيسي لقيادة القوة البحرية في مدينة البصرة الدافئة . حدث ذلك في المنتصف الأول من سبعينات القرن الماضي وأنا في مستهل خدمتي المهنية . كنت ضيفاً على المستشفى لأغراض التدريب فقط ولم أكن من ضمن منتسبيها أساساَ . رن جرس الهاتف في الصباح الباكر من  عطلة الجمعة وأنا منهمك في متابعة المرضى الراقدين " تحت المشاهدة " من خفارة اليوم السابق , وعددهم يقترب من العشرين , باعتباري  الطبيب الخافر ذلك اليوم , وهو السياق المتبع آنذاك في المسشفيات العسكرية  المنتشرة في الوطن الجريح . أعلمني خفر البدالة بأن السيد القائد على الخط .... 

أنا : نعم سيدي ..... هو وبلهجة سورية : مين ? .... أنا : طبيب الخفر تفضل سيدي .... هو : مين طبيب الخفر ? ذكرت له إسمي .. فبدأ يحدثني بلهجة قلقة , وجمل مبعثرة . كلّ ما استطعت أن أفهم منها ... في بنتي مريضة ... وأنه سيرسل السائق لاصطحابي لداره حيث ترقد إبنته . وبعفوية  , قلت له .. سيدي أنا ضابط الخفر أيضاً ... فأجابني : شو يعني ضابط الخفر ... وبسذاجة الموظف الحدث .. قلت يعني أنه لا يغادر الستشفى... فردّ بحدة .. مين ده وضع القانون ? .. وبدون قصد إطلاقاً , سقطت الجملة من فمي ... ده قانون الجيش العراقي . أقفل السماعة حالاً . عدت بعدها إلى مشواري مع المرضى ... ولم تمضي دقائق معدودة , حتى رن ّجرس الهاتف  ثانية ليعلمني خفر البدالة بأن هنالك على  الخط من يود أن يكلمني . أنا: نعم تفضل ... هو وبدون مقدمات : هل تعرف من كان معك على الخط ؟ ... أنا ببساطة : غير السيد القائد ... هو : يعني كنت تعلم بأنه السيد القائد ؟ ... أنا بثقة :  طبعاً . أقفل السماعة مباشرة بوجهي كما يقال . وبصراحة , لم أتضايق مما حصل , فالإنتهاء من مهمة مرضى " تحت المشاهدة " كان شاغلي .

في صباح اليوم التالي , ومع بدء الدوام مباشرة , أتاني الإنضباط مسرعاً يبلغني لمواجهة السيد مدير الخدمات الطبية ... لاحظته يدقق الصفحة التي كتبتها في سجل " كشف الخفارة " , ومعه في الدائرة ضابط برتبة مقدم ركن . بادرني المدير بالسؤال : كيف كانت الخفارة ? أجبته : إعتيادية ... هل حصل شيئ ما ? فاستعرضت فترة الخفارة بيني وبين نفسي ... لم يحدث حريق , لم يكن هنالك شجار , ولم يفارق الحياة أي مريض  ... وبعدها نطقت : كلا , كانت هادئة . فعقب مندهشاً : يعني ألم يخابرك أحد ... وهنا " طخّت عندي " كما يعبّرُ عتها بالعامية... تقصد السيد القائد .. فقال لي بحماس :  إي , نعم , إخبرني تفاصيل المحاورة بينكما ... سردت له كل ما ذكرت أعلاه ... نظر إليّ مليّاً وتململ وهو يهز رأسه : يا دكتورنا الصغير أنت تصلي " أبانا الذي في السموات " , والسيد القائد هو " أبانا الذي في الأرض " . وفي هذا الإثناء , اقترح الضيف الضابط , ويبدو أنه ميال للحق والمنطق للمدير بأن يقنع السيد القائد على أن أساس الإشكال عدم إلمامي باللهجة السورية , وموقفي كان بحسن نية . إنصرفت مطمئنا .َ 

إنتشر خبر محاورتي مع القائد الذي يتجنبه كل من يحاول أن " يسلم على ريشه " , والذي تغذي جبروته شلة من المتزلفين والمنتفعين , بين عساكر القاعدة البحرية باختلاف رتبهم ودرجاتهم الوظيفية . ألكل يسأل ويود معرفة شكل الطبيب الذي جابه , كما يشاع , هيبة القائد السوري الأصل  بقانون الجيش العراقي . والحق يقال , لم تكن مجابهة مني أبداً , ولم أحاوره بذلك الأسلوب لأغدو بطلاً بنظر البعض , ولم يخطر ببالي يوماً أن أتجاوز على " المافوق " , أو أخالف النظم والتعليمات العسكرية . كل ما بدر مني ينبع من تشبثي بالقانون واحترامي له , وكانت الغاية من عفوية " ده قانون الجيش العراقي " هي محاولة إيصال المعلومة إليه كي أتصرف بما يحمي ذاتي ويضمن حقوقي . فليست الحكمة بمخالفة القانون بل بكيفية  الإحتماء به . أتعلم أحياناً مبادئ رائعة , لأجد نفسي ضحية تمسكي بها , وخاصة في مجتمع ذلك الزمان حيث المسؤول , وكما نوه عنه الحكيم مدير الخدمات هو " أبانا الذي على الأرض " , وأن القانون , بحسب أحد فلاسفة اليونان , وضع لحماية الأقوياء .

والآن أين بيت القصيد ,... كان السيد القائد يجتمع يوم خفارتي مع ضباط ركنه وآخرين . أعلمته زوجته , إثناء الإجتماع , بأن إبنتهما مريضة . وعدها بتأمين وصول الطبيب إلى دارهم حالاَ . إتصل بالمستشفى وحصل له معي ما حصل . جن جنونه من تعبيري " ده قانون الجيش العراقي " . إدعى أحد ضباط ركنه المتزلفين بعدم وجود مثل هذه المادة القانونية , وأنها من تأليفي  , أو من المحتمل كنت أجهل أن من كلمني هو القائد فلم أتعامل مع المخابرة بجد . طلب منه أن يتصل بي والذي أكدت له شخصية من كلمني . إمتعض القائد بعد ذلك كثيراَ . ألح عليه الوصوليون بمعاقبتي وخاصة الذي خابر ثانية وأنكر بإصرار وجوب عدم مغادرة ضابط الخفر وحدته قانوناً لأي سبب كان . إتصل القائد بعدها بالمدير الحكيم الذي أدى واجبه الطبي تجاه المريضة , ثم تعامل مع الحدث بضمير عادل .

مرت الأيام ودار الزمن . كنت مع زميل لي في غرفة فحص واحدة في المستشفى التعليمي العسكري ببغداد حيث يتهيأ كل منا للإلتحاق بمعمعة الدراسات العليا . دخل ضابط برتبة مقدم ركن عرفته  وهو لم  يعرفني . إستقبله زميلي بحفاوة وتبادلا الحديث الذي كان معظمه يدور حول ذم القائد أعلاه ووصفه بأنواع النعوت المقززة . كنت أسمع سباب وشتائم ضيف زميلي على من كان يتملق له سابقاً , تظاهرت بانشغالي مع كتابي الطبي . تقدم نحوي قائلاً : دكتور هل تسمح بقليل من وقتك ... أخبرني عن ظلم ذلك القائد وتعسفه وأشياء كثيرة ... وكيف أن أحد الأطباء الشباب ذلّه , فقصّ عليّ بعض ما أوردته أعلاه . سألته : ألم تكن أنت من نفيت أمامه بشدة ورود تلك الفقرة في القانون ؟ ألست من ألح عليه بمعاقبة الطبيب ؟ بدى عليه الإرتباك  و تلعثم في الرد على أسئلتي . ثم قلت له : هل تعرف من هو الطبيب ؟ أجاب : لا أعرفه شخصيا ولكن إسمه .... فذكر إسمي ... ونزل الخبر عليه كالصاعقة بقولي له :  إنه أنا ... بدى أمامي , وسط دهشة زميلي , كالفأر المذعور . تركنا خائباً عندما أيقن بأن تبريراته لن تلقى صدىً عندي . 
     
ألمتزلف متواجد في كل مكان وزمان . يبتسم لابتسامة المدير , ويكشر  أضعاف تكشيرته  . يمدح عندما لا يستوجب المديح , ويبالغ في التقريع  لإمتعاض طارئ . غايته الوصول إلى موقع لا يستحقه , أو المحافظة على درجة غير كفءٍ لها . قد يفلح في تحقيق مآربه من خلال التملق والتزويق وكلمات الثناء الزائفة والجمل المنمقة , ولكن إلى حين , حيث سرعان ما ينكشف أمره وتشخص نواياه , أو يزاح ليأخذ محله بديل أمهر منه تلوناً وتزلفاً . وهذا ما حصل بالفعل لضابط الركن المتزلف , حيث تمّ نقله بإيعاز من القائد إلى مكان لا يحسد عليه أبداً ....

هل يتعظ الإنسان من عاتيات الزمن ؟ أشك في ذلك ... ألبشر من يجعل إبن البشر إنساناً معبوداً ... يرسم له طريق الضلال ويدفعه للسير بانحراف ... هذا ما هو موجود بالفعل على أرض الواقع في مجتمعنا الشرقي , وفي معظم بل جميع الحلقات الإدارية والسياسية والإجتماعية , وللأسف الشديد , حتى الدينية  .. ألكل يسعى لمجده بحق أو بزيف .. والمصيبة الكبرى عندما يتهيأ المجد الوهمي للمسؤول , لأي مسؤول , بفعل الإطراء اللامعقول لنخبة المتزلفين ... وما أكثرهم .
       


119
ألعفة عند الكهنة والواقع المنظور
د. صباح قيّا     
أعود عشرات السنين إلى الوراء وأنا أستعرض خيوط الحوار بين المرحوم والدي والمرحوم احد أصدقائه من  القسس من نفس ضيعته والذي كان يزوره مراراً بغية إقناعه للسماح لأحد إخوتي الصغار  ألذي كان في المرحلة الإبتدائية آنذاك  للإلتحاق إلى سلك الكهنوت لما لمسه من حماس أخي واندفاعه الممزوج  بعقله الطفولي الساذج لإمتهان العمل الديني من خلال الرتبة الكنسية التي سيحملها بعدئذٍ ... أتذكر جيداً رفض والدي بصرامة لم تقبل المساومة إطلاقاً وتإكيده على ضرورة زواج القسس ، وأنه لن يسمح أن يدخل أيٌ من أبنائه ذلك الحقل إلا بعد أن تسمح الكنيسة لرجال الدين بالزواج قبل رسامتهم ككهنة ... لم تفلح كافة محاولات راعينا النجيب لإقناعه وتغيير رأيه وكانت النتيجة امتعاضه ( أي زعله ) ولم يصل دارنا بعدها ... أفهمني والدي رداً على تساؤلاتي وقتها بأنه ينطلق من تجربته الشخصية في باكورة شبابه ،  ومغادرته دير ( ربان هرمز ) إلى غير رجعة بعد مكوثه فترة وجيزة فيه ،  مخيباً ظنّ وآمال المرحوم جدي الذي نذر احد اولاده ليكون راهباً ... وأضاف بأن للجسد غرائزه الطبيعية  يتعذر بل قد يستحيل قمعها ، ولكن  يضطر الكاهن لكبتها ثمّ تبرز كسلوكيات ومزايا تؤثر سلباً على موقعه الروحي والانساني ، وفد تقلل من الإحترام والإجلال  الذي يجب أن يتمتع به بين الرعية ... وكانت معظم محاججة والدي للأب الجليل تصب بهذا الإتجاه ... ولم يرُق مثل هذا المنطق للكتيرين بالأمس ، وحتماً له اليوم صدىً آخر .

كان زواج رجال الدين معمولاً به منذ نشأة الكنيسة رغم المحاولات التي سادت في العام 300 بعد الميلاد وبعده لإيقافه . واستطاع البابا  " بندكت الثامن "  في القرن الحادي عشر منع الزيجات الجديدة ، وأيضاً حرمان الأبناء من إرث آبائهم القسس والمطارنة كرد فعلً لإثرائهم من واردات وممتلكات الكنيسة ، والذي سيرثه الأبناء من بعدهم ، علماً بأن القوانين كانت لا تسمح للبنات بالأرث . ثم جاء البابا " كريكوري السابع " في نهاية نفس القرن ليلغي كافة زيجات  رجال الكهنوت في إجراءٍ فريدٍ من نوعه بغية كبح قرصنة المطارنة الطاغية ذلك الزمان ، ومن لم يمتثل للقرار غادر جسم الكنيسة إلى يوم الدين ..... ولا تزال الكنائس اللاتينية  تلتزم به ، ما عدا  ،  استناء من شروط العفة ،  عند قبول المتزوجين من آباء المذاهب الأخرى للمذهب الكاثوليكي ، والذي صدر في تموز 1980 ... وهنالك من الكنائس التي هي في شراكة إيمانية مع الفاتيكان  من تقبل المتزوجين لسلك الكهنوت ، وتشمل ، من حسن الحظ ، كنيستنا الكلدانية ، وأيضاً الكنائس الكاثوليكية المنتشرة في جمهورية جيكيا ، المجر ، سلوفاكيا ، أوكرانيا ، وربما أخريات في الشرق ، وهذه الممارسات أقرب إلى الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية .

تشير الإحصائيات في الولايات المتحدة عن نقص في سلك الكهنوت بنسبة 17 % منذ عام 1960 ، رغم زيادة الكاثوليك بنسبة 38 % . كما أن عددا غير قليل من كل بقاع العالم غادر  الكهنوت بقصد الزواج . وهنالك من يدعو لعودتهم مجدداً لسد النقص البارز في عدد الكهنة ، ولكني شخصياً أتحفظ على ذلك ... فالذي يعصي بحجة عدم تحمل "العفة " سيعصي لأسباب أقل أهمية منها ... وداعاً له ومع السلامة ....       كما تشير الأحصائيات بأن 20 % من القساوسة الكاثوليك متزوجون ، وأمنيتي أن ترتفع سريعاً لتصل 100 % . .. لماذا ؟ لسبب بسيط جداً وهو قناعتي كقناعة المرحوم والدي بأن الغرائز الجسمانية الطبيعية لا يمكن قمعها .. وليست قناعتي مجرد رأي شخصي أو معلومة أبي وحسب  ، وإنما مضافاً إليها معرفتي ودراستي المهنية لوظائف الجسم عامة وأعضائه المتعددة خاصة وما يطلق عليه ب " علم الفسلجة " . ورغم إيماني العميق بالكتاب المقدس وتعاليم  "سيدنا المسيح " له المجد ، وإدراكي بأن " العفة " ضرورية للسير على خطاه ، وأيضاً لتكريس ما جاء برسائل القديس " بولس " ، والتفسيرات اللاهوتية المتشعبة حول الموضوع ، إلا أنني ، وبصراحة ، لأ أستطيع هضم من لا يتماشى مع حقيقة أن الكاهن مهما بلغ في مرتبته الروحية والكنسية ، يبقى بشراً كسائر البشر له أحاسيسه ومشاعره ورغباته وحاجاته  التي تحركها الماكنة الطبيعية للجسم ، والتي كما تسعى لإشباع غريزة الجوع عنده ، فإنها أيضا  تتوق لإشباع الغرائز الإنسانية الأخرى وأهمها غريزة الجسد ... وتساؤلي من الذي لم يخالف وصية الله السادسة أو ألتاسعة ؟ ممكن الإجابة  بعد مراجعة الذات بأمانة ... وسؤالي الأهم : من الكاهن الذي يعمل بمواهب الروح القدس ويتحلى بثماره في زمن كل شيئ فيه متيسر ومباح  ؟ .... ومن الذي يتقيد بوصايا الله العشرة في وقت ذاب المحظور في بحر الحرية المطلقة  ؟  فإذا كان من اليسير عليه أن يحجم عن واحدة ، فهل يصعب عليه الإحجام عن الأخرى،  وخاصة التي تخزن في داخلها قوة جامحة قد تكون كامنة لبعض الوقت ، ولكن إلى متى ؟ والمغريات بلا حدود وسهلة المنال  ...

لا أريد الخوض بما هو معلوم ومعلن من فضائح وخطايا القيادات الكنسية الغربية  نتيجة " حكم العفة" المفروض على الرعاة الكاثوليك جميعاً  .. وقد يتبادر إلى الذهن بأن " العفة " من سمات آبائنا الأفاضل فقط لشرقيتهم المحافظة ، وغاب عن الأذهان بأن العادات الشرقية تتجنب الفضائح وتستر المكشوف ، وتفعل عكس ما تقول ، وتقول ما لا تفعل ... وقد رأيت بأم عيني مطراناً في بغداد يقف بعد القداس مباشرة يتلقف قبلات الحسناوات وعناقهن ويظل ممسكاً بأيديهن ما دامت تشع حرارة ، هذا من جهة  ، ومن جهة أخرى لا يكترث بل لا يرد السلام ، وإذا أجاب فبجفاء ، كون الصوت ليس أنثؤياً .. وسيادته من مجتمع شرقي على نياته ... وأذكر أيضاً في زيارتي لأحد القساوسة الأصدقاء في مدينة الرشيد  والذي وافاه الأجل قبل سنوات . وخلال وجودي معه جاءته مكالمة هاتفية فهمت من خلال الحديث بان على الجانب الآخر قسيس . وكانا يتكلمان باللغة الكلدانية ، كانت المفاجئة لي حينما سأل  محدثه فيما لا تزال " ألمرأة المسلمة " مستمرة بالتسلل إلى سكن احد الآباء الذي أعرفه جيداً ولا يزال حياً يرزق .. ربما اعتقد واهما بأني لا أفهم الكلدانية فأخطأ الهدف ...... وفي أكثر من زيارة من زياراتي الطبية المنتظمة لدار رعاية المسنين في العاصمة بغداد ، لمحت كاهناً من معارفي هناك. إعتقدت أنه آت لمنح بعض من بركته الواسعة لكبار السن ، واكتشفت بعدها أنه على علاقة غرامية مع إبنة من تشرف على الدار والتي تزوجها ، والحمد لله ،  تاركاً البلد والكنيسة نحو أرض الشتات ، وحسناً ما فعل ....  هذا غيض من فيض .......

ما دفعني لكتابة هذا المقال بسبب مناقشة هادئة مع إثنين من أقراني  حول رعاة كنائسنا   .. أبديت رأيي بأن لكل فرد  سلبياته وإيجابياته ، ولكن المقياس يأتي من محصلة الميزتين  ، وذكرت إسم أحدهم وقلت بأنه  على الأقل لا يزوغ بعينيه ، وما أن انهيت كلامي حتى انتفض الإثنان معا ً خلاف ذلك .. تألمت كثيراً في حينه ، ,اخبرتهما بأني مع زواج الكهنة ، وما دام الأمر على هذه الصورة فسأدعو إليه بشدة ... فإذا كانت دوافع " حكم العفة " سياسية ولاهوتية ومادية ذلك الزمن  ، فبالإمكان إبطاله  استنادا إلى نفس الدوافع ... فيا كهنة المستقبل تأهلوا ... كي تجعلوا " حكم العفة " منظوراً واقعياً لا زائفاً ...
 

120
المنبر الحر / إتركوا دين الله
« في: 10:45 07/12/2014  »
إتركوا دين الله

د. صباح قيّا                                  
   
    بغداد أيام زمان حيث ينتشر معظم المسيحيين في المحلات الكائنة بين عقد النصارى في رأس القرية والأورفلي ( ألسندباد حالياً ) . كانت مناطق السكن ,  بصورة عامة ،  خليطاً من أديان وقوميات ومذاهب مختلفة يغلب عليها طابع المسلم و المسيحي ، وتنصهر الطوائف الفرعية جميعا ضمن أحد المسميين الرئيسيين ... كل محلة تعتز بساكنيها جميعاً ويقف البعض جنبه مع البعض الآخر في السراء والضراء ... تدافع عن نفسها تجاه الهجمات المعلنة أو المفاجئة وتحاول كل واحدة تسقيط المحلة الأخرى ، وقد يتحد عدد منها لتشكيل قوة تخشى البقية صولتها وبأسها .. وسعيدة الحظ من يقطنها أحد شقاوات بغداد وما أكثرهم ذلك الوقت . لم تكن المعارك التسقيطية تتعدى التراشق  بالحصى والحجر الناعم ونادرا الضرب بالأيدي أو بالعصي ، ولا اتذكر استخدام الآلات الجارحة أو الأدوات المعدنية .
 
شاءت الصدف يوماّ أن تدخل مجموعتنا المسيحية مع المجموعة المسلمة لمحلتنا في جدل حول دين الله . كلٌ يدعي أن الله من دينه ، ويسند ذلك بحجج ساذجة تتناسب مع العقل الطفولي وما اكتًسبَ من البيت و المدرسة ، أو الكنيسة والملاية . لم نصل بجدلنا إلى نتيجة مقنعة ، فاتفقنا أن نستشير كبار العمر في السوق القريب من دورنا . أطلقنا لأقدامنا العنان نحو السوق ووقفنا عند أول دكان  والذي صاحبه رجل يقارب الثلاثين من العمر يبيع الرقي ....  بادره من يمثل كل مجموعة وبصوت واحد .. عمو عدنا سؤال .. إي تفضلوا... أجاب الأثنان سويةً : عمو ألله مسلم لو مسيحي ؟ تراجع في جلسته إلى الوراء قليلاً  وبدأ يحدق بنا جميعاً الواحد تلو الآخر , أتذكر جيدا ابتسامته وهو ينظر إلينا تباعاً ، وبدت كأنها تخفي بطياتها  الكثير من المكر والدهاء وخاصة أنه  كما يقال " إبن سوك " ويستطيع أن يميز البشر بسهولة . توجه بقوله للمجموعة المسلمة : أنتم ماذا تقولون ؟ أجابوا ألله مسلم . فعقب على الفور : أنتم على خطا . إستبشرت مجموعتنا خيراً وعمّ البشر على وجوهنا  ونحن نشعر بأن الغلبة لنا لا محالة . إلتفت إلينا مردداً : أنتم ماذا تعتقدون ؟ أجبناه جميعاً وبثقة كونه سيقف إلى جانبنا : عمو طبعاً مسيحي . فانتفض ثانية : أنتم أيضا على خطأ . خيّم الوجوم على الجميع بلا استثناء ، ينظر واحدنا للآخر بحزن وخيبة أمل  والكل لا يرغب بسماع ما سينطق به حيث لا بد  أن يكون الله يهودي وهذا ما لا نوده إطلاقاً ... ولم تمضي لحظات حتى فاجأنا مقهقهاً : إسمعوا جيداً : الله لا مسلم ولا مسيحي ولا يهودي ... سررنا بهذا النبأ ،  فالمهم ألله  ليس يهودياً  ، وقد  زال عنا ما كنا نخشاه ...  وبدون وعيٍ صرخنا سويةً : إذن عمو ما هو دينه ؟ أجاب بهدوء مصحوب بابتسامة شاحبة : ألله  كافر وليس له دين . عقدت الدهشة لساننا ، شكرناه بكلمات مبعثرة ومقتضبة ، وقفلنا عائدين لحيّنا صامتين . تركنا الله في شانه منذ ذلك الحين ولم نتطرق إليه أبداًَ .. وتواصلنا ندافع عن محلتنا بأخوة ومودة ... غادرناها بعد أن عشناها أصدقاء أحباء ، ولن نستطيع العودة إليها بعد لأننا أصبحنا اليوم عنها غرباء .

من يحزن على من ؟ من يبكي على من ؟ أليوم يحزن على البارحة ويبكي على الأمس أم العكس هو الصحيح ... عندما كان الله كافرا ً ، كان أبن الوطن مؤمناً أو كافراً  والسلطة تحسب حساب الكفر والأيمان وتضعهما في ميزان هيهات أحدهما يغلب ... كانت هنالك صحافة تكتب .. برلمان ينتخب وداخله معارضة تنقل معاناة الشعب تدخل السجن ولا تهرب ... كان في السجن عذاب وسجناء جلهم من المثقفين بين الجموع تهتف وتخطب .. يسقط الإستعمار ... يحيا  الوطن والويل لمن على الأمة يكذب .... ورغم تباين الفكر ولكن من اجل البلاد عانق الإيمان الكفر ولم يعتب ..  تعاقبت حكومات ورغم الكفر باسم الدين لم تضرب ... قلب الجيش الأمور وثبت أن من كان على السلطة منها لم يكسب ... أخطأ الجيش فمن من بعده من الخزينة لم يسلب  ؟ ...

اعقبت الحركة الإنقلابية للجيش حقبة إنفرادية .. أصبح السجن الواحد سجوناً والألم آلاماً .. غدت الديمقراطية دكتاتورية والتعددية أحادية ... برز الشعراء وتسارع المتزلفون ... لكل مديح ثمن وللتصفيق هدية وللهتاف مكرمة ... سكتت الكلمات وماتت الحرية ... ذابت الوطنية في بحر الخنوع .. ألكل يجب أن يقف بخشوع .. اختلط الكفر بالإيمان.. لا يعرف من في البداية ومن في النهاية .. تارة صلاة وأحياناً ملذات .. انحسر المبدأ وصارت خدمة القائد هي القضية ، ومات الحزب كموت الهوية .

أستبشر الناس بالتغيير ... سيذوق الكل طعم الحرية.. ستفرغ السجون وتسود العدالة بين الرعية ... لن تداس الكرامة ولن  يساوم المواطن على آرائه السياسية أو معتقداته الدينية ... كم توهم الشعب وكم فاته بأن من جاء بالتغيير على دبابة أجنبية لا يمكن أن يخرج الوطن من العبودية أو يمنح الفرد مفاتيح الوطنية... أصبحت الدولة الواحدة دويلات ... والقومية لهجات ولغات ... والدين بدعأ وفتاوٍ وآيات ...  والأحزاب مصالحأً وشركات ... والبرلمان مهازلاً ومهاترات...  جعلوا من الله للأثم حججا واجتهادات ... حلل الإ يمان بالله قتلاً وذبحاً ً ...  سلباً ونهباً ... سبياً  واغتصاباً .. حرقاً ودماراً ... كلّ الشرور وكل الموبقات ...
كم تمنيت أن يظل الله كافراً كما كان كي يحافظ الإنسان على أخيه  الإنسان كأيام زمان .. وتباً لما يجري اليوم باسم الإيمان

121
مسيحيو الشرق ضحايا شذوذ الغرب
د. صباح قيّا
في حوار جانبي مع مجموعة من زملاء المهنة الأجانب خلال عملي في المملكة المتحدة  قبل أقل من عشر سنوات ، ألمحت بأن مستقبل الشعب البريطاني الأصيل في طريقه إلى الإنقراض التدريجي بسبب الواقع الشاذ الذي يرضى  به المجتمع  ويتقبله بقناعة ، وبالتحديد عزوف معظم الشباب عن الإرتباط الزوجي  ، والميل  بدلاً عن ذلك إلى بناء علاقة مشتركة تماماً بين الفتاة والفتى ،   مع العيش سوية في سكن واحد ولمدد غير معلومة قد تصل إلى سنوات طويلة أحياناً ، بدون عقد ديني أو مدني  ، وأيضاً بدون التخطيط للإنجاب والذي نادراً ً ما  يحدث رغماً عنهما . ولا غرابة أن يهجر أحدهما الآخر ليحل بديل جديد بين فترة وأخرى ويستمر الحال على هذا المنوال وتظل نتيجة هذا النوع من الإقتران إما  ندرة حصول الذرية أو إنعدامها تماماً والتي هي بدون شك  العامل الأساسي في ديمومة أيَّ  مجتمع .... هذا من ناحية ، أما الناحية الأخرى فهي تنامي ظاهرة العلاقات الحميمية بين أفراد الجنس الواحد ( ألذكور معاً ،  أو ألإناث معاً ) ، وتشريع القوانين اللازمة لحمايتها والدفاع عنها ، إضافة إلى مباركة وتشجيع الزيجات التي تحصل بين الراغبين منهم ،  والتقيد بكافة تبعاتها حالها حال أية زيجة طبيعية... كل ذلك بذريعة حرية الفرد الشخصية  واحترام خياراته .. وتبقى المحصلة أشد تأثيراً من سابقتها وهي لا ذرية على الإطلاق  ..... ثم عقّب أحد الزملاء السوريين بزهوٍ قائلاً بأن المملكة المتحدة ستتحول إلى دولة إسلامية بعد حوالي خمسين عاماً ... وهنا إنبرى أحد ابناء العم سام ، وكما يقول المثل الدارج " راد يكحلها عماها "  ، مدعياً بأنه لا خوف على بلده ما دامت هنالك ولادات متواصلة ناتجة عن اللقاء المبرمج أو العشوائي الحاصل بين المراهقين والمراهقات من بني جلدته ، والذي سيساهم في الحفاظ على شعب المملكة من الإندثار .
 
لا يمكن إنكار حقيقة اهتمام الغرب بمصالحه الذاتية  ، وأن كل ما سبق واتخذه من إجراء وما سيتخذه لاحقاً يصب في خدمته ومن أجل تحقيق أهدافه المعلنة والمخفية ... وقد فتح ولا يزال الباب على مصراعيه لأستقبال حشود متباينة ومن دول شتى بحجة أو أخرى . قد تكون سياسية الهدف ،  أو مذهبية الفكر ، أو قومية المنشأ ، أو حتى كايدي عاملة ، وما شاكل ... كل ذلك لتنفيذ أجندته الوطنية أو الإقتصادية أو كلتيهما معاً ، ولم يدر بخلده أن ينقلب السحر على الساحر ويغوص في ورطة من صنعه لا يعلم كيفية معالجتها وسبل تجاوزها بدراية وحكمة ،  كون معظم من جاء بهم من بيئة وتقليد وفكر من الصعب بل العسير الإندماج مع بيئته الجديدة ، بل على العكس  يضمر له الحقد والكراهية مع الرغبة بالإنتقام نكاية وحسداً لتاريخ مضى وواقع معاش ... لقد سقط الغرب في خطا استراتيجي قاتل باستقباله من لا يستطيع التعايش مع من يختلف معه بالرأي والإيمان ، بل لا يعي معنى ذلك كونه من بلد أحادي الدين أو المذهب كلياً أو بالأغلبية المطلقة ، وقد تشبّع بتعليمه من كتاب أقل ما فيه " أن لا تجعلوا اليهود والنصارى  أولياء عليكم " ... كل ذلك إضافة إلى العمل الدؤوب مع سبق الإصرار إلى نقل أوجه التباين والتطرف إلى أجياله المتعاقبة عن طريق التربية البيتية مدعمة بالدعم الفكري من المساجد والمدارس الدينية المنتشرة هنا وهنالك ، وبالذات  التي تتبع  مبدأ " اهل السنة " الرافض لنهج الأجتهاد  حيث " لا اجتهاد في الدين" عنده  ، بعكس المذهب الشيعي الذي يتحلى بنهج الإجتهاد كميزة بارزة وشائعة ومقبولة . لذلك شهد العالم هجمات  " 11 سبتمبر " في نيويورك ، وتفجير الأنفاق في لندن ، ومن ثم  ظهور الحركات السلفية المتطرفة وترعرعها بمسمياتها المتنوعة ووحدة هدفها ، ألا وهو الحلم بالعودة إلى مجد الخلافة وبسط نفوذها تدريجياً والسيطرة على العالم وتطبيق الشريعة الإسلامية الغابرة  واهمها  نشر الإسلام بحد السيف كما انتشر سابقاً . وبالفعل بدت بوادره في سوريا والعراق ، وتمارس نكباته في افغانستان ، الصومال ، نيجيريا ، وإلى حد ما في مصر والسودان والمغرب العربي ، وحتى باكستان ودول العالم الأخرى ذات الوجود السني ، والله يعلم كم هي الخلايا النائمة في المجتمعات الغربية التي آوت واحتضنت  ذويها  ، والتي تعمل في نفس الإتجاه ، والتحق الكثير من أتباعها مع تلك الحركات الإسلامية كما هو معلوم وواضح ... كل ذلك من عمل أهل السنة ، وتبقى ردود فعل أئمة الجوامع ومفتيها  باهتة أو شبه معدومة ،  بل ربما مقتنعة ومسرورة في داخلها لما يحصل وهي التي تؤمن إيماناً لا ريب فيه بأن عصر الخلافة هو العصر الذهبي للدين الإسلامي ، وتتمنى عودته اليوم قبل الغد ...
 
ما هي حلول الغرب إزاء هذا التناقض الإجتماعي والواقع المرير ؟ لا يمكن للغرب الديمقراطي أن يسنّ قوانين تفسر بالتعسف ، ولا يمكنه وضع إجراءات يفهم منها تقييده لحرية الفكر والتعبير ، ولا يمكنه تغيير أعرافه بشخطة قلم .... في الغرب سياقات من العسير تجاوزها دون الرجوع إلى رأي الشعب ... إذن أبسط الطرق التي يسلكها  للحد مما  ورد اعلاه  يتم بتطعيمه  بمن بقي من الشعب المسيحي في وطنه الأم والذي ظلّ متمسكاً بأرضه وجذوره رغم التحديات والمصاعب الحالكة ، ولكنها لم تصل إلى ما وصلت اليه بالأمس القريب وما هو مستمر لهذا اليوم ولغد مجهول , من تهجير للنفوس ، ودمار لأماكن العبادة ، ومصادرة للممتلكات العينية والمادية ، وقتل ، واغتصاب ، وفرض الجزية أو الإسلام ، والكثير الكثير من الموبقات والأفعال اللإنسانية .... استطاع الغرب أن يضع الشعب المسيحي المنكوب في أرض الأجداد في زاوية ضيقة جداً لا يمكن الخلاص منها إلا بهجر من  أحب بعمق وتفانى بخدمته بإخلاص ونكران ذات ... وبذلك يكون قد أجبره على طرق باب الهجرة وبالحاح ، وهذا ما أراده وخطط له العقل الإنكليزي بعد كارثة أنفاق لندن ووافق عليه الغرور الأمريكي الذي لم يفق بعد من مأساة مركز التجارة العالمي ... وبذلك يقع الشعب المسيحي  ضحية لما حصل  وما يتوجس منه العالم الغربي ، وخاصة أن مسيحيي الشرق معروفون بعمق إيمانهم وحبهم للعمل وسرعة اندماجهم مع المجتمع الجديد وسهولة اكتساب قوانينه .. فهل هنالك أشهى من هذا الطعم ؟ ...

قد تلعب هجرة مسيحيي الشرق "  بعض " الدور في حل مشكلة الغرب المستعصية ، ولكن لا ولن تتمكن أن تلعب " كلّ " الدور ..... وحتى  " البعض "  قد يكون مرحلياً وإلى حين ... لماذ ؟ ... ألملاحظ  أن الإنجاب في الدول الغربية ,  وخاصة التي لا تسود فيها الكنائس الرسولية  , محدود جداً .. وحتى عند مسيحيي الشرق يتحدد أفراد العائلة بعامل عمر الزواج  والرغبة في أبوّة  عدد من الأطفال بمعدل ثلاثة لكل زيجة على وجه التقريب  بحيث بالإمكان الإهتمام بتربيتهم حسب الأصول ، أي تتفوق النوعية على الكمية ... أما عند  الإسلام ، فالزواج نصف الدين ويتحقق ذلك حالما يشب المسلم عن طوقه ، ولا تحديد لعدد الأطفال كونهم زينة الحياة ... أي الكمية على حساب النوعية ... إضافة إلى ممارسته لحقه الشرعي في الزواج باكثر من واحدة رغم كونه يقطن بلدا لا يسمح بالإقتران إلا بواحدة فقط لا غير ، ولكنه يتحايل على القانون بزواجه واحدة قانوناً والأخريات الثلاث عند " السيّد " ، وليس للمفرخة حدود ،  فلذلك وعلى المدى البعيد يفوق عدد المسلمين أعداد الأديان الأخرى ... وهذا ما يهدد الدول الغربية ويؤيد التوقعات والإحصاءات بسيطرة الإسلام على الغرب  وحكمهم له في المستقبل القريب أو البعيد ... ما هي الوسيلة الناجعة لتلافي ذلك ؟ ألجواب بكل بساطة يكمن في الحد من قبول أتباع الفكر الذي قد يأخذ مساراً إسلامياً سلفياً أو متطرفاً , وتشجيع هجرة معتنقي الأديان الأخرى السماوية منها وغير السماوية ، وحتى الذين لا علاقة لهم بخالق أو دين ما دامت المبادئ الإنسانية في صلب عقولهم وسلوكهم ... فهل يسمع الغرب ويتعظ ؟ أشك في ذلك ما دامت مصالح ساسته الآنية فوق كل اعتبار ...
أيها الغرب متى عن غيّك تصحو وتفيقْ
وخلايا الحقد في المساجد تختط الطريقْ
يومها في دور سباتٍ لغدٍ دامٍ محيقْ
عندها لن يجدِ نفعاً ندمٌ أو لومُ صديقْ 


122
ماذا يٌستشفُّ من مسلسل بيانات البطريريكية حول الأبرشية
د. صباح قيّا
أكرر ما ذكرته سابقاً بأن ما يعنيني أساساً وحدة الكنيسة الكلدانية والتفاف الرعية حولها ، مع قناعتي التامة بأن أي إنسان مهما بلغ من درجة الكمال فإن مآله إلى التراب يلحق من سبقه منذ بدء الخليقة . واضيف بأن ما أكتب نابعاً عن استقلالية تامة ولن أنحاز إلى أية جهة مهما كبر شأنها ، وأناقش الأمور حسب اجتهادي الخاص من دون أية تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة . وأشدد على احترامي لكافة رعاة الكنيسة باختلاف درجاتهم الروحية ومواقعهم الوظيفية, رغم اختلاف وجهات النظر في جوانب غير قليلة. 
لن أعود لمناقشة حيثيات ما حدث سابقاً ، لماذ ؟ كيف ؟ لو ؟ متى ؟ أين ؟ من ؟   ...  بل أبدأ من الذي حصل ، وما سيحصل  لاحقاً .... ألكرة لا تزال في الفاتيكان ... ماذا يمكن أن نستشف من بيانات البطريريكية المتتابعة منذ دحرجة الكرة إلى ملعب الحبر الأعظم ؟ ... يظهر أن الموضوع قد ابتعد عن الحلول التوافقية ، وأن الإصرار على سيادة القانون ,  وعودة الأبناء  الضالة كل إلى عرينه , والعزم على منع تكرار تلك الممارسات الكيفية مستقبلاً ، هي السائدة .... كيف سيكون فحوى القرار الفاتيكاني ؟ هل سيأخذ بنظر الإعتبار ظروف الكهنة والرهبان ويتعاطف مع موقف الأبرشية التي احتضنتهم ؟  أغلب الظن كلا ... إذن هل سيصدر قرار ينسجم مع رأي البطريريكية ؟ على الأكثر نعم ... لماذا كلا  ونعم ؟ ... لن اخوض في الجانب الأول وأترك للقارئ الكريم أن يستنتج ذلك  ، ولكني سأغوص في الجانب الثاني وأشير على استدلالات " نعم " .....

من خلال مراجعة ما كتب في موقع البطريريكية  بأكثر من قلم متنفذ ومؤثر ، يمكن القول بأن هنالك في الفاتيكان طبخة على نار هادئة لصالح الكرسي البطريريكي ... وأن رائحة الشواء قد تسربت .. فلذلك تميزت إيضاحات البطريريكية المتعاقبة بالثقة من جهة ، وبالحزم من جهة أخرى .... ولأمسك تلك البيانات من " الجعب " كما هو معروف في اللهجة العامية .

ألبدء " توجهات البطريريكية وقراراتها " وحسب الرابط :
http://saint-adday.com/permalink/6764.html
" نذعن أنه قد توجد ثمة، حالات خارجة عن فهمنا، توحي بأنها لفرط التصاقها بشظف اللقمة، وسقف العيش، تنتظر انهيار القضبان، لتوضح في عودتها الى القطيع، تعقيدات الاشواك التي كبلتها،"
بلا شك بأن ما ورد في هذا المقال يختلف كلياً عن ما أعلن سابقاً من ناحية الأسلوب الفلسفي , والصياغة االواضحة للوصول وإصابة الهدف. ومعظم ما جاء فيه يشير بقوة إلى رائحة الشواء المتسربة أعلاه ، وأشدها : " انهيار القضبان " ، و  " الأشواك التي كبلتها " .

تمّ مع " نداء أخير إلى الرهبان والكهنة الموقوفين " وحسب الرابط :
http://saint-adday.com/permalink/6754.html
" وعليه لا يخدعنكم أحد، إنما فكـّروا مليًا في مستقبلكم المبنى على الله وعلى أخلاقكم وروحانيتكم، وليس على وعود مطرانكم، مع تقديرنا له، كما ليس بمقدور البطريرك ان يحميكم امام الخطأ.  اننا نؤكد ان حلّ المشاكل يتم من خلال الدائرة البطريركية وليس خارجها والامور قانونيا تسير لصالح البطريركية وليس لصالحكم "
أستطيع أن أجزم الآن بان رائحة الشواء قد اشتدت وأن الطبخة في طريقها إلى المائدة .

وأخيراً لا آخراً مع " رسالة الى سيادة المطران باوي سورو " وحسب الرابط :
http://saint-adday.com/permalink/6747.html
لماذا هذه الرسالة من  المطران يوسف توما لصديقه المطران باوي سورو ؟ والتي تشير إليه باصابع الإتهام وكأنه هو المسؤول ليس عن إعلان البيان فحسب  ، وإنما أيضا عن كتابته ...  قد يكون ذلك صحيحا ، ولكن حتماً بايعاز وموافقة وتوجيه المطران الأول في الأبرشية .... هل ذلك يعني بأنه سيشمل بالطبخة ، أم مجرد لسعة تحذيرية ... هذا ما ستكشفه الأيام القريبة القادمة .
لا أرى الحاجة لمراجعة بقية الإيضاحات فجميعها تصب في نفس المعنى ....

من خلال مراجعة سريعة لسجلات الطلاق والإفتراق ، يتبين بأن معظمها بسبب إشكالات ومعضلات يتحمل مسؤوليتها الجانبان بدرجات متفاوتة ، ولكن كان بالإمكان تجاوزها لو تحلى كل جانب بالعقل الراجح وسعة الصدر ... ومن النادر جداً حدوث ذلك  بسبب جوهري لا يمكن التغاضي عنه كالخيانة الزوجية مثلاً ....
ما اخشاه الآن على كنيستي العتيدة أن يحصل الطلاق لا بسبب انتهاك عقائدي أو هرطقة لاهوتية كما حصل عبر تاريخها الطويل ، ولكن بسبب عوامل من الممكن السيطرة عليها ببساطة وحلها بيسر ... وما يقلقني أكثر التبعات التي تنتج عن الطلاق من تفكك الأسرة وتشتت أبنائها ... يتوهم من يعتقد بأن ضياع 1% ليس مهما أو مؤثراً   ، بل أنا أقول بأن فقدان أية نسبة من الرعية مهما كانت ضئيلة هو كارثة ... دعائي يا رب أن لا تحل على الشعب الكلداني فاجعة جديدة ... فما يعانيه اليوم كاف ولن يتحمل المزيد ....

   .

123
ما تعلمته من الأب فيليب هيلايي
         
د. صباح قيّا
شاءت الصدف أن أكون آخر رئيس للهيئة الإدارية لأخوية الشباب الجامعي المسيحي قبل تأسيس النادي الجامعي السرياني كبديل واقعي عنها بعد تخرج أغلبية أعضائها الأساسيين والبارزين وتأهل الكثيرين منهم ، ثم إنشغالهم في الصفحة الجديدة من مسيرتهم الحياتية . كان ذلك في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي ، و تزامنت  تلك الفترة أيضاً مع ذكرى الأحتفال بمرور خمسة عشر عاماً على تشكيل  الأخوية . إنطلقت مع مجموعة من الأعضاء نحو مقر المرحوم الأب فيليب هيلايي في كنيسة العائلة المقدسة بمنطقة البتاوين باعتباره أول أب مرشد لأخويتنا ،  بغية مرافقتنا إلى كنيسة أم الأحزان في رأس القرية لمقابلة المثلث الرحمات البطريرك بولس شيخو في مقره آنذاك . أشار عليّ بعض الأخوة المخضرمين بوجوب تهيئة كلمة بالمناسبة تلقى أمام غبطته .  إنتبه الأب فيليب إليّ وأنا منهمك بالبحث عن الكلمات والجمل التي تعكس  أهمية العمل المشترك وعمق  العلاقة بين الرعاة الدينيين و فئة العلمانيين  ، فطلب مني تسليمه القلم والورقة . وما هي إلا دقائق معدودة  فإذا بي أقرأ مشاعر صادقة تشكر ولا تتملق ، تعاهد ولا تتسلق ، تعبّر ولا تتمنطق ... جوهرها الإحترام والتقدير لمن هو لها جدير ، والتماس المغفرة عن كل خطأ حتى ولو طفيف أو صغير ، مع التمنيات  بطول العمر وفخرنا به كراع حليم كبير . أثارت الكلمة استحسان غبطته الذي بدى واضحاً من خلال تعليقه التربوي القصير ، وأيضا الحضور لتصفيقه الحاد وإشادته بما جاء فيها من معنىً وفير ..... شكرت المرحوم هيلايي مبيناً له دهشتي وإعجابي بأفكاره الجميلة وأسلوبه المميز ... عقب بما معناه  :  أنا في بدء السلك المهني وحديث الخبرة العملية  ، ستصادفني مواقف متعددة وأعمل مع عقول مختلفة وثقافات متباينة ، والحكمة أن أضع الأمور في ميزانها الصحيح ، وأن اخاطب كل مركز بما يستحق بدون تجاوز الأعراف السائدة أو التنازل عن الحقوق الفردية أو العامة ،  ولكن بصياغة  يطمئن لها الطرف  المقابل حتى ولو لم يتفق معها....وملخص النصيحة الأبوية هي: أن لا اخدش جلداً بتعابير نابية ، وأن لا أزيده نعومة بجمل منمقة  .... مثال رائع تعلمته من الأب فيليب هيلايي وأنا إبن العشرينات ، ليتطور ويصقل بعدئذ بإضافات الأقدمين واستشارات الإختصاصيين ، والذي ثبت مردوده الإيجابي في مناسبات شتى ، ومع مراجع يتصاعد سلمها الوظيفي مع مرور سنين خدمتي .
ألكتابة هي نوع من الإعلام مهما كان الهدف منها . إنتقاء الكلمات وترتيب الجمل ودرج الأولويات فن وموهبة ودراسة .. ألدراسة تُعلّم بدون شك ، وهي أيضا أداة صقل للموهبة والفن الظاهرين أو الكامنين ، ولكنها  لن تقدم الكثير لصاحبها عند عدم توفر ما يكفي من الموهبة ، وعند افتقار القابلية الفنية الضرورية لتصفيف الأحرف ووضعها ضمن  الكلمات ثم الجمل الصحيحة . فلذلك ليس كل من يعالج المرضى طبيباً ، وليس كل من يعلم التلاميذ معلماً ، وليس كل من دحرج الكرة لاعباً ... والحكاية لن تنتهي ... والأهم ليس كل من قام بالكرازة كاهناً ...
 ألكرازة ، بحسب رأيي المتواضع ، شكل من أشكال الإعلام
  بقدر ما هي دعوة لإيصال وترسيخ رسالة الإيمان عند جمهور الرعية ... ما ألاحظه من على شاشة التلفاز  ومن زياراتي المعدودة لبعض الكنائس غير الرسولية في مناسبات معينة ، بأن راعيها يمتهن فن الخطابة ويلم بكافة جوانبه ، ويتقن الحديث إلى الناس بما يتناسب مع طبيعتهم السايكولوجية وتطلعاتهم الروحية والدنيوية ، ويستطيع بذكاء أن يتغلغل إلى مكنونات عقولهم ، وأن يكسب ثقتهم ويشدهم إليه بسهولة ... وأحياناً أتصور نفسي أمام " راسبوتين " في حركاته المسرحية ونظراته السحرية ودعواته الشيطانية .. قد لا ينطلي عليّ شخصياً ، ولكنه استطاع ذلك " الباستر "  اليوم  ان يقنع الكثيرين ، وربما بالغد أكثر .... لا أشك لحظة واحدة بأنه قد سبق له اجتياز دورات متنوعة بهذا الخصوص تؤهله لتأدية مهمته بجدارة , وأن يتبوأ المكانة التي فيها باستحقاق .
وما الاحظه على النقيض من ذلك ، بأن البعض من آبائنا الأجلاء يتلو كرازته قراءة . ورغم ما قد تحتويه من عمق وأصالة ، إلا أنها لن تحمل الوقع والتأثير المرجو منها على السامع ، وعلى الأغلب  لن تثير اهتمامه ويشرد عنها  بعيداً ، وربما يترك الكنيسة إلى أخرى بحجة ضعف الكرازة وسطحيتها ...  ما هو الحل ؟ ألقرن هو الواحد والعشرون ، الأجواء مهجرية والتنافس فيها شديد والمغريات بلا حدود ... في هذا الزمان والمكان لكل معضلة حل .. ألدورات التأهيلية متوفرة ولكافة الإرهاصات الإنسانية والمعاناة الشخصية ... يتوفر مستشارون لمن يرتبك في الإمتحانات وخاصة الشفهية منها .. لمن يساوره القلق قبل موعد الأختبار ... لمن يتلعثم في المقابلات وتطير منه الكلمات ... لمن تفلت أعصابه بسرعة ... لمن لا يتمكن من السيطرة على نوبات الغضب والإنفعال ... لمن يتسرع في القرار وتتغلب عليه الأهواء المزاجية .....والقائمة تطول .... إضافة إلى الدورات التدريبية والتأهيلية في فن الخطابة ، وفن الإعلام ، وفي كافة المجالات الحياتية التي تساهم في بلورة شخصية الإنسان بما يتناسب مع موقعه الروحي او الدنيوي ...
من السوء أن يتطاول الأبن على الأب ، وأن يتجاوز الكاهن قولا وكتابة على سيده ... ولكن الأسوأ من يقابل الإساءة بمثلها أو أسوأ منها .... معرفة الذات حكمة .. والحكيم من يستفيد من الإمكانيات اعلاه .. وأكثر الناس حاجة لها من يتعامل مع الرعية من موقع إداري أو سياسي أو إجتماعي والأهم من موقع روحي ،  إيمانه الكتاب المقدس وإلهامه الروح القدس ...     

124
ألصمتُ سيّدُ الكلام
د. صباح قيّا
كان يحلو للرئيس المصري في نهاية الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي أن يصب جام غضبه في خطبه الوحدوية الرنانة عل رأس القيادة العراقية آنذاك قائد انقلاب تموز 1958 ، الذي تركه لشأنه يسترسل في لومه وذمه بأساليب  بعيدة كل البعد عن الخطاب الديبلوماسي ، مما أثار حفيظته أكثر فتمادى في نعوته الإستفزازية , ورغم ذلك بقي صامتاً لحين إعدامه عام 1963 ،  عدا الإشارة اليه في قوله " إن ذلك الدعي  مسيلمة الكذاب " في إحدى كلماته .........
أتذكر وأنا أتابع الجلسات الشعرية لواحد من مهرجانات المربد عبر  شاشة التلفاز  ، أن صعد شاعر مهجري عراقي الأصل ليقدم قصيدته " ألصمت " وبين دهشة الحضور والمتابعين ظلّ صامتاّ للحظات محدقاّ بهم  بعمق وشرود  ثمّ ترك المنصة ، وكأن لسان حاله يقول :
 لا تحسب أن الصمتَ نسيانُ          فالجبلُ صامتٌ وبداخله بركانُ .... ......................    وقد قيل الكثير من الشعر حول " الصمت " أورد منه على سبيل المثل لا الحصر بعض مما  نظمه " ابو العتاهية " :                                                يخوضوا أناس في الكلام  ليوجزوا     وللصمت في بعض الأحايين أوجز                                                  إذا كنت عن أن تحسن الصمت عاجزاً   فأنت عني الإبلاغ في القول أعجز            وأيضاً في قول أحد الشعراء :                                                                                                                                            والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفٌ   وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح                                                  أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة  والكلب يخسى لعمري وهو نباح 
          كما أن الكتب الإجتماعية والتربوية وحتى الدينية  زاخرة بالعديد من الأمثال و الحكم حول الكلام والسكوت  ، ومنه ما ورثناه تباعاً ونردده في مناسبة واخرى كالقول : ألكلام من فضة والسكوت من ذهب ... خير الكلام ما قل ّ ودل ... ألساكت عن الحق شيطان أخرس ... ألسكوت من الرضا ,, ولن تتوقف القائمة عند هذا الحد .... وكإجتهاد فلسفي ، من الممكن الإشارة بأن " الصمت أبلغ من السكوت " ، فإذا أعتبر السكوت  إعراضاً عن الكلام حقاً كان أم باطلاً ، فيظل الصمت إمساكاً عن قول الباطل دون الحق . فعند الصمت تتكلم العيون وتنطق النظرات ، وتهمس الشفاه وتصرخ تعابير الوجه ... لتقطيب الحاجبين معنى ولإحناءة الرأس مغزى , ولإستقامة الجسم هدف ......   لقد ارهب المسيح رئيس الكهنة قيافا بصمته الرهيب ( متى 26 : 63 ، مرقس 14 : 61 ) ، كما حاز بصمته أيضاً على إعجاب بيلاطس وتهكم هيرودس وخيبة أمله ( متى 27: 13 – 14 , مرقس 15 : 4 - 5  ، لوقا 23: 8 – 10 ، يوحنا 19 : 9 ) . 
  منح الخالق الإنسان هبة الكلام ليتحاور ويتناغم مع أخيه الأنسان .. أختصه من بقية المخلوقات بصوت مميّز  ولغات مختلفة ... أغدق عليه القابلية لكتابة ما ترده من أفكار وما يبغي أن ينقل من أقوال .. فكم محظوظ هذا الكائن الحي بصورة إنسان يَنطق ويفهم ما يُنطق ؟  يَكتب ويقرأ ما يُكتب ؟ ... لكن يتبادر السؤال : هل هبة الكلام ،  المسموع عامة والمقروء خاصة ،  حقاً نعمة ؟ أم قد تكون على قسم نقمة ولصاحبها وصمة ؟ ... بدون شك أن مساحة ما ينشر اليوم شاسعة , وحجومات ما ممكن الإطلاع عليه واسعة ... أليراع يدون ما ترضاه رغبة حامله وبحرية قد تمتد احياناً وعند البعض إلى ما لا نهاية .. أو قد تتحدد وبدرجات متفاوتة حسب مقاييس كاتبها وشروط ناشرها ... تختلف الغايات والنيات  ، وتتباين الثقافات والمستويات الدراسية ... يختلط الحابل بالنابل ويحرق الأخضر على حساب اليابس كما يقال ... واحد يكتب لإثارة المشاعر ودغدغة الأحاسيس ... آخر لترويض الذات وتغطية عقده النفسية وشططه العقلي ... وثالث كانه في مباراة نسوية كلامية يتوهم بخروجه منها منتصرا ...  ورابع متبجحاً بالمعرفة وفي داخله متلازمة حب الظهور أو السيطرة ... ولا ينكر إطلاقاً بأن الغالبية تكتب لغايات نبيلة وأهداف سامية ... تقارع الحجة بالحجة المماثلة أو الأقوى منها ... تزيد على كل معلومة معرفة أخرى ... تبادل الود بالود وتقابل الإساءة بحسنة ...
قد تاخذ المقالات  طابعاً نقدياً قاسياٌ ولاذعاً وحتى جارحاً  ، وتنهج  بعض المداخلات والإضافات نفس المنوال وربما أشد ...  وقد تطال رموزاً وشخوصاٌ في مواقع وظيفية أو درجات خدمية لا يجوز حسب اعتبارات معينة المساس بها أو التعرض لها بمثل ذلك الأسلوب ... ومن جهة أخرى قد تتجاوز  حدود اللياقة الإجتماعية والآداب الإنسانية وتبتعد مسافات بعيدة عن المنهج الخطابي السليم والسلوك العقلاني المعتدل ... كيف يجب أن يكون رد الفعل ؟ ألصاع بالصاع ؟ كلا ... مثقال بمثقالين ؟ كلا .. رد حكيم وهادئ ؟ ممكن ... ومهما كانت نغمة رد الفعل يظلّ الصمتُ سيّد الكلام عندما لا يستحق الكلامُ كلاماً . أتخيل نفسي في مكتبي , ويدخل أيٌ كان فجاة وبدون أن يطرق  الباب ، ويبدأ ، بدون سابق إنذار , بالتهجم عليّ قذفاً وشتماً ... كيف سيكون رد الفعل الأولي  ؟ ... ألصمت لإمتصاص انفعاله وكبح جماح غضبه ... لماذا الصمت ؟ .. هنالك احتمالان : إما أن يكون مختلاً  عقلياً أو قد اصابه مسٌ من كذا ... كيف للعاقل أن يجيب غير العاقل ... أو أن يكون قد كلف بإداء هذا الدور المسرحي لإستفزازي وسحبي إلى موقف  لا تعرف أو تحمد  عواقبه ... كيف للبيب أن لا يفهم معنى الإشارة ... وعليه يبقى الصمت سيّد الكلام لمن لا يستحي من الكلام .                                                                                                                                                           

   

126
         
لو وُضع القانونُ على  بغلٍ  لفطسْ
   
د. صباح قيّا   
   
بدءأً ذي بدء ، لا بد أن أنوه بأني لست ضد أي طرف في الصراع ، بل مع وحدة الكنيسة وهيبتها ، وليس هدف المقال الإنتقاد أو الإساءة لأحد على الإطلاق . أحترم كافة رجال الدين باختلاف درجاتهم الكهنوتية  ومواقعهم الكنسية ، ولكن ذلك لا يمنع من تبيان وجهة نظري بقدر معرفتي واجتهادي وباستقلالية تامة . كما أن ما يرد من مسميات ليس إلا تشبيه مجازي لتعزيز الفكرة وتحقيق الهدف .

لا شك بأن الكثير من كتاب الموقع وزواره قد ذاق طعم الخدمة العسكرية في البلد الأم ، ورغم مرارته السائدة إلا أن  لحلاوته النادرة نكهة خاصة . لا أبالغ إن قلت بأن السلك العسكري يتميز بخصوصيته المعروفة كمدرسة ذات جوانب متعددة وأبعاد مختلفة ، منها الصالح والطالح ، والأبيض والأسود ، وما شاكل من المفردات المضادة ...  وتبقى للفرد خياراته ، طوعاً أو غصباً ،  حسب حظوظه وثقل سنده ( أي واسطته ) ، وهنالك من  يحصل ، استثناءً ،  على مبتغاه نتيجة سعيه الذاتي وشطارته .... وربما يتذكر من سنحت له فرصة العمل في مناطق كردستان الجميلة أهمية " البغل " والحاجة الماسة اليه فيها . ذلك الحيوان الهجين والعاقر الذي ورث الصبر من أبيه " الحمار " ، والقوة من امه " الفرس . يؤدي واجبه بدون كلل وملل ابتداءً من الضياء الأول وحتى الضياء الأخير من اليوم الواحد حاملاً المؤن والمعدات لنقلها عدة مرات يومياً إلى أعلى ربيئة على الجبل .... المعروف عن القانون العسكري بأنه شديد جداً , وأن معظم عقوباته تنفذ حالاً وبدون نقاش .. ولذلك تستوجب المرونة عند تطبيقه على كثير من المخالفات إلى درجة التغاضي عن معظمها وخاصة الطفيفة منها ، وتخفيف الحكم قدر الإمكان بالنسبة للمخالفات الشديدة ، مع التأكيد على وجوب إطاعة الأوامر وتنفيذ التعليمات بدقة واحترام سيادة القانون ... ومن أجل أن يكون مثل هذا الإجراء سياقاً غير معلن ، يلتزم به ، أدبياً ،  من له سلطة فرض العقوبة وخاصة الضباط الأحداث قليلي الخبرة ، كان يحلو للقادة والآمرين ترديد هذه الجملة بانتظام : لو وضعنا القانون العسكري على بغل لفطس .  والحق يقال ، بأن كافة القوانين  سواءً عسكرية أم مدنية لا تحتمل لو طبقت بنودها حرفياً على من ارتكب  جنحة أو جناية أو جريمة .. وهذا ما حمل بالمحامين المتميزين من الإستفادة من بعض نقاطه المبعثرة داخله وتفسيرها لصالح المتهم للتخفيف من شدة عقوبته .... وكمثل مبسط عندما يستوقف شرطي المرور سائقاً بسبب مخالفة معينة  .. قد يفرض عليه العقوبة المقررة لتلك المخالفة ،  أو ربما يخفف  أو يعفو عنه  كلياً  بحسب الحجة التي يطرحها له السائق وقناعة الشرطي آنذاك ، وقد يكون لبعض العوامل البشرية في حينه دوراً سلبياً أو إيجابياً ً بالقرار .

من لا يخطأ ؟ أنا خاطئ .. فلذلك أتناول القربان بانتظام ، وأتلو فعل الندامة مع الجموع .. لماذا لا أتلوه منفرداً ؟ ... لأني لا أود الأعتراف أمام الكاهن ... لماذ ؟ لأني لست واثقاً بأنه سيحفظ سرّي ...  لماذ ؟ لأني عرفت بعض اسرار الناس منه ... لماذ ؟ لأنه بشر  والخطيئة تولد مع البشر ... كيف وهو كاهن ؟ هذا لا يعني أنه معصوم من الخطأ ... إذن لماذا أذهب إلى الكنيسة ؟ لأني علمت نفسي أن لا أصلح الخطأ بخطأ .
نعم ومليون نعم ... لا يجوز إصلاح الخطأ بخطأ يساويه أو يفوقه بالمقدار ولكن يعاكسه في الأتجاه .

 هنالك من ارتكب معصية كنسية وغادر خلافاً للقانون إلى أبرشية مهجرية ولاقى بقصد او بعفوية قبولاً فيها .. مضت سنونً طويلة على هذه الحالة ... كيف التعامل معها ؟ تم التعامل معها ووضع القانون على البغل ، وتظل الأمنيات أن لا يلحق أي أذى ً حتى ولو خدش طفيفاً به ... هل الأجراء صحيح أم خطأ ؟ ألجواب يتقبل الإحتمالين ... كونه صحيح ... لأن ما حصل يعتبر خروجاً عن فحوى القانون الكنسي ، وخاصة أن الفاعل نذر نفسه وأقسم بإيمانه على الطاعة ونكران الذات وما شاكل .. لم ولن تقبل مبرراته لأنه أساء للروح القدس وأبتعد عن جوهر المسيحية وخصالها الإنسانية المثالية ... رحم الله الفيلسوف " طاغور " في قوله : من هو المعتوه الذي يقول أن كل شئ يسير بنظام  ؟ ، ومن هو المعتوه الذي يقول أن كل شئ موجود حيث يجب أن يكون ؟ .... كونه خطأ ... لأنه إجراء ظاهره قانوني وباطنه في قلب الشاعر ، تفوح منه رائحة لوي الذراع وتصفية حسابات شخصية ومواقف ندية ، وتتغلب فيه  الغرائز البشرية على المزايا الكهنوتية .... لم تدرس تبعاته وعواقبه دراسة معتدلة شاملة والذي تجلت نتائجه بوضوح من خلال رد فعل الأبرشية ، ومن ثم إيضاح البطريركية ، والتي تذكرني بالمعارك الكلامية للنسوة في  أزقة بغداد القديمة ... أسفي على كنيستي العريقة أن أراها  منبراً لمهاترات طفولية تتحكم فيها طموحات ذاتية تسعى لأمجاد  خيالية ... رحم الله الزعيم غير المسيحي والقائل " الرحمة فوق العدل "  والذي دفع حياته ثمناً لمبادئه وعلى يد من غفر لهم ومنحهم حباً وجاهاً ( المحبة والغفران والعطاء ) . لا غرابة في ذلك وهو إبن الرافدين مربع الكلدانية والمسيحية الحقة .

  ألكرة الآن في ملعب الحبر الأعظم ( ألبابا ) ... أرفع صلاتي وأتضرع للرب أن يكون في عونه وأن يتجاوز الموقف المعقد والشائك الذي وضعه فيه رعاتنا الأفاضل .... ما هي السيناريوهات المحتملة ؟ هل سيقف مع الشرعية ويدعم البطريريكية ؟ ... هل سيراعي ظروف الخارجين عن القانون الكنسي ويسند الأبرشية ؟ ... لن يكون أي من الحلين مناسباً وأشك أن يتم اختيار أحدهما لحساسية العلاقة بين الطرفين والتي هي  حتماً غير خافية على المؤسسة الفاتيكانية ، إضافة إلى أن اختيار أي منهما سيزيد الجروح إيلاماً ، ولن يكون ذلك في مصلحة القيادة الكاثوليكية .. أغلب الظن أن هنالك حل توافقي يرضي كافة الأطراف إلى حد ما .... والحكمة أن يدعى القطبان إلى حاضرة الفاتيكان لتنقية القلوب وتصفية الأجواء حتى ولو ظاهرياً ، ويتفق على عودة الكهنة والرهبان المعنيين إلى أرض الوطن لمدة محددة على أن يعود من يرغب بذلك إلى كنيسته التي يخدمها الآن  ... كل الحلول بهذا الإتجاه مقبولة وعلى الرحب والسعة .. ألمهم أن لا يضع البابا القانون على البغل والذي لا يمكن أن يتحمله إطلاقاً بل سيؤدي إلى شرخ كبير في جسده يتعذر  بل قد يستحيل التئامه ... وللحديث صلة ... 

 

127

" رفقاً بالرعية " يا إعلام البطريركية ويا موقع كلدايا نت
د . صباح قيّا
ما أجمل الأسشهاد بما سطره العظام على مر العصور ، ومقولة  البابا الراحل يوحنا الثالث والعشرون ( 1958 - 1963  ) : "  ألتاريخ هو معلم الحياة  " لم تكن اعتباطية ....  أتذكر جيداً ما تسمى بحرب الأيام الستة من حزيران عام 1967 وكيف تساقطت  أمة المائة مليون آنذاك أمام دويلة مساحتها أصغر من أية ولاية كندية ونفوس ساكنيها أقل من نصف ساكني بغداد .... كنت في المرحلة الجامعية والإمتحانات النهائية قائمة في تلك الفترة ، ورغم ذلك أحال الطلبة ، بضجيجهم وجدلهم المتواصل ،  نادي كلية طب بغداد الجديد والواسع إلى ساحة حركات ومسرح للعمليات . كل طالب  يخطط ويقود على سجاه ... ثم خاب ظن الجميع بسبب قيادات  ساهمت بشكل كبير في إذلال شعوبها نتيجة لضعف  في تقدير الموقف ... يتكرر المشهد بين فترة وأخرى رغم اختلاف الأحداث وتغير الأشخاص ... ويظل الخلل في تقدير الموقف محور معظم  بل جميع الإخفاقات في شتى مجالات الحياة ...
قطعت عهداً على نفسي أن لا أحشرها في الشأن الكنسي قدر الإمكان بعد مناقشة عابرة مع احد آبائنا الكلدان . عزمت قبلها أن اكتب حول بعض المظاهر الخاصة بعلاقات رجال الكنيسة مع بعضهم ... لا غرابة أن يشكك طبيب بإجراءات زميله ، أو أن يسئ صاحب مطعم لسمعة قرينه ، أو أن تغار أم من تحصيل إبن قريبتها ... ومثل هذه الممارسات وغيرها  شائعة  بين شرائح المجتمع المختلفة  ... تعودت عليها ولن تثير اهتمامي ... ولكن ، وللأسف الشديد ، لم ألمس تقييما إيجابياً من كاهن لأخيه في الإيمان ، ولا أبالغ إن قلت ، وبصورة عامة ، ان العكس هو الصحيح .. أي ما معناه أن البعض من آباء الكنيسة يستمتع عند سماعه ما يقلل بطريقة أو بأخرى من مقام البعض الآخر ... ظهرت علامات الإمتعاض على الأب الفاضل وألح عليّ أن أتغاضى عن الموضوع وأن لا أخوض في خصوصيات العائلة الكنسية إطلاقاً لأن " الشق " ،  حسب تعبيره ، أوسع بكثير من تصوري ، وما الظاهر إلا حيص بيص من المخفي الذي هو أعظم . زادت كلماته من معاناتي ووعدته حسب رغبته .
مرت الأيام وبدأت المياه الآسنة تطفو على  السطح . لا أريد أن أغوص في حيثيات الموضوع ... ولكن ما يدعو للأسف ويثير الشفقة هي ردود فعل عدد من حملة القلم بين مؤيد ومادح  لهذا الطرف ومعارض  وجارح للطرف الآخر . فبدل أن يزيلوا الأشنات ويفتحوا قنوات لتصريف تلك المياه الراكدة وتصفيتها ، أضافوا اليها المزيد من الأعشاب الصفراء والحلزونات الموبوءة . فأطلقوا لأقلامهم العنان تكتب ما تشاء بدون حدود بحجة حرية التعبير والرأي وتناسوا أن للكتابة حدود كما أن للتعري ،  وما ينطق به اللسان ، ولإلتهام الطعام  حدود ... فلكل شأن في الحياة حدود يفرضها العقل السليم على صاحبه  وتتحكم فيها قوانين المجتمع والطبيعة .... تذكرت سذاجة زملائي الطلبة وحماسهم  في إدارة دفة الحرب أعلاه رغم جهلهم بأبسط مبادئها ... والأنكى من ذلك أن تنشر تلك الآراء في موقع أفهم من عنوانه , من نحن ،  بانه يتحفظ عن نشر ما يسئ ويجرح .. ولا أعلم كيف يعرّف هذا الموقع الإساءة والتجريح ؟ وبعض مقالاته تجرحني وتسئ لي عن بعد  ، فكيف عن شعور المعني شخصياً  ؟ . وبالمقابل أقرأ إعلاما صادراً من أعلى موقع كلداني  يصف أسقفاً بالمخادع ، ولا أدري  متى ستقطع السلسلة غير الموفقة من إعلامه ؟ ....
يحضرني وأنا أتابع ما  يجري من رد وبدل بين أنصار القطبين   ما قاله رئيس جمهورية مصر المقتول حينما سئل عن رأيه بالحرب العراقية –الإيرانية ، بأنها صراع شخصي بين إثنين فقط .  ليس المهم اليوم إن كان ذلك صحيحاً أم لا ، فلقد أصبحت تاريخاً مؤلماً بعد أن دفع الشعبان ثمن سوء تقدير الموقف من قبل رأس قيادة كل جانب ... قناعتي بأن ما يدور حالياً داخل البيت الكنسي الكلداني هو أيضاً أساسه  صراع شخصي بين قطبين ولن أحيد إطلاقاً عن هذه الحقيقة مهما كانت تبريرات وحجج كل جانب ... لا أعتقد بأني أمتلك الحق في تذكيرهما بأركان المسيحية الأساسية : المحبة والغفران والعطاء ، وأن الزوغان عن أي منها يؤدي بدون شك الى حلول كارثة مدمرة بين أفراد الرعية يتعذر معرفة مديات وحجم  تأثيرها  . تعلمت من مهنتي أن أشخص الداء من خلال الأعراض المرضية والمظاهر السريرية ، وان أصف العلاج الفعال استناداً لذلك التشخيص .... فالعلة هي المواقف الشخصية ، رغم أني لن أرضى لنفسي اتهام الأول وتبرئة الثاني أوبالعكس ، والدواء يكمن في العودة الى ممارسة الأركان الثلاثة أعلاه ووضعها موضع التنفيذ الفوري قبل أن يصبح المرض عضالاً ، وحينها لن يفيد الندم .
لا بد قبل أن اختم موضوعي أن أشير لرسالة الحبر الأعظم الموجهة لرأس القيادة العراقية يحثه فيها على الإنسحاب من دولة شرعية وتجنيب الشعب العراقي المغلوب على أمره نكبة محققة .. وأيضاً نتيجة قصر النظر في تقدير الموقف ، ألحق التحالف الدولي هزيمة نكراء بجيش المليون وتتابعت الويلات على الشعب المسكين ...  رغم أني قد لا أستحق أن أكون ضمن حاشية  البابا الراحل  ، وحاشى أن يكون أي من القطبين العملاقين رأس الهرم في القيادة العراقية .. ولكن ذلك لا يمنع الإستفادة من أحداث الماضي  والحذر من تكرار أخطاء مماثلة ربما  تنجم عنها عواقب وخيمة  .... ألتمس ، رفقاً بالرعية , موقفاً جريئاً وشجاعاً من البطريركية الموقرة أن تغض النظر مرحلياً عن الملاحقة القانونية الكنسية لمن لم يراعي التقيد بنظام ودستور الكهنوت أو الرهبنة  لظروف معينة ، على أن تسري الإجراءات القانونية مباشرة على من يحذو لاحقا حذو من سبقه في نفس المضمار .... كما ألتمس ، رفقاً بالرعية أيضاً ، من موقع كلدايا الأغر أن يمتنع عن نشر كل ما يسئ بشكل أو آخر لأي من رعاة الكنيسة مهما كان موقعه في السلم الكهنوتي وخاصة  من يقف أعلى السلم وظيفياً .... حتماً سيزيل ذلك قلق المؤمنين في المهجر ً ، ويخفف إلى حد ما من معاناة المهجرين في  أرض الأجداد .
أسفاً لمن يطالع التاريخ                       ومن دروسه لا يتعلم

128

محنة الثقافة في بلاد المهجر

د . صباح قيّا                 

ممكن القول ، بصورة عامة ،  بأن حجم المعلوماتية العامة أوسع عند المواطن العراقي مقارنة بقرينه من بلاد الغرب . قد يكون البعض  ناجما عن المناهج الدراسية ، والبعض الآخر بسبب طبيعة الفرد في ميله للتزود بكل ما من شأنه أن  يساهم في إشباع رغبته بالمعرفة والتي تمكنه من المشاركة بالأمور الحياتية من جوانب متعددة . وقد ظهر ذلك جليّا في حديثي مع زميلة لي في العمل من أصول فليبينية حيث أبدت استغرابها وتعجبها لذكري مفردات بسيطة عن بلدها وأحوال الساكنين فيه ، وأكدت ، من خلال اختلاطها وتجربتها في بلاد المهجر ، بأنها من النادر أن تصادف من يعرف موقع موطنها الأصلي وعاصمته ، فكيف بتفاصيل الديانة السائدة والمستوى المعاشي هناك .... نعم .. ما يثير اهتمام المواطن الغربي مصالحه وكيفية تحقيق طموحاته الذاتية والسبل التي تؤمن له حياة رغيدة ، وتظل معرفته عن أية دولة ما بقدر تأثير أحداثها على مصالح دولته وأمنها الأقتصادي والسياسي والعسكري , والذي يلعب الإعلام دوراً رائدا ً في تعميق مفاهيمه سلباً أم إيجابا.
ما يدعو للقلق في الوقت الحاضر هو انحسار الولع الثقافي عند الأجيال المتعاقبة في أرض الشتات ، وهيمنة التطلعات   المادية اللامحدودة أحياناً ،  والسعي الدؤوب لتأمين المتطلبات الشخصية والعائلية عند غالبية المهاجرين ، مما يجعل فقر التثقيف الذاتي والعزوف عن حضور النشاطات التعليمية المتنوعة  ظاهرة مميزة  .  ولا غرابة أن نصل يوما ما إلى مرحلة يعزف فيها القلم عن الخوض في مواضيع ذات الإهتمام الشامل أو المشترك خارج دائرة الكسب الشخصي  ،  وتنحصر الكتابة في حيز ضيق يسدد خدمة نفعية لصاحبه وشركائه فقط .... فكما أختفت في الأمس القريب نتاجات مهجرية أبدع في خلقها جبران ونعيمة وأبو ماضي وغيرهم  ، فأيضا ستزول تدريجياً كتابات الجيل الحالي وما يليه ولن نجد من يقرأ أو يكتب بعدئذ ما من شأنه توسيع مدارك الفرد وصقله بالنفائس الثمينة من علوم وآداب .
من  المهم الوصول إلى القمة ، ولكن الأهم الصمود  فيها ...  ذلك  أحد مبادئ الحرب الثابتة .. بل بالأحرى مبدأ حياتي أساسي في سعي الأنسان لتحقيق هدفه ولنيل مبتغاه . وفي خضم الصراع بين الخلفية الثقافية لمهاجر اليوم والغد مع البؤس الثقافي لجيل مهاجري الأمس وما قبله ، برزت الرغبة في تأسيس كيان ثقافي كخطوة جريئة لنقل الموهبة الثقافية من عرين الأجداد إلى بقعة محددة من بلاد الغربة ... تم تسميته " ألصالون الثقافي الكلداني " تيمّنا بصالون العلامة الأب أنستاس الكرملي . سيمد الصالون ذراعه لكافة التنظيمات الثقافية في عموم كندا خاصة وأمريكا الشمالية عامة كي تتوحد الجهود ويثمر عنها " ألإتحاد الثقافي المسيحي " ....   
ألقيت القصيدة أدناه عند افتتاح النشاط الثقافي للصالون وفي باكورة نتاجه الأول " مهرجان الأدب والفن " . 
قصيدة أهلاً بالحضور
د. صباح قيّا 
أهلاً بهذا الحضورِ من جمعنا الواعي                منه نستقي الرأيَ وجوهرَ الإبداعِ
لولاكمُ لما صار لفعلنا شأنٌ                                     ولا تعانقت أوراقُنا بيراعِ
 حتى الكلماتُ لا تسمعْ لها أذُنٌ                        ولا العيونُ تبصرُ روعةَ الإشعاعِ
ولا الحناجرُ تشدو لحنَ شاعرِها                           أو أناملٌ تعزفُ أعذبَ الإيقاعِ
ولا الأنوفُ تشُمُّ عِبقَ أُلْفَتِنا                                أو لسانٌ يذوقُ حلاوةَ الأطباعِ
هوذا الكلدانيُّ صالونٌ تزهو به                                 ثقافةٌ للفكرِ وجهٌ بلا قناعِ
يتخطّى سُبُلَ الصعابِ مجاهداً                            أن يدْرَءَ المهاجرُ شبحَ الضَياعِ
مهدُ الحضاراتِ عراقُنا إلهامُهُ                      تهفو له النفسُ رغمَ نكْباتِ الصراعِ
قد الفناها زماناً غابرً تشريداً                               وذبحاً ليومنا هذا بلا انقطاعِ
لنْ يرضخَ الإيمانُ لغزوةِ آفةٍ                        تحصدُ الأجسادَ بأسْمِ ربٍ واشتراعِ
فإيمانُنا صخرةٌ لنْ تقوى عليها                          أحكامُ الخلافةِ وأسيافُ الرعاعِ
إسألوا الأسبانَ كيف عادوا لديارٍ                       أوى المنفى بنيها لقرونٍ سَباعِ
واقرأوا التاريخَ عن كنيسةٍ منحتْ                    على دربِ الشهادةِ قطعاناً وراعِ
غدرَ الفرسُ بها وملوكٌ أغرقوأ                     الأرضَ دماءً في اضطهاداتٍ تِباعِ
وباسمِ الفتحِ غزا من يدعو بالسيفِ                       لدينٍ فيه القتلُ بآياتٍ مشاعِ
لم يسلم الإيمانُ من تتارٍ أحرقوا                  مجدَ منْ يرفضُ الكيلَ لصاعٍ بصاعِ
صورةُ الأمسِ تعودُ اليومَ هلْ نصدّقْ               لو في الشاشةِ خلناها أفلامَ خداعِ
هي الحقيقةُ سراجٌ على جبَلٍ                         كيف يُخفى والعلمُ تشعّبُ الأنواعِ
عذراً إن أحزنتكم بعضٌ من كلماتي                 فالحزنُ لشعبٍ تاهَ في تلك البقاعِ
عشقَ الجذورَ فهالهُ أن يهجرَ                    الأجدادَ لو للأمنِ بصيصٌ من شعاعِ
له مني ومنكم إحناءةُ هامةٍ                           فطوبى للمطرودين بِرّاً والجياعِ
وطوبى لبطنٍ حملتْ سهلَ نينوى                    وطوبى لمن للعدلِ والسلامِ ساعِ
سيظلُّ إسمُ المسيحِ في القلبِ خِفقاً               مهما الزمانُ قسى بموكبِ الأتباعِ
هيَ العقيدةُ محبةٌ في صُلبها                           وبشارةٌ تُغني العقولَ باقتناعِ
ومغفرةٌ لمنْ أغارَ بأهلها                             فالسيفُ هالكُ من يأتيهَ للقلاعِ
وصلاةٌ علّها تَهدي منْ يُكَبّرُ                      اللهَ ويقطعُ الرأسَ كالعبدِ المَطاعِ
ُأنا هو الطريقُ والحقُّ والحياةُ                      لهُ منْ نرفعُ الصليبَ بلا نزاعِ
هذي الرسالةُ من صالونٍ يُزَيّنُ                  بِشْرُ النفوسِ رَحْبَهُ أوّلَ اجتماعِ
فتحيةً لمنْ حملَ الثقافةَ                                 مِشعلاً وشدَّ ذراعنا بذراعِ
نلقاهُ على حُبِّ المعارفِ مرةً                    كلَّ شهرٍ أغلى ما نملكُ منْ مَتاعِ
               

129
سرطان الفكر.. هل من علاج ( 2 ) ؟
د. صباح قيّا       
قبل عقد من الزمان ، وصلت مع عائلتي المملكة المتحدة . شاءت الصدف أن نشتري جهاز الحاسوب من محل صاحبه من أصول باكستانية ، والذي كمعظم  القادمين من تلك الديار لا بد أن يسأل عن أصلنا وفصلنا ، متى وصلنا وما هو عملنا ، وأسئلة متعددة أخرى  تشبع عنده رغبة الفضول من جهة ، وتوهمه بأنها  احدى الأساليب الناجحة لكسب الزبائن من جهة أخرى . ورغم المصلوب على الصليب البارز على صدر زوجتي إلا أنه يخاطبنا وكأننا من دينه ما دمنا ننتمي إلى بلاد الرافدين العزيزة .... لم نكترث لأسئلته الشخصية ولا لأعتقاده فينا إطلاقاً حيث كما يقال " أخذناه على كد عقله " . ثم تغير منحى حديثه متهماً الأنكليز بأنهم يضطهدوهم ويخططون لتدميرهم ونحن معهم باعتبارنا من ملّته ، وعلينا أن نتكاتف ونتحد ونعمل بحذر لنفشل  نواياهم ونحافظ على إيماننا ... سألته : هل كنت في باكستان تملك محلاً كهذا وهل حالتك المادية كما هي الآن ؟ ... هل كنت تملك منزلا كالذي تسكنه هنا ؟ ...  عدد من اولادك أكمل الجامعة والبقية  ستنهيها  لاحقاً ، فهل أوصد أحد طريق مستقبلهم ؟ ....  أنت تذهب للجامع وتمارس شعائرك الدينية بحرية تامة ، فهل من اعترض سبيلك ؟ ... أين يا أخي الأضطهاد والتدمير ؟ ... إنه فقط في عقلك المريض وعقل أمثالك .. تفتح لكم الدول أبوابها وتنقذكم من عذاب بلدانكم و تنقلكم من حياة البؤس والعبودية إلى أجواء النعيم والرفاهية ، ورغم ذلك تضمرون لها  الحقد والكراهية ولكل من لا يسير على خطى الآيات القرانية .... بدل أن تعلموا أطفالكم المحبة والعيش بسلام مع بني الإنسان رغم تباين الإيمان ، تلقنونهم الضغينة وتزرعون في قلوبهم روح العداوة والنكران .. حتما سينشأ جيل وربما تعقبه أجيال مشبعة بمنهج  الغدر والعدوان ، تسلب وتسبي .. تذبح وتقتل باسم ما جاء في كتاب القرآن .. إنه فكر يصيب حامله كالسرطان .. لو ترك من دون علاج سينتشر إلى كل البلدان ويقضي على إبداعات العقل في كل مكان ولأيّ زمان .
من السذاجة الأعتقاد بأن  الحركات الأسلامية المتطرفة تغسل دماغ اتباعها بغية القيام بمثل تلك الأعمال غير الإنسانية وتحت راية " الله أكبر . بل على العكس .. ينفذون ما يناط اليهم بقناعة تامة واندفاع يدل على عمق إيمانهم بما هم فاعلين... كيف للواعي أن يصدق بأن غسيل الدماغ يصيب مهناً متعددة من أطباء ومهندسين وعلماء وأدباء  ... ذكوراً وإناثاً بأعمار متباينة .. أقواماً من بلدان شتى   .. جنسيات وأعراقاً متباعدة ... . إنه في حقيقة الأمر  فكر يستند إلى آيات يؤمن حاملوه  بأنها منزلة من خالق الكون ، والجنة من نصيب من يطبق هذا الفكر قولاً وعملاً . ومن العسير جداً القضاء على فكر يرتبط بالله . فالتاريخ يدلنا على افكار وفلسفات من صنع الأنسان غابت بعد انتعاش مرحلي وتوارت الى حد ما عن الوجود مثل الوجودية والفوضوية والمثالية وما شاكل وآخرها الماركسية ، ولكن لا يذكر لنا  عن فلسفة تتعلق بالأيمان بالله واندثرت عدا بعض  البدع الفرعية  التي ظهرت وحاربها الأصل مثل الخوارج وأيضاً الذين ألهوا الأمام علي   .. ورغم حد السيف ألذي أجبر الكثير من المسيحيين سابقاً  على اعتناق فلسفة دينية جديدة إلا أن المسيحية ظلت صامدة بعقيدتها وأهلها حتى هذا اليوم وستظل للآت من الزمان . ولا أزال عند قناعتي برفض " غسيل الدماغ " بين حتى القاتل باسم الله .. فإذا قبلت ذلك فيعني إذن  قبولي " غسيل الدماغ " بين المسيحيين الأوائل الذين من شدة إيمانهم صاروا طعماً للاسود .. لا بد النظر لما يجري الآن بموضوعية وعدم الأنزلاق خلف العاطفة ومعالجة هذا الداء الفكري بعقلانية بغية إيجاد أفضل السبل للحد من انتشاره على أقل تقدير .
بصراحة وبدون مجاملة أو إساءة لأي كان .. يمكن القول بأن  " داعش" هي الأسلام الحقيقي  .. فما يحدث الآن هو امتداد لما حصل في بداية الدعوة الأسلامية وخلال غزواتها . أنتشر الدين بحد السيف وعلى منهاج " أسلم تسلم " .... ولكن مضى ذلك الزمان ولا بد اليوم من التفريق بين " مفهوم الأسلام " الذي كتبه التاريخ وتعيده " داعش " للأسف الشديد ، وبن المسلمين الذين تشعبوا إلى فرق ومذاهب واتجاهات متقاربة في بعضها ومتباعدة في بعضها الآخر . منها لا يزال  يتقبل " إسلام أيام زمان " ، وأخرى ترفضه بل بعضها اجتهد لتعزيز رفضه . وبصراحة أكثر .. استطاع الشيعة من خلال منهج  " الأجتهاد "  أن يقتربوا كثيراً من الواقع بتغييرهم مفاهيم كثيرة  ، وأن  يبتعدوا نوعاً ما عن " مفهوم الأسلام " كما كان .. كما أن  " المرجعية "  وقاعدة  " تقليد الأعلم "  أوجدت  في الوسط الشيعي نوعا من النظام والأنضباط  وحالت دون ظهور البدع  والأفكار الشاذة ... وكما هو معلوم أن لفتوى " المرجعية " تأثير كبير للالتزام والتقيد بمضمونها . ومن النادر أن تظهر  " فتوى " ذات تأثير سلبي على المجتمع بكامله أو على بعض أطيافه . وقد يكون لذلك علاقة بما قيل " مات عليٌ مسيحياً " . ولا أبالغ في الرأي بأن الشيعي يقترب من جوهر المسيحية عند تعمقه في مذهبه . وقد عرف الخليفة عمر بن الخطاب رغم كونه مقرباً من السنة  بالعادل لأنه اجتهد كثيراً مع النصوص وخاصة المحمدية منها فلذلك تميزت خلافته بالكثير من المآثر والخصال الأنسانية .
يفتقر السنة منهج " الأجتهاد " .. ويصرون على ان " لا اجتهاد مع النص " ... يمجدون الفترة المحمدية وغزواتها التدميرية ، ويعظمون  عهد الخلفاء وعدالة حكم الخلافة حسب اعتقادهم ، أمنيتهم العودة لذلك الزمان . فلا غرابة أن يظهر منهم وبينهم " داعش " و " القاعدة "  و " النصرة " وما شاكل .. كلها تمارس أبشع أنواع ألقهر والتسلط في سبيل الله ... تلتزم بالنص الوارد في آيات القتل والدمار دون الأخذ بنظر الأعتبار تطور الكون  واختلاف الظرف والمكان . تبشر بهذا الفكر وتدعو له  .. تبقى النتيجة واحدة .. وهي امتداده  لمسافات شاسعة وبين جماعات تزداد عدداً وبسرعة غير معهودة ... كانت القاعدة فقط .. واليوم " داعش " ومن يدور  في فلكيهما .. وفي الغد تتفرع كالأخطبوط وتزحف إلى كل مكان إن ترك الفكر كما هو الآن ... متى يستفيق العالم المتحضر ويضيق قليلاً على حرية الأنسان ؟  .. ليبحث عن الخلايا النائمة التي تعمل بصمت  وفي الخفاء .. والتي تبشر للتعصب والتطرف ، ثم العنف والأرهاب ... متى تحدد من لهجة  خطباء الجوامع والمساجد وتفرض عليهم الألتزام بألأحكام السلمية لكتاب القران والأبتعاد عن كل ما يغرس بذور العنف والدمار ، وليعلموا الأجيال كيف تتأقلم وتتكيف وتتعايش بألفة ومودة في كل مكان وزمان ؟ .... فالمهجر تربة خصبة لنمو مثل هذا  الفكر  وتصديره ،  والظاهر أن ذلك يسر قيادته المذهبية التي التزمت وتلتزم الصمت ، ولم يصدر منها ولا اعلم متى يصدر منها موقف جديً وعكسي ً تجاه ما يجري عل  الساحة ... وللأسف الشديد أن السني  يغدو ارهابياً عند تعمقه في مذهبه .. فمن سيعالج ذلك ؟ .... 


130
سرطان الفكر... هل من علاج ؟
د . صباح قيّا              
زارني في عيادتي ببغداد مريض عراقي من أصول ارمنية عاد لتوه من زيارة لأقربائه في دولة أرمينيا بعد سقوط المعسكر الإشتراكي . سألته بعد أن أنهيت المعاينة السريرية . كيف أحوال الأرمن هنالك ؟  بالتأكيد أنهم مسرورون بعد حصولهم على الإستقلال وحلم أرمينيا الكبرى غدى ضمن الممكن بعد أن كان شبه مستحيل . اجابني مبتسماً : دكتور ،  كما تعلم ,  أن  أهم عاملين يحددان سلوك الأنسان في المجتمع هما سلطة ألقانون وعمق الإيمان ، واستمر قائلاً : في السابق كان هنالك حكم يفرض الطاعة والإلتزام بصرامة وحزم ، فلذلك توفر النظام رغم ضعف الإيمان  . أما الآن فلا هذي ولا تلك.. فتصور واقع الحال وما آلت اليه الأمور .. بصراحة وللأسف الشديد هنالك فوضى . 

نعم .. شرائع الدول تتحكم بأبنائها ، وتعاليم الأديان بأتباعها ... يدافع المواطن عن بلده بقدر يتناسب مع قوة شعوره بالأنتماء ، ويتمسك بمعتقده بما ينسجم  مع شدة إلأيمان .. يتبادر الآن تساؤلي : أين موقع  الموجة الجديدة والتي يطلق عليها " داعش " بين ناموس البشر ورسالة السماء ؟  وفي أية مسافة  تقف ؟ لقد كتب عنها الكثير وفي كل لحظة تعيد علينا الأقلام ما سبق وأن قرأناه ونادراً بالخبر الجديد . قالوا عنهم : إرهابيين .. متطرفين متعصبين .. تكفيريين .. قتلة مجرمين .. أدمغة مغسولة لا ترحم ولا تلين .. بلا ذمة  ولا ضمير  .. أعداء  الله وأحفاد الشياطين .. والكثير الكثير من الصفات والنعوت التي تزيّن الفجار والفاسقين ومصاصي الدماء من السفاكين ، وعليهم اللعنة الى يوم الدين .. آمين .... برايي الشخصي تلك المزايا نابعة عن عواطف وردود فعل إنسانية  طبيعية الى حدٍ ما ، ولكنها ليست قريبة من التشخيص الفعلي لهذا الداء الفكري ،  والذي من دونه لا يمكن وصف العلاج اللازم لشفائه من جهة ، واتخاذ الاجراءات الوقائية للوقاية منه والحد من انتشاره من جهة  أخرى ... إنه سرطان فكري  يتوهم من يعتقد بسهولة استئصاله ..  لماذا ؟ عودة الى ما ذكر أعلاه عن ناموس البشر .. إنهم ينفذون ما يؤمرون به بدقة وقناعة .. إطاعتهم عمياء لتعليمات مرجعهم ويلتزمون بها شاكرين .. يذهبون للموت بجرأة ويقاومون حتى النهاية بشجاعة . كل من في صفوفهم  مقتنع تماماً بذلك ،  والحماس يلهب من يلتحق معهم .. أعمار متفاوتة ، أجناس  متنوعة ، لغات متعددة ، مهن ومواهب مختلفة ... طريقهم واحد وهدفهم واضح . لا يتردد أي منهم لنيل الشهادة ، وتتسارع الفتيات لدخول الجنة من خلالهم ... إنها سلوكيات  فكرية  فائقة الطبيعة ... والآن مع شريعة الله .. يخافون الله ويهابونه من خلال تطبقيهم لآياته حرفياً ... يقتلون حسبما يشاؤون إعلاءً لأسمه... يستقبلون الموت بفرح لينالوا ما وعدهم به في جنته . هكذا كانت البداية قبل 1400 سنة والتاريخ يعيد نفسه .. إنه الفكر ولن يدحر إلا بالفكر ، رغم أن  السيف قد يقضي على حامله .

من الذي يستطيع أن يواجه هذا السرطان الفكري ويهزمه بالحجة والمنطق ؟ أنا  ؟ كلا..   أنت ؟ كلا ... نحن ؟ كلا ....... " هم "  ؟ نعم .  " هم " من يتمكن على ذلك إن حقا أراد ... " هم " من قرأ ويتبع نفس الكتاب وصاحبه .. هم من تصل كلمته الى جموعه ... فبدل أن يردد على الجيل عظمة الأمة أيام زمان وعدالة الخليفة في كل مكان ... وبذلك يغرس عند الأطفال بذور العودة الى تلك الأيام بنفس الطريقة القديمة المبنية على القتل والدمار ، والأختيار بين دفع الجزية أو حد السيف او اعتناق الأسلام .. والذي بدوره يؤدي الى نمو التطرف والتعصب بدل الألتزام ، ومن ثم العنف والإرهاب بدل الوئام كما يحصل الآن .... وأيضا " هم " من  عليه أن يعلم الدين بآياته المكية السلمية ، ويتجاوز آيات المدينة الدموية بل يلغيها من منهاجه تماماً لكي يقطع الطريق عن حمل مثل هذا الفكر الهدام .... إنه صراع وحرب فكرية بين من يقوم  بتنفيذ  ما جاء في آيات المدينة حالياً  وبين من يؤمن بنفس الدين ويتحتم عليه رفضها إن حقاً يرغب بالأنتصار .... فإن لم يتجرأ على ذلك يبقى الكلام المعسول عن هذا الدين بأنه يدعو للمحبة والسلام  مجرد كلمات يستهلكها قائلها قبل غيره ... ولا يمكن إنكار من أفلح بالأبتعاد عن تلك الآيات بإدخاله مبدا " ألأجتهاد " والذي خفف كثيراً من تأثيرها على أتباعه ... وللأسف الشديد لا يأخذ بمبدأ " ألإجتهاد " الكثير من المذاهب  وهي نفسها التي يتحول أصحابها الى سيوف حادة بسبب التقيد بالنص الحرفي رغم تغير الوقت والظرف .

 لا تخلو المسيحية من التقيد بالنصوص حرفياً ... وهنالك من يعيش في هذا القرن بالطريقة التي كان  يعيشها المسيح ورسله .. حياة بسيطة في الملبس والمأكل..  يعتمد على إبداعاته الذاتية ويرفض منتوجات العصر .. ولكن لا يختلف في الجوهر عن من يواكب العصر بإيمانه ... ألكل يبشر بالمحبة ويدعو للسلام .. إنه فكر الإيمان المسيحي ألذي يرفض العنف ويؤمن بأن " من ياتي بالسيف به يهلك ... جوهر الإسلام كما ذكر أعلاه .. ولكي يبتعد المسلم عن من يجاهر اليوم بجوهره كما جاء قديماً وعن من يدعو لتطبيقه و تنفيذه  كما تم سابقاً عليه أن يجابه بالقول وبالفعل هذا الفكر وإلا فهو ضمناً متضامن معه وإن لم ينتمي  .ً

لا بد أن اذكر أنه في بداية الحرب العراقية – الأيرانية وأنا في المستشفى مع بعض الزملاء نستمع مساءً الى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة . كان بيننا أحد الزملاء ممن حصل على شهادة الأختصاص في جراحة الكسور والعظام  من المملكة المتحدة يحسب القتلى من الطرفين حسب البيان ثم يردد مباشرة بأسف وحزن المجموع يعقبه "  نقص من  أمة ألأسلام  " ، مثلاً  20 قتيل من الجانب الإيراني و 10 شهداء من قواتنا  ولسان حاله يقول :  نقص 30 من امة الإسلام .... ماذا سيولد عن هذا الفكر ؟ وما هي الأجواء التي ستترعرع فيها فلذات أكباده ...  فحتماً مثل هذا الفكر يجعل الأيمان نقمة لا نعمة ... أجتنبوه ولا تمارسوه فالحل أنتم لا نحن ... والعلاج الشافي عندكم وليس عندنا .. أنه دينكم واجبكم  أن تشذبوه ... فمن على استعداد للموت كقنبلة موقوتة , لا يهمه الموت بأية وسيلة أخرى ... هذا ما يجب أن تمنعوه .. ولن يتحقق الا بتغذية الفكر ثقافة التعايش السلمي وقبول الطرف الآخر ...

131
مُناداة......مَنْ أنادي
   د. صباح قيّا
هنالك مثلٌ عراقيٌ شائع ومعروف منذ القدم ولا يزال يستخدم لحد الآن ، ولا أعتقد أن من سكن بغداد لا يعرفه , ألا وهو : إذا كانت لك شغلة عند الكلب سميه " حجي جليب " . وذلك لكي يحقق لنا  " الحجي البشري المزيّف " ما نبتغيه ، أي بالعربية الدارجة " يسويلك الشغلة " . ذلك ما كنت أوصي به من يصل بريطانيا من زملائي عند لقائي به أبان فترة دراستي خلال الربع الأخير من سبعينات القرن الماضي . ولكن بطريقة معكوسة ... أي يطلق البريطاني على أي واحد منا " حجي  جليب " عندما يشعر بامكانية خدمة مصلحة بريطانيا , عند العمل في مؤسساتهم الصحية ،   ولو بشعرة واحدة أكثر من غيرنا ،  .. إذن مصلحة بريطانيا فوق الجميع ... وليس هنالك أي تفضيل بسبب الدين أو المذهب وما شاكل .. بل نحن بنظرهم أجانب شرق أوسطيين ولتكن عقائدنا وأفكارنا  ما تكن ... ألمهم الأستفادة القصوى من خدماتنا بما يتلاءم مع الخطط الكفيلة ببقاء بريطانيا دولة عظمى أو متطورة على أقل تقدير.  ...   
مرت السنون ... وأنا في عيادتي الخاصة ببغداد ، والعراق ما يزال داخل الكويت والتهديدات بهجوم دولي مرتقب وشيك على أشدها والكل يترقب بقلق وشجون ، جاءني  أحد أقرباء والدي ( من أبناء العمومة )  ،  يودعني  قبل سفره مهاجراً الى الولايات المتحدة الأمريكية . سألته ، لمعرفتي مسبقاً بخبرته السياسية ، عمو: ما هو رأيك بما يجري ؟ أجابني بثقة : تعرف عمك جيداً .. لا علاقة له بالدين أو الكنيسة أو الله .. قضى معظم سنين حياته متنقلاً بسبب مشاعره الوطنية من سجن الى آخر .. ما يحدث حاليا مخطط طويل الأمد لتدجين الإسلام ... تذكر ما قاله لك عمك ولا تنساه  ...... نعم قد يكون ذلك الحدس صحيحاً .. ولكن متى وكيف ؟ وكم من الضحايا ستسقط لحين تحقيق إسلام معتدل ... إسلام متحضر ... إسلام يتقبل الفكر الآخر... إسلام مسالم لا يصرخ متوعداًً بآياته الدموية ... إسلام بحق وحقيق على طريق المحبة والسلام .
 ما يهم ألعالم الغربي مصالحه وأمنه فقط ، ولتذهب بقية الأمم إلى حيث ... صبره طويل ولا يبالي لتحقيق هدفه لو ابيدت شعوب وملل ما دامت بعيدة عنه ... صبر وعمل سبعين عاماً ليسقط قطباً جباراً اصبح بين ليلة وضحاها نموراً من ورق ... أين الأحزاب الأممية الأوربية  التي كانت على  أوج عظمتها في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ؟ ... أين حركات التحرر في العالم الثالث وخاصة في أمريكا اللاتينية  ؟ ... كم من البشر مات أو اختفى أو عذب حتى الرمق الأخير في غياهب السجون القاسية أو ضاع في الغابات والأدغال الوعرة  ؟ ... ولكن بعد كل هذا وذاك غدت تلك الدول عموماً كما يريدها الغرب المتحرر .... ستسقط داعش حتماً ... وستختفي كافة الحركات الدينية المتطرفة آجلاً أم عاجلاً ... ولكن بثمن باهض تدفعه الشعوب المغلوبة على أمرها ، وخاصة الأقليات المتواجدة في  ظل تلك الوحوش الكاسرة ... بدأنا الدفع من الآن .. ولكن متى يسدد الحساب ؟ هذا ما أخشاه ويقلقني ... فحتى يفيق العالم سيحصد الموت معظم النفوس ... ويا ربي سترك ... آمين . 


مُناداة......مَنْ أنادي
د. صباح قيّا
                                                     
دمعي على وطني الجريحِ بأهله يشقى
صفْوُهُ فرَّ طريداً زادَ مِنْ جُرحِهِ عُمقا
هامَ في سوحِ الضياعِ لا يبالي ما سيلقى
مِنْ صِعابٍ تجعلُ الإنسانَ رقّا   مَنْ أنادي

نحنُ مُذْ غدرنا الملكَ المُفَدّى في تناحرْ
نصطفي منْ يعتلينا ثمَّ نُلقيهِ خسائرْ
كمْ سحلنا كمْ قتلنا كمْ هتفنا لمُكابِرْ
لمْ نُميّزْْ بينَ بطاشٍ وغافِرْ    منْ أنادي

تلكُمُ الأخلاقُ عنْ أعرافِ ماضينا غريبه
نحنُ شعبٌ ألفَ العيشَ حبيباً وحبيبه
غمرتْ أطيافُهُ الأمسَ موداتٍ وطيبه
ما دهاها اليوم في شكٍ وريبه   منْ أنادي

منذُ ميلادِ الحضاراتِ على أرضي الجميله
ألُقتْ ريادةُ العرشِ بأقوامٍ أصيله
غدرتها ستُّ موجاتٍ أرادتها ذليله
قاومَ الأصلُ مفاهيماً بديله     منْ أنادي

نحنُ في سومرَ كتبناها حروفاً بديعه
وفي بابلَ شيّدنا ما تضاهيه الطبيعه
ومِنْ آشورَ أجبرنا الممالكَ أنْ تطيعَ
كيفَ للآثارِ تلكَ أنْ تضيعَ    منْ أنادي

ليسَ عيبٌ أنْ نعيدَ مجدَ ماضينا التليدَ
فمنَ الماضي دروسٌ ترفدُ العصرَ الجديدَ
خيرةُ الأقوامِ يوماً لشرورٍ لنْ تعيدَ
تتبنى للغدِ شعباً سعيدَ         منْ أنادي


نحنُ في التاريخِ لا ننسى إباداتِ المغولِ
أسكتوا مليونَ نفسٍ أحرقوا ذُخْرَ العقولِ
مزجوا الماءَ دماءً بصراخٍ وعويلِ
بزغَ الفجرُ فعدنا للأصولِ       منْ أنادي

سطوةُ الدهرِ علينا من غريبٍ وقريبِ
أصدقاءٌ في الحصادِ غرماءٌ في القلوبِ
أفرغوا ما في الكنوزِ ملؤوا كلَّ الجيوبِ
نقمةٌ حلّتْ على هذي الشعوبِ    منْ أنادي

جاءنا غزوٌ جديدًٌ أطلقوا إسمَهُ داعشْ
أعلنَ القتلَ حلالاً وهْوَ عنْ دينِهِ طائشْ
لحِقَتْهُ فتياتٌ لدمشقَ مِنْ مراكشْ
تبتغي الجنةَ مِنْ فعلِ الفواحِش   مَنْ أنادي

شنّوا الإبادةَ جمعاً باسمِ أحكامِ الخلافه
ألصقوا باللهِ فكراً يُظهرُ الربَ خُرافه
لو إلهٌ يبعثُ الدينَ آياتٍ سَيّافه
نُبشّرُ الكفرَ في كلِّ  مسافه    مَنْ أنادي

أيُّ دينٍ يحسبُ النحرَ مِنَ اللهِ رساله
أيُّ نفسٍ تقطعُ الرأسَ وتدعوهُ عداله
أيُّ خُلْدٍ يفتحُ البابَ لأرذالٍ حُثاله
تشتهي الغلمانَ والحورَ وصالَ    مَنْ انادي

شهدتْ بغدادُ منذُ البدءِ غزْواتٍ عديده
لمْ تكُنْ وقتاً كهذي قسوةُ البطشِ شديده
حتّى هولاكو أباحَ فترةً غيرِ مديده
عادتْ الأحوالُ آمالاً رشيده       مَنْ انادي

ما قيلَ منذُ ألفينِ قد غدى اليومَ حقيقه
طردوا السكانَ قسْراً سرقوا حتى الوثيقه
ذنبُهُمْ حملُ صليبٍ مجدُهُ ربُّ الخليقه
كمْ يدومُ جرمُ شُذّاذٍٍّ صفيقه    مَنْ أنادي

ما عهدناهُ حديثاً لم يكُنْ صُنْعَ بلادي
فبلادي وطأتها غربةٌ منَ الأعادي
لمْ تبايعها القفارُ لا ولا حتّى البوادي
تبّاً منْ زيّفَ كُنْيَةَ البغدادي    مَنْ أنادي

كمْ يظلُّ الجرحُ من دون علاجٍ وشفاءِ
فهْوَ لو باتَ طويلاً قادنا نحو الفناءِ
وطأةُ الأمراضِ أنْ تُترَكَ من غيرِ دواءِ
جُرحنا نزفُهُ فاقَ كلَّ داءِ      مَنْ انادي

أين الضميرُ هلِ العالمُ حقاً في سباتِ
أم لها يرقصُ سراً وهْوَ خِلٌّ للجناةِ
لمْ يطقْ جيشُ يديه صدَّ آلافِ الغزاةِ
تركَ الأرضَ وغابَ في الفلاةِ    مَنْ أنادي

غزَواتٌ  غزَواتٌ غزَواتٌ غزَواتُ
ثمَّ حرقٍ ودمارٍ وبالناسِ نكاياتُ
تُطربُ الغازيَ حيناً بعداً يطويها المماتُ
تُروى للأجيالِ عنها حكاياتُ    مَنْ أنادي

ملأَ الوهمُ عقولاً ظنّت الغزوَ ذكاءَ
ومع صبحٍ منيرٍ يكشفُ اللهُ الغباءَ
كيف تقوى أن تكيدَ سبعَ مليارٍ عداءَ
سيفيقُ الكونُ يرميها هباءَ      مَنْ أنادي

موجةُ الحقدِِ أتتنا بالغدِ حتماً سترحَلْ
إسألوا التاريخَ عنها يعلمُ ما قد سيحصَلْ
نكَباتٌ سابقاتٌ لم تكنْ من هذي أفضلْ
كلُّ منْ جاءَ بسيفٍ بهِ يُقتَلْ    مَنْ أنادي

ما نراهُ اليومَ حلماً أمْ علاماتِ النهايه
رؤيا يوحنا تشيرُ بابلَ هي البدايه
تقسمُ إلى ثلاثٍ إنها رمزُ الحكايه
ومليكٌ يحملُ السلمَ برايه     مَنْ أنادي



132
المنبر الحر / مناجاة... أينَ أنتِ
« في: 12:35 20/07/2014  »
مناجاة... أينَ أنتِ
د. صباح قيّا   
في المرحلة الثانية من دراستي في كلية طب بغداد  , كان يشارك غرفتي في القسم الداخلي أحد طلبة المرحلة الأولى من كلية طب الأسنان . كنت املك مذياعاً قديما يطلق عليه " راديو أبو الساعة " جلبته من البيت , و كان المذياع الأول الذي اشتراه المرحوم والدي ثم انتفت الحاجة اليه فأصبح ضمن ما موجود في الدار من " عتيك متيك " الى أن " كمركته " كما يقال ، رغم اضطراري لتأديبه أحيانا براحة يدي كي يستمر بالبث ولو مع بعض " الخرخشة " . شاءت الصدف ان أنهض صباح يوم بعد زميلي  الذي كان عند المغاسل المشتركة لطابقنا وسبق له أن فتح المذياع على غير عادته . أطفأته بعفوية . رأيت الغضب يتطاير من عينيه بعد عودته الى الغرفة وخاطبني بعصبية واضحة .. لماذا أطفأت الراديو ؟ أجبته : هل هنالك مشكلة.. أننا لم نتعود فتحه ونحن نتهيأ للذهاب الى الكلية . اصر بأني تعمدت ذلك حيث كانت فقرة تلاوة القرآن الصباحي . لم يعر اهتماما باعتذاري وكل محاولاتي لأقناعه بأن ما حدث لم يكن مقصوداً . فبدأ يكرر صارخاً بصوتٍ عالٍ  .. قتلك حلال ... قتلك حلال .. قتلك حلال ... وأنا انظر اليه مشدوهاً وقد عقدت المفاجأة لساني .. تسارع الطلبة الى غرفتي ... وعندما علموا بحقيقة الأمر لاقى منهم الإستهجان والملامة ’ حيث كانت الأفكار العلمانية والإتجاهات القومية هي السائدة آنذاك في الحرم الجامعي ولم تكن للحركات الدينية وحتى المعتدلة منها أي دور يذكر ...  اضطر زميلي بعد أن خذله أقرانه من نفس الدين وحتى نفس المذهب الى الإعتراف بتسرعه ... هذا مثال بسيط يجسد " ثقافة القتل " ... والتي قد تنضج أو تتلاشى بتأثير عوامل متعددة ومتشابكة ...المهم أنها ذابت عند شريك غرفتي وصرنا ولا نزال  أصدقاء متآخين .
مرت سنونٌ طويلة ... أطل على شعبنا المسلوب الإرادة الحصار الجائر .... كنت ألاحظ الأعمار الصغيرة واليافعة من أبناء منطقتي يتوجهون فرحين مبتسمين أيام الجمع لأداء الصلاة في الجامع الذي لا يبعد كثيراً عن داري .. لكن ، وللأسف الشديد، ينعكس المظهر حال خروجهم من الجامع .. أرى في وجوههم تعابير الحقد والكراهية والغضب .. أشعر من نظراتهم المخيفة بأن غريزة الخطيئة أقرب اليهم منها الى الشيطان . لا  غرابة في ذلك ما دام الخطيب يهدد ويتوعد ... أقتلوهم ... ألكفرة .. ألملحدين  ... ألصليبيين المشركين .. أعداء الله ورسوله .. أجركم عند الله عظيم .. ستفتح لكم أبواب الجنة  والنعيم ... هذا مثال آخر على " ثقافة القتل "  ... ولكن تأثيراته خطيرة وعواقبه وخيمة ... يعاد المشهد في كل خطبة وبانتظام .. أناس في عمر الزهور يغسل دماغها تدريجياً .. من العسير أن يتلاشى مثل هذا التطعيم ، بل حتما سينضج عند الكثيرين ... هذا ما حصل بالفعل ونحن شهوده ...
مارس الإنسان القتل منذ بدء الخليقة .. ألأخ قتل أخاه ضمن أول عائلة وردت في الكتاب المقدس ... أفراد العائلة الحاكمة يتخلص البعض منهم من البعض الآخر بخبث ووحشية طمعا في اعتلاء سدة الحكم . دولٌ اكتسحت أخرى .. أمبراطوريات أبادت مثيلاتها ... حروب ومطاحنات على مدار التاريخ ... ألأسباب متنوعة والحجج كثيرة ... يبقى الهدف واحدا .. ألدمار والقتل لمن لا يرضخ ..
ظهرت العذراء أمنا مرات عديدة ... لم تظهر لأيقاف الأقتتال والحد من الحروب وبغي الأنسان على أخيه الإنسان ... ظهرت تدعونا للتوبة والصلوات ... تباركنا للتشبث بالخالق ونلتصق بالإيمان ... ذلك هو طريق المحبة والسلام ... هل من يسمع ؟   



مناجاة... أينَ أنتِ
د. صباح قيّا                 
   
أماهُ مهما كتبتُ لنْ آتيكِ بالجديدِ
فما قيلَ قبلَ اليومِ لا يُجارى بالمزيدِ
شعبكِ في متاهاتِ الأرضِ يشقى كالعبيدِ
يا شفيعةَ الخَلْقِ أمَّ الوجودِ            أينِ أنتِ

نحنُ مِنْ أجلكِ للشهادةِ جمعُنا يمضي
مذ حملنا رايةَ الصَلْبِ نشرناها بومْضِ
نفخَ الشيطانُ ناراً كيْ علينا هو يقضي
ولهيبُ الشرِّ يشتدُّ ويلْظي            أينَ أنتِ

هَوَذا الكنائسُ صِرْحُها قد أمسى خرابا
أرعبوأ الكُهّان فيها وأذاقوهمْ عذابا
زيلتْ الصلبانُ عنها أشبعوا الناسَ حِرابا
يقرعُ الناقوسُ في حزنٍ سرابا      أينَ أنتِ

هلعٌ في كلِّ دارٍ أو معاناةُ مصائبْ
طفلةٌ تصرخُ ماءً ونساءٌ لا تُجاوبْ
ورجالُ الحيِّ ليلاً في عذاباتٍ تناوبْ
وسياطُ الذلِّ تُدمي كلَّ جانبْ        أينّ أنتِ

دخلوا دارَ العذارى واستباحوأ حُرُماتِهْ
قُصَّراً كُنَّ الصبايا تِلْكَ مِنْ صُلْبِ سِماتِهْ
أيُّ دينٍ يختلي الجسمَ المُسَجّى بِمماتِهْ
كيفَ يا العذراءُ نرضى بِزُناتِهْ      أينَ أنتِ

ما شادَ على الأرضِ سنيناً أفْنتْهُ دقائقْ
مَنْ سيحكي قصةَ الدينِ بتصويرِ الحقائقْ
لا بناءٌ لا رموزٌ لا ولا حتّى رقائقْ
أعدموأ تاريخَ مجدٍ بحرائقْ        أينَ أنتِ

نحنُ لا نقوى على قهرِ الغزاةِ بالمعاركْ
قد جَبَلْنا الدينَ سِلْماً رغمَ موجاتِ المهالكْ
كمْ شهيدٍ عانقَ الموتَ صليباً بهِ ماسِكْ
وحصادُ السيفِ قسّيسٌ وناسِكْ    أينَ أنتِ
لا نظُنُّ الغربَ عنّا في دِفاعٍ أو قتالِ
فَهْوَ لا يسْنُدُ ديناً لا يُجازيهِ بمالِ
دينُهُ الدولارُ حصراً ببديلٍ لا يبالي
لمْ يكُنْ قيصرُ مِنْ هذي الخصالِ   أينَ أنتِ

نحنُ لا نملُكُ غيرَ مجدِ الألهِ سلاحا
لمْ نُقاتِلْ برصاصٍ أو نبادلْهُمْ رماحا
كمْ رِقابٍ نُحِرَتْ جَهْراً فزادَتْها جراحا
دمُها السفيحُ يرويهِ سياحا       أينَ أنتِ

ذنبُنا أنَّ المسيحَ في ثنايانا يَشُِعُّ
إبنُكِ نالَ صليباً نحنُ للصلبانِ نَبْعُ
خدُّنا الأيمَنُ كالأيسرِ صَفْعاً لهُ يدعو
كمْ مِنَ الأديانِ للغفرانِ شَرْعُ    أينَ أنتِ

قبلَ ألفيْنِ مِنَ اليومِ تَعَمَّدْنا مسيحَ
جاءَنا توما الرسولُ دَلَّنا الدربَ الصحيحَ
ومعَ بغيَ الزمانَ أصبحَ الشعبُ شحيحَ
منْ يُداوي الوطنَ الأمَّ الجريحَ   أينَ أنتِ

قد هجرنا البلدَ الغالي بأسمالِ المتاعِ
بعضُنا لاقى نجاحاً والكثيرُ في ضَياعِ
تركَ الأبنُ أباهُ وتوارى في البقاعِ
قسوةُ العيْشِ وقلبٌ في صراعِ   أينَ أنتِ

يا تُرى هل نتركُ الأيمانَ أمْ نبقى عليْه
مَنْ سِوانا جابَهَ الليْثَ براحاتِ يديْهِ
وعويلُ الحقدِ للأجسادِ أنْ تُرمى إليْهِِ
مَجَّدَتْ والطُعْمُ يُلهي ساعِدَيْهِ    أينَ أنتِ

مريمُ العذراءُ يا أسمى النساءِ الطاهراتِ
قد ظهرتِ في زمانٍ ودعوتِ للصلاةِ
سنُصَلّي اليومَ حيّاً أمْ يُساقُ للمماتِ
وصدى التسبيحِ يدوي للخطاةِ   أينَ انتِ

نحنُ لا ننشُدُ أنْ نبصُرَ قِواماً بَهِيّا
صورةُ العذراءِ بالقلبِ وبالأفكارِ تحيا
كلُّ ما ندعوهُ رحماكِ لمَنْ صارَ شقِيّا
وغدى الجورُ على الدهرِ عتِيّا   أينَ أنتِ



133
عذراً لدجلة والفرات
د. صباح قيّا                                                                                                                      
في الربع الأخير من سبعينات القرن الماضي وخلال عملي كمقيم في إحدى مستشفيات بلد الضباب , اقتربت مني إحدى الطبيبات الإنكليزيات بعد أن قيل لها بأني من بلاد الرافدين .  بدت عليها ملامح الحزن والإمتعاض في آن واحد . بدأت كلامها بعد أن قدّمت نفسها قائلةً بانفعالٍ خجول : لماذا تطمرون الأهوار ؟ أنها من روائع الطبيعة .. سكنتها أقوام مختلفة وقامت على ضفافها حضارات متعددة ... يعتقد أنها جنة عدن على الأرض وشجرة آدم قريبة منها... ما جدوى بناء عمارات شاهقة وهي متوفرة في كل مكان وبالإمكان تشييدها في اية بقعة وزمان ؟ .. ولكن من أين لكم أن تأتوا ثانية بهذا الإرث الرائع الخلاب بعد أن تحولوه الى صرح عصري لا يختلف عن المنتشر في بقاع المعمورة . غادرتني برهة من الزمن لتعود   . The Marshes of Iraq بعدها مع كتاب " أهوار العراق "   
إستمرت تحدثني بحماس عن العديد من أهوار جنوب الوطن الحبيب وبتفاصيل أجهلها شخصياً . أشارت لبعض الكتب التي قرأتها وتحتفظ بمجموعة أخرى تعود اليها عند الضرورة . عقدت الدهشة لساني ، ولم يكن لي جواب يشفي غليلها ويخفف من مشاعرها المريرة . ليست لي أية معلومات عن مشاريع الدولة آنذاك وخططها المستقبلية بشأن الأهوار ... بعض ما أتذكره من دراستي أنها مصدر الأسماك والرز ، وأهلها يتنقلون بينها بواسطة ما يسمى " المشحوف " , وأن مرض البلهارزيا يستوطنها ، ولا يعتبر ذكورها رجالاً الا بعد أن يتلون إدرارهم باللون الأحمر الدامي .
ومرت السنون .. ما كان يعتقد أنها جنة عدن ، تحولت إلى جهنم على الأرض ... طُمر البعض  منها وغُيّر مسار البعض الآخر لآغراض تعبوية عسكرية هذه المرة ,  وانتهى التجديد الحضاري فوق الرفوف العالية .... إستبشر أهاليها منذ زمن قريب بعهد جديد حاول أن يعيد لها الحياة .. ولكن بناء السدود وتحويل سريان مصادر مياهها من قبل ثلاث من دول الجوار أفشل ذلك  .......
مسكينة " بنت العم سام " ستموت في حسرتها على أهوار الجنوب  إن كانت ما تزال على قيد الحياة ... ولكن كم من الأنام سيموت حسرة على ما آل وسيؤول اليه نهر دجلة وأخيه النهر المقدس " ألفرات " ؟ لننتظر والأيام حبلى بالأحداث ..
                                            *****************************************
عذراً لدجلة والفرات
د. صباح قيّا                         
أسفي لدجلة يستجديَ ماءَ                           تباً لمنْ سقيَ العراقَ دماءَ
وذا الفراتُ يبكي يومَهُ عطشاً                      فبدى بطولهِ رقعةً جرداءَ
يا بئسَ منْ سدَّ المنابعَ أصْلَها                وزاغَ عنْ مهدِ الحضارةِ أسماءَ

تلكَ المياهُ كمْ شِعرٍ ألُقَتْ بهِ                     وكمْ مُطربٍ صَدحَ لها غناءَ
وعاشقٍ ناجى الهزيعَ حبيبةً                     فخالَها في ليلةِ البدرِ حوراءَ
وصائدٍ جنتْ منَ الأسماكِ وزناً                   شِباكُهُ زادَ منْ مالِهِ رخاءَ
وغريقٍ لفَّ منْ وحْلِها كَفََناً                      قدَراً طالَهُ الحمامُ أمْ رِضاءَ
 وكمْ منَ الأقوامِ مدّتْ بساطَها            خصوبةُ الأرضِ كانتْ لها إغراءَ

روافدُ الخيرِ ضاقتْ غدرَ راعيها             فخطّت من القريضِ لهُ هجاءَ
مسكينةٌ خضرُ المروجِ تناثرتْ              مِنْ شدّةِ القَيْظِ أوراقُها صفراءَ
وعنْ ضفافِها قبائلٌ رحَلَتْ                   على أرضِ الشتاتِ ذاقتْهُ شقاءَ
وكمْ منَ الأشجارِ ماتتْ عروقُها                ومنَ الطيورِ هجرَتْها ظِماءَ

أينَ العيونُ لمْ تبصُرْ فواجِعَنا                   ولا الآذانُ تَرْنو لها سُمَعاءَ
فِعْلُ المروءَةِ غابَ عنْ مزاياهم                  فغَدى التآخيَ داءً لا دواءَ
تلكَ السِقامُ لا يدنو لها بَشرٌ                  إلا الذي ركَبَ الرؤوسَ غباءَ
  يا ويلَ منْ حسِبَ البلادَ لُعبةً                 عَبَثاً بأمرِها يلهو متى شاءَ

يا حسْرَتي لتاريخٍ مجدُهُ شطٌّ              منَ النهرينِ ماءٌ لمْ يبخلْ عطاءَ
يا ليتَهُ منْ دمْعِ السماءِ يُدامُ                  ونعمةُ الخالقِ لا تذهبْ هباءَ

عُذراً لدجلة والفرات كلاماً                    حَبَسْتُ لهُ دمعَ عينيَّ حياءَ
نظَمْتُهُ شعراً يُجَسّدُ داخلي                       أنَّ الفؤادَ يهفو لهُما وفاءَ         
*********************************************************

134
المنبر الحر / هيَ كبوة
« في: 10:45 28/06/2014  »
يبدو أن الثمرة قد أينعت الآن .. ولكن هل حان قطافها أم بعد ? .. وتكمن الخطورة في كلمة " بعد " ... كلا لم يحن قطافها الآن بل بعد .. بعد أن يتشتت كل الشعب وتتفتت  وحدة الوطن ... بعد مزيد من الدم يراق ...  وأفجع المآسي تحل على أرض العراق ... وأهله يتجرع مر المذاق .
لقد اختمر ما كان يحاك في دهاليز السياسة اللعينة وما خطط له دهاقنتها منذ زمن بعيد .... أن لا يبقى عراق ... ويظهر أن الوقت اليوم هو الأنسب لكي يتحقق هدف أن ينتهي العراق والذي طالما كان ولا يزال حلماً لدولٍ ثلاث ليس إلا... إنتقاماً لأحداث تاريخية  تسبق الميلاد في بعضها , وإلى وقت قريب لبعضها الآخر .
دول ثلاث لا تنسى , ولا تود أن تنسى , بل لم ولن تنسى إطلاقاً :
ألأولى : كيف تنسى سبي الإمبراطور الآشوري سنحاريب , وسبي الإمبراطور البابلي الكلداني نبو خذنصر , وحديثا الصواريخ التي زادت الطين بلة .
ألثانية : سقطت إسطورتهم على أرض الرافدين , واضطرت إتباع دين جديد , وبالأمس القريب أعلنت قبولها وقف القتال , رغم قناعتها أنَّ تجرّعَ السم أهون من هذا القرار  .
ألثالثة : لم تكن يوماً في الحسبان , شعبها اعتاش من صيد اللؤلؤ , كم توسلت قبلاً أن تلتحم مع الوطن الأصيل , حتى أنعم الله عليها بالذهب الأسود فصارت دويلة لها كيان . تصدر اليوم  أنواع المذلة والهوان كرد فعل لما لقيت نتيجة لسوء في تقدير الموقف .
نعم .. لن يغمض جفن هذا المثلث الرهيب حتى يمحى إسم العراق .
إستفيقوا أيها الرفاق .. إبدأوا العمل من أجل الوفاق .. قاوموا الشقاق ... إدرأوا عن أنفسكم بذور الحقد والنفاق .... و حافظوا على العراق ... رجاءً إهتفوا ليحيا العراق ....
هذه أبيات شعرية مني لكم عسى ولعل الضمير يستفاق ....                                 
هيَ كبوةٌ
                                                                                                                                                                    د. صباح قيّا
دولٌ لوحدةٍ تتقدم ُ                             وبلادي مذاهباً تنقسمُ
تلك اوربا كمْ حروبٍ شهدتْ             ومآسٍ يندى لذكرِها القلمُ
ورغمَ التناحرِ صاغتْ يومَها                أُطُراً لغدٍ لها تبتسمُ
هو ذا اتحادً  لملمَ شملَهم             بالأمس كان عداءً لا يرحمُ

أين الإخاءُ يا مَنْ لشيعتِكمْ                   مِنْ سنّتِكمْ ذريةٌ تنعمُ
وكذا السنيةُ مِنْ أبنائها                    عمرٌ مع العباسِ مُلتحمُ
وعلى الكنيسةِ صليبٌ بين                الجوامعِ شعاعٌ به النعمُ
ألف الوفاقَ وجمعُهُ مع                        الهلالِ وأهلِهٍ يترنّمُ

كفى قتلَ بعضِِكمُ لبعضٍ و                 لسانُكُمْ للأغرابِ يتّهمُ
قد ولّى زمانٌ تغزوا القبائلُ               جارَها وتسبي ثم تغتنمُ
أسفاً لمَنْ يُطالعُ التاريخَ                      ومِنْ دروسِهِ لايتعلّمُ

مهدُ الحضاراتِ هلْ حقاً غدِرَ            الزمانُ بهِ هَجرتْهُ الشِيَمُ
أمْ أنها غيمةٌ تطولُ به                      زمناً مِنْ بعدِهِ تتشرذَمُ
نعمْ هيَ كبوةٌ فلا الكلْديُّ            يرضخْ ولا الآشوريُ يستسلمُ
ولا الحسينُ يرضى سطوةَ الظلمِِ            أو الخطّابُ بهِ تتحكّمُ
وحتى المندائيُ يغدو ثائراً                صيانةُ الأوطانِ له مَلْهمُ
وذا الأرمنيُّ فخرُهُ ماضٍ ما                زالَ عنه الحاكمُ يتكتّمُ
سلِ اليهوديَ منْ ذاقَ دجلةَ                   كمْ هو لدارهِ  يتوحّمُ

عراقُنا لنْ يموتَ فإنْ ماتَ              لا لن تعيشَ مِنْ بعدِهِ أممُ
هوَ العراقُ زهورٌ مِنْ عِبقِها          في َجنان الأُلفةِ شعبٌ ينسمُ
هيَ الحلولُ سلامٌ لرهابِ             العيشِِِ وجراحِنا نِعْمَ البلسمُ


135
ســـلبياتــــــي هــــــــــــــــــيَ

د. صباح قيّا   
ألدروس المستنبطة تعبير يحلو تداوله عادة بين العسكريين ، ونادراً ما تغفل الكتب العسكرية ذكره  وخاصة التي تستعرض معارك الحربين الكونيتين الأولى والثانية . ويستفاد منها للأعداد للمواجهات المستقبلية من خلال التحليل المفصل للأيجابيات والسلبيات لأية معركة . وقد تؤدي تلك الدروس عادة اما الى تهميش قائدها أو الى رفع شأنه  , و تصل  أحياناً الي الدرجات الدنيا من الوحدة العسكرية المشاركة في القتال . وقد تكون هي  وراء المثل الشائع " للخسارة قائد واحد وللفوز ألف قائد " .   

شاءت الظروف أن احضر مع عدد من زملائي خلال السنوات الأولى من تخرجنا تحليل أحد التمارين العسكرية ألتي قام به جحفل لواء مدرع  في منطقة جبل حمرين لأستنباط ما يمكن من الدروس تحسبا لما قد يحصل لاحقا والذي حصل بالفعل . انزوينا مع الصنوف الساندة الأخرى كالأعاشة والآليات في المقاعد الخلفية بعيدا عن الصنوف الحربية ، والذي هو  في الواقع  جزء من السياق المتبع عند ترتيب درجات الجلوس في مثل هذا النوع  من الاجتماعات  ، مما يعزز شعورنا عامة بأننا " لا بالعير ولا بالنفير " وبأن الطبيب في الجيش كالبصل " مأكول مذموم " وأيضا كقرندل " دك الكبة كوم قرندل .. أكل الكبة نام قرندل " . استعرض الحضور حسب السلم الوظيفي والرتبة العسكرية ما أجاد به كل واحد منهم في انجاز واجبه وتنفيذ مهمته على الوجه الأكمل ، وأضاف البعض منهم مبادرته الذاتية في معالجة موقف معين ظهر خلال  الأقتتال الوهمي ولم يكن في الحسبان أو ضمن الخطة الموضوعة . رغم ما احتواه ذلك الأستعراض من حقائق  الا انه لا يمكن انكار عناصر التشويق والمبالغة في قسم منه  بغية الحصول على تكريم المراجع العليا بعد جلب انتباه الحكمين ودغدغة مشاعرهم  ... استمر الحال على هذا المنوال بين التعظيم والتضخيم  الى أن صعد المنصة ضابط حدث في مقتبل العشرين من عمره . كانت المفاجئة حين استهل العرض بقوله : سلبياتي هي : واستمر مسترسلا بسلبياته الواحدة بعد الأخرى مع ذكر وشرح ما كان يجب عمله لتلافيها وتجاوزها .. ثم انتهى من حيث بدأ دون التطرق لأية فقرة ايجابية شخصية اطلاقا ، بل ختم كلمته بجملة عميقة : ايجابياتي من ايجابيات أقراني في الفريق .  بصراحة كنت بادئ الأمر  مع زملائي ينظر واحدنا الى الآخر بقلق وحزن ،  ونأسف بل بالأحرى نرثي لحال هذا الشاب المسكين عديم الخبرة والذي  يجهل تماما الطريق الى أكل الكتف . ولكن اصبح بعدئذ مثار اعجابنا وتثميننا لصراحته وجرأته وصدقه مع نفسه وتقييمه العادل لأدائه واستعداده لتحمل عواقب اعترافه علنا بما يعد خروجا عن المالوف ... هذه ليست قواعد اللعبة في مجتمعنا أبداً ... عادتنا أن ندعي الكمال .. نصف النفس بما يعرف  انها اسماء الله الحسنى .. نستلطف كلمات المديح والتبجيل المطلقة ....  ألأحسن ... ألأعظم ... ألأجمل  ... ألأروع .. ألأذكى ... ألأشرف ... والقائمة لا تنتهي ...  نهوى الشعر لنسمع الكلام الجميل .. نمنح الهبات لنزايد بها منافسينا ولنتذوق عسل الكلام ممن وهبت له  .. يقال ، والعهدة على الراوي ،  بأن الرحالة المرحوم يونس بحري كان قد حكم عليه بالأعدام في عهد الراحل عبد الكريم قاسم الذي  قرر العفو عنه ، وعند تبليغه بذلك القرار وهو في السجن صاح بأعلى صوته " عاش الزعيم الأوحد " ، فلازمته كنية " ألأوحد " لحين غدره . ومن دون شك أن معظمنا ، ان لم يكن جميعنا ، على دراية كاملة بالصفات والألقاب الفريدة والمتميزة التي اسبغت أو اسبغها على نفسه من جلس على الكرسي من بعده والى يومنا هذا .

قال المسيح : لا تظنوا اني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء . ما جئت لأنقض بل لأكمل . ( متى 5: 17-18 ) . ولكن ما يحدث في عصرنا المرير هو العكس تماما . لا يتوانى المسؤول الجديد من انتقاد سلفه والأنتقاص من اسلوب عمله واجراءاته المتنوعة ومحاولة ابراز أبسط الهفوات وتهويلها ... كل ذلك لكي يشاد له بالبنان ولسابقه بالهوان . وما يمارسه اللاحق أصاب به السابق  من كان قبله .. هذا هو ديدن الفلك الأجتماعي المريض  وكانه سلم وراثي . ألمشكلة تكمن في عدم مراجعة الذات في حينه وعدم قبول الرأي النقدي البناء وتجربة  الخبير  لمعالجة الممارسات السلبية بحكمة ودراية , بل يتم ذلك بعد أن يستفحل الخلل ليغدو فضيحة وحسب المثل  " بعد أن يقع الفاس على الراس " .  فلا غرابة أن تعلن الأحزاب والتنظيمات باتجاهاتها المختلفة والمؤسسات ذات التخصصات المتنوعة  وحتى الشخصيات المتنفذة بعد مرحلة معينة عن تحليلها المسهب لأسباب اخفاقها الجزئي أو الكامل  وفشلها النوعي أو العام  . لماذا ؟ لسبب بسيط .. أنه من العسير على الأذن الصماء أن تنشد لحناً عذباً .

قيل منذ القدم : من معلمي تعلمت الكثير ، من زملائي تعلمت أكثر ،  من تلاميذي تعلمت أكثر وأكثر .... نعم أن الحياة مدرسة يتعلم الكل فيها من البعض .  لا يستوجب دخول حرب لكي نستنبط  دروسا . فكل زاوية من زوايا هذا الكون الواسع هي مدرسة... من كل حدث حياتي درس ،  ومن كل انسان على أرض الواقع  معلومة ... أصغي لكي أتكلم وأتكلم لكي يصغى لي... أقرأ كي أكتب وأكتب حتى غيري يقرأ.. حتما في خضم الصراع مع موجات الحياة المتلاطمة تبرز ممارسات ، مواقف ،  سلوكيات ، أفكار ، وصفات يطلق عليها سلبيات ... وممكن الحد منها وتضييق الدائرة عليها ومن ثم اذابتها بمراجعة منتظمة ودورية للذات البشرية .. أردد عاليا :  سلبياتي هي 1 , 2 , 3 ....  وتلك يا صديقي ايجابياتك ... نستنبط درس الحياة من كلتيهما ، ويسير بدرب النجاح كلانا ...             

136
توطئة
هذه أبيات شعرية ليست لأديب بل من طبيب... ليس فيها الغريب العجيب ... وانما مجرد كلمات استقبال وترحيب... سمح لي بها مشكورا مقص الرقيب ( ألمونسنيور الفاضل داود بفرو ) .... آمل أن تروق لكم وتطيب... رجائي الاصغاء اليها اجلالاً لغبطته ومرافقيه  بصمت مهيب ......
       عنوان القصيدة :         
                                  أهلاً غبطةَ البطريرك
د. صباح قيّا               
تحييكَ وندزرُ تحيةَ الانسانِ                   وترحابنا بك لا لنْ يقاسَ بأطنانِ
أتيتنا سهلاً وحللت بنا أهلاً                      فلكَ من جموعنا قبلةَ الأوطانِ
ومنْ امهاتِنا زغرداتٍ يفوحُ                 صداها عبرَالنُسيْماتِ عبقَ ريحانِ

قدمتَ منْ بغدادَ عيونُنا صوبُها                      وقلبٌ لها يخفقُ بكلّ حنانِ

أطلقت َ أصالةً وحدةً تجدداً                  دربَ مستقبلٍ نوره أسمى الأماني
لها ابنُ الرافدينِ يطلُّ شامخاً               من كلِّ حدبٍ وصوبٍ يهفو بوجدانِ

دعوتَ عودتَنا ومنْ لا تسرْهُُ                    لولا البلادُ يعوزُها بسطُ الأمانِ
حتّى الذي قبلَ البقاءَ مخيّرا              لم يخلو عيشُه منْ ذعرٍ أو منْ هوانِ

أعلنتَ نكبتَنا فحقاً مصيبةٌ                  أنْ تغدو الكنائسُ صرحاً بلا صلبانِ
فكأنها سماءٌ تلاشى نجمُها                     أو جنائنُ خلدٍ تخلو منَ السكانِ

أوعزتَ رابطةً وجذرَ ثقافةٍ               تاهتْ على أرضٍ لمْ تكنْ قبلاٍ مكاني
أملٌ لمنْ ملَّ السنينَ مهمّشاً              ولمنْ في الشتاتِ عانى منَ الهجرانٍ
تلكَ التفاتةٌ ما أسمى مقاصدُها               تشدُّ راحةَ القاصي بقبضةِ الداني
هي وحدةٌ للحاملين مشاعلاً                        يصدُّ بريقُها سطوةَ الذوبانِ
تشعُّ بعمقِها تاريخَ حضارةٍ                    كمْ منْ مآثرِها غابَ عنِ الأذهان
هذي الحقيقةُ لا يمكنْ تجاوزَها                 عذراً لمنْ أنكرَ أصالةَ الكلداني

يا غبطةَ البطريركِ شعبُك واثقٌ               أنّكَ للرعيةِ لستَ محضَ قبطانِ
بلْ أنتَ أبٌ وامٌ وأختٌ وأخٌ                      ليومِنا هذا والآتِ منَ الزمانِ
وللكنيسةِ جذعٌ تنامى عودُه                      للأبرشياتِ كتفرّعِ الأغصانِ   
هي المحبةُ لا منْ بديلٍ غيرِها                  يدعو بما تقرُّه دعوةُ الايمانِ
تلكَ الرسالةُ كمْ منْ أجلها نُحِرَتْ          على مذبحِ الأخيارِ سِيقَتْ كحملانِ 
جحافلٌ جُلَّ ذنبِها بُشرى المسيحِ             الاهاً تسعى لمجدهِ دونَ نُكرانِ
هيَ المسيحيةُ ثالوتٌ يَسجُدْ لهُ            منْ رسمَ الصليبَ علامةَ استئذانِ
صلاتَه أبانا الذي في السمواتِ               يَصدحُ بها  حيّاً أمْ لُفَّ  بأكفانِ

كان الأمل أن تلقى القصيدة مع التوطئة مباشرة بعد القداس الأحتفالي لغبطة البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو ، حسب رأي راعي الكنيسة الجليل  . ولكن , للأسف الشديد ، لم تدرج ضمن برنامج الزيارة الذي أعدته اللجنة المكلفة بذلك. هل حدث سهواً ؟ قصداً ؟ اجتهاداً ؟ أم ضحية التسلط الكنسي العلماني ؟. المهم ، أن الأب الجليل التقى ابنتي ، التي هي ضمن فريق جوقة الكنيسة ، بعد مغادرة البطريرك ، مستفسراً عني ومتسائلاً لماذا لم أقدم القصيدة ؟ أجابته أنها لم تكن مدرجة ضمن برنامج الزيارة ... أضاف ألأب أنه حاول البحث عني بعد القداس ولم يجدني .... ألحق معه.. لقد بدى لي متعباً جداً ... ولا غرابة من ذلك بعد أزمة الكنيسة في " تورنتو " ، والتي ، حمداً وشكراً  للرب ،  انتهت بسلام .... ألأمل أن تسود المحبة بين أبناء الرعية كافة ، والأهم التجرد عن صفة " ألأنا " التي تصيب عدواها بعض ، وأكرر البعض , من العناصر القريبة والمقربة من صاحب القرار ....       

137
ألكاهنُ ثقافةٌ وطموحٌ
د. صباح قيّا
يعزف البعض عن الذهاب الى الكنيسة لأسباب متعددة ، وقد يقتنع البعض الآخر بحضور قداديس الأعياد فقط  وربما المناسبات الخاصة ايضاً لعدد محدود منهم . ومن الملاحظ أن الغالبية العظمى من هذا البعض تقتصر على ذوي التحصيل الدراسي العالي  وعلى من يتمتع بمركز اجتماعي مميز ، خاصة في المدن التي تتوفر فيها كنيسة واحدة تتناسب مع عدد ابناء الرعية فيها . ومنهم من وجد ضالته  في حضور طقوس كنائس أخرى اشباعاً لغريزة الشعور الاستعلائي تجاه أبناء جلدته أو حتى كنيسته .    وكتحصيل حاصل لهذا التباين الأجتماعي والوظيفي وكمحاولة ذاتية  لمعالجة  ذلك العزوف  وتبريره ، برزت ظاهرة كنيسة الأغنياء وكنيسة الفقراء وبالأخص في أماكن محددة من بلاد المهجر حيث  الكثافة السكانية العالية من الكلدان مما يستوجب توفير كنيستين على الأقل  . لم تكن تلك الظاهرة , حسب قناعتي ، من صنع آباء الكنائس الأفاضل ، وانما بدعة استحدثتها وهللت لها  شريحة واسعة نوعا ما  من الرعية جلّ همها التسابق الأعمى  لتعزيز  تقليعة مظاهرها  الوهمية وكبريائها المصطنع  سواء عن جهل  أو عن دراية ، أو نتيجة  تقليد او ابتكار  ، ولكن حتما بدافع ما يسمى " الفنطزة والعنطزة " ليس الا ....

تحضرني وأنا أكتب المدخل أعلاه طريفة حدثت لي في بغداد مع ابن عمتي قبل أكثر من عشرة سنين .  اتفقنا أن نلتقي في مدخل  كنيسة مركز القديس يوسف ( كنيسة السنتر ) بعد قداس الأحد . رأيته بالفعل ينتظر في الموعد والمكان المحدد ، وحال مشاهدته لي سألني بانفعال : هل موعده معي حقا أمام كنيسة أم أمام نادي اجتماعي ؟  ابتسمت له فقط ... لم يكن سؤاله مفاجئة لي وهو الذي  ترعرع في ناحية يرتاد أهلها الكنيسة بانتظام  للصلاة وتأدية واجب الأيمان دون الأهتمام اللامعقول بوسائل  البهرجة والزخرفة .... والحقيقة يجب أن تقال .. لا كنائس في بغداد للفقراء أو للأغنياء , وانما مظهر الحضور الكنسي  يعتمد على المستوى الحياتي لتلك المنطقة ، ورغم ذلك لا يمكن نكران أن كنيسة السنتر اللاتينية  تنفرد بحضور طبقة اجتماعية ، غالبتها كلدانية ,  يغلب عليها طابع المغالاة في اللبس والتبرج . وربما نقلت تلك الجموع  عدواها الى بلاد المهجر فنشأ بذلك مرض كنائس الأغنياء .

تدّعي  الفئة المتعلمة جداً من العزوفين اعلاه ، بأن كرازة الأب أيام الآحاد سطحية وساذجة وكأنها من دروس التعليم المسيحي  للأطفال ، أو معلومات أولية  عن الأيمان المسيحي كالذي كان متبعاً في القرى أيام زمان حيث البساطة ومحدودية التعليم سمة دارجة وهذا ما لا ينسجم مع الثقافة العصرية والتطورات الحياتية ... من وجهة نظري ذلك تبرير مجحف وحتى غير عقلاني  وغير منطقي وبعيد كل البعد عن واقع الحال .... كهنة اليوم ثقافة واسعة وتحليل عميق وطموح مشروع لبلوغ ما تصبو اليه الكنيسة من المستوى المعلوماتي لمواجهة التحديات الخطيرة ، وما أكثرها ، التي تعترضها . ألكل يعلم أن الكنيسة أنجبت عبر مسارها العسير والمؤلم من الأفذاذ ما تعجز المجلدات عن احتوائه ... لست بصدد التطرق الى ماضٍ  بعيد بل الى أمس قريب والى  ماذا عن اليوم وما ينتظر الغد .... 

حدثني راعي الكنيسة في لندن قبل سنوات عن تجربته عند تقديمه محاضرة عن الأيمان على طلبة احدى الجامعات هناك ... لم يكن لمعظمهم أية علاقة بالرب بل ينكرون الخالق بشدة مع سبق الأصرار ... لم تخلو أسئلتهم ومناقشتهم من الأستفزاز والأستهزاء والأستهانة بالخلق الألهي .... ما هي  اذن صفات الكاهن اليوم وكم يجب أن تصل سعة ثقافته وحجم معلوماته لتفنيد معتقدات مثل هذا الجمع وأيضا معالجة رغبات وميول  شرائح اجتماعية متنوعة وقوانين دول تتعارض في بعض بنودها مع دعوة الأيمان وتعاليم الكنيسة .

لا تتطور الدولة عندما يقودها الرعاع ، وتخسر الشركات حتما عندما يفتقد مجلس ادارتها الكفاءة والخبرة ، وتنحسر المؤسسات التعليمية اذا عهدت ادارتها لأشباه الأميين ، وتتضاءل شعبية الأحزاب عندما تنحرف عن مبادئها خدمة لمصالح قيادييها .... هذه أمثلة لحلقات ادارية محورها تدبير اداري .... أيضا الكنيسة تحتاج الى راعي يدبر أمر الرعية بنجاح  .. ثقافة الكاهن ضرورية وحاجة ملحة  وطموحه مشروع ما دام ضمن التحديدات الكنسية .. أستمتع بكاهن يجيد الأستماع ويبرع في الخطابة ... كرازته تحليل عميق لكلمات سهلة ممتنعة ... يستذكر الماضي ليمنح  اليوم حلاوة  والغد أملاً ... يعزز ثقة الحضور بابتسامة صادقة .. تحضره الدعابة والنكتة تخفيفاً لهموم الرعية ...

هنالك مثل انكليزي شائع فحواه  " لا تحكم على النأس قبل أن تجربهم " . وعليه لا أتقبل راياً سلبياً على الكنيسة ممن لا يعرفها ... لا أتقبل التقليل من مستوى كرازة الكاهن ممن لم يستمع اليها ... لا اهاب طموح الكاهن اطلاقا بل على العكس ادعو له زيادة الأطلاع واستمرارية التحصيل المعلوماتي الذاتي منه والمبرمج ما دامت خدمة الرعية غايته واعلاء شأن الكنيسة هدفه . من حق الكاهن أن يطمح في صعود السلّم الأداري الكنسي  ويسعى له بتجرد بأستثناء كلمة الرب ....       


138
أدب / نعم أنا كلداني
« في: 17:18 23/05/2014  »
نعم أنا كلداني
د. صباح قيّا
أنا لا أرى العيب في كوني كلداني                       بل العيب كل العيب في غدر الزمان
أنا من بابل أصلي وهذي كنيتي                          والفخر ان تظلّ مجد كل ّ انسان
نعم انا كلديّ فهل هي بدعة                               أم أنها صحبتي منذ عمق الزمان
ما كنت أبدا للتعصب رائدا                                ولكن حتما لن أرضى احتواء كياني
جبلت اسمي مفردا فاذا بهم                               أزادوه زورا بثالث وبثاني
ما للتسميات من سعيّ سوى لعبة                         صاغتها السياسة بخبث وافتنان
ليست الوحدة اسماء تركّبها                               حزيبات مصالحها تعلو كلّ بنيان
بل الوحدة حلم لا يطاق مناله                             ان لم تتغنى له الذات بنكران
ماذا دهاهم لا يتركوا شأن شملنا                         فما نملك كاف لا نرنوا لأثمان
دع كلامهم حروفه تتبعثر                                فمتى الكلام كان ختما بضمان
من كان بيننا بجذره مشككا                               فخياره اذن عبادة الأوثان
تبقى أيادينا لجمعهم ممدودة                              نقر بما عندهم بكلّ امتنان
اني خلقت لأب قال ما قاله                               نقلا له أجدادي نعم انا كلداني




139
زملائي : لا تجعلوا كندا محطة هجرتكم
د. صباح قيّا
ألتخصص... حلم معظم طلبة كليات الطب بعد التخرج ، ان لم يكن جميعهم  . أتذكر تلك المرحلة وكيف كنت مع البعض من زملائي نستعرض لوحات الأطباء في شارع الرشيد ثم الباب الشرقي خلال  مسيرتنا كل يوم خميس تقريبا  من الكلية في باب المعظم الى مطعم " عمو الياس " أو مطعم "  تاجران " حتى نستقر في سينما الخيام او غرناطة أو سينما النصر . كنا ننبهر بالشهادات " زميل كلية الجراحين الملكية البريطانية " ، عضو كليات الأطباء الملكية البريطانية  ، "  حاصل على شهادة البورد الأمريكي " ، " دبلوم عال بأمراض المناطق الحارة " ..... خريج  لندن ، أدنبره ، كلاسكو ....... متدرب في مستشفيات  ألمانيا ، النمسا ، نيويورك ... كنا نفخر بأساتذتنا وتحصيلهم العلمي ، وبالأخص ألذين منحوا الشهادات الفخرية العالية نتيجة جهودهم وخدماتهم ألمتميزة في حقل اختصاصهم . لم ننجذب ، مع كل احترامي وتقديري ، الا للذين اكملوا تخصصهم في بريطانيا أو أمريكا ، وفي  ألمانيا أو ألنمسا لبعض الأختصاصات الفرعية ... هكذا كانت عقلية ذلك الزمان ، ولكنها بدون شك صائبة . تحقق الحلم واصبح حقيقة واقعة للكثيرين من رفاقي وأنا ضمنهم . استقر معظمهم حيث ذهب ،   وعاد نفر قليل الى أرض الوطن ،  وكنت من ضمن العائدين .

قيل : اثنان لا يشبعان .. طالب العلم ، وطالب المال . يصنف الطبيب ضمن طالب العلم ، ولو أن ذلك لا يمنع تحوله الى طالب المال اذا استجاب لغريزته الذاتية على حساب أدبيات ألمهنة ،  ومن الصعب جدا أن تجتمع عنده الصفتان في آن واحد ، وحسب قناعتي العلم والمال خطان متوازيان  ، حيث يفقد العلم اصالته اذا أشرك معه حب المال ، ولذلك يقتنع  ألأكاديميون بأجر أقل من أقرانهم غير ألأكاديميين مفضلين تمتعهم بالأجواء العلمية والبحثية كمصدر لسعادتهم  متناسين الى حد ما أطر  المباهج الحياتية ... وكأن لسان حالهم يردد " خير جليس في الحياة كتاب " . ولكي يحصل  الطبيب العراقي على ما تصبو اليه نفسه ، وكطموح شرعي لأكمال متطلبات المهنة ، لا بد له أن يشد الرحال الى حيث تتوفر الفرصة لنيل العلم وزيادة المعرفة وصقل الموهبة والتأهل للدرجة الأعلى ومن ثم التأطر بها . وما معناه أن هجرة الطبيب العراقي ضرورية وحتمية  سببها جوهري ومقبول وهدفها الزامي وسامي . ولكن ذلك لا يعني أن تكون دائمية ، وانما مرحلية تنتهي ببلوغ هدفها ، الا اذا استجدت مسببات تضطره الى ألبقاء . وتدل قراءات الواقع بأن هنالك أكثر من عامل في بلدنا يدفع بأبناء رعيتنا عموما بمغادرة أرضنا ألطيبة ، فكيف بالأطباء وطموحهم الطبيعي ؟ .

يقال أيضا : ألأنسان  نتاج  ظروفه ، وحياته قد تتغير صدفة ، ونادرا ما تأتيه نفس الفرصة أكثر من مرة . شاء القدر أن أهاجر , وعمري يقترب من السن التقاعدية ، الى حيت أنا ألآن . لم تكن " كندا " اطلاقا في حساباتي المستقبلية ولم أتصور يوما ما أن تصبح محطة هجرتي . وبصراحة  ، لم تثير اعجابي  لحد اليوم  ، ولا أعتقد بأن شعوري سيتغير غدا . ورغم المثل   " وقع الفأس على ألراس " ، لكني متيقن  تماما بأنها " حكمة ربانيّة " ، وايماني بالرب يعزز ذلك ، والذي سبق وأن رافقني في مواقف حرجة وظروف عسيرة ، ثم قادني بأقتدار الى برّ الأمان . فهل هنالك أروع  وأسعد من الأيمان ؟ .

لم يكن صعبا عليّ  ، بفضل خبرتي البريطانية ، الحصول على عمل ضمن اختصاصي ، والذي ما زلت أمارسه بشوق . ولا بد أن أعترف بأن أجرتي من ذلك مثل " خبز باب الآغا " : " حار ومكسب ورخيص " . وعلى كل حال " قليل في الماعون أفضل من ماعون فارغ " ، و " ألشغّال أهيب من بطّال عطّال " . اكتشفت بعد فترة وجيزة بأن هنالك حلقات دراسية للأطباء ألمهاجرين تعقد مرة أو مرتين أسبوعيا بدعم من احدى ألمؤسسات الصحية في تورنتو . التحقت بالحلقة في المدينة التي أسكنها حيث التقيت بزملاء من بلدان مختلفة وباختصاصات متنوعة واعمار متباينة . ألكل يكافح جاهدا لأجتياز سلسلة الأمتحانات المكلفة وقتا وثمنا لعله يحضى بعدئذ بمقعد في احدى المستشفيات المنتشرة في عموم كندا لاكمال مشواره المهني . للأسف الشديد ، أن معظم من التقيتهم  بدون عمل ، يعتاش  من المعونات الحكومية ومما تبقّى من خزينه الخاص . ونفر قليل يعمل اما سائق تاكسي ، أو وسيطا لأيصال المواد الغذائية ، او في محطات الغاز أو المعامل المنهكة ، او تغطية النوبات الليلية في بعض المحلات التجارية . وسعيد الحظ منهم من أنهى  أو لا يزال ضمن احدى البرامج الصحية مثل التمريض ، التأهيل الطبي ، مسك السجلات الطبية ، فني مختبر ، وما شاكل .... ، كل ذلك بغية الحصول على عمل يكفل له عيشة هانئة حسب تصوره ، متناسيا  أنه طبيب سهر الليالي وضحى بالكثير . علما أنني أعرف عددا لا بأس فيه خارج الحلقة الدراسية  ممن ترك مهنته الى غير رجعة . هذا هو جزء من الواقع المؤلم هنا " يشوفوك  الموت حتى ترضى بالسخونة " .

 ترسخت عندي القناعة بأن الهدف الرئيسي لجلب المهاجرين من ذوي الخبرة والاختصاص هو للاستفادة منهم أساسا في اشغال الوظائف الوسطية ضمن حقل اختصاصهم والتي حتما سيبدعون فيها ، وليس لممارسة اختصاصهم الفعلي ، وأبسط مثال لذلك عندما يقوم  الطبيب بواجب فني مختبر أو ممرض . بعد مدة  قصيرة أنيطت لي مسؤولية الحلقة ولم أتخلى عنها ، طوعا ،  رغم توقف دعم المؤسسة الصحية ، لأسباب مالية ، لها ولكافة الحلقات الأخرى المنتشرة في  "محافظة اونتاريو " منذ تشرين الأول 2012   ولقد عبّرت عن قناعتي أعلاه خلال مراسلاتي مع المؤسسة وحسب الرابط المرفق .

ما دفعني الى كتابة الأسطر أعلاه  ألمقالة المرفقة والمنشورة في " مجلة الأتحاد الكندي الطبي " ألعدد السابع ، ألمجلد 186 في 15 نيسان 2014 . وفيها اشارة واضحة عن شحة فرص العمل بل ربما عدم توفرها اطلاقا للكنديين من خريجي الكليات الطبية غير الكندية . فكيف يكون الحال للعراقيين القادمين حديثا ؟ وفيها ايضا تلميح للسلطات الكندية برفض هجرة الأطباء اليها كما كان معمولا به في سبعينات وثمانينات القرن الماضي .   ما أرجوه منك " زميلي العزيز "  قراءة " ألصالون " بامعان ودقة   ثم تقرر ما يحلو لك ، فانك حر في اختيارك وقرارك ، واعلم بأن العمل استنادا الى هوية نقابة الأطباء العراقية وبعض الوثائق الدراسية وحتى اجتياز سلسلة الامتحانات التي يرتفع سعرها ويتكاثر عددها سنويا قد أصبح ضمن التاريخ الغابر . احسب حسابك جيدا وادرسه من كافة الجوانب قبل أن تعد عدتك للرحيل ، والا سينتهي بك المطاف عاملا في محطة الغاز او متناوبا ليليا وحتى الصباح في احدى محلات ماكس الشهيرة ، وسعيد الحظ من يقبل في احدى الدورات الصحية .

  
http://upload.ankawa.com//files/2/ankawa1/rabet%20%281%29.pdf
http://upload.ankawa.com//files/2/ankawa1/rabet%20%282%29.pdf


140
تشريب عصفور لنْ يُشبعَ وليمة ... ألكوتا نموذجاً
د. صباح قيّا    
لم يسبق لي المشاركة في أية انتخابات برلمانية منذ تشكيل ألدولة ألعراقية , ولم أشغل نفسي يوما ما في معرفة تفاصيل القوائم ألمتنافسة وماهية ألاشخاص المرشحين . ليس ذلك انتقاصا من أحد على ألاطلاق ، ولكن  ,  بصراحة  , لم أرغب بصداع مصدره ليس من صميم أهتماماتي ,  مع احترامي  لكافة ألمتنافسين قوائما وأشخاصا ،  وتمنياتي بالحظ السعيد لكل منهم .... ولكن ؟... ولا بد من وقفة وجيزة أمام هذه أل "  لكن "  .... قد يختلف ألموقف في انتخابات ألأسبوع ألقادم . ربما من يسأل : لم هذا ألتغيير بعد عمر طويل بعيدا عن هذا ألمرشح وذاك ، من يمثل ومن يدعمه ؟  كيف  فاز وغيره  خسر ؟  ، وحتما ستستمر ألتحليلات والتبريرات واستخلاص  الدروس ألمستنبطة للأستفادة منها في ألمنازلات ألمستقبلية .... نعم .. تساؤلات منطقية ومشروعة ....

 أعود الى أل " لكن " ألان لأقول :  استوقفتني ، خلال قداس يوم ألأحد ، دعوة غبطة ألبطريرك ألكلداني مار روفائيل لويس ألأول ساكو رعيته  للمشاركة في ألانتخابات ألبرلمانية وحسب ما  جاء على لسان  راعي الكنيسة ألجليل ... سألت نفسي : أليس ذلك يتناقض مع " أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ؟ ورغم كون ثقافتي ألدينية  متواضعة ومعلوماتي  أللاهوتية تقترب من ألصفر ، الا أني اقتنعت بأن دعوة غبطته لا تتعارض مع ما أمر  به الرب من اطاعة قانون ألأنسان وبنوده من جهة ، واطاعة وصايا ألخالق وتعاليمه من جهة أخرى . ألم يكن مثلث ألرحمات ألبطريرك ألكلداني مار يوسف عمانؤيل ألثاني ( 1852-1947 ) عضوا دائما في مجلس ألأعيان منذ تشكيل ألدولة ألعراقية والى حين وفاته  ؟ أليس ألتاريخ ألماضي والمعاصر زاخرا بعدد غير قليل من ألشخصيات ألدينية ألمسيحية ألتي دخلت معترك ألحياة ألسياسية  وساهمت ببسالة  في مقارعة ألظلم والطغيان والوقوف بحزم وصلابة بوجه قوى ألشر والأستبداد , ومنهم من تبوأ مناصب قيادية رفيعة وصلت أحيانا الى أعلى سلطة في ألدولة  ؟ هل ننسى ألذي زعزع معسكرا كان الى وقت قريب احد اقوى قطبين في ألعالم فأضحى جزءا من الذاكرة ؟  أذن لماذا نتردد نحن من ولوج كنيستنا هذا ألشأن ألحياتي ألمهم ؟ كيف نرضى لانفسنا أن  نتقبل  تهميش دورها  ؟ ألم يحن ألوقت لكي تكسر كنيستنا ألقيد ألذي يحاول أن يحدد من اداء مهامها ألوطنية  بالتمام والكمال خدمة لرعيتها ألمشتتة والحائرة  ؟ ’ ألى متى نرضخ لمن يهرع بتوجيه أصابع اللوم والتشكيك لكنيستنا متذرعا بقصد أم بدون قصد " بما لقيصر وبما لله "  ؟  .

اعترف بعدم معرفتي ماذا تعني " ألكوتا " . تعلمت وأعلّم : ليس عيبا عدم ألمعرفة ، بل ألعيب كل ألعيب رفضها  عند توفر فرصة اكتسابها . استفسرت من احد معارفي  .. أخبرني تعني " ألمحاصصة " ، ولكنه يجهل أصلها أللغوي . شكرت ألشبكات ألعنكبوتية ألتي زودتني بتفاصيل وافية عنها :  مصطلح انكليزي  بمعنى نصيب أو حصة نسبية , أطلق لأول مرة في ألولايات ألمتحدة ألأمريكية على سياسة تعويض ألجماعات ألمحرومة اما من قبل ألسلطات ألحكومية أو من قبل أصحاب ألعمل في ألقطاع الخاص . عجيب أمور .. غريب قضية .. ايقنت ألان أنني أنتمي الى  ألجماعات ألمحرومة ألتي تصدقت عليها ألحكومة ب " كوتا خماسية " . حمدا لك يا رب لجهلي بالقضايا ألسياسية ولم أكن طرفا في هذا ألتشكيل ألمعيني ، والا   لازمتني ملامة نفسي  الى لحدي .

بدات ألخطوة ألتالية : ألبحث عن ألقوائم  ومرشحيها  . يا للهول.. تسع كيانات ،   وعشرة مرشحين  لكل كيان .. يعني هنالك تسعون متنافسا لخمس مقاعد فقط ... والله صارت زحمة .. والطامة ألكبرى من مجموع 328 مقعدا برلمانيا ، أي أقل من 2% . علما بأن نسبة ألمسيحيين في ألبرلمان  عند تشكيل ألدولة ألعراقية كانت  5% من مجموع 100 مقعدا . وقد منحت هذه ألنسبة آنذاك  تقديرا لمواقفهم  ألوطنية وخاصة عند ألتصويت لضم ولاية ألموصل الى ألعراق ، ولولا زخم الصوت ألمسيحي في حينه لكان حال الموصل أليوم  كحال ألاسكندرونة  ضمن ألحدود التركية   ... ولو بقي ألوطن على عهده ألبائد ألعميل ألرجعي لأصبح  لنا 15 ممثلا ، وهي ألنسبة ألفعلية  ألتي نستحقها على أقل تقدير .  لا أعتقد أن ذلك ألعدد ألضئيل سيكون له ثقلا ملموسا في صياغة ألقرارات ولن يجد له بسهولة آذانا صاغية عند طرحه ما يلزم من المقترحات ، هذا اذا افترضت أن ألكل سيتحد  تحت خيمة  " ألكوتا ألمسيحية " ،  وحتى لو تمتع أي من أضلع ألمعين ألخماسي بحكمة حمورابي وصلابة عبد السطيح وبلاغة ميرابو وشجاعة جيفارا فلن يتمكن من تغيير مواقف ألبرلمانيين ألآخرين والمستمدة أصلا من ألخطوط العامة والخاصة لتنظيماتهم .
 
برأيي أن " ألكوتا " نتاج لعبة ألكبار . قد تلعب اصواتنا بعض الدور لدخول أي من ألمرشحين قبة ألبرلمان ، ولكن ألفضل ألرئيسي لذلك يعتمد على تحريك ألكبار لتلك أللعبة بالأتجاه ألذي يخدم مصالحها وينفذ أجندتها . ومما لا  شك فيه  أن أللعبة بدأت باتجاه محدد منذ أن اختار ألحاكم الأمريكي أعضاء مجلسه ألأنتقالي ، وأستمرت تسلك نفس ألطريق  خلال الدورتين ألسابقتين ، الا أن قراءات ألمرحلة ألحالية تدل على تغيير جديد في ألمسار ، وأغلب ألظن سيكون جزئيا نتيجة ألثقل ألمتساوي تقريبا بين ألمركز والأقليم في تحديد هوية أفراد " ألكوتا " . وربما لم يبدي ألمركز سابقا اهتماما جديا بمن سيمثلنا ، ولكن  داخله  ألآن أكثر  تأييدا و حماسا لبعض الكيانات نظرا  للمستجدات ألبارزة على الساحة ألمحلية والدولية من ناحية ، و لتطور ألاحداث فيما يتعلق بالمسائل ألعالقة بينه وبين ألأقليم من ناحية ثانية . وحسب تقديري أن التغيير سيطال أثنين  على ألأقل ، وبذلك سيودع ألبرلمان وجوها مألوفة ليستقبل بدلا عنها أخرى  جديدة .

يقال بأن ألسياسة تعني فن ألمناورة . والسياسي ألمحنك هو الذي يجيد ذلك ألفن ويتقنه ويبدع فيه .  من وجهة نظري أن رأس ألقائمة ألذي أبعد نفسه عن ألترشيح يفهم  هذا الفن ويمارسه  بجدارة . سوف لن يخسر كالذي يقف على رأس قائمته وأيضا ضمن مرشحيها ،  فيما اذا لم يبتسم له ألحظ ولم يفز في ألأنتخابات . ماذا سيحل بمستقبله ألسياسي ؟ وكيف سيقنع مؤيديه ويواجه مناوئيه ؟ .. على كل حال سيكون لي في حينه  لكل حادث حديث .  

مهما حصل ستبقى " ألكوتا " بواقعها ألحالي  مجرد عصفور لا يصلح  تشريبه لأطعام شخص واحد ، فكيف بالمدعوين الى ألوليمة ...    
 

 
            
  
  

141
ألمطران عمانؤيل دلي في عيادتي
د. صباح قيّا       
ذهلت وأنا أهمّ بمغادرة عيادتي ألكائنة في ساحة بيروت – شارع فلسطين  بعد أن أنهيت معاينة ألمرضى . كان ذلك مساء يوم لا أتذكر تاريخه بالضبط ، وعلى ألأغلب في تسعينات ألقرن ألماضي . وجدته جالسا بزيه ألكنسي  بهدوء في صالة انتظار ألمرضى . بادرته "  سيدنا " أهلا وسهلا ، تبارك ألمكان بوجودك .. انشاء الله خير ... أجابني بصوته ألحنون ألمميز  .. انشاء الله خير ..وأضاف :  أتيت لزيارتك كما وعدتك .. نعم كان قد وعدني قبلا أن يزورني في ألعيادة واعترف بأني لم أسأله في حينه عن سبب ذلك ، وظننته  يشكو من علة ما ، ومن ألأفضل أن أسمعها في ألمكان والوقت ألمناسب . ويا للعجب حينما اخبرني سكرتير ألعيادة بأن ألسيد ، وهذا ما أطلقه عليه ابن مدينة ألعمارة أصلا , ظل منتظرا حوالي ساعتين وأصر على ذلك لحين مغادرة أخر مريض وألح عليه أن لا يعلمني بوجوده أبدا ....
هل تصدقون ؟ هذه هي ألحقيقة وربما عبّرت عنها بأقل من استحقاقها . ترك معي وصية ... ولم يمضي سوى  يوم أو يومين من لقائنا حتى  جاءني من كانت ألوصية لأجله ليبلغني شكر و سلام سيدنا " ألمطران " وأن ألموضوع  سار بالأتجاه ألصحيح  ولا حاجة ان اشغل نفسي به بعد . أليس هذا ألموقف مثالا نموذجيا للبساطة وألتواضع ؟ كان بامكانه  ، وبكل بساطة  ، أن يدعوني لأذهب اليه بدل أن ياتي هو بنفسه . حتما كنت سأهرع ملبيا طلبه وبدون تردد . فرجل ألدين كمثله يستحق كل ألأجلال والتقدير .

تقادمت ألسنون ... أطل على كنيستي في ألمهجر فتباركت وكل ألجموع بحضوره . التقيته في زيارته هذه وهو برتبة " بطريرك " ودرجة " كاردينال " . أحزنني أن أراه مثقلا ومتعبا وقد هجرته ألذاكرة بدرجة كبيرة وفقد صوته صداه ألمعهود . وبعد فترة قصيرة أعلن عن استقالته ليستقر بعدها في دار رعاية ألمسنين وفيه ينتقل الى ألأخدار ألسماوية لينعم بالراحة ألأبدية بين جمع ألأخيار والطيبين . نعم .... وكما قيل : للفرح وقت وللحزن وقت .. للضحك وقت وللبكاء وقت ..  للولادة وقت وللموت وقت .

رحلت وكنيستك لا تزال متصدعة . هجرتها مواكب قبلا وما تزال تتبعها  لمذاهب وأديان اخرى ، والمرارة ان من بينها بدع غريبة لن تلتقي معها حتى لو التحمت ألسماء بالأرض . كهنة  أفرزتهم كنيستك لتحتضنهم كنائس مغايرة ، ولا تعرف ألرعية السبب ، وقناعتي لن تقبل ذلك مهما كان الا اذا أغرّ بهم ألشيطان فخالفوا وصايا ألله ألعشرة . أخشى أن لا يكون ذلك نتاج معصية  من أراد لهم : حسب ما أقول تسير وعن خطأي تسكت ، والا حسابك عسير ومن عقابي لن تفلت .  أبرشيات سكنت ألمهجر فتعلمت لغة ألحرية ألمطلقة وتناست أنها غصن شجرة محددة وجذورها واحدة ، ولولا بعض ألحياء وفسحة ألأمل وحكمة  ألرب لأعلنت استقلالها . أعاهدك .. أبتي .. مهما حصل سأظل لكنيستك وفيا  وللمحبة رائدا . 

رحمك الله سيدي .. ولذكراك اقدم هذه ألأبيات ألشعرية ألمتواضعة

إرتحلتَ ومثلُ شخصكَ لا يرحلُ                   ذكراك ينبوعٌ نظلُّ منه ننهلُ
باركتَ عرسي غداةَ زفَّةَ موكبي                 وحنانُ لحنِك غارَ منه ألبلبلُ
أمضيتَ عمرَكَ للكنيسة راعيا                     وخرافُك من وعظك تتشربلُ
وكم كاهنٍ منك استقى كلماتِه                  وجِئتَهُ قيما ليس منها أنبلُ
جاهدتَ كي تعيدَ لبابلِ مجدَها                 وحصلتَ ما لم نظنْهُ سيحصلُ
إطارُ إسمِ جدودي به مزينٌ                       دستورُ بلاديَ فهل منه أجملُ ?                       
وداعاً يا مُثلثَ ألرحمات وثقْ                      أن ألكثيرَ لجنبِك يتوسلُ
فنمْ مستريحاً في رحابِ مسيحِنا               واليكَ من شعبِك رحمةً أنقلُ



 
 

142
ألأخ زيد ميشو... ليست نصيحة
د. صباح قيّا
     يغلب على بعض القراء ،  وهم قلة ألقلائل ،  أن لا ينقد النص ألمكتوب بل يتعرض للكاتب بكلمات ونعوت بعيدة كل ألبعد عن ألأسلوب ألعصري والحضاري في ألكتابة , و قد تصل أحيانا الى ألمساس بسيرته ألذاتية  وحتى تفاصيل حياته ألعائلية وعلاقاته ألأجتماعية . من يتحمل هذا ألنوع من التعليقات ؟  ... بلا شك تختلف ردود ألفعل من شخص الى آخر ... فمنهم من يهجر ألموقع الى آخر لا يسمح بالمداخلات ,  وقسم آخر يرد بالمثل وربما  أشد وأكثر متلذذا بما قيل  " ألصاع صاعين " ، و " ألبادئ أظلم " . وطرف ثالث يتقبل الموضوع برحابة صدر ،  وقد يناقشه بهدوء وعقلانية ،  أو يفضل   اهمال  صاحبه تماما .. . ولم لا ؟ "  فالباب اللي تجي منها الريح سدها واستريح " .  وبالمقابل نرى كاتبا يسطر كل ما هو مشين ومعيب ويتمادى في تهجمه ألصبياني على كل من ينقد مقالته أو يبدي وجهة نظر مختلفة ، وحتما سيشعر بالزهو لأنه استطاع أن يمسح ألأرض بناقده . وقد يتفاخر  بهذا ألأنتصار ألوهمي أمام مقربيه ومعارفه ، وربما يعيد قراءة ذلك عليهم مرات ومرات  .... فمن يدري ؟  . ولم تجد نفعا أشارات عدد غير قليل من كتابنا ألنجباء لهذه الظاهرة ألمؤلمة , فبقيت مقترحاتهم وحلولها جملا جميلة في أرشيف ألموقع . ويذكرني ذلك بما قاله ألفيلسوف الهندي طاغور : من هو ألمعتوه ألذي يقول أن ألعالم يسير بنظام ؟  , ومن هو ألمعتوه ألذي يقول أن كل شئ موجود حيث يجب أن يكون ؟

لا أجد أية غرابة في مثل هذه  ألسلوكيات  ألتي تلاحظ  في " ألمنبر ألحر " للموقع .... أيّ موقع وبدون تحديد .. فهي انعكاس لما نصادفه بالفعل على أرض ألواقع . وعلى سبيل المثال ، لو طرح عنوان  معين ساخن  للمناقشة بين مجموعة  متباينة او حتى متجانسة . ماذا سيحصل ؟ واحد يناقش بالحجة والمنطق ، وثان بانفعال وعصبية وقد يترك ألمكان غاضبا ، وثالث بتطرف وتزمت ، ورابع بكياسة يغلب عليها طابع ألمجاملة ،  وخامس يفضل ألسكوت حيث " ألجلوس على ألتل أسلم " ، ولن تجد ردود الفعل ألمختلفة حدودا  ...  وليس بعيدا أن تنجم حينها أو بعدها مشادة كلامية قد تتطور الى  مجابهة بالأيدي والأرجل وكل ما يمسك به بسهولة ، وربما ينقل احدهم الى ألمستشفى وآخر يقام له مجلس عزاء . هذا هو ديدن الأنسان منذ ألبدء .

 وما ألموقع ألا مزيج هجين ... أهواء ومزايا متباعدة ومتقاربة .. تتقاطع وتتوازى ...  فيه ألكبير والصغير ، ألذكر وألانثى ، ألمؤمن بالخالق وناكره  ، ألمتطرف والملتزم ، ألمتمدن والقروي ، ألمتعافي والسقيم  ...والقائمة تطول .. . وتبرز هنا وبوضوح  ظاهرة " تباين ألثقافات " ، وليس ألمقصود بذلك اختلاف ألتحصيل ألدراسي ، وانما الترسبات ألناتجة عن ألتربية ألبيتية والظروف ألمحيطية ألتي تلعب دورا مهما  في تشذيب الفرد  وتهذيبه ومن ثم  تتحكم الى حد ما في سلوكه وتواصله  ألأنساني  . من حسن ألحظ ان ما يحصل في الموقع مجرد  سجالات كتابية ، وعسى أن لا ينقلب " غرماء ألقلم " الى أعداء عند التقائهم على أرض ألواقع .

لا أكون مخطئا في قولي أن ألشريحة العظمى من  رواد ألموقع منتشرة في بلاد الشتات ، وهي ألتي  جاوزت منتصف ألعمر ،  وتملك الوقت ألكافي للجلوس أمام شاشة ألحاسب . ومن الحقائق ألمقبولة بأن ألأنسان كلما تقدم بالعمر يزداد حكمة ، فلذلك يحتكم  في حل ألأزمات ويعول عليه في تقريب وجهات ألنظر . وأيضا يعاب عليه ان بدرت منه تصرفات غير مسؤولة يقال عنها صبيانية  أو تفوه بكلمات نابية غير لائقة كالتي تصدر عن عقل طفولي غير ناضج لا يعي ما ينطق به . ومن هنا أنطلق الى ألمنطق العلمي ألذي يقر بمرور ألكائن ألبشري بمرحلتين طفوليتين : مرحلة بعد الولادة والتي هي ألطفولة ألطبيعية ،  ومرحلة قبل الموت عند ألأفتراض بأن الحياة كتبت له لحين وصوله مرحلة ألكهولة  . ويظهر بأن هنالك في ألموقع من وصلها وربما مبكرا بعض الوقت ، فأطلق لقلمه ألعنان مشبعا الآخرين تجريحا وتقريعا بلا هوادة غير مدرك لمشاعر ألمقابل ناسيا تعابير ألأسف وألأعتذار . وما ألغرابة في ذلك ؟ فلقد عاد الى فترة  طفولته ألأولية ،  ولكن لن يشار اليها بالبراءة والعفوية ولن يغفر له الا أذا أعلن هو نفسه صراحة  عن ذلك ... وبالطبع ليس هنالك من هو على استعداد للقول " حليب أمي فاسد " . وبذلك لن يقطع مسلسل الشتائم والتجريح والشخصنة الا اذا تدخل المشرفون على الموقع ، حيث لم تستطع أن تغير الأقلام التي أبدعت في ألتنويه عنها ضمن " ثقافة ألشتيمة " و " ألشتائم حيلة ألمفلس " وأخرى مماثلة من واقع ألحال .

وحسب قناعتي فأن مهمة ألمشرفين على ألموقع في هذا ألصدد  ليست يسيرة اطلاقا ، ولكنها ليست مستحيلة . وقد يكون   حذف ألموضوع ألساخن ذي ألسجالات ألمقرفة والمقززة بالرغم من عقمها أسهل عليهم  من مراقبة كافة ألمداخلات ومن ثم  غربلتها . كما أني متيقن بأن ألعدد ألحقيقي لرواد أي عنوان مهما كانت شدة جذبه وتاثيره يتراوح بين 500 – 1000 زائر أو أكثر بقليل ، وما المواضيع ألتي جاوزت ذلك الا نتيجة تكرار دخولها لمرات عديدة من قبل نفس ألاشخاص .  ومهما كان ، فان كافة ما ينشر ينقل بعد بضع  أيام الى ألأرشيف وغالبا ما يطويه  النسيان خلال شهر من الزمان .  وبصراحة ، أن أكثر ما يؤلمني هي ألمقالات ألتي تفوح منها رائحة التطرف ،  والتي تروج للفرقة  ، وأيضا ألتي تحوي " كلمات حق يراد بها باطل " .  والأشد من ذلك ألتي تتعرض للسيرة الذاتية  وجل هدفها الشخصنة . وبالمقابل فاني لا اتردد من تصفح العناوين ألتي هي اساسا ليست من اهتماماتي ولكن لسبب بسيط كون كاتبها ، وما أكثرهم ،  يتميز قلمه بألأعتدال والوضوح والرزانة ، حتى وان أختلف معي بالفكر والرأي ... فكأني بذلك ألقي عليه ألتحية تقديرا لأسلوبه ألخطابي المتحضر  .

والآن معك .. أخي زيد .. كلي ثقة بأنك على دراية بما قصدت .. ليست نصيحة أبدا . فكلمة النصيحة حذفتها من مفرداتي من زمن بعيد .. استهجن من يقول لي " أنصحك " ، كما اني لا أوجه النصيحة لاي كان وحتى ألطفل . مجرد ابداء الرأي .. لأني اعرفك شخصيا وأعرف معدنك ألحقيقي وما تحمل من طيبة وميل لخدمة ألآخرين بدون مقابل ، وايضا  روحية ألعمل ألجماعي ألهادف ، والكثير من ألخصال ألأنسانية ألاخرى ألتي أتوقف عن ذكرها . ألست أنت نفسك من ألح علي بمواصلة ألكتابة بعد نشر مقالتي ألأولى عن " انتخابات مجلس ألخورنة " ؟  . للأسف ألشديد ، أوجدت لك غرماء كثيرين بسبب مقالاتك النقدية ألتي تتجاوز  أحيانا دائرة ألنقد ألمتعارف عليه ، وسبق أن ناقشتك وناقشك آخرون على ما اعلم حول  هذه ألنقطة بالذات  ، وأيضا بسسب صياغتك للجمل كي تصل بألفكرة الى الهدف ألمنشود  ولكن بأسلوب لا يسر له البعض . وعلى العكس من ذلك ، تملك قاعدة واسعة من قرائك المعجبين والمتابعين بشغف لما تكتب ، وهم ، بلا شك بانتظار عودتك بشوق .  

أهدي اليك هذه ألأبيات ألشعرية ألمتواضعة ألتي نظمتها خصيصا لك . وللعلم أن آخر ذكرياتي مع نظم ألشعر كانت قصيدة ألقيتها في " مهرجان ألمسابقة ألأدبية " ألذي نظمته ألأخوية ألتي كنت ، بفخر واعتزاز ،  أحد  أعضائها ألنشطين ، تلك هي   " أخوية ألشباب ألجامعي ألمسيحي " . أي من زمان بعيد جدا جدا .... وكما تلاحظ أن قافيتها حرف " ألخاء " ، وهذه ألقافية مع حروف " ألظاء " ،  " أالضاد " ، " ألذال  " ، و" ألغين " من اصعب ألقوافي في ألشعر ألعربي ألعمودي .  

أبسط يراعك وقرطاسك يا أخي            وعد زيدا لنقدك أللاذع ألشمخ
بعض يجول برأيه متباهيا                  حتى ألشتائم لا تنجو من النفخ
لا فخر من جلّ همه جرح غيره           كتقشيب نسوة في زوايا ألمطبخ
فامنح غريمك فرصة ألمتسامح            والحب لا يقاس بمال او فرسخ
ليس ألتغاضي عن ألأساءة شحة           بل هي ألدليل بأنك أنت ألسخي


آمل أن أقرأ لك قريبا وبحلة جديدة وخاصة نحن على مقربة من عيد الفصح ألمجيد ... مبارك لك وللعائلة ألكريمة عيد ألقيامة ألعظيم ... حقا قام  ألمسيح .. حقا قام ...
        
  

143
ذكرياتي مع أللغة ومشاعري
د. صباح قيّا
أسأل نفسي بين فترة وأخرى : لماذا لم أتعلم لغة ألأجداد نطقا ؟ , من هو ألملام أساسا ؟ أنا  أم والديّ , اخوتي أم أصدقائي ؟  ألمحلة أم ألمدرسة ؟ ليس ألجواب بالصعب اطلاقا بعد أن بلغت مرحلة ألنضج , بل بالآحرى تجاوزت ذلك . قناعتي ألان بأني أنا شخصيا أتحمل ألوزر ألأكبر .. كانت لغة " السورث " هي ألدارجة في ألبيت بين والدي ووالدتي , وأيضا يتكلمها ألكثير من أبناء محلتنا . اذن لماذا عجز لساني عن نطقها ؟ انه على ألأغلب تقاعسي وانعدام ألرغبة ألجادة في تداولها ، ربما نتيجة ألعقل ألطفولي ألذي يستمد سعادته من أللعب مع شلة من اقرانه رغم تباينها من جانب وتشابهها من جانب آخر،  ولكنها من دون شك  تستمتع بألحديث  بلغة مشتركة واحدة . أتذكر جيدا بأن أصابع ألأقرباء وألأصدقاء كانت توجه نحو ألمرحومين أبي وأمي تحملهم مسؤولية جهل أولادهم بلغتهم . لأ أعلم كيف تمكنت بعدئذ والى حد اليوم من فهم معظم ما يدور بين أبناء رعيتنا بلهجاتهم ألمختلفة وحتى ألأثورية ( الآشورية ) منها . قد  يخفف ذلك من ألشعور بالأثم ولكن لا يبرر بتاتا  الخطأ ألجسيم  ألذي ارتكبته بحق نفسي وبحق أطفالي من بعدي
 .....  
شاءت ألظروف أن نزور ضيعة والدي لأول مرة وأنا في ألمرحلة ألأعدادية . أقترح ألبعض أن نذهب انا وأخي ألمرحوم ألأكبر مني سنا واخي ألأصغر مني الى ألمقهى ألوحيد آنذاك لنسلّي أنفسنا ونمضي وقتا ممتعا هنالك . راقت لنا ألفكرة وتحمسنا لها فأطلقنا ألعنان لأقدامنا صوبها .  جلسنا لوحدنا في احدى زواياها .  ألكل يرمقنا بنظرات مريبة غاضبة . النادل يتجاهل اشارتنا له متعمدا ويلتفت نحونا بعصبية واضحة نفهم منها :  اخرجوا حالا والا ... وبينما نحن في حيرتنا اقترب صوبنا أحد معارفنا من منطقة سكنانا مرحبا ومندهشا في آن واحد  من وجودنا   ...  شاركنا منضدتنا ونادى على ألنادل " بالسورث "  لجلب ألشاي .. أجابه النادل بانه لا يخدم ألغرباء .. أفهمه صديقنا بأننا لسنا غرباء وانما أصلنا من هذه الضيعة .. فقال له ألنادل اذن لماذا لا يتكلمون " ألسورث " ؟  أقنعه صاحبنا باننا نفهمها ... وعندئذ بدت عليه علامات  ألارتياح  وتقدم الينا بابتسامة ودودة  مصافحا ومعاتبا ... واعدناه بأننا في ألمرة ألقادمة سنخاطبه " بالسورث " ... وكانت تلك ألزيارة ألأولى والأخيرة للمقهى ....

مرت ألسنون ... جاءني يوما احد زملائي في الكلية يدعوني لحضور اجتماع  في كنيسة ألمطران ألراحل ألأب آنذاك اسطيفان كجو لتشكيل اخوية تضم الطلبة ألجامعيين ألألقوش باعتباري أحدهم . حضرت في ألوقت المحدد حيث انتظمنا في ساحة الكنيسة بشكل دائرة يتوسطها ألمرحوم ، وبعد مقدمة مقتضبة طلب من كل واحد من ألحاضرين ألتعريف عن نفسه وعرض وجهة نظره وما يرتأيه من افكار ومقترحات . أستجاب ألحضور تباعا للطلب وطبعا " بالسورث " الى أن جاء دوري في ألكلام , وما أن ابتدأت الجملة ألأولى من كلامي حتى خيم ألوجوم على ألجموع , ألواحد ينظر الى ألآخر بأستغراب .  أحسست  بأن البعض منهم يحدق بي والشرر يتطاير من عينيه . تبعثرت ألأحرف وتطايرت ألكلمات وكأن عقلي أصبح في شبه غيبوبة .. أستفقت على ألصوت ألحنون للمرحوم ألذي يعرفني حق ألمعرفة من خلال نشاطي في أللجنة ألثقافية لأخوية ألشباب  ألجامعي ألمسيحي ألتي كنت أحد أعضائها ألبارزين  ،  وسبق  أن استضفناه  لألقاء عدة محاضرات فيها  وقمت شخصيا بادارة معظمها .  , مما قاله ألمرحوم عني :  من أصول القوشية ، ولد وترعرع بعيدا عنها ولم يزرها الا نادرا ، يفهم " السورث " جيدا ولكنه لا يستطيع ألتعبير عنها كلاما ، أرجو أن نسمح له أن يتكلم بالعربية . وكان لي ما اراد ... وبعد انتهاء ألاجتماع  تكرر المشهد ألذي حدث معي في ألمقهى .. مودة صادقة ممزوجة بعتاب  .

قفزت بي ألأيام لأصل كلية ألضباط ألأحتياط ... وفي فترة من فترات ألاستراحة بعد وصلة تدريبية شاقة , وبينما انا جالس بين مجموعة من زملائي توجه نحوي فجأة احد ألتلاميذ مستفسرا مني  " بالسورث " ان كنت انا من يقصد  ... وعندما اجبته بالأيجاب امتعض وغادر على الفور بدون أية اضافة اخرى . تعجب زملائي من هذا التصرف الغريب ولم أجد أنا تفسيرا مقنعا لهم . وبعد مدة من ألزمن نقل لي بعض أقاربي رأيه عني باني متكبر وأتعمد  عدم التحدث " بالسورث " ، ولم يقتنع أبدا بتاكيدهم له باني أفهمها  فقط ...

 يبرز ألآن تساؤلي : هل قلل عدم اتقاني لغتي من اعتزازي بمسقط رأس والدي ومثوى أجدادي ؟ تتفق ألاغلبية بأن أهم مقومات ارتباط ألأنسان بأصله وفصله هي ألأرض واللغة... فهل يعني ذلك أن من لا  يسكن تلك ألأرض ولا يتكلم لغتها فقد ارتباطه بأهلها وتاريخها ؟ كيف نفسر اذن استمرار الألتحام ألروحي والمعنوي وحتى ألجسدي لمن غادرها طفلا أو لمن لم يطأها اطلاقا ولأجيال ماضية وربما قادمة أيضا ؟ كيف يكون ألحال عندما تنسلخ تلك ألارض من ساكنيها ألأصليين عنوة أم  بتأثير ظروف قاهرة ؟ ماذا سيحصل لذلك ألالتصاق ألعقلي والعاطفي والمادي عندما تنحسر أللغة تدريجيا وتنصهر في بودقة ألواقع شئنا به أم أبينا ؟ ألأرض نغادرها تباعا واللغة تتآكل يوميا فمن سيحافظ بعدئذ على خيوطنا ألممتدة نحو ألبقعة ألتي تحمل تراثنا وتحكي قصة تاريخنا ويرقد في أعماقها أسلافنا ؟ هنالك عامل جوهري تتوازى أهميته مع عامل أللغة ان لم يتفوق عليها أحيانا . ذلك هو " ألشعور " وما يحويه من أحاسيس انسانية ملتزمة وصادقة . فعند توفر ألعاملين نكون قد حققنا أسمى معاني التمسك بالأرض والأنتماء الى ماضيها وحاضرها . ولكن أي العاملين له الكفة ألراجحة ان اختلف ميزان احدهما ؟ كلنا يعلم بأن ألأستاذ ألناجح هو ألذي يستطيع ايصال المعلومة الى طلبته . والأستاذ ألمرموق من يمتلك المعلومة من ناحية  ويتمكن من نقلها الى تلاميذه من ناحية أخرى . فلا فائدة ترجى ممن يتحلى بالخاصية الأولى ويفتقد الثانية , ولكنه يثمر من هو عكس ذلك رغم صغر حجم معلومته. فاللغة هي " ألمعلومة "  ، والشعور هو " ألأمكانية " .. وعليه فان أللغة ان لم تكن مقترنة بالشعور تظل مجرد لغة ... ويبقى ألشعور حتى بدون أللغة طريقا معبدا صوب قلب ألحبيبة ...    
  

144
ألتصميم ألذكي ... شذرات مختارة 2
د.صباح قيّا    

  هنالك فقط  نموذجان لأصل ألكائنات . أذا الحياة لم تتطور فذلك يعني أنها خلقت .......  

ألسؤال  ألان : لملذا تجادل نظرية ألتطور بشدة وعمق ؟ ألجواب ببساطة :  لأنها تطرح أسئلة أساسية عن ماهية  ألانسان ... هل هو نتاج عرضي لقوى مخفية في ألطبيعة ؟ أم أنه قمة الخلق ألذي قصده حب ألرب ؟ هل يمكن تفسير كل ما تتصف به ألحياة من جمال وتعقيد وتنوع على ألاختلاف ألعشوائي أو ألأقتناء ألطبيعي ؟ أو أن ألعالم بما يحتوي يعزى الى عمل مصنّع بارع ؟ ... هل ألتطور حقيقة ؟ وهل أبعد دور ألله  ؟ أم أن ألله استخدمه لخلق ألأنسان ؟  هل هنالك دليل علمي على كون الحياة مصممة ؟ ...بالرغم من صعوبة  تخيل سلسلة اسئلة أهم من تلك ... يبرز ألسوال ألتالي :   كيف  يتلاءم  " ألتصميم ألذكي " مع  ألصراع  ألدائر بين ألخلق والتطور ؟ . تتطلب ألاجابة  فهم معناه ومعنى كل من " ألتطور  و  " ألخلق " .

يشمل  التطور معان كثيرة ومختلفة  وعليه يتعذر ايجاد تعريف محدد له ... بعض ما يعنيه لا يقبل ألجدل مثل تغير ألأشياء بمرور الوقت , أو تكيف ألكائنات لتغير ألأجواء ألمحيطة . وكمثل على ذلك اكتساب ألبكتريا خاصية ألمقاومة ضد مضادات ألحياة , أو تغير حجم مناقير ألعصافير بتبدل ألطقس. ويطلق على هذا النوع من ألتطور ب " ألتطورات ألصغيرة "  , ولا يشكك فيه أحد . وكم هي مفيدة فكرة " ألتطورات ألصغيرة " لعلم ألأحياء الا أنها غير ذات صلة بالأدعاءات  ألكبيرة للدارونية , حيث لا ينهض عنها نوع جديد – ألبكتريا تبقى بكتريا والعصافير تظل عصافيرا . ولكن يحصل ألألتباس والأرتباك عند ألمجاهرة بأن " ألتطورات ألصغيرة " تؤدي حتما الى  " التطورات ألكبيرة "  محدثة تغيرات جذرية تنتج عنها أنواع جديدة كاملة تماما . ولتؤكد , بدون دليل , بأن ألكائنات ألحية لها قابلية غير محدودة  للتغير .
  
 " التطورات ألكبيرة " هي الميزة ألمركزية لنظرية ألتطور ألتي تستند على نقطتين جوهريتين : ألنقطة الأولى تدعي بأن  ألكائنات ألحية تنحدر برمتها من سلف مشترك . وتعلل ألنقطة ألثانية هذه ألعملية كنتاج للانتقاء ألطبيعي متمثلا بالأختلافات ألعشوائية ، وألتي تعمل صدفة وحسب ألحاجة  بعيدا عن أي قصد واضح او مصمم مباشر . أي بمعنى آخر أن ألطبيعة تنتقي ألكائن ألأصلح , ألأقوى ، ألأسرع ، وألأصح للبقاء ولأنجاب ألذريات ... لا غرابة في هذه ألفكرة مطلقا حيث أنها تلاحظ يوميا كظاهرة منطقية . ولكن ما يثير ألجدل هو ألأدعاء بأن هذه ألعملية بمفردها تؤدي الى نشوء أنواع جديدة من ألكائنات ... وبذلك ممكن ألقول وببساطة بأني وحيوان ألحلزون أبناء ألعم , وقد يكون ألقرد أحد أجدادي ضمن ألشجرة ألمفقودة للعائلة .

لا شك أن نظرية ألتطور حققت ألكثير مما جاء فيها ,  ولكن نظرا لظهور ثغرات تطبيقية مهمة وملموسة أضيف اليها علم ألوراثة منذ أربعينيات ألقرن ألماضي وسميت بعدئذ ب " ألدارونية ألحديثة " أو " نظرية ألتطور ألمعاصرة " ، والتي تقر بأن كائنا ما يصير أصلح من غيره من خلال ألتحولات ألعشوائية للجينات ، أي بحسب لسان ألعموم : بضربة حظ .

يتوهم البعض بأن مؤيدي " ألدارونية " يقتصر على رافضي الله فقط . ولكن واقع الحال يدل على تمسك قسم من ألتطويريين بأعتقاده أن ألله استخدم " ألدارونية " لأنتاج ألأشكال ألحياتية ألمختلفة والمعقدة المنتشرة في ارجاء ألمعمورة , ويقر بأن ألأيمان بالرب يتفق مع " تطوير دارون " من ناحية . ولكنه من ناحية أخرى يدعي  بأن ألكون لم يوفر ألدليل ألعلمي عن وجود مصمم  ذكي في ألطبيعة , ويقر بأن ألعالم ألأحيائي قد يبدو مصمما  ولكن ذلك اما بتاثير حدس ديني أو وهم  صنعي .

لماذا ألتركيز في ألأحياء والفيزياء والكيمياء ألحياتية على ألدليل ألعلمي لتصميم ألحياة ؟ ولم يبتعد الانسان عن ألأيمان ؟ هنالك من يعتقد بأن الكتاب ألمقدس خليط من نصوص قديمة كتبت من قبل سذج لا يفقهون نصف ما كتبوا عنه , ولم يكونوا اطلاقا ملهمين من قبل ألروح ألقدس . وأيضا يلقن ألطلبة في هذا ألعصر أن ينظروا الى العالم بطريقة تعرف ب " الطبيعية " وألتي تبصره كنظام مستقل من ألمادة والطاقة، ويعمل بقوانين طبيعية غير متقطعة . وتحسب كل ما موجود في ألكون حدث صدفة وحسب ألحاجة . سواء كان  ألله  موجودا ام لا ، فان الطبيعة تعمل من دون ألأشارة اليه ولا تظهر أية علامة لحضوره .

جلّ ما يرمي اليه " ألخلق "  هو أن ألكون تم خلقه من قبل قوة أزلية عليا ، خارقة وغير منظورة . هنالك مجموعتان من ألخلقيين . أحداهما تؤمن ب  " الخلق الحديث للأرض " اعتمادا على ما جاء في سفر ألتكوين من ألكتاب ألمقدس ، وألذي فحواه بأن  ألله خلق ألعالم في ست ايام كاملة ، وأن عمر ألكون 10000 سنة تقريبا ، كما أن ألمتحجرات ألمكتشفة عبر حفريات ألعلماء يعزى معظمها الى طوفان نوح . أما ألمجموعة ألأخرى فتحبذ " ألخلق ألقديم للأرض "  حيث تسمح  بمساحة أعرض في تفسير سفر ألتكوين ، كما أنها تعتمد  ألمعايير ألعلمية للتواريخ مثل 4.5  بليون سنة تقريبا لعمر ألأرض ، و 13.7 بليون سنة لعمر ألكون . وأيضا تتقبل " ألتطورات ألصغيرة "  كطريقة ألله في تكيف ألأنواع ألموجودة  لتغير ألمحيط والأجواء ، ولكنها ترفض " ألتطورات ألكبيرة " .

أين موقع " ألتصميم ألذكي " من " التطور "  ومن " ألخلق " ؟ غالبا ما يخلط مع " ألخلق " ولكن في الواقع يختلف عنه تماما . فبدل أن يبدأ بشرح معين لسفر ألتكوين ، فانه يبدأ بالتحرّي عن ألعالم ألطبيعي . وعليه ، فأن ألأختلاف ألأعظم هو عدم اعتماد " نظرية ألتصميم ألذكي " على افتراضات لاهوتية مسبقة للتعرف على ألفعالية الذكية ، بل على طرق موثوق بها نمت وتقدمت  ضمن المجتمع ألعلمي .......................... يتبع
 
        

145
ألتصميم ألذكي ... شذرات مختارة 1
                                                                                                                        د. صباح قيّا

شدد البابا بنديكتوس السادس عشر في كتابه " ألخلق والتطور " على ألثغرات وأوجه ألقصور في نظرية ألنشوء والأرتقاء ألتي تفتح ألمجال لتساؤلات أساسية عن بدء ألخليقة  ، وقال أيضا : ان " نظرية داروين "  لا يمكن اثباتها من خلال ألتجريب والملاحظة لأنه من ألمستحيل وضع عشرة آلاف جيل في مختبر . وأن احتمال صحتها ليس صفرا لكنه ليس واحد ايضا . وأضاف : يبدو لي أنه من ألمهم الأشارة الى أن نظرية ألتطور تثير تساؤلات تدخل في نطاق ألفلسفة وتقود هي نفسها الى ما وراء مجال ألعلم . كما أشاد البابا في نفس ألوقت بالتقدم ألذي أتاحته ألعلوم بقوله : ان ألعلوم ألطبيعية فتحت أبعادا واسعة للفكر كانت مغلقة حتى ذلك الحين ونقلت الينا معارف جديدة ، وهي تطرح اسئلة يجب أن توجه للمنطق ولا ينبغي أن نتركها للاحساس ألديني .

لا يمكن اغفال الاندفاع الملموس والجذب الواسع  لمعظم علماء ألطبيعة لتلك ألنظرية منذ أن نشرها عالم ألاحياء ألبريطاني تشارلز داروين 1809-1882  في كتابه " أصل ألأنواع " عام 1859 ، والتي تفسر تنوع ألحياة من خلال عملية تطور بطيئة في اطار ألصراع للبقاء .  قد يكون ذلك ناتجا عن قناعة عند ألبعض ، ولكن حتما هنالك من لحق بالبقية على قاعدة " حشر مع الناس عيد " . وايضا روج لها آخرون ظنا منهم بأن ذلك يجعلهم مصنفين  ضمن خانة ألعلماء ألتطويريين رغم محدودية مساهمتهم أو عدمها تماما.  ربما نبتعد عن جوهر ألحقيقة  لو اعتقدنا بأن عمل " داروين " الرئيسي  كان محاولة منه لوضع مفهوم التطور على أساس علمي صلب ، فذلك كان شأنا ثانويا ، فهو لم يحصل على تدريب منهجي في ألعلوم الطبيعية على ألاطلاق ، وكان يؤمن بأن ألكائنات ألحية ترث صفات مكتسبة ، والتي هي ألآن نظرية منقرضة  من ألناحية ألعلمية  . ورغم اسهاماته المفيدة في اختصاصات علمية متعددة كعلم ألحيوان ، ألنبات ، ألجيولوجي ، وعلم ألمتحجرات ، ولكن يبقى أبرز انجاز دائم  له ليس في حقل ألعلم وانما في عالم ألفلسفة .

لم تحضى " نظرية ألتطور" بدعم واسناد طبقة واسعة من العلماء والباحثين فحسب ، وانما تنعم بتأييد ومؤازرة ديانات وطوائف شتى تعدها من اولوياتها الاساسية ، وتشمل   ألبوذية ، ألكونفوشيوسية ، ألهندوسية ، ألتاوية ، وحتى من يطلق على إسلوبه ألأيماني بالبروتستانتية ألمتحررة ,    وألكاثوليكية ألمعاصرة ، واليهودية ألأصلاحية ، وما شاكل . ولا نغفل ألملحدين ، واللادينيين ،  ومن يعرف بالأنسانيين  .  

قناعتي بأن "  نظرية ألتطور " هي نوع من  ألفلسفة لتفسير الوجود والحياة  ، ويكمن شيوعها واتساع رقعتها بسبب إقتران  هذه ألفلسفة  بالنظرية العلمية . ولو لم يكن  عامل ألعلم هو السائد لتدحرجت وغاصت في اعماق ألنسيان كما حصل لكافة ألفلسفات ألألحادية التي ظهرت بعد منتصف ألقرن ألثامن عشر ، وأيضا ما آلت اليه حديثا ألفلسفة ألوجودية ألملحدة , وأخيرا النظرية ألأممية الاقتصادية . وبالرغم من مرور اكثر من قرن ونصف على ظهورها وما لاقته ولا تزال  من ثشجيع مادي ومعنوي فانها لم تستطع أن تقدم ما يبرهن على صحتها .  وعليه ، وكما هو معروف ، فان ألنظرية بدون برهان تظل نظرية ولن تصير حقيقة اطلاقا . وتدل قراءات الواقع بأن أفلها بدأ يتضاءل تدريجيا ،  ولو ببطء شديد ، ولكن باتجاه نظرية ألخلق .

ألصراع بين أنصار  " نظرية ألتطور " والذين يعرفون بالتطويريين , وأنصار " نظرية ألخلق " الذين يدعون بالخلقيين ، قائم منذ عدة عقود . كل يحاول اثبات أرجحية نظريته بالحجة ألعلمية والدليل ألملموس . لا نقرأ في حيثيات صراعهما ألمستديم جملا تصغيرية أو اتهامات باطلة مثل الايمان بالخزعبلات أو الغيبيات أو ألأساطير أو ألخرافات ... والقائمة تطول . لا يصف ألتطويري  نفسه بالمتبحر أو يدعي بأنه تنويري وغريمه متخلف  جاهل و غارق في بحر ألظلمات والضلال . كل طرف بدائرته عالم وليس بعلمه أو معرفته واهم . ولن يرضى أي طرف أن يفرض فرضيته على الطرف ألآخر وانما محاولة كسبه عن قناعة بعد إثبات صحة فرضيته وتقديم البرهان المطلوب   . .. فهل نتعلم  ؟  ومتى  ؟

عادة ما ينتقد التطويريون ألخلقيين لأنتقائهم ألأخطاء ألتي تظهر في نظرية ألتطور بدل السماح لنموذج ألخلق بالأرتكاز على جدارته ألذاتية . ما لا  يحاول أن يعيه ألتطويريون هو أن هنالك فقط  نموذجان لأصل ألكائنات . أذا الحياة لم تتطور فذلك يعني أنها خلقت . وعليه فان أي دليل ضد التطور هو دليل للخلق ، وأي دليل ضد ألخلق هو بمثابة دليل لصالح ألتطور ......... يتبع .







146
رسالتي ألرابعة الى راعي الكنيسة الكلدانية
                                                                                                                            د. صباح قيّا
بادئ ذي بدء ....  اعترف بأني لم يسبق لي ألتصويت لأي مرشح برلماني , سواء كان نوابي أو أعياني ، منذ تشكيل ألدولة العراقية ولليوم , ولم أقرر بعد  عن مشاركتي بصوتي أم لا خلال ألأنتخابات ألبرلمانية  القريبة ألقادمة . احتراماتي لكافة ألمرشحين ضمن ألقوائم أو بدونها  مع تمنياتي بالحظ السعيد للجميع .                                                                                                      

  أمضيت ألأشهر ألأولى من دخولي كلية طب بغداد في أحد فنادق ألحيدرخانة في غرفة مطلة على شارع ألرشيد , وسنحت لي الفرصة ولمرات عديدة من ألأستمتاع بألألحان ألشجية والأهازيج  والهتافات التي كانت تنطلق من افواه مواكب المتظاهرين في مسيراتهم بمناسبات مختلفة . ومن تلك ألتي اتذكرها دائما ولا أنساها بسبب مشاهدتي للعديد من أحبائي واقربائي يرددونها بحماس في احدى هذه  التظاهرات وهي : جزائر أحرار .. جزائر أحرار ... فلتسقط انكلترا وفرنسا ألفاجرة وأمريكا أم العار ... يسقط ألأستعمار . وتشاء الصدف أن يستقر كل  من رأيته من معارفي  ذلك الوقت في دولة " أم العار " أو حليفاتها أو صديقاتها  .. ولم أسمع اطلاقا عن هجرة اي منهم الى ألبلدان التي كانوا يحملون ، مخيرين أم مضطرين , عقيدتها  , وينفذون , بوعي أو بدونه ,  اجندتها  ... انه المضحك المبكي من ناحية ... والتناقض الفكري ألمتأصل  في نفوسنا بسبب  الجينات التي تتحكم بالعقلية ألشرقية عامة والعربية  خاصة , من ناحية اخرى ... أحلل لنفسي ما أحرم لغيري , وأحرمها مما أحلل لغيري  ... أقول عكس ما افعل , وأفعل غير ما اقول ....  لن أستثني أحدا حتى نفسي .. واشمل بذلك رجال كنبستي ... لأنهم من نفس طينتي .. وعلى كروموزومهم  ترقد اشباه جيناتي ...

 تعلمت : " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " . لا أصدق بان الكنيسة تشتط عن هذا التعليم المقدس  ... من الضروري جدا جدا توخي الدقة والحذر في اختيار الكلمات والجمل التي تنسب اليها لكي لا يساء القصد ويحرف المعنى , وبذلك يهتز موقفها ويتسرب الشك الى  رؤوس رعيتها . هل اطلعتم على الترجمة الخبيثة لكرازة البابا بمناسبة الميلاد ؟  وما تلاه من التوضيح الفوري وقبر الفتنة في مهدها .. هذا ما نود أن نلمسه من كنيستنا على لسان من ينطق رسميا بأسمها .. مع تجنب التعابير المطلقة والصارمة , الا بما يمس ألأيمان المسيحي . وايضا ألأبتعاد عن التعميم  والتاكيد على ذكر الحقائق كما هي وبصراحة , فالكنيسة ليست مؤسسة أمنية او ما شاكل لكي تتعامل مع رعيتها بالشفر . يكفي ما نحن عليه من تشرذم ولن نتحمل المزيد .

  تـساؤلي الآن : من هم ألاشخاص المستغلون والذين ينتحلون صفة الشيخ ويدعون تمثيل طائفة الكلدان ؟ انني لم اسمع الا بشيخ واحد يلقب ب " ألشيخ ألكلداني " , ولا أعتقد ان هنالك غرابة في الموضوع .. أعرف الكثيرين ممن يحمل لقب " ألكلداني " ’ وأيضا " ألسرياني " و " النسطوري " و " اليعقوبي "  ...  ألخ...  ألأنسان حر باللقب الذي يفضله .. وما هو مرفوض حتما من يدعي بأنه  " شيخ ألكلدان " أو " الشيخ على ألكلدان " .. أعلموني من هو ؟ كي أخصه في مقالتي القادمة  .... هنالك من يقول بان المسيحية تخلو من صفة  " ألشيخ " . , ولكن .. ألم يلقب  صاحب ألترجمة السبعينية وألذي ساهم بنقل ألتوراة من العبرانية الى اليونانية ب " ألشيخ " ؟ كما ان أول رئيس جمهورية لبناني , وهو ماروني كاثوليكي , يعرف ب " الشيخ" . وهنالك عائلة عراقية كاثوليكية سريانية كانت تملك مراكب جنوب العراق تلقب ب " ألشيخ " .  ولا أعلم ماذا ستقول كنيستنا عند بروز " ألشيوخ ألكلدانية " ألجديدة والقادمة من أور ألكلدان ؟ وذلك ليس بالحدث ألبعيد أبدا .

 تساؤلي الثاني : لماذا قبلت  وسمحت ل " ألشيخ ألكلداني " بزيارة وتفقد العديد من موسساتتنا الكنسية  ومن ضمنها بعض كنائسنا ؟ وماذا عن ألزيارات لشخصه وفي مقر عمله وألتي قام بها رجال دين وممثلون عن  كنيستنا  ؟ أضافة الى دعوته لحضور بعض النشاطات ألكنسية  ؟. لا يا كنيستي ألغالية والعزيزة عليّ وعلى ألكثيرين .. لن يسعدنا هذا ألتناقض , ولن تسرنا هذه ألأزدواجية على ألاطلاق .

لا يقتصر اطلاق  كلمة " الشيخ " في ألعصر ألحالي على رئيس القبيلة أو ألعشيرة ’ بل يتعداها ليشمل شرائح أخرى  من المجتمع . وتعني , من الناحية اللغوية , من أدرك الخمسين من العمر .  ولكنها أيضا  تطلق على من له مكانة علمية او فضل أو رياسة ، بالأضافة الى من له مال وجاه ، او سطوة وسلطان , بغض النظر عن العمر . وذلك يعزز ألامتلة ألمذكورة اعلاه .

اقف ألآن برهة وجيزة لأقرأ ألتوضيح : لا أحد يمثل ألطائفة ألكلدانية كنسيا الا رئاستها وسياسيا الا أحزابها ألمعتمدة . تساؤلي ألان : ما المقصود بالطائفة ؟ هل الكنيسة لا تعترف بالكلدان كقومية ؟ ... نحتاج الى اجابة صريحة وواضحة ....  نعم لا أحد يمثلنا كنسيا الا رئاستنا ... أؤيد ذلك مائة بالمائة  رغم كون ألأسلوب يغلب عليه طابع  " ألأنا " ,  ولا استغرب ذلك ما دام ألتعبير صادرا من عقلية  شرقية لا تعترف الا بذاتها  وقدرتها المتميزة  وأوحديتها القيادية .... والأهم ماذا تعني " وسياسيا الا احزابها ألمعتمدة " ؟ ... سؤالي :  معتمدة ممن ؟ من ألكنيسة ؟ من سلطة الدولة ؟ من الحكومة المركزية أو من حكومة ألأقليم ؟ ما هي ألمعايير من وجهة نظر كنيستنا المبجلة لكي تكون تلك التجمعات ألسياسية  أو ألتنظيمات الحزبية " معتمدة " وما يظهر حديثا ويبرز جديدا على الساحة ألعراقية " غير معتمدا " رغم كون ذلك ضمن المقررات الدستورية ولا يتعارض مع القوانين ألمرعية ألسائدة ؟ هل سبق لتلك " ألمعتمدة " أن قدمت فروض الطاعة لرئاسة كنيستنا ألجليلة لكي تسند بصورة غير مباشرة من خلال ألأشارة ألسلبية لمن قراءات الواقع تقر بحظه ألاوفر في نيل بطاقة ألدخول الى قبة ألبرلمان ؟؟  .

 يا أقدم كنيسة في ألتاريخ المشرقي وربما في ألأيمان المسيحي  ... هل من ألممكن ألأفصاح لرعيتك ألمهمشة عن ألذين نددوا بالتصرفات ألتي دفعتك لأصدار مثل هذا ألتوضيح ألذي لن يؤدي الا الى ألمزيد من ألضياع والفرقة والأشتطاط الكنسي والرعوي ... هل يعقل أن تنقاد كنيسة ألشهداء عبر ألتاريخ الغابر والمعاصر الى رسائل أقل ما يقال عنها بأنها تحوي " كلمات حق يراد بها باطل " .    
        


147
ميلاد مجيد ... أم عطلة سعيدة
  د. صباح قيّا  
فاجأتها بردي العفوي السريع "  ميلاد مجيد  " جوابا على تهنئتها لي العام الماضي بعبارة " عطلة سعيدة  " .  أمرأة من أصول لبنانية مسلمة تعمل معي في نفس المؤسسة الطبية . كانت دهشتها أشد من سيل اسئلتي المتعاقبة اللاحقة , وبدأت , أحيانا ،  تتعثر وتتلكأ من الخجل ألذي بدى واضحا على محياها ، وبريق وجهها يتلاشى تدريجيا فيغدو بلون ورقة الشجر أيام الخريف . ربما لم تصادف مثل هذا الموقف المحرج  قبلا ، ولم يسبق لها أن تلقت اعتراضا جديّا بهذا الشكل  منذ استقرارها الحديث نسبيا في بلاد المهجر  .
 لماذا يا أختاه " عطلة سعيدة " والمناسبة هي الأحتفال بذكرى ميلاد  " السيد المسيح " ألذي ، بلا شك ، تعترفين به وأنت " مسلمة ملتزمة " وتفهمين جيدا ما جاء في كتابكم ؟ ألكل هنا يهنئ بهذه الطريقة ... طيّب ... ماذا يقول لك الأهل والأحباب في عيد ميلادك ؟... مبروك الميلاد وانشاء الله مائة عام ...          
أنت ترعرعت في بلد يتعايش فيه المسيحيون والمسلمون ... هل يحتفل الناس ب " العطلة السعيدة " أم ب " الميلاد المجيد " و " رأس السنة الجديدة " ؟ : ماذا تنشر الصحف وماذا يقدم الأعلام  بهذه المناسبة ؟ كيف يخاطب الملوك والرؤساء وكافة المسؤولين في شتى الدول الأسلامية والأقطار العربية في رسائلهم الى المسيحيين في كافة دول العالم عامة ودولهم بصورة خاصة ؟ ... نهنئكم بذكرى ميلاد نبيّ المحبة والسلام ...                                                                                              
هل تعلمين من ابتكر هذه البدعة الضالة ؟ , ومن يروج لها ؟ ومن يعمل على  بسطها ونقل عدواها الى بقاع العالم قاطبة ؟ وما هو الهدف الحقبقي الذي يكمن في عقول المخططين والمدافعين عنها بضراوة وعناد ؟ ... كلا لا أعلم ولم أتصور اطلاقا أنها تحمل في طياتها أبعادا خبيثة وخفايا لعينة ...  ، جيد  .. أنا لا أريد الخوض في ألتفاصيل , ولكن , وباختصار , أنها نتاج النرجسية عند بعض الساسة الذين لا يترددوا أن يمدوا  أيديهم للشيطان من اجل مصالحهم الذاتية ... انها دعوة الذين يرعبهم الأيمان المسيحي لمقاومته ورفضه كل ما يشذ عن الحياة الانسانية السويّة .. أنها حلم الشعب ألذي  لا يعترف بنزول المسيح  بعد وينتظر قدومه ليقوده الى الخلاص ويحكم العالم .. انها لوثة العقول المريضة التي ترفض وتحاول أن تمحي  كل ما له علاقة بالرب بحجة احترام حرية الفكر وتجنب كل ما يثير أو يخدش المشاعر الفردية  .. أنها ... وانها .. وانها ..... شكرا أخي , لقد نورتني .. أرجو قبول اعتذاري وثق باني لن استخدمها ثانية , وسانقل ذلك الى زوجي وافراد عائلتي  ، ونعود كما كنا في لبنان الأرز : عيد ميلاد سعيد وسنة جديدة مباركة ..... نعم ... نعم ... لنردد سوية :

                               Merry Christmas & Happy New Year “ Yeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeeee                                                                                             “ Happy Holiday ”  Nooooooooooooooooooooooooooooooooooooo                                                
ماذا نعمل ازاء هذا المد الغريب والآخذ بالأستفحال تدريجيا والذي قد يقوض ركنا جوهريا من أركان الرسالة الأيمانية باضطراد رقعته وسعة شموليته مع تعاقب الاجيال  ؟ الى متى نصبر ونظل متفرجين على التقليم المبرمج لما جبل عليه أجدادنا واباؤنا لألفين عام من الزمان ؟
أيها البابا المبجل في روما .. أيها البابا الجليل في الأسكندرية .. أيها البطاركة والمطارنة  والأباء الموقرين في كل زاوية من العالم الصغير .. تحدثوا الينا واقترحوا علينا بما سيلهمكم به الروح القدس . .. اننا على ثقة بان الكنيسة ستبقى شامخة بصمودها وراسخة في ايمانها .. لم تنحني سابقا  لتائهات القدر ولن تزعزعها اليوم  شرائع النفر القليل من اشباه البشر . أني على استعداد بالاستمرار في عملي يوم عيد ميلاد المخلص كي اذيب لحن " العطلة السعيدة " في جوف من يعزف على هذا الوتر .
وأنتم يا أحبائي العلمانيين .. ردوا بقولكم " ميلاد مجيد " على من يمد يده اليكم  او يفتح فاهه معكم  ب " عطلة سعيدة " . وهنيئا لكم جميعا حلول " عيد الميلاد المجيد "  واطلالة " السنة الجديدة المباركة "
Viva ….Viva … HAPPY CHRISTMAS                      Down … Down … Happy Holiday
 

                                                                                                                                                                                            

148
المنبر الحر / حكايات طبية – 8
« في: 13:37 30/11/2013  »
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة – 8
د صباح قيّا
    ( Poliomyelitis )  شلل  الأطفال
ودخل يسوع كفرناحوم , فجاءه ضابط روماني وتوسل اليه بقوله: " يا سيد ، خادمي طريح الفراش في البيت ولا يقدر أن يتحرك " . فقال له يسوع : " انا ذاهب لأشفيه " . فأجاب الضابط : " أنا لا أستحق ،  يا سيدي ، أن تدخل تحت سقف بيتي . ولكن يكفي أن تقول كلمة فيشفى خادمي . فتعجب يسوع من كلامه وقال للذين يتبعونه : " الحق أقول لكم : ما وجدت مثل هذا الايمان عند أحد في اسرائيل . ثم قال يسوع للضابط : اذهب ، وليكن لك على قدر ايمانك " . فشفي الخادم في تلك الساعة . ( متى  8 : 5 – 8 , لوقا 7 : 1 – 10 ، يوحنا 4 : 43 – 54 ) .
رسم المصريون القدامى أول صورة لضحاياه ... واستمرت المعركة معه منذ ذلك الزمان .. يهاجم بدون سابق انذار .. يعيق أو يميت  خلال ساعات .. يطرق باب الغني والفقير  ، الكبير  والصغير . استحق شهرته  كأشدّ الأمراض رعبا حيث سبق وأن شلّ  وقتل ، في ذروته ، أكثر من نصف مليون سنويا في كل قطر من  أقطار المعمورة قاطبة  . عصفت موجات وبائية منه  خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي عدة  بلدان منها كندا ، الولايات المتحدة ، والمملكة المتحدة ، فأثار الهلع بين سكانها وامتلأت مستشفياتها بالمبتلين به .
شلل الأطفال مرض معد جدا .. سببه فيروس .. يصيب كافة الأعمار وبالأخص الأطفال دون سن الخامسة من العمر .  ينتقل من شخص الى آخر ، غالبا ، عند تناول الطعام او شرب الماء الملوث ببراز المريض ، ونادرا ، بواسطة الرذاذ المتطاير من الفم .  وينتشر بسهولة الى  كافة أطفال البيت الواحد . تتراوح مدة الحضانة من 3 – 35 يوم ، وتسري العدوى من 7 – 10 ايام قبل وبعد ظهور أول عرض للمرض الذي يستقر  في الأمعاء أولا  ثم يهاجم الجهاز العصبي المركزي بعد دخوله مجرى الدم . ويتمكن من قتل خلايا العصب الذي يتحكم في نشاط  العضلات وبمعدل 1/200 حالة .
   يبدأ المرض  بارتفاع طفيف في درجة حرارة الجسم . وخلال 2 – 3 أيام يشكو المريض من صداع ، صلابة الرقبة  وآلام عضلية في الظهر والأطراف  مع ارتفاع شديد في درجة الحرارة ، وأيضا احتقان البلعوم ، ليونة الغائط  ، واضطراب المعدة . ويعقب ذلك شلل الوجه أو الصدر , فقدان حركة الأطراف السفلى او العليا ثم صعوبة التنفس الذي يؤدي الى الوفاة احيانا .
يتم التشخيص بالكشف عن الفيروس في نموذج من الغائط ، او في مسحة من البلعوم .
بالرغم من عدم توفر علاج شاف ، الا أن الحرب الكونية المعلنة  ضده في صفحاتها الأخيرة والنصر يقترب من البصر بعد مضي 5000 سنة على الصراع القاسي معه  . كل ذلك بفضل اللقاح الوقائي الذي اكتشفه  الدكتور جوناس سالك عام 1955 ، والآخر المكتشف من قبل الدكتور البرت سابن سنة 1961 وهو المفضل حاليا في جدول التطعيم الدوري للأطفال والذي يعطى بشكل قطرات عن طريق الفم مع اللقاح الثلاثي في الشهر الثاني والرابع والسادس ، ويعزز بجرع منشطة في الشهر 18 وبين 4 – 6 سنة من العمر .
وبعد ان تم صد الفيروس بايصال اللقاح الواقي الى صحاري السودان وغابات الكونغو ومن جبال النيبال الى معسكرات اللاجئين في افغانستان . برزت ، للاسف الشديد ،  مخاوف جادة من امكانية انتشار المرض الى دول الجوار ومن ثم الى اوربا وبقية بقاع العالم  بعد  تشخيص عدة اصابات في سوريا بسبب عدم الالتزام بمواعيد تناول اللقاح من ناحية وخلل البنى التحتية من ناحية اخرى  كنتيجة للحرب الأهلية الدائرة هناك منذ أكتر من عامين  . وبغية تطويقه ، يستوجب اعطاء اللقاح لجميع اللاجئين من سوريا ، وايضا التحري عن الفيروس بمسح المجاري وخزانات تصريف المياه لدول اللجوء والتي تشمل بلدنا الحبيب . 
 




149
المنبر الحر / ارهاب القلم
« في: 23:05 23/11/2013  »
ارهاب القلم
د. صباح قيّا                
لم يطرق سمعي مصطلح " الأرهاب " الا قبل فترة وجيزة ، حيث لم يكن مألوفا أو متداولا  خلال مراحل دراستي . كانت المسميات للاجرام متنوعة ، منها   القتل  ،  السرقة ، السطو ، الأغتصاب ، الأحتيال ، النشل ، الخيانة ، التجسس ، والقائمة تطول , ورغم ذلك لا اذكر انه كان من  ضمنها , واذا كان , فربما مهمّشا ومغمورا في ذيلها. و فجأة  بسط جناحه في بقاع مختلفة من العالم ، وانتقلت عدواه الى بلدي وبقسوة قلّ مثيلها . نسبه أصحاب القرار الى متطرفين .... دينيين  ..أو مذهبيين .. أو قوميين .. , ولم تسلم بعض التنظيمات الوطنية والسياسية من دائرتهم .. فأحيانا تشمل  واحيانا اخرى تعفى  . كيف  ؟ ولماذا ؟ لأ أعلم .. فالأمر والنهي عندهم ..

يتبادر الآن السؤال : هل حقا لم يمارس الأرهاب عبر تاريخ البشرية ، قبل الميلاد وبعده ؟ بحسب معلوماتي المتواضعة أنه رافق الانسان منذ بدء الخليقة ، ولكن بصيغ وأشكال متباينة . ليس بالضرورة أن ينتج القتل عن الأرهاب . فكل ما يجبر عليه الأنسان بدون حق , وما يملى على المجتمعات قسرا هو ارهاب . الدكتاتوريات .. حكم الحزب الواحد .. التهجير .. الأستغلال .. التسلط .. التهميش .. الأحتواء .. الغاء الطرف الآخر .. تقييد الحريات .. وووو ..  وقد يكون رد الفعل ايجابيا متمثلا بالمقاومة السلمية أو بالسلاح , أو سلبيا على خطى الهجرة والأغتراب .

ربما يتذكر البعض رجل الأمن ايام زمان والذي يعرف ب " السري " , ينشر الرعب أينما ظهر فتتوارى الجموع عن انظاره ، ورغم ذلك يقدم له المأكل والمشرب في المقاهي والمطاعم مجانا . كما كان في كل زقاق من بغداد ما يسمى ب " شقاوة المحلة " يجمع النقود من اهلها ، وما يطلق العموم عليها    ب " الخاوة "  ، بحجة الدفاع عنهم وحمايتهم , ولا يتوانى عن مشاكسة هذه وتلك بحيث يضطر اصحاب الشأن  الى  الأنتقال الى محلة أخرى . وتحضرني حادثة ظريفة قرأتها في احدى المجلات الفكاهية لتلك الأيام ,  ولست متأكدا ان هي " حبزبوز " أم " قرندل "  : اعتادت الجندرمة العثمانية أن تجمع الأتاوات من الأهالي بطريقة أو اخرى . ومن خلال تفقدها المفاجئ لاحدى القرى العراقية لاحظت أن الدجاج طعامه الحنطة . تظاهر قائد الجندرمة بالأمتعاض موبخا الأهالي على هذا الدجاج المرفه والعساكر طعامهم خبز شعير , فاصدر حكمه فورا بتغريم القرية 100 روبية . وبعد شهر واحد عادت الجندرمة الى القرية وكان الدجاج يتمتع هذه المرة بالشعير . ورغم ذلك أصدر القائد نفس الحكم بحجة أن العساكر بدون خبز . وكانت المفاجئة في زيارتهم الثالثة حيث كانت الارض نظيفة ، كنست من الحنطة والشعير بعد أن أنذرهم الاطفال باقترابهم من القرية . أبدى القائد حزنه على الدجاج لتركه جائعا بدون طعام , وقبل ان يصدر حكمه ، بادره المختار قائلا بأن كل دجاجة تعطى فلسان يوميا لتشتري ما تشتهيه . عندها رحلت الجندرمة وبدون رجعة . أليست الامثلة المذكورة نماذج للأرهاب وبأسايب مختلفة ولاهداف متنوعة ؟ . وما علينا الا صدها بما يتناسب مع جوهرها .

وفي خضم ذلك  السلم الارهابي بدرجاته المتفاوتة ، برزت  في الآونة الاخيرة ظاهرة جديدة للأرهاب أدعوها " ارهاب القلم " . فبعد أن كان الكاتب يتوسل لنشر قصته أو قصيدته أو كل ما يعبر عن أفكاره ، نتيجة لمحدودية وسائل النشر من ناحية ،  وأتباعها لسياق انتقاء الأفضل من ناحية أخرى . وجد ضالته حاليا في المواقع الالكترونية ليسطر ما يحلو له ويطيب . ومن دون شك أن الأهواء والأمزجة والنوايا ووو ... لن تلتقي دائما  ولا يمكن أن تغدو بوتيرة موحدة بسبب الفكر النير الذي يتمتع به المخلوق وقابليته الفذة على التغيير والتجدد ، والتي تتمايز بنسب متقاربة  أو متباعدة بين الأفراد . وقد دأبت بعض المواقع ، مشكورة ، لتخصيص منابر حرة كفرصة ثمينة لأبداء الرأي ومناقشة الطرف الآخر . ولا يخفى على الباحثين والأكاديميين بأن الدراسات والرسائل الأكثر جذبا واهتماما وأثارة هي  الغير نمطية أو غير المألوفة أو التي تاتينا بنتائج جديدة او غير قياسية . وهي بالذات التي تحفز الكثيرين لمناقشتها وتأييدها أو دحضها , ولكن بأسلوب حضاري خال من العنتريات وكلمات التصغير أو جمل الأستهزاء والتحقير . وهذا ما يحصل ايضا على المواقع ، فالمعروض عليها غير متجانس ، والكثير منها زاخر بالمداخلات وردود الأفعال ... ولكن ، وللاسف ألشديد ، يلجأ البعض , وهذا البعض والحمد لله هو قلة القلائل , الى التهجم والأستفزاز والتشهير بصاحب المقال بدلا من التطرق للبّ الموضوع بأمانة وحسن دراية ... والظاهر انه لم ولن يعير اهتماما بما جاء على الموقع من نداءات مخلصة ولن يبال بما اتفقت عليه الاغلبية بأن " الشتائم حيلة المفلس " .

انني ، وبصراحة ، مع المواقف النقدية مهما كانت قاسية أو لاذعة ما دامت لا تشتط عن صلب الفكرة المطروحة . أما أن تستهدف محاورة الرأي الآخر انتهاكا  لسيرة الكاتب الشخصية أو لصق  الأتهامات شمالا ويمينا أو كيل الشتائم والسباب وكل ما يخرج عن الأخلاق الكتابية والذوق العام ... تلك خطوط حمراء لا يتجاوزها الا ذوي العاهات الفكرية والاجتماعية ..

لا اريد الخوض في دوافعها وخفاياها .. معروفة للجميع وحتى لصاحبها .. ولكن التمس مخلصا بالأبتعاد والكف عنها . لا تألوا المواقع جهدا في التضييق عليها والحد منها قدر الأمكان .. ورغم ذلك ينجو القسم منها بين الآونة والأخرى ليظهر هنا وهنالك .  وكحالة انسانية طبيعية ، يختلف رد الفعل تجاهها من شخص الى آخر . فواحد يكيل لها الصاع صاعين مولدا المزيد من المهاترات والمشاحنات  ، وآخر يردها بدبلوماسية وشياكة ، وثالث يهملها ويستمر في نتاجه . ورابع يهجر الموقع الى اخر يسمح له بانتقاء ما يراه مناسبا من الردود أو يختار من لا يسمح بها على الاطلاق ، وبذا يذعن الى ما يصبو اليه " ارهاب القلم " , فيخسر القراء  قلما جميلا ويفقد الموقع مساهمة جادة . وقد حصل ذلك بالفعل ، حيث رحل والتجأ اليها ،  ولم يعد ،  عدد غير قليل مفضلا  الأستقرار هناك .

أناشدكم ايها الكتاب والقراء الأعزاء  أن تتحدوا لصد هجمات " ارهاب القلم "  قبل أن تتوسع رقعته وتستفحل شدته .. وبذا نخسر منبرنا الرائع " المنبر الحر " .  فما أخشاه ان يضطر الموقع لحجبه أو تقليصه .. وبذا نحرم من نقد  بعضنا بأسلوب موضوعي وطرح افكارنا بقبول الطرف الآخر .. فالأختلاف في الراي ليس خلافا .. فقد تكون غريمي  في القلم .. ولكنك حتما ستبقى زميلي على الموقع وصديقي عندما ألتقي بك .    
            


150
الأسماء المستعارة والعزف على القيثارة
د. صباح قيّا 
   ايام زمان... كان يحلو للصبية من ابناء الزقاق الواحد  أن  يبتدعوا بين فترة زمنية واخرى ملهاة معينة لتنتقل عدواها بسرع متفاوتة الى المحلات االاخرى , وتبدا بعدئذ حلقات المنافسة بينهم لحين تتويج الفائز منهم فردا كان أم فريقا . فمن لعبة " الدعبل " على سبيل المثال  الى " المصراع  " ومن ثم " ألغميضة " و "  تك رجل " المسماة  في بعض المدن " شلة شلة " أو " حلّة باجلة "  والى غير ذلك  من فنون البراءة المتعددة   التي تصبح  " موضة " مرحلية  بمجرد النطق بها . تلك كانت وسائل التسلية , عموما , خلال العطلة الصيفية . ولكنها تقترب من الفعاليات المدرسية  خلال أيام الدوام  ، فتغدو الريادة , على الاغلب ,  للالعاب الرياضية , وتبادل الكتب الخارجية ،  وأحيانا  ممارسة التمثيل والرسم , اضافة الى تشكيل المجاميع الدراسية . وشاءت الصدف ان يبتكر احد طلاب زقاقنا  فكرة  " النشرة الجدارية   " على غرار " النشرة الجدارية الدورية " التي كانت مفخرة معظم االمدارس ذلك الوقت . كنت حينها في الصف الاول المتوسط , وساهمت بموضوع عنوانه  " خواطر طالب غريب " . وبدل أن اكتب اسمي الصريح : ذيلت مقالتي باسم " ألأيسر " . لم يكن لاختياري له  أيّة علاقة بالاتجاهات السياسية سواء  اليسارية منها او اليمينية او الوسطية ، حيث كانت جميعها غير متداولة وغير معروفة , آنذاك ،  في محيطنا الساذج . وأيضا , لم اكن افهم بالسياسة " طكة " كما يقال . وما ان أبصرت الحشود المندفعة للاطلاع على محتويات النشرة  كلمة " ألأيسر " , حتى صرخت ضاحكة و مشيرة بأصابعها عليّ : هذا أنت ... هذا أنت ...  لم تنطلي عليهم لعبتي ، فالكل يعلم انني يساري " اليد والرجل " . وكيف لا وسبق أن لاحظوا مرارا وتكرارا  قلمي بالكف الأيسر وركلتي للكرة بالقدم اليسرى . وهكذا .. من اجل تجنّب نقد خاطرتي حسب ما ظنّه , وهما  أم حقيقة ,  داخلي , دفعت  ثمن عفويّتي لمدة غير قصيرة ، بحيث اصبح اسمي الجديد ، مضافا اليه بعض المشتقات اللغوية ، ملازما لي  لحين انتقالنا الى حيّ آخر .
نلاحظ اليوم الكثير من الاسماء المستعارة تعزف نشازا أو طربا على أوتار القيثارة بحرية تامة وبلا ايّة قيود  اجتماعية ، نفسية ، أدبية ،  ثقافية ، او شخصية . وليذهب  السامعون الى الجحيم او الى النعيم ، بحسب اللحن والتأليف الموسيقي الموجه الى السامع ، ذما أم مدحا ، معارضة  أم تأييدا ، تهكما أم تبجيلا , تقريعا أم تثمينا ... ستصبح عاجلا أم آجلا ظاهرة سلبية لو بقينا عنها صامتين وعن أصحابها ساكتين ... طبيعة الانسان أن يطلق لنفسه العنان لو يسمح له بأن يكتب ما يشاء بثقة شبه عمياء ، ويناقش شتى المواضيع على المنبر الحر بأحرف نقدية لاذعة وحتى جارحة , وينعت القاصي والداني بأحقر  الصفات ، ويقذف حسبما يرتأي بأنواع الشتائم والسباب ... لم لا  ما دامت كنيته ليست حقيقية وصورته الشخصية ممحية ... وبالتالي لن يخضع  سلوكه وأدبه لأعراف وتقاليد المجتمع  ، ولن يتحدد بأية  احكام اخلاقية أو تربوية .
 دأبت معظم النشريات والدوريات باختصاصاتها المتنوعة  على فرز حقل يتمكن فيه القراء من  مناقشة أو نقد او اضافة أية طروحات اخرى لما جاء في المواضيع المنشورة في اعدادها السابقة والتي حتما تزيدها صقلا ووضوحا ... وفي كل الاحوال فان جميعها تؤكد على أن  " ما ينشر يعبر عن رأي الكاتب وليس رأيها " . وقد نلاحظ في قسم منها عدم الافصاح عن الاسم الصحيح لصاحب المقال بل يكتفى بالاشارة اليه ب " أبو ....... "  أو " أم....... "  وما شاكل ذلك . ومهما يكن .. فأن المعني , بدون شك , معروف لدى هيئة التحرير ، ولا بد أن ينسجم فحوى موضوعه مع شروط النشر والخط العام لذلك الأصدار . مع العلم أن  العدد الأكبر من الأصدارات يرفض النشر الا بذكر الأسم الصريح للناشر ، مع ابراز صورته الشخصية أحيانا .
 وكنتيجة لانتشار المعلوماتية بشكل واسع على شبكات التصفح الالكترونية المتنوعة ، وتوفر المواقع المتعددة  باهداف وأبعاد مشتركة أو متباينة ، واحتواء قسم منها على منابر " ابداء الرأي والرأي المقابل " كاسلوب حضاري معتمد للتعبير عن حرية الفكر ، تولدت عند البعض فكرة التخفي خلف مسميات واختصارات وهمية  , ويستدل من واقع الحال على تفاقم تنفيذها واضطراد مساحة وجودها والتفنن في عناصر الجذب اليها . ومهما بلغ الأمر بها ، تظل , من وجهة نظري ، سلوكا غريبا وبدعة مضللة لا ترتقي الى مستوى الشرعية  حتى لو نسبت الى اسم تقليدي ان لم يكن معززا  بصورة شخصية .
 يتبادر الآن تساؤلي :  هل المشرفون على الموقع على علم بتفاصيل كنى حامليها ؟ اذا كان الجواب نعم .. فرأيي أن يوجه نقاش ادبياتهم أو  الرد على مداخلة أي منهم الى  " السيد المشرف العام على الموقع "  . اما اذا كانت الاجابة كلا .. فأقترح حجبهم عن النشر وجمع  كل ما يرد منهم في " ارشيف المجهولين " , وذلك للحد من عادة العزف الحر المطلق على القيثارة قبل ان تستفحل فتغدو ظاهرة قاسية جبارة .
لم يميل هذا البعض للتخفي والتنكر لحقيقته والتردد من تعريف  نفسه بصراحة ووضوح وكما هي ؟                            هل لأنه يضعف امام كلمات النقد وردود الأفعال ؟ اذا كان واثقا ومؤمنا بعمق بأنه ذو رأي سديد ، عندئذ لن يهتز للرأي الآخر أو للموقف المعارض .                                                                                                           
هل كونه يخجل من اسمه أو جنسه أو شكله ؟ ذلك ما فطن عليه منذ الصغر ، والله خلق الأنسان على صورته ، والجمال جمال الروح والفكر .                                                                                                                      هل قد يكون ملاحقا أو حذرا من مصدر معين لسبب ما  ؟  عذره مقبول ولكن .. من الأفضل التنسيق مع مسوؤلي الموقع  ويبدأ قلمه   " أعتذر عن الافصاح عن نفسي لأسباب خاصة " .                                                                     
ان لم يكن الجواب نعم لأي مما ذكر ... اذن أعلموني من هو ؟ ان جهلتم ذلك .. ابعدوا قيثارته عني لأني لا أطرب ولن أستمتع  الا  لمن أعرف أو لمن أرى .

151
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 7
 
د صباح قيّا  
   
( Scurvy )الأسخربوط  
ويضربكم الرب بالقروح التي ضرب بها المصريين , وبالبواسير  والجرب  والحكة حتى لا  تقدرون على شفائها . ( سفر التثنية 28 : 27 , سفر اللاويين 21 : 20 و 22 : 22 ) .
لم يخطر ببال أحد بأن تناول برتقالة واحدة يوميا كانت كفيلة بدرء المرض الذي عصف بحضارة وادي مصر واليونان وروما وحصد من البحارة اكثر مما فعلته فوهات البنادق والتقلبات الجوية القاسية .  وفي ظروف متعددة  تسبب في اعاقة أو موت اعداد من الارواح فاقت بكثير ما احدثته فعاليات الجيوش المتناحرة ، وبذلك تحكّم بمصير أمم تعتمد كليا على التفوق العسكري ...
 يطلق عليه " مرض الأسخربوط " أو " داء الحفر " . دوّن المصريون أعراضه عام 1550 قبل الميلاد . وشرحه  " ابو قراط " بالتفصيل في القرن الخامس قبل الميلاد . انتشر بين القوات الصليبية ، وكان كارثة البحارة في عصر النهضة ... اقتبس احد البحارة الفرنسيين آنذاك علاجه من الأقوام الاصلية لكندا السفلى ، والمستحضر من استخلاص عيدان شجرة الصنوبر مع الماء الحار . وأيضا من ضحاياه الكثير ابان  " مجاعة البطاطة العظمى " في القرن التاسع عشر ,  وبين جيوش الحرب الأهلية الأمريكية .
سببه نقص " فيتامين سي " المتوفر بكميات مناسبة في الفواكه وخاصة الحمضيات ، وفي الخضروات ... خزين الجسم البالغ 300 ملغم – 2000 ملغم  يفرغ خلال 1 – 3 أشهر .... وللمحافظة عليه ,  يحتاج البالغ من الذكور الى تناول 90  ملغم يوميا , وترتفع الى 125 ملغم عند المدخنين . كما يكفي مقدار 75 ملغم منه للأنثى البالغة ,  تزداد الى 110 ملغم عند المدخنات , والى 85 ملغم اثناء الحمل , و 120 ملغم للمرضعات .... تحتوي البرتقالة الواحدة متوسطة الحجم على 70 ملغم من الفيتامين , ونفس الحجم من الطماطة على 23 ملغم منه ... تفقد الخضروات  20 – 40 % منه خلال الطبخ .
من النادر جدا حدوثه اليوم ولكن .. من الممكن ظهوره عند الطفل المعتمد على حليب الأبقار خلال السنة الاولى من عمره . وقد يصيب المدمنين على الكحول , أو كبار السن المنعزلين لوحدهم وجلّ طعامهم من المعلبات والأغذية الجاهزة أو من مطاعم الخدمة السريعة . وربما بين اللاجئين أو المحتجزين الذين يقدم لهم طعام مواده الغذائية محددة جدا ومكررة . ولا ننسى المبتلين بالأمراض المزمنة المصحوبة بقلة الشهية او سوء امتصاص الامعاء .
أهم اعراضه : انعدام الشهية ، الشعور بالضعف أو الانهاك , فقدان الوزن ، آلام المفاصل والعظام ، جفاف العين والفم , تجعد الشعر ، تيبس الجلد ,  الاسهال , ضيق التنفس .  وبتقدم المرض تبرز اعراضا اخرى مثل نزف والتهاب اللثة , سقوط الاسنان , تبقع وتقرح  الجلد والنزف تحته ، نزف داخل العضلات والمفاصل ، الرعاف , التبول والبراز  الدمويين  ،  تاخر التئام الجروح ، وفقر الدم .  توقف النمو عند الاطفال .... ثم الموت المفاجئ .
علاجه بسيط جدا وكلفته معقولة أيضا ... تعويض الجسم بالفيتامين بتناول الحبوب المتوفرة في معظم الأسواق ... أللجوء الى الحقن  فقط عندما يشكو المريض من الغثيان . يعزز العلاج بالعقاقير بالاكثار من شرب عصير الفواكه  وتناول المواد الغذائية الغنية به .
التثقيف الغذائي مهم جدا لمنع الاصابة به مع التأكيد على اهمية استهلاك الاغذية الطازجة ، وأيضا الارشاد على الوسائل الضرورية التي تساعد على التقليل من خسارة  الفيتامين اثناء عمليات التحضير او الطبخ .            


152
ما أحلاك لو عدت كما كنت يا عاشوراء

د. صباح قيّا            
تاخذني الذكرى الى سنوات بعيدة ... حينما كانت بغداد أزقة ضيقة , وجمالها شارع الرشيد ، وساكنوها في الفة ومحبة . كنا صغارا ننتظر بلهفة وشوق حلول عاشوراء وبالأخص عطلة 10 محرم . لم يكن ذلك غريبا أبدا  في تلك الحقبة الزمنية  ، حيث كان  الكل يترقب ايضا  بفرحة مشتركة موعد حلول الأعياد الدينية المختلفة والمناسبات الوطنية آنذاك مثل يوم تتويج الملك ,  وذكرى اطلاق الرصاصة الاولى من قبل الشريف الحسين في  9 شعبان من كل عام  .

كانت الجموع تحتشد منذ صباح  ذلك اليوم على امتداد رصيفي شارع الرشيد لمشاهدة المواكب القادمة من منطقة السراي باتجاه الباب الشرقي . لم تكن المناسبة حكرا على مذهب او طائفة معينة  بل كانت كرنفالا يحتفل بذكراها الجميع , وتقليدا اجتماعيا يساهم الكل في احيائها .... كانت المواكب تسير  بمجاميع منظمة  ومتباعدة عن  بعضها البعض بضع  خطوات ... يتقدم كل موكب حاملوا الرايات واللافتات  التي تدل على جهة انتمائه ...فهذا موكب محلة الوشاش , وذلك موكب المشاهدة ، وآخر موكب المدرسة الجعفرية ، ورابع موكب الفيلية .. كان المشاركون من كافة أطياف المجتمع البغدادي .. الشيعي ... السنّي ... المسيحي والصابئي بالأخص  ضمن المواكب المدرسية .. العربي .. الكردي والفيلي .. التركماني ...الأعجمي . كل مجموعة تقف بين الفينة والأخرى لتردد كلماتها المتفق عليها  بلحن يمتزج  فيه الحنان مع الحماس  ، ثم تعبر عن مشاعرها بطريقتها  المفضلة . معظمها تضرب الصدر بالكفين  وهذه هي " اللطمية التقليدية ، بعضها تستخدم الزنجيل وهي الشائعة عند الفيليين والأعاجم , وأقلها تلجأ الى " الطبر بالقامة " . كان يحلو لنا – نحن الصبية المسيحيين – أن نجتمع عند المذياع لنستمع الى "  مقتل الامام الحسين "  بصوت المرحوم عبد الزهرة الكعبي ، منتظرين بفارغ الصبر أن يصل الى فقرة  المسيحي الذي اشترى رأس عليه السلام  وهو في طريقه الى الشام وقوله " عجبا من امة قتلت ابن بنت نبيها " . كنا نتفاخر ونتباهى بذلك بين أصدقائنا في المحلة من المسلمين . والحق يقال ، لم نلق من رد فعلهم غير التثمين والامتنان .
 
مرت السنون وتغير النظام .. ولكن لم يتغير عاشوراء بعد .. اقترح اربعة من زملائي ان نذهب سوية الى الكاظمية ليلة العاشر من محرم ( اقصد ليلة تسعة على عشرة محرم ). وبالفعل غادرنا مكتبة الكلية الطبية  , بعد أن أنهينا مراجعة محاضرات ذلك اليوم , لنصلها مشيا على الأقدام بدأ من باب المعظم . أتذكر أحد زملائي شيعيا وآخر سنّيا ، ولست متأكدا من مذهب الثالث والرابع . لم تكن معرفة مذهب الطالب أو دينه  على درجة من الاهمية ذلك الوقت ، بل الأهم تحديد  اتجاهه السياسي , حيث كانت المشاعر الوطنية والقومية ومحاولة الكسب الى هذا الجانب أو ذاك هي السائدة . كانت تلك الليلة مكرسة ل " مراسم التشابيه " , حيث تمر المواكب بالتعاقب تحكي لنا مراحل قصة المقتل تفصيليا بتشابيه شخوصها .... لم يلتفت احد الى هيئتنا الغريبة مطلقا .. لم نشعر  أننا غرباء عن تلك الجموع .. لم نسأل .. من أنتم ؟.. من أين أتيتم ؟ .. هل فيكم مسيحي أو سنّي ؟ شربنا الماء السبيل .. وتناولنا الطعام مجانا . وعدنا أدراجنا سعداء فرحين .

تعاقبت الأيام .. أطل علينا حكم جديد .. كنا ثلاثة اطباء أحداث في البصرة الفيحاء .. زميل لي والده آثوري " آشوري " وأمه كلدانية ، وآخر أعلمني بعد أكثر من سنة من لقائي به بأنه شيعي . عرض علينا بعض المعارف بان نقضي ليلة  التاسع من محرم ، المعروفة عند العموم  ب " ليلة الطبك "  ، في شارع  أبو الأسود ،  حيث سيمر به موكب التطبير بالقامة ، وستكون هي السنة  الأخيرة التي يسمح بها لأحياء ذكرى عاشوراء . وبالفعل أتينا مساء  وقضينا الليل باكمله داخل سيارتي التي أوقفتها على الرصيف . وعند الفجر ظهرت المجموعة فجأة من عكس الاتجاه المتوقع , وذلك تمويها للشرطة التي كانت تحاصر تلك الجهة . معظم المشاركين ضمن المجموعة من الشباب و صغار السن .... الدماء تسيل من فروة روؤسهم .. أغمي على أحدهم .. نقل حالا الى الجامع القريب من موقع سيارتي ... نادى علينا احد معارفي لندخل الجامع ونشاهد الاجراءات العلاجية .. شاهدنا شيخ  يمسح رأس المصاب بمسحوق اسود اللون ثم سقاه بعصير أصفر اللون .. إستفاق من غفوته وقفز كالنمر مع قامته ليلحق بأقرانه ويعود الى التطبير مجددا . عرفنا من الشيخ بأن المسحوق لعظام حيوانية  تحرق ثم تطحن . أما العصير فخليط من الحمضيات مضاف اليه قليل من ماء الورد.  ألكل كان يعلم من أنا والى أي دين أنتمي .. نعم فمحل خالي هناك أزوره بانتظام ...قٌدموا لنا الأمان .. شاركناهم مشربهم ومأكلهم .. استقبلونا بمودة وودعونا بمحبة .

غادرت وطني الحبيب الى بلد الضباب طلبا لمزيد من العلم وبغية نيل الشهادة العليا والحصول على الاختصاص الذي أنا اليوم حامله . رحل معي عاشوراء .. انتابني الحزن واعتصرني الالم .. حتما ساعود .. ولكن احساسي يبلغني  بأن عاشوراء أيام زمان لن يعود كما كان .  
          

153
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 6
د صباح قيّا

( Tuberculosis )التدرن  

 يضربكم بالسل والحمّى والبرداء والالتهاب والجفاف واللّفح والذبول ، فتتبعكم حتى تبيدكم . (  سفر التثنية 28 : 22 ، سفر  اللاويين 26 : 16 ) .

زائر شرير ، ممكن ان يحل ضيفا عنوة ومن غير استئذان  في أي ركن من ارجاء المعمورة ، تتزامن ضيافته غير المرغوب فيها مع تاريخ البشرية .  أكتشفت  آثاره في العمود الفقري لعدد من المومياء المصرية التي عمرها 5500 عام . وذكر في المدونات الطبية الصينية 2700 سنة قبل الميلاد . حصد من الارواح الانسانية ما لم تصله اية كارثة او وباء منذ بدء الخليقة . اطلق عليه  " ابو قراط " اسم " الاضمحلال " ، وعرف  في العهد القديم من الكتاب المقدس ب " الذبول " ، علما أن الكلمة الدالة عليه في النسخ العبرية القديمة هي  " سجاجيفيث " ، التي هي نفسها المستخدمة حاليا في اللغة العبرية الحديثة لتعني " التدرن او السل " . وهذا ما يعزز كونه المقصود في السفرين اعلاه حيث انه المرض الاكثر شيوعا آنذاك الذي يؤدي الى فقدان الوزن والذبول ، وحتما تعرض له الأسرائيليون القدامى خلال مكوثهم في مصر .

 يختفي احيانا ولفترات زمنية متباينة  ليظهر فجاة ثانية . حلاوته الأحياء الفقيرة ، ولكن لا يستثني احدا من قساوته . اصاب العديد من المشاهير في بقاع متباعدة من العالم منهم : الملك توت عنخ امون ، الكاتبة اميلي برونتي والكاتب انطون شيخوف ، الموسيقار قريدريك شوبان والممثلة فيفيان لي، الزعيم هوشي منه  ، الأم تيريزا وآخرين كثيرين .

مرض مزمن سببه عصيات جرثومية تستهدف ، عموما ، الرئتين  رغم امكانية اصابتها لأي عضو من اعضاء الجسم . تنتقل ، على الأغلب ،  استنشاقا عن طريق الرذاذ المتطاير عبر الانف والفم . ولكن في بعض مناطق الكون ، كأربيل مثلا ، فانها تنتشر بتناول الحليب و مشتقاته التي مصدرها الأبقار المصابة بالتدرن البقري . لماذا أربيل ؟  الجواب : لاعتياد بعض  ساكنيها على استهلاك الحليب بدون بسترة , مع العلم ان العصيات تموت بعد غليانه لمدة خمسة دقائق .

ممكن للعصيات ان تركد بخمول  لبضعة عقود بعد دخولها جسم الانسان ويطلق على هذا النوع "التدرن الأبتدائي "  ، ثم تستعيد عافيتها وتنشط عند ضعف مقاومته وبذا تظهر عليه اعراض المرض و يسمى عندئذ " التدرن الثانوي " . ولذلك  تبرز اهمية التقييم الدوري لتلافي حصوله او للكشف عنه عند المبتلين بالصنف الاول منه  . وهذا ما يحصل بالفعل للمهاجر الجديد الى كندا ، حيث يتم الكشف الأولي عنه باجراء ما يسمى " اختبار تيوبركلين "  Tuberculin Test على الجلد . فاذا ظهرت نتيجته موجبة ، يرسل حينها  لتصوير الصدر بالاشعة السينية Chest X Ray . يعطى العلاج الجذري عند ثبوت الاصابة في الصدر ، ويكتفى بالعلاج الوقائي عند نظافته . يترك بامان من كان أختباره الجلدي سالبا .

هنالك ارباك علمي ، من وجهة نظري ، بالنسبة للأطفال القادمين من بلدي الحبيب " العراق " . يبدأ تطعيم الطفل هناك بلقاح ضد التدرن  " بي سي جي " BCG  ، حسب الجدول المعتمد ، في اليوم السابع  من الولادة ، وهذا ما يجعل نتيجة " اختبار تيوبركلين " موجبة لسنوات عديدة بعد اخذ اللقاح ، وقد يبقى كذلك لحين عمر البلوغ  وربما  يتعداه . ورغم ذلك  توصي الدوائر الصحية المعنية هنا ضرورة بدء العلاج الوقائي لمعظم اطفالنا ان لم يكن جميعهم . ومن حسن الحظ  ان النظام الصحي الكندي يقرّ بحرية الخيار ، الا في حالات محددة ، للتقيد بأي اجراء طبي او عدمه ، وذلك ما يسمح  لمعظم عوائلنا بالعزوف عن اقتناء العقار الوقائي لاطفالها ، وبذا تجنبهم التعرض لتأتيراته الجانبية .  ومن الجدير بالذكر أن لقاح ال " بي سي جي "  لم يدرج ضمن جدول التلقيحات في كندا .
 
اهم اعراضه : ارتفاع درجة حرارة الجسم ، فقدان الشهية , الشعور بالضعف مع فقدان الوزن ، السعال الدموي والتعرق الليلي . وقد يتطور بظهور  مضاعفاته مثل انكماش الرئة او ذات الرئة التدرني . واحيانا تسلك العصيات طريقها عن طريق الدم الى اعضاء الجسم الاخرى  مؤدية الى حصول " التدرن الدخاني " او تستقر في عضو معين محدثة التدرن فيه .

ممكن علاجه جذريا  بتناول مضادات الحياة  لمدة  6 - 9 اشهر , ويتطلب أحيانا اعطاء انواع متعددة منها وخاصة عند اكتساب العصيات القابلية على مقاومة بعضها  .



154
رسالتي الثالثة الى راعي الكنيسة الكلدانية


د. صباح قيّا  
     
في العام الأول من سبعينات القرن الماضي وضمن النشاط الثقافي الأسبوعي لأخوية الشباب الجامعي المسيحي  التي كنت احد اعضائها ، خطرت لي فكرة تقديم محاضرة عن الهجرة والتي كانت محدودة نوعا ما ذلك الوقت وربما اقتصرت على فئة معينة او اكثر من ابناء شعبنا المسيحي . وبالفعل قدمتها بعنوان  الهجرة والأغتراب " . حاولت فيها جاهدا  وبحسب امكانياتي وخبرتي  في تلك المرحلة الشبابية المبكرة ان اقنع بعض شباب الأخوية المتحمس للهجرة ,  التي كنت انا من اشد المعارضين لها ، بالعدول عنها . ولكن ... كانت خيبة ظنّي كبيرة من خلال المداخلات ومن ثم المناقشات التي تواصلت حتى بعد انتهاء الوقت المخصص لها . لم يغير حزني وأسفي من واقع الأمر ، واستمر احبائي تباعا  بمغادرة البلد الى ديار المهجر.

كيف كان الموقف ، بصورة عامة ، من الهجرة  ؟ ... بعد اقل من عشر سنوات على محاضرتي ، حضرتْ الى دار احد معارفي امرأة من رعيتنا تطلب يد ابنته لأخيها المستقر في ديترويت . بدأت تستعرض محاسنه وانجازاته والحالة المادية التي وصل اليها والمستوى الاجتماعي الذي هو فيه .. ووووووو... وبعد كل هذه الواوات ، قاطعها الرجل الوقور قائلا : " دعيني اقتنع بامريكا اولآ و بعد ذلك  نتحدث عن موضوع اخيك " ....  كل هذا تغير جذريا بعد الظروف الشاقة والحصار القاسي ، فأضحت امريكا ودول الغربة هي الهدف ، وليأت منها اي من كان ولأي فتاة  .  وفي حوار مع زميل لي يخطط لتهريب ولديه خارج الحدود أبان منع السفر لحملة الشهادات الهندسية والمجموعة الطبية , سألته عن شعوره عندما يفترق عنه ولداه ؟ أجابني بثقة : " سعادته من راحة ولديه " . نعم ... كم هي رائعة هذه الجملة  " سعادة الاباء من راحة فلذات أكبادهم " ....  رغم ذلك بقيت متشبثا بموقفي .

 ثم جاء الأجتياح الأجنبي .. ارى زملائي ... يسقط الواحد تلو الاخر .. هذا يقتل .. وذلك يختطف .. واخر يساوم على ابنه .. ورابع يهدد على منصبه ، وغيرهم يسلب بعقر داره  .. كل عالم مستهدف  وكل عليم مسثضعف . الشارع ملك الرعاع  والعقلاء مذعورون . السلطة لشداد الافاق والحكماء مهمشون . وعلى حين غرة دخلت الطائفية المقيتة على الخط فكانت كنائسنا اولى ضحاياها .

لعب الحظ دوره ، فغادرت بلدي الحبيب على امل العودة اليه بعد عام . احوال الوطن تسوء يوما بعد اخر ، ونصائح عدم العودة تصلني بالحاح . مواكب الشهداء من الابرياء تزداد , وأشلاء المغدورين تتهاوى على مذبح الأخيار وباستمرار . لقيت نفسي مهاجرا الى حيث انا الان . اسأل نفسي بين الفينة والاخرى : هل كنت محقا في موقفي آنذاك ام واهما ؟  أعود الى المقولة الرائعة للبابا الراحل يوحنا الثالث والعشرون :  " ألتاريخ هو معلم الحياة " .  لأستعرض معكم بعض الحقائق  التي عاصرتها شخصيا : ...

 أقرأ في الموصل الحدباء بعد الرابع عشر من تموز 1958 لافتات هنا وهناك تهدد وتدعونا الى الرحيل فورا والا سنلقى مصيرا مظلما بل اسودا داكنا . ثم بدأ مسلسل الغدر والاغتيالات يطال اابناء شعبنا بدون تمييز ... قالوا عنا مشركين كفرة  ، ملحدين شيوعيين . هل كان هؤلاء سلفيين ارهابيين ام اسلاميين سياسيين ؟ كلا ... أعلنو انفسهم قوميين وحدويين . يا للعجب ؟ اذن لماذا فعلوا ذلك بالمسيحيين ؟ ... شد الكثير الرحال الى منطقة آمنة داخل الوطن الغالي .. وبذا حصلت  الهجرة القسرية الأولى ... اسالوا من سكن منهم  منطقة الغدير في بغداد  لمزيد من الوقائع المؤلمة .

وبعدها ... و بغفلة من الزمن ، نفذ من غربال الخيانة من جلس على كرسي الرئاسة لسنوات . نحمد الرب انها كانت قصيرة .. لم ترق له الأسماء حنّا ، توما ، ميخا , ججو ، وكل ما يمت الى الرسل والقديسين بصلة . اسرع الموت اليه قبل ان يسعد بما في عقله المريض رحمه الله . هل كان  اسلاميا متطرفا ؟ كلا .. ايضا ادعى انه قومي وحدوي ... هل نسي ام تناسى بان قياديي اكثر من حزب قومي وحدوي من المسيحيين ..  اذن أحوالنا حسب مزاج حكامنا .. هذه هي النكاية الاولى .

ولسوء حظنا ، هرب طيار من شعبنا  بطائرته المقاتلة الى  دولة اسرائيل . صحيح أن خيانة الوطن مرفوضة رفضا باتا مهما كانت اسبابها ودوافعها وحججها , ولكن ..  كم من غير المسيحيين من سلك درب الخيانة قبله وبعده ؟ لماذا دفع الطيارون الكفاة من شعبنا ثمن فعلته  وسرح معظمهم , ان لم يكن جميعهم . كما أقفلت امام شبابنا  ابواب الانخراط الى هذا السلك الحيوي لفترة غير وجيزة . هل كان مهندسو هذا الأجراء اسلاميين متعصبين ؟ كلا .. صرحوا انهم قوميون وطنيون .. هذه هي النكاية الثانية .

هل سمع احد منكم او يعرف ضابطا من ابناء شعبنا في الصنف الحربي  برتبة لواء ركن أو بدون ركن ؟  هل سألتم أنفسكم لم لا يرقى الضابط الحربي المسيحي او المندائي الى هذه الرتبة ؟ ألجواب بسيط جدا ... لأن ذلك يتعارض مع ما ورد في  كتابهم .. هل كان الملوك والرؤساء منذ تشكيل الدولة العراقية والى عام 2003 مذهبيين طائفيين  ؟  كلا.. اعتقدناهم  وطنيين , ثم علمانيين , وأخيرا دينيين غير متدينيين ... هذه هي النكاية الثالثة .

ما ورد اعلاه  هو البعض  وليس الكل ... ورغم ذلك بقيت صامدا ... لن اغوص في تداعيات ما يحصل اليوم في بلادي الحبيبة ... معروفة تفاصيلها للقاصي والداني , المرئية منها والمستورة . كل ما استطيعه هو :  أن استمر في رفع صلواتي ودعواتي لمن لا يزال قانعا ببقائه في موطن اجدادي ومن ضمنهم اخي والكثير من أقربائي وأصدقائي .

أعترف بأني لم أكن مخيرا ابدا في غربتي ، ولم افكر لحظة واحدة ان يكون البلد الذي انا اليوم فيه موطن هجرتي . ورغم  أن الهجرة ، اساسا ،  ليست  قناعتي ، الا انها اضحت واقع ساعتي .... أفكر بالعودة .. وحتما من ترعرع من افراد عائلتي هنا سوف يرفض مرافقة رحلتي ... أنه ابن هذا الوطن وغريب عن وطن ابيه ... قد افلح في اقناع من كان يملك بعض النضج  قبل الرحيل الى هنا .. ولكني متيقن انه لن يصبر هناك وسيعود مع اول طائرة ..... سوف لن يستسيغ نمط النظام واسلوب الحياة  بعد ان تشبع بنعيم الحرية في وطنه الجديد ....ٍسأظل بعدها وحيدا .. ساسعد في البدء بعودتي ولقاء أحبتي .. ساعود بسهولة الى عملي .. وحتى لو تعذر ذلك  استطيع أن اعتاش من ممارسة مهنتي . ولكن .. بعد حين سيدب السأم في نفسي , ويداهمني  الملل  ويعكر الشعور بالوحدة والاشتياق الى عائلتي اركان سعادتي .. سالتفت يمينا ويسارا عند مرضي  ملتمسا رفقة زوجتي وحنان ابنتي .. سأقرر حينها العودة وأبدأ بحزم امتعتي صوب عائلتي .. فوطني أهلي " وحيثما أهلي هنالك وطني "

155
العلم يعانق الايمان في كنيستي الكلدانية

                                                                                                                                       د. صباح قيّا  
ماساة كبيرة أن نفقد فجأة رياضيا يافعا  يتمتع ظاهريا بصحة جيدة .  ورغم أن موت القلب المفاجئ  يحصد ، عموما ، كنديا واحدا كل 13 دقيقة وامريكيا واحدا كل دقيقتين ، تبقى نسبته ضئيلة نسبيا عند الرياضيين ويتراوح من  واحد في 50000  الى واحد في 300000 خلال فترة تمتد الى عشر سنوات . يعزى السبب الرئيسي في معظمها الى حصول خلل في انتظام ضربات القلب خلال او بعد القيام بجهد رياضي عنيف عندما يكون القلب مصابا بعلة او مرض لم يتم تشخيصه قبل الحدت القاتل . اتفق الباحثون على اعتبار سن ال 35 هو الحد الفاصل بين الرياضي اليافع و الرياضي غير اليافع . وغالبا ما يحدث موت القلب المفاجئ بين الصنف الثاني نتيجة ضيق او انسداد الشرايين الاكليلية المتصلبة و التي تنقل الدم المشبع بالاوكسجين الى القلب . اما عند الصنف الاول , فاسبابه متعددة والاكثر شيوعا هي الوراثية اوالولادية كضخامة القلب  وهطول الصمام التاجي , او غير الولادية كالتهاب عضلة القلب او اعتلالها . هنالك بعض العلامات التحذيرية التي يستدل عند  الشعور بها بان حياة الرياضي في خطر واهمها :
فقدان الوعي او الاحساس  به او ضيق التنفس خلال او بعد الممارسة الرياضية مباشرة . ... الم الصدر غير الاعتيادي خلال الممارسة الرياضية ... ارتفاع ضغط الدم المفاجئ ... وجود حالات معينة من امراض القلب عند الاقرباء الاقربين مثل ضخامة القلب  وايضا التاريخ العائلي لموت القلب المفاجئ  .
اما اهم سبل الوقاية فتتضمن : مسح طبي شامل للرياضيين بالاستناد الى التاريخ المرضي والفحص السريري .... كشف اي خلل في انتظام ضربات القلب مبكرا باستخدام جهاز " التلفون القلبي " .... البدء باجراء الاسعافات  الاولية الطارئة للقلب والرئتين فورا .
كل ما ذكر اعلاه وتفاصيل اخرى استمتعت بها رعيتتنا الجليلة وضيوفهم , بعد الانتهاء من قداس الاحد 6 تشرين الاول , خلال الفعالية العلمية التي اقامها مركز وندزر لامراض القلب في قاعة كنيسة العائلة المقدسة الكلدانية .
 كان الحضور مميزا حيث تزامنت  مع " شيرا مار سوريشو " الراهب الذي عاش اوئل القرن السابع الميلادي وأسس ديرا   تكونت الى جانبه قرية يرقد فيها ضريحه  اطلق عليها " امرا دمار سوريشو " اي قرية مار سبريشوع والتي تقع على مسيرة ساعتين شمالي قرية سناط  وتفصل بينهما سلسلة جبال عالية تكون الحدود بين العراق وتركيا . يحتفل سكان القرية والقرى المجاورة بعيده في الاول من تشرين الاول ، فتقصده ذلك اليوم جموع غفيرة من المسيحيين وغير المسيحيين  ، ينحرون الذبائح ويهيئون الطعام في فناء الكنيسة , ثم يشترك فيه الجميع , باعتباره طعاما مقدسا ،  في جو من التاخي والمحبة . وقبل الطعام تختلي الجموع وتصلي طالبين شفاعته لنيل النعم الضرورية . ولا يزال ابناء القرية حتى يومنا هذا يحتفلون اينما وجدوا بتذكاره ويعيشون تحت ظل حمايته القديرة . وهذا ما حصل بالفعل يوم ذكراه هنا حيث تناول ضيوفنا من بركته وبذا تعانق علمهم مع ايماننا والتحمت مشاعرهم مع احاسيسنا وتصافحت الايادي مع بعضها البعض  بكل مودة  ورقة ... اناس من اديان ومذاهب واعراق وقوميات متباينة وحدهم وطن المهجر بعيدا عن تاثيرات الساسة اتباع قيصر  .
  




156
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 5
                                                                                                                                      د. صباح قيّا          
( Plague )الطاعون
وقال يسوع : ستقوم امة على امة ومملكة على مملكة  ، وتقع زلازل شديدة ، وتحدث اوبئة ومجاعات في اماكن كثيرة ، وتجري احداث مخيفة ، وتظهر علامات هائلة في السماء . ( متى 24  : 1 – 14 ، مرقس 13 : 1 - 13  ، لوقا  21 : 7 - 19 ) .
حينما تموت الفئران تباعا في اية بقعة من العالم ، صغيرة كانت ام كبيرة ، تقرع نواقيس الحذر ويدب الهلع والفزع  بين السكان جميعا في كل مكان من ارجاء المعمورة . هذا هو " الموت الاسود "  ات الى الانسان لا محالة .  يثير الرعب اينما حل , وحتى في وقتنا الحاضر فان اية حالة يشك بكونها مرضية كفيلة  ببث مشاعر القلق عند الحكومات  واحلال شلل وقتي لمعظم اقتصاديات العالم .  كيف لا ؟  وقد سبب لقرون عديدة كوارث عظيمة وحصد الملايين من البشر في اسيا وافريقيا واوربا . وفي اماكن متعددة ، لم يبق في حينه من الاحياء ما يكفي لدفن موتاهم . واغلب الظن بان تقهقر جيش الملك الاشوري  سنحاريب عند ابواب اورشليم  حصل بعد انتشار الوباء بين مقاتليه ( سفر الملوك الثاني 19:35 ، اشعيا 37 : 36 ) .  كان يعتقد بانه نتيجة غضب الالهة , او قوى خارقة ، او اضطرابات سماوية  وغالبا ما كانت تتهم مجاميع بريئة بنشر المرض وتعاقب بقسوة من قبل الحشود المرتعدة .
انه مرض الطاعون الذى تكرر ذكره في النسخ الانكليزية من  الكتاب المقدس 120 مرة في اشارة الى الاوبئة والبلايا والامراض الفتاكة اوالمستعصية التي اشارت اليها التراجم العربية ولم يأت ذكر الكلمة كاشارة مباشرة لما هو معروف عنه حاليا ، والذي ظهر الوباء الاول منه عام 541 م وامتد لقرنين من الزمان قتل خلالها 100 مليون تقريبا . اما الثاني الذي اطلق عليه " الموت الاسود " او " الطاعون العظيم " فقد بدأ عام 1334 م  في الصين وانتقل الى اوربا حاصدا 25 مليون من سكانها ال 75 مليون نسمة انذاك . وحتى بغداد عانت بشدة من زيارته اليها وقضى عل ثلثين من قاطنيها  . وانتشر الثالث عام 1860 م  من الصين ايضا الى المرافئ المختلفة لينهي حياة اكثر من  10 ملايين خلال العشرين سنة اللاحقة . عرف حديتا في الهند في النصف الاول من القرن العشرين وفي فيتنام خلال الحرب 1960-1970 . وحاليا تسجل  من 1000 – 3000 حالة كل عام في بقاع مختلفة من العالم اهمها جنوب الصحراء الكبرى ومدغشقر ( 95 % من الحالات المسجلة ) .
اكتشف العالمان " يرسن " و " كيتاساتو " في عمل منفصل في هونك كونك الجرثومة المسببة للمرض عام 1894 والتي تنتقل الى الانسان عن طريق البرغوث بعد ان يغادر فريسته الميتة ، بسبب المرض ، من الفئران او البشر باحثا عن دم دافئ ليعتاش عليه . ولذلك اعتاد البعض قديما الهروب من الدار حال مشاهدتهم فأرا ميتا فيه . وينتج عن ذلك النوع الاكثر شيوعا  والمسمى " الطاعون الدملي " الذي يتميز بالارتفاع السريع لدرجة حرارة الجسم  مع كبر حجم الغدد اللمفية المصحوب بالالم وبالاخص الغدد العنقية  وتحت الابط  والمغبنية . وينسب الباحثون اليه الضربة العاشرة التي انزلها الرب على فرعون و ارض  مصر  فمات كل بكر فيها ( سفر الخروج 11: 1 – 8 ) .   كما  ينتشر من  شخص الى اخر عن طريق الرذاذ المتطاير عبر السعال في النوع الرئوي منه والذي يصيب الرئتين مسببا الحمى العالية والنفث الدموي وذات الرئة . وتزداد المخاوف من طريقة انتقاله هذه وذلك لامكانية استغلالها كسلاح فتاك  في الحرب الاحيائية . وتم ذلك بالفعل ابان الحرب العالمية الثانية من قبل اليابان في صراعها مع الصين . وبالرغم من ان الجرثومة لا تقاوم الحرارة واشعة الشمس وتفنى خلال ساعة واحدة ، فان ذلك كفيل بتحقيق الهدف المرسوم . ومن حسن الحظ ان علاجه بمضادات الحياة  في يومنا هذا سهل وفعال ، وعليه يبقى احتمال انتشاره في الدول المتقدمة كوباء ضئيلا . اما النوع الثالث والمعروف ب " التسممي "  فيحصل كمضاعفات للنوعين اعلاه حيث يسوء وضع المصاب وتظهر الانزفة والخثر هنا وهناك ، ثم الغنغرينا وخذلان الاعضاء  فالوفاة .
مدة الحضانة تتراوح من 1 – 6 ايام ، وقد يموت المريض خلال بضع ساعات من ظهور الاعراض اذا ترك بدون علاج الذي ، لكي يكون تام الفعالية ، لا بد وان يبدأ خلال ال 18 ساعة الاولى من الاصابة . اما اللقاح المتوفر ، فاستخدامه محدود جدا وتاثيره لا يتجاوز السنة .
ممكن اتخاذك بعض الخطوات لدرء مخاطر تعرضك للمرض واهمها : التقليل من اماكن استيطان الفئران حول المنزل او مقر العمل او المساحات الترفيهية بازالة الاعشاب واكوام الخشب وكل ما يمكن ان يكون ملاذا و طعاما لهم .... لبس الكفوف عند التخلص من الحيوانات الميتة و المحتمل اصابتها ...  استخدام طاردات البراغيث على الجلد والملابس خلال تواجدك في مناطق  التعرض لها ... االاعتناء بنظافة قطتك او كلبك وتذكر انهما مع السنجاب عرضة للاصابة بالطاعون  .       


       

157
نعم للموقف ....... كلا للكراهية
د. صباح قيّا         
 الموقف والكراهية  صفتان مختلفتان ولكنهما , عموما , متلازمتان ، هامش الفصل بينهما ضبابي  و مبهم الى حد ما ،  وغالبا ما يتداخل فهم الاولى وكانها الثانية او بالعكس ، وهنا يبدا الارباك ويترعرع الشك وينحرف العقل البشري الى منزلق جدلي ، فينشا الصراع ، وتولد عنه المشكلة ، التي تتفاقم كما ونوعا لتصبح ازمة ممكن استيعابها بسهولة في مراحلها المبكرة ، ولكن يصعب ذلك مع مرور الوقت ، ويغدو مستحيلا الا بزوال الحافز او المحفز ( بكسر الفاء ) او المحفَز ( بفتح الفاء )  ... وهذه هي الطامة الكبرى .
 تلتقيان بجوانب متعددة . كلتاهما تتدرج ضمن مدى محدد وتنتج كرد فعل لفعل حقيقي  احيانا ووهمي احيانا اخرى ،  يتباين بحسب المستوى التعليمي والثقافي والواقع التكويني والتربوي والمنشا العرقي والطبقي وكافة المرتكزات الحياتية الاخرى .
ومهما كان مدى التداخل ودرجة الالتقاء بينهما ، فانهما غير مندمجتين او ملتحمتين ولا  بد من التمييز بينهما وتحديد محيط الدائرة لكل منهما كي نتمكن من طرح اختلاف ارائنا ووجهات نظرنا ونتقبل بعضنا للبعض الاخر كموقف انساني حضاري  بعيد كل البعد عن الخلافات وخال من شوائب  الكراهية بنوعيها المعلن والمخفي .
الموقف من ( بكسر الميم ) ؟ ..... قد يكون سلبيا او ايجابيا ، مؤيدا او رافضا ، صلبا او مرنا ، هادئا او متشنجا ، قاسيا او رحيما ، ظريفا او ساخرا ، طريفا او لاذعا ، ، يقترب او يبتعد ، يتطابق او يتباين ، فلا يزال هو الموقف . ولكن متى ما اصبح  عدائيا ، نفسيا او جسديا ، بالكلمات او باللكمات ، فانه بذلك يخرج من بابه السامي  ليدخل دار الكراهية .  فليس الموقف كراهية ولا يعني البتة ان يكون نابعا من كرهك  لمن اتخذته تجاهه مهما تطرفت درجته . فمن منا لم يسبق له ان واجه في ظرف معين موقفا غريبا او شاذا من صديق عزيز او قريب حنون  ؟ , وبعدئذ تعود العلاقة احلى واروع  .
جوهر الموقف قضية .. حدث .. فعل .. لفرد او لمجموعة ، لمنظمة او لمؤسسة ، لدويلة او لدولة . فغاية الموقف هو الجوهر وليس لمن له ذلك من الطرف الثاني ، والا لانقلب الراي والراي الاخر الى جدل شخصي عقيم  قد يتجاوز الخطوط الحمراء في ردود فعله . و رغم ان الموقف الصائب ينبع من فكر نير وتحليل عميق ونظرة ثاقبة ، الا انه ، وفي مناسبات معينة ، قد يتاثر بالمصلحة الشخصية المشتركة او بحب الذات المفرطة ، فينحرف عن مساره السليم سالكا درب المحاباة  اوالمجاملة ، وبذلك يفقد اصالة دوره وسمو هدفه ،   فتنكشف اوراقه الفعلية  وترمى ادعاءاته في محرقة التاريخ .
ماهية الموقف ظاهرة صحية .... اما الكراهية فهي ضعف واعاقة ذاتية ...  ماهيتها ظاهرة مرضية تنجم عن خلل عميق في التقويم التربوي وتفاعل غير سليم مع المحيط الاجتماعي . واقصى درجاتها هو " الحقد "  .  قد نكره ملبسا او مسكنا  ، ماكلا او مشربا ، كتابا او مؤلفا  ، ممثلا او مذيعا ، منظرا  او صورة . طالبا او استاذا ، فقيرا ام غنيا ،  لمجرد الشعور بالكراهية ليس الا ... فمن منا لم ينفر ممن لا يعرفه او يلتقي به اطلاقا . نردد مرارا وتكرارا ، وبكل بساطة ، اكره هذا واكره تلك ... لا احب فلان ولا اجرع فستكان ... لماذا ولم ؟ ... انها غريزة الكراهية المتاصلة بتفاوت في اعماق كل واحد منا ، والتي نحن بامس الحاجة لترويضها ومن تم اذابتها لا كبتها لئلا تنفجربعدئذ  في ظرف معين نافثة بسمومها على القريب والغريب وعلى الداني والقاصي .
ادعو الى الموقف الواعي بكافة ابعاده وسماته .. ارفض الكراهية سطحية كانت ام عميقة ، طفيفة ام شديدة ، بالقول او بالفعل. ومهما كان بعد المسافة بين المواقف فانها تقترب من بعضها رويدا رويدا بالحوار المتواصل الخالي من الضغائن والاحقاد .   ولنجعل من  منابر مواقعنا ركائزا لطروحات متباينة وادبيات مختلفة ... ولنزرع في دواخلنا صداقات مخلصة ومودة نقية .
اقرا ما ينقصني .. اكتب ما يروق لي .. انشر ما يسعدني .. اطرح ما يثيرني .. احاور واناقش .. اختلف واتفق .. اقترب وابتعد .. هذا موقفي من قضيتك وليس من شخصك ... قد يسرك او لا يسرك .. لا اهينك ولن احتقرك او اشتمك ... فتلك مشاعري لشخصك لا لقضيتك ... لن تعرفها حقيقة حتى نلتقي .. حتما سامدّ لك ساعدي .. وربما اقبلك او اشتمك في حينه .. فمن يدري ؟ .     

158
المنبر الحر / حكايـات طبيـة - 4
« في: 20:45 18/09/2013  »
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 4
د. صباح قيّا   
     
( Malaria )الملاريا
( متى 8 : 14- 17، مرقس 1 : 29 -34  ، لوقا 4 : 38-41 )
ثم ترك المجمع ودخل بيت سمعان. وكانت حماة سمعان مصابة بحمى شديدة ، فتوسلوا اليه من اجلها . فدنا منها ، وانتهر الحمى فتركتها ، فقامت في الحال واخذت تخدمهم .

جاء ( من باب الطرافة )  في  كرازة لاحد الاباء المجددين من الشباب  ان نكران القديس بطرس للمسيح كان بسبب شفائه حماته في كفرناحوم , ويظهر ان المسكينة الحماة لم تسلم حتى من القديسين الاوائل ، فعلاقتها بزوج البنت ( بطنج وحية ) منذ ذلك الزمان . لم تكن اعجوبة طرد الحمى هي الوحيدة الواردة في العهد الجديد ، وانما ذكرها انجيل يوحنا ( 4 : 47 - 52 ) في اشارة لشفاء ابن احد رجال حاشية الملك والذي كان يسكن كفرناحوم ايضا . عرف الارتفاع الشديد في حرارة الجسم انذاك ب ( الحمى الكبرى ) لخطورته من جهة ولتمييزه عن نوع  ثان لا يشكل تهديدا ملموسا على حياة المريض من جهة اخرى . يتفق معظم ذوي الاختصاص ، ان لم يكن جميعهم ، ان الحمى الشديدة في كلتا الحالتين هي  نتيجة الاصابة بمرض الملاريا المنتشر ذلك الوقت بشكل واسع في تلك المنطقة . 
عرفه الانسان  منذ القدم ، وربما تزامن مع تاريخ البشرية ذاتها . كان عاملا  اساسيا لهزيمة جيوش جبارة وانحسار امم وحضارات عظيمة ، لعب دورا فعالا في مصائر ملوك وقادة لامعين ، وجاوزت الخسائر بسسببه   تاثيرات الاسلحة نفسها . يعتقد بانه وراء موت مشاهير في التاريخ كالاسكندر المقدوني ، البابا كريكوري الخامس ، البابا ليو العاشر ، جنكيزخان ، الملك ادوارد الرابع ، الشاعر دانتي ،  واخرين كثيرين  ، منهم من اصيب وشفي منه كالرئيس جورج واشنطن , ابراهام لنكولن ، المهاتما غاندي ، والقائمة تطول .
يسبب الملاريا طفيليات يطلق على كل منها " بلاسموديوم " ، وهنالك اربعة انواع اساسية ، اكثرها انتشارا هو ال " بلاسموديوم فيفاكس " الذي يتواجد بنسبة 70 % - 90 %  في معظم اسيا ، جنوب ووسط امريكا ، والشرق الاوسط . يليه ال " فالسيبارم " المنتشر بنسبة 85 % في افريقيا . ثم ال " اوفالي " وال " ملاريي "  بمعدلات ضئيلة هنا وهنالك .
ينتقل الطفيلي بواسطة لسعة انثى بعوضة " انوفلس " والتي طعامها المفضل دم الانسان الضروري لنمو  بيوضها ، وتنشط عادة منتصف الليل في الاماكن المغلقة  وخاصة  ذات الاجواء الحارة والرطبة والمشبعة بثاني اوكسيد الكاربون ، وتنجذب عموما  نحو الاحجام الكبيرة من الذكور البالغين ( سبحان رب العباد ) . ونادرا ما بنتشر المرض عن طريق اعطاء الدم من مصاب الى سليم ، وقد ينتقل ايضا  من ام مصابة الى وليدها  اثناء الحمل او خلال الولادة ، وبين المدمنين نتيجة استخدام حقن مشتركة . يجب ان يمتنع المصاب من التبرع بالدم لمدة 3 سنوات على الاقل بعد شفائه .
تظهر اعراض المرض بعد الاصابة باسبوع وبتلاث مراحل : مرحلة البرودة ( القشعريرة ) والتي تحدث غالبا في منتصف النهار وتستمر من 15 دقيقة الى ساعة واحدة ، تليها مرحلة الحرارة التي تتجاوز 106 درجة فهرنهايت وتستغرق 2 - 6 ساعة وعادة يصحبها صداع ، غثيان ، قلق ، اضطراب وتشوش ،  تعقبها مرحلة التعرق الغزير حيث تبدآ درجة الحرارة بالانخفاض لتصل المعدل الطبيعي خلال 2 – 4 ساعة ويعود المصاب الى حالته الطبيعية . تتكرر هذه المراحل كل 48 ساعة في حالتي " الفيفاكس و الاوفالي " ويطلق عليهما " الملاريا الثلاثية الحميدة " ، وكل 72 ساعة في " الملاريي " وتسمى   الملاريا الرباعية الحميدة " ،  ولا تأخذ مراحل " الفالسبارم " نمطا معينا بل تتكرر عشوائيا وتعرف  ب " الملاريا الخبيثة " لشدتها وخطورة مظاهرها مثل : اختلال الوعي او فقدانه التام  ، نقص السكر في الدم ، فقدان السوائل والاملاح ، النوبات الصرعية التي يطلق عليها " ملاريا الدماغ " ،  خذلان الكلية , ثم الوفاة .
يتم تشخيصه بفحص مسحة خفيفة وسميكة من دم المصاب تحت المكرسكوب بعد صبغها ، وتلاحظ الاشكال المختلفة لنمو الطفيلي داخل الكريات الحمر .
يمكن علاج المرض وشفائه جذريا بالعقاقير المتوفرة التي تختلف اصنافها  ومدتها حسب نوع الملاريا ، وقد سجلت  حالات مقاومة الطفيلي  للبعض منها . ونظرا لمرور الدورة الحياتية لطفيلي الملاريا بمراحل نمو متعددة سواء داخل جسم البعوضة او الانسان ( كرياته الحمر وكبده ) ، فان ذلك يجعل ايجاد عقار ناجح او لقاح فعال امرا صعبا .
ما يستوجب عليك عمله لو سافرت الى حيث يستوطن المرض :
غلق الابواب والشبابيك مساء لمنع دخول البعوض . استخدام طاردات البعوض وشبكات النوم ويفضل المشبعة منها  بقاتل البعوض . ارتداء الملابس التي تغطي معظم مساحة الجسم .  تناول عقاقير الوقاية من المرض وحسب ارشاد الطبيب الواجب استشارته  قبل سفرك بمدة مناسبة . مراجعة طبيبك حال شعورك بالحمى بعد اسبوع من عودتك وخلال السنة الاولى منها  .
ملاحظة : بدآ برنامج مكافحة الملاريا في بلدي الحبيب بعد منتصف خمسينات القرن الماضي وبمساعدة منظمة الصحة الدولية ، وتخلل البرنامج مد وجزر حتى عام 2011 حيث اعلن العراق نظافته من المرض ....

 





         


159
مبادرة
مشجعة من كنيستي الكلدانية
                                                                                                                               د. صباح قيا                
للاسف الشديد ، ان المال هو محور الحياة في الوقت الحاضر ، فبدل ان يكون وسيلة ، كما يقال ، فانه الغاية في معظم الاحيان . قد تعلمنا  " يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامراته " ، اما الواقع  " يترك واحدنا مبادءه , قيمه , مثله , وحتى احباءه ومقربيه ويلتصق بدولاره " . وبالطبع لكل قاعدة استثناء رغم ندرته عندما يرتبط بما يطلق عليه رياء " وسخ الدنيا.
هنالك الكثير من الكلام واللغط ،  بحق احيانا وبدون حق احيانا اخرى ،  : اين تذهب واردات الكنيسة  ؟ ، لمن تصل صينية القداس ؟ . حدثني احد الموثوق بهم عما لاحظه بعد ان استلم مسوؤلية حسابات احدى كنائسنا في بغداد بتكليف من راع لا غبار علية البتة والذي احزننا جميعا بانتقاله الى  ملكوت السماء . قال لي : في الاحد الاول وصل ما جمع خلال القداس اربعة اضعاف ما مدون في سجلات سابقيه , اعتقدها صدفة ، ولكنها تكررت في كافة الاحاد اللاحقة . ازدهرت الكنيسة بملحقاتها الجديدة وتحديثها للقديمه منها . اخبره الاب الراحل بانه كان متيقنا منه لتحقيق ما يصبو اليه . السؤال  : هل كان الراعي على علم بافعال ذلك النفر الضئيل من رعيته ؟ جوابي : نعم ، ونعم الى ما لا نهاية . ولكنه فضل الصمت وتصرف بهدوء حفاظا على تماسك الرعية وكما يقول المثل " الف عين من اجل عين تكرم " . فهل هنالك اغلى من عين الرعية عند الاب الذي يحمل كل ما تعنيه كلمة الاب من معنى ؟ .
لقد سمعت من عدد غير قليل من ابناء شعبنا بان اهم سبب لعزوفهم عن حضور قداس الاحد هو حجتهم بان الكنيسة همها وهدفها جمع اكثر ما يمكن من النقود . قبل فترة قصيرة ، كنت , بحكم مهنتي ، احد الحاضرين حفلا اقامته الجمعية الاسلامية هنا  للتعريف عن الاسلام المسالم والمتحضر . لاحظت بان ثلثي المدعوين من الحضور ليسوا بمسلمين . ما لفت انتباهي بالذات وكان وما  يزال  مثار دهشثي واعجابي هو الكم الهائل من  التبرعات الواردة من ميسوري الحال من ابناء جادتهم  واكثرهم فضل عدم الاعلان عن اسمه ربما متاثرا بتعاليم المخلص " فاذا احسنت الى احد فلا تجعل شمالك تعرف ما تعمل يمينك ، حتى يكون احسانك في الخفية ، وابوك الذي يرى في الخفية هو يكافئك  "  . اما نحن ، وبكل صراحة ، لا يطيب لمعظمنا العطاء بدون بوق وطبل ودف ، فالمظاهر والمزايدات ديدنا حتى على حساب ايماننا .
يتبادر الان تساؤلي : من المستفيد من عطاءات الرعية ؟ .  اتذكر من خلال عملي في احدى المدن الحدودية الجنوبية ابان الحرب العراقية – الايرانية ، عندما كان جميع البالغين من الذكور عسكرا ، والنساء العراقيات ماجدات ، والصغار طلائعا ، ان دعيت لحضور اجتماع طارئ لمناقشة ظاهرة الرشوة والاستغلال المتفاقمتين بشكل مقرف انذاك . بدأ كل واحد من الحضور يدلو بدلوه ويسمعنا من النصح والارشاد ما يفوق بها اثقف كاهن واعلم امام ، وانا اقرأ الرشوة والاستغلال في اعين الاغلبية منهم . حان دوري ، وانا الطبيب الوحيد بينهم ، فنطق فاهي كالاتي : كما هو معروف ، هنالك ثلاث قوى رئيسية ومتنفذة في كل مؤسسة  : الامر الذي له سلطة الامر والنهي , ضابط الامن الذي يهابه الكل لما لتقريره من عواقب وخيمة ،  و ضابط التوجيه السياسي الذي لا يقل سطوة عن ضابط الامن . فاذا لم يرتشي او يستغل اي واحد منهم ، فهل يتجرأ من له موقع اخر بذلك .  وحينها خيم السكون على القاعة والوجوم على الوجوه . وبعد ان انفض الاجتماع , همس باذني من اكن له الود والتقدير لامانته ونزاهته قائلا : شلك بيها يا دكتور ؟ فأجبته: لماذا دعينا الى الاجتماع اذن ؟ . عودتي مجددا : هل يستطيع الجالس داخل الكنيسة مستمعا ان يمد يد الحرام ؟  الا اذا كان فلتة زمانه .
في مبادرة جميلة من كنيستنا هنا تدل على اهتمام ايجابي برعيتها هي البدء بجمع ما تجود به جيوب الحضور بعد قراءة الطلبات ثم تترك على المذبح امام الجمع المؤمن لتبارك من قبل راعي الكنيسة مع  الخبز والشراب  رمز جسد ودم المسيح . رب قائل ، ان هذا تقليد للكنائس اللاتينية ويتعارض مع تراثنا وتقاليدنا . اجابتي : كل ما في طقسنا من صنع الانسان الذي هو فكر خلاق يستمر بتجدده ويتلاشى بركوده . كم تمنى " مرهون " باكيا  في مسرحية "  النخلة والجيران " ان تبقى " الطولة " دون ان يطالها الهدم ليحل محلها بناء عصري ، فلم يسعفه بكاؤه او تجدي توسلاته . اننا نشد بقوة على يد كل راع  يقرب كنيسته ،التي هي كنيسة كل المؤمنين ، من رعيته . اننا مع كل تجديد يعزز من رسالتنا المسيحية . يستوجب ان لا تقف ذريعة التراث امام كل ما من شانه تقوية الايمان والاقتراب من الرب في زمن تتزعزع به معظم  القيم ويبتعد الانسان تدريجيا عن خالقه . من غير المعقول ان اتشبث بالبابونج والزعفران وحبة الحلوة وتتوفر عندي خيارات العلاج الشافي .    
 استفسرت من رئيس مجلس الخورنة عن الجهة التي ستكمل مشوار الحساب ، فاجابني انها مهمة اللجنة المالية او مجلس الخورنة . اقتراحي ، لما لموضوع الصينية او التبسية  كما يسميها البعض من حساسية ، ان يعد ما فيها  من قبل اللجنة المالية بحضور ممثل عن المجلس الخورني وممثل علماني يستبدل في كل قداس . ثم يوقع الكل في السجل الخاس بذلك .
  

 

160
المنبر الحر / حكايات طبية - 3
« في: 23:30 04/09/2013  »
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة - 3
                                                                                                                             د. صباح قيا              
الصرع   ( Epilepsy )
( متى 17: 14-21 ، مرقس 9 : 14-29 ، لوقا 9 : 37-43 )
ولما وصلوا الى الجمع ، تقدم رجل الى يسوع ، وجثا أمامه ، وقال: " يا سيد ، ارحم ابني لأنه مصاب بالصرع ، وهو يتعذب عذابا شديدا ، وكثيرا ما يسقط في النار أو في الماء ، وقد احضرته الى تلاميذك ، فلم يستطيعوا أن يشفوه " . فأجاب يسوع قائلا : " أيها الجيل غير المؤمن و الأعوج ، الى متى أبقى معكم ؟ الى متى أحتملكم ؟ أحضروه الى هنا ! " وزجر يسوع الشيطان ، فخرج من الصبي ، وشفي من تلك الساعة .

لا بد لمن سكن بغداد ايام زمان ان يتذكر ما المقصود ب ( ابو رعيصة ) التي كانت تطلق على من قد تنتابه نوبة صراخ فجائي تعقبها مباشرة حركات لاارادية مصحوبة بتشنج عضلات الجسم و بالأخص الاطراف العليا والسفلى مع صك الاسنان وسيل اللعاب خارج الفم واحيانا عض اللسان والتبول او البراز الذاتي غير المسيطر عليه  ، و تستمر دقيقتين او اكثر  ليخلد بعدها  ( المرعوص )  ، حسب التسمية انذاك ،  الى النوم الذي ربما يستغرق حوالي النصف ساعة . كنا ، ذلك الحين ، صغارا  نهرع مسرعين  باتجاه مكان الحدث ، ونرى النسوة يهرولن حاملات طاسات الماء , والرجال يلوحن بمناديلهم ليضع اولهم منديله بين اسنان فكيّ  المصاب كي يقي اللسان من كماشة الفكين . وبعدها تتم مراحل الافاقة بالمناداة احيانا وبالماء احيانا اخرى ، فيستفيق مشدوها ،  ولكن لا يتذكر ما حصل له اطلاقا . كنا نلاحظ مشاعر الرحمة والشفقة وعلامات الرقة على جميع الوجوه . هكذا كانت قلوب الناس  ذلك الوقت .
من المحتمل ان التعبير الدارج  " ابو رعيصة " مشتق من الاسم اللغوي للمرض المنوه عنه والمعروف ب  " الصرع " والذي يحدث نتيجة خلل وقتي في النشاط الكهربائي لخلايا المخ ، اما جزئيا ويطلق عليه " الصرع الجزئي " او شاملا جميع الخلايا ويعرف حينئذ ب " الصرع الاكبر " . ولا يمكن معرفة سببه في حوالي  70% من المصابين به ، ولكن يظهر احيانا بعد اصابات الراس ، نقص الاوكسجين عند الولادة ، اورام الدماغ ، التهاب السحايا الدماغية ، بعض الامراض الوراتية ، او حالات التسمم .
عرف الانسان النوبات الصرعية منذ القدم ، وذكرت في العهد القديم  مرات عديدة ، وسمي المرض ب " مرض السقوط " ، كعقاب للفرد بسسب خطاياه ، او كتحذير للمجتمع كي لا ينتهك شرائع الله . وبحسب قانون التلمود ، كان العبد يباع مع ضمانة لمدة 100 يوم يعاد فيما اذا حصلت له نوبة صرعية . كما كان يظن وهمآ  بانه مرض وراثي فلذلك تمنع المراة المصابة من الزواج . وايضا لا يسمح للرجال المصابين  بامتهان الكهنوت او القضاء من جهة ، و لا يجوز للكاهن او المرشد ان يتعامل مع او يعالج مصابا  خوفا من انتقال المرض اليه من جهة اخرى لاعتقادهم بانه معد .
وكان العرف السائد في القرون الوسطى بان مرضى الصرع تمتلكهم الشياطين وقوى  نجسة اخرى . ومن الطرق الشائعة التي كانت تستخدم انذاك  لايقاف النوبة هي تعريض المسكين الى مراحل طقسية  قاسية بغية طرد الارواح الشريرة منه والتي غالبا ما تؤدي الى الحاق الاذى به ،  واحيانا وفاته . واستمرت النظرة الظلامية الخرافية ووصمة العار تلاحقهم لقرون عديدة .  وفي عام  1983 م اقر القانون الكنسي رفع الحظر الذي يمنع دخولهم المعاهد الدينية الكاثوليكية والى غير رجعة .
ليس الصرع بمرض عقلي ، ولا تقتصر الاصابة به على عمر او جنس محدد ، ولا توجد علاقة مثبته علميا بينه وبين الذكاء حيث يمكن ان يظهر على اناس بمستويات متباينة من الذكاء رغم حصوله عند بعض  المتميزين بذكائهم ، اذكر منهم على سبيل المثال : يوليوس قيصر ، نابليون ، سقراط , نوبل ، دستوفسكي ، و جارلس ديكنز .
نادرا ما ينشأ المرض عن اسباب وراثية , فاذا كان احد الوالدين مصابا فان امكانية تعرض الطفل تقريبا 10% ، وتزداد الى 4:1 اذا كان كلا الوالدين يعاني منه .
من الممكن تشخيص الحالة بسهولة من خلال التاريخ المرضي والوصف الدقيق للنوبة ، والمسند باجراء مخطط كهربائية المخ . وهنالك عدة طرق لعلاجه ، اهمها العقاقير المانعة او المسيطرة على التشنج ، واللجوء نادرا للجراحة وخاصة للنوبات الصرعية المتكررة .
ما يمكن عمله اذا صادفت نوبة صرعية :
تجنب وضع اي شيء في فم المصاب ، فهذا الاجراء غير مقبول في الوقت الحاضر .  لا تحاول مسكه او التحكم في حركاته و تشنجاته . قف قريبا منه وابعد عنه الادوات الحادة وكل ما هو مؤذ . حاول ان تضعه على جانبه . ستنتهي النوبة خلال دقيقتين او ثلاث . حاول ان تهدئ من روعه قدر المستطاع  بعد استعادة وعيه .







161
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة 2
                                                                                                                        د. صباح قيا      
هل ضاع البرص بين البهق والمهق ؟

كان حديث الحلقة الاولى من حكايات طبية حول مرض البرص والمعروف حاليا بالجذام . ومن خلال بعض المداخلات شعرت بحصول بعض الالتباس الناجم عن الاطلاع على الشروحات المنشورة في المواقع العربية والتي تخلط بين البرص والبهق من ناحية وبين البرص والمهق من ناحية اخرى ، ناهيك عن الخلط  بين البهق والمهق . المشكلة تكمن في المعاجم والقواميس الطبية العربية المختلفة، حيث يحلو لكل معد ان يترجم بحسب ثقافة و تعليم القطر الذي ينتسب اليه. اما المعجم االطبي المعول عليه والمعتمد من قبل الجامعة العربية فهو : المعجم  الطبي العربي الموحد الذي اهدى لي نسخة منه معده استاذي المرحوم الدكتور محمود الجليلي .

لا بد وان الكثير من القراء قد صادف يوما ما انسانا جسمه كليا ابيضا ، وكذلك لون شعره ، يتحاشى النظر الى الشمس بعينيه ذات اللون الازرق . انه احد انواع المهق  الاكثر شيوعا من النوع الاخر الذي يصيب العينين فقط . كلاهما ينتقل وراثيا . الاول ، بواسطة الكروموزوم الجسدي كصفة متنحية ، وعليه لا بد ان يكون كلا الوالدين حاملا للمرض وليس مصابا به ، وفي هذه الحالة يظهر كاملا  في ربع عدد افراد الذرية من الجنسين , ويكون نصفه حاملا له ، والربع الاخر سليما . اما النوع الثاني ، فينتقل عبر الكروموزوم الجنسي الانثوي  - اكس - حيث ستحمله مستقبلا نصف الاناث ولن تصاب به ، بل سيبتلى به نصف الذكور . .......... ولكن، استميحكم عذرا ، ارجو ان لا تقولوا بان كل البلاوي تاتي من محبوبتنا حواء ......  .

و بدون شك ، جميعنا قد التقى في المدرسة او محل العمل او بمحض الصدف ،  بمن تبرز على جسمه بقعة منفردة او بقع متعددة بيضاء اللون ، مع احمرار فاتح في قسم منها في بعض الاحيان ، وباشكال وحجوم متنوعة . انه البهق الذي قد يتشابه مع المهق عندما يكون منتشرا وواسعا .  وهنالك اختلافات جوهرية  بينهما :
المهق  ، كما اسلفت ، مرض وراثي  ،يظهر عند الولادة بسبب خلل في تكوين صبغة الميلانين ، اما البهق فهو مرض مكتسب يظهر عادة بعد الولادة نتيجة التخريب المناعي الذاتي للخلايا التي تفرز صبغة الميلانين ، وقد يصاحب ايضا  بعض الامراض ذات العلاقة بالمناعة الذاتية مثل فقر الدم الوبيل و قصور العدة الدرقية .
أهم اختلاف بينهما هو تحسن البهق بالعلاج  ، اما المهق فلا علاج له لحد الان غير التاهيل النفسي والاجتماعي ، وهو حالة مستقرة لا تتطور ولا تتحسن ، غير ان الامهق  اكثر عرضة للاصابة بسرطان الجلد بسسب اشعة الشمس فوق البنفسجية وانعدام صبغة الميلانين ، اضافة الى ما يعانيه من عمى وظيفي وحساسية شديدة للضوء وحركة العينين السريعة اللاارادية .

تختلف نظرة المجتمع الى المصابين بالمهق باختلاف ثقافته و تقاليده . ففي بعض دول افريقيا متلا يعتقد بانه لعنة من الالهة او الاجداد المتوفين ،  وهنالك ازواج يتركون زوجاتهم حال ولادتهم امهقا ، علما بان الزوج يشترك مناصفة مع  الزوجة في نقله .  و في تنزانيا ، حصرا ، يقوم السحرة وممارسي الطب الشعبي باستخدام اجزاء من جسم الامهق في طقوس خاصة ظنا منهم بان لها مقدرة سحرية لجلب الحظ السعيد وكسب المال السريع ،  وتصدر الى بلدان اخرى لهذا الغرض بعد قتل هؤلاء المساكين وتقطيعهم  . اما في زمبابوي ، فيعتقد بان ممارسة الجنس مع امراة مبتلاة به يشفي المصاب بمرض نقص المناعة المكتسبة – الايدز -   ، وبالفعل سجلت حالات اغتصاب غير قليلة لم تؤدي الا الى  نقل فيروس الايدز الى المغلوب على امرها . وفي جامايكا ، يعتبر الامهق ملعونا ويعزل اجتماعيا . ومن الخرافات الاخرى المنتشرة بين قسم من الافارقة ، بان مرضى المهق ليسوا من جنس الانسان وانما اشباح لا تموت بل تختفي وهم يولدون من امراة سوداء ورجل ابيض او اوربي .
 
ورغم ذلك ، فقد برز من ضحاياه عدد لا يستهان به في مجالات شتى كالتمثيل والادب والشعر وحتى السياسة.
ومن شاهد الفلم التحريفي ( شفرة دافنشي ) لا بد ان يتذكر الممثل الامهق الذي قام بدور الشرير .

فما جاء ذكره  في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو البرص ، والذي شفاه الرب . وجهود الكنيسة الكاثوليكية المتواصلة منذ زمن طويل لمكافحة هذا الداء الوبيل وخدمة المبتلين به  ما هو الا امتداد لاعجوبة السيد المسيح .

                            Albinism  المهق            Vitiligo  البهق                    Leprosy البرص
 




162
هل تمنع الإعاقة الابداع


الدكتور صباح قيا

 جاء في تعريف منظمة الصحة العالمية للاعاقة بانها مصطلح يشمل أية مشكلة في وظيفة الجسم اوهيكله ، وايضا الصعوبة التي
يواجهها الفرد في تنفيذ مهمة او عمل ، إضافة الى المعضلة التي يعاني منها  في المشاركة في مواقف  الحياة
أما المعاق فيعرف بانه الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في المجتمع في صفة او قدرة شخصية سواء كانت ظاهرة كالشلل
وبترالاطراف وكف البصز او غير ظاهرة مثل التخلف العقلي والصمم والاعاقات السلوكية والعاطفية
والسؤال الذي يتبادز الى الذهن ؟ هل توارى المعاقون عن الانظار مفضلين العيش بعزلة كاملة او نسبية بعيدا عن اطياف المجتع
منكمشين على انفسهم ومستسلمين لبلوى اعاقتهم نادبين حظهم على ما خلقوا به او ما اصابهم خلال مسار حياتهم ؟ ويأتي الجواب سريعا
 كالبرق وبلا تردد كلا ومليون كلا
لقد ابدع الكثير من المعاقين في مختلف جوانب الحياة السياسية منها والادبية والاجتماعية والعلمية ودخلوا التاريخ من اوسع ابوابه ،
وكانت ولا تزال مساهماتهم وانجازاتهم نموذجا للإقتداء به ومنارا تحنو له اطول الرقاب ، ويستوجب سرد الامثلة على ذلك مجلدات
عديدة لاستيعابها
فقد برع في الادب او الشعر او الفلسفة على سبيل المثال لا الحصر كل من هوميروس وبشار بن برد وابي العلاء المعري وطه حسين
بالرغم من فقدانهم البصر ، والف بيتهوفن اروع مقطوعاته بعد اصابته بالصمم ، اما اعجوبة المعاقين هيلين كيلر فلم تثنها الاصابة
بالعمى والبكم والصمم عن تعلم عدة لغات وعن بروزها في التأليف والكتابة ، ولن اغفل ذكر عالم الرياضيات ستيفن هاوكنك المصنف
 كاعظم عالم في القرن العشرين بعد اينشتاين والذي كان ولا يزال مثار اعجابي وتقديري من جهة وحيرتي من جهة اخرى ، فها هي
بحوثه مستمرة رغم شلله الكامل تقريبا، اما طريقة تدريسه المتواصلة عبر الحاسب المجهز بماكنة لتشكيل كلماته فانها بحق تسلب الالباب
ويستدل من ذلك بان المستحيل يغدو ممكنا عند توفر الارادة القوية مدعمة بالموهبة المتميزة
ومن دون شك هنالك اعداد هائلة من المعاقين الذين لم تصل نتاجاتهم مستوى الشهرة ولكنهم ساهموا في تقديم خدمات جليلة للانسانية من
خلال اعمالهم ونشاطاتهم المتنوعة
ويطرق سمعي الان سؤال اخر .. هل تقتصر الاعاقة على ما جاء في تعريف المنظمة العالمية ؟ ، وهل المعاق هو فقط الذي فقد عضوا
او اصيب بعاهة ما ؟ وياتي الجواب مجددا كلا ومليون كلا
اكتبها بصراحة واستميحكم عذرا ، اننا جميعا معاقون بشكل او باخر، ولن استثني احدا على الاطلاق حتى نفسي ، اننا معاقون رغم
خلونا من اية عاهة ظاهرية او افة خفية ، اننا معاقون رغم سلامة عقولنا واكتمال ابداننا ، ان اعاقتنا هي في ازدواجية تفكيرنا وفي قصر
 مقاساتنا وضيق افاقنا وفي ذبذبة سلوكنا وتقلب مزاجنا
ان في اعماقنا جمبعا واحدة على الاقل من هذه المزايا;
نمارس النميمة عند دعوتنا للصدق ، نضمرالحقد والضغينة حين يستوجب الغفران والتسامح ، نتصرف بغطرسة وكبرياء حيث البساطة
 والتواضع ، ننظر بازدراء واشمئزاز حين نلتمس الاحترام والتقدير ، نبشر بالكراهية في اجواء المحبة ، نتشبث بالقشور ونترك الجوهر
، ننطق بالضلال وننسى المنطق ، ننظر بحسد حينما يتطلب الاعجاب ، نتبنى التطرف والانفعال وقت النقد، ونحرم لغيرنا ما نحلل
 لانفسنا
ان اشد انواع الاعاقة قسوة على المجتمع هي تلك المرتبطة بالسلوك الشخصي او الضمير الفردي واذا توفرت الموهبة في مثل هذا الشكل
من الاعاقة فانها حتما تحيل اي  بناء الى خراب و رماد
فمتى افلحنا في تصفية عقولنا وتنقية قلوبنا وازلنا الشوائب من ادمغتنا وابداننا ونجحنا في غرس الخصال الانسانية في اعماق ذاتنا نكون
بذلك قد حققنا اسمى معاني الابداع   

163
رسالتي الثانية الى راعي الكنيسة الكلدانية
                                                                                                                          د. صباح قيا
في بدء مسيرتي المهنية وفي قضاء من اقضية كردستان الجميلة ، اعارني امام من الاخوة الاكراد ينتسب الى احدى الوحدات الطبية المتجحفلة آنذاك مع القطعات العسكرية في تلك المنطقة ، كتابا بعنوان " من  شعراء الارض المحتلة " والذي يحتوي على مختارات شعرية لخمسة شعراء فلسطينيين ، اتذكر منهم محمود درويش ، سميح القاسم ، و معين بسيسو ، وللاسف الشديد ،  تخونني الذاكرة عن درج الاثنين الاخرين . ولميلي الشديد لقراءة الشعر وبالاخص القصائد التي تحكي المعاناة مهما اختلفت دوافعها ومسبباتها متاثرا باستاذ اللغة العربية في مرحلة دراستي المتوسطة وهو يشرح بنبرة شجية حالمة القصيدة التي تنسب الى ابن زريق البغدادي ومطلعها:
لا تعذليه فان العذل يولعه     قد قلت حقا ولكن ليس يسمعه
، قرأ ته من الفه الى يائه بمتعة ولكن ممزوجة بحزن وأسى ، فكم هو قاس الاحساس بالغربة وانت في بلدك او ان تسكن مضطرا وطنا ليس من خيارك ،  وكم هو اليم ان تداس ليعطى استحقاقك لغيرك . فلكل قصيدة في الكتاب قصة حزينة ، وهو برمته معاناة شعب كسير . ولكن ... رغم ضخامة وهول هذه المعاناة فانها قد جاءت  ممن هم - تاريخيا - اصحاب الدار ، فكيف الحال اذن عندما  تاتي ممن هم – تاريخيا -  غرباء عن  الدار ؟ . وهذا ما حصل ويحصل لشعبنا المسيحي ، والذي بسببها تبعثر شمل  العائلة الواحدة : الابن في استراليا ، البنت في هولندا ، الاخت في السويد ، الاخ ما زال ينتظر في ارضنا الجريحة ،  الوالدان  في  نيوزيلندا ،  والعائلة الاوفر حظا من انتشر افرادها بين امريكا وكندا .  
من اروع ما وهب الخالق للانسان هما :  القابلية على التكيف لمتقلبات الظروف مهما بلعت قسوتها ، ورحمة النسيان لالام الماضي رغم شدتها  . وهكذا ، مع مرور الوقت ،  تتلاشى معظم الصعوبات ويقترب المهاجر من الاندماج مع مجتمع بلاد المهجر بسرعة تزداد تدريجيا حتى تضمحل الفروقات تماما مع تعاقب الاجيال .  ومن هنا سيبدأ قلقي بل بالاحرى معاناتي وربما ملامتي من قبل هذه الاجيال . أسمع ما لا يسمعون ، اقرأ ما لا يقرأون ، اكتب ما لا يكتبون ، وانطق بما لا ينطقون. أتساءل : من سينظر الى كتاباتنا ؟ من سيطلع على مواقعنا ؟ من سيتعمق في جذورنا ؟ من سيفخر بتراثنا ؟ من سيثمن جهودنا ؟ من ؟ من ؟ ومن ؟ ...... اعتقدت ، واهما ، باني وجدتها ! فاذا بالاعين تنظر شزرا ، والشفاه تتراقص رعبا ، والوجوه تتساءل  بازدراء ، والجباه  تحملق باستهجان ...... ومن بين هذا الجمع الناطق بصمت يطرق مسامعي صدى حاد: لماذا نعلم ابناءنا لغة الاسلام ؟ فاذا بي اتمتم بما كان يردده الممثل جعفر السعدي في المسلسل الشهير " الذئب وعيون المدينة : ...عجيب امور غريب قضية ....
من البديهيات المعروفة بان لكل معضلة حل ولكن ليس بالضرورة ان يكون الامثل . من الممكن بكل بساطة الالتجاء الى كنائس اخرى ليتعلم ابناؤنا لغة تعليمنا وثقافتنا ولكن من يضمن عدم  حضورهم مستقبلا  الفعاليات الطقسية لتلك الكنائس وبذلك نكون قد ساهمنا ، من غير ان ندري ،  في زيادة التناقص التدريجي الملحوظ في رواد كنائسنا الكدانية . وبدون شك  ان هذا الخيار اسلم من تعلمها من خلال الايات القرانية والاحاديث النبوية كحل بديل اخر .  ولكن لم هذا التعقيد ؟ فكل الطرق تؤدي الى روما ، وروما هي الصخرة وكنيستي حجرة من حجرها . اني على يقين بان الكثير ممن خدم في سلك التعليم على استعداد للمساهمة وتقديم جل خدماته في هذا المجال . وايضا هنالك من لهم الخبرة باعداد المناهج المناسبة لمختلف المستويات .  ستتهيا من خلال تعليم اللغة فرصة ثمينة  للحفاظ على تقاليدنا و قيمنا وترسيخ عاداتنا الاجتماعية وشرح تاريخنا والاطلاع على تراثنا . فما لمسناه ونلمسه في مدارس بلاد المهجر وحتى الكاثوليكية منها هو تعليم التلاميذ في مراحل عمرية مبكرة كيفية تجنب الحمل قبل الزواج ، وطرق ممارسة الجنس الواقي ، والتبليغ عن اية مضايقة من الاهل ، رغم كون تلك الاعمار ،  وبالاخص من بين  ابناء رعيتنا ، غير مهيأة نفسيا وفكريا لاستيعاب مثل هذه المواضيع .
في مقولة للبابا الراحل يوحنا الثالث والعشرون : "  التاريخ  هو معلم الحياة "
فلنصغي - نحن معشر الحياة تلاميذ اليوم – بدقة وامعان الى استاذ كل الاجيال كي نعي الحاضر من خلال سبر اغوار الماضي .                                                                                                                                  
اللغة العربية من اللغات السامية الا ان بدايتها لا زالت مجهولة، واقدم نص اثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الاشوري شلمانصر الثالث . واقدم نص عربي مكتشف مكتوب بالخط النبطي وهو نقش ( النمارة ) المكتشف في سوريا والذي يرجع لعام 328 م ( النص القراني في القرن السابع ) .
يشير الكتاب المقدس ( اعمال الرسل اصحاح 2 :11 ) الى ان من من بين الذين اجتمعوا في علية صهيون ، حيث تمت معجزة حلول الروح القدس ، فيما اصبح معروفا بالعنصرة ، كان من تكلموا العربية ، مما يؤكد وجود المسيحيين العرب في فترة انطلاقة المسيحية الاولى .
دخلت المسيحية بلاد العرب نتيجة مجهودات تبشيرية فردية في العراق والشام وتاسست ممالك قوية من المسيحيين العرب – المناذرة في الحيرة والغساسنة في بصرى واتباع الحارت بن كعب في نجران في اليمن - .                                  
ظهرت بين المسيحيين العرب قبل الاسلام شخصيات ادبية وشعراء اغنوا المكتبة العربية ، ليس في حينه بل على مدى الايام ، منهم عمرو بن كلثوم ، امرئ القيس ، النابغة الذبياني ، عدي بن حاتم الطائي .                                          
كانت السيدة خديجة بنت خويلد زوجة رسول الاسلام عربية نصرانية والتي زوجها له عمها الراهب ورقة بن نوفل .
 يمثل العرب بكافة دياناته حاليا 20 %  فقط من عدد مسلمي العالم اي ان 80 % من المسلمين عموما لا يتكلم اللغة العربية .
اذن ، استطيع ان اعذر نفسي الان واقول  بكل ثقة ، بان اللغة العربية ليست لغة الاسلام ، وانما  " لغة كتاب المسلمين " ... فمن له اذنان فليسمع ... .

 


164
حكايــــــــــــــــــــــــــــات طبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة 1
                                                                                                                                   د. صباح قيا  
 ( Leprosy ) البرص

( متى  8 : 1- 4  ،  مرقس  1: 40 - 50  ،  لوقا 5 :  12– 16 )
ولما نزل يسوع من الجبل ، تبعته جموع كبيرة . ودنا منه ابرص ، فسجد له وقال : يا سيدي ، ان اردت فانت قادر ان تطهرني . فمد يسوع يده ولمسه وقال : اريد ، فاطهر ! فطهر من برصه في الحال .

يعود تاريخ الاصابة بمرض البرص الذي يعرف حاليا بالجذام او مرض هانسن ( نسبة الى العالم النرويجي  جي هانسن الذي اكتشف العصيات المسببة للمرض عام 1873 م   )  الى ما قبل  4000 سنة  ق م .  وقد عثر على اول اشارة له في ورق البردي المصرية حوالي 1550 ق م وقام ابو قراط بشرحه سنة 460 ق م . كما كان المرض شائعا عند الاقدمين المصريين واالصينيين والهنود وجاء ذكره لمرات عديدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد .
انتقل المرض الى اوربا بواسطة الرومان والى امريكا لاحقا عن طريق الاوربيين. وقد عرف في كندا منذ القرن التاسع عشرة حتى منتصف القرن العشرين ليستقر بعدئذ  في بطون كتب التاريخ الكندي , ولكن عولجت حديثا حالات معدودة جدا بين المهاجرين الجدد الذين رحلوا من موطنهم الاصلي مع مرضهم .
البرص مرض مزمن ينتقل  عبر الرذاذ المتطاير من الانف والفم  . العدوى بطيئة جدا وفترة الحضانة واسعه قد تتراوح من ستة اشهر الى ثلاثين سنة او اكثر وتحتاج الاصابة به الى ملامسة طويلة  ومتكررة . وربما يلعب العامل المناعي للجسم دورا مهما في حدوثها  او عدمها  . يشمل المرض اجزاء متعددة من جسم الانسان واهمها الجلد الذي يتغير لون مساحات كبيرة منه وتظهر التقرحات هنا وهناك وتتاكل الانسجة الخارجية تدريجيا والتي قد  تؤدي الى فقدان جزء من الاعضاء كالانف على سبيل المثال ويبدو الوجه مشوها  كوجه اسد كهل متعب .  و ايضا يستهدف العين مسببا العمى اضافة الى الاغشية المخاطية للانف. والاهم اصابة الاعصاب المحيطية التي تبدا بفقدان الاحساس ليتطور شيئا فشيئا وصولا الى بتر ذاتي لجزء من طرف او اكثر. وينتشر اليوم في كافة ارجاء المعمورة  مليون  الى مليونين ممن يعانون من اعاقة مستديمة بسبب اصابة قديمة او حديثة بالبرص.
وخلال المراحل التاريخية المتعاقبة كان البرص مثيرا للرعب والفزع عند الاصحاء و نصيب من الم به  الازدراء والعزلة والاستهجان . كان الاعتقاد السائد بانه لعنة او عقوبة من الله ووصمة عار  فلذللك تمنع صلاته مع الجموع . وفي اوربا خلال القرون الوسطى تحتم على المجذومين ارتداء ملابس مميزة ، قرع الاجراس لتحذير الاخرين بوجودهم عن قرب ، او السير على جانب معين من الطريق بحسب اتجاه الريح . وحتى في العصر الحديث تتم معالجة المصابين في مستشفيات منفصلة ويفرض عليهم العيش في عزلة تامة في  مستعمرات مهيئة لذللك اطلق عليها مستعمرات الجذام ، والتي يسمح فيها رسميا بالتزاوج بين المجذومين انفسهم ، وبالفعل سجلت حالات عديدة في اكثر من مستعمرة بالرغم من ان  المرض  يؤدي عند  الذكور الى الاصابة احيانا بالعقم او العنة 0
هنالك في عراقنا الحبيب مستعمره للجذام و بالذات في مدينة العمارة قريبا من الحدود الايرانية حيث كانت تأوي بضع مئات من المجذومين  لم يبق منهم الان سوى عدد لا يتجاوز مجموع اصابع اليدين بسبب فرار الاخرين بعد الاجتياح الدولي عام 2003 م . يعيش هذا العدد الضئيل في ظروف قاسية جدا حيث لا ماء ولا كهرباء  ولا رعاية اجتماعية او غذائية او طبية منتظمة ،  و يحضر لتفقدهم  بين الاونة والاخرى بعض المتطوعين من دائرة صحة محافظة ميسان ، ويقدم لهم احيانا فاعلو الخير من القاطنين قريبا منهم الماكل والملبس وبعض الوسائل الحياتية كالتدفئة والتبريد حسب الموسم . مع العلم ان منظمة الصحة الدولية بادرت منذ عام 1995 م  بتوفير  العلاج الثلاثي ام دي تي مجانا لمرضى الجذام في كافة انحاء المعمورة .
يولي الفاتيكان اهتماما واسعا بمرضى الجذام . وللكنيسة باع طويل في خدمة هؤلاء المرضى المنبوذين حتى من ذويهم ، وهي مستمرة في توفير الاسناد الروحي والطبي لهم اضافة الى منحهم فرص المعافاة والاندماج مع المجتمع . وهنالك اكثر من 520 مستعمرة تدار من قبل الكنيسة  منتشرة في بقاع مختلفة من العالم لتحقيق هدفها السامي وخاصة ان التمييز ضد المرض ما يزال خطيرا في كثير من الاقطار  . ولقد تجلى الابداع الكنسي بتطويب الراهبة الامريكية ماريان كوب عام  2012 م  والتي امضت اكثر من ثلاثين عاما ابتداء من عام  1880 م  ترعى المجذومين في مستعمرة  كالاوبابا في جزر الهاواي حتى وفاتها لاسباب طبيعية  داخل المستعمرة عام 1918 م .
  



165
رسالتي الأولى الى راعي الكنيسة الكلدانية
                                                                                                                        د. صباح قيا
لكافة مجالات الحياة ولمختلف تشعباتها هدف اساسي ، و من اجل تحقيقه لا بد من وجود محور او مركز تتفاعل حوله كل الجهود بهمة واندفاع بغية تأمين الوصول اليه بانسيابية ويسر. وكمثال على ذلك ما يجري في العائلة الواحدة حيث يعمل الوالدان بجد و بدون كلل من اجل تنشئة  ذريتهما وتهيئة الظروف الممكنة لرسم طريق المستقبل بما يرفع من شأن العائلة من جهة وبما يوفر من عيش رغيد للذرية من جهة اخرى ،   فالذرية في العائلة هي المركز او المحور وسعادة الاباء من راحة ابنائهم.                                                                                                                             
وفي معظم او ربما في جميع  الاعمال التجارية ياتي الزبون اولا ، فهو المركز الذي تتكثف حوله كافة النشاطات والفعاليات طمعا في تلبية متطلباته واشباع رغباته وصولا للمبتغى الرئيسى لهذا المجال الذي هو الكسب المادي .
اما في مهنة الطب فالمريض هو المحور او المركز بدون منازع. فما الاموال الطائلة التي تبذر في البحوث و التقنيات المتطورة الا لاجله ، ولقد سنت قوانين متعددة لحماية حقوقه واحترام خياراته ، كما يتحتم على الطبيب مواكبة احدث المعلومات الطبية واخر المبتكرات العلمية  مساهمة منه في تقديم  أفضل الخدمات المتيسرة  لتعجيل شفائه  واذا تعذر ذلك منحه حياة نوعية مناسبة على اقل تقدير.
ولكن تكمن حيرتي في الكنيسة الكلدانية التي كانت بالامس كنيستي ولا تزال اليوم وستبقى غدا والى الابد . ومن اعماق حيرتي يبرز هذا السؤال : من هو المحور او المركز الذي تجتمع حول دائرته فعاليات الكنيسة المتعددة ؟ صحيح ان تأدية الواجب في  الصلاة و عبادة الخالق وتناول القربان هو جوهر القداس ، ولكن كيف نضمن استمرار ذلك بانسيابية ايجابية ؟ فهل الكاهن هو المركز؟ أم انه الرعية بحضورها الفاعل وبعطاءاتها المادية والعينية ؟ ام انه انشطة العلمانيين في المجالس واللجان والتنظيمات والأخويات  المشكلة من قبل الكنيسة او المرتبطة بها ؟ يبقى الجواب مبهما الى حد ما في الكنائس الشرقية بصورة عامة وكنيستنا الكلدانية بصورة خاصة .
لقد افلحت الكنيسة الكاثوليكية في الغرب في التغيير الى حد كبير فجعلت من الرعية مركزا  و محورا اساسيا في كنيستها وذلك بعد الانتكاسات الاليمة التي حصلت لها  عبر الازمنة الغابرة ، وهي تجاهد اليوم بكل عزم  و اصرار كي  تتواصل مع متطلبات العصر رغم التحديات الخطيرة التي تواجهها نتيجة لتقبل شرائح غير قليلة من المجتمع من ناحية  وتشريع الدول بالتعاقب من ناحية اخرى لقوانين بعيدة كل البعد عن الرسالة السماوية  بحجة حرية الفرد في الاختيار وذريعة احترام حقوقه .   
ولمست انا شخصيا اهتمام الطقس الغربي بالرعية اولا خلال حضوري في بغداد  قداسا لاتينيا لاول مرة... كان ذلك في النصف الثاني بعد الستين من القرن الماضي بعد رفض البطريرك الراحل  لويس شيخو استمرار اجتماع اخويتنا " اخوية الشباب الجامعي المسيحي " في كنيسة ام الاحزان وذلك باشارة مقصودة من المطران الراحل الاب انذاك موسيس المعروف ب [  قس عنتر ]  لاختلاف الاخير  مع الهيئة الادارية للاخوية لاسباب اجهل تفاصيلها لحد اليوم كوني  كنت عضوا عاملا في اللجنة الثقافية ذلك الحين .  استمرت اخويتنا  بعدئذ باجتماعاتها المنتظمة وانشطتها العلمانية المتعددة ولكن في كنيسة عذراء فاطمة بعد ان احتضنتنا على الفور صدور الاباء اللاتين الواسعة بحنان ورقة . وما اثار استغرابي في بادئ الامر ليس قصر فترة القداس فحسب وانما مواجهة الكاهن للرعية خلال مراحل القداس. كنت المح تعابير وجهه وانفعالاته المنسجمة مع الكلمات واشاهد كل مجريات القداس من كسره الخبز ورفعه الكاس ورشفه رمز دم المسيح . لم يكن هنالك وقت كي اسرح بفكري في عالم خارج محيط القداس. وبمرور الاسابيع تحول استغرابي الى قناعتي بان مواجهة  الكاهن للحضور ما هو الا دليل واضح على الاهتمام الجاد بالرعية وتكريس لمشاركتها في  القداس ، فالرعية اذن هي المركز وهي المحور. وتساءلت لم لا تحذو كناؤسنا حذو هذا المنوال ؟ فجاء رد اصحاب القرار  حادا ، لاذعا ، و صارما بحجة اعتزازهم وفخرهم بنموذج الطقس الكلداني ورفضهم القاطع للتغيير او التقليد. ولكن ، والحق يقال ، اليس طقسنا هو اقتباس او  امتداد للطقوس الوثنية القديمة بعد اجراء التحويرات اللازمة والضرورية كي يتماشى مع الايمان بالرب الخالق ؟  حيث استعضنا عن تسبيحهم للالهة المتعددة بعبادتنا للاله الواحد بثالوثه المقدس . شكرت الرب  لعدم وجود محاكم التفتيش وقتئذ والا لاتهموني بالهرطقة واذاقوني مر العذاب . ويا للعجب ، لم يمض وقت طويل على نجاتي حتى بدأت كناؤسنا الواحدة تلو الاخرى بممارسة القداس والكاهن وجها لوجه امام الرعية .
ومظهر اخر يؤكد اولويات الرعية عند كنيسة الغرب الكاثوليكية هو وقوف الكاهن عند باب الكنيسة مباشرة بعد انهائه القداس بتواضع و خشوع والابتسامة على محياه معظم الوقت مودعا و شاكرا الجموع على حضورها .
اني على يقين بان هذه الممارسة الحضارية ستنتقل عاجلا ام اجلا الى كنائسنا بمبادرة جريئة من قبل  احد الكهنة من الجيل  المعاصر الصاعد ذي الفكر المتجدد وعلى الاكثر من بين رعاة كنائسنا في المهجر . ولكن ؟ حذار حذار .... فقد يحلو للبعض الاستفادة من هذه الفرصة للتسامر مع الكاهن او طرح مواضيع شخصية او عامة دون الالتفات اطلاقا  للجموع المحتشدة بانتظار دورها . والاهم من ذلك ... حذار الى ما لا نهاية ...  ان ينقلب التوديع الى عناق وتقبيل  ، فاذا كانت عادة الانحناء صوب يد الكاهن لتقبيل ما في محبسه ، وليس لتقبيل يده ، قد افل زمانها وفي طريقها للاندثار للاسف الشديد ،  فلا يعني ذلك الاستعاضة عنها  بما يثير الاحاسيس البشرية ويوقظ الغرائز الجسدية من سباتها ... تذكروا بان الكاهن بشر يمتلك ما نمتلك و يشعر بما نشعر ، وقد ينزلق في لحظة ضعف ... والامثلة على ذلك غير قليلة . 
من الممكن ، وبكل بساطة ، تجنب الوقوع في مثل هذه المآزق بتوجيه الكاهن للالتزام بتقاليدنا الموروثة وعدم الاشتطاط عن الاعراف السائدة في مجتمعنا المحافظ ، وان يعيد ذلك مرات ومرات والى حين  ان تصبح العادة سياقا متبعا . 
     
                                                                                                                         

166
الديمقراطية الانتقائية لكنيستنا الكلدانية في وندسور-كندا

الدكتور صباح قيا      
تعلمنا منذ نعومة اظفارنا بان الديمقراطية تعني حكم  الشعب.  وكم كان يحلو لنا ان نتغنى بكلمة الديمقراطية بعد ثورة الرابع ععشرة من
تموز عام ١٩٥٨ حيث اوحي لنا ذلك الحين بان الديمقراطية هي احلى ما يتمناه المرء واسمى نظام يسعى اليه كل شعب لتحقيق المساواة
والعدل وارساء دعائم الحرية وتوفير العيش الرغيد واحلال بشائر السلام والى غير ذلك من الاوصاف الصادرة من حلاوة اللسان وعسل
 الكلام
ومرت الايام والسنون واذا بالديمقراطية تتشعب وتتكاثر ، فبزغت ديمقراطيات متنوعة منها الديمقراطية الليبرالية والديمقراطية الشعبية
 والديمقراطية الجماهيرية والديقراطية النبيلة والى غير ذلك من المسميات  الجذابة الخلابة, وهكذا ضاع الحابل بالنابل واختلط الامر
على الفكر البشري الهادف وفقدت كلمة الديمقراطية ذات الاصل اليوناني مفهومها الحقيقي وتاهت في ازقة المتشوقين لتحقيق مصالحهم
الشخصية على حساب ضمائر الشعوب المعذبة
وفي خضم هذا الضياع لمفهوم الديمقراطية بين المسميات العديدة طلعت علينا كنيستنا الكلدانية العزيزة بديمقراطية جديدة
كاسلوب عصري وحضاري من وجهة نظرها لانتخاب مجلس الخورنة الموقر لعامي ٢٠١٣ و ٢٠١٤ ولقد ارتأيت انا تسميتها
 بالديمقراطية الإنتقائية, حيث يحق للأب الراعي بالاشتراك مع اللجنة المشكلة من قبله إنتقاء ما يحلو له من المرشحين ورفض طلبات
 ترشيح من لا يروق له بالذات ولربما للجنته أيضا إن كان لها حقا دورا جادا في إبداء الرأي واتخاذ القرار بالمعنى الصحيح ،
 كل ذلك رغم توفر شروط الترشيح الموضوعة من قبل الكنيسة متمثلة براعيها الجليل
ومن الصدف الطريفة خلال متابعتي لاحوال الشعوب وامور الدنيا وخاصة في بعض دول الجوار لبلدي الحبيب العراق تبادر الى ذهني
 هذا السؤال ; هل أن هذه الديمقراطية الانتقائية وليدة كنيستنا الكلدانية أم انها اقتباس من اسلوب انتخابات الرئاسة الايرانية
 الاخيرة ، فلربما التقى اللباس الكهنوتي لوندسور مع العمامة الايرانية في اتحاد هادف لبسط الطريق امام تحقيق الوحدة الالهية الشاملة
بعد أن عجرت لحد الان والى حد ما قمم الكنيسة الكاثوليكية في أرجاء المعمورة من تحقيق ولو جزءٍ يسيرا من الوحدة المسيحية التي هي
الامل الكبير لكل المؤمنين عبر السنوات الغابرة واللاحقة ، أم أن هذا اللقاء نابع من اعماق الكروموسومات والجينات التي تتحكم في
 سلوك وتفكير الانسان وكقاسم مشترك لانماط البشر في تلك البقعة من عالمنا الواسع
ليس القصد من هذه الكلمات عتابا او لوما لاحد على الاطلاق ، حيث عودت نفسي تجنب العتاب واللوم قدر المستطاع متأثرا بكتابي
 الفيلسوف الاجتماعي ديل كارنيجي ، الاول دع القلق وابدأ الحياة والثاني كيف تكسب الاصدقاء وتؤثر في الناس واللذين قرأتهما بشغف
وامعان في الصيف الأخير من مرحلة دراستي الثانوية ، إنما الغرض الحقيقي هو إيضاح موقفي من هذه الممارسة السلبية التي ابتدعتها
كنيستنا الكلدانية-فرع وندسور- في بلد الحرية والمساواة ، ولكي تنتبه كناؤسنا الاخرى في المهجر وأن لا تسقط بين مخالب هذا الاسلوب
 
الغريب الذي من دون شك يؤدي الى بعثرة وتفريق شمل الرعية بدلا عن لم و توحبد  الجمع المؤمن  
 وفي الختام لا يسعني الا أن أصرخ باعلى صوتي وداعآ وداعآ لكنيستي الكلدانبة وإلى حين، وأن أبدأ لنفسي مسارآ جديدآ ولكن ضمن
 ايماني الكاثوليكي الذي لا ولن يتزعزع ولسان حالي يردد قول الشاعر الفيلسوف أبي العلاء المعري
هذا ما جناه أبي علي       وما جنيت أنا على احد
 
 
  






صفحات: [1]